"الديكة لا تقاتل في الصيف".. الأسطورة والزنجاري في حلبة على أرض البصرة 

علي عزيز

15 آذار 2024

في صيف البصرة اللاهب يقضي عباس المياحيّ ورفاقه الوقت بتدريب الديكة لتصبح أكثر شراسة؛ ولكي تكون جاهزة لحلبة "الصگارة" وسط سوق المدينة القديم.. كيف يخوض عباس الرهانات على "الأسطورة"؟

يُحبّ عباس تسمية ديكه بالأسطورة، مثل ما يُحبّ غيره من مربّيها تسمية حيواناتهم المقاتلة. اللون والمظهر أو الصفات، منها يأخذ المربّي اسم ديكه، الأحمر والأسود والزنجاري، أسماء مأخوذة من اللون، أما الأقرع والقرد والأعور، فهي أسماء تؤخذ من المظهر، وعادةً ما تعكس هذه الأسماء إيمان مربّي هذا الديك به، وتكون بمثابة تميمةً للفوز بالنزالات والمال. 

حضر عباس صاحب المياحيّ إلى حلبة “الصگارة” لمشاهدة النزالات الدامية التي تجري هناك؛ لمعرفة مستوى الديكة هذا العام، وهل سيكون الفوز حليف ديكه في النزالات التي سيخوضها أم لا.  

تجري المنافسة ليلاً فقط، تبدأ من الساعة 8:30 تقريباً وتنتهي عند الواحدة بعد منتصف الليل، لا أسباب محددة تجعل المنافسات ليلاً؛ لكنها عادة لأصحاب هذه الهواية العنيفة وحسب، ويمكن لأي شخص الحضور لمشاهدة النزالات مقابل دفع ألف دينار رسوماً للدخول. 

النظام 

المقهى الذي يستضيف النزالات لا يواجه أيّ مشاكل قانونية، وهو مسجّل لدى نقابة العمال، ويمتلك صاحب المقهى شهادة ممارسة مهنة، ولا يعتقد عباس أن ما يقوم به مخالف للقانون؛ كونه لم يتلق أيَّ تنبيه أو تحذير من الحكومة.  

يتراوح عدد الحضور من 50 إلى 200 شخص، فبعد أن تغلق المحال التجارية في سوق البصرة أبوابها مساء من كل يوم، تعلوا صيحات المراهنين في حلبة صراع الديوك، في مقهى الصگارة التراثي، الذي يتوسط أحد أزقة سوق البصرة الضيقة. 

الجمهور يراقب صراع ديكين في مقهى الصكارة في البصرة. بعدسة الكاتب. 

يقول عباس لجمّار، إن تربية الدجاج مهمة ليست سهلة؛ “لكن حبنا له جعلها ممتعة لنا، الدجاج يحتاج إلى عناية خاصة، والديكة المخصصة للحلبة يتم معاملتها بشكل خاص” بالنسبة لعباس فإن الديك “الشرس والقوي”  يتطلب بالمقام الأول توفير قفص صغير له لكي يُعزل عن بقية الدجاج، ويحتاج قفص الديك إلى عصا ينام عليها، تبعده عن الحشرات، وتقوي أعصاب قدمه، وتجعله بعيداً عن الرطوبة، ثم تقوم بتجهيز نظام غذائي خاص به، يجب أن يحتوي هذا النظام على بيض مسلوق بطريقة خاصة، وتمر ممزوج بالماء والزبيب، تضاف هذه الوجبات لغذائه الرئيسي، الذي هو ذرة وحنطة لجعله أكثر قوة. 

خلال فترة الصيف يتم تجهيز الديك ليكون مكتمل البُنية الجسدية، وفي بداية السنة مع بداية الشتاء يبدأ مشواره القتالي، حيث أن النزالات تجري خلال الشتاء فقط.  

ديكان يتعاركان في مقهى الصكارة في البصرة. بعدسة الكاتب. 

الديكة التي تتصارع هي نوعان فقط، التركي والهراتي، التركي هو الذي يتسيّد حلبات الصراع، الذي يتم حسب الأوزان، حيث غالباً ما يتصارع ديكان بالوزن نفسه والحجم كذلك، لتكون المنافسة عادلة. 

الديك المميز هو الديك ذو الحجم المتوسط، حيث يستطع المشاركة في نزالات مع أغلب الديكة، ويفضل الديك ذو الألوان الموحدة، فيسمى بلون ريشه، كالأسود، والأحمر، أو الحنّي الذي يأخذ لون الحناء، أو غيرها من الأسماء الشعبية. 

أسعار الديكة  تبدأ من 25 ألف دينار، وهذا سعر الديك مجهول النسب، الذي لم يشارك في الصراعات بعد، وعندما يشارك في الحلبة ويؤدي جيداً في العراق يرتفع سعره إلى 75 ألف دينار، وربما يصل 100 ألف، بينما تصل أسعار الديكة المحترفة بالنزالات إلى أكثر من أربعة ملايين دينار للديك المميز، ذي النسب المعروف، الذي يقدم أداءً ملفتاً داخل الحلبة. 

تباع الديوك الجيدة في الحلبة نفسها، بعد فوزها في النزالات، حيث تحظى بشهرة ورغبة لشرائها، أو يحدث أن يعجب بها أحد الجمهور فيشتريها، أمّا الديكة متوسطة فتباع في سوق الطيور، وفي سوق الجمعة في البصرة القديمة، بأسعار عادية كأي دجاجة. 

يمتلك أغلب المربين سلالات معروفة من الديكة، ويقومون بتكثيرها داخل بيوتهم أو مزارعهم، وغالباً لا يعتمد صاحب الديك على النزالات مصدراً للدخل، لكن بعض المربين أصبحوا أثرياء بسبب تجارة الديكة “الاحترافية”. 

الرهان  

تحافظ هذه المصارعة بين طائرين على شعبيتها، حيث يزور حلبات صراع الديكة طيفٌ واسعٌ من فئات المجتمع بمختلف الأعمار، يصطحب مربو الدجاج أبناءهم إلى الحلبة؛ لغرض تعليمهم على تربية الديكة، وهناك اهتمام من الجيل الجديد بالديكة، حيث أن الحماس يملأ الحلبة عند بداية النزالات. 

يشكّل الجمهور أحد ركائز هذه الرياضة، فلا تتم المنازلات عادةً إلا بوجود جمهور، ففوز الديكة أمام الجمهور سيصنع لها شعبية كبيرة، ويزيد من قيمتها المادية، بالإضافة إلى رسوم الدخول؛ هنالك فقرة الرهان؛ فقبل بداية النزال تتعالى الأصوات في طلب الرهان على الديكة، تبدأ الرهانات من 10 آلاف دينار، وتزداد بحسب شدة الصراع بين الديكين، وتُسمّى كل عشرة آلاف دينار “وحدة” بلغة الرهانات على نزالات الديكة. 

أبو عسكر (74 عاماً) حكم اللعبة، ومؤسس حلبات الديكة في البصرة، بدأ ولعه بنزالات الديكة مذ كان طفلاً، “كنت أشاهد والدي في السبعينيات يربي دجاج الهراتي، وكنا نقوم بمصارعة الديوك من دون قوانين وتستمر المعركة بين الديكين أكثر من ثلاث ساعات”. 

يروي أبو عسكر لجمّار أنّ البصرة كانت تعرف فقط نزالات الديكة الهراتي، لم يكونوا يعرفون الديك التركي بعد، حتى جاء محمد بهلوان، وأدخل الديك التركي إلى الحلبة، وكان محمد بهلواناً من أبي الخصيب، لكنه كان مولعاً بنزالات الديكة، توفي عام 1989، لكن حلبات الديكة ما زالت تتذكره حتى الآن. 

كان أبي والذين من قبله يمارسون لعبة صراع الديكة في البساتين وقرب البيوت، وبعدها في بداية السبعينات بدأ الناس باتخاذ شارع “أبو الأسود” أو شارع “الألبان” ساحة لمصارعة الدجاج، يقول أبو عسكر، ويصف لجمّار كيف كانت القوانين حينها بدائية، حيث لا يوجد وقت لنهاية النزال والمعركة لا تنتهي إلا بانسحاب أحد الأطراف، أو موت الديك، أو من خلال “ثلاث ضربات قاضية”. 

بالنسبة لأبي عسكر فإن نزالات الديكة اليوم لها قوانين منظمة، ويتم تحديد الوقت قبل النزال، “في نهاية السبعينات سمعت أن هنالك حلبات لصراع الديكة في بغداد وشمال العراق فذهبت إلى هناك وقمت بنقل التجربة الى البصرة حيث قمت ببناء أول حلبة”. 

الحكم يفحص الديك قبل الدخول في العراك. بعدسة الكاتب.  

أصبح أبو عسكر أول حكم لحلبات الديكة في البصرة، ووضع قوانين النزالات، وحصر اللعبة في الشتاء فقط، لأن الديكة لا تتحمل الصراع في الصيف بحسب قوله، بسبب ارتفاع درجات الحرارة. 

أبو عسكر ورفاقه وضعوا قوانين أخرى تتعلق بوقت النزال الذي أصبح ساعتين بحد أقصى، وثلاثين دقيقة بحد أدنى، وهناك استراحات خلال النزال، لكل 13 دقيقة من الصراع هناك دقيقتان من الاستراحة. 

كما تُبرد مخالب الديك قبل النزول إلى الحلبة، لكي لا يقتل خصمه، والديك الفائز هو الذي يجبر خصمه على الهرب أو الانسحاب، أو الذي يسدد ثلاث ضربات قاضية لخصمه. 

الحلبة 

مقهى الصگارة هو واحد من أقدم المقاهي في محافظة البصرة، أسسه والد باسم الخال، الابن الذي يدير المقهى الآن، وقد تأسس المقهى عام 1973، لتقديم الخدمات للعمال الذين يأتون من الصباح الباكر للعمل في سوق البصرة. يقدم المقهى الشاي والأركيلة، ويتميز بإنشاء حلبة جانبية لصراع الديوك.  

المقهى ليس سريّاً كما يقول صاحبه لجمّار، “هو واحد من أشهر المقاهي في محافظة البصرة إلا أن الكثير يجهل وجود حلبة صراع الديكة كون الفعاليات تكون ليلاً فقط” وفي الليل لا يأتي سوى عشاق الدجاج، وهم مجتمع مغلق، لا يقومون بالنشر عن هذه الهواية، خوفاً من انتقادات المجتمع. 

الحلبة التي بناها صاحب مقهى الصكارة في البصرة. 

زهراء الحيدري، مؤسسة “فريق إنقاذ حيوانات البصرة التطوعي” استغربت عندما سألها جمّار عن حلبات نزال الديكة في البصرة،  “حلبات صراع الديوك تُقام بالبصرة!! هذا خبر مرعب بحد ذاته، ولأول مرة نعرف هذه المعلومة، لم نكن نعلم بوجودها ولم يردنا أي إبلاغ عنها مسبقاً”. 

وتضيف الحيدري لجمّار أنهم -نشطاء حقوق الحيوان- يجتهدون لإيصال “صرخاتهم” للمجتمع، بأن يتوقفوا عن اضطهاد الحيوانات وأن يقفوا رحمة وعوناً لضعف الحيوانات. 

ثم تستدرك؛ “والآن ماذا؟ حلبة نزال! أن الأنسان ليطغى” ثم تعبّر عن أسفها على “الواقع المزري” للحيوانات. 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

يُحبّ عباس تسمية ديكه بالأسطورة، مثل ما يُحبّ غيره من مربّيها تسمية حيواناتهم المقاتلة. اللون والمظهر أو الصفات، منها يأخذ المربّي اسم ديكه، الأحمر والأسود والزنجاري، أسماء مأخوذة من اللون، أما الأقرع والقرد والأعور، فهي أسماء تؤخذ من المظهر، وعادةً ما تعكس هذه الأسماء إيمان مربّي هذا الديك به، وتكون بمثابة تميمةً للفوز بالنزالات والمال. 

حضر عباس صاحب المياحيّ إلى حلبة “الصگارة” لمشاهدة النزالات الدامية التي تجري هناك؛ لمعرفة مستوى الديكة هذا العام، وهل سيكون الفوز حليف ديكه في النزالات التي سيخوضها أم لا.  

تجري المنافسة ليلاً فقط، تبدأ من الساعة 8:30 تقريباً وتنتهي عند الواحدة بعد منتصف الليل، لا أسباب محددة تجعل المنافسات ليلاً؛ لكنها عادة لأصحاب هذه الهواية العنيفة وحسب، ويمكن لأي شخص الحضور لمشاهدة النزالات مقابل دفع ألف دينار رسوماً للدخول. 

النظام 

المقهى الذي يستضيف النزالات لا يواجه أيّ مشاكل قانونية، وهو مسجّل لدى نقابة العمال، ويمتلك صاحب المقهى شهادة ممارسة مهنة، ولا يعتقد عباس أن ما يقوم به مخالف للقانون؛ كونه لم يتلق أيَّ تنبيه أو تحذير من الحكومة.  

يتراوح عدد الحضور من 50 إلى 200 شخص، فبعد أن تغلق المحال التجارية في سوق البصرة أبوابها مساء من كل يوم، تعلوا صيحات المراهنين في حلبة صراع الديوك، في مقهى الصگارة التراثي، الذي يتوسط أحد أزقة سوق البصرة الضيقة. 

الجمهور يراقب صراع ديكين في مقهى الصكارة في البصرة. بعدسة الكاتب. 

يقول عباس لجمّار، إن تربية الدجاج مهمة ليست سهلة؛ “لكن حبنا له جعلها ممتعة لنا، الدجاج يحتاج إلى عناية خاصة، والديكة المخصصة للحلبة يتم معاملتها بشكل خاص” بالنسبة لعباس فإن الديك “الشرس والقوي”  يتطلب بالمقام الأول توفير قفص صغير له لكي يُعزل عن بقية الدجاج، ويحتاج قفص الديك إلى عصا ينام عليها، تبعده عن الحشرات، وتقوي أعصاب قدمه، وتجعله بعيداً عن الرطوبة، ثم تقوم بتجهيز نظام غذائي خاص به، يجب أن يحتوي هذا النظام على بيض مسلوق بطريقة خاصة، وتمر ممزوج بالماء والزبيب، تضاف هذه الوجبات لغذائه الرئيسي، الذي هو ذرة وحنطة لجعله أكثر قوة. 

خلال فترة الصيف يتم تجهيز الديك ليكون مكتمل البُنية الجسدية، وفي بداية السنة مع بداية الشتاء يبدأ مشواره القتالي، حيث أن النزالات تجري خلال الشتاء فقط.  

ديكان يتعاركان في مقهى الصكارة في البصرة. بعدسة الكاتب. 

الديكة التي تتصارع هي نوعان فقط، التركي والهراتي، التركي هو الذي يتسيّد حلبات الصراع، الذي يتم حسب الأوزان، حيث غالباً ما يتصارع ديكان بالوزن نفسه والحجم كذلك، لتكون المنافسة عادلة. 

الديك المميز هو الديك ذو الحجم المتوسط، حيث يستطع المشاركة في نزالات مع أغلب الديكة، ويفضل الديك ذو الألوان الموحدة، فيسمى بلون ريشه، كالأسود، والأحمر، أو الحنّي الذي يأخذ لون الحناء، أو غيرها من الأسماء الشعبية. 

أسعار الديكة  تبدأ من 25 ألف دينار، وهذا سعر الديك مجهول النسب، الذي لم يشارك في الصراعات بعد، وعندما يشارك في الحلبة ويؤدي جيداً في العراق يرتفع سعره إلى 75 ألف دينار، وربما يصل 100 ألف، بينما تصل أسعار الديكة المحترفة بالنزالات إلى أكثر من أربعة ملايين دينار للديك المميز، ذي النسب المعروف، الذي يقدم أداءً ملفتاً داخل الحلبة. 

تباع الديوك الجيدة في الحلبة نفسها، بعد فوزها في النزالات، حيث تحظى بشهرة ورغبة لشرائها، أو يحدث أن يعجب بها أحد الجمهور فيشتريها، أمّا الديكة متوسطة فتباع في سوق الطيور، وفي سوق الجمعة في البصرة القديمة، بأسعار عادية كأي دجاجة. 

يمتلك أغلب المربين سلالات معروفة من الديكة، ويقومون بتكثيرها داخل بيوتهم أو مزارعهم، وغالباً لا يعتمد صاحب الديك على النزالات مصدراً للدخل، لكن بعض المربين أصبحوا أثرياء بسبب تجارة الديكة “الاحترافية”. 

الرهان  

تحافظ هذه المصارعة بين طائرين على شعبيتها، حيث يزور حلبات صراع الديكة طيفٌ واسعٌ من فئات المجتمع بمختلف الأعمار، يصطحب مربو الدجاج أبناءهم إلى الحلبة؛ لغرض تعليمهم على تربية الديكة، وهناك اهتمام من الجيل الجديد بالديكة، حيث أن الحماس يملأ الحلبة عند بداية النزالات. 

يشكّل الجمهور أحد ركائز هذه الرياضة، فلا تتم المنازلات عادةً إلا بوجود جمهور، ففوز الديكة أمام الجمهور سيصنع لها شعبية كبيرة، ويزيد من قيمتها المادية، بالإضافة إلى رسوم الدخول؛ هنالك فقرة الرهان؛ فقبل بداية النزال تتعالى الأصوات في طلب الرهان على الديكة، تبدأ الرهانات من 10 آلاف دينار، وتزداد بحسب شدة الصراع بين الديكين، وتُسمّى كل عشرة آلاف دينار “وحدة” بلغة الرهانات على نزالات الديكة. 

أبو عسكر (74 عاماً) حكم اللعبة، ومؤسس حلبات الديكة في البصرة، بدأ ولعه بنزالات الديكة مذ كان طفلاً، “كنت أشاهد والدي في السبعينيات يربي دجاج الهراتي، وكنا نقوم بمصارعة الديوك من دون قوانين وتستمر المعركة بين الديكين أكثر من ثلاث ساعات”. 

يروي أبو عسكر لجمّار أنّ البصرة كانت تعرف فقط نزالات الديكة الهراتي، لم يكونوا يعرفون الديك التركي بعد، حتى جاء محمد بهلوان، وأدخل الديك التركي إلى الحلبة، وكان محمد بهلواناً من أبي الخصيب، لكنه كان مولعاً بنزالات الديكة، توفي عام 1989، لكن حلبات الديكة ما زالت تتذكره حتى الآن. 

كان أبي والذين من قبله يمارسون لعبة صراع الديكة في البساتين وقرب البيوت، وبعدها في بداية السبعينات بدأ الناس باتخاذ شارع “أبو الأسود” أو شارع “الألبان” ساحة لمصارعة الدجاج، يقول أبو عسكر، ويصف لجمّار كيف كانت القوانين حينها بدائية، حيث لا يوجد وقت لنهاية النزال والمعركة لا تنتهي إلا بانسحاب أحد الأطراف، أو موت الديك، أو من خلال “ثلاث ضربات قاضية”. 

بالنسبة لأبي عسكر فإن نزالات الديكة اليوم لها قوانين منظمة، ويتم تحديد الوقت قبل النزال، “في نهاية السبعينات سمعت أن هنالك حلبات لصراع الديكة في بغداد وشمال العراق فذهبت إلى هناك وقمت بنقل التجربة الى البصرة حيث قمت ببناء أول حلبة”. 

الحكم يفحص الديك قبل الدخول في العراك. بعدسة الكاتب.  

أصبح أبو عسكر أول حكم لحلبات الديكة في البصرة، ووضع قوانين النزالات، وحصر اللعبة في الشتاء فقط، لأن الديكة لا تتحمل الصراع في الصيف بحسب قوله، بسبب ارتفاع درجات الحرارة. 

أبو عسكر ورفاقه وضعوا قوانين أخرى تتعلق بوقت النزال الذي أصبح ساعتين بحد أقصى، وثلاثين دقيقة بحد أدنى، وهناك استراحات خلال النزال، لكل 13 دقيقة من الصراع هناك دقيقتان من الاستراحة. 

كما تُبرد مخالب الديك قبل النزول إلى الحلبة، لكي لا يقتل خصمه، والديك الفائز هو الذي يجبر خصمه على الهرب أو الانسحاب، أو الذي يسدد ثلاث ضربات قاضية لخصمه. 

الحلبة 

مقهى الصگارة هو واحد من أقدم المقاهي في محافظة البصرة، أسسه والد باسم الخال، الابن الذي يدير المقهى الآن، وقد تأسس المقهى عام 1973، لتقديم الخدمات للعمال الذين يأتون من الصباح الباكر للعمل في سوق البصرة. يقدم المقهى الشاي والأركيلة، ويتميز بإنشاء حلبة جانبية لصراع الديوك.  

المقهى ليس سريّاً كما يقول صاحبه لجمّار، “هو واحد من أشهر المقاهي في محافظة البصرة إلا أن الكثير يجهل وجود حلبة صراع الديكة كون الفعاليات تكون ليلاً فقط” وفي الليل لا يأتي سوى عشاق الدجاج، وهم مجتمع مغلق، لا يقومون بالنشر عن هذه الهواية، خوفاً من انتقادات المجتمع. 

الحلبة التي بناها صاحب مقهى الصكارة في البصرة. 

زهراء الحيدري، مؤسسة “فريق إنقاذ حيوانات البصرة التطوعي” استغربت عندما سألها جمّار عن حلبات نزال الديكة في البصرة،  “حلبات صراع الديوك تُقام بالبصرة!! هذا خبر مرعب بحد ذاته، ولأول مرة نعرف هذه المعلومة، لم نكن نعلم بوجودها ولم يردنا أي إبلاغ عنها مسبقاً”. 

وتضيف الحيدري لجمّار أنهم -نشطاء حقوق الحيوان- يجتهدون لإيصال “صرخاتهم” للمجتمع، بأن يتوقفوا عن اضطهاد الحيوانات وأن يقفوا رحمة وعوناً لضعف الحيوانات. 

ثم تستدرك؛ “والآن ماذا؟ حلبة نزال! أن الأنسان ليطغى” ثم تعبّر عن أسفها على “الواقع المزري” للحيوانات.