"مَنْ يُريد وظيفةً يتركها مَنْ يعمل بها؟".. عن الممرضات والممرضين في العراق 

سارة أحمد

16 نيسان 2024

سهام ونور ومريم، ثلاث ممرضات يتحدثن عن "عمل بلا رحمة" في المستشفيات، وظروف ووصمات اجتماعية وقلّة أجور.. أحوال مهنة يفكر من يمتهنها بتركها.. عن الممرضات والممرضين في العراق

نهاية آذار 2024، أطلقت وزارة الصحة استمارة التعيين الخاصة بخريجي كليات ومعاهد وإعداديات التمريض في العراق، وستبقى فعّالة في موقع الوزارة لمدة ثلاثين يوماً من تاريخ إطلاقها في 30 الشهر الماضي. 

ولكن من يريد وظيفةً يتركها من يعمل بها ومن أمضى فيها سنوات من عمره لصالح تخصص آخر؟ فـ”التمريض” مهنة لا تحظى بالتقدير، وكوادرها لا ينالون استحقاقاتهم المهنيّة، ولا يُعاملون بالاحترام الكافي الذي يجعلهم يتمسكون بعمل “ملاك الرحمة” الذي تقول عنه عدد من الممرضات اللاتي قابلهنَّ جمّار، “إنّه عملٌ بلا رحمة”. 

قبل ذلك بستة أشهر، وتحديداً في أيلول 2023، أعلنت وزارة المالية، استكمال إجراءات استحداث الدرجات الوظيفية لتعيين ذوي المهن الطبية والصحية والتمريض في وزارة الصحة، بعدد تجاوز 45 ألفاً من المشمولين بقانون التدرج الطبي رقم 6 لسنة 2000 المعدل. 

بالنسبة لنور، الممرضة، لن تغيّر هذه القرارات الوزارية من رأيها، فهي تعتقد أنّ “الممرض ليس له تقدير”، وتستدرك “ولا وجود حتى لأماكن استراحة عامة أو خاصة بنا، وهذه أبسط حقوقنا في العمل”، ومن أجل ذلك قررت التخلي عن مهنة التمريض والتوجه إلى دراسة تخصص طبي آخر، لا تضطر فيه إلى مواجهة الضغوط اليومية بسبب عملها في أحد مستشفيات مدينة كربلاء. 

“على الأقل الضغط الموجود عدهم (الاختصاصات الأخرى) أقل بهواي من حياة الممرض داخل المستشفيات، والأهم من هذا عدهم مخصصات أعلى من التمريض”. بدأت نور رحلة الدراسة الجديدة عام 2020.  

تخصص لا يجلب المال والتقدير 

رغم أنهم على تماس مباشر مع المرضى، ومخاطر التعرّض إلى الإصابات والعدوى عالية، والجهد اليومي كبير، خاصة في منشآت الصحة المركزية والمزدحمة بالمراجعين، إلا أن الممرض دائماً ما يُنظر إليه في المؤسسات الصحية والمجتمع على أنه شخص “فشل في أن يكون طبيباً”، ويُسمّى شعبياً “المضمّد” اختزالاً لتخصصه ووظيفته في تضميد الجروح وتقطيبها فقط، رغم أن هذا، بحد ذاته، يتطلب مهارة كبيرة. 

يُحرم الممرض من امتيازات الوظيفة العليا، فهو لا يتدرّج وظيفياً ليصل إلى مناصب عليا في دوائر ومؤسسات وزارة الصحة، ولا ينال استحقاقه مقابل الجهد الذي يبذله، وهذا بالنسبة للممرضة نبأ، التي تعمل في أحد مستشفيات كربلاء؛ أمر يدعوها للبحث عن تخصص آخر، وجدته في الصيدلة، “أدرس مرة أخرى رغم صعوبة الموضوع في سبيل آخذ استحقاقي من كل الأمور التي لم أحصل عليها من التمريض”، تقول في حديثها لجمّار. 

سهام ممرضة أخرى، أكملت عامين في مهنتها، وتعمل في قسم الباطنية الذي يكون عادة مزدحماً بالمراجعين والمرضى، ويتطلب من الممرض عملاً مستمراً وبالوتيرة نفسها طوال ساعات الدوام. 

رغم ذلك، فالممرض بالنسبة لسهام هو النقطة الأضعف في وزارة الصحة، “أننا معرضون لمخاطر كثيرة أثناء عملنا، (..) وخلال فترة تعييني وجدت أنه لا توجد قوة  تدافع عن الممرض بأغلب المواقف ويواجه الممرض اللوم والمشاكل”، وهي كذلك، بعد تفكير بجدوى وظيفة التمريض ومتاعبها، تفكر في الاتجاه إلى دراسة تخصص آخر.   

مخصصات غير كافية 

سهام ونور وغيرهنَّ ممن يعملن في التمريض، بالإضافة إلى قلّة التقدير، كنَّ على مدى سنوات يتلقينَ أجوراً أقلّ من بقيّة العاملين في قطاع الصحّة، حتّى في ما يتعلّق بمخصصات الخطورة، كنَّ الأكثر عرضةً للخطر، والأقل حصولاً على المخصصات. 

فحتّى لسنوات قليلة مضت، كانت مخصصات الخطورة الممنوحة للمهن التمريضية تبلغ 50 بالمئة، وبعد العديد من المطالبات والضغط على السلطات رُفعت المخصصات إلى 80 بالمئة بداية عام 2019، حيث وافق مجلس الوزراء حينها، على رفع التسكين (وهو إيقاف التدرّج الوظيفي وامتيازاته المالية عند الدرجة الرابعة) عن ذوي المهن الصحية والتمريضية، ورفع مخصصات الخطورة لهم بنسبة 30 بالمئة، بموجب قرار رقم (61) لسنة 2019.   

تظاهرة لذوي المهن الصحية، من الانترنت. 

بحسب منظمة الصحة العالمية، فإن جائحة كورونا تسببت في أضرار بالغة، حيث تُظهر أحدث الأرقام أن ما يقدر بنسبة 50 بالمئة من العاملين في مجالي الصحة والرعاية، ممن كانوا يشعرون بالفعل بتزايد أعباء عملهم وبعدم تقديرهم حق قدرهم قبل كوفيد-19، باتوا يعانون من الإرهاق بسبب الأعباء الإضافية الضخمة الملقاة على عاتقهم. 

وحتى مع جائحة “كورونا” والخطورة الكبيرة التي عملت بها الكوادر جميعها، استمرت مطالبات واعتصامات الكوادر التمريضية خلال فترات متعددة، ومنها ما طالب به التمريضيون بمنح الممرضين العاملين بالأقسام الحرجة مخصصات خطورة أعلى، وبعد مظاهرات وإضرابات وافقت الحكومة أخيراً على رفع التسكين الوظيفي عن الكوادر التمريضية، ورفع مخصصات الخطورة إلى 100 بالمئة، وهذه انتصارات صغيرة جاءت بعد صبر وجهد ومعاناة دامت لسنوات، لكنها، رغم ذلك، ما زالت غير كافية لإنصاف ذوي المهن الصحية والتمريضيين، خاصة في ما يتعلق بسلم الرواتب والنظرة الدونية لهم في المؤسسة الصحية والمجتمع. 

قبل هذه القرارات، ونتيجةً للتهميش المتواصل، كانت الممرضات، أمثال نور وسهام وبقيّة الكوادر التمريضية، قد حُرموا من مخصصات مالية شهريّة، هي بالنسبة للكوادر التمريضية حقوق سُلبت منهم. 

فمن خلال عملية حسابية بسيطة على الراتب النهائي قبل وبعد قرارات رفع الخطورة والتسكين، يظهر أن فرق الراتب الشهري هو تقريباً 500 ألف دينار، وهو مبلغ كبير، يحتاجه الممرض لتحسين ظروفه المعيشية. 

تعد نقابة التمريض زيادة مخصصات الخطورة خطوة هامة تعزز فرص العمل اللائق، وضمان البيئة العملية الآمنة للملاكات التمريضية، والقابلات والكوادر الصحية، ويرى تمريضيون أن الزيادة تساعد على الارتقاء بالعمل التمريضي، من خلال حصولهم على استحقاقهم أسوة ببقية الكوادر الطبية التي تستلم مخصصات خطورة أعلى، إلا أن ممرضين آخرين يعتقدون أن الزيادة غير كافية مقارنة بالجهود التي يبذلونها، ويطالبون برفع مخصصاتهم إلى 150 بالمئة، على شاكلة التخصصات الطبية الأخرى.  

لكن هذه الزيادة، على كل حال، لم تطبق حتّى الآن، وهناك قلق بين الممرضين من إيقاف القرار، بسبب وضع العراق الاقتصادي، والزيادة الكبيرة في قرارات التوظيف للقطاعات الأخرى، ويخشى الكثير من التمريضين أن يتوقف القرار عند حدود الموافقة، ولا يتعداه إلى صرف الزيادة؛ بحجة عدم وجود سيولة مالية، وهي حجّة قانونية يمكن اللجوء إليها للتنصل عن القرارات. 

تظاهرة لذوي المهن الصحية، من الانترنت. 

دراسة تخصصات بديلة 

قبل رفع التسكين الوظيفي، كان الموظف في هذه المهنة يظل في وزارة الصحة (فقط) بالدرجة الرابعة، ولا يتم ترفيعه إلى الدرجات اللاحقة (الثالثة والثانية) أسوة ببقية موظفي الوزارات الأخرى من حملة شهادة الدبلوم، حتى بعد خدمة طويلة في المؤسسات الصحية، يتوقف راتبه عند هذا الحد، ولا يحق له الترفيع؛ بينما أقرانه في بقية الوزارات يتمتعون بحقوقهم التي أقرها القانون عام 2013.  

بسبب التسكين الوظيفي عانى آلاف الممرضين على مرّ السنوات من الإقصاء والتهميش، فالممرض كان يظل في الدرجة الرابعة طيلة مدة خدمته؛ بحجة عدم وجود توصيف وظيفي، ومع كل هذا، يظل التمريضيون يعانون مع ارتفاع تكاليف الحياة مقابل رواتبهم المنخفضة.  

الشعور الدائم بالغبن بالنسبة لنور وسهام وبقيّة التمريضيين أدى إلى أن توجه الكثير منهن ومنهم إلى دراسة تخصصات طبية أخرى في الجامعات الأهلية، مثل طب الأسنان والصيدلة والتخدير، طامحين بذلك في الحصول على رواتب أعلى، ومخصصات خطورة مجزية.  

بعد سنتين في أحد مستشفيات كربلاء، في قسم الأطفال الخدّج، تتحدث مريم لجمّار عن عملها، “برأيي التمريض كمهنة تخصص جميل جداً وإنساني لأبعد الحدود، إضافة إلى أنه علمني الكثير من الأمور منها الصبر، الحب، والمساعدة وطول البال مع المراجعين”. 

يتعدى عمل الممرض الأعمال الطبية إلى التعامل الإنساني الحساس مع المرضى، وتشير مريم إلى الجهد الذي تبذله لكي تظل ذلك الشخص المبتسم واللطيف مع المراجعين، لأنهم يمرون بظروف صعبة. 

أيّاً كان الوضع النفسي للممرض، بحسب مريم، يجب إعطاء الأولوية للمريض، والاهتمام بالمراجع. 

لكنها تتساءل، هل القطاع الصحي يقدر ذلك؟ ثم تجيب، “بصراحة لا أرى التقدير الكافي من كل النواحي من حيث المعاملة والراتب وأحياناً الإدارة، والخطورة بالتلامس مع المريض بكل الأوقات”.  

تظاهرة لذوي المهن الصحية، من الانترنت. 

رغم أن الكوادر التمريضية تشكل جزءاً مهماً من وزارة الصحة، إذ تشير تقارير إلى أن عددهم يبغ نحو 90 ألف ممرض، من أصل 625 ألفاً هو عدد الكوادر الصحية في العراق، بحسب ماجد شنكالي، رئيس لجنة الصحة والبيئة في البرلمان، إلا أن المؤسسات الطبية تعاني من نقص في الأعداد. 

فوفق تقرير لمجلة CEO WORLD الأمريكية، يحتل العراق المرتبة 72 عالمياً من إجمالي 193 دولة، على قائمة الدول الأكثر احتياجاً للممرضات والقابلات، كما يحتل المرتبة 11 عربياً. 

وعلى الرغم من فتح الحكومات المتعاقبة باب التوظيف في مهن التمريض، إلا أن فكرة هجرها قد تبقى تتردد على العاملين بها، إذا ما استمرت ظروف العمل والمخصصات غير مقبولة. 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

نهاية آذار 2024، أطلقت وزارة الصحة استمارة التعيين الخاصة بخريجي كليات ومعاهد وإعداديات التمريض في العراق، وستبقى فعّالة في موقع الوزارة لمدة ثلاثين يوماً من تاريخ إطلاقها في 30 الشهر الماضي. 

ولكن من يريد وظيفةً يتركها من يعمل بها ومن أمضى فيها سنوات من عمره لصالح تخصص آخر؟ فـ”التمريض” مهنة لا تحظى بالتقدير، وكوادرها لا ينالون استحقاقاتهم المهنيّة، ولا يُعاملون بالاحترام الكافي الذي يجعلهم يتمسكون بعمل “ملاك الرحمة” الذي تقول عنه عدد من الممرضات اللاتي قابلهنَّ جمّار، “إنّه عملٌ بلا رحمة”. 

قبل ذلك بستة أشهر، وتحديداً في أيلول 2023، أعلنت وزارة المالية، استكمال إجراءات استحداث الدرجات الوظيفية لتعيين ذوي المهن الطبية والصحية والتمريض في وزارة الصحة، بعدد تجاوز 45 ألفاً من المشمولين بقانون التدرج الطبي رقم 6 لسنة 2000 المعدل. 

بالنسبة لنور، الممرضة، لن تغيّر هذه القرارات الوزارية من رأيها، فهي تعتقد أنّ “الممرض ليس له تقدير”، وتستدرك “ولا وجود حتى لأماكن استراحة عامة أو خاصة بنا، وهذه أبسط حقوقنا في العمل”، ومن أجل ذلك قررت التخلي عن مهنة التمريض والتوجه إلى دراسة تخصص طبي آخر، لا تضطر فيه إلى مواجهة الضغوط اليومية بسبب عملها في أحد مستشفيات مدينة كربلاء. 

“على الأقل الضغط الموجود عدهم (الاختصاصات الأخرى) أقل بهواي من حياة الممرض داخل المستشفيات، والأهم من هذا عدهم مخصصات أعلى من التمريض”. بدأت نور رحلة الدراسة الجديدة عام 2020.  

تخصص لا يجلب المال والتقدير 

رغم أنهم على تماس مباشر مع المرضى، ومخاطر التعرّض إلى الإصابات والعدوى عالية، والجهد اليومي كبير، خاصة في منشآت الصحة المركزية والمزدحمة بالمراجعين، إلا أن الممرض دائماً ما يُنظر إليه في المؤسسات الصحية والمجتمع على أنه شخص “فشل في أن يكون طبيباً”، ويُسمّى شعبياً “المضمّد” اختزالاً لتخصصه ووظيفته في تضميد الجروح وتقطيبها فقط، رغم أن هذا، بحد ذاته، يتطلب مهارة كبيرة. 

يُحرم الممرض من امتيازات الوظيفة العليا، فهو لا يتدرّج وظيفياً ليصل إلى مناصب عليا في دوائر ومؤسسات وزارة الصحة، ولا ينال استحقاقه مقابل الجهد الذي يبذله، وهذا بالنسبة للممرضة نبأ، التي تعمل في أحد مستشفيات كربلاء؛ أمر يدعوها للبحث عن تخصص آخر، وجدته في الصيدلة، “أدرس مرة أخرى رغم صعوبة الموضوع في سبيل آخذ استحقاقي من كل الأمور التي لم أحصل عليها من التمريض”، تقول في حديثها لجمّار. 

سهام ممرضة أخرى، أكملت عامين في مهنتها، وتعمل في قسم الباطنية الذي يكون عادة مزدحماً بالمراجعين والمرضى، ويتطلب من الممرض عملاً مستمراً وبالوتيرة نفسها طوال ساعات الدوام. 

رغم ذلك، فالممرض بالنسبة لسهام هو النقطة الأضعف في وزارة الصحة، “أننا معرضون لمخاطر كثيرة أثناء عملنا، (..) وخلال فترة تعييني وجدت أنه لا توجد قوة  تدافع عن الممرض بأغلب المواقف ويواجه الممرض اللوم والمشاكل”، وهي كذلك، بعد تفكير بجدوى وظيفة التمريض ومتاعبها، تفكر في الاتجاه إلى دراسة تخصص آخر.   

مخصصات غير كافية 

سهام ونور وغيرهنَّ ممن يعملن في التمريض، بالإضافة إلى قلّة التقدير، كنَّ على مدى سنوات يتلقينَ أجوراً أقلّ من بقيّة العاملين في قطاع الصحّة، حتّى في ما يتعلّق بمخصصات الخطورة، كنَّ الأكثر عرضةً للخطر، والأقل حصولاً على المخصصات. 

فحتّى لسنوات قليلة مضت، كانت مخصصات الخطورة الممنوحة للمهن التمريضية تبلغ 50 بالمئة، وبعد العديد من المطالبات والضغط على السلطات رُفعت المخصصات إلى 80 بالمئة بداية عام 2019، حيث وافق مجلس الوزراء حينها، على رفع التسكين (وهو إيقاف التدرّج الوظيفي وامتيازاته المالية عند الدرجة الرابعة) عن ذوي المهن الصحية والتمريضية، ورفع مخصصات الخطورة لهم بنسبة 30 بالمئة، بموجب قرار رقم (61) لسنة 2019.   

تظاهرة لذوي المهن الصحية، من الانترنت. 

بحسب منظمة الصحة العالمية، فإن جائحة كورونا تسببت في أضرار بالغة، حيث تُظهر أحدث الأرقام أن ما يقدر بنسبة 50 بالمئة من العاملين في مجالي الصحة والرعاية، ممن كانوا يشعرون بالفعل بتزايد أعباء عملهم وبعدم تقديرهم حق قدرهم قبل كوفيد-19، باتوا يعانون من الإرهاق بسبب الأعباء الإضافية الضخمة الملقاة على عاتقهم. 

وحتى مع جائحة “كورونا” والخطورة الكبيرة التي عملت بها الكوادر جميعها، استمرت مطالبات واعتصامات الكوادر التمريضية خلال فترات متعددة، ومنها ما طالب به التمريضيون بمنح الممرضين العاملين بالأقسام الحرجة مخصصات خطورة أعلى، وبعد مظاهرات وإضرابات وافقت الحكومة أخيراً على رفع التسكين الوظيفي عن الكوادر التمريضية، ورفع مخصصات الخطورة إلى 100 بالمئة، وهذه انتصارات صغيرة جاءت بعد صبر وجهد ومعاناة دامت لسنوات، لكنها، رغم ذلك، ما زالت غير كافية لإنصاف ذوي المهن الصحية والتمريضيين، خاصة في ما يتعلق بسلم الرواتب والنظرة الدونية لهم في المؤسسة الصحية والمجتمع. 

قبل هذه القرارات، ونتيجةً للتهميش المتواصل، كانت الممرضات، أمثال نور وسهام وبقيّة الكوادر التمريضية، قد حُرموا من مخصصات مالية شهريّة، هي بالنسبة للكوادر التمريضية حقوق سُلبت منهم. 

فمن خلال عملية حسابية بسيطة على الراتب النهائي قبل وبعد قرارات رفع الخطورة والتسكين، يظهر أن فرق الراتب الشهري هو تقريباً 500 ألف دينار، وهو مبلغ كبير، يحتاجه الممرض لتحسين ظروفه المعيشية. 

تعد نقابة التمريض زيادة مخصصات الخطورة خطوة هامة تعزز فرص العمل اللائق، وضمان البيئة العملية الآمنة للملاكات التمريضية، والقابلات والكوادر الصحية، ويرى تمريضيون أن الزيادة تساعد على الارتقاء بالعمل التمريضي، من خلال حصولهم على استحقاقهم أسوة ببقية الكوادر الطبية التي تستلم مخصصات خطورة أعلى، إلا أن ممرضين آخرين يعتقدون أن الزيادة غير كافية مقارنة بالجهود التي يبذلونها، ويطالبون برفع مخصصاتهم إلى 150 بالمئة، على شاكلة التخصصات الطبية الأخرى.  

لكن هذه الزيادة، على كل حال، لم تطبق حتّى الآن، وهناك قلق بين الممرضين من إيقاف القرار، بسبب وضع العراق الاقتصادي، والزيادة الكبيرة في قرارات التوظيف للقطاعات الأخرى، ويخشى الكثير من التمريضين أن يتوقف القرار عند حدود الموافقة، ولا يتعداه إلى صرف الزيادة؛ بحجة عدم وجود سيولة مالية، وهي حجّة قانونية يمكن اللجوء إليها للتنصل عن القرارات. 

تظاهرة لذوي المهن الصحية، من الانترنت. 

دراسة تخصصات بديلة 

قبل رفع التسكين الوظيفي، كان الموظف في هذه المهنة يظل في وزارة الصحة (فقط) بالدرجة الرابعة، ولا يتم ترفيعه إلى الدرجات اللاحقة (الثالثة والثانية) أسوة ببقية موظفي الوزارات الأخرى من حملة شهادة الدبلوم، حتى بعد خدمة طويلة في المؤسسات الصحية، يتوقف راتبه عند هذا الحد، ولا يحق له الترفيع؛ بينما أقرانه في بقية الوزارات يتمتعون بحقوقهم التي أقرها القانون عام 2013.  

بسبب التسكين الوظيفي عانى آلاف الممرضين على مرّ السنوات من الإقصاء والتهميش، فالممرض كان يظل في الدرجة الرابعة طيلة مدة خدمته؛ بحجة عدم وجود توصيف وظيفي، ومع كل هذا، يظل التمريضيون يعانون مع ارتفاع تكاليف الحياة مقابل رواتبهم المنخفضة.  

الشعور الدائم بالغبن بالنسبة لنور وسهام وبقيّة التمريضيين أدى إلى أن توجه الكثير منهن ومنهم إلى دراسة تخصصات طبية أخرى في الجامعات الأهلية، مثل طب الأسنان والصيدلة والتخدير، طامحين بذلك في الحصول على رواتب أعلى، ومخصصات خطورة مجزية.  

بعد سنتين في أحد مستشفيات كربلاء، في قسم الأطفال الخدّج، تتحدث مريم لجمّار عن عملها، “برأيي التمريض كمهنة تخصص جميل جداً وإنساني لأبعد الحدود، إضافة إلى أنه علمني الكثير من الأمور منها الصبر، الحب، والمساعدة وطول البال مع المراجعين”. 

يتعدى عمل الممرض الأعمال الطبية إلى التعامل الإنساني الحساس مع المرضى، وتشير مريم إلى الجهد الذي تبذله لكي تظل ذلك الشخص المبتسم واللطيف مع المراجعين، لأنهم يمرون بظروف صعبة. 

أيّاً كان الوضع النفسي للممرض، بحسب مريم، يجب إعطاء الأولوية للمريض، والاهتمام بالمراجع. 

لكنها تتساءل، هل القطاع الصحي يقدر ذلك؟ ثم تجيب، “بصراحة لا أرى التقدير الكافي من كل النواحي من حيث المعاملة والراتب وأحياناً الإدارة، والخطورة بالتلامس مع المريض بكل الأوقات”.  

تظاهرة لذوي المهن الصحية، من الانترنت. 

رغم أن الكوادر التمريضية تشكل جزءاً مهماً من وزارة الصحة، إذ تشير تقارير إلى أن عددهم يبغ نحو 90 ألف ممرض، من أصل 625 ألفاً هو عدد الكوادر الصحية في العراق، بحسب ماجد شنكالي، رئيس لجنة الصحة والبيئة في البرلمان، إلا أن المؤسسات الطبية تعاني من نقص في الأعداد. 

فوفق تقرير لمجلة CEO WORLD الأمريكية، يحتل العراق المرتبة 72 عالمياً من إجمالي 193 دولة، على قائمة الدول الأكثر احتياجاً للممرضات والقابلات، كما يحتل المرتبة 11 عربياً. 

وعلى الرغم من فتح الحكومات المتعاقبة باب التوظيف في مهن التمريض، إلا أن فكرة هجرها قد تبقى تتردد على العاملين بها، إذا ما استمرت ظروف العمل والمخصصات غير مقبولة.