جمهورية بيت طعيس..
 الثراء القذر أو كيف تحكُم بالنيابة عن الآخرين 

ميزر كمال

19 نيسان 2024

قصة عائلة بَنَتْ ثراءً قذراً وتحكُم بالنيابة عن الآخرين في ديالى.. كيف يُدير سعد وحميد وهاني جمهورية بيت طعيس؟

في ديالى، الخلاف الذي لا تحلّه السياسة يحسمه السلاح، وهذا ما حدث في منتصف نيسان 2024، عندما ذهب رتل من مركبات الدفع الرباعي، معبأة بالمقاتلين والسلاح، إلى بيوت أعضاء في مجلس محافظة ديالى، كانوا قد فازوا بالانتخابات المحلية الأخيرة، لتسليمهم رسائل تهديد بالقتل والحرق، إن هم لم يصوتوا للأسماء التي “تريد” لها عائلة طعيس الفوز بمنصبي المحافظ ورئيس مجلس محافظة ديالى. 

تفكيك الخلاف وتتبّع خلفياته يقود إلى جذور المشكلة في ديالى، المحافظة الأكثر تعقيداً من المشهد الذي يبدو عليه من خلال البيانات الرسمية، والمؤتمرات الصحفية، والأحاديث التي تتعلق بالسياسة والاقتصاد والأمن والمجتمع، هناك حيث تسيطر المافيات وتحكم قبضتها الأمنية، منذ 2003 ولغاية الآن، مع الأخذ بعين الاعتبار تطوّر سلوك وأساليب هذه المليشيات، التي أصبحت أكثر قوّةً ونفوذاً وسطوة. 

نهايات 2023، فازت سبع قوى سياسية بمجلس محافظة ديالى (عدد مقاعده 15) في الانتخابات المحلية لمجالس المحافظات، هي: تحالف ديالتنا الوطني بـ 4 مقاعد، حزب تقدم (3 مقاعد) وحزب السيادة (3 مقاعد) وتحالف العزم (مقعد واحد) وتحالف الأساس (مقعد واحد) وتحالف استحقاق ديالى (مقعدان) وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني (مقعد واحد). 

لكن، هذه السباعية ليست كما تبدو في الأرقام التي تحددها مقاعد المجلس، فهنالك ولاءات وتحالفات جانبية يتحكم بها السلاح والموارد والعقود والتهريب والمخدرات والإتاوات، وهذه تسيطر عليها عوائل نافذة، وهذه العوائل لها مصالح وولاءات متعددة، ولصالح أكثر من جهة في الوقت نفسه، مثل عائلة بيت طعيس، بطلة هذه القصة، وحليفة الرجل الأقوى في ديالى، محافظها السابق الذي ما يزال في منصبه حتى الآن، يصرّف أعمال المحافظة، ويطمح في البقاء، مثنى التميمي. 

العائلة 

لبيت “طعيس” نفوذ لا يقلّ عن نفوذ وسطوة بيت “زيني”، فطعيس له ثلاثة أبناء يشاركون في صناعة السياسيين والتجّار والمتنفذين، ويقتلونهم أيضاً -حسب اتهامات- إن أرادوا ذلك بطبيعة الحال، كما حدث عام 2019، مع حارث الربيعي، مدير ناحية أبي صيدا، الذي قُتِل على يد رئيس حمايته الشخصية، قبل يوم واحد من إعلانه “الترّشح” لمنصب المحافظ، والخروج بمظاهرة ضد مثنى التميمي، الذي كان هو المحافظ، وتبع مقتل حارث الربيعي سلسلة من الاغتيالات لمسؤولين على صلةٍ به، منهم سعد الصريوي، رئيس المجلس البلدي في الناحية، ونجله وابن عمه، والعقيد محمد الحميري، مدير دائرة الجنسية.  

تتمتع عائلة طعيس بعلاقات وثيقة مع المحافظ مثنى التميمي، الذي فازت قائمته “تحالف ديالتنا الوطني” بأربع مقاعد في المجلس الحالي، الذي لم ينجح منذ أكثر من ثلاثة أشهر بعقد الجلسة الأولى، وكذلك لها ولاءات فرعيّة مع قيادات في “ائتلاف دولة القانون” بزعامة نوري المالكي، على الرغم من أنَّ العائلة نفسها، دبّرت وخططت وسرّبت جلسة “التسريب الصوتي” لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وكانت في حينها فضيحةً مدوّية، لم يُحاسب أحد عليها. 

اقرأ أيضاً

المالكي أمام القضاء في قضية التسجيل المسرب: “ربع ساعة تحقيق وكفالة شخصية!”

تمتلك عائلة طعيس فصيلاً مسلّحاً تحت اسم “لواء أئمة البقيع”، يضمّ أربعة أفواج، قوامها أكثر من 3000 مقاتل نشط، تنتشر وتسيطر على مناطق في ديالى أهمها: المقدادية، بعقوبة، الهارونية، الصدور، قرّه تبّة، الخالص، حمرين، ميّاح، ويحمل اتباع الفصيل السلاح، ويغلقون الطرقات، متى دعت الحاجة لذلك. 

تلّح عائلة طعيس أنّ مليشيا “أئمة البقيع” هي لواء في الحشد الشعبي، ولكنّه تابع إدارياً لوزارة الدفاع، يسمّى كذلك “حشد الدفاع”، وهو ما تنفيه هيئة الحشد الشعبي باستمرار، وتصنف فصيل بيت طعيس على أنه لواء وهمي خارج عن القانون، “اللواء المذكور يدّعي الانتماء للحشد، ولكنّه لا يرتبط بأي شكل من الأشكال بالهيئة ولم يشترك بأي معارك” إلى جانبها. 

سعد طعيس 

اللواء 

الجهة التي تسلّح لواء أئمة البقيع بحسب آمر وحدة القوات الخاصة فيه، هي قيادة عمليات ديالى، لكنَّ عائلة طعيس تموّل هذه المليشيا من مالها الخاص أيضاً، الذي يأتي بدوره من نشاطات هذه المليشيا، فهي تنخرط في أعمال قذرة للحصول على الأموال، مثل تهريب الوقود والأدوية، وتجارة المخدرات، والأتاوات من السياسيين والتجّار والمواطنين، وتنفيذ الاغتيالات، وما يسهّل أعمالها داخل ديالى، هي العلاقات الوثيقة مع قيادات كبيرة في الجيش والشرطة، وهم ضباط كبار يتغاضون عن مقار هذه المليشيا، وانتشارها بنقاط تفتيش وحواجز أمنية في المناطق التي تسيطر عليها.  

في أيار، عادةً ما تكون الأجواء حارّة في العراق، لكنّها في العام الماضي كانت أكثر سخونة على طريق بعقوبة – المقدادية. كان مقاتلو لواء أئمة البقيع يضغطون على الإسفلت والحكومة من أجل إدراج مخصصات مالية لهم في الموازنة الثلاثية (2023، 2024، 2025). 

المقاتلون الذين نصبوا خيام اعتصامٍ على الطريق، وقطعوه ليصل صوتهم أسرع إلى بغداد، يطالبون برواتب لأكثر من 20 ألف مقاتل، يمارسون أنشطتهم في المحافظة بلا انتساب وظيفي إلى هيئة الحشد الشعبي أو الجيش العراقي، ويمتلكون كتباً رسميّة وهوامش وتواقيع ومراسلات مع وزارتي الدفاع والمالية، ومخاطبات مع مجلس النواب، وأسماء وعناوين كثيرة تتحدث عن “إمكانية إدراجهم” في الموازنة. 

خلال واحدة من اعتصاماتهم للمطالبة بتعيينهم على ملاك وزارة الدفاع، عرضت مليشيا “أئمة البقيع” وثيقة تظهر فيها أعداد منتسبيها الذين تريد تخصيص رواتب لهم من الدولة، أكثر من 3 آلاف إلى وزارة الدفاع، وأكثر من 17 ألفاً (وهؤلاء من فشلوا في الفحص الطبي) إلى برنامج الصحوات في الموازنة.  

وهذا البرنامج الذي يخص مقاتلي “الصحوات” التي كانت تقاتل تنظيم القاعدة، وصوّت عليه البرلمان ضمن الموازنة الثلاثية، ينص على “زيادة رواتب الصحوات من 250 ألف دينار إلى 500 ألف دينار من موازنة وزارتي الدفاع والداخلية”. 

عام التوسعة 

قبل عام 2014، لم تكن عائلة طعيس على قائمة العوائل المؤثرة في ديالى، لكن ذلك تغيّر عندما دخل تنظيم داعش إلى المحافظة، في موجة اجتياحه المدن والمحافظات العراقية، التي سيطر على ثلاث محافظات منها، الأنبار، ونينوى، وصلاح الدين، كما سيطر على أجزاء من ديالى وبابل وكركوك، ووصل إلى أطراف العاصمة بغداد. 

مصدر خاص مقرّب من قيادات الخط الأول بمنظمة بدر في ديالى، تحدث لنا عن نفوذ بيت طعيس، وكيف توسّع كثيراً بعد عام 2014، العام الذي سيطر فيه “داعش” على ثلث مساحة العراق، فالعائلة “استغلّت” فتوى المرجعية الدينية في النجف، التي دعت المواطنين الراغبين والقادرين على حمل السلاح إلى التطوّع في صفوف القوات الأمنية للقتال ضد التنظيم المتطرف. 

في تشرين الثاني من عام التوسّع ذاك، أعلنت قبيلة بني تميم في ديالى النفير العام لإنهاء وجود “داعش”، وأعلنت عن تحشيد أكثر من 5 آلاف مقاتل لدعم القوات الأمنية، من هذه اللحظة سطع نجم بيت طعيس. 

كل واحد منهم يُلقّب “حجّي”، حميد وهاني وسعد، أبناء طعيس الثلاثة، يقول المصدر، ويصف كيف أنْ “لا يستطيع أحد أن يتعرض لهم في ديالى” ويستشهد بما قاله سعد الذي سطع نجمه خلال تسجيل صوتي مسرّب مع زعيم ائتلاف دولة القانون، ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، “محد يكدر يندك بينا” يقول سعد للمالكي. 

وكان سعد في ذلك التسجيل يتبادل هو ورفاقه الأفكار حول دعم مليشيا “أئمة البقيع” بالسلاح والغطاء القانوني، وتعهّد المالكي بتوفير ذلك لهم، على أن “يبايعونه” على الطاعة ضمن “مشروع” أكبر تحدّث عنه بحريّة وجرأة، وكانت كل فكرة فيه تمثّل تهديداً خطيراً على الأمن القومي العراقي. 

قبل ذلك بسنوات، وتحديداً عام 2019، قطع مقاتلو لواء أئمة البقيع الطريق بين بعقوبة وخانقين، لمنع مرور قوّة تابعة لأمن الحشد الشعبي، وهددوا بإبادتها في حال رفضت إطلاق سراح سعد طعيس، الذي كانت قد اعتقلته توّاً في جبال حمرين، وأغلقت مقر اللواء الذي يقوده. 

مديرية أمن الحشد ذكرت حينها أنّها “قامت بإغلاق مقرهم الوهمي بناء على شكاوى عديدة وردت إلى الهيئة بشأن سلوكيات طائفية ومضايقات للأهالي وقيام اللواء المذكور بممارسة أعمال تجارية باسم الحشد مستغلاً بعض البسطاء في صفوف هذا اللواء الوهمي”. 

يقول المصدر، “لولا وساطة مثنى التميمي، المحافظ، الذي رتّب اتفاقاً يقضي بإطلاق أمن الحشد سراح سعد طعيس مقابل أن يسمح أتباعه بمرور قوّة أمن الحشد دون التعرض لها؛ لحدثت مجزرة كبيرة”. في التسجيل الصوتي المسرّب، يحكي سعد طعيس عن تلك الواقعة لنوري المالكي، في سياق حديث عن ضعف قيادات هيئة الحشد الشعبي. 

في ذلك التسجيل، كان سعد طعيس، الذي يلقّبه أتباعه “أبو المجاهدين”، يبحث عن ولاء ومرجعيّة خارج حدود ديالى، فلجأ إلى نوري المالكي، ومن خلال تتبع تحركاته ونشاطاته هو ولواء أئمة البقيع، فإنهم أعلنوا حاجتهم الملّحة لقوننة وضعهم، للاستفادة من امتيازات التخصيصات المالية التي تُعطى للأجهزة الأمنية ضمن موازنتي الدفاع والداخلية، فهم ينفذون “الأعمال القذرة” التي تتطلب غطاءً سياسياً وقانونياً من أجل إدامتها والتوسّع بها، والحفاظ عليها كذلك، لأنّ المنافسة قاتلة بين المافيات في ديالى، وهو ما تحدثوا أثناء التسجيل المسرّب. 

مثنى التميمي، المحافظ منذ عام 2015، يعرف قواعد اللعبة هذه، ويوفّر غطاءً سياسياً وأمنياً لنشاطات عائلة طعيس، التي تنتمي لبني تميم كذلك، فبحسب المصدر الخاص الذي حدثنا عن التخادم بين مثنى التميمي وبيت طعيس، أن سعد طعيس أخبر مقاتليه وأتباعه في المناطق التي يسيطر عليها في ديالى، أنّ منصب المحافظ سيذهب لواحد من هؤلاء الاثنين: مثنى التميمي، أو مثنى التميمي. 

التميمي، ينتمي لمنظمة بدر، التي يقودها هادي العامري، لكنّه ليس تابعاً للعامري مثل عادة الأتباع، هو ندّ قوي، وأحياناً يكون خصماً ومعارضاً لخطه في ديالى، مثلما حدث عند اعتراضه على محمد جاسم العميري، ابن رئيس المحكمة الاتحادية، ومرشّح العامري لمنصب المحافظ. 

الخلاف على منصب المحافظ قد يصل حد كسر العظم بين إخوة السلاح والمال في ديالى، مثنى التميمي، أطول ريشة في جناح منظمة بدر بديالى، والمحافظ المتصرّف حالياً، لا يريد التنازل عن منصبه، وتقف من خلفه قبيلة بني تميم، التي ترى أنّ المنصب من استحقاق القبيلة، وتدعم بقوّة ابنها الذي حصل على أكثر من 40 ألف صوت في الانتخابات. 

هادي العامري، زعيم بدر، لا يريد التجديد للتميمي، ولا يريد أيضاً أن تحتفظ قبيلة بني تميم بمنصب المحافظ، وهو على استعداد للتخلّي عن “حصة بدر” بالمنصب مقابل ألا يظفر مثنى التميمي به، وحصل هذا بالفعل، عندما وافق على مناقلة المنصب من بدر إلى ائتلاف دولة القانون. 

لكنّ عصائب أهل الحق لهم كلمتهم وبنادقهم ومقاعدهم في ديالى، وهم كذلك ضد التجديد للتميمي، وأعلنوها في أكثر من مناسبة، للحد الذي أعلنوا فيه أن مثنى التميمي، “بعد فشل أسلوب التهديد وشراء الذمم” يحاول توجيه أعضاء مجلس المحافظة من السُنّة، للمطالبة بأن يكون منصب المحافظ من حصّتهم، وتحليل العصائب لهذا الأمر، أنّ التميمي يحاول الضغط على الشارع الشيعي في ديالى، وتخويفهم من أنّه إذا لم يصبح هو المحافظ فإن المنصب سيذهب إلى السُنّة، لكنَّ هذا التحليل تنقصه الدقّة، لأنَّ “الأعضاء” السُنّة لهم مصالحهم كذلك، ويحاولون اللعب في هذا الملعب الذي لا تحكمه قواعد اللعب النظيف. 

“مثنى التميمي يحرّك أذرعه في الشارع، وأحد أقوى تلك الأذرع هم بيت طعيس، يستخدمهم لترهيب خصومه عندما تصل المفاوضات السياسية لطرق مسدودة”، يقول المصدر، وبرأي هذا المصدر فإنّ وضع بيت طعيس الآن يخدم مشروع مثنى التميمي، كما يخدم مشاريع الآخرين، “إنّها عائلة تقوم بالأعمال القذرة بالنيابة عن الجهات السياسية المسيطرة على المحافظة، ولا غطاء قانوني لها، لذا يمكن التخلص منهم بسرعة عندما تدعو الحاجة”.  

أبناء طعيس يعرفون هذا، ومن أجل ذلك يبحثون عن ساند أكبر، وترتيب قانوني يضمن لهم الدفاع عن أنفسهم عندما تقرر الجهات التي تُشغّلهم التخلي عنهم، تحت أي ظرف، ومن أجل ذلك هم يحاولون طرق كل الأبواب في بغداد، في الوقت الذي يكسرون فيه الأقفال في ديالى. 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

في ديالى، الخلاف الذي لا تحلّه السياسة يحسمه السلاح، وهذا ما حدث في منتصف نيسان 2024، عندما ذهب رتل من مركبات الدفع الرباعي، معبأة بالمقاتلين والسلاح، إلى بيوت أعضاء في مجلس محافظة ديالى، كانوا قد فازوا بالانتخابات المحلية الأخيرة، لتسليمهم رسائل تهديد بالقتل والحرق، إن هم لم يصوتوا للأسماء التي “تريد” لها عائلة طعيس الفوز بمنصبي المحافظ ورئيس مجلس محافظة ديالى. 

تفكيك الخلاف وتتبّع خلفياته يقود إلى جذور المشكلة في ديالى، المحافظة الأكثر تعقيداً من المشهد الذي يبدو عليه من خلال البيانات الرسمية، والمؤتمرات الصحفية، والأحاديث التي تتعلق بالسياسة والاقتصاد والأمن والمجتمع، هناك حيث تسيطر المافيات وتحكم قبضتها الأمنية، منذ 2003 ولغاية الآن، مع الأخذ بعين الاعتبار تطوّر سلوك وأساليب هذه المليشيات، التي أصبحت أكثر قوّةً ونفوذاً وسطوة. 

نهايات 2023، فازت سبع قوى سياسية بمجلس محافظة ديالى (عدد مقاعده 15) في الانتخابات المحلية لمجالس المحافظات، هي: تحالف ديالتنا الوطني بـ 4 مقاعد، حزب تقدم (3 مقاعد) وحزب السيادة (3 مقاعد) وتحالف العزم (مقعد واحد) وتحالف الأساس (مقعد واحد) وتحالف استحقاق ديالى (مقعدان) وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني (مقعد واحد). 

لكن، هذه السباعية ليست كما تبدو في الأرقام التي تحددها مقاعد المجلس، فهنالك ولاءات وتحالفات جانبية يتحكم بها السلاح والموارد والعقود والتهريب والمخدرات والإتاوات، وهذه تسيطر عليها عوائل نافذة، وهذه العوائل لها مصالح وولاءات متعددة، ولصالح أكثر من جهة في الوقت نفسه، مثل عائلة بيت طعيس، بطلة هذه القصة، وحليفة الرجل الأقوى في ديالى، محافظها السابق الذي ما يزال في منصبه حتى الآن، يصرّف أعمال المحافظة، ويطمح في البقاء، مثنى التميمي. 

العائلة 

لبيت “طعيس” نفوذ لا يقلّ عن نفوذ وسطوة بيت “زيني”، فطعيس له ثلاثة أبناء يشاركون في صناعة السياسيين والتجّار والمتنفذين، ويقتلونهم أيضاً -حسب اتهامات- إن أرادوا ذلك بطبيعة الحال، كما حدث عام 2019، مع حارث الربيعي، مدير ناحية أبي صيدا، الذي قُتِل على يد رئيس حمايته الشخصية، قبل يوم واحد من إعلانه “الترّشح” لمنصب المحافظ، والخروج بمظاهرة ضد مثنى التميمي، الذي كان هو المحافظ، وتبع مقتل حارث الربيعي سلسلة من الاغتيالات لمسؤولين على صلةٍ به، منهم سعد الصريوي، رئيس المجلس البلدي في الناحية، ونجله وابن عمه، والعقيد محمد الحميري، مدير دائرة الجنسية.  

تتمتع عائلة طعيس بعلاقات وثيقة مع المحافظ مثنى التميمي، الذي فازت قائمته “تحالف ديالتنا الوطني” بأربع مقاعد في المجلس الحالي، الذي لم ينجح منذ أكثر من ثلاثة أشهر بعقد الجلسة الأولى، وكذلك لها ولاءات فرعيّة مع قيادات في “ائتلاف دولة القانون” بزعامة نوري المالكي، على الرغم من أنَّ العائلة نفسها، دبّرت وخططت وسرّبت جلسة “التسريب الصوتي” لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وكانت في حينها فضيحةً مدوّية، لم يُحاسب أحد عليها. 

اقرأ أيضاً

المالكي أمام القضاء في قضية التسجيل المسرب: “ربع ساعة تحقيق وكفالة شخصية!”

تمتلك عائلة طعيس فصيلاً مسلّحاً تحت اسم “لواء أئمة البقيع”، يضمّ أربعة أفواج، قوامها أكثر من 3000 مقاتل نشط، تنتشر وتسيطر على مناطق في ديالى أهمها: المقدادية، بعقوبة، الهارونية، الصدور، قرّه تبّة، الخالص، حمرين، ميّاح، ويحمل اتباع الفصيل السلاح، ويغلقون الطرقات، متى دعت الحاجة لذلك. 

تلّح عائلة طعيس أنّ مليشيا “أئمة البقيع” هي لواء في الحشد الشعبي، ولكنّه تابع إدارياً لوزارة الدفاع، يسمّى كذلك “حشد الدفاع”، وهو ما تنفيه هيئة الحشد الشعبي باستمرار، وتصنف فصيل بيت طعيس على أنه لواء وهمي خارج عن القانون، “اللواء المذكور يدّعي الانتماء للحشد، ولكنّه لا يرتبط بأي شكل من الأشكال بالهيئة ولم يشترك بأي معارك” إلى جانبها. 

سعد طعيس 

اللواء 

الجهة التي تسلّح لواء أئمة البقيع بحسب آمر وحدة القوات الخاصة فيه، هي قيادة عمليات ديالى، لكنَّ عائلة طعيس تموّل هذه المليشيا من مالها الخاص أيضاً، الذي يأتي بدوره من نشاطات هذه المليشيا، فهي تنخرط في أعمال قذرة للحصول على الأموال، مثل تهريب الوقود والأدوية، وتجارة المخدرات، والأتاوات من السياسيين والتجّار والمواطنين، وتنفيذ الاغتيالات، وما يسهّل أعمالها داخل ديالى، هي العلاقات الوثيقة مع قيادات كبيرة في الجيش والشرطة، وهم ضباط كبار يتغاضون عن مقار هذه المليشيا، وانتشارها بنقاط تفتيش وحواجز أمنية في المناطق التي تسيطر عليها.  

في أيار، عادةً ما تكون الأجواء حارّة في العراق، لكنّها في العام الماضي كانت أكثر سخونة على طريق بعقوبة – المقدادية. كان مقاتلو لواء أئمة البقيع يضغطون على الإسفلت والحكومة من أجل إدراج مخصصات مالية لهم في الموازنة الثلاثية (2023، 2024، 2025). 

المقاتلون الذين نصبوا خيام اعتصامٍ على الطريق، وقطعوه ليصل صوتهم أسرع إلى بغداد، يطالبون برواتب لأكثر من 20 ألف مقاتل، يمارسون أنشطتهم في المحافظة بلا انتساب وظيفي إلى هيئة الحشد الشعبي أو الجيش العراقي، ويمتلكون كتباً رسميّة وهوامش وتواقيع ومراسلات مع وزارتي الدفاع والمالية، ومخاطبات مع مجلس النواب، وأسماء وعناوين كثيرة تتحدث عن “إمكانية إدراجهم” في الموازنة. 

خلال واحدة من اعتصاماتهم للمطالبة بتعيينهم على ملاك وزارة الدفاع، عرضت مليشيا “أئمة البقيع” وثيقة تظهر فيها أعداد منتسبيها الذين تريد تخصيص رواتب لهم من الدولة، أكثر من 3 آلاف إلى وزارة الدفاع، وأكثر من 17 ألفاً (وهؤلاء من فشلوا في الفحص الطبي) إلى برنامج الصحوات في الموازنة.  

وهذا البرنامج الذي يخص مقاتلي “الصحوات” التي كانت تقاتل تنظيم القاعدة، وصوّت عليه البرلمان ضمن الموازنة الثلاثية، ينص على “زيادة رواتب الصحوات من 250 ألف دينار إلى 500 ألف دينار من موازنة وزارتي الدفاع والداخلية”. 

عام التوسعة 

قبل عام 2014، لم تكن عائلة طعيس على قائمة العوائل المؤثرة في ديالى، لكن ذلك تغيّر عندما دخل تنظيم داعش إلى المحافظة، في موجة اجتياحه المدن والمحافظات العراقية، التي سيطر على ثلاث محافظات منها، الأنبار، ونينوى، وصلاح الدين، كما سيطر على أجزاء من ديالى وبابل وكركوك، ووصل إلى أطراف العاصمة بغداد. 

مصدر خاص مقرّب من قيادات الخط الأول بمنظمة بدر في ديالى، تحدث لنا عن نفوذ بيت طعيس، وكيف توسّع كثيراً بعد عام 2014، العام الذي سيطر فيه “داعش” على ثلث مساحة العراق، فالعائلة “استغلّت” فتوى المرجعية الدينية في النجف، التي دعت المواطنين الراغبين والقادرين على حمل السلاح إلى التطوّع في صفوف القوات الأمنية للقتال ضد التنظيم المتطرف. 

في تشرين الثاني من عام التوسّع ذاك، أعلنت قبيلة بني تميم في ديالى النفير العام لإنهاء وجود “داعش”، وأعلنت عن تحشيد أكثر من 5 آلاف مقاتل لدعم القوات الأمنية، من هذه اللحظة سطع نجم بيت طعيس. 

كل واحد منهم يُلقّب “حجّي”، حميد وهاني وسعد، أبناء طعيس الثلاثة، يقول المصدر، ويصف كيف أنْ “لا يستطيع أحد أن يتعرض لهم في ديالى” ويستشهد بما قاله سعد الذي سطع نجمه خلال تسجيل صوتي مسرّب مع زعيم ائتلاف دولة القانون، ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، “محد يكدر يندك بينا” يقول سعد للمالكي. 

وكان سعد في ذلك التسجيل يتبادل هو ورفاقه الأفكار حول دعم مليشيا “أئمة البقيع” بالسلاح والغطاء القانوني، وتعهّد المالكي بتوفير ذلك لهم، على أن “يبايعونه” على الطاعة ضمن “مشروع” أكبر تحدّث عنه بحريّة وجرأة، وكانت كل فكرة فيه تمثّل تهديداً خطيراً على الأمن القومي العراقي. 

قبل ذلك بسنوات، وتحديداً عام 2019، قطع مقاتلو لواء أئمة البقيع الطريق بين بعقوبة وخانقين، لمنع مرور قوّة تابعة لأمن الحشد الشعبي، وهددوا بإبادتها في حال رفضت إطلاق سراح سعد طعيس، الذي كانت قد اعتقلته توّاً في جبال حمرين، وأغلقت مقر اللواء الذي يقوده. 

مديرية أمن الحشد ذكرت حينها أنّها “قامت بإغلاق مقرهم الوهمي بناء على شكاوى عديدة وردت إلى الهيئة بشأن سلوكيات طائفية ومضايقات للأهالي وقيام اللواء المذكور بممارسة أعمال تجارية باسم الحشد مستغلاً بعض البسطاء في صفوف هذا اللواء الوهمي”. 

يقول المصدر، “لولا وساطة مثنى التميمي، المحافظ، الذي رتّب اتفاقاً يقضي بإطلاق أمن الحشد سراح سعد طعيس مقابل أن يسمح أتباعه بمرور قوّة أمن الحشد دون التعرض لها؛ لحدثت مجزرة كبيرة”. في التسجيل الصوتي المسرّب، يحكي سعد طعيس عن تلك الواقعة لنوري المالكي، في سياق حديث عن ضعف قيادات هيئة الحشد الشعبي. 

في ذلك التسجيل، كان سعد طعيس، الذي يلقّبه أتباعه “أبو المجاهدين”، يبحث عن ولاء ومرجعيّة خارج حدود ديالى، فلجأ إلى نوري المالكي، ومن خلال تتبع تحركاته ونشاطاته هو ولواء أئمة البقيع، فإنهم أعلنوا حاجتهم الملّحة لقوننة وضعهم، للاستفادة من امتيازات التخصيصات المالية التي تُعطى للأجهزة الأمنية ضمن موازنتي الدفاع والداخلية، فهم ينفذون “الأعمال القذرة” التي تتطلب غطاءً سياسياً وقانونياً من أجل إدامتها والتوسّع بها، والحفاظ عليها كذلك، لأنّ المنافسة قاتلة بين المافيات في ديالى، وهو ما تحدثوا أثناء التسجيل المسرّب. 

مثنى التميمي، المحافظ منذ عام 2015، يعرف قواعد اللعبة هذه، ويوفّر غطاءً سياسياً وأمنياً لنشاطات عائلة طعيس، التي تنتمي لبني تميم كذلك، فبحسب المصدر الخاص الذي حدثنا عن التخادم بين مثنى التميمي وبيت طعيس، أن سعد طعيس أخبر مقاتليه وأتباعه في المناطق التي يسيطر عليها في ديالى، أنّ منصب المحافظ سيذهب لواحد من هؤلاء الاثنين: مثنى التميمي، أو مثنى التميمي. 

التميمي، ينتمي لمنظمة بدر، التي يقودها هادي العامري، لكنّه ليس تابعاً للعامري مثل عادة الأتباع، هو ندّ قوي، وأحياناً يكون خصماً ومعارضاً لخطه في ديالى، مثلما حدث عند اعتراضه على محمد جاسم العميري، ابن رئيس المحكمة الاتحادية، ومرشّح العامري لمنصب المحافظ. 

الخلاف على منصب المحافظ قد يصل حد كسر العظم بين إخوة السلاح والمال في ديالى، مثنى التميمي، أطول ريشة في جناح منظمة بدر بديالى، والمحافظ المتصرّف حالياً، لا يريد التنازل عن منصبه، وتقف من خلفه قبيلة بني تميم، التي ترى أنّ المنصب من استحقاق القبيلة، وتدعم بقوّة ابنها الذي حصل على أكثر من 40 ألف صوت في الانتخابات. 

هادي العامري، زعيم بدر، لا يريد التجديد للتميمي، ولا يريد أيضاً أن تحتفظ قبيلة بني تميم بمنصب المحافظ، وهو على استعداد للتخلّي عن “حصة بدر” بالمنصب مقابل ألا يظفر مثنى التميمي به، وحصل هذا بالفعل، عندما وافق على مناقلة المنصب من بدر إلى ائتلاف دولة القانون. 

لكنّ عصائب أهل الحق لهم كلمتهم وبنادقهم ومقاعدهم في ديالى، وهم كذلك ضد التجديد للتميمي، وأعلنوها في أكثر من مناسبة، للحد الذي أعلنوا فيه أن مثنى التميمي، “بعد فشل أسلوب التهديد وشراء الذمم” يحاول توجيه أعضاء مجلس المحافظة من السُنّة، للمطالبة بأن يكون منصب المحافظ من حصّتهم، وتحليل العصائب لهذا الأمر، أنّ التميمي يحاول الضغط على الشارع الشيعي في ديالى، وتخويفهم من أنّه إذا لم يصبح هو المحافظ فإن المنصب سيذهب إلى السُنّة، لكنَّ هذا التحليل تنقصه الدقّة، لأنَّ “الأعضاء” السُنّة لهم مصالحهم كذلك، ويحاولون اللعب في هذا الملعب الذي لا تحكمه قواعد اللعب النظيف. 

“مثنى التميمي يحرّك أذرعه في الشارع، وأحد أقوى تلك الأذرع هم بيت طعيس، يستخدمهم لترهيب خصومه عندما تصل المفاوضات السياسية لطرق مسدودة”، يقول المصدر، وبرأي هذا المصدر فإنّ وضع بيت طعيس الآن يخدم مشروع مثنى التميمي، كما يخدم مشاريع الآخرين، “إنّها عائلة تقوم بالأعمال القذرة بالنيابة عن الجهات السياسية المسيطرة على المحافظة، ولا غطاء قانوني لها، لذا يمكن التخلص منهم بسرعة عندما تدعو الحاجة”.  

أبناء طعيس يعرفون هذا، ومن أجل ذلك يبحثون عن ساند أكبر، وترتيب قانوني يضمن لهم الدفاع عن أنفسهم عندما تقرر الجهات التي تُشغّلهم التخلي عنهم، تحت أي ظرف، ومن أجل ذلك هم يحاولون طرق كل الأبواب في بغداد، في الوقت الذي يكسرون فيه الأقفال في ديالى.