"الخط القديم يعود".. عن سباق بغداد وأربيل للوصول إلى ميناء جيهان

و

07 تشرين الثاني 2022

طوال الأشهر الماضية، لعبت الحكومة الاتحادية بـ"ورقة النفط الحساسة" بالنسبة لإقليم كردستان. أربيل وجدت نفسها تخسر أمام القضاء المحلي والدولي، وشعرت بضيق شديد.. لكن اتفاقاً سياسياً غيّر كل شيء..

على مقربة من مقاطع لأنبوب نفط صدئ يبدأ من كركوك ويصل إلى تركيا، ينتشر حراس عراقيون لحماية كوادر هندسية تجري عمليات صيانة للخط الذي تعرّض لندوب إثر تفجيرات كثيرة.

ينقل الأنبوب النفط الخام من حقول كركوك إلى ميناء جيهان التركي على ساحل البحر المتوسط، وقد بدأ السائل الأسود يتدفق فيه لأوّل مرّة عام 1976.

لكن النفط توقف عن الجريان فيه خلال السنوات القليلة الماضية، وقد تغيّر مساره.

خط الخلاف

الأنبوب الآن ورقة حساسة في الخلاف النفطي المستحكم بين العراق الاتحادي وإقليم كردستان الخاضع للحكم الذاتي.

عندما سيطر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على مناطق واسعة في شمال وغرب العراق صيف 2014، دخلت قوات تابعة لإقليم كردستان إلى كركوك وسيطرت على حقول النفط فيها.

ولأن مسار الخط يشق مدناً عدة مثل بيجي في صلاح الدين والشورة وعين الجحش في نينوى ومن ثم دهوك قبل أن يدلف إلى تركيا، غيّرت سلطات الإقليم مساره وربطته بأنابيب جديدة تمر بإقليم كردستان، وتولت هي استخراج النفط من حقول كركوك وتصديره إلى تركيا.

اقرأ أيضاً

“طعام وعدو”.. الرصاص والأغاني الصاخبة لخنازير كردستان 

تنتج حقول النفط في هذه المحافظة، وهي “آفانا” و”باي حسن” و”بابا كركر” و”صفية” و”خورمال” و”جمبور” نحو 450 ألف برميل يومياً.

في 16 تشرين الأول 2017، طردت القوات العراقية “البيشمركة” ومعها فصائل كردية من كركوك واستعادت حقول النفط، باستثناء حقول “جمبور”.

كان ذلك رداً على إجراء الإقليم استفتاء للانفصال عن العراق في أيلول من ذلك العام وإشراك كركوك في الاستفتاء، التي تعتبر القضيّة المركزيّة في الطموحات الكردية.  

لكن ضخ النفط من كركوك إلى تركيا عبر إقليم كردستان، لم يتوقف. إذ تصدر وزارة النفط الاتحادية 100 ألف برميل يومياً عبر الخط الذي عدّل الإقليم مساره، وتدفع أجور “ترانزيت” لأربيل.

والخلاف بين بغداد وأربيل، عاصمة الإقليم، حول شرعية تصدير كردستان للنفط من الحقول في السليمانية ودهوك وأربيل وحقول أخرى، قوي للغاية منذ 2003.

ولم يتوصل الطرفان أبداً إلى اتفاق نهائي.

النفط مقابل الموازنة

وفق الاتفاق بين بغداد وأربيل، يتوجب على الأخيرة تسليم الحكومة المركزية ثمن 250 ألف برميل نفط مما يصدره الإقليم يومياً، مقابل حصوله على حصته في الموازنة المالية الاتحادية وهي تتراوح بين 12 إلى 17 بالمئة.

بعد طرد قواته من كركوك عام 2017، أعلن الإقليم أنه يصدر النفط ولا يسلم الواردات لبغداد حتى يتمكن من دفع رواتب موظفيه إثر “وقف” العاصمة الاتحادية تمويله.

 تدهورت العلاقة بين الطرفين إلى أدنى مستوياتها نتيجة الاستفتاء من طرف واحد الذي قرّرته أربيل.

استمرت سلطات الإقليم بعدم تقديم أي كشوفات مالية بأرباحها من الإنتاج والتصدير، ولا تفصح عن مُشتري النفط منها.

لكن عندما استهدف “حزب العمال الكردستاني” المعارض لأنقرة، أنبوب التصدير القادم من شمال العراق، داخل الأراضي التركية صيف 2015، أعلنت أربيل خسارة 501 مليون دولار جراء توقف ضخ النفط عبر الخط الواصل لميناء جيهان.

وقالت وزارة الثروات الطبيعية في حكومة الإقليم في بيان أوردته في 19 آب من ذلك العام، إن “فاقد الإيرادات بلغ 251 مليون دولار من أول تموز الماضي إلى 17 آب، إضافة إلى أضرار مالية قيمتها 250 مليون دولار لحقت بحكومة إقليم كردستان”، بسبب التفجير.

وأشارت إلى وجود عمليات تخريب منتظمة و”سرقات” للنفط من الخط ذاته.

عملت بغداد عبر شركة نفط الشمال التي تدير حقول كركوك، على استعادة الخط كاملاً ووقف التصدير عبر كردستان.

هذه الخطوة المزعجة لأربيل، جاءت مكملة لقرار المحكمة الاتحادية العليا في شباط الماضي قضى بعدم شرعية تصدير الإقليم للنفط وألزمت الشركات الأجنبية العاملة في حقوله بالتوقف أو معاقبتها.

رفضت أربيل القرار، لكن بعض الشركات العالمية استجابت وأعلنت المغادرة مثل “شلمبرجر” و”بيكر هيوز” و”هاليبرتو”.

نفط “رخيص” 

منذ 2017 وحتى 2021، صدّر إقليم كردستان أكثر من 639.9 مليون برميل وفقا لبيانات تتبع السفن.

احتلت إيطاليا المركز الأول بالاستيرادات، اذ بلغت 30.7 بالمئة وبعدها اليونان بنسبة 19 بالمئة، ثم إسرائيل بنسبة 12.8 بالمئة.

وتعتمد إسرائيل على نفط الإقليم بشكل كبير، وذلك لقرب المسافة وقلة تكاليف النقل ورفض الدول العربية شراء هذا النفط.

يباع النفط المصدر من كردستان أرخص من خام برنت بـ10 دولارات بسبب موقف بغداد منه وملاحقتها للشركات المشترية.

وتحدثت مصادر مطلعة لـ”جمار”، قائلة إن “النفط العراقي ممنوع بيعه إلى أي شركة لا تمتلك مصافٍ، أو تقوم الشركة المشترية ببيعه الى شركة أخرى، بينما النفط الكردي تجري المضاربة به”.

يمتلك إقليم كردستان، أكثر من 45 مليار برميل نفط، و5.6 تريليون متر مكعب من الغاز كاحتياطي يتواجد في أكثر من 14 حقلاً نفطياً وغازياً.

وأبرز هذه الحقول هي “شيخان” و”خورمال” و”اتروش” و”طاوكي” و”طق طق”.  

في إجابة على أسئلة تتعلق بقطاع النفط في الإقليم، يشير المجلس الإقليمي لشؤون النفط والغاز (يتبع لحكومة كردستان)، إلى تركيا كمحطة وحيدة للتصدير.

ويحدد المجلس وسيلتين لنقل النفط من كردستان، الأولى هي الصهاريج والثانية هي الخط الواصل إلى ميناء جيهان.

ويقول إن عائدات النفط تتأثر بطريقة النقل.

فالتصدير بالصهاريج مكلف أكثر.

بين 1 نيسان – 30 حزيران من العام الجاري، صدّر إقليم كردستان 37 مليوناً و618 ألفاً و577 برميلاً عبر الأنبوب، بلغت إيراداتها 3 مليارات و789 مليوناً و290 ألفاً و279 دولاراً، وفق شركة “ديلويت” المختصة بالتدقيق.

كيف يصدر إقليم كردستان نفطه؟

لم ترد وزارة الثروات الطبيعية في حكومة الإقليم على طلباتنا للتعليق.

غير أن علي حمه صالح، رئيس لجنة الطاقة في برلمان الإقليم، وافق على التحدث.

ويقول لـ”جمار”، إن النفط يصل إلى ميناء جيهان التركي لتتسلمه الشركات المشترية وترسله إلى دول أخرى.

وعن كيفية “وصوله إلى إسرائيل”، قالت المصادر التي تحدثت إلينا، إن السفينة الناقلة تغير اسمها أكثر من مرة لإبعاد الأنظار عنها أو تتوقف السفن في البحر المتوسط لتفريغ حمولتها في سفن صغيرة تنقلها إلى إسرائيل.

وفق رئيس لجنة الطاقة في برلمان الإقليم، تذهب 56 بالمئة من إيرادات هذا النفط إلى الشركات النفطية إضافة إلى كلف النقل إلى ميناء جيهان التركي، مبيناً أن إيرادات الإقليم الشهرية تبلغ 488 مليون دولار.

حصة تركيا

مازالت العقود بين إقليم كردستان والشركات غير واضحة، ولكن لتركيا دورا بارزا فيها.

ويتمثل دورها بمرور أنبوب النفط عبر أراضيها، والذي تشرف عليه شركة الطاقة التركية TEC، إضافة إلى عمل شركاتها في معظم الحقول داخل الإقليم.

كما تسعى للحصول على الحصة الأكبر من الغاز الكردي في حال تصديره خلال الفترة المقبلة.

يمتنع المسؤولون الحكوميون في إقليم كردستان عن الحديث حول تفاصيل الاتفاق مع تركيا.

بيد أن المراقب لملف الطاقة في الإقليم، محمود ياسين، يقول إن الاتفاق بين الطرفين “يتضمن وجود مخزن للنفط في ميناء جيهان، وتأخذ تركيا 4 دولارات عن كل برميل يمر من أراضيها”.

ويقول أيضاً، إن الاتفاق بين تركيا والإقليم يتضمن دفع الأخير لأي أموال قد تفرضها المحاكم على أنقرة كغرامات لبغداد نتيجة الدعاوى التي ترفعها.

تنظر بغداد إلى أنقرة كمتواطئة، ولولاها لما استطاع إقليم كردستان تصدير نفطه.

“الإقليم محاط بدول ترفض تصدير النفط (عبرها دون إذن بغداد). لكن العلاقات والمصالح التجارية بينه وبين تركيا هي من جعلت أربيل تصدر النفط رغم المشاكل التاريخية”، يقول الخبير النفطي بلال الخليفة.

يعمل الخلفية في وزارة النفط الاتحادية.

ويقول إن الأنشطة التجارية بين أربيل وأنقرة تركز على النفط الآن، مضيفاً أن الإقليم وقع عقوداً لبيع النفط بأسعار أقل من السعر العالمي ولفترة “طويلة تصل إلى 50 عاماً، وقد استلم الأموال مقدماً من شركات فيتول وترافيكورا وبتراكو، كلنكور”.

وهو يتهم تركيا بتسهيل استيلاء كردستان على أنبوب النفط القديم واستغلاله لتصدير النفط المستخرج من الحقول التي يديرها الإقليم.

رفعت الحكومة الاتحادية شكوى دولية ضد تركيا وكسبتها لكنها أوقفت تنفيذ القرار، بحسب الخليفة.

ليس النفط وحده من ترفض بغداد أن يقوم إقليم كردستان بتصديره.

فخط الغاز الذي يمر هو الآخر عبر تركيا للتصدير إلى أوروبا كبديل عن الغاز الروسي “هو أيضاً لم يحظ بموافقة بغداد”.

“العراق لم يملك الغاز الكافي لتوليد الكهرباء ويستورد من إيران، وفي الوقت ذاته يصدر إقليم كردستان الغاز إلى الخارج” يقول الخبير في وزارة النفط الاتحادية مستنكراً.

الاتفاق السياسي أوقف التصعيد

في مطلع العام المقبل، قد لا يتمكن إقليم كردستان من الوصول إلى ميناء جيهان التركي عندما تستعيد الحكومة الاتحادية الخط القديم.

بحسب بركان حسن، مدير شركة نفط الشمال، وهي تابعة لوزارة النفط العراقية، ستنتهي أعمال صيانة خط كركوك – جيهان في بداية العام المقبل، ويبدأ الضخ فيه.

ويتكون هذا الخط من أنبوبين يتسعان لـ500 ألف – مليون و100 ألف برميل يومياً.

يقول حسن إن المسارات المتضررة من الخط تقدر بحوالي 75 كلم في قضاء بيجي باتجاه منطقتي الشورة وعين الجحش في نينوى.

قبل 2014، تعرض هذا الخط لـ289 تفجيراً استهدفت غالبيتها الأنابيب الممتدة بين قضاء بيجي ومنطقة الشورة.

“كوادرنا تقوم بالصيانة حالياً وستنجز عملها مطلع 2023. لن ندفع لإقليم كردستان مقابل التصدير عندما نشغّل الخط من جديد ونضخ فيه النفط”، يقول مدير شركة نفط الشمال.

تنتج هذا الشركة المسؤولة عن الحقول في كركوك وصلاح الدين ونينوى 350 ألف برميل يومياً، تصدّر منها 100 ألف برميل عبر إقليم كردستان.

لكن شركة النفط الشمال لا تملك قراراً أخيراً في هذه القضيّة، وقد تتراجع عن خطتها.

مثّل الحزب الديمقراطي الكردستاني لقوى الإطار التنسيقي، مظلّة الأحزاب الشيعية، عدوّاً لبعض الوقت.

جمع الديمقراطي والتيار الصدري وتحالف تقدم تحالف سياسي أرادوا من خلاله تشكيل حكومة أغلبيّة.

لكنهم لم ينجحوا في مسعاهم.

قبِل الحزب الديمقراطي بالتصويت على حكومة يقودها الإطار وتشترك فيها قوى كرديّة وسُنية.

كان النفط وتصديره على طاولة المفاوضات.  

قال محسن السعدون، عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، إن “الخلافات بين بغداد واربيل حول ملف النفط مازالت قائمة”.

لكن السعدون تحدّث عن “اتفاق سياسي” جرى ضمن تشكيل حكومة محمد شياع السوداني.

تمثل الاتفاق بإيقاف بغداد جميع الإجراءات ضد إقليم كردستان والشركات النفطية الأجنبية العاملة في الإقليم، لحين التوصل إلى اتفاق آخر حول ملف النفط، لإقراره ضمن قانون النفط والغاز.  

“إقليم كردستان سيستمر بإنتاج وتصدير النفط لان قرار المحكمة الاتحادية غير قانوني”، قال السعدون.

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

على مقربة من مقاطع لأنبوب نفط صدئ يبدأ من كركوك ويصل إلى تركيا، ينتشر حراس عراقيون لحماية كوادر هندسية تجري عمليات صيانة للخط الذي تعرّض لندوب إثر تفجيرات كثيرة.

ينقل الأنبوب النفط الخام من حقول كركوك إلى ميناء جيهان التركي على ساحل البحر المتوسط، وقد بدأ السائل الأسود يتدفق فيه لأوّل مرّة عام 1976.

لكن النفط توقف عن الجريان فيه خلال السنوات القليلة الماضية، وقد تغيّر مساره.

خط الخلاف

الأنبوب الآن ورقة حساسة في الخلاف النفطي المستحكم بين العراق الاتحادي وإقليم كردستان الخاضع للحكم الذاتي.

عندما سيطر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على مناطق واسعة في شمال وغرب العراق صيف 2014، دخلت قوات تابعة لإقليم كردستان إلى كركوك وسيطرت على حقول النفط فيها.

ولأن مسار الخط يشق مدناً عدة مثل بيجي في صلاح الدين والشورة وعين الجحش في نينوى ومن ثم دهوك قبل أن يدلف إلى تركيا، غيّرت سلطات الإقليم مساره وربطته بأنابيب جديدة تمر بإقليم كردستان، وتولت هي استخراج النفط من حقول كركوك وتصديره إلى تركيا.

اقرأ أيضاً

“طعام وعدو”.. الرصاص والأغاني الصاخبة لخنازير كردستان 

تنتج حقول النفط في هذه المحافظة، وهي “آفانا” و”باي حسن” و”بابا كركر” و”صفية” و”خورمال” و”جمبور” نحو 450 ألف برميل يومياً.

في 16 تشرين الأول 2017، طردت القوات العراقية “البيشمركة” ومعها فصائل كردية من كركوك واستعادت حقول النفط، باستثناء حقول “جمبور”.

كان ذلك رداً على إجراء الإقليم استفتاء للانفصال عن العراق في أيلول من ذلك العام وإشراك كركوك في الاستفتاء، التي تعتبر القضيّة المركزيّة في الطموحات الكردية.  

لكن ضخ النفط من كركوك إلى تركيا عبر إقليم كردستان، لم يتوقف. إذ تصدر وزارة النفط الاتحادية 100 ألف برميل يومياً عبر الخط الذي عدّل الإقليم مساره، وتدفع أجور “ترانزيت” لأربيل.

والخلاف بين بغداد وأربيل، عاصمة الإقليم، حول شرعية تصدير كردستان للنفط من الحقول في السليمانية ودهوك وأربيل وحقول أخرى، قوي للغاية منذ 2003.

ولم يتوصل الطرفان أبداً إلى اتفاق نهائي.

النفط مقابل الموازنة

وفق الاتفاق بين بغداد وأربيل، يتوجب على الأخيرة تسليم الحكومة المركزية ثمن 250 ألف برميل نفط مما يصدره الإقليم يومياً، مقابل حصوله على حصته في الموازنة المالية الاتحادية وهي تتراوح بين 12 إلى 17 بالمئة.

بعد طرد قواته من كركوك عام 2017، أعلن الإقليم أنه يصدر النفط ولا يسلم الواردات لبغداد حتى يتمكن من دفع رواتب موظفيه إثر “وقف” العاصمة الاتحادية تمويله.

 تدهورت العلاقة بين الطرفين إلى أدنى مستوياتها نتيجة الاستفتاء من طرف واحد الذي قرّرته أربيل.

استمرت سلطات الإقليم بعدم تقديم أي كشوفات مالية بأرباحها من الإنتاج والتصدير، ولا تفصح عن مُشتري النفط منها.

لكن عندما استهدف “حزب العمال الكردستاني” المعارض لأنقرة، أنبوب التصدير القادم من شمال العراق، داخل الأراضي التركية صيف 2015، أعلنت أربيل خسارة 501 مليون دولار جراء توقف ضخ النفط عبر الخط الواصل لميناء جيهان.

وقالت وزارة الثروات الطبيعية في حكومة الإقليم في بيان أوردته في 19 آب من ذلك العام، إن “فاقد الإيرادات بلغ 251 مليون دولار من أول تموز الماضي إلى 17 آب، إضافة إلى أضرار مالية قيمتها 250 مليون دولار لحقت بحكومة إقليم كردستان”، بسبب التفجير.

وأشارت إلى وجود عمليات تخريب منتظمة و”سرقات” للنفط من الخط ذاته.

عملت بغداد عبر شركة نفط الشمال التي تدير حقول كركوك، على استعادة الخط كاملاً ووقف التصدير عبر كردستان.

هذه الخطوة المزعجة لأربيل، جاءت مكملة لقرار المحكمة الاتحادية العليا في شباط الماضي قضى بعدم شرعية تصدير الإقليم للنفط وألزمت الشركات الأجنبية العاملة في حقوله بالتوقف أو معاقبتها.

رفضت أربيل القرار، لكن بعض الشركات العالمية استجابت وأعلنت المغادرة مثل “شلمبرجر” و”بيكر هيوز” و”هاليبرتو”.

نفط “رخيص” 

منذ 2017 وحتى 2021، صدّر إقليم كردستان أكثر من 639.9 مليون برميل وفقا لبيانات تتبع السفن.

احتلت إيطاليا المركز الأول بالاستيرادات، اذ بلغت 30.7 بالمئة وبعدها اليونان بنسبة 19 بالمئة، ثم إسرائيل بنسبة 12.8 بالمئة.

وتعتمد إسرائيل على نفط الإقليم بشكل كبير، وذلك لقرب المسافة وقلة تكاليف النقل ورفض الدول العربية شراء هذا النفط.

يباع النفط المصدر من كردستان أرخص من خام برنت بـ10 دولارات بسبب موقف بغداد منه وملاحقتها للشركات المشترية.

وتحدثت مصادر مطلعة لـ”جمار”، قائلة إن “النفط العراقي ممنوع بيعه إلى أي شركة لا تمتلك مصافٍ، أو تقوم الشركة المشترية ببيعه الى شركة أخرى، بينما النفط الكردي تجري المضاربة به”.

يمتلك إقليم كردستان، أكثر من 45 مليار برميل نفط، و5.6 تريليون متر مكعب من الغاز كاحتياطي يتواجد في أكثر من 14 حقلاً نفطياً وغازياً.

وأبرز هذه الحقول هي “شيخان” و”خورمال” و”اتروش” و”طاوكي” و”طق طق”.  

في إجابة على أسئلة تتعلق بقطاع النفط في الإقليم، يشير المجلس الإقليمي لشؤون النفط والغاز (يتبع لحكومة كردستان)، إلى تركيا كمحطة وحيدة للتصدير.

ويحدد المجلس وسيلتين لنقل النفط من كردستان، الأولى هي الصهاريج والثانية هي الخط الواصل إلى ميناء جيهان.

ويقول إن عائدات النفط تتأثر بطريقة النقل.

فالتصدير بالصهاريج مكلف أكثر.

بين 1 نيسان – 30 حزيران من العام الجاري، صدّر إقليم كردستان 37 مليوناً و618 ألفاً و577 برميلاً عبر الأنبوب، بلغت إيراداتها 3 مليارات و789 مليوناً و290 ألفاً و279 دولاراً، وفق شركة “ديلويت” المختصة بالتدقيق.

كيف يصدر إقليم كردستان نفطه؟

لم ترد وزارة الثروات الطبيعية في حكومة الإقليم على طلباتنا للتعليق.

غير أن علي حمه صالح، رئيس لجنة الطاقة في برلمان الإقليم، وافق على التحدث.

ويقول لـ”جمار”، إن النفط يصل إلى ميناء جيهان التركي لتتسلمه الشركات المشترية وترسله إلى دول أخرى.

وعن كيفية “وصوله إلى إسرائيل”، قالت المصادر التي تحدثت إلينا، إن السفينة الناقلة تغير اسمها أكثر من مرة لإبعاد الأنظار عنها أو تتوقف السفن في البحر المتوسط لتفريغ حمولتها في سفن صغيرة تنقلها إلى إسرائيل.

وفق رئيس لجنة الطاقة في برلمان الإقليم، تذهب 56 بالمئة من إيرادات هذا النفط إلى الشركات النفطية إضافة إلى كلف النقل إلى ميناء جيهان التركي، مبيناً أن إيرادات الإقليم الشهرية تبلغ 488 مليون دولار.

حصة تركيا

مازالت العقود بين إقليم كردستان والشركات غير واضحة، ولكن لتركيا دورا بارزا فيها.

ويتمثل دورها بمرور أنبوب النفط عبر أراضيها، والذي تشرف عليه شركة الطاقة التركية TEC، إضافة إلى عمل شركاتها في معظم الحقول داخل الإقليم.

كما تسعى للحصول على الحصة الأكبر من الغاز الكردي في حال تصديره خلال الفترة المقبلة.

يمتنع المسؤولون الحكوميون في إقليم كردستان عن الحديث حول تفاصيل الاتفاق مع تركيا.

بيد أن المراقب لملف الطاقة في الإقليم، محمود ياسين، يقول إن الاتفاق بين الطرفين “يتضمن وجود مخزن للنفط في ميناء جيهان، وتأخذ تركيا 4 دولارات عن كل برميل يمر من أراضيها”.

ويقول أيضاً، إن الاتفاق بين تركيا والإقليم يتضمن دفع الأخير لأي أموال قد تفرضها المحاكم على أنقرة كغرامات لبغداد نتيجة الدعاوى التي ترفعها.

تنظر بغداد إلى أنقرة كمتواطئة، ولولاها لما استطاع إقليم كردستان تصدير نفطه.

“الإقليم محاط بدول ترفض تصدير النفط (عبرها دون إذن بغداد). لكن العلاقات والمصالح التجارية بينه وبين تركيا هي من جعلت أربيل تصدر النفط رغم المشاكل التاريخية”، يقول الخبير النفطي بلال الخليفة.

يعمل الخلفية في وزارة النفط الاتحادية.

ويقول إن الأنشطة التجارية بين أربيل وأنقرة تركز على النفط الآن، مضيفاً أن الإقليم وقع عقوداً لبيع النفط بأسعار أقل من السعر العالمي ولفترة “طويلة تصل إلى 50 عاماً، وقد استلم الأموال مقدماً من شركات فيتول وترافيكورا وبتراكو، كلنكور”.

وهو يتهم تركيا بتسهيل استيلاء كردستان على أنبوب النفط القديم واستغلاله لتصدير النفط المستخرج من الحقول التي يديرها الإقليم.

رفعت الحكومة الاتحادية شكوى دولية ضد تركيا وكسبتها لكنها أوقفت تنفيذ القرار، بحسب الخليفة.

ليس النفط وحده من ترفض بغداد أن يقوم إقليم كردستان بتصديره.

فخط الغاز الذي يمر هو الآخر عبر تركيا للتصدير إلى أوروبا كبديل عن الغاز الروسي “هو أيضاً لم يحظ بموافقة بغداد”.

“العراق لم يملك الغاز الكافي لتوليد الكهرباء ويستورد من إيران، وفي الوقت ذاته يصدر إقليم كردستان الغاز إلى الخارج” يقول الخبير في وزارة النفط الاتحادية مستنكراً.

الاتفاق السياسي أوقف التصعيد

في مطلع العام المقبل، قد لا يتمكن إقليم كردستان من الوصول إلى ميناء جيهان التركي عندما تستعيد الحكومة الاتحادية الخط القديم.

بحسب بركان حسن، مدير شركة نفط الشمال، وهي تابعة لوزارة النفط العراقية، ستنتهي أعمال صيانة خط كركوك – جيهان في بداية العام المقبل، ويبدأ الضخ فيه.

ويتكون هذا الخط من أنبوبين يتسعان لـ500 ألف – مليون و100 ألف برميل يومياً.

يقول حسن إن المسارات المتضررة من الخط تقدر بحوالي 75 كلم في قضاء بيجي باتجاه منطقتي الشورة وعين الجحش في نينوى.

قبل 2014، تعرض هذا الخط لـ289 تفجيراً استهدفت غالبيتها الأنابيب الممتدة بين قضاء بيجي ومنطقة الشورة.

“كوادرنا تقوم بالصيانة حالياً وستنجز عملها مطلع 2023. لن ندفع لإقليم كردستان مقابل التصدير عندما نشغّل الخط من جديد ونضخ فيه النفط”، يقول مدير شركة نفط الشمال.

تنتج هذا الشركة المسؤولة عن الحقول في كركوك وصلاح الدين ونينوى 350 ألف برميل يومياً، تصدّر منها 100 ألف برميل عبر إقليم كردستان.

لكن شركة النفط الشمال لا تملك قراراً أخيراً في هذه القضيّة، وقد تتراجع عن خطتها.

مثّل الحزب الديمقراطي الكردستاني لقوى الإطار التنسيقي، مظلّة الأحزاب الشيعية، عدوّاً لبعض الوقت.

جمع الديمقراطي والتيار الصدري وتحالف تقدم تحالف سياسي أرادوا من خلاله تشكيل حكومة أغلبيّة.

لكنهم لم ينجحوا في مسعاهم.

قبِل الحزب الديمقراطي بالتصويت على حكومة يقودها الإطار وتشترك فيها قوى كرديّة وسُنية.

كان النفط وتصديره على طاولة المفاوضات.  

قال محسن السعدون، عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، إن “الخلافات بين بغداد واربيل حول ملف النفط مازالت قائمة”.

لكن السعدون تحدّث عن “اتفاق سياسي” جرى ضمن تشكيل حكومة محمد شياع السوداني.

تمثل الاتفاق بإيقاف بغداد جميع الإجراءات ضد إقليم كردستان والشركات النفطية الأجنبية العاملة في الإقليم، لحين التوصل إلى اتفاق آخر حول ملف النفط، لإقراره ضمن قانون النفط والغاز.  

“إقليم كردستان سيستمر بإنتاج وتصدير النفط لان قرار المحكمة الاتحادية غير قانوني”، قال السعدون.