أهالي قتلى تشرين في طريق بحثهم عن العدالة: نواجه تهديدات كل يوم 

حذام حميد

03 تشرين الأول 2022

تواجه عائلات صفاء السراي وإيهاب الوزني ومهند القيسي تهديدات من جهات مختلفة لأنهم يطالبون بالعدالة. أم مهند هاجرت العراق، وشقيق إيهاب أغلقت المحكمة الباب في وجهه، بينما إضبارة صفاء علاها الغبار في مركز الشرطة..

يوم 19 تشرين الأول 2020. توصد أم مهند باب منزلها في محافظة النجف وتغادر مع زوجها وبناتها الأربعة إلى مكان خارج العراق لا تفضّل الكشف عنه.  

يعرف الكثير من العراقيين هذه المرأة.  

إنها مديرة مدرسة في النجف، لكن ليس هذا سبب شهرتها، بل خروجها المتكرر إلى الشوارع للتذكير بما حصل مساء 5 شباط 2020 هو ما جعلها قضية رأي عام لفترة. 

ففي ذلك المساء الشتوي قُتل ابنها الشاب مهند القيسي في ساحة الصدرين وسط المدينة، إضافة إلى 22 من زملائه بعدما أطفئت أنوار الساحة فجأة. 

كانوا يشاركون في الاحتجاجات التي عمّت وسط وجنوب العراق وقتها ويرددون هتافات منددة بالفساد ويطالبون القادة السياسيين بالرحيل.  

تتهم والدة مهند زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وميليشياته “سرايا السلام” بشنّ الهجوم. 

أخذت الأمهات المفجوعات وأزواجهن الثكالى مكان الأبناء الراحلين في هجوم ساحة الصدرين. في الساحة وأمام المحاكم، تجمعوا أكثر من مرة للمطالبة بالكشف عن القتلة ومحاسبتهم، لكن دون جدوى.  

تقدمت عائلة مهند بشكاوى ضد محافظ النجف السابق لؤي الياسري، ومدير الشرطة، كما شكت مدير الكهرباء. فساحة الصدرين التي قُتل فيها مهند وزملاؤه مستثناة من قطع الكهرباء المبرمج، لكن قبل قدوم المسلحين في الليل لإطلاق النار على المحتشدين هناك، كانت الأنوار قد توقفت.  

لم يصمد المحامي الذي وكلته العائلة للترافع في القضية أمام التهديدات، وهو منذ البداية أخبر موكليه أن لا يشتكوا على “سرايا السلام” لأنهم لن يحصلوا على نتيجة لعدم وجود ما يدين شخصاً بعينه.  

ولاحقاً، اعتذر المحامي عن مواصلة العمل بعدما اكتشف أن مسلحين يراقبون تحركاته ومنزله.  

تحدث إلينا أبو مهند عبر الهاتف من مكان ما خارج العراق ولم يكشف عنه لضرورة أمنية، كما قال.  

أخبرنا بالمتاعب التي واجهوها خلال الأشهر التي قضوها وهم يحاولون حث السلطات الأمنية والقضائية على التحري عن قتلة ابنهم دون جدوى.  

ولديهم أسئلة يبحثون لها عن جواب.  

تقع ساحة الصدرين، المكان الذي قُتل فيه ابنهما، على بعد 200 متر تقريباً من مديرية الاستخبارات في النجف.  

“الطريق إلى الساحة مليء بكاميرات المراقبة ولا يعرف أحد أين ذهبت تسجيلاتها ولماذا لم تستعن بها السلطات للكشف عن مرتكبي الهجوم في تلك الليلة”.  

ضمن الشكاوى التي قدموها للمحكمة، كانت واحدة بحق مالك فندق “بردى” القريب من الساحة.  

فالمعلومات التي بحوزتهم تفيد بأن سطح الفندق امتلأ بالمسلحين “ليلة المجزرة”، بيد أن هذه الشكوى أيضاً لم تفض لنتيجة “بحجة عدم وجود أدلة”.  

وأمام هذه الحال “بدأ المحامي يماطل شيئاً فشيئاً حتى اعتذر عن المواصلة”، يقول الأب.  

لم تفقد العائلة الأمل حتى كشف لهم أحد المعارف سراً حملهم على الرحيل. 

“زميل زوجتي (أم مهند) في المدرسة أخبرنا أن جماعة مسلحة ستقتلنا قريباً. إنه ينتمي لهذه الجماعة، فلم يعد بإمكاننا البقاء في النجف”. 

لمهند 4 شقيقات في مرحلة الدراسة، ووالداهما يخشيان عليهن فأخذوهن إلى مكان أكثر أمناً، خارج العراق، وهم يعيشون هناك الآن. 

لم يصدق أبو مهند إعلان وزارة الداخلية في بيان في 21 تشرين الثاني 2021، أنها اعتقلت 4 أشخاص “يشكلون عصابة (..) واعترفوا باستخدامهم المولوتوف والهجوم على منزل محافظ النجف وسرقة بعض الممتلكات العامة ومكتبة دار الحكمة ومحاولات إثارة الفتنة بين القوات الأمنية والمتظاهرين بافتعال صدامات مع هذه القوات لإشاعة الفوضى”.  

وقالت الداخلية حينها إن المعتقلين “اعترفوا” بأنهم أطلقوا النار على المتظاهرين وأوقعوا قتلى وجرحى في صفوفهم، إشارة إلى هجوم ساحة الصدرين. 

يتذكر أبو مهند: “في إحدى الليالي كنّا نخطط لوقفة احتجاجية فورد تهديد إلى الشباب المنظمين على لسان قاضٍ في المحكمة وكان نصّه “سأهدم الساحة بالجرافات إذا خرجتم في تظاهرة”.  

جريمة موّثقة في كربلاء  

فجر 9 أيار 2021 في كربلاء. تعقب شخصان يستقلان دراجة نارية الناشط إيهاب الوزني الذي كان هو الآخر يستقل دراجة يقودها صديقه. 

استدار الوزني ناحية منزله ومشى بضع خطوات ثم اهتز جسمه واستدار فسقط قرب الباب إثر وميض قرمزي.  

كان رصاصاً أصابه في صدره.  

فرّ المسلحان رغم أن المنطقة محصّنة أمنياً، ولم يقبض عليهما حتى اللحظة. وثقّت كاميرات مراقبة هذه المشاهد وانتشر التسجيل على مواقع التواصل الاجتماعي.  

“منذ ذلك اليوم أزور المحاكم ومراكز القضاء، لكن حتى القاضي يرفض مقابلتي”، يقول مروان الوزني، شقيق إيهاب.  

مروان محامٍ وهو موّكل في قضية شقيقه ويترافع فيها.  

أصدرت المحكمة 4 أوامر قبض بحق المتهمين بالتخطيط والمشرفين على عملية الاغتيال. 

“لكن أياً من هذه الأوامر لم تنفّذ”.  

وكما في حالة مهند القيسي، فالمتهم بقتل الوزني شخصية نافذة. هو قاسم مصلح، قائد عمليات الحشد الشعبي في الأنبار. 

بعد نحو شهر على اغتيال إيهاب، اعتقلت قوة أمنية مصلح فحاصرت قوات من الحشد الشعبي المنطقة الخضراء وأجبرت السلطات على إطلاق سراحه.  

خرجت والدة الوزني في لقاءات متلفزة، واتهمته صراحة بقتل ولدها وقالت إنه هدده أكثر من مرة.  

يدرك مروان، شقيق إيهاب، أن “لا فائدة” من ملاحقة مصلح وأقاربه المتهمين. “حتى القاضي يطلب من حمايته إخباري إنه غير موجود.. فماذا أرتجي؟”.  

مليشيات تهدد أهل القتيل في بغداد  

تضع الشرطة والمحاكم اسم “مجهول” في خانة المتهمين أحياناً ضمن عريضة الشكوى إن لم تكن عائلة المقتول تعرفه أو تتهم جهازاً أمنياً أو ميليشيا دون شخص بعينه.  

أما عائلة صفاء السراي، أشهر المتظاهرين القتلى، فقد حددت القوة الأمنية المرابطة على جسر الجمهورية القريب من المنطقة الخضراء يوم مقتله، 28 تشرين الأول 2019. كما اتهمت أيضاً رئيس الوزراء حينها عادل عبد المهدي بالمسؤولية لأنه القائد العام للقوات المسلحة بحكم منصبه.  

وعلى الرغم من تحديد المسؤولين، إلا أن متابعة بهاء، شقيق صفاء السراي، الشكوى المقدمة لدى مركز شرطة السعدون المسؤول عن الرقعة الجغرافية لمكان الحادث، لم تُسفر عن شيء.  

“أخبرني محامون بأن الدعوى أغلقت بشكل سري، وكذلك أشخاص قريبون من رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، إنهم (أي المسؤولين الحكوميين) غير قادرين على محاسبة المتهمين لأنهم جزء لا يتجزأ منهم”.  

وفيما يتابع بهاء الدعوى والتظاهر لتحقيق المطالب، طاله التهديد من “جماعات مسلحة أعلم تماماً من يكونون، هددوني بشكل مستمر. عندما تقدمت بالشكوى هددوني وما زلت أهدد حتى أتوقف عن المطالبة بكشف أسماء قتلة صفاء”.  

ذي قار: لم يحاكم أحد  

سقط في 3 تشرين الأول 2019 أول القتلى من المحتجين في ذي قار.  

“عند مقر منظمة بدر (يتزعمها هادي العامري) فقدنا 4 ضحايا. قتلهم الحراس بالرصاص”.  

بعد ذلك وقعت مواجهة عند مقر “عصائب أهل الحق” بزعامة قيس الخزعلي. قُتل 6 محتجين خلالها، ويقال إن 3 منهم ماتوا حرقاً داخل المقر. 

في 3 تشرين الثاني 2019 سقط 4 محتجين قتلى على جسر الزيتون في الناصرية بعدما أطلق “فوج المهمات الخاصة” النار عليهم. 

على الجسر ذاته وقعت حادثة قتل جماعي أكبر في 28 تشرين الثاني 2019، عرفت لاحقاً باسم “مجزرة الزيتون”، والمتهم بها محدد، هو ضابط قوات العمليات الخاصة “سوات” النقيب عمر نزار.  

يتهم المحتجون الذين نجوا من القتل على الجسر، وعائلات الضحايا والمصابين، هذا الضابط بإصدار الأوامر لعناصره بإطلاق النار وقتل 27 متظاهراً وإصابة 56 آخرين. 

تقّدمت عائلات القتلى وجميع الجرحى بدعاوى قضائية لمحكمة الجنايات في ذي قار فأصدرت المحكمة أمراً بالقبض على نزار. صدرت المذكرة في 2020، وفي العام التالي سلّم الضابط نزار نفسه بعدما ظهر في مقطع مصوّر ينفي التهمة عنه.  

وهو “قيد التحقيق حتى الآن”، كما قال المحامي الذي تحدّث إلينا وطلب عدم ذكر اسمه. ومن الجدير ذكره، أن “أبو تراب الحسيني”، وهو عضو في منظمة “بدر” التي يقودها هادي العامري، يترأس الجهاز الذي ينتمي إليه نزار.  

ويجري اتهام الحسيني بالتغطية على نزار.   

باستثناء هذا الضابط، لم تنفذ أوامر القبض الأخرى الصادرة إثر دعاوى تتعلق بقتل المتظاهرين هناك. 

كما برأت المحكمة قائد القوات العسكرية في محافظة ذي قار (خلال الأحداث) الفريق الركن جميل الشمري لـ”عدم وجود أدلة تدينه”، وعيُن أستاذاً في الكلية الحربية في بغداد. 

يعتقد المحامي أن السلطات المسؤولة عن تنفيذ أوامر القبض غير قادرة على أداء هكذا واجبات، منوهاً إلى أن ثمة “152 قضية رفعتها عائلات القتلى و900 أخريات تقدم بها جرحى التظاهرات، لم تصدر أحكام بشأنهن حتى الآن”. 

وعن عدم توفر الأدلة، يقول إن “القوات الأمنية أخفت جميع الأدلة. فلا كاميرات مراقبة وأسماء لعناصر الأمن الذين كانوا في أماكن حوادث القتل”. 

يتلقى المحامون تهديدات مستمرة بسبب توليهم متابعة الشكاوى التي تتقدم بها عائلات الضحايا. أحدهم، وقد طلب عدم ذكر اسمه حفاظاً على أمنه الشخصي، تحدث لنا عن عوائق قانونية تحول دون إصدار أحكام في الكثير من قضايا القتل هذه، أبرزها “أن لا أحد يعرف حقاً مرتكب الجريمة بينما القانون يطلب أدلة عينية وجناة واضحين ليحاسبهم”. 

“قتل بأوامر من فوق”  

لا توجد أرقام واضحة للقضايا المسجلة ضدّ المتهمين بقتل المتظاهرين.  

واللجنة التي كلفتها نقابة المحامين بهذا الصدد لا تملك مثل هذه الإحصائية. في حديث مع أنور الجابري، أحد أعضائها، استطعنا الحصول على أرقام الشكاوى المسجلة في محكمتي الكرادة والرصافة في بغداد فقط، والبالغ 178 دعوى فقط.  

“للأسف أغلب عائلات الضحايا تجهل حقوقها، لذلك لم يتقدم أغلبهم بدعاوى”، قال الجابري.  

حسم القضاة بعض الدعاوى المرفوعة في بغداد بإصدار أحكام لتعويض عائلات الضحايا من المال العام، مردفين أن “لا أدلة تدين المتهمين”.  

شكل محامون متطوعون فريقاً أطلقوا عليه “فريق الدفاع عن المتظاهرين” منذ موجة التظاهرات الثانية في 25 تشرين الأول عام 2019.  

يعمل المتطوعون على القضايا في العاصمة بغداد فحسب.  

أكد لنا أحد أعضاء الفريق ما قاله مروان الوزني عن وجود أوامر قبض من المحاكم لم تنفذها السلطات الأمنية، مثل مذكرة القبض بحق العميد عدنان حسن حمد، آمر الفوج الثالث في الفرقة الأولى من الشرطة الاتحادية ومساعده سرمد نوري صلاح، التي اطلعنا على نسخة منها.  

حالياً، يتابع فريق المحامين التطوعي للدفاع عن المتظاهرين أربع قضايا في بغداد، التي أفاد أحد أعضائها بأنه “لا نعرف حتى اللحظة إذا كان القتلة (في هذه القضايا) من عناصر الأمن أو من الميليشيات والجماعات المسلحة”.  

ومع ذلك، فثمة حالات أقرّ فيها ضباط متهمون بالقتل أن أوامر صدرت لهم من قياداتهم العليا، “بعضهم قال إن الأوامر وردتهم من قبل قوات العمليات الخاصة “سوات” أو مكافحة الشغب أو الشرطة الاتحادية”.  

رغم الاعترافات، لم تشهد قاعات المحاكم مُحاكمات واسعة، وأدى الاستئناف أحياناً إلى تخفيض الأحكام. ففي إحدى القضايا، صدر حكم بالإعدام على الرائد مالك كاظم، من قوات “سوات” بتهمة قتل متظاهرين في محافظة واسط. عند الاستئناف، خفف الحكم الأول إلى السجن المؤبد.  

يقول فريق المحامين التطوعي أن “القضايا التي يتهم فيها ضباط وعناصر أمن محددون قليلة جداً، لكن مئات القضايا مسجلة ضدّ مجهول ودون أدلة”. وكما في قضايا أخرى، فعندما تجد المحكمة أن الدعوى المقدمة إليها “بلا أدلة كافية”، تأمر بوقفها لحين ظهور دليل، وهذا هو مصير القضايا الكثيرة العالقة التي تقدمت بها عائلات القتلى. 

تشرين الأول 2022: لا شيء تغير  

بحلول الذكرى الثالثة لاحتجاجات تشرين 2019، لم يتغير شيء في سردية الحكومة عن القتلى والمصابين والمخطوفين والمغيبين، ولا أحرزت اللجان المختلفة التي أقامتها أي تقدم في تقصي الحقائق وتسمية المسؤولين عن القتل.  

عندما تولى مصطفى الكاظمي في أيار 2020 رئاسة حكومة مؤقتة خلفاً لحكومة عادل عبد المهدي التي استقالت إثر الاحتجاجات، تعهد بالتحقيق في مقتل المتظاهرين، وأقام في 18 تشرين الأول 2020، لجنة بموجب الأمر الديواني رقم 293 لتقصي الحقائق حول أعمال العنف والمسؤولين عن القتل.   

في 28 أيار 2021، أعلنت لجنة التحقيق  لتقصي الحقائق استدعاء 22 ضابطاً من رتبة نقيب إلى لواء ونحو 90 شرطياً وجندياً. قسم من هؤلاء متهم بقضايا قتل والآخرون متضررون وضحايا.  

وأعلن المتحدث باسم اللجنة محمد الجنابي في بيان أورده في ذلك اليوم أن “الكشف عن الجناة سيتم قريباً”، فضلاً عن تعويض عائلات الضحايا.  

لكن حتى الآن لم يُكشف عن قتلة مهند القيسي وزملائه وبقية المحتجين والناشطين الذين اغتيلوا بسبب نشاطهم في التظاهرات.  

عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، السابق، علي كريم البياتي ترك العراق بسبب “مضايقات” سببها عمله الحقوقي.  

“من المؤسف أن السلطات الحكومية تقتصر (عند التعامل مع حالات قتل المتظاهرين) على الاستنكار وإقالة بعض المسؤولين وتشكيل اللجان (لتقصي الحقائق). ورغم تعدد هذه اللجان لكنها تعمل في الظلام ولم تكشف شيئاً للرأي العام ولا حتى للمفوضية”، قال.  

وبحسبه، فإن اللجان التي تشكلّت بعد الاحتجاجات للنظر في حوادث القتل، تسلّمت 8150 شكوى يتعلق بعضها بالخطف والاغتيال.  

حُقق في هذه القضايا جنائياً، وأحيلت قضيتان منها فقط إلى المحاكم لأنها تتضمن أدلة تدين جهات ومؤسسات أمنية.  

“لم يصدر حكم في هاتين القضيتين وهما قيد التحقيق رغم أن العديد من عائلات الضحايا تعرضوا للتهديد بسبب هذه التحقيقات”، يقول علي البياتي. 

وهو يرى أن “الإشكالية الحقيقية في عدم تقدم التحقيقات في حوادث قتل المتظاهرين ووصولها إلى مبتغاها يعود إلى العامل السياسي ووجود جهات سياسية تعيق إنجاز التحقيق واتمامه”.  

يتفق مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان، مصطفى سعدون، مع البياتي على هذه النقطة. 

“ملف قتلة المتظاهرين سُيّس وصار العمل ممنهجاً لمنع وصوله إلى القضاء”. يتهم سعدون الادعاء العام العراقي بالتقصير، ويرى أن المشكلة تكمن فيه. 

ويقول إن محصلة نتائج الدعاوى تصل إلى القضاء فيبدأ التحقيق، ولا يمكن فتح ملف ضد شخص في قضية معينة ما لم تكن هناك دعوى ضده.  

اتهمت الحكومة السابقة “الطرف الثالث” بقتل المحتجين، دون تحديد هويته. يرفض مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان هذا المصطلح.  

“لا يوجد طرفاً ثالثاً”.  

“هناك قوات أمنية ومتظاهرين وهناك فصائل متهمة ربما أدين بعض عناصرها، لكن الحكومة والقوات الأمنية مسؤولة عن تواجد (عناصر) هذه الفصائل وسط المتظاهرين بنسبة أكبر. نحن نتهم المسؤولين عن هذه الجرائم، وهم القوات الأمنية”. 

يسيطر الغضب والتعب على أهالي الضحايا، وبعضهم تسلل اليأس إليه.  

بدا التعب واضحاً على صوت بهاء، شقيق صفاء السراي، عندما تحدثنا إليه.  

قال “يريدون إغلاق القضية.. حتى مستشارو رئيس الوزراء أبلغوني بأنهم لا يمكنهم فعل شيء”. 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

يوم 19 تشرين الأول 2020. توصد أم مهند باب منزلها في محافظة النجف وتغادر مع زوجها وبناتها الأربعة إلى مكان خارج العراق لا تفضّل الكشف عنه.  

يعرف الكثير من العراقيين هذه المرأة.  

إنها مديرة مدرسة في النجف، لكن ليس هذا سبب شهرتها، بل خروجها المتكرر إلى الشوارع للتذكير بما حصل مساء 5 شباط 2020 هو ما جعلها قضية رأي عام لفترة. 

ففي ذلك المساء الشتوي قُتل ابنها الشاب مهند القيسي في ساحة الصدرين وسط المدينة، إضافة إلى 22 من زملائه بعدما أطفئت أنوار الساحة فجأة. 

كانوا يشاركون في الاحتجاجات التي عمّت وسط وجنوب العراق وقتها ويرددون هتافات منددة بالفساد ويطالبون القادة السياسيين بالرحيل.  

تتهم والدة مهند زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وميليشياته “سرايا السلام” بشنّ الهجوم. 

أخذت الأمهات المفجوعات وأزواجهن الثكالى مكان الأبناء الراحلين في هجوم ساحة الصدرين. في الساحة وأمام المحاكم، تجمعوا أكثر من مرة للمطالبة بالكشف عن القتلة ومحاسبتهم، لكن دون جدوى.  

تقدمت عائلة مهند بشكاوى ضد محافظ النجف السابق لؤي الياسري، ومدير الشرطة، كما شكت مدير الكهرباء. فساحة الصدرين التي قُتل فيها مهند وزملاؤه مستثناة من قطع الكهرباء المبرمج، لكن قبل قدوم المسلحين في الليل لإطلاق النار على المحتشدين هناك، كانت الأنوار قد توقفت.  

لم يصمد المحامي الذي وكلته العائلة للترافع في القضية أمام التهديدات، وهو منذ البداية أخبر موكليه أن لا يشتكوا على “سرايا السلام” لأنهم لن يحصلوا على نتيجة لعدم وجود ما يدين شخصاً بعينه.  

ولاحقاً، اعتذر المحامي عن مواصلة العمل بعدما اكتشف أن مسلحين يراقبون تحركاته ومنزله.  

تحدث إلينا أبو مهند عبر الهاتف من مكان ما خارج العراق ولم يكشف عنه لضرورة أمنية، كما قال.  

أخبرنا بالمتاعب التي واجهوها خلال الأشهر التي قضوها وهم يحاولون حث السلطات الأمنية والقضائية على التحري عن قتلة ابنهم دون جدوى.  

ولديهم أسئلة يبحثون لها عن جواب.  

تقع ساحة الصدرين، المكان الذي قُتل فيه ابنهما، على بعد 200 متر تقريباً من مديرية الاستخبارات في النجف.  

“الطريق إلى الساحة مليء بكاميرات المراقبة ولا يعرف أحد أين ذهبت تسجيلاتها ولماذا لم تستعن بها السلطات للكشف عن مرتكبي الهجوم في تلك الليلة”.  

ضمن الشكاوى التي قدموها للمحكمة، كانت واحدة بحق مالك فندق “بردى” القريب من الساحة.  

فالمعلومات التي بحوزتهم تفيد بأن سطح الفندق امتلأ بالمسلحين “ليلة المجزرة”، بيد أن هذه الشكوى أيضاً لم تفض لنتيجة “بحجة عدم وجود أدلة”.  

وأمام هذه الحال “بدأ المحامي يماطل شيئاً فشيئاً حتى اعتذر عن المواصلة”، يقول الأب.  

لم تفقد العائلة الأمل حتى كشف لهم أحد المعارف سراً حملهم على الرحيل. 

“زميل زوجتي (أم مهند) في المدرسة أخبرنا أن جماعة مسلحة ستقتلنا قريباً. إنه ينتمي لهذه الجماعة، فلم يعد بإمكاننا البقاء في النجف”. 

لمهند 4 شقيقات في مرحلة الدراسة، ووالداهما يخشيان عليهن فأخذوهن إلى مكان أكثر أمناً، خارج العراق، وهم يعيشون هناك الآن. 

لم يصدق أبو مهند إعلان وزارة الداخلية في بيان في 21 تشرين الثاني 2021، أنها اعتقلت 4 أشخاص “يشكلون عصابة (..) واعترفوا باستخدامهم المولوتوف والهجوم على منزل محافظ النجف وسرقة بعض الممتلكات العامة ومكتبة دار الحكمة ومحاولات إثارة الفتنة بين القوات الأمنية والمتظاهرين بافتعال صدامات مع هذه القوات لإشاعة الفوضى”.  

وقالت الداخلية حينها إن المعتقلين “اعترفوا” بأنهم أطلقوا النار على المتظاهرين وأوقعوا قتلى وجرحى في صفوفهم، إشارة إلى هجوم ساحة الصدرين. 

يتذكر أبو مهند: “في إحدى الليالي كنّا نخطط لوقفة احتجاجية فورد تهديد إلى الشباب المنظمين على لسان قاضٍ في المحكمة وكان نصّه “سأهدم الساحة بالجرافات إذا خرجتم في تظاهرة”.  

جريمة موّثقة في كربلاء  

فجر 9 أيار 2021 في كربلاء. تعقب شخصان يستقلان دراجة نارية الناشط إيهاب الوزني الذي كان هو الآخر يستقل دراجة يقودها صديقه. 

استدار الوزني ناحية منزله ومشى بضع خطوات ثم اهتز جسمه واستدار فسقط قرب الباب إثر وميض قرمزي.  

كان رصاصاً أصابه في صدره.  

فرّ المسلحان رغم أن المنطقة محصّنة أمنياً، ولم يقبض عليهما حتى اللحظة. وثقّت كاميرات مراقبة هذه المشاهد وانتشر التسجيل على مواقع التواصل الاجتماعي.  

“منذ ذلك اليوم أزور المحاكم ومراكز القضاء، لكن حتى القاضي يرفض مقابلتي”، يقول مروان الوزني، شقيق إيهاب.  

مروان محامٍ وهو موّكل في قضية شقيقه ويترافع فيها.  

أصدرت المحكمة 4 أوامر قبض بحق المتهمين بالتخطيط والمشرفين على عملية الاغتيال. 

“لكن أياً من هذه الأوامر لم تنفّذ”.  

وكما في حالة مهند القيسي، فالمتهم بقتل الوزني شخصية نافذة. هو قاسم مصلح، قائد عمليات الحشد الشعبي في الأنبار. 

بعد نحو شهر على اغتيال إيهاب، اعتقلت قوة أمنية مصلح فحاصرت قوات من الحشد الشعبي المنطقة الخضراء وأجبرت السلطات على إطلاق سراحه.  

خرجت والدة الوزني في لقاءات متلفزة، واتهمته صراحة بقتل ولدها وقالت إنه هدده أكثر من مرة.  

يدرك مروان، شقيق إيهاب، أن “لا فائدة” من ملاحقة مصلح وأقاربه المتهمين. “حتى القاضي يطلب من حمايته إخباري إنه غير موجود.. فماذا أرتجي؟”.  

مليشيات تهدد أهل القتيل في بغداد  

تضع الشرطة والمحاكم اسم “مجهول” في خانة المتهمين أحياناً ضمن عريضة الشكوى إن لم تكن عائلة المقتول تعرفه أو تتهم جهازاً أمنياً أو ميليشيا دون شخص بعينه.  

أما عائلة صفاء السراي، أشهر المتظاهرين القتلى، فقد حددت القوة الأمنية المرابطة على جسر الجمهورية القريب من المنطقة الخضراء يوم مقتله، 28 تشرين الأول 2019. كما اتهمت أيضاً رئيس الوزراء حينها عادل عبد المهدي بالمسؤولية لأنه القائد العام للقوات المسلحة بحكم منصبه.  

وعلى الرغم من تحديد المسؤولين، إلا أن متابعة بهاء، شقيق صفاء السراي، الشكوى المقدمة لدى مركز شرطة السعدون المسؤول عن الرقعة الجغرافية لمكان الحادث، لم تُسفر عن شيء.  

“أخبرني محامون بأن الدعوى أغلقت بشكل سري، وكذلك أشخاص قريبون من رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، إنهم (أي المسؤولين الحكوميين) غير قادرين على محاسبة المتهمين لأنهم جزء لا يتجزأ منهم”.  

وفيما يتابع بهاء الدعوى والتظاهر لتحقيق المطالب، طاله التهديد من “جماعات مسلحة أعلم تماماً من يكونون، هددوني بشكل مستمر. عندما تقدمت بالشكوى هددوني وما زلت أهدد حتى أتوقف عن المطالبة بكشف أسماء قتلة صفاء”.  

ذي قار: لم يحاكم أحد  

سقط في 3 تشرين الأول 2019 أول القتلى من المحتجين في ذي قار.  

“عند مقر منظمة بدر (يتزعمها هادي العامري) فقدنا 4 ضحايا. قتلهم الحراس بالرصاص”.  

بعد ذلك وقعت مواجهة عند مقر “عصائب أهل الحق” بزعامة قيس الخزعلي. قُتل 6 محتجين خلالها، ويقال إن 3 منهم ماتوا حرقاً داخل المقر. 

في 3 تشرين الثاني 2019 سقط 4 محتجين قتلى على جسر الزيتون في الناصرية بعدما أطلق “فوج المهمات الخاصة” النار عليهم. 

على الجسر ذاته وقعت حادثة قتل جماعي أكبر في 28 تشرين الثاني 2019، عرفت لاحقاً باسم “مجزرة الزيتون”، والمتهم بها محدد، هو ضابط قوات العمليات الخاصة “سوات” النقيب عمر نزار.  

يتهم المحتجون الذين نجوا من القتل على الجسر، وعائلات الضحايا والمصابين، هذا الضابط بإصدار الأوامر لعناصره بإطلاق النار وقتل 27 متظاهراً وإصابة 56 آخرين. 

تقّدمت عائلات القتلى وجميع الجرحى بدعاوى قضائية لمحكمة الجنايات في ذي قار فأصدرت المحكمة أمراً بالقبض على نزار. صدرت المذكرة في 2020، وفي العام التالي سلّم الضابط نزار نفسه بعدما ظهر في مقطع مصوّر ينفي التهمة عنه.  

وهو “قيد التحقيق حتى الآن”، كما قال المحامي الذي تحدّث إلينا وطلب عدم ذكر اسمه. ومن الجدير ذكره، أن “أبو تراب الحسيني”، وهو عضو في منظمة “بدر” التي يقودها هادي العامري، يترأس الجهاز الذي ينتمي إليه نزار.  

ويجري اتهام الحسيني بالتغطية على نزار.   

باستثناء هذا الضابط، لم تنفذ أوامر القبض الأخرى الصادرة إثر دعاوى تتعلق بقتل المتظاهرين هناك. 

كما برأت المحكمة قائد القوات العسكرية في محافظة ذي قار (خلال الأحداث) الفريق الركن جميل الشمري لـ”عدم وجود أدلة تدينه”، وعيُن أستاذاً في الكلية الحربية في بغداد. 

يعتقد المحامي أن السلطات المسؤولة عن تنفيذ أوامر القبض غير قادرة على أداء هكذا واجبات، منوهاً إلى أن ثمة “152 قضية رفعتها عائلات القتلى و900 أخريات تقدم بها جرحى التظاهرات، لم تصدر أحكام بشأنهن حتى الآن”. 

وعن عدم توفر الأدلة، يقول إن “القوات الأمنية أخفت جميع الأدلة. فلا كاميرات مراقبة وأسماء لعناصر الأمن الذين كانوا في أماكن حوادث القتل”. 

يتلقى المحامون تهديدات مستمرة بسبب توليهم متابعة الشكاوى التي تتقدم بها عائلات الضحايا. أحدهم، وقد طلب عدم ذكر اسمه حفاظاً على أمنه الشخصي، تحدث لنا عن عوائق قانونية تحول دون إصدار أحكام في الكثير من قضايا القتل هذه، أبرزها “أن لا أحد يعرف حقاً مرتكب الجريمة بينما القانون يطلب أدلة عينية وجناة واضحين ليحاسبهم”. 

“قتل بأوامر من فوق”  

لا توجد أرقام واضحة للقضايا المسجلة ضدّ المتهمين بقتل المتظاهرين.  

واللجنة التي كلفتها نقابة المحامين بهذا الصدد لا تملك مثل هذه الإحصائية. في حديث مع أنور الجابري، أحد أعضائها، استطعنا الحصول على أرقام الشكاوى المسجلة في محكمتي الكرادة والرصافة في بغداد فقط، والبالغ 178 دعوى فقط.  

“للأسف أغلب عائلات الضحايا تجهل حقوقها، لذلك لم يتقدم أغلبهم بدعاوى”، قال الجابري.  

حسم القضاة بعض الدعاوى المرفوعة في بغداد بإصدار أحكام لتعويض عائلات الضحايا من المال العام، مردفين أن “لا أدلة تدين المتهمين”.  

شكل محامون متطوعون فريقاً أطلقوا عليه “فريق الدفاع عن المتظاهرين” منذ موجة التظاهرات الثانية في 25 تشرين الأول عام 2019.  

يعمل المتطوعون على القضايا في العاصمة بغداد فحسب.  

أكد لنا أحد أعضاء الفريق ما قاله مروان الوزني عن وجود أوامر قبض من المحاكم لم تنفذها السلطات الأمنية، مثل مذكرة القبض بحق العميد عدنان حسن حمد، آمر الفوج الثالث في الفرقة الأولى من الشرطة الاتحادية ومساعده سرمد نوري صلاح، التي اطلعنا على نسخة منها.  

حالياً، يتابع فريق المحامين التطوعي للدفاع عن المتظاهرين أربع قضايا في بغداد، التي أفاد أحد أعضائها بأنه “لا نعرف حتى اللحظة إذا كان القتلة (في هذه القضايا) من عناصر الأمن أو من الميليشيات والجماعات المسلحة”.  

ومع ذلك، فثمة حالات أقرّ فيها ضباط متهمون بالقتل أن أوامر صدرت لهم من قياداتهم العليا، “بعضهم قال إن الأوامر وردتهم من قبل قوات العمليات الخاصة “سوات” أو مكافحة الشغب أو الشرطة الاتحادية”.  

رغم الاعترافات، لم تشهد قاعات المحاكم مُحاكمات واسعة، وأدى الاستئناف أحياناً إلى تخفيض الأحكام. ففي إحدى القضايا، صدر حكم بالإعدام على الرائد مالك كاظم، من قوات “سوات” بتهمة قتل متظاهرين في محافظة واسط. عند الاستئناف، خفف الحكم الأول إلى السجن المؤبد.  

يقول فريق المحامين التطوعي أن “القضايا التي يتهم فيها ضباط وعناصر أمن محددون قليلة جداً، لكن مئات القضايا مسجلة ضدّ مجهول ودون أدلة”. وكما في قضايا أخرى، فعندما تجد المحكمة أن الدعوى المقدمة إليها “بلا أدلة كافية”، تأمر بوقفها لحين ظهور دليل، وهذا هو مصير القضايا الكثيرة العالقة التي تقدمت بها عائلات القتلى. 

تشرين الأول 2022: لا شيء تغير  

بحلول الذكرى الثالثة لاحتجاجات تشرين 2019، لم يتغير شيء في سردية الحكومة عن القتلى والمصابين والمخطوفين والمغيبين، ولا أحرزت اللجان المختلفة التي أقامتها أي تقدم في تقصي الحقائق وتسمية المسؤولين عن القتل.  

عندما تولى مصطفى الكاظمي في أيار 2020 رئاسة حكومة مؤقتة خلفاً لحكومة عادل عبد المهدي التي استقالت إثر الاحتجاجات، تعهد بالتحقيق في مقتل المتظاهرين، وأقام في 18 تشرين الأول 2020، لجنة بموجب الأمر الديواني رقم 293 لتقصي الحقائق حول أعمال العنف والمسؤولين عن القتل.   

في 28 أيار 2021، أعلنت لجنة التحقيق  لتقصي الحقائق استدعاء 22 ضابطاً من رتبة نقيب إلى لواء ونحو 90 شرطياً وجندياً. قسم من هؤلاء متهم بقضايا قتل والآخرون متضررون وضحايا.  

وأعلن المتحدث باسم اللجنة محمد الجنابي في بيان أورده في ذلك اليوم أن “الكشف عن الجناة سيتم قريباً”، فضلاً عن تعويض عائلات الضحايا.  

لكن حتى الآن لم يُكشف عن قتلة مهند القيسي وزملائه وبقية المحتجين والناشطين الذين اغتيلوا بسبب نشاطهم في التظاهرات.  

عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، السابق، علي كريم البياتي ترك العراق بسبب “مضايقات” سببها عمله الحقوقي.  

“من المؤسف أن السلطات الحكومية تقتصر (عند التعامل مع حالات قتل المتظاهرين) على الاستنكار وإقالة بعض المسؤولين وتشكيل اللجان (لتقصي الحقائق). ورغم تعدد هذه اللجان لكنها تعمل في الظلام ولم تكشف شيئاً للرأي العام ولا حتى للمفوضية”، قال.  

وبحسبه، فإن اللجان التي تشكلّت بعد الاحتجاجات للنظر في حوادث القتل، تسلّمت 8150 شكوى يتعلق بعضها بالخطف والاغتيال.  

حُقق في هذه القضايا جنائياً، وأحيلت قضيتان منها فقط إلى المحاكم لأنها تتضمن أدلة تدين جهات ومؤسسات أمنية.  

“لم يصدر حكم في هاتين القضيتين وهما قيد التحقيق رغم أن العديد من عائلات الضحايا تعرضوا للتهديد بسبب هذه التحقيقات”، يقول علي البياتي. 

وهو يرى أن “الإشكالية الحقيقية في عدم تقدم التحقيقات في حوادث قتل المتظاهرين ووصولها إلى مبتغاها يعود إلى العامل السياسي ووجود جهات سياسية تعيق إنجاز التحقيق واتمامه”.  

يتفق مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان، مصطفى سعدون، مع البياتي على هذه النقطة. 

“ملف قتلة المتظاهرين سُيّس وصار العمل ممنهجاً لمنع وصوله إلى القضاء”. يتهم سعدون الادعاء العام العراقي بالتقصير، ويرى أن المشكلة تكمن فيه. 

ويقول إن محصلة نتائج الدعاوى تصل إلى القضاء فيبدأ التحقيق، ولا يمكن فتح ملف ضد شخص في قضية معينة ما لم تكن هناك دعوى ضده.  

اتهمت الحكومة السابقة “الطرف الثالث” بقتل المحتجين، دون تحديد هويته. يرفض مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان هذا المصطلح.  

“لا يوجد طرفاً ثالثاً”.  

“هناك قوات أمنية ومتظاهرين وهناك فصائل متهمة ربما أدين بعض عناصرها، لكن الحكومة والقوات الأمنية مسؤولة عن تواجد (عناصر) هذه الفصائل وسط المتظاهرين بنسبة أكبر. نحن نتهم المسؤولين عن هذه الجرائم، وهم القوات الأمنية”. 

يسيطر الغضب والتعب على أهالي الضحايا، وبعضهم تسلل اليأس إليه.  

بدا التعب واضحاً على صوت بهاء، شقيق صفاء السراي، عندما تحدثنا إليه.  

قال “يريدون إغلاق القضية.. حتى مستشارو رئيس الوزراء أبلغوني بأنهم لا يمكنهم فعل شيء”.