"تبقّت مياهٌ قليلة".. اقتتال عشائر المثنى على "سرٍ" في جوف الأرض 

خليل بركات

25 أيار 2023

الفقر المائي في المثنى جعل السكان يتوجّهون نحو البادية وزراعتها باستغلال المياه الجوفية.. لكن حكاية البحث عن المياه أوسع، وقصصها أكبر، وتفاصيلها لا تعد.. عن "سرّ" في جوف الأرض بالمثنى قد يصبح سراباً..

في آذار 2023، دوّى رصاص العشائر في بادية المثنى، بعد أن تخاصمت عشيرتان على أرض تسقيها المياه الجوفيّة. 

قُتل شخص وأُصيب خمسة آخرون، وحلّ النزاع بدفع عائلة القاتل ديّة بمبلغ 130 مليون دينار (نحو 90 ألف دولار). 

لكن أصل النزاع باقٍ. 

ففي شباط الماضي، هاجم أفراد من العشائر بالحجارة عناصر في شرطة المثنى كانوا يحرسون حملة لإزالة التجاوزات على نهر الرميثة شرقي المحافظة، ما أدى إلى إصابة أكثر من عشرة من عناصر الأمن. 

هذه المعارك دلالة واضحة على تعمّق أزمة المياه في العراق، وتأثيرها على السلم الأهلي. 

لكن أزمة المثنى مُضاعفة، فالمحافظة تعاني بالأساس من مصادر ماء شحيحة، الأمر الذي وجّه حكومتها وأفرادها إلى اللجوء لآبار المياه الجوفية. 

عشرات الآبار يجري حفرها شهرياً، وحفّارات السلطات ومعاول الأفراد تتسابق في الوصول إليها. 

تشير الإحصائيات الجغرافية إلى أن خزين المياه الجوفية في بادية المثنى يتجاوز 16 مليار متر مكعب، وهو ما يعادل تصريف مياه شط العرب. 

ريّ سيحي أو هجرة 

في طريقها للوصول إلى المياه، تخوض الكثير من العشائر نزاعات مُسلّحة. 

باتت الأراضي التي تعتمد على المياه الكامنة في جوف الأرض، تعادل أضعاف تلك المسقيّة بالمياه السطحيّة. 

بلغ عدد دونمات الأرض التي تسقى من المياه السطحية 66 ألفاً فقط، بينما اعتمدت نحو 291 ألف دونم على المياه الجوفية في البادية. 

احد المزارعين في بادية السماوة من الذين حصلوا على ترخيص لحفر بئر، يزرع حوالي400  دونماً، المصدر: تصوير الكاتب. 

نحو 357 ألف دونم، هو حجم الأراضي المزروعة في محافظة المثنى عام 2023. 

“زرعنا 60 ألف دونم فقط عام 2022، بينما زرعنا نحو 360 ألف دونم العام الحالي بفضل المياه الجوفية”، قال عامر جبار، مدير زراعة المثنى لـ”جمّار”. 

المياه التي استخرجت من باطن الأرض أنبتت 300 ألف دونم، وجعلتها تمتلئ بالزرع. 

لكن أراضي أخرى بقيت تُعافر، ويواجه أهلها خيار الهجرة. 

أراضٍ متروكة لمصيرها 

تؤشر مديرية الزراعة إلى أراضٍ شرقي المثنى وشمالها على أنها الأكثر تضرراً من أزمة المياه. 

مُنع مزارعو هذه المناطق من الري السيحي، وهي طريقة ريّ تغمر من خلالها الأرض بالمياه، وتكثر الطريقة في الأراضي القريبة من الأنهر أو أفرعها. 

في أقضيّة النجمي والوركاء والرميثة وناحية السوير، القريبة من نهر الرميثة عاش الناس تناقص المياه في نهرهم، واضطر بعضهم إلى هجرة أرضه ومنزله بحثاً عن مكان آمن مائياً. 

“لدينا 4334 مزارعاً يتوزعون بين مختلف المناطق وأغلبهم تضرر نتيجة تقليص الخطة الزراعية”، بحسب عامر جبار، مدير زراعة المثنى.

شط السوير الذي يغذي قرابة ٧٠ الف نسمة بالمياه، وهو يواجه الآن مصير الجفاف، المصدر: تصوير الكاتب. 

كل عام، تُقلّص المحافظات العراقيّة خططها الزراعية، ذلك أن المياه تزداد نقصاً عاماً بعد آخر.  

تعزو مديرية زراعة المثنى شحّ المياه إلى قلة الواردات المائية من محافظة الديوانية المجاورة، وخاصة على شط الرميثة وعمود نهر الفرات، وهما من يغذيان الأراضي الزراعية في المثنى. 

“تحصل تجاوزات على النهر عند مروره بالديوانية قادماً من بابل، وأرسلنا كتباً رسمية عدة طلبنا فيها وضع نقطة رصد بيننا وبين الديوانية لمنع التجاوزات، ولكن من دون جدوى”، تحدّث حيدر عبد الكاظم، مسؤول مشاريع الماء المركزية في المثنى. 

جبَر المحافظة، نتيجة لقلة المياه، على إيقاف زراعة محاصيل لموسم كامل، كما حصل في الصيف السابق، عندما جرى إيقاف زراعة محصول الشلب في مناطق قضاء الوركاء، والبالغة عشرة آلاف دونم. 

مخاطر على السلم الأهلي 

تتوقّع الحكومة المحلية في المثنى حصول نزاعات عشائرية كثيرة في المحافظة بسبب المياه. 

“كانت بوادرها الموسم الزراعي السابق في منطقة آل شويجة في قضاء الوركاء بين العشائر والقوات الأمنية”، قال عبد الوهاب الياسري، مستشار محافظ المثنى للشؤون الزراعية والموارد المائية. 

في تشرين الأول عام 2022، هاجم أفراد من عشيرة آل شويجة قوة أمنية وموظفين في الموارد المائية أثناء محاولتهم رفع التجاوزات عن الأنهر في قضاء الوركاء. 

آخر المياه المتبقية في شط السوير الذي يواجه الجفاف، المصدر: تصوير الكاتب. 

دفع الفقر المائي في المثنى السلطات المحلية إلى التوجّه نحو البادية وزراعتها باستغلال المياه الجوفية، وهو ما اعترض كثيرون عليه بسبب الاستنزاف الجائر للمياه. 

استُخدمت المياه الجوفية في زراعة أكثر من 300 ألف دونم بطرق الريّ السيحية، وأثار ذلك مخاوف من استنزاف جائر للمياه وتشكيل عبء كبير على خزين الأرض والأجيال المقبلة. 

وتتضارب الأرقام وتختلف بشأن خزين المياه الجوفية بين السلطات الزراعية والمائية في المحافظة. 

ولا تمتلك، أياً منهما، إحصائية رسمية دقيقة بذلك. 

وتواجه الجهات المتخصصة صعوبة في تحديد الخزين الجوفي للمياه في البادية، فهي لا تمتلك عدادات لكميات المياه الجوفية المستنزفة، لكنها سجلت بشكل عام خلال السنوات الأخيرة استنزافاً كبيراً ومؤشرات على انخفاض منسوب المياه الجوفية في مناطق أطلق عليها “مناطق الاستنزاف”، خصوصاً في مملحة السماوة وأراضٍ زراعية أخرى تسقى بالري السيحي في البادية. 

في مقابل ذلك، تزداد المطالبات بضرورة دعم المزارعين عبر منحهم قروضاً خاصة لشراء أجهزة ريّ حديثة لزراعة أراضيهم والسيطرة على استنزاف المياه، بسبب الأسعار المرتفعة لتلك الأجهزة كالمرشات وغيرها، إذ يصل سعر الواحدة منها إلى أكثر من 60 مليون دينار عراقي (نحو 42 ألف دولار) بحسب السلطات الزراعية في المحافظة. 

آبار متجاوزة 

بطبيعة الحال، يدفع الجفاف السكّان إلى إيجاد طرق للوصول إلى المياه. 

وفي المثنى، أكثر الطرق شهرة هي حفر بئر. 

سجّلت هيئة المياه الجوفية في المثنى العام الماضي أكثر من 800 بئر محفورة من دون رخصة رسمية. 

تعتبر هذه الآبار “متجاوزة على المياه الجوفيّة” لأنها لا تخضع لقياسات الاحتياج المائي للأرض، ويجري حفرها بأعماق كبيرة تسبب ضرراً للأرض. 

 رغم ذلك، منحت الهيئة إعفاءاتٍ لمالكيها وتكييفها إلى آبار مجازة رسمياً من دون ردمها أو إغلاقها. 

يتوقّع مسؤولون بيئيون وجود نحو ثلاثة آلاف بئر متجاوزة في البادية، متوزعة بشكل أفقي على خط الخزين الجوفي لمياه حوض الدمام المشترك بين السعودية والعراق، والذي تتغذى عليه عيون بحيرة ساوة. 

لازم هويدي التوبي، مزارع وأحد وجهاء عشيرة آل توبة، يمتلك 4 الاف دونم تصحّرت بسبب الجفاف وقطع المياه عنها، وصار يفكر بالهجرة لعدم وجود حلول تنقذ أرضه. المصدر: تصوير الكاتب. 

بعد عام 2003 اختلف الوضع عمّا كان عليه، فقد بدأ المتجاوزون يحفرون أرض البادية ويستنزفون مياهها ويخرقون قوانين الصحراء التي اعتادت عليها، بعد أن كان يُمنع الحفر فيها إلا إذا كان للنفع العام من أجل البدو الرحل أو لمزارعين محددين حاصلين على إجازات رسمية مستندة إلى دراسات جيولوجية مطوّلة للتربة والخزين الجوفي وطبقات الأرض وحساب الأعماق وكمية احتياج المياه للغرض المطلوب. 

ووفقاً لعبد الأمير العبودي، الباحث التاريخي والبيئي في بادية المثنى، بدأ في عام 1953 أول حفر رسمي للآبار الجوفية في البادية من قبل شركة يوغسلافية تعاقدت معها الحكومة العراقية آنذاك سميت آبار النفع العام ليستفيد منها مربو الأغنام والبدو. 

وعادة ما تكون هذه الآبار قريبة من المراعي الخاصة بهم ويبلغ عددها 120 بئراً تتراوح المسافة بين واحدة وأخرى من 15 إلى 20 كم، وهي المسافة التي يقطعها البدو سيراً على الأقدام بين رحلة وأخرى ليخيموا ويستريحوا بعد ذلك. 

وحُفرت كذلك 35 بئراً للنفع الخاص قرب الحدود، وهي مخصصة حصراً للشرطة أو حرس الحدود. 

وكان لتلك الآبار موظفون متخصصون بتشغيلها وإصلاحها عند تعرضها لأضرار. 

في عام 2013 حاولت الحكومة إعادة الفكرة ذاتها وحفرت 54 بئراً للنفع العام في خطوة لتوطين البدو الرحل، لكنها فشلت بذلك نتيجة ترك حراس تلك الآبار العمل فيها بسبب قطع رواتبهم وعدم تبنيهم من دائرة خاصة بهم لصرف مستحقاتهم، وهو ما اضطرهم إلى الانسحاب منها، فسحبت الحكومة المضخات الخاصة بتلك الآبار خوفاً من سرقتها أو اندثارها. 

ويقول العبودي إن حفراً عشوائياً جائراً للآبار تم في البادية بعد 2003، وهو ما تسبب بمخلفات بيئية عكسية ناتجة عن اختراق تجاويف طبقات الأرض، أدت إلى تلوث البيئة أو هدر الخزين المائي في البادية وحرق تجاويف التربة واختلاط المياه العذبة بالمياه الكبريتية، لأن كل طبقة من الأرض تتميز بنوعية معينة من المياه وخصوصاً أرض البادية. 

جفاف البحيرة العجيبة 

على مدى آلاف السنين، كانت بحيرة ساوة في صحراء المثنى غريبة بسبب عدم اتصالها بأنهار تغذّيها بالمياه وتعتمد على المياه الجوفية عبر عين تنبع في قعرها. 

لكن، وبعد حفر الآبار العشوائية قربها، تضاءلت البحيرة وتناقصت مياهها إلى حد الجفاف التام باستثناء عينها المتبقية، وهو ما أعطى فرصة لفريق مركز علوم البحار البحثي التابع لجامعة البصرة وفرق أخرى مشكّلة من المثنى وبغداد لإجراء اختبارات على مياهها وصخورها. 

واتضح بعد الفحص أن البحيرة مرتبطة بحوض الدمام بسبب تطابق مياهها الكبريتية مع مياهه. 

“بحيرة ساوة جفّت بسبب استنزاف المياه من مملحة السماوة ومعامل الإسمنت، إضافة إلى التوسع الأفقي بالأراضي الزراعية في منطقة البادية خارج القوانين وتأثير ذلك على المياه الجوفية”، قالت د. صوفيا جبار مديرة مركز أبحاث البادية وبحيرة ساوة في جامعة المثنى. 

وأكدت مديرية بيئة المثنى ما ذكرته جبار. 

ودق جفاف بحيرة ساوة ناقوس الخطر إزاء مستقبل المياه بشكل عام في المحافظة التي تعاني من نقص كبير في المياه السطحية، إذ تؤكد الدراسات أن مستقبل المياه الجوفية لا يختلف عن المياه السطحية إذا استمر استنزافها الجائر. 

وتشدد جبار على ضرورة تنظيم الاستثمار الزراعي بقوانين تراعي التأثيرات البيئية من أجل الحفاظ على المياه الجوفية. 

وتحتوي مملحة السماوة القريبة من بحيرة ساوة وحدها على أكثر من 19 بئراً خاصة بها، وهي تعد من الأسباب الرئيسة لجفاف البحيرة العجيبة وعدم وصول المياه الجوفية لعينها. 

تشوّهات وهزات 

تعد بحيرة ساوة محطة استراحة للطيور المهاجرة من الشرق إلى الغرب ومصدر تنوع نادر للأسماك الغريبة التي لا يمكن طبخها لسرعة ذوبانها، بينما تشكل بادية المثنى بيئة خصبة للنباتات المختلفة النادرة والتي انقرض أغلبها خلال السنوات العشرين الأخيرة بسبب التدخل البشري واستنزاف المياه وإهمال آبار النفع العام التي تسقي الأراضي والتغيرات المناخية وقلة تساقط الأمطار في تلك المناطق. 

ويقول د. لطيف كامل رئيس قسم الجغرافيا في جامعة المثنى إن هناك دراسات عزت جفاف بحيرة ساوة إلى الأعمال الصناعية والزراعية. 

“المشكلة الأكبر أن العقلية الاقتصادية في المحافظة تطمح إلى تحقيق الأرباح بعيداً عن التنمية المستدامة”، أضاف كامل لـ”جمّار”. 

ومن شأن الاستنزاف الجائر للمياه في البادية التأثير على حجم المياه الجوفية والبيئة التكتونية الباطنية التي يؤدي تعرضها لخلل ما إلى تشوهات في تشكّل الأرض. 

ويتوقع كامل أن الاستمرار في الحفر المفرط بأعماق بعيدة سيعرّض المنطقة مستقبلاً إلى هزات أرضية كثيرة ومتكررة. 

ولم يشفع انضمام بحيرة ساوة إلى اتفاقية رامسار الدولية في إنقاذها والحفاظ عليها وعلى تنوعها الأحيائي أو كونها محطة لاستراحة الطيور المهاجرة، إذ يتحدث يوسف سوادي مدير بيئة المثنى عن فقدان البحيرة صفة التنوع البايولوجي. 

“فقدت البحيرة كثيراً من الكائنات الحية، وبالأخص الأسماك الصغيرة التي يطلق عليها الكمبوزيا والجاحظ. هذه الأسماك موجودة في بحيرة ساوة فقط وقد انتهت بسبب الجفاف”، قال سوادي لـ”جمّار”. 

حصاد المياه 

يمكن لبادية المثنى أن تستقبل سنوياً موجة سيول غزيرة بسبب تركيبتها الجغرافية المنخفضة وتجمع مياه الأمطار القادمة من النجف والحدود السعودية والبصرة والأردن وسوريا، لكن هذه المياه تمر في طريقها للأنهر وتتبخر من دون استثمارها. 

وشهدت المحافظة العام الحالي أقوى موجة سيول جرفت معها الشارع الاستراتيجي الرئيس الخاص بسيارات نقل النفط، بينما عمدت السلطات المائية في المحافظة إلى توجيه تلك السيول نحو شط العطشان للتخلص منها والذي بدوره جف مطلع أيار الماضي. 

بئر “الوجاجة” الذي يقع على بعد أقل من 10 كم عن قضاء السلمان، وكان البدو الرحل يتغذون عليه بإرواء أبلهم ويشربون منه ايضاً، المصدر: تصوير الكاتب. 

وعلى الرغم من ذلك كله، فإن مديرية التخطيط في المحافظة قدمت عام 2018 مشروعاً خاصاً لاستثمار مياه الأمطار والسيول في البادية أطلقت عليه اسم مشروع حصاد المياه، لكنه بقي حبراً على ورق ولم ينفذ من الجهات المعنية. 

يقول المهندس قابل حمود، مدير تخطيط المثنى، إن المشروع يتضمن 43 سداً سطحياً لاستثمار مياه السيول وحجزها عبر سدود ترابية أو حجرية أو كونكريتية في المواقع المراد فيها استثمار المياه وتحويلها للباطن الجوفي للأرض لمواجهة التغيّرات المناخية والجفاف. 

وتحمّل مديرية التخطيط في ديوان المحافظة، وزارة الموارد المائية مسؤولية عدم تنفيذ المشروع والاستفادة من السيول لمواجهة أزمة الجفاف الكبيرة التي تمرّ بها المحافظة وتوفير خزين مائي في تلك المناطق، خصوصا مع توجه المزارعين لاستثمار البادية وتسجيل تناقص كبير في الخزين الجوفي. 

“على الرغم من الخطابات الكثيرة المرسلة إلى وزارة الموارد المائية، لكن الأخيرة أظهرت لا مبالاة وأخفقت في ملف حصاد المياه” قال حمود لـ”جمّار”. 

هجرة جماعية 

يقول مزارعون كثر في المثنى إن مهنة الزراعة لم تعد مفيدة بسبب منعهم من زراعة أراضيهم تكيفاً مع أزمة الجفاف، وهو ما حول الأراضي إلى بوار ولم تعد تدر عليهم دخلاً، ما اضطر معظمهم إلى هجرها وتحويلها لأراض سكنية. 

في الوقت ذاته، تؤكد الحكومة المحلية أن سكان مناطق شمال شرق المثنى الذين يشكلون 60 بالمئة من مجموع سكان المحافظة توقفوا عن الزراعة، لكنها لا تمتلك إحصائيات دقيقة عن عدد العائلات التي هاجرت وتركت أراضيها الزراعية. 

لازم هويدي التوبي، مزارع وأحد وجهاء عشيرة آل توبة، وهو واحد من بين آلاف في المثنى حُرموا من زراعة أراضيهم بسبب شحّ المياه. 

يمتلك التوبي أربعة آلاف دونم كانت عامرة بالخضار على مر سنوات، لكنها باتت قاحلة في السنوات الثلاث الأخيرة بسبب ما يصفه بـ”القرار المجحف” الخاص بمنع الزراعة. 

“من حدود عشيرة آل غانم إلى حدود عشيرة الجوابر كلها توقفت عن الزراعة، وكلما أردنا الزراعة يتم منعنا بداعي عدم توافر المياه”، قال التوبي لـ”جمّار”. 

هذا الواقع دفع قرابة 500 عائلة من عشيرة آل توبة إلى الهجرة نحو خان النص في النجف ونحو كربلاء بحثاً عن العمل في مجال الزراعة. 

وعلى الرغم من بدء هجرة العائلات في مناطق شمال وشرق المحافظة، لم تحرك الحكومة المحلية ساكناً لحل أزمة المياه، وهو ما ينذر باتساع الهجرة إلى درجة إفراغ الأرياف من ساكنيها، ووقوع نزاعات عشائرية بسبب ما تبقى من مياهٍ قليلة في الأنهر تحاول السلطات تخصيصها للشرب فقط. 

* أُنتجت هذه المادة بدعم من برنامج تشِك غلوبال – مؤسسة ميدان

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

في آذار 2023، دوّى رصاص العشائر في بادية المثنى، بعد أن تخاصمت عشيرتان على أرض تسقيها المياه الجوفيّة. 

قُتل شخص وأُصيب خمسة آخرون، وحلّ النزاع بدفع عائلة القاتل ديّة بمبلغ 130 مليون دينار (نحو 90 ألف دولار). 

لكن أصل النزاع باقٍ. 

ففي شباط الماضي، هاجم أفراد من العشائر بالحجارة عناصر في شرطة المثنى كانوا يحرسون حملة لإزالة التجاوزات على نهر الرميثة شرقي المحافظة، ما أدى إلى إصابة أكثر من عشرة من عناصر الأمن. 

هذه المعارك دلالة واضحة على تعمّق أزمة المياه في العراق، وتأثيرها على السلم الأهلي. 

لكن أزمة المثنى مُضاعفة، فالمحافظة تعاني بالأساس من مصادر ماء شحيحة، الأمر الذي وجّه حكومتها وأفرادها إلى اللجوء لآبار المياه الجوفية. 

عشرات الآبار يجري حفرها شهرياً، وحفّارات السلطات ومعاول الأفراد تتسابق في الوصول إليها. 

تشير الإحصائيات الجغرافية إلى أن خزين المياه الجوفية في بادية المثنى يتجاوز 16 مليار متر مكعب، وهو ما يعادل تصريف مياه شط العرب. 

ريّ سيحي أو هجرة 

في طريقها للوصول إلى المياه، تخوض الكثير من العشائر نزاعات مُسلّحة. 

باتت الأراضي التي تعتمد على المياه الكامنة في جوف الأرض، تعادل أضعاف تلك المسقيّة بالمياه السطحيّة. 

بلغ عدد دونمات الأرض التي تسقى من المياه السطحية 66 ألفاً فقط، بينما اعتمدت نحو 291 ألف دونم على المياه الجوفية في البادية. 

احد المزارعين في بادية السماوة من الذين حصلوا على ترخيص لحفر بئر، يزرع حوالي400  دونماً، المصدر: تصوير الكاتب. 

نحو 357 ألف دونم، هو حجم الأراضي المزروعة في محافظة المثنى عام 2023. 

“زرعنا 60 ألف دونم فقط عام 2022، بينما زرعنا نحو 360 ألف دونم العام الحالي بفضل المياه الجوفية”، قال عامر جبار، مدير زراعة المثنى لـ”جمّار”. 

المياه التي استخرجت من باطن الأرض أنبتت 300 ألف دونم، وجعلتها تمتلئ بالزرع. 

لكن أراضي أخرى بقيت تُعافر، ويواجه أهلها خيار الهجرة. 

أراضٍ متروكة لمصيرها 

تؤشر مديرية الزراعة إلى أراضٍ شرقي المثنى وشمالها على أنها الأكثر تضرراً من أزمة المياه. 

مُنع مزارعو هذه المناطق من الري السيحي، وهي طريقة ريّ تغمر من خلالها الأرض بالمياه، وتكثر الطريقة في الأراضي القريبة من الأنهر أو أفرعها. 

في أقضيّة النجمي والوركاء والرميثة وناحية السوير، القريبة من نهر الرميثة عاش الناس تناقص المياه في نهرهم، واضطر بعضهم إلى هجرة أرضه ومنزله بحثاً عن مكان آمن مائياً. 

“لدينا 4334 مزارعاً يتوزعون بين مختلف المناطق وأغلبهم تضرر نتيجة تقليص الخطة الزراعية”، بحسب عامر جبار، مدير زراعة المثنى.

شط السوير الذي يغذي قرابة ٧٠ الف نسمة بالمياه، وهو يواجه الآن مصير الجفاف، المصدر: تصوير الكاتب. 

كل عام، تُقلّص المحافظات العراقيّة خططها الزراعية، ذلك أن المياه تزداد نقصاً عاماً بعد آخر.  

تعزو مديرية زراعة المثنى شحّ المياه إلى قلة الواردات المائية من محافظة الديوانية المجاورة، وخاصة على شط الرميثة وعمود نهر الفرات، وهما من يغذيان الأراضي الزراعية في المثنى. 

“تحصل تجاوزات على النهر عند مروره بالديوانية قادماً من بابل، وأرسلنا كتباً رسمية عدة طلبنا فيها وضع نقطة رصد بيننا وبين الديوانية لمنع التجاوزات، ولكن من دون جدوى”، تحدّث حيدر عبد الكاظم، مسؤول مشاريع الماء المركزية في المثنى. 

جبَر المحافظة، نتيجة لقلة المياه، على إيقاف زراعة محاصيل لموسم كامل، كما حصل في الصيف السابق، عندما جرى إيقاف زراعة محصول الشلب في مناطق قضاء الوركاء، والبالغة عشرة آلاف دونم. 

مخاطر على السلم الأهلي 

تتوقّع الحكومة المحلية في المثنى حصول نزاعات عشائرية كثيرة في المحافظة بسبب المياه. 

“كانت بوادرها الموسم الزراعي السابق في منطقة آل شويجة في قضاء الوركاء بين العشائر والقوات الأمنية”، قال عبد الوهاب الياسري، مستشار محافظ المثنى للشؤون الزراعية والموارد المائية. 

في تشرين الأول عام 2022، هاجم أفراد من عشيرة آل شويجة قوة أمنية وموظفين في الموارد المائية أثناء محاولتهم رفع التجاوزات عن الأنهر في قضاء الوركاء. 

آخر المياه المتبقية في شط السوير الذي يواجه الجفاف، المصدر: تصوير الكاتب. 

دفع الفقر المائي في المثنى السلطات المحلية إلى التوجّه نحو البادية وزراعتها باستغلال المياه الجوفية، وهو ما اعترض كثيرون عليه بسبب الاستنزاف الجائر للمياه. 

استُخدمت المياه الجوفية في زراعة أكثر من 300 ألف دونم بطرق الريّ السيحية، وأثار ذلك مخاوف من استنزاف جائر للمياه وتشكيل عبء كبير على خزين الأرض والأجيال المقبلة. 

وتتضارب الأرقام وتختلف بشأن خزين المياه الجوفية بين السلطات الزراعية والمائية في المحافظة. 

ولا تمتلك، أياً منهما، إحصائية رسمية دقيقة بذلك. 

وتواجه الجهات المتخصصة صعوبة في تحديد الخزين الجوفي للمياه في البادية، فهي لا تمتلك عدادات لكميات المياه الجوفية المستنزفة، لكنها سجلت بشكل عام خلال السنوات الأخيرة استنزافاً كبيراً ومؤشرات على انخفاض منسوب المياه الجوفية في مناطق أطلق عليها “مناطق الاستنزاف”، خصوصاً في مملحة السماوة وأراضٍ زراعية أخرى تسقى بالري السيحي في البادية. 

في مقابل ذلك، تزداد المطالبات بضرورة دعم المزارعين عبر منحهم قروضاً خاصة لشراء أجهزة ريّ حديثة لزراعة أراضيهم والسيطرة على استنزاف المياه، بسبب الأسعار المرتفعة لتلك الأجهزة كالمرشات وغيرها، إذ يصل سعر الواحدة منها إلى أكثر من 60 مليون دينار عراقي (نحو 42 ألف دولار) بحسب السلطات الزراعية في المحافظة. 

آبار متجاوزة 

بطبيعة الحال، يدفع الجفاف السكّان إلى إيجاد طرق للوصول إلى المياه. 

وفي المثنى، أكثر الطرق شهرة هي حفر بئر. 

سجّلت هيئة المياه الجوفية في المثنى العام الماضي أكثر من 800 بئر محفورة من دون رخصة رسمية. 

تعتبر هذه الآبار “متجاوزة على المياه الجوفيّة” لأنها لا تخضع لقياسات الاحتياج المائي للأرض، ويجري حفرها بأعماق كبيرة تسبب ضرراً للأرض. 

 رغم ذلك، منحت الهيئة إعفاءاتٍ لمالكيها وتكييفها إلى آبار مجازة رسمياً من دون ردمها أو إغلاقها. 

يتوقّع مسؤولون بيئيون وجود نحو ثلاثة آلاف بئر متجاوزة في البادية، متوزعة بشكل أفقي على خط الخزين الجوفي لمياه حوض الدمام المشترك بين السعودية والعراق، والذي تتغذى عليه عيون بحيرة ساوة. 

لازم هويدي التوبي، مزارع وأحد وجهاء عشيرة آل توبة، يمتلك 4 الاف دونم تصحّرت بسبب الجفاف وقطع المياه عنها، وصار يفكر بالهجرة لعدم وجود حلول تنقذ أرضه. المصدر: تصوير الكاتب. 

بعد عام 2003 اختلف الوضع عمّا كان عليه، فقد بدأ المتجاوزون يحفرون أرض البادية ويستنزفون مياهها ويخرقون قوانين الصحراء التي اعتادت عليها، بعد أن كان يُمنع الحفر فيها إلا إذا كان للنفع العام من أجل البدو الرحل أو لمزارعين محددين حاصلين على إجازات رسمية مستندة إلى دراسات جيولوجية مطوّلة للتربة والخزين الجوفي وطبقات الأرض وحساب الأعماق وكمية احتياج المياه للغرض المطلوب. 

ووفقاً لعبد الأمير العبودي، الباحث التاريخي والبيئي في بادية المثنى، بدأ في عام 1953 أول حفر رسمي للآبار الجوفية في البادية من قبل شركة يوغسلافية تعاقدت معها الحكومة العراقية آنذاك سميت آبار النفع العام ليستفيد منها مربو الأغنام والبدو. 

وعادة ما تكون هذه الآبار قريبة من المراعي الخاصة بهم ويبلغ عددها 120 بئراً تتراوح المسافة بين واحدة وأخرى من 15 إلى 20 كم، وهي المسافة التي يقطعها البدو سيراً على الأقدام بين رحلة وأخرى ليخيموا ويستريحوا بعد ذلك. 

وحُفرت كذلك 35 بئراً للنفع الخاص قرب الحدود، وهي مخصصة حصراً للشرطة أو حرس الحدود. 

وكان لتلك الآبار موظفون متخصصون بتشغيلها وإصلاحها عند تعرضها لأضرار. 

في عام 2013 حاولت الحكومة إعادة الفكرة ذاتها وحفرت 54 بئراً للنفع العام في خطوة لتوطين البدو الرحل، لكنها فشلت بذلك نتيجة ترك حراس تلك الآبار العمل فيها بسبب قطع رواتبهم وعدم تبنيهم من دائرة خاصة بهم لصرف مستحقاتهم، وهو ما اضطرهم إلى الانسحاب منها، فسحبت الحكومة المضخات الخاصة بتلك الآبار خوفاً من سرقتها أو اندثارها. 

ويقول العبودي إن حفراً عشوائياً جائراً للآبار تم في البادية بعد 2003، وهو ما تسبب بمخلفات بيئية عكسية ناتجة عن اختراق تجاويف طبقات الأرض، أدت إلى تلوث البيئة أو هدر الخزين المائي في البادية وحرق تجاويف التربة واختلاط المياه العذبة بالمياه الكبريتية، لأن كل طبقة من الأرض تتميز بنوعية معينة من المياه وخصوصاً أرض البادية. 

جفاف البحيرة العجيبة 

على مدى آلاف السنين، كانت بحيرة ساوة في صحراء المثنى غريبة بسبب عدم اتصالها بأنهار تغذّيها بالمياه وتعتمد على المياه الجوفية عبر عين تنبع في قعرها. 

لكن، وبعد حفر الآبار العشوائية قربها، تضاءلت البحيرة وتناقصت مياهها إلى حد الجفاف التام باستثناء عينها المتبقية، وهو ما أعطى فرصة لفريق مركز علوم البحار البحثي التابع لجامعة البصرة وفرق أخرى مشكّلة من المثنى وبغداد لإجراء اختبارات على مياهها وصخورها. 

واتضح بعد الفحص أن البحيرة مرتبطة بحوض الدمام بسبب تطابق مياهها الكبريتية مع مياهه. 

“بحيرة ساوة جفّت بسبب استنزاف المياه من مملحة السماوة ومعامل الإسمنت، إضافة إلى التوسع الأفقي بالأراضي الزراعية في منطقة البادية خارج القوانين وتأثير ذلك على المياه الجوفية”، قالت د. صوفيا جبار مديرة مركز أبحاث البادية وبحيرة ساوة في جامعة المثنى. 

وأكدت مديرية بيئة المثنى ما ذكرته جبار. 

ودق جفاف بحيرة ساوة ناقوس الخطر إزاء مستقبل المياه بشكل عام في المحافظة التي تعاني من نقص كبير في المياه السطحية، إذ تؤكد الدراسات أن مستقبل المياه الجوفية لا يختلف عن المياه السطحية إذا استمر استنزافها الجائر. 

وتشدد جبار على ضرورة تنظيم الاستثمار الزراعي بقوانين تراعي التأثيرات البيئية من أجل الحفاظ على المياه الجوفية. 

وتحتوي مملحة السماوة القريبة من بحيرة ساوة وحدها على أكثر من 19 بئراً خاصة بها، وهي تعد من الأسباب الرئيسة لجفاف البحيرة العجيبة وعدم وصول المياه الجوفية لعينها. 

تشوّهات وهزات 

تعد بحيرة ساوة محطة استراحة للطيور المهاجرة من الشرق إلى الغرب ومصدر تنوع نادر للأسماك الغريبة التي لا يمكن طبخها لسرعة ذوبانها، بينما تشكل بادية المثنى بيئة خصبة للنباتات المختلفة النادرة والتي انقرض أغلبها خلال السنوات العشرين الأخيرة بسبب التدخل البشري واستنزاف المياه وإهمال آبار النفع العام التي تسقي الأراضي والتغيرات المناخية وقلة تساقط الأمطار في تلك المناطق. 

ويقول د. لطيف كامل رئيس قسم الجغرافيا في جامعة المثنى إن هناك دراسات عزت جفاف بحيرة ساوة إلى الأعمال الصناعية والزراعية. 

“المشكلة الأكبر أن العقلية الاقتصادية في المحافظة تطمح إلى تحقيق الأرباح بعيداً عن التنمية المستدامة”، أضاف كامل لـ”جمّار”. 

ومن شأن الاستنزاف الجائر للمياه في البادية التأثير على حجم المياه الجوفية والبيئة التكتونية الباطنية التي يؤدي تعرضها لخلل ما إلى تشوهات في تشكّل الأرض. 

ويتوقع كامل أن الاستمرار في الحفر المفرط بأعماق بعيدة سيعرّض المنطقة مستقبلاً إلى هزات أرضية كثيرة ومتكررة. 

ولم يشفع انضمام بحيرة ساوة إلى اتفاقية رامسار الدولية في إنقاذها والحفاظ عليها وعلى تنوعها الأحيائي أو كونها محطة لاستراحة الطيور المهاجرة، إذ يتحدث يوسف سوادي مدير بيئة المثنى عن فقدان البحيرة صفة التنوع البايولوجي. 

“فقدت البحيرة كثيراً من الكائنات الحية، وبالأخص الأسماك الصغيرة التي يطلق عليها الكمبوزيا والجاحظ. هذه الأسماك موجودة في بحيرة ساوة فقط وقد انتهت بسبب الجفاف”، قال سوادي لـ”جمّار”. 

حصاد المياه 

يمكن لبادية المثنى أن تستقبل سنوياً موجة سيول غزيرة بسبب تركيبتها الجغرافية المنخفضة وتجمع مياه الأمطار القادمة من النجف والحدود السعودية والبصرة والأردن وسوريا، لكن هذه المياه تمر في طريقها للأنهر وتتبخر من دون استثمارها. 

وشهدت المحافظة العام الحالي أقوى موجة سيول جرفت معها الشارع الاستراتيجي الرئيس الخاص بسيارات نقل النفط، بينما عمدت السلطات المائية في المحافظة إلى توجيه تلك السيول نحو شط العطشان للتخلص منها والذي بدوره جف مطلع أيار الماضي. 

بئر “الوجاجة” الذي يقع على بعد أقل من 10 كم عن قضاء السلمان، وكان البدو الرحل يتغذون عليه بإرواء أبلهم ويشربون منه ايضاً، المصدر: تصوير الكاتب. 

وعلى الرغم من ذلك كله، فإن مديرية التخطيط في المحافظة قدمت عام 2018 مشروعاً خاصاً لاستثمار مياه الأمطار والسيول في البادية أطلقت عليه اسم مشروع حصاد المياه، لكنه بقي حبراً على ورق ولم ينفذ من الجهات المعنية. 

يقول المهندس قابل حمود، مدير تخطيط المثنى، إن المشروع يتضمن 43 سداً سطحياً لاستثمار مياه السيول وحجزها عبر سدود ترابية أو حجرية أو كونكريتية في المواقع المراد فيها استثمار المياه وتحويلها للباطن الجوفي للأرض لمواجهة التغيّرات المناخية والجفاف. 

وتحمّل مديرية التخطيط في ديوان المحافظة، وزارة الموارد المائية مسؤولية عدم تنفيذ المشروع والاستفادة من السيول لمواجهة أزمة الجفاف الكبيرة التي تمرّ بها المحافظة وتوفير خزين مائي في تلك المناطق، خصوصا مع توجه المزارعين لاستثمار البادية وتسجيل تناقص كبير في الخزين الجوفي. 

“على الرغم من الخطابات الكثيرة المرسلة إلى وزارة الموارد المائية، لكن الأخيرة أظهرت لا مبالاة وأخفقت في ملف حصاد المياه” قال حمود لـ”جمّار”. 

هجرة جماعية 

يقول مزارعون كثر في المثنى إن مهنة الزراعة لم تعد مفيدة بسبب منعهم من زراعة أراضيهم تكيفاً مع أزمة الجفاف، وهو ما حول الأراضي إلى بوار ولم تعد تدر عليهم دخلاً، ما اضطر معظمهم إلى هجرها وتحويلها لأراض سكنية. 

في الوقت ذاته، تؤكد الحكومة المحلية أن سكان مناطق شمال شرق المثنى الذين يشكلون 60 بالمئة من مجموع سكان المحافظة توقفوا عن الزراعة، لكنها لا تمتلك إحصائيات دقيقة عن عدد العائلات التي هاجرت وتركت أراضيها الزراعية. 

لازم هويدي التوبي، مزارع وأحد وجهاء عشيرة آل توبة، وهو واحد من بين آلاف في المثنى حُرموا من زراعة أراضيهم بسبب شحّ المياه. 

يمتلك التوبي أربعة آلاف دونم كانت عامرة بالخضار على مر سنوات، لكنها باتت قاحلة في السنوات الثلاث الأخيرة بسبب ما يصفه بـ”القرار المجحف” الخاص بمنع الزراعة. 

“من حدود عشيرة آل غانم إلى حدود عشيرة الجوابر كلها توقفت عن الزراعة، وكلما أردنا الزراعة يتم منعنا بداعي عدم توافر المياه”، قال التوبي لـ”جمّار”. 

هذا الواقع دفع قرابة 500 عائلة من عشيرة آل توبة إلى الهجرة نحو خان النص في النجف ونحو كربلاء بحثاً عن العمل في مجال الزراعة. 

وعلى الرغم من بدء هجرة العائلات في مناطق شمال وشرق المحافظة، لم تحرك الحكومة المحلية ساكناً لحل أزمة المياه، وهو ما ينذر باتساع الهجرة إلى درجة إفراغ الأرياف من ساكنيها، ووقوع نزاعات عشائرية بسبب ما تبقى من مياهٍ قليلة في الأنهر تحاول السلطات تخصيصها للشرب فقط. 

* أُنتجت هذه المادة بدعم من برنامج تشِك غلوبال – مؤسسة ميدان