"العقاب الجماعي" عند شلومو والصدر وخضرا والداخلية:
"زلزلة رومانسية" و"محتوى هابط"

رضا الشمري

21 شباط 2023

أقلع الله تدريجياً عن العقوبات الجماعية، حيث اكتفى بإغراق فرعون وجيشه، وتناقصت عقوباته حتى إن عيسى قُتِل وعُذِّب وصُلب من دون أن يحرك الله حجراً واحداً.. فإلى أي رب يتحدّث شلومو والصدر وخضرا وضباط الداخلية؟

ليس بين ديننا ودينكم سوى مثل هذا الخط.

وصف إلياهو شموئيل، حاخام مدينة صفد الفلسطينية، زلزال تركيا وسوريا بإنه “عقوبة إلهية”، وإنه “تطهير” للأرض لجعلها “أفضل” وأن على المؤمنين الفرح وترديد الأغاني وهم يشاهدون مناظر موت الأعداء مهشمين تحت الأبنية التي تساقطت عليهم مثلما كان “بنو إسرائيل يرددون الأغاني فرحاً بموت المصريين” في قصة خروج موسى من مصر وانشقاق البحر.

لا يبتعد التفسير الإسلامي كثيراً للزلزال الأخير.

وصف مقتدى الصدر، وهو ابن مرجع دين بارز مثل الحاخام شموئيل، الزلزال بأنه غضب من الله بسبب “عدم غضبنا لحرق القرآن”.

ووصف السيد سامي خضرا، وهو رجل دين شيعي الفاجعة بأنها “زلزلة رومانسية” تعيد البشر إلى حجمهم الطبيعي بعد ما “عاشوا سكرات حب الدنيا وشاعت الغفلة”.

حذف خضرا التغريدة لاحقاً.

لا تمثل تصريحات مقتدى الصدر أو الحاخام شموئيل المسلمين أو اليهود، أو على الأقل فإنها لا تمثل التوجه الديني الرسمي الحالي، الذي – تأثراً بالعلم – يرجع الزلازل إلى أسبابها الطبيعية، وينأى بالله عن أن يكون إلهاً، فضلاً عن كونه منتقماً من أطفال ونساء عزل، فإنه أيضاً أحول، أو إله سيء التصويب لدرجة أن القرآن يُحرَق في السويد فيزلزل تركيا، أو أن أردوغان يهدد إسرائيل -لو صح تهديده لها- فيزلزل الأبرياء من غازي عنتاب إلى حلب.

لكن التصريحات هذه لها ما يؤصل لها في الأديان الإبراهيمية كافة.

دمر الله أقواماً كثيرة دماراً شاملاً نتيجة لذنوب بسيطة نسبياً، أغرق الله مثلاً البشرية كلها في قصّة نوح وسفينته المعروفة، وذلك عقوبة على “العناد”، ودمر كل قوم لوط عقوبة على خياراتهم التي أصبحت، نوعا ما، عادية هذه الأيام.

واللافت إن العقوبات كانت دائما مبتكرة جداً، وشاملة جداً. على سبيل المثال الغرق في حالة نوح، والتدمير في حالة عاد وثمود، والحر والغمامة القاتلة في حالة قوم شعيب، كما أن هناك عقوبات بالصيحة والريح والرجفة.

الغريب –أو المثير– إن الله أقلع تدريجياً عن “عادة” العقوبات الجماعية، حيث لم يُغرِق المصريين كلهم، واكتفى بفرعون وجيشه -بعد عقوبات تأديبية شملت المصريين لكنها لم تفنهم.

وتناقصت شدة العقوبات الجماعية بعدها حتى إن عيسى، روح الله، قُتِل وعُذِّب وصُلب من دون أن يحرك الله حجراً واحداً ثأراً لمقتله، في نفس الوقت الذي أخذ بالرجفة -ربما تكون الزلزال- قوم ثمود الذين كانت جريمتهم أنهم عقروا ناقة صالح، فيما لم يُسجَّل حدوث أي عقوبة إلهية جماعية بعد قتل الحسين وأصحابه بطريقة بشعة للغاية.

مع هذا، وبشكل ما، يُداعب خيال الإله المنتقم أغلب المتدينين من الأديان كافة بشكل “رومانسي” كما يصف سماحة السيد سامي خضرا الزلزال.

المتدين الحقيقي محروم من مُتع كثيرة، ويعذبه الإحساس المستمر بالذنب، وبشكل ما، تمنح العقوبات الإلهية للغير إحساساً بالعدالة والتعويض.

يُفترض –أو على الأقل هذا ما يروج له المتدينون– أن الدين يخلق إنساناً رحيماً رقيقاً مُحباً للخير، يبكي لأجل عدوه في المثال الإسلامي، ويعطي الخد الأيسر لمن ضربه على الأيسر في المثال المسيحي.

مع هذا، فإن المتدين الأصولي هو عادة شخص غاضب، شتام، مُحب للانتقام، عنيف إذا ما توافرت له الفرصة، كثير الارتياب، ومحب لتقسيم الناس إلى مجاميع واسعة متشابهة تماماً، وعاشق للعقوبات الجماعية.

يشبه المتدين بالديانات الإبراهيمية المُتدين الآخر المتطرف، بل حتى المؤمن بعقائد سياسية ملحدة مثل الشيوعية.

بطريقة ما، يتحول الإيمان عند البعض إلى دافع للعطاء والمحبة، ويتحول عند آخرين إلى دافع قسوة هائلة.

يخيفني الإيمان بشكل كبير، أنا بطبعي محب للشك، الإنسان الشكاك لا يقتل نفسه أو غيره من أجل فكرة، لأنه أساساً غير مُقتنع بها بما يكفي.

يخيفني “المتعارف عليه” و”الذوق العام” و”الآداب العامة” و”الأخلاقيات الشائعة” و”أعراف المجتمع”، وهذه كلّها لها جذور دينية، أو أنها موجودة وطوّرتها الأفكار الدينية المتطرّفة. 

تخيفني القناعات العامة مثل هذه، التوصيات المصممة من قبل أشخاص لا أعرفهم، ولا أثق بعقولهم أو المنطق الذي أسسوا عليه تلك القناعات، سواء كانت قواعد دينية، أو توصيات سياسية عقائدية، أو حتى أمثالاً اجتماعية تناقلها جيل بعد آخر حتى تحولت إلى مقدسات.

يمنح الإيمان المطلق قوّة لراعي غنم في الحويجة مثلاً سكينة يجز بها رؤوس جنود الشرطة الاتحادية بدون تردد، أو يمنح حاخاماً كلمات احتفالية بمقتل 30 ألف إنسان، فقط لأنهم من دين آخر.

يجعل الإيمان المطلق الصدريين على سبيل المثال حائرين بشأن نوع “الصاص” الذي لا يُحرَّمه مرجعهم محمد الصدر، أو الاتجاهات المستحب استقبالها حين النكاح، أو أكل “النبك” الذي يتساقط من الشجرة إلى الشارع أو حتى “حكم مشاهدة تزاوج الحيوانات من خلال الانترنت” أو حكم الاحتفال بعيد الحب، لكنهم من جهة أخرى على يقين كامل بأن عقوبة سب محمد الصدر أو ولده مقتدى يجب أن تكون الموت.

تصبغ القسوة المفرطة شوارع الدول الدينية والعقائدية، قتلت إسرائيل وتقتل مئات الفلسطينيين سنوياً، ويَفوق عدد أحكام الإعدام التي تصدرها دولتا إيران والسعودية أحكام الإعدام المعروفة في أي دولة أخرى (الصين وكوريا الشمالية وفيتنام تنفذ أحكام الإعدام بسرية ودون إعلان).

يقتلنا الإيمان ويسجننا كذلك.

أطلق العراق حملة لمواجهة “المحتوى الهابط” تسببت حتى الآن بسجن ستة أشخاص بين ستة أشهر وعامين، وهناك ثمانية آخرون مرشحون للسجن، بينما يتسابق صناع المحتوى للاعتذار من الدولة وإعلان ولائهم للحكومة واستعدادهم للدفاع عنها.

في “استطلاع” سريع للرأي، يتجول ضابط مشهور في وزارة الداخلية ويسأل باعة الأسماك والسكائر في سوق شعبية عن رأيهم بحملة وزارة الداخلية، وعن تعريفهم لحرية التعبير.

كان الجواب متوقعاً، يتهم هؤلاء “المشاهير” على السوشل ميديا بأنهم يستخدمون “أعراضهم” من أجل الحصول على إعجابات، أو “يهينون كرامتهم” من أجل الانتشار على مواقع السوشل ميديا، أو “يخربون سمعة العراق”، من خلال محتوى كوميدي يرى النقاد من رواد السوق وباعته إنه غير مناسب فنياً أو إعلامياً.

يقترح الباعة والرواد عقوبات جماعية للمشاهير جزاء ما اقترفوه من ذنب مخالفة القناعات العامة والواسعة، ويهز الضابط رأسه موافقاً.

عقوبات جماعية أخرى، يوافق عليها الضابط، ويقترحها بسطاء، ويتلقفّها رجال الدين.

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

ليس بين ديننا ودينكم سوى مثل هذا الخط.

وصف إلياهو شموئيل، حاخام مدينة صفد الفلسطينية، زلزال تركيا وسوريا بإنه “عقوبة إلهية”، وإنه “تطهير” للأرض لجعلها “أفضل” وأن على المؤمنين الفرح وترديد الأغاني وهم يشاهدون مناظر موت الأعداء مهشمين تحت الأبنية التي تساقطت عليهم مثلما كان “بنو إسرائيل يرددون الأغاني فرحاً بموت المصريين” في قصة خروج موسى من مصر وانشقاق البحر.

لا يبتعد التفسير الإسلامي كثيراً للزلزال الأخير.

وصف مقتدى الصدر، وهو ابن مرجع دين بارز مثل الحاخام شموئيل، الزلزال بأنه غضب من الله بسبب “عدم غضبنا لحرق القرآن”.

ووصف السيد سامي خضرا، وهو رجل دين شيعي الفاجعة بأنها “زلزلة رومانسية” تعيد البشر إلى حجمهم الطبيعي بعد ما “عاشوا سكرات حب الدنيا وشاعت الغفلة”.

حذف خضرا التغريدة لاحقاً.

لا تمثل تصريحات مقتدى الصدر أو الحاخام شموئيل المسلمين أو اليهود، أو على الأقل فإنها لا تمثل التوجه الديني الرسمي الحالي، الذي – تأثراً بالعلم – يرجع الزلازل إلى أسبابها الطبيعية، وينأى بالله عن أن يكون إلهاً، فضلاً عن كونه منتقماً من أطفال ونساء عزل، فإنه أيضاً أحول، أو إله سيء التصويب لدرجة أن القرآن يُحرَق في السويد فيزلزل تركيا، أو أن أردوغان يهدد إسرائيل -لو صح تهديده لها- فيزلزل الأبرياء من غازي عنتاب إلى حلب.

لكن التصريحات هذه لها ما يؤصل لها في الأديان الإبراهيمية كافة.

دمر الله أقواماً كثيرة دماراً شاملاً نتيجة لذنوب بسيطة نسبياً، أغرق الله مثلاً البشرية كلها في قصّة نوح وسفينته المعروفة، وذلك عقوبة على “العناد”، ودمر كل قوم لوط عقوبة على خياراتهم التي أصبحت، نوعا ما، عادية هذه الأيام.

واللافت إن العقوبات كانت دائما مبتكرة جداً، وشاملة جداً. على سبيل المثال الغرق في حالة نوح، والتدمير في حالة عاد وثمود، والحر والغمامة القاتلة في حالة قوم شعيب، كما أن هناك عقوبات بالصيحة والريح والرجفة.

الغريب –أو المثير– إن الله أقلع تدريجياً عن “عادة” العقوبات الجماعية، حيث لم يُغرِق المصريين كلهم، واكتفى بفرعون وجيشه -بعد عقوبات تأديبية شملت المصريين لكنها لم تفنهم.

وتناقصت شدة العقوبات الجماعية بعدها حتى إن عيسى، روح الله، قُتِل وعُذِّب وصُلب من دون أن يحرك الله حجراً واحداً ثأراً لمقتله، في نفس الوقت الذي أخذ بالرجفة -ربما تكون الزلزال- قوم ثمود الذين كانت جريمتهم أنهم عقروا ناقة صالح، فيما لم يُسجَّل حدوث أي عقوبة إلهية جماعية بعد قتل الحسين وأصحابه بطريقة بشعة للغاية.

مع هذا، وبشكل ما، يُداعب خيال الإله المنتقم أغلب المتدينين من الأديان كافة بشكل “رومانسي” كما يصف سماحة السيد سامي خضرا الزلزال.

المتدين الحقيقي محروم من مُتع كثيرة، ويعذبه الإحساس المستمر بالذنب، وبشكل ما، تمنح العقوبات الإلهية للغير إحساساً بالعدالة والتعويض.

يُفترض –أو على الأقل هذا ما يروج له المتدينون– أن الدين يخلق إنساناً رحيماً رقيقاً مُحباً للخير، يبكي لأجل عدوه في المثال الإسلامي، ويعطي الخد الأيسر لمن ضربه على الأيسر في المثال المسيحي.

مع هذا، فإن المتدين الأصولي هو عادة شخص غاضب، شتام، مُحب للانتقام، عنيف إذا ما توافرت له الفرصة، كثير الارتياب، ومحب لتقسيم الناس إلى مجاميع واسعة متشابهة تماماً، وعاشق للعقوبات الجماعية.

يشبه المتدين بالديانات الإبراهيمية المُتدين الآخر المتطرف، بل حتى المؤمن بعقائد سياسية ملحدة مثل الشيوعية.

بطريقة ما، يتحول الإيمان عند البعض إلى دافع للعطاء والمحبة، ويتحول عند آخرين إلى دافع قسوة هائلة.

يخيفني الإيمان بشكل كبير، أنا بطبعي محب للشك، الإنسان الشكاك لا يقتل نفسه أو غيره من أجل فكرة، لأنه أساساً غير مُقتنع بها بما يكفي.

يخيفني “المتعارف عليه” و”الذوق العام” و”الآداب العامة” و”الأخلاقيات الشائعة” و”أعراف المجتمع”، وهذه كلّها لها جذور دينية، أو أنها موجودة وطوّرتها الأفكار الدينية المتطرّفة. 

تخيفني القناعات العامة مثل هذه، التوصيات المصممة من قبل أشخاص لا أعرفهم، ولا أثق بعقولهم أو المنطق الذي أسسوا عليه تلك القناعات، سواء كانت قواعد دينية، أو توصيات سياسية عقائدية، أو حتى أمثالاً اجتماعية تناقلها جيل بعد آخر حتى تحولت إلى مقدسات.

يمنح الإيمان المطلق قوّة لراعي غنم في الحويجة مثلاً سكينة يجز بها رؤوس جنود الشرطة الاتحادية بدون تردد، أو يمنح حاخاماً كلمات احتفالية بمقتل 30 ألف إنسان، فقط لأنهم من دين آخر.

يجعل الإيمان المطلق الصدريين على سبيل المثال حائرين بشأن نوع “الصاص” الذي لا يُحرَّمه مرجعهم محمد الصدر، أو الاتجاهات المستحب استقبالها حين النكاح، أو أكل “النبك” الذي يتساقط من الشجرة إلى الشارع أو حتى “حكم مشاهدة تزاوج الحيوانات من خلال الانترنت” أو حكم الاحتفال بعيد الحب، لكنهم من جهة أخرى على يقين كامل بأن عقوبة سب محمد الصدر أو ولده مقتدى يجب أن تكون الموت.

تصبغ القسوة المفرطة شوارع الدول الدينية والعقائدية، قتلت إسرائيل وتقتل مئات الفلسطينيين سنوياً، ويَفوق عدد أحكام الإعدام التي تصدرها دولتا إيران والسعودية أحكام الإعدام المعروفة في أي دولة أخرى (الصين وكوريا الشمالية وفيتنام تنفذ أحكام الإعدام بسرية ودون إعلان).

يقتلنا الإيمان ويسجننا كذلك.

أطلق العراق حملة لمواجهة “المحتوى الهابط” تسببت حتى الآن بسجن ستة أشخاص بين ستة أشهر وعامين، وهناك ثمانية آخرون مرشحون للسجن، بينما يتسابق صناع المحتوى للاعتذار من الدولة وإعلان ولائهم للحكومة واستعدادهم للدفاع عنها.

في “استطلاع” سريع للرأي، يتجول ضابط مشهور في وزارة الداخلية ويسأل باعة الأسماك والسكائر في سوق شعبية عن رأيهم بحملة وزارة الداخلية، وعن تعريفهم لحرية التعبير.

كان الجواب متوقعاً، يتهم هؤلاء “المشاهير” على السوشل ميديا بأنهم يستخدمون “أعراضهم” من أجل الحصول على إعجابات، أو “يهينون كرامتهم” من أجل الانتشار على مواقع السوشل ميديا، أو “يخربون سمعة العراق”، من خلال محتوى كوميدي يرى النقاد من رواد السوق وباعته إنه غير مناسب فنياً أو إعلامياً.

يقترح الباعة والرواد عقوبات جماعية للمشاهير جزاء ما اقترفوه من ذنب مخالفة القناعات العامة والواسعة، ويهز الضابط رأسه موافقاً.

عقوبات جماعية أخرى، يوافق عليها الضابط، ويقترحها بسطاء، ويتلقفّها رجال الدين.