مخدرات في مدارس كربلاء: "الزومبي" يجر عائلات لـ"التجارة" ويفتك بمراهقين

هبة جبار الماجد

08 شباط 2023

في زنزانتين صغيرتين داخل أحد مراكز الشرطة وسط كربلاء، يتكدس 112 رجلاً مستلقين جميعهم على الأرض، اتهم 90 بالمئة منهم بحيازة وتعاطي المخدرات. عائلات كاملة تنشط في هذه التجارة، و"الزبائن" طلاب مدارس وشبان صغار سن.. و"الزومبي" يتسيد الساحة..

أوصدت “د.س” باب غرفتها جيداً وأحكمت إغلاق الستائر، فهي بصدد القيام بتجربة لم تختبرها من قبل، كما أنها على وشك الدخول في عالم لا يمكن الخروج منه إلا بثمن باهظ.

كانت تنظر إلى ما في كفها وصدى كلمات صديقتها في المدرسة يتردد داخل رأسها “هاي الحباية اسمها زومبي”، واحتاجت برهة ونفساً عميقاً قبل أن تتخذ قرارها بابتلاع الحبة والالتحاق بقوافل المدمنات والمدمنين.

كان المعنى المعروف لـ”الزومبي” لدى الفتاة ذات الـ17 ربيعاً يشير إلى الجثث البشرية المتحركة القاتلة التي تظهر في الأفلام والمسلسلات الأجنبية، لكنها هذه المرة تتعامل مع حبة دوائية ذات لون مائل إلى الوردي على أنها زومبي.

هذه الحبة هي العقار المخدر U-47700، المعروف أيضاً باسم بنك (Pink) أو بنكي (Pinky) أو U4، واكتسب تسمية الزومبي على ما يبدو لأنها تسلب وعي متعاطيها بطريقة شرسة.

تشكو “د.س” من التعرض لضغوط دراسية وتعنيف منزلي جلبا لها الاكتئاب، حتى أنها كانت تنزوي بعيداً عن زميلاتها في إحدى مدارس كربلاء حيث تسكن مع أسرتها، وقد مثّلت حالتها هذه ثغرة لإحدى الصديقات نفذت من خلالها إلى عقل الفتاة المنكسرة لتجرها نحو طريق المخدرات.

أقنعتها الصديقة بأن حبة الزومبي ستحل جميع مشكلاتها وتريح أعصابها وتنسيها همومها، ومنحتها حبة التجريب مجاناً لتعرف ما إذا كان وصف مفعولها دقيقاً أم لا.

عندما ابتلعت “د.س” الحبة شعرت بأنها خفيفة جداً راغبة بالطيران، كما شعرت بنشوة لم يسبق أن جرّبتها منذ أن فتحت عينيها على الحياة.

“لم أعد أتذكر شيئاً في تلك الليلة، حتى أنني كنت لا أتذكر اسمي” قالت الفتاة لـ”جمّار”.

وذهبت في صباح اليوم التالي إلى صديقتها للحصول على المزيد، لكن الأخيرة طلبت المال مقابل الحبوب، فأعطتها ما كانت تملك.

بدأت بعد ذلك تسرق من أمها لشراء الحبوب.

اكتشفت الأم أن المستوى الدراسي لابنتها بدأ بالتراجع وأن هناك أموالاً تنقص من محفظتها الخاصة، وعندما أكثرت الأسئلة عليها، اعترفت لها بأنها تتعاطى المواد المخدرة، لكنها تكتمت على هوية صديقتها التي تزودها بها.

هرعت الأم إلى شقيقها الطبيب المتخصص بطب الإدمان والصحة العامة، فباشر الأخير بعلاجها تحت سرية تامة مراعاة لتقاليد المجتمع، حتى تمكن من تخليصها من الإدمان بعد أن تعاطت المخدرات طيلة شهرين.

ترويج مقابل جرعات

قبل أربع سنوات، اضطر “ع.س” إلى ترك المدرسة والتفرغ للعمل من أجل إعالة أسرته الفقيرة، فوالده متوفى ووالدته غير قادرة على العمل لدواع صحية، وهو أكبر شقيقاته وأشقائه.

كان عمره 11 عاماً عندما ترك الدراسة واتجه إلى العمل، وبالنسبة لصبي في هذا العمر لن تكون حياة الشوارع آمنة.

التقى من خلال عمله بصبيان بات يصفهم لاحقاً بـ”أصدقاء السوء”، فهم ورطوه في الإدمان على مادة “الكريستال” المخدرة التي يحصلون عليها من مروجين لا يردعهم رادع عن بيعها للأطفال.

ولأن الصبي لا يملك المال الكافي لشراء هذه المادة، استغله المزودون في ترويجها مقابل الحصول على جرعات يومية منها.

“كنت جالساً ذات يوم بين أفراد أسرتي في منزلنا بكربلاء فسمعت خبراً عن اعتقال عصابة تتاجر بالكريستال في المحافظة، فأصابني ذعر شديد” قال لـ”جمّار”.

خشي من أن يكون بعض أفراد هذه العصابة من المتعاملين معه فيذكرون اسمه أمام الشرطة، وخشي أيضاً من فقدان مصدر حصوله على المخدرات.

وتجنباً لتعرضه للملاحقة القانونية وزجه في سجن الأحداث وبقاء أسرته بلا معيل، سلّم نفسه إلى أقرب مركز شرطة من منزله.

بعثته الشرطة إلى دائرة مرتبطة بهيأة الرعاية الاجتماعية لعدم وجود مركز متخصص بمعالجة المدمنين في كربلاء، وبعد سنتين سلمته هذه الدائرة إلى مركز صحي في بغداد متخصص بمعالجة المدمنين القاصرين.

يبلغ الصبي حالياً 15 عاماً، وهو ما زال يخضع للعلاج من الإدمان في هذا المركز.

وعندما سلم نفسه للشرطة، ساعدها في إلقاء القبض على جميع من كان يعرفهم من المروجين، فكانت جائزته إرساله إلى دائرة الرعاية من دون إيداعه الحبس.

استقبل المركز خلال السنتين الماضيتين 77 قاصراً من كلا الجنسين، وهؤلاء تتم إحالتهم بعد اكتمال مرحلة العلاج التي تمتد إلى 25 يوماً إلى مراكز التدريب المهني التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية من أجل تأهيلهم وتعليمهم حرفة تجعلهم فاعلين في المجتمع بعد انتهاء مدة علاجهم.

“أتعلم حالياً مهنة النجارة وأعتزم العودة إلى مقاعد الدراسة العام المقبل” قال الصبي.

“جهات خفية”

وبينما حالف الحظ الفتاة والصبي في التخلص سريعاً من كمّاشة الإدمان، ما زالت المخدرات في كربلاء -كما في مدن عراقية أخرى- واسعة الانتشار.

تعلن الدولة بين الحين والآخر الاستيلاء على آلاف الأطنان من أشكال المُخدرات المختلفة.

في عام 2020 تم ضبط ثلاثة ملايين حبة مخدرة و20 كيلوغراماً من مادة الكريستال، وفي 2021 تم ضبط نحو مليون حبة مخدرة وسبعة كيلوغرامات من الكريستال، ومنذ بداية عام 2022 حتى الآن تم إلقاء القبض على خمسة تجار رئيسيين للمخدرات و37 مروجاً و244 متعاطياً، بحسب وزارة الداخلية.

تقول شرطة كربلاء إن هذه العمليات ساهمت بانخفاض كبير في حيازة وترويج المواد المخدرة بأنواعها كافة، ووفرت معلومات مهمة عن تجار كبار.

“جهات خفية تدير شبكات المتاجرة والترويج” قال العقيد إحسان الأسدي مدير قسم العلاقات والإعلام في مديرية شرطة كربلاء.

وفي زنزانتين صغيرتين داخل أحد مراكز الشرطة وسط كربلاء، يتكدس 112 رجلاً مستلقين جميعهم على الأرض، اتهم 90 بالمئة منهم بحيازة وتعاطي المخدرات.

وضغط ارتفاع أعداد المقبوض عليهم بتهم المخدرات على السجون ومراكز الشرطة غير المؤهلة لاستقبال هكذا نوع من المتهمين وبأعداد كبيرة.

“المشكلة أن أغلب من يدخل السجن بتهمة التعاطي يخرج مروجاً وتاجراً للمخدرات” قال المحامي حميد الكربلائي لـ”جمّار”.

وما يزيد الأمر سوءاً هو أن مادة الكريستال صارت تصنع محلياً داخل العراق بعد أن كانت تستورد، ما جعل سعرها منخفضاً ومتاحاً لمختلف الشرائح.

“العراق أرخص بلد بأسعار مادة الكريستال لأننا تعلمنا كيف نصنعها” قال “ع.غ” المحتجز لدى شرطة كربلاء بتهمة المتاجرة بالمخدرات.

ألقي القبض على هذا المحتجز (43 عاماً) مع 20 من المروجين، وقد كان الشبان في الأعمار بين 19 و29 عاماً أكثر من يتعامل معهم من الزبائن.

ووفقاً له، يبلغ سعر الغرام الواحد من مادة الكريستال خمسة آلاف دينار فقط، بينما كان يباع في عام 2010 بمئة دولار.

وصفة منزلية

تهاوى السعر إلى هذا المستوى المنخفض لأنهم صاروا يصنعون المادة في المنازل بواسطة أدوية مخدرة وبعض التركيبات الكيميائية المتوفرة في السوق ومواد تضفي اللون الأبيض وتجعلها كقطع البلور.

يتم مزج هذا الخليط استناداً إلى وصفة باعها متاجرون.

تؤكد الأمم المتحدة هذه المعلومة في تقرير نشرته في شباط 2021 ذكرت فيه أن مخدر “الكريستال ميث” أصبح يصنع سراً داخل العراق بعد أن كان يدخل سابقاً عن طريق إيران.

وإضافة إلى الكريستال، تلقى مواد أخرى مثل الحشيشة وحبوب 01 و”الزومبي” رواجاً كبيراً بين المتعاطين، كما يقول “ع.غ”.

ومن أجل دخول سوق المتعاطيات، استعان بعض المتاجرين بزوجاتهم.

“ع.غ” فعل ذلك وآخرون غيره.

تمكنا من التواصل مع السجينة “د.ج” ذات الـ33 عاماً، التي كان زوجها يجلب لها المواد المخدرة لتبيعها على النساء.

لم تكن تواجه صعوبة في إقناع النساء اللواتي يعانين من مشاكل زوجية وأسرية بأن الحل السحري يمكن شراؤه.

باعت كميات كبيرة قبل أن تنصب الشرطة كميناً لها وتعتقلها. وهي حالياً تقضي محكوميتها في السجن المركزي للنساء في بابل، بينما يقبع زوجها في سجن آخر.

وتقر بأنها كانت سبباً في طلاق نساء كثيرات و”خراب بيوت”.

“أطفالي مشردون الآن. لا أهلي ولا أهل زوجي يستقبلونهم لأنهم يرون أننا جلبنا لهم العار” قالت لنا.

فقراء وعاطلون

تشير تنقيبات المتخصصين والجهات الحكومية إلى أن الظروف المعيشية والاقتصادية تمثل أقوى أسباب التوجه لتعاطي المخدرات.

قالت إيناس كريم، رئيسة منظمة “نقاهة” لمعالجة إدمان المخدرات، إن “انتشار البطالة وضعف الرادع والعقاب الرسمي، وضعف عمليات التفتيش والمراقبة وصعوبة السيطرة على الحدود بين المحافظات، عوامل مهمة لانتشار المواد المخدرة”.

وأضافت أن مؤسسات التأهيل والعلاج والإصلاح غير كفوءة وغير كافية لاحتواء هذه الأعداد المهولة.

وتظهر إحصاءات حكومية أن 75 بالمئة من المتعاطين يسكنون المناطق الفقيرة والعشوائيات، وأن 95 بالمئة منهم عاطلون عن العمل ومتسربون من المدارس.

وترى كريم أن الحل المناسب لمكافحة المخدرات هو استغلال الطاقات الشبابية بالشكل الأمثل وتشديد العقوبات على المتاجرين بها.

كما أن منظمتها تعمل على مشروع للتعاون مع وزارة التربية من أجل إدخال مواد دراسية في المناهج، وبالأخص الابتدائية والمتوسطة، تساهم في التثقيف ضد المخدرات.

 أُنجزت هذه المادة في إطار برنامج بتنظيم من الجامعة الأميركية في بيروت ودعم من منظمة “دعم الإعلام الدولي” International Media Support

تُنشر بالتزامن مع “أوان

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

أوصدت “د.س” باب غرفتها جيداً وأحكمت إغلاق الستائر، فهي بصدد القيام بتجربة لم تختبرها من قبل، كما أنها على وشك الدخول في عالم لا يمكن الخروج منه إلا بثمن باهظ.

كانت تنظر إلى ما في كفها وصدى كلمات صديقتها في المدرسة يتردد داخل رأسها “هاي الحباية اسمها زومبي”، واحتاجت برهة ونفساً عميقاً قبل أن تتخذ قرارها بابتلاع الحبة والالتحاق بقوافل المدمنات والمدمنين.

كان المعنى المعروف لـ”الزومبي” لدى الفتاة ذات الـ17 ربيعاً يشير إلى الجثث البشرية المتحركة القاتلة التي تظهر في الأفلام والمسلسلات الأجنبية، لكنها هذه المرة تتعامل مع حبة دوائية ذات لون مائل إلى الوردي على أنها زومبي.

هذه الحبة هي العقار المخدر U-47700، المعروف أيضاً باسم بنك (Pink) أو بنكي (Pinky) أو U4، واكتسب تسمية الزومبي على ما يبدو لأنها تسلب وعي متعاطيها بطريقة شرسة.

تشكو “د.س” من التعرض لضغوط دراسية وتعنيف منزلي جلبا لها الاكتئاب، حتى أنها كانت تنزوي بعيداً عن زميلاتها في إحدى مدارس كربلاء حيث تسكن مع أسرتها، وقد مثّلت حالتها هذه ثغرة لإحدى الصديقات نفذت من خلالها إلى عقل الفتاة المنكسرة لتجرها نحو طريق المخدرات.

أقنعتها الصديقة بأن حبة الزومبي ستحل جميع مشكلاتها وتريح أعصابها وتنسيها همومها، ومنحتها حبة التجريب مجاناً لتعرف ما إذا كان وصف مفعولها دقيقاً أم لا.

عندما ابتلعت “د.س” الحبة شعرت بأنها خفيفة جداً راغبة بالطيران، كما شعرت بنشوة لم يسبق أن جرّبتها منذ أن فتحت عينيها على الحياة.

“لم أعد أتذكر شيئاً في تلك الليلة، حتى أنني كنت لا أتذكر اسمي” قالت الفتاة لـ”جمّار”.

وذهبت في صباح اليوم التالي إلى صديقتها للحصول على المزيد، لكن الأخيرة طلبت المال مقابل الحبوب، فأعطتها ما كانت تملك.

بدأت بعد ذلك تسرق من أمها لشراء الحبوب.

اكتشفت الأم أن المستوى الدراسي لابنتها بدأ بالتراجع وأن هناك أموالاً تنقص من محفظتها الخاصة، وعندما أكثرت الأسئلة عليها، اعترفت لها بأنها تتعاطى المواد المخدرة، لكنها تكتمت على هوية صديقتها التي تزودها بها.

هرعت الأم إلى شقيقها الطبيب المتخصص بطب الإدمان والصحة العامة، فباشر الأخير بعلاجها تحت سرية تامة مراعاة لتقاليد المجتمع، حتى تمكن من تخليصها من الإدمان بعد أن تعاطت المخدرات طيلة شهرين.

ترويج مقابل جرعات

قبل أربع سنوات، اضطر “ع.س” إلى ترك المدرسة والتفرغ للعمل من أجل إعالة أسرته الفقيرة، فوالده متوفى ووالدته غير قادرة على العمل لدواع صحية، وهو أكبر شقيقاته وأشقائه.

كان عمره 11 عاماً عندما ترك الدراسة واتجه إلى العمل، وبالنسبة لصبي في هذا العمر لن تكون حياة الشوارع آمنة.

التقى من خلال عمله بصبيان بات يصفهم لاحقاً بـ”أصدقاء السوء”، فهم ورطوه في الإدمان على مادة “الكريستال” المخدرة التي يحصلون عليها من مروجين لا يردعهم رادع عن بيعها للأطفال.

ولأن الصبي لا يملك المال الكافي لشراء هذه المادة، استغله المزودون في ترويجها مقابل الحصول على جرعات يومية منها.

“كنت جالساً ذات يوم بين أفراد أسرتي في منزلنا بكربلاء فسمعت خبراً عن اعتقال عصابة تتاجر بالكريستال في المحافظة، فأصابني ذعر شديد” قال لـ”جمّار”.

خشي من أن يكون بعض أفراد هذه العصابة من المتعاملين معه فيذكرون اسمه أمام الشرطة، وخشي أيضاً من فقدان مصدر حصوله على المخدرات.

وتجنباً لتعرضه للملاحقة القانونية وزجه في سجن الأحداث وبقاء أسرته بلا معيل، سلّم نفسه إلى أقرب مركز شرطة من منزله.

بعثته الشرطة إلى دائرة مرتبطة بهيأة الرعاية الاجتماعية لعدم وجود مركز متخصص بمعالجة المدمنين في كربلاء، وبعد سنتين سلمته هذه الدائرة إلى مركز صحي في بغداد متخصص بمعالجة المدمنين القاصرين.

يبلغ الصبي حالياً 15 عاماً، وهو ما زال يخضع للعلاج من الإدمان في هذا المركز.

وعندما سلم نفسه للشرطة، ساعدها في إلقاء القبض على جميع من كان يعرفهم من المروجين، فكانت جائزته إرساله إلى دائرة الرعاية من دون إيداعه الحبس.

استقبل المركز خلال السنتين الماضيتين 77 قاصراً من كلا الجنسين، وهؤلاء تتم إحالتهم بعد اكتمال مرحلة العلاج التي تمتد إلى 25 يوماً إلى مراكز التدريب المهني التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية من أجل تأهيلهم وتعليمهم حرفة تجعلهم فاعلين في المجتمع بعد انتهاء مدة علاجهم.

“أتعلم حالياً مهنة النجارة وأعتزم العودة إلى مقاعد الدراسة العام المقبل” قال الصبي.

“جهات خفية”

وبينما حالف الحظ الفتاة والصبي في التخلص سريعاً من كمّاشة الإدمان، ما زالت المخدرات في كربلاء -كما في مدن عراقية أخرى- واسعة الانتشار.

تعلن الدولة بين الحين والآخر الاستيلاء على آلاف الأطنان من أشكال المُخدرات المختلفة.

في عام 2020 تم ضبط ثلاثة ملايين حبة مخدرة و20 كيلوغراماً من مادة الكريستال، وفي 2021 تم ضبط نحو مليون حبة مخدرة وسبعة كيلوغرامات من الكريستال، ومنذ بداية عام 2022 حتى الآن تم إلقاء القبض على خمسة تجار رئيسيين للمخدرات و37 مروجاً و244 متعاطياً، بحسب وزارة الداخلية.

تقول شرطة كربلاء إن هذه العمليات ساهمت بانخفاض كبير في حيازة وترويج المواد المخدرة بأنواعها كافة، ووفرت معلومات مهمة عن تجار كبار.

“جهات خفية تدير شبكات المتاجرة والترويج” قال العقيد إحسان الأسدي مدير قسم العلاقات والإعلام في مديرية شرطة كربلاء.

وفي زنزانتين صغيرتين داخل أحد مراكز الشرطة وسط كربلاء، يتكدس 112 رجلاً مستلقين جميعهم على الأرض، اتهم 90 بالمئة منهم بحيازة وتعاطي المخدرات.

وضغط ارتفاع أعداد المقبوض عليهم بتهم المخدرات على السجون ومراكز الشرطة غير المؤهلة لاستقبال هكذا نوع من المتهمين وبأعداد كبيرة.

“المشكلة أن أغلب من يدخل السجن بتهمة التعاطي يخرج مروجاً وتاجراً للمخدرات” قال المحامي حميد الكربلائي لـ”جمّار”.

وما يزيد الأمر سوءاً هو أن مادة الكريستال صارت تصنع محلياً داخل العراق بعد أن كانت تستورد، ما جعل سعرها منخفضاً ومتاحاً لمختلف الشرائح.

“العراق أرخص بلد بأسعار مادة الكريستال لأننا تعلمنا كيف نصنعها” قال “ع.غ” المحتجز لدى شرطة كربلاء بتهمة المتاجرة بالمخدرات.

ألقي القبض على هذا المحتجز (43 عاماً) مع 20 من المروجين، وقد كان الشبان في الأعمار بين 19 و29 عاماً أكثر من يتعامل معهم من الزبائن.

ووفقاً له، يبلغ سعر الغرام الواحد من مادة الكريستال خمسة آلاف دينار فقط، بينما كان يباع في عام 2010 بمئة دولار.

وصفة منزلية

تهاوى السعر إلى هذا المستوى المنخفض لأنهم صاروا يصنعون المادة في المنازل بواسطة أدوية مخدرة وبعض التركيبات الكيميائية المتوفرة في السوق ومواد تضفي اللون الأبيض وتجعلها كقطع البلور.

يتم مزج هذا الخليط استناداً إلى وصفة باعها متاجرون.

تؤكد الأمم المتحدة هذه المعلومة في تقرير نشرته في شباط 2021 ذكرت فيه أن مخدر “الكريستال ميث” أصبح يصنع سراً داخل العراق بعد أن كان يدخل سابقاً عن طريق إيران.

وإضافة إلى الكريستال، تلقى مواد أخرى مثل الحشيشة وحبوب 01 و”الزومبي” رواجاً كبيراً بين المتعاطين، كما يقول “ع.غ”.

ومن أجل دخول سوق المتعاطيات، استعان بعض المتاجرين بزوجاتهم.

“ع.غ” فعل ذلك وآخرون غيره.

تمكنا من التواصل مع السجينة “د.ج” ذات الـ33 عاماً، التي كان زوجها يجلب لها المواد المخدرة لتبيعها على النساء.

لم تكن تواجه صعوبة في إقناع النساء اللواتي يعانين من مشاكل زوجية وأسرية بأن الحل السحري يمكن شراؤه.

باعت كميات كبيرة قبل أن تنصب الشرطة كميناً لها وتعتقلها. وهي حالياً تقضي محكوميتها في السجن المركزي للنساء في بابل، بينما يقبع زوجها في سجن آخر.

وتقر بأنها كانت سبباً في طلاق نساء كثيرات و”خراب بيوت”.

“أطفالي مشردون الآن. لا أهلي ولا أهل زوجي يستقبلونهم لأنهم يرون أننا جلبنا لهم العار” قالت لنا.

فقراء وعاطلون

تشير تنقيبات المتخصصين والجهات الحكومية إلى أن الظروف المعيشية والاقتصادية تمثل أقوى أسباب التوجه لتعاطي المخدرات.

قالت إيناس كريم، رئيسة منظمة “نقاهة” لمعالجة إدمان المخدرات، إن “انتشار البطالة وضعف الرادع والعقاب الرسمي، وضعف عمليات التفتيش والمراقبة وصعوبة السيطرة على الحدود بين المحافظات، عوامل مهمة لانتشار المواد المخدرة”.

وأضافت أن مؤسسات التأهيل والعلاج والإصلاح غير كفوءة وغير كافية لاحتواء هذه الأعداد المهولة.

وتظهر إحصاءات حكومية أن 75 بالمئة من المتعاطين يسكنون المناطق الفقيرة والعشوائيات، وأن 95 بالمئة منهم عاطلون عن العمل ومتسربون من المدارس.

وترى كريم أن الحل المناسب لمكافحة المخدرات هو استغلال الطاقات الشبابية بالشكل الأمثل وتشديد العقوبات على المتاجرين بها.

كما أن منظمتها تعمل على مشروع للتعاون مع وزارة التربية من أجل إدخال مواد دراسية في المناهج، وبالأخص الابتدائية والمتوسطة، تساهم في التثقيف ضد المخدرات.

 أُنجزت هذه المادة في إطار برنامج بتنظيم من الجامعة الأميركية في بيروت ودعم من منظمة “دعم الإعلام الدولي” International Media Support

تُنشر بالتزامن مع “أوان