المحاولات الأولى للدراما العراقية: مسلسلات ترتدي "الروب" (2-3) 

ريم عبد

06 نيسان 2024

رحلة طويلة في الدراما العراقية المُنتجة في الثمانينات.. ما هو شكلها؟ لماذا طغت عليها الكوميديا؟ وكيف كان شكل الرومانسيّة؟ وأي نجوم عرب نجحوا في الأعمال العراقية.. عن مسلسلات ترتدي "الروب"..

افتتح العراق عقد الثمانينات بالحرب، فأخذ التلفزيون يعرض مشاهد من معارك حرب الخليج الأولى وأغانيها العسكرية، وصُور أشلاء وجثث ومعدات مدمرة، وأسرى مصفّدي الأيدي من الإيرانيين. 

ومع ذلك، كان التلفزيون يقدم الفن المكرّس للتعبئة، والكوميديا الدرامية والمسرحية كفاصل لجو مليء بأشباح الموت والخوف وخسائر الأحبة من الأبناء والآباء. 

ويمكن تسمية هذا العقد بـ”الحقبة الذهبية للإنتاج التلفزيوني”، نتيجة لكمية الإنتاجات الوفيرة في التلفزيون والسينما والمسرح، بين الأعمال الكوميدية والتعبوية والحربية والعائلية والرومانسية والتعليمية الدرامية.  

عقد الكوميديا 

ولأن للكوميديا مكانة خاصة في قلب المشاهد العراقي منذ أن عرفها مع “تحت موس الحلاق”، أولى التجارب التلفزيونية الكوميدية الدرامية، فقد افتتح عقد الثمانينات بمسلسل “أبو البلاوي“، من إخراج محمد يوسف الجنابي وتأليف خليل الرفاعي، الفنان الشامل، الذي كان له بصمة دائمة في التمثيل والكتابة.  

طوّر الرفاعي شخصية أبو فارس التي قدمها، مُمثلاً، في مسلسل “تحت موس الحلاق” في الخمسينيات والستينيات، حتى أصبحت الشخصية ماركة بغدادية مسجلة، لتتكرر في مسلسلات عديدة.  

مقدمة مسلسل “أبو البلاوي” ولقطة أثناء تصويره. المصدر: السينما كوم. 

وكان “أبو البلاوي” نفسه يحاكي مسلسل “تحت موس الحلاق” بأجوائه، لكنه أضاف عليه مواقف وتجارب وثيمات حياتية يومية أكثر معاصرة، بطلها أبو فارس، الرجل الفضولي الذي يورط نفسه في المشكلة تلو الأخرى. وقد لاقى العمل نجاحاً كبيراً وعُرض على شاشات التلفزيون في الدول العربية والخليجية.  

أحب المشاهدين حينها أغنية المقدمة التي كانت فريدة من نوعها، بجمعها أصوات الفنانين الرفاعي وكامل القيسي وخليل النعيمي، ومشاركة سليمة خضير، الصوت الدافئ. 

*** 

فيديو 

أغنية مقدمة مسلسل أبو فارس الذي عرض مطلع الثمانينات 

*** 

دفع نجاح “أبو البلاوي” الرفاعي إلى تأليف مسلسل مستوحى منه بعنوان غاوي مشاكل عام 1987، أخرجه حسين التكريتي، وحقق هو الآخر نجاحاً باهراً، لكن قبل ذلك، عرض التلفزيون مسلسل “حالات الأستاذ تعبان“، بطولة الفنان محمد حسين عبد الرحيم الذي عرفه الناس من مسلسل “محطات الذاكرة” عام 1979، تأليف عبد الباري العبودي وإخراج رشيد شاكر ياسين

لكن عبد الرحيم في مسلسل “حالات الأستاذ تعبان” الذي عُرض عام 1980، تحوّل إلى نجم في شوارع بغداد، حتّى اسم “تعبان” صار بديلاً عن اسمه الحقيقي بين الناس.  

لا تتوفّر مصادر موثوقة عن مؤلف العمل، لكن مخرجهُ هو رشيد شاكر ياسين.  

سرعان ما استُثمرت نجومية عبد الرحيم عام 1982 بإنتاج البرنامج الأشهر “استراحة الظهيرة” مع الفنانة أمل طه، فشكل معها ثنائياً ناجحاً. ولقد كانت المشاهد التمثيلية سلسة. وتناولت الكوميديا المشاكل اليومية والاجتماعية مثل انتقاد المطاعم والتعامل مع الزبائن ومشاكل الجيران. ثم مسلسل “أيام الاجازة” عام 1985، من تأليف عبد الباري العبودي وإخراج عماد عبد الهادي، حيث شكل الفنان محمد حسين عبد الرحيم (أبو نائل) والفنانة هناء محمد (لبيبة أم نائل) ثنائياً مشهوراً. وكانت قصة المسلسل عن موظف يمنح إجازة تمتد لمدة شهر، وأثناء محاولته الاستمتاع بالإجازة مع زوجته وابنائه، يتورط في سلسلة من المواقف الكوميدية، وحقق العمل نجاحاً كبيراً آنذاك. 

كادر مسلسل “أيام الإجازة” ومشهد منه. 

عرب وتقليد 

على الرغم من أن أوائل المسلسلات في الدراما العراقية، “جرف الملح” و”الدواسر” و”المتمردون”، كانت من إخراج إبراهيم عبد الجليل، المصري الجنسية، إلا أنه كان ملماً بالعراق، لأنه سكنه طويلاً وتزوج من إحدى سيداته. كما ساعد فهم عبد الجليل للبيئات المحلية العراقية، بإدخال سمة مصرية إلى مسلسلاته، لا سيما في مسلسلي “الذئب وعيون المدينة”، و”النسر وعيون المدينة”، وهما العملان الذي ذهب المخرج المصري إلى كاتب آخر غير صباح عطوان، الأغزر إنتاجاً، لكتابتهما. 

كان هذا الكاتب هو عادل كاظم، المؤلف والمخرج المسرحي. تعاون الاثنان، وكتب كاظم مسلسلاً اجتماعياً تدور أحداثه في محلة بغدادية في القرن التاسع عشر بعنوان “الذئب وعيون المدينة“عام 1980، الذي سيتحول إلى أسطورة درامية كبيرة وناجحة. فشجع ذلك الكاتب والمخرج إلى تنفيذ الجزء الثاني بعنوان “النسر وعيون المدينة” فاق الجزء الأول شهرة ونجاحاً، وعرض في عام 1983.  

وهذان العملان لم ينافسهما عمل آخر في الدراما العراقية في ما يتعلق بترسيخ أسماء الشخصيات والأبطال في أذهان المتفرجين والتآلف معهم، مما جعلهما أعمالاً استثنائية. 

لكن نجاح عبد الجليل، لم يحالف عرباً آخرين استقدموا ليشاركوا في صناعة الدراما العراقية، مثل المخرج الأردني موفق صلاح، الذي أخرج مسلسل “النعمان الأخير” عام 1981، بالأبيض والأسود، ولم يشكّل عمله فارقاً في مسيرة الأعمال التلفزيونية، إلا أن مسلسله الذي شارك فيه ممثلون عرب، شهد ولادة الفنانَيْن عبد الخالق المختار وسهى سالم، اللذين سيكون لهما شأن كبير في الشاشة والمسرح. 

وحاول العراق، على صعيد الشكل، تقليد عازف الليل“، المسلسل اللبناني الذي عرض باللغة العربية الفصحى وأثار إعجاب الجمهور، وذلك من خلال إنتاج عمل عراقي بمواصفات وبطل المسلسل الفصيح نفسه. 

كان المسلسل بعنوان “أيام ضائعة“، تأليف صباح عطوان وبطولة شذى سالم وعبد المجيد مشذوب، وإخراج كارلو هارتيون الذي قاد الممثلين بحرفية وأناقة عالية، وأخرج التصوير من فضاء الأستوديو إلى المواقع الحيّة، مستفيداً من سيارة الكاميرا المحمولة و(سكة الشاريو أوDolly track) القادمتين تواً إلى العراق. وقد حلّت هذه التقنيات تحديات ربط الكاميرا بمصدر كهربائي؛ فكاميرا الأستوديو متصلة مباشرة بمصدر الكهرباء، ولم تعتمد على البطارية، مما يتطلب توفير مصدر كهرباء عند استخدامها خارج الأستوديو، فضلاً عن التغلب على معضلة الصوت التي كانت من عوائق التصوير حينها، فَصوت تسجيل كاميرا التلفزيون في الجو العام كان غير نقي. 

عرض مسلسل “أيام ضائعة” عام 1980، ولم يحقق نجاحاً، ويعود ذلك ربما إلى كونه باللغة العربية الفصحى التي لم يكن الممثلون ماهرين بها، كما كان الحوار ضعيفاً. وقد يعود تقبل الناس لـ”عازف الليل” لكون الممثلين كانوا غرباء عنهم، وكانت القصة وبيئة العمل مختلفة وغير مألوفة، فشاهدوا العمل كما لو أنه مسلسل أجنبي مدبلج إلى العربيّة.  

لقطات من مسلسل “أيام ضائعة” 

هارتيون في بغداد واليونان 

بعد “أيام ضائعة” الذي كان من الممكن أن يكون أكثر نجاحاً وشهرة لولا اللغة الفصحى التي قُدِّم بها، كتب صباح عطوان وأخرج كارلو هارتيون مسلسل “أجنحة الثعالب” عام 1983، وكان قصة اجتماعية بسيطة، بطولة شذى سالم ومحسن العزاوي. كان هارتيون في المسلسل يعرض صورة أنيقة لبغداد، ويستخرج من الممثلين أداءً هادئا، يتلاءم مع البيئة الهادئة التي خلقها للعمل ككل. 

وعاد هارتيون عام 1984 بمسلسل “النبع“، تأليف يوسف العاني، وقد صور في اليونان كأول عمل عراقي يصور في الخارج، وكان من بطولة الفنان جلال كامل، وكان تجربة ناجحة يمكن تسويقها، لكن ذلك لم يحصل. 

كما عرض التلفزيون في العام ذاته، واحداً من أفضل المسلسلات العائلية، وهو مسلسل “الهاجس“، تأليف صباح عطوان وإخراج صلاح كرم. كان المسلسل اجتماعيا يدور حول الصراعات العائلية، ويحتوي على تطورات زمنية كبيرة للشخصيات. 

فلدينا عائلة ذياب (يوسف العاني) وزوجته رديفة (فاطمة الربيعي) وأبناؤه: سرحان (سامي قفطان) الطموح، صاحب قصة الكفاح والصعود وتغير الأحوال، وجميل (جواد الشكرجي) الموسيقي الفاشل، وعادل (جلال كامل) الشاب الطائش الذي تقوده الأقدار إلى الزواج بسيدة بعمر أمه، ونجلاء (إقبال نعيم) الابنة الحالمة المنكسرة. وبمقابل ذلك، نشاهد عائلة حاتم (حميد الجمالي) وزوجته محاسن (فوزية الشندي) الأم المغلوبة، وابنتهما لمياء (هند كامل) الطموحة، وابنهما عامر (عبد الخالق المختار) الشاب المندفع. وبقية العائلات المهمة والشخصيات غير المنتمية إلى أسر، جميعها يتحكم بخيوطها صباح عطوان، على الرغم من أنه يهمل بعض الشخصيات أحياناً. ولكن أداء الممثلين كان جيداً لدرجة أن كل ممثل بدا وكأنه بطل المسلسل. 

إقبال نعيم ومقداد عبد الرضا في مسلسل “الهاجس” 

شاعت، آنذاك، الأغاني في الأعمال الدرامية، وقد غنى مقدمة الهاجس الفنان أحمد نعمة، “دنيتك قسمة ونصيب/ مرة تخطي وهم تصيب/ بلا فوارق لا حدود/ نطوي صفحات الصدود). “لا أمل ترجاه من نسج الخيال، وتبني قصرك يا حبيبي من الرمال. ابني من تعب الجبين، واسبق بخطة السنين”.  

حسن حسني بين نادية والأماني الضالة 

يُمكن تصنيف “فتاة في العشرين” و”جنوح العاطفة” ضمن فئة المسلسلات الرومانسية، العُذرية، التي صنعتها الدراما العراقية، إلا أن أكثرها شهرة كان مسلسل “نادية“، الذي كتبه معاذ يوسف وأخرجه صلاح كرم عام 1987.  

قُدّمت الممثلة أمل سنان لأول مرة في ذلك العمل لتجسد دور البطولة، وسرعان ما استحوذت بأدائها وبملامحها وصوتها البريئين على قلوب المشاهدين. كانت الحبكة غاية في الاتقان، ما جعل معاذ يوسف متقدماً على كتّاب سيناريو بارزين في جيله. 

أدى الفنان حسن حسني شخصية عادل، الذي يبحث عن المرأة التي وقع في حبها (نادية)، ويوهمه الجميع أنها غير موجودة. ومع ذلك، صدّق قلبه وبدأ البحث عنها حتى وصل إليها وكشف كل اللغز. كان مسلسلاً غامضاً، ورغم أن ثيمته الرئيسية الحب، إلا أنه كان حبّاً هادئاً وبارداً. 

كانت أغنية المقدمة بصوت كاظم الساهر، وكلمات كريم العراقي، وألحان جعفر الخفاف، وعزف فرقة رائد جورج. تحدثت الأغنية بلسان حال عادل وهيامه بنادية، “شجاها الناس، أي شي، ما ألي وية الناس/ أنتِ صرتي مشكلتي، المحبة والإخلاص أنتِ/ عذابي وحيرتي وصمتي)”. 

أمل سنان وسناء عبد الرحمن والتفات عزيز في مسلسل “نادية”. 

بعد نادية، تفوق حسن حسني المخرج على حسن حسني الممثل، بإخراجه مسلسل “الأماني الضالة“، الذي عرض عام 1989 والذي يُعد واحداً من أشهر المسلسلات الاجتماعية التي شكلت فارقاً في تاريخ الدراما العراقية.  

تدور أحداث العمل الذي كتبه صباح عطوان وأنتجته شركة بابل حول ورث الجرخجي الذي تتنازع عليه بناته وأبناؤهن وأزواجهن، وكان من المثير عبوره مقصّات المنع والرقابة، لأنه تضمن انعكاسات وإسقاطات على الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردّي الناجم عن الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988).  

كان المسلسل بطولة جماعية بمشاركة جعفر السعدي، سعدية الزيدي، بهجت الجبوري، محمود أبو العباس، هديل كامل، وآخرين. وكتب الشاعر حسن الخزاعي أغنيتي المقدمة والختام، ولحّنهما وغناهما الموسيقار فتح الله أحمد وعزفتهما فرقة رائد جورج. (مد جناحك يا هوانا بين الضباب) و(ايد تمتد لليالي لا نهاية بلا حدود).   

من مقدمة “الأماني الضالة” ولقطة يظهر فيها بهجت الجبوري. 

ذوق وبروغاندا السلطة وإنتاجها 

عام 1988، عُرض مسلسل “حكايات الأيام العصيبة”، وهو مقتبس بتصرّف عن رواية البؤساء لفكتور هوجو. 

وكان يمكن للعمل أن يحقّق ثالث أنجح المسلسلات في العراق من  تأليف عادل كاظم وإخراج إبراهيم عبد الجليل، إلا أن المخرج المصري الخبير بالبيئات العراقية توفي أثناء تصوير العمل، وأكمل إنجازه المخرج إيمانويل رسام، وكانت مساعدته في الإخراج سيتا هاكوبيان، المغنيّة العراقية الشهيرة. تعمل كمساعدة مخرج في هذا العمل. 

كان الأبطال هم الفنانون: مقداد عبد الرضا في دور البيك المسؤول عن الجندرمة الذي يبحث عن خليل شوقي في دور ابن عنتكة (روبن هود)، يوسف العاني، وجواد الشكرجي.  

وكانت أكثر المشاهد محببة للمشاهدين هي تلك التي يظهر فيها الممثلان سعاد عبد الله وخليل عبد القادر في دوري كطيعة وعاصي. وكانت أغنية المقدمة  بصوت الفنان طالب القرغولي وهو ينشد كلمات كريم العراقي (يا عابر الصعبات، طال المسير، والهم زادك وأنت قلبك بحور. يا جامع الأحزان من كل طريق، غاب شبابك والليالي تدور). وكذلك أغنية الخاتمة: (لولاك يا هالصبر ما علت الاشجار، يا وسع صدر العمر هلكد تشيل أسرار، أقدار دنيا البشر تلعب لعب بينا، وساعة تحط حالنا وساعة تعلينا). 

من كواليس تصوير مسلسل “حكايات الأيام العصيبة”. المصدر: السينما.كوم. 

تحدث المسلسل عن العثمانيين وسيطرتهم على العراق، وعرض معاناة الجوع والفقر والظلم في تلك الفترة. وصفت أجواء العمل بالكئيبة، وهذا كان رأي أحد مسؤولي الإذاعة والتلفزيون، ولهذا توقف عرض العمل على القناة الرئيسية وعرض على قناة 7 الثانوية التي كانت تبث لساعات قليلة. ومع ذلك، فإن صدام حسين تابع المسلسل وأعجب به، وقدم تكريماً لأبطاله؛ وهذه إشارة أن الدراما التلفزيونية كانت تخضع لذوق واهتمامات رأس السلطة. 

فما يعجب صدام حسين ونظامه، كان يزدهر ويستمر ويُعاد عرضه مراراً، بينما قد لا يتكرر ما لا يعجبه، أو يتوقف عرضه على الإطلاق. لهذا كانت الدراما تميل نحو اللون الأحادي على الرغم من محاولات بعض صناعها في تضمين رسائل وإسقاطات ونقد في أعمالهم.  

لكن الأسلم، وسط كل هذه الأجواء، إنتاج أعمال كوميدية حتى لا يسقط الصانعون في الفخاخ التي تنصبها لهم السلطة حسب مزاجها والتأويل والوشاية التي يقوم بها الفنانون والممثلون ضد زملائهم عبر كتابة التقارير عنهم للسلطة؛ وهذه ظاهرة شاعت، وكتب البعض تقارير كيدية بدافع الغيرة فحسب! 

كانت سلطة البعث المشغولة أيضاً بخلط التاريخ والانتقاء منه، قد ذهب إنتاجها إلى صناعة مسلسلات تاريخية تعبوية تحاكي الحاضر بما ينسجم مع النظام، وقد استعين بأهم النجوم العرب على مستوى التمثيل والكتابة والإخراج، لإنجاز مسلسلات مثل المسلسل التاريخي الأهم “المتنبي” عام 1980، تأليف مالك المطلبي وإخراج إبراهيم عبد الجليل.  

من كواليس مسلسل “المتنبي”. المصدر: السينما.كوم. 

أدى شخصية المتنبي شاباً جلال كامل، وشخصية المتنبي بالغاً الممثل المصري أحمد مرعي، بالاشتراك مع ممثلين عرب وعراقيين مثل أمينة رزق وطعمة التميمي، وآخرين. 

وايضا مسلسل “الكبرياء الذي يليق بالفرسان” عام 1985، الذي أخرجه المخرج الأردني عباس أرناؤوط، وشارك في التمثيل من الفنانين العرب: يحيى شاهين، عبدالله غيث، وأمينة رزق. والعراقيين: بدري حسون فريد، طعمة التميمي، جواد الشكرجي، وسامي عبد الحميد، وآخرين.  

ومسلسل “قيس والمجنون” بطولة طعمة التميمي، ليلى محمد، حسن حسني. ومسلسل آخر بعنوان “حرب البسوس” تأليف ثامر مهدي وإخراج إيمانويل رسام، وأبطاله: طعمة التميمي، شذى سالم، وابتسام فريد. 

ثم المسلسل التعبوي الاكبر “وامعتصماه” ، (على الأغلب في عام 1989). تأليف الاردني هشام يانس وإخراج السوري فواز الزين. وشارك في بطولته كوكبة من الفنانين العراقيين. وكان العمل عن الخليفة المعتصم بن هارون الرشيد الذي سمع خبر صراخ امرأة عربية مسلمة تنادي وتستغيث “وامعتصماه” بعد تعرض الروم لها. فحرك جيشاً ضد الروم وغزا عمورية. 

في أحد مشاهد المسلسل، كان الخليفة يقف أمام جمع من الجنود ويعلمهم كيف يبارزون بالسيف، كإشارة إلى الاهتمام الأبوي ومحاكاة لصدام حسين، وإشارة إلى أن قيادة صدام وحكمته تمتد إلى حكم الماضي المقاوم لتهديدات الطامعين من الروم والفرس في العراق منذ الأزل؛ وأعيدت هذه المحاكاة في فيلم “القادسية” عام 1981، إخراج صلاح أبو سيف وتمثيل سعاد حسني وعزة العلايلي وشذى سالم وطعمة التميمي، وآخرين. 

أنتج وعُرِضَ المسلسل في السنة الثانية من الحرب العراقية الإيرانية، واستُخدم نظام البعث الفيلم كبروباغندا ضد إيران، وأمر بجمع ثلاثة فيالق من الحرس الجمهوري ليلعبوا دور الجنود في الفيلم، وعُدّ من بين أكثر الأفلام العربية كلفة. 

من كواليس مسلسل “وامعتصماه”. المصدر: السينما.كوم. 

الإنتاج والتسويق 

إزاء الإنتاج الكبير، فإن مؤسسات الدولة وشركاتها المنتجة للدراما، لم تمتلك خطط تسويق للأعمال الدرامية أو صناعة نجوم عراقيين في العالم العربي، وكانت أغلب المسلسلات العراقية التي عُرضت على الشاشات العربية، هِبات وهدايا من مسؤولي النظام إلى الدول العربية. 

كان يُمكن للعراق أن يكون منافساً للدراما العربيّة، وأن يتفوّق في الإنتاج، إذ رصدت الدولة موازنات مفتوحة لبعض الأعمال -وإن كانت لأغراض سياسية-، كما أن اغلب الممثلين والمخرجين والكوادر الفنية كانوا موظفين في الإذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح ودوائر أخرى، بمعنى أن كُلف الإنتاج نفسها كانت منخفضة. 

وبالمثل، كان يمكن لشركة بابل للإنتاج السينمائي والتلفزيوني، التي تأسست نهاية السبعينيات بمساهمة مختلطة أن تحقّق نجاحاً في الإنتاج والتسويق، لولا المشاكل الإدارية داخلها، وتأثير السلطة عليها.

وتأخر قانون تأسيسها حتى صدر في عام 1980، وقد انخرطت في المساهمة في الشركة مؤسسات حكومية مثل الإذاعة والتلفزيون، ودائرة السينما والمسرح، ومؤسسات التأمين والسياحة، فضلاً عن نقابة الفنانين، ومصرف الرافدين، وعرضت بقية أسهمها للقطاع الخاص. 

كان عمانوئيل رسام أوّل مدير فني لبابل، وقد واجهت الشركة ضغوطات من السلطة، فقد كان القصر الجمهوري يطلب نسخاً من المسلسلات والأفلام قبل عرضها، مثلا طلب نسخة من فيلم “فائق يتزوج” قبل عرضه في دور السينما. لكن رسام تخوف من تسريبه كما حصل مع فيلم “المسألة الكبرى”، والذي تسبب كما يزعم بفشله جماهيرياً.

شعار شركة “بابل”. 

رغم ذلك، نجحت شركة بابل بإنتاج العديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية والمسرحية البارزة، مثل “عمارة 13″، “ستة على ستة”، “الخيط والعصفور”، و”الأميرة والنهر”، بالإضافة إلى مسلسلات معروفة مثل “النسر وعيون المدينة”.  

الحال هذه، هيمن على دراما الثمانينات تكلّف في صناعة بيئات محلية، وبعضها ذهب حتّى الخيال في صناعته. ورغم أن مئات آلاف الرجال كانوا على الجبهات يرتدون “الزيتوني”، ومئات آلاف النساء كن يعافرن بين فقد الأحبّة والعمل بكدّ، إلا أن الكثير من أبطال وبطلات المسلسلات كانوا يدورون في غرف جلوس أنيقة، وهم يرتدون “الروب”، وهو الرداء الذي غطّى أغلب مسلسل ذاك العقد. 

يتبع (2-3)  

اعتمد هذا المقال على بحث: “الدراما العراقية في عقود أربع” لـكاروان جبار.  

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

افتتح العراق عقد الثمانينات بالحرب، فأخذ التلفزيون يعرض مشاهد من معارك حرب الخليج الأولى وأغانيها العسكرية، وصُور أشلاء وجثث ومعدات مدمرة، وأسرى مصفّدي الأيدي من الإيرانيين. 

ومع ذلك، كان التلفزيون يقدم الفن المكرّس للتعبئة، والكوميديا الدرامية والمسرحية كفاصل لجو مليء بأشباح الموت والخوف وخسائر الأحبة من الأبناء والآباء. 

ويمكن تسمية هذا العقد بـ”الحقبة الذهبية للإنتاج التلفزيوني”، نتيجة لكمية الإنتاجات الوفيرة في التلفزيون والسينما والمسرح، بين الأعمال الكوميدية والتعبوية والحربية والعائلية والرومانسية والتعليمية الدرامية.  

عقد الكوميديا 

ولأن للكوميديا مكانة خاصة في قلب المشاهد العراقي منذ أن عرفها مع “تحت موس الحلاق”، أولى التجارب التلفزيونية الكوميدية الدرامية، فقد افتتح عقد الثمانينات بمسلسل “أبو البلاوي“، من إخراج محمد يوسف الجنابي وتأليف خليل الرفاعي، الفنان الشامل، الذي كان له بصمة دائمة في التمثيل والكتابة.  

طوّر الرفاعي شخصية أبو فارس التي قدمها، مُمثلاً، في مسلسل “تحت موس الحلاق” في الخمسينيات والستينيات، حتى أصبحت الشخصية ماركة بغدادية مسجلة، لتتكرر في مسلسلات عديدة.  

مقدمة مسلسل “أبو البلاوي” ولقطة أثناء تصويره. المصدر: السينما كوم. 

وكان “أبو البلاوي” نفسه يحاكي مسلسل “تحت موس الحلاق” بأجوائه، لكنه أضاف عليه مواقف وتجارب وثيمات حياتية يومية أكثر معاصرة، بطلها أبو فارس، الرجل الفضولي الذي يورط نفسه في المشكلة تلو الأخرى. وقد لاقى العمل نجاحاً كبيراً وعُرض على شاشات التلفزيون في الدول العربية والخليجية.  

أحب المشاهدين حينها أغنية المقدمة التي كانت فريدة من نوعها، بجمعها أصوات الفنانين الرفاعي وكامل القيسي وخليل النعيمي، ومشاركة سليمة خضير، الصوت الدافئ. 

*** 

فيديو 

أغنية مقدمة مسلسل أبو فارس الذي عرض مطلع الثمانينات 

*** 

دفع نجاح “أبو البلاوي” الرفاعي إلى تأليف مسلسل مستوحى منه بعنوان غاوي مشاكل عام 1987، أخرجه حسين التكريتي، وحقق هو الآخر نجاحاً باهراً، لكن قبل ذلك، عرض التلفزيون مسلسل “حالات الأستاذ تعبان“، بطولة الفنان محمد حسين عبد الرحيم الذي عرفه الناس من مسلسل “محطات الذاكرة” عام 1979، تأليف عبد الباري العبودي وإخراج رشيد شاكر ياسين

لكن عبد الرحيم في مسلسل “حالات الأستاذ تعبان” الذي عُرض عام 1980، تحوّل إلى نجم في شوارع بغداد، حتّى اسم “تعبان” صار بديلاً عن اسمه الحقيقي بين الناس.  

لا تتوفّر مصادر موثوقة عن مؤلف العمل، لكن مخرجهُ هو رشيد شاكر ياسين.  

سرعان ما استُثمرت نجومية عبد الرحيم عام 1982 بإنتاج البرنامج الأشهر “استراحة الظهيرة” مع الفنانة أمل طه، فشكل معها ثنائياً ناجحاً. ولقد كانت المشاهد التمثيلية سلسة. وتناولت الكوميديا المشاكل اليومية والاجتماعية مثل انتقاد المطاعم والتعامل مع الزبائن ومشاكل الجيران. ثم مسلسل “أيام الاجازة” عام 1985، من تأليف عبد الباري العبودي وإخراج عماد عبد الهادي، حيث شكل الفنان محمد حسين عبد الرحيم (أبو نائل) والفنانة هناء محمد (لبيبة أم نائل) ثنائياً مشهوراً. وكانت قصة المسلسل عن موظف يمنح إجازة تمتد لمدة شهر، وأثناء محاولته الاستمتاع بالإجازة مع زوجته وابنائه، يتورط في سلسلة من المواقف الكوميدية، وحقق العمل نجاحاً كبيراً آنذاك. 

كادر مسلسل “أيام الإجازة” ومشهد منه. 

عرب وتقليد 

على الرغم من أن أوائل المسلسلات في الدراما العراقية، “جرف الملح” و”الدواسر” و”المتمردون”، كانت من إخراج إبراهيم عبد الجليل، المصري الجنسية، إلا أنه كان ملماً بالعراق، لأنه سكنه طويلاً وتزوج من إحدى سيداته. كما ساعد فهم عبد الجليل للبيئات المحلية العراقية، بإدخال سمة مصرية إلى مسلسلاته، لا سيما في مسلسلي “الذئب وعيون المدينة”، و”النسر وعيون المدينة”، وهما العملان الذي ذهب المخرج المصري إلى كاتب آخر غير صباح عطوان، الأغزر إنتاجاً، لكتابتهما. 

كان هذا الكاتب هو عادل كاظم، المؤلف والمخرج المسرحي. تعاون الاثنان، وكتب كاظم مسلسلاً اجتماعياً تدور أحداثه في محلة بغدادية في القرن التاسع عشر بعنوان “الذئب وعيون المدينة“عام 1980، الذي سيتحول إلى أسطورة درامية كبيرة وناجحة. فشجع ذلك الكاتب والمخرج إلى تنفيذ الجزء الثاني بعنوان “النسر وعيون المدينة” فاق الجزء الأول شهرة ونجاحاً، وعرض في عام 1983.  

وهذان العملان لم ينافسهما عمل آخر في الدراما العراقية في ما يتعلق بترسيخ أسماء الشخصيات والأبطال في أذهان المتفرجين والتآلف معهم، مما جعلهما أعمالاً استثنائية. 

لكن نجاح عبد الجليل، لم يحالف عرباً آخرين استقدموا ليشاركوا في صناعة الدراما العراقية، مثل المخرج الأردني موفق صلاح، الذي أخرج مسلسل “النعمان الأخير” عام 1981، بالأبيض والأسود، ولم يشكّل عمله فارقاً في مسيرة الأعمال التلفزيونية، إلا أن مسلسله الذي شارك فيه ممثلون عرب، شهد ولادة الفنانَيْن عبد الخالق المختار وسهى سالم، اللذين سيكون لهما شأن كبير في الشاشة والمسرح. 

وحاول العراق، على صعيد الشكل، تقليد عازف الليل“، المسلسل اللبناني الذي عرض باللغة العربية الفصحى وأثار إعجاب الجمهور، وذلك من خلال إنتاج عمل عراقي بمواصفات وبطل المسلسل الفصيح نفسه. 

كان المسلسل بعنوان “أيام ضائعة“، تأليف صباح عطوان وبطولة شذى سالم وعبد المجيد مشذوب، وإخراج كارلو هارتيون الذي قاد الممثلين بحرفية وأناقة عالية، وأخرج التصوير من فضاء الأستوديو إلى المواقع الحيّة، مستفيداً من سيارة الكاميرا المحمولة و(سكة الشاريو أوDolly track) القادمتين تواً إلى العراق. وقد حلّت هذه التقنيات تحديات ربط الكاميرا بمصدر كهربائي؛ فكاميرا الأستوديو متصلة مباشرة بمصدر الكهرباء، ولم تعتمد على البطارية، مما يتطلب توفير مصدر كهرباء عند استخدامها خارج الأستوديو، فضلاً عن التغلب على معضلة الصوت التي كانت من عوائق التصوير حينها، فَصوت تسجيل كاميرا التلفزيون في الجو العام كان غير نقي. 

عرض مسلسل “أيام ضائعة” عام 1980، ولم يحقق نجاحاً، ويعود ذلك ربما إلى كونه باللغة العربية الفصحى التي لم يكن الممثلون ماهرين بها، كما كان الحوار ضعيفاً. وقد يعود تقبل الناس لـ”عازف الليل” لكون الممثلين كانوا غرباء عنهم، وكانت القصة وبيئة العمل مختلفة وغير مألوفة، فشاهدوا العمل كما لو أنه مسلسل أجنبي مدبلج إلى العربيّة.  

لقطات من مسلسل “أيام ضائعة” 

هارتيون في بغداد واليونان 

بعد “أيام ضائعة” الذي كان من الممكن أن يكون أكثر نجاحاً وشهرة لولا اللغة الفصحى التي قُدِّم بها، كتب صباح عطوان وأخرج كارلو هارتيون مسلسل “أجنحة الثعالب” عام 1983، وكان قصة اجتماعية بسيطة، بطولة شذى سالم ومحسن العزاوي. كان هارتيون في المسلسل يعرض صورة أنيقة لبغداد، ويستخرج من الممثلين أداءً هادئا، يتلاءم مع البيئة الهادئة التي خلقها للعمل ككل. 

وعاد هارتيون عام 1984 بمسلسل “النبع“، تأليف يوسف العاني، وقد صور في اليونان كأول عمل عراقي يصور في الخارج، وكان من بطولة الفنان جلال كامل، وكان تجربة ناجحة يمكن تسويقها، لكن ذلك لم يحصل. 

كما عرض التلفزيون في العام ذاته، واحداً من أفضل المسلسلات العائلية، وهو مسلسل “الهاجس“، تأليف صباح عطوان وإخراج صلاح كرم. كان المسلسل اجتماعيا يدور حول الصراعات العائلية، ويحتوي على تطورات زمنية كبيرة للشخصيات. 

فلدينا عائلة ذياب (يوسف العاني) وزوجته رديفة (فاطمة الربيعي) وأبناؤه: سرحان (سامي قفطان) الطموح، صاحب قصة الكفاح والصعود وتغير الأحوال، وجميل (جواد الشكرجي) الموسيقي الفاشل، وعادل (جلال كامل) الشاب الطائش الذي تقوده الأقدار إلى الزواج بسيدة بعمر أمه، ونجلاء (إقبال نعيم) الابنة الحالمة المنكسرة. وبمقابل ذلك، نشاهد عائلة حاتم (حميد الجمالي) وزوجته محاسن (فوزية الشندي) الأم المغلوبة، وابنتهما لمياء (هند كامل) الطموحة، وابنهما عامر (عبد الخالق المختار) الشاب المندفع. وبقية العائلات المهمة والشخصيات غير المنتمية إلى أسر، جميعها يتحكم بخيوطها صباح عطوان، على الرغم من أنه يهمل بعض الشخصيات أحياناً. ولكن أداء الممثلين كان جيداً لدرجة أن كل ممثل بدا وكأنه بطل المسلسل. 

إقبال نعيم ومقداد عبد الرضا في مسلسل “الهاجس” 

شاعت، آنذاك، الأغاني في الأعمال الدرامية، وقد غنى مقدمة الهاجس الفنان أحمد نعمة، “دنيتك قسمة ونصيب/ مرة تخطي وهم تصيب/ بلا فوارق لا حدود/ نطوي صفحات الصدود). “لا أمل ترجاه من نسج الخيال، وتبني قصرك يا حبيبي من الرمال. ابني من تعب الجبين، واسبق بخطة السنين”.  

حسن حسني بين نادية والأماني الضالة 

يُمكن تصنيف “فتاة في العشرين” و”جنوح العاطفة” ضمن فئة المسلسلات الرومانسية، العُذرية، التي صنعتها الدراما العراقية، إلا أن أكثرها شهرة كان مسلسل “نادية“، الذي كتبه معاذ يوسف وأخرجه صلاح كرم عام 1987.  

قُدّمت الممثلة أمل سنان لأول مرة في ذلك العمل لتجسد دور البطولة، وسرعان ما استحوذت بأدائها وبملامحها وصوتها البريئين على قلوب المشاهدين. كانت الحبكة غاية في الاتقان، ما جعل معاذ يوسف متقدماً على كتّاب سيناريو بارزين في جيله. 

أدى الفنان حسن حسني شخصية عادل، الذي يبحث عن المرأة التي وقع في حبها (نادية)، ويوهمه الجميع أنها غير موجودة. ومع ذلك، صدّق قلبه وبدأ البحث عنها حتى وصل إليها وكشف كل اللغز. كان مسلسلاً غامضاً، ورغم أن ثيمته الرئيسية الحب، إلا أنه كان حبّاً هادئاً وبارداً. 

كانت أغنية المقدمة بصوت كاظم الساهر، وكلمات كريم العراقي، وألحان جعفر الخفاف، وعزف فرقة رائد جورج. تحدثت الأغنية بلسان حال عادل وهيامه بنادية، “شجاها الناس، أي شي، ما ألي وية الناس/ أنتِ صرتي مشكلتي، المحبة والإخلاص أنتِ/ عذابي وحيرتي وصمتي)”. 

أمل سنان وسناء عبد الرحمن والتفات عزيز في مسلسل “نادية”. 

بعد نادية، تفوق حسن حسني المخرج على حسن حسني الممثل، بإخراجه مسلسل “الأماني الضالة“، الذي عرض عام 1989 والذي يُعد واحداً من أشهر المسلسلات الاجتماعية التي شكلت فارقاً في تاريخ الدراما العراقية.  

تدور أحداث العمل الذي كتبه صباح عطوان وأنتجته شركة بابل حول ورث الجرخجي الذي تتنازع عليه بناته وأبناؤهن وأزواجهن، وكان من المثير عبوره مقصّات المنع والرقابة، لأنه تضمن انعكاسات وإسقاطات على الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردّي الناجم عن الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988).  

كان المسلسل بطولة جماعية بمشاركة جعفر السعدي، سعدية الزيدي، بهجت الجبوري، محمود أبو العباس، هديل كامل، وآخرين. وكتب الشاعر حسن الخزاعي أغنيتي المقدمة والختام، ولحّنهما وغناهما الموسيقار فتح الله أحمد وعزفتهما فرقة رائد جورج. (مد جناحك يا هوانا بين الضباب) و(ايد تمتد لليالي لا نهاية بلا حدود).   

من مقدمة “الأماني الضالة” ولقطة يظهر فيها بهجت الجبوري. 

ذوق وبروغاندا السلطة وإنتاجها 

عام 1988، عُرض مسلسل “حكايات الأيام العصيبة”، وهو مقتبس بتصرّف عن رواية البؤساء لفكتور هوجو. 

وكان يمكن للعمل أن يحقّق ثالث أنجح المسلسلات في العراق من  تأليف عادل كاظم وإخراج إبراهيم عبد الجليل، إلا أن المخرج المصري الخبير بالبيئات العراقية توفي أثناء تصوير العمل، وأكمل إنجازه المخرج إيمانويل رسام، وكانت مساعدته في الإخراج سيتا هاكوبيان، المغنيّة العراقية الشهيرة. تعمل كمساعدة مخرج في هذا العمل. 

كان الأبطال هم الفنانون: مقداد عبد الرضا في دور البيك المسؤول عن الجندرمة الذي يبحث عن خليل شوقي في دور ابن عنتكة (روبن هود)، يوسف العاني، وجواد الشكرجي.  

وكانت أكثر المشاهد محببة للمشاهدين هي تلك التي يظهر فيها الممثلان سعاد عبد الله وخليل عبد القادر في دوري كطيعة وعاصي. وكانت أغنية المقدمة  بصوت الفنان طالب القرغولي وهو ينشد كلمات كريم العراقي (يا عابر الصعبات، طال المسير، والهم زادك وأنت قلبك بحور. يا جامع الأحزان من كل طريق، غاب شبابك والليالي تدور). وكذلك أغنية الخاتمة: (لولاك يا هالصبر ما علت الاشجار، يا وسع صدر العمر هلكد تشيل أسرار، أقدار دنيا البشر تلعب لعب بينا، وساعة تحط حالنا وساعة تعلينا). 

من كواليس تصوير مسلسل “حكايات الأيام العصيبة”. المصدر: السينما.كوم. 

تحدث المسلسل عن العثمانيين وسيطرتهم على العراق، وعرض معاناة الجوع والفقر والظلم في تلك الفترة. وصفت أجواء العمل بالكئيبة، وهذا كان رأي أحد مسؤولي الإذاعة والتلفزيون، ولهذا توقف عرض العمل على القناة الرئيسية وعرض على قناة 7 الثانوية التي كانت تبث لساعات قليلة. ومع ذلك، فإن صدام حسين تابع المسلسل وأعجب به، وقدم تكريماً لأبطاله؛ وهذه إشارة أن الدراما التلفزيونية كانت تخضع لذوق واهتمامات رأس السلطة. 

فما يعجب صدام حسين ونظامه، كان يزدهر ويستمر ويُعاد عرضه مراراً، بينما قد لا يتكرر ما لا يعجبه، أو يتوقف عرضه على الإطلاق. لهذا كانت الدراما تميل نحو اللون الأحادي على الرغم من محاولات بعض صناعها في تضمين رسائل وإسقاطات ونقد في أعمالهم.  

لكن الأسلم، وسط كل هذه الأجواء، إنتاج أعمال كوميدية حتى لا يسقط الصانعون في الفخاخ التي تنصبها لهم السلطة حسب مزاجها والتأويل والوشاية التي يقوم بها الفنانون والممثلون ضد زملائهم عبر كتابة التقارير عنهم للسلطة؛ وهذه ظاهرة شاعت، وكتب البعض تقارير كيدية بدافع الغيرة فحسب! 

كانت سلطة البعث المشغولة أيضاً بخلط التاريخ والانتقاء منه، قد ذهب إنتاجها إلى صناعة مسلسلات تاريخية تعبوية تحاكي الحاضر بما ينسجم مع النظام، وقد استعين بأهم النجوم العرب على مستوى التمثيل والكتابة والإخراج، لإنجاز مسلسلات مثل المسلسل التاريخي الأهم “المتنبي” عام 1980، تأليف مالك المطلبي وإخراج إبراهيم عبد الجليل.  

من كواليس مسلسل “المتنبي”. المصدر: السينما.كوم. 

أدى شخصية المتنبي شاباً جلال كامل، وشخصية المتنبي بالغاً الممثل المصري أحمد مرعي، بالاشتراك مع ممثلين عرب وعراقيين مثل أمينة رزق وطعمة التميمي، وآخرين. 

وايضا مسلسل “الكبرياء الذي يليق بالفرسان” عام 1985، الذي أخرجه المخرج الأردني عباس أرناؤوط، وشارك في التمثيل من الفنانين العرب: يحيى شاهين، عبدالله غيث، وأمينة رزق. والعراقيين: بدري حسون فريد، طعمة التميمي، جواد الشكرجي، وسامي عبد الحميد، وآخرين.  

ومسلسل “قيس والمجنون” بطولة طعمة التميمي، ليلى محمد، حسن حسني. ومسلسل آخر بعنوان “حرب البسوس” تأليف ثامر مهدي وإخراج إيمانويل رسام، وأبطاله: طعمة التميمي، شذى سالم، وابتسام فريد. 

ثم المسلسل التعبوي الاكبر “وامعتصماه” ، (على الأغلب في عام 1989). تأليف الاردني هشام يانس وإخراج السوري فواز الزين. وشارك في بطولته كوكبة من الفنانين العراقيين. وكان العمل عن الخليفة المعتصم بن هارون الرشيد الذي سمع خبر صراخ امرأة عربية مسلمة تنادي وتستغيث “وامعتصماه” بعد تعرض الروم لها. فحرك جيشاً ضد الروم وغزا عمورية. 

في أحد مشاهد المسلسل، كان الخليفة يقف أمام جمع من الجنود ويعلمهم كيف يبارزون بالسيف، كإشارة إلى الاهتمام الأبوي ومحاكاة لصدام حسين، وإشارة إلى أن قيادة صدام وحكمته تمتد إلى حكم الماضي المقاوم لتهديدات الطامعين من الروم والفرس في العراق منذ الأزل؛ وأعيدت هذه المحاكاة في فيلم “القادسية” عام 1981، إخراج صلاح أبو سيف وتمثيل سعاد حسني وعزة العلايلي وشذى سالم وطعمة التميمي، وآخرين. 

أنتج وعُرِضَ المسلسل في السنة الثانية من الحرب العراقية الإيرانية، واستُخدم نظام البعث الفيلم كبروباغندا ضد إيران، وأمر بجمع ثلاثة فيالق من الحرس الجمهوري ليلعبوا دور الجنود في الفيلم، وعُدّ من بين أكثر الأفلام العربية كلفة. 

من كواليس مسلسل “وامعتصماه”. المصدر: السينما.كوم. 

الإنتاج والتسويق 

إزاء الإنتاج الكبير، فإن مؤسسات الدولة وشركاتها المنتجة للدراما، لم تمتلك خطط تسويق للأعمال الدرامية أو صناعة نجوم عراقيين في العالم العربي، وكانت أغلب المسلسلات العراقية التي عُرضت على الشاشات العربية، هِبات وهدايا من مسؤولي النظام إلى الدول العربية. 

كان يُمكن للعراق أن يكون منافساً للدراما العربيّة، وأن يتفوّق في الإنتاج، إذ رصدت الدولة موازنات مفتوحة لبعض الأعمال -وإن كانت لأغراض سياسية-، كما أن اغلب الممثلين والمخرجين والكوادر الفنية كانوا موظفين في الإذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح ودوائر أخرى، بمعنى أن كُلف الإنتاج نفسها كانت منخفضة. 

وبالمثل، كان يمكن لشركة بابل للإنتاج السينمائي والتلفزيوني، التي تأسست نهاية السبعينيات بمساهمة مختلطة أن تحقّق نجاحاً في الإنتاج والتسويق، لولا المشاكل الإدارية داخلها، وتأثير السلطة عليها.

وتأخر قانون تأسيسها حتى صدر في عام 1980، وقد انخرطت في المساهمة في الشركة مؤسسات حكومية مثل الإذاعة والتلفزيون، ودائرة السينما والمسرح، ومؤسسات التأمين والسياحة، فضلاً عن نقابة الفنانين، ومصرف الرافدين، وعرضت بقية أسهمها للقطاع الخاص. 

كان عمانوئيل رسام أوّل مدير فني لبابل، وقد واجهت الشركة ضغوطات من السلطة، فقد كان القصر الجمهوري يطلب نسخاً من المسلسلات والأفلام قبل عرضها، مثلا طلب نسخة من فيلم “فائق يتزوج” قبل عرضه في دور السينما. لكن رسام تخوف من تسريبه كما حصل مع فيلم “المسألة الكبرى”، والذي تسبب كما يزعم بفشله جماهيرياً.

شعار شركة “بابل”. 

رغم ذلك، نجحت شركة بابل بإنتاج العديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية والمسرحية البارزة، مثل “عمارة 13″، “ستة على ستة”، “الخيط والعصفور”، و”الأميرة والنهر”، بالإضافة إلى مسلسلات معروفة مثل “النسر وعيون المدينة”.  

الحال هذه، هيمن على دراما الثمانينات تكلّف في صناعة بيئات محلية، وبعضها ذهب حتّى الخيال في صناعته. ورغم أن مئات آلاف الرجال كانوا على الجبهات يرتدون “الزيتوني”، ومئات آلاف النساء كن يعافرن بين فقد الأحبّة والعمل بكدّ، إلا أن الكثير من أبطال وبطلات المسلسلات كانوا يدورون في غرف جلوس أنيقة، وهم يرتدون “الروب”، وهو الرداء الذي غطّى أغلب مسلسل ذاك العقد. 

يتبع (2-3)  

اعتمد هذا المقال على بحث: “الدراما العراقية في عقود أربع” لـكاروان جبار.