"أيادٍ على الزناد".. جولة في سوق الأسلحة السوداء في العراق

مصطفى سعدون

05 تشرين الثاني 2022

في العراق نحو 7 ملايين و500 ألف قطعة سلاح منتشرة بين المدنيين العراقيين، بينما تحتل البلاد المرتبة 153 من أصل 200 دولة، في امتلاك المدنيين لأسلحة خاصة بهم..

منذ نهاية آب الماضي، صار عمر الراوي (37 عاماً) أكثر انخراطاً في سوق السلاح السوداء، وأخذ يبحث عن عتاد لبندقيته الكلاشنكوف لتخزينه في منزله في جانب الكرخ من العاصمة بغداد. 

 لم يمتلك الراوي يوماً “القنابل اليدوية” التي يُطلق عليها تسميّة “الرمانات” في اللهجة المحلية، لكنه صار يسأل الآن عن أسعارها. 

“بلّه بشرفكم الرمان جان محد يريده هسه صارت الوحدة بخمسة وعشرين ألف ويمكن أكثر”، قال ساخراً وهو يتحدّث إلى مجموعة من أصدقائه في مقهى. تحوّل محور حديث الجلسة عن الأسلحة، وارتفاع الطلب عليها، وبالتالي ارتفاع أسعارها. 

الأسلحة التي يسأل عنها الشباب البغدادي ويحاول شراءها يريد من خلالها الحفاظ على حياته وعائلته إذا ما اندلع أي صراع مسلح في العاصمة العراقية. 

ومثله عراقيون كثر صاروا يحرصون على حيازة قطعة سلاح واحدة على الأقل في منازلهم، وذلك نتيجة الاضطرابات السياسية والأمنية التي تعيشها البلاد طيلة أكثر من نصف قرن. 

الأزمة السياسية زادت الطلب على السلاح 

عززت الأزمة السياسية في البلاد الرعب في قلوب العراقيين، خاصة بعد حادثة التاسع والعشرين من آب عندما نشبت معركة بين قوة من سرايا السلام التابعة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وفصائل أخرى تابعة لخصومه مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق. 

 ومنذ أن توترت الأوضاع السياسية في العراق بعد انتخابات العاشر من تشرين الأول 2021 زادت احتمالية نشوب نزاع مسلح بين الحشد الشعبي والفصائل المسلحة (المقربان من إيران) وسرايا السلام، الجناح العسكري للتيار الصدري. 

 ولا ترتبط عملية شراء الأفراد للأسلحة لأنهم يريدون أن يكونوا طرفاً في أي صراع، بل على العكس، فإن هؤلاء يخشون انفلات الأمور، ويعتقدون أن وجود أسلحة في منازلهم قد تدفع عنهم الموت أو الأذى في حال اندلع الصراع. 

ليس تخصّص علي حميد (اسم مستعار)، وهو ضابط في وزارة الداخليّة، ملاحقة تجّار الأسلحة غير المرخصة، لكنه مهووس بمتابعة سوق السلاح وما يجري من مستجدّات فيها. 

“ارتفعت أسعار السلاح بشكل كبير بعد اقتحام المنطقة الخضراء من قبل التيار الصدري واشتباك أنصار الصدر مع فصائل مسلحة في الثامن والعشرين من آب الماضي” قال حميد. 

“رصاصة سلاح m4 كانت بـ 600 دينار عراقي تقريباً، لكنها وصلت إلى 1100 دينار عراقي”. 

“كانت بندقية M249 SAW بسعر 15000 دولار أميركي، لكنها صارت الآن بـ 22000 دولار أميركي. القنابل اليدوية -الرمانات- كانت الواحدة بـحوالي 20 دولارا تقريباً، لكنها الآن بـ40 دولاراً ولن تتوفر بسهولة”. 

 تنشط عملية بيع الأسلحة في مناطق شرقي بغداد، تحديداً في سوق “مريدي” بمدينة الصدر ذات الطابع العشائري والمسلح.  

عندما سقط نظام صدام حسين، كان بيع الأسلحة يجري في الشارع وبشكل علني، وبقيت هذه التجارة رائجة لأشهر ثم انتهت عندما اشترت السلطات المشتركة (العراقية – الأميركية) الأسلحة من المدنيين لضبط السلاح وتقليل الهجمات ضدها. 

 لكن ذلك لم يمنع انتشارها.

لتفاقم ظاهرة اقتناء الأسلحة بعد عام 2003 أسباب عديدة، وعلى رأسها غياب سلطة القانون وانتشار الجماعات المسلحة والتهديدات الإرهابية، فضلاً عن استعمال الأعراف العشائرية بين السكّان لحل نزاعاتهم. 

كل هذه محفزات دفعت العراقيين إلى شراء السلاح. 

 ومع وجود السلاح بكثرة، فقد تحوّل إلى أداة لتهديد وترهيب الآخرين، خاصة في المحافظات الجنوبية التي تكثر فيها النزاعات العشائرية وتستخدم فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة. 

تملك بعض العشائر أيضاً أسلحة ثقيلة، لكنها لم تستخدمها بعد. 

حصلت المنظومات القبلية هذه على الأسلحة الثقيلة مثل المدافع وقواعد الصواريخ ومقاومات الطائرات من معسكرات الجيش العراقي عندما سقط نظام صدام حسين في التاسع من نيسان 2003. 

وفقاً لموقع GunPolicy، الذي يوفّر قاعدة بيانات واسعة تخصّ الأسلحة، فإن في العراق نحو 7 ملايين و500 ألف قطعة سلاح منتشرة بين المدنيين العراقيين. 

ويحتل العراق المرتبة 153 من أصل 200 دولة، في امتلاك المدنيين لأسلحة خاصة بهم. 

رغم ذلك، فإن هذه الإحصائيات تبقى غير دقيقة، لأن الكثير من العائلات لا تكشف صراحة عن امتلاكها السلاح. 

سلاح العراق على “فيسبوك” 

نشّط استخدام العراقيين لموقع “الفيسبوك” من تجارة الأسلحة، إذ أُنشأت صفحات ومجموعات خاصة لتداول عمليات البيع. 

أصدرت وزارة الداخليّة مرّات عدّة بيانات أكدت من خلالها تعقّب عمليات بيع الأسلحة على مواقع التواصل الاجتماعي. 

وتمكنت من إلقاء القبض على أفراد محدودين، إلا أن التجارة بقيت رائجة. 

 أما شركة “ميتا” التي تدير “فيسبوك”، ووفق وثائق داخلية، أكدت افتقارها إلى القدرة على التعامل مع اللهجات العربية مثل اللهجات العراقية، وذلك في معرض حديثها عن الحدّ من عمليّات بيع الأسلحة على منصّتها. 

ويتحايل المتاجرون بالسلاح على مجموعات “فيسبوك” في عمليّات البيع، إذ أنهم لا يقومون بعرض الأسلحة في خانة المنشورات، وإنما في خانة التعليقات على منشور ما، وهو ما يصعّب عملية التعقّب أحياناً. 

سلاح قديم في سوق تنتعش 

فاقمت سياسات الحكومات المتعاقبة من ظاهرة انتشار السلاح بين السكّان، من خلال توزيع البنادق الرشاشة والمسدسات على شيوخ عشائر ومُقرّبين من السلطة. 

وكان نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق وزعيم ائتلاف دولة القانون، قد ذهب أبعد عندما منح تراخيص حيازة وحمل السلاح، خلال فترة توليه إدارة حكومتين على التوالي 2014 – 2006. 

وخلال فترة احتلال تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” لثلث مساحة البلاد في حزيران عام 2014، انتشر السلاح أكثر، ولم تسع الحكومة آنذاك لإنهاء ذلك، فهي كانت في حرب وتحتاج فيها لمتطوعين وأسلحة. 

كان السلاح المتداول بين المدنيين نوع (كلاشينكوف) على الأغلب، وهو سلاح الجيش العراقي السابق وكانت حكومة صدام حسين تستورده من حليفها (الاتحاد السوفيتي) وروسيا بعد انهياره نهاية القرن الماضي. 

أما الآن، فالأسلحة تعددت وتنوعت، وهناك قطع غاليّة. 

وما يزال “الكلاشينكوف” الأكثر طلباً، لكن بنادق G3 الألمانية وM4 الأمريكية صار عليها طلب كبير أيضاً. 

الفساد ينعش تجارة الأسلحة 

في كانون الأول 2021، فتحت الأجهزة الأمنية العراقية تحقيقاً مع ضابط بتهمة بيع أسلحة تبرّع بها التحالف الدولي إلى القوات المسلحة. 

كان الضابط يحمل رتبة مقدم في الجيش العراقي. 

قال قائد عسكري، في تصريح مقتضب لـ”جمار”، إن “الأسلحة التي باعها الضابط ذهبت إلى فصائل مسلحة وتجار في السوق السوداء”. 

“تجار الأسلحة ينتمون إلى فصائل مسلحة” يضيف القائد العسكري. 

لم تكشف الأجهزة الأمنية أو القضاء عن عدد الأسلحة التي تسرّبت إلى أسواق السلاح السوداء أو إلى مخازن الفصائل المسلحّة. 

تُخزّن الفصائل المسلحة عشرات آلاف القطع في أماكن غير رسمية، وداخل الأحياء السكنية. 

بين عامي 2016 و2022، وقع أكثر من 30 انفجاراً في مخازن الأسلحة والعتاد في بغداد وبعض المحافظات وخلفت عشرات القتلى والجرحى. 

على الرغم من إصدارها تعليمات مشدّدة، إلا أن الحكومات المتعاقبة لم تنجح في ضبط السلاح الذي يُطلق عليه تسمية “المنفلت”، بل ربما لم تسع بعضها إلى ضبطه بالأساس. 

وفيات الأسلحة 

لطالما رُبط السلاح بشخصية الفرد العراقي ورجولته، وكان في أحيان كثيرة سبباً في توريط أشخاص بالدخول إلى السجن نتيجة استخدامه في لحظة “إثبات الرجولة”. 

إلا أن الحال تعدّت هذا. 

فالسلاح صار يُستعمل على نطاق واسع، ولأتفه الأسباب في أحيان كثيرة. 

لقد ارتفع قتلى الحوادث الجنائية خلال الأعوام الماضية إلى أرقام مُرعبة. 

في عام 2019، كان معدل الوفيات الناجمة عن استخدام الأسلحة النارية في العراق أعلى منه الولايات المتحدة، والأعلى أيضاً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفقاً لإحصاءات جامعة واشنطن. 

الأرقام المخيفة هذه لا تعني الراوي ومن يمتلك مخاوفه ويجد أن السلاح في المنزل قد يوفّر حماية. 

في النهاية، اشترى الراوي “ست شواجير (مخزن عتاد) كلاشينكوف وأربع رمانات (قنابل يدوية)”، وثم اشترى بعدها “نص أخمس” (كلاشينكوف قصير) خشية حدوث أي نزاع مسلح يمتد إلى المدنيين.

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

منذ نهاية آب الماضي، صار عمر الراوي (37 عاماً) أكثر انخراطاً في سوق السلاح السوداء، وأخذ يبحث عن عتاد لبندقيته الكلاشنكوف لتخزينه في منزله في جانب الكرخ من العاصمة بغداد. 

 لم يمتلك الراوي يوماً “القنابل اليدوية” التي يُطلق عليها تسميّة “الرمانات” في اللهجة المحلية، لكنه صار يسأل الآن عن أسعارها. 

“بلّه بشرفكم الرمان جان محد يريده هسه صارت الوحدة بخمسة وعشرين ألف ويمكن أكثر”، قال ساخراً وهو يتحدّث إلى مجموعة من أصدقائه في مقهى. تحوّل محور حديث الجلسة عن الأسلحة، وارتفاع الطلب عليها، وبالتالي ارتفاع أسعارها. 

الأسلحة التي يسأل عنها الشباب البغدادي ويحاول شراءها يريد من خلالها الحفاظ على حياته وعائلته إذا ما اندلع أي صراع مسلح في العاصمة العراقية. 

ومثله عراقيون كثر صاروا يحرصون على حيازة قطعة سلاح واحدة على الأقل في منازلهم، وذلك نتيجة الاضطرابات السياسية والأمنية التي تعيشها البلاد طيلة أكثر من نصف قرن. 

الأزمة السياسية زادت الطلب على السلاح 

عززت الأزمة السياسية في البلاد الرعب في قلوب العراقيين، خاصة بعد حادثة التاسع والعشرين من آب عندما نشبت معركة بين قوة من سرايا السلام التابعة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وفصائل أخرى تابعة لخصومه مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق. 

 ومنذ أن توترت الأوضاع السياسية في العراق بعد انتخابات العاشر من تشرين الأول 2021 زادت احتمالية نشوب نزاع مسلح بين الحشد الشعبي والفصائل المسلحة (المقربان من إيران) وسرايا السلام، الجناح العسكري للتيار الصدري. 

 ولا ترتبط عملية شراء الأفراد للأسلحة لأنهم يريدون أن يكونوا طرفاً في أي صراع، بل على العكس، فإن هؤلاء يخشون انفلات الأمور، ويعتقدون أن وجود أسلحة في منازلهم قد تدفع عنهم الموت أو الأذى في حال اندلع الصراع. 

ليس تخصّص علي حميد (اسم مستعار)، وهو ضابط في وزارة الداخليّة، ملاحقة تجّار الأسلحة غير المرخصة، لكنه مهووس بمتابعة سوق السلاح وما يجري من مستجدّات فيها. 

“ارتفعت أسعار السلاح بشكل كبير بعد اقتحام المنطقة الخضراء من قبل التيار الصدري واشتباك أنصار الصدر مع فصائل مسلحة في الثامن والعشرين من آب الماضي” قال حميد. 

“رصاصة سلاح m4 كانت بـ 600 دينار عراقي تقريباً، لكنها وصلت إلى 1100 دينار عراقي”. 

“كانت بندقية M249 SAW بسعر 15000 دولار أميركي، لكنها صارت الآن بـ 22000 دولار أميركي. القنابل اليدوية -الرمانات- كانت الواحدة بـحوالي 20 دولارا تقريباً، لكنها الآن بـ40 دولاراً ولن تتوفر بسهولة”. 

 تنشط عملية بيع الأسلحة في مناطق شرقي بغداد، تحديداً في سوق “مريدي” بمدينة الصدر ذات الطابع العشائري والمسلح.  

عندما سقط نظام صدام حسين، كان بيع الأسلحة يجري في الشارع وبشكل علني، وبقيت هذه التجارة رائجة لأشهر ثم انتهت عندما اشترت السلطات المشتركة (العراقية – الأميركية) الأسلحة من المدنيين لضبط السلاح وتقليل الهجمات ضدها. 

 لكن ذلك لم يمنع انتشارها.

لتفاقم ظاهرة اقتناء الأسلحة بعد عام 2003 أسباب عديدة، وعلى رأسها غياب سلطة القانون وانتشار الجماعات المسلحة والتهديدات الإرهابية، فضلاً عن استعمال الأعراف العشائرية بين السكّان لحل نزاعاتهم. 

كل هذه محفزات دفعت العراقيين إلى شراء السلاح. 

 ومع وجود السلاح بكثرة، فقد تحوّل إلى أداة لتهديد وترهيب الآخرين، خاصة في المحافظات الجنوبية التي تكثر فيها النزاعات العشائرية وتستخدم فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة. 

تملك بعض العشائر أيضاً أسلحة ثقيلة، لكنها لم تستخدمها بعد. 

حصلت المنظومات القبلية هذه على الأسلحة الثقيلة مثل المدافع وقواعد الصواريخ ومقاومات الطائرات من معسكرات الجيش العراقي عندما سقط نظام صدام حسين في التاسع من نيسان 2003. 

وفقاً لموقع GunPolicy، الذي يوفّر قاعدة بيانات واسعة تخصّ الأسلحة، فإن في العراق نحو 7 ملايين و500 ألف قطعة سلاح منتشرة بين المدنيين العراقيين. 

ويحتل العراق المرتبة 153 من أصل 200 دولة، في امتلاك المدنيين لأسلحة خاصة بهم. 

رغم ذلك، فإن هذه الإحصائيات تبقى غير دقيقة، لأن الكثير من العائلات لا تكشف صراحة عن امتلاكها السلاح. 

سلاح العراق على “فيسبوك” 

نشّط استخدام العراقيين لموقع “الفيسبوك” من تجارة الأسلحة، إذ أُنشأت صفحات ومجموعات خاصة لتداول عمليات البيع. 

أصدرت وزارة الداخليّة مرّات عدّة بيانات أكدت من خلالها تعقّب عمليات بيع الأسلحة على مواقع التواصل الاجتماعي. 

وتمكنت من إلقاء القبض على أفراد محدودين، إلا أن التجارة بقيت رائجة. 

 أما شركة “ميتا” التي تدير “فيسبوك”، ووفق وثائق داخلية، أكدت افتقارها إلى القدرة على التعامل مع اللهجات العربية مثل اللهجات العراقية، وذلك في معرض حديثها عن الحدّ من عمليّات بيع الأسلحة على منصّتها. 

ويتحايل المتاجرون بالسلاح على مجموعات “فيسبوك” في عمليّات البيع، إذ أنهم لا يقومون بعرض الأسلحة في خانة المنشورات، وإنما في خانة التعليقات على منشور ما، وهو ما يصعّب عملية التعقّب أحياناً. 

سلاح قديم في سوق تنتعش 

فاقمت سياسات الحكومات المتعاقبة من ظاهرة انتشار السلاح بين السكّان، من خلال توزيع البنادق الرشاشة والمسدسات على شيوخ عشائر ومُقرّبين من السلطة. 

وكان نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق وزعيم ائتلاف دولة القانون، قد ذهب أبعد عندما منح تراخيص حيازة وحمل السلاح، خلال فترة توليه إدارة حكومتين على التوالي 2014 – 2006. 

وخلال فترة احتلال تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” لثلث مساحة البلاد في حزيران عام 2014، انتشر السلاح أكثر، ولم تسع الحكومة آنذاك لإنهاء ذلك، فهي كانت في حرب وتحتاج فيها لمتطوعين وأسلحة. 

كان السلاح المتداول بين المدنيين نوع (كلاشينكوف) على الأغلب، وهو سلاح الجيش العراقي السابق وكانت حكومة صدام حسين تستورده من حليفها (الاتحاد السوفيتي) وروسيا بعد انهياره نهاية القرن الماضي. 

أما الآن، فالأسلحة تعددت وتنوعت، وهناك قطع غاليّة. 

وما يزال “الكلاشينكوف” الأكثر طلباً، لكن بنادق G3 الألمانية وM4 الأمريكية صار عليها طلب كبير أيضاً. 

الفساد ينعش تجارة الأسلحة 

في كانون الأول 2021، فتحت الأجهزة الأمنية العراقية تحقيقاً مع ضابط بتهمة بيع أسلحة تبرّع بها التحالف الدولي إلى القوات المسلحة. 

كان الضابط يحمل رتبة مقدم في الجيش العراقي. 

قال قائد عسكري، في تصريح مقتضب لـ”جمار”، إن “الأسلحة التي باعها الضابط ذهبت إلى فصائل مسلحة وتجار في السوق السوداء”. 

“تجار الأسلحة ينتمون إلى فصائل مسلحة” يضيف القائد العسكري. 

لم تكشف الأجهزة الأمنية أو القضاء عن عدد الأسلحة التي تسرّبت إلى أسواق السلاح السوداء أو إلى مخازن الفصائل المسلحّة. 

تُخزّن الفصائل المسلحة عشرات آلاف القطع في أماكن غير رسمية، وداخل الأحياء السكنية. 

بين عامي 2016 و2022، وقع أكثر من 30 انفجاراً في مخازن الأسلحة والعتاد في بغداد وبعض المحافظات وخلفت عشرات القتلى والجرحى. 

على الرغم من إصدارها تعليمات مشدّدة، إلا أن الحكومات المتعاقبة لم تنجح في ضبط السلاح الذي يُطلق عليه تسمية “المنفلت”، بل ربما لم تسع بعضها إلى ضبطه بالأساس. 

وفيات الأسلحة 

لطالما رُبط السلاح بشخصية الفرد العراقي ورجولته، وكان في أحيان كثيرة سبباً في توريط أشخاص بالدخول إلى السجن نتيجة استخدامه في لحظة “إثبات الرجولة”. 

إلا أن الحال تعدّت هذا. 

فالسلاح صار يُستعمل على نطاق واسع، ولأتفه الأسباب في أحيان كثيرة. 

لقد ارتفع قتلى الحوادث الجنائية خلال الأعوام الماضية إلى أرقام مُرعبة. 

في عام 2019، كان معدل الوفيات الناجمة عن استخدام الأسلحة النارية في العراق أعلى منه الولايات المتحدة، والأعلى أيضاً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفقاً لإحصاءات جامعة واشنطن. 

الأرقام المخيفة هذه لا تعني الراوي ومن يمتلك مخاوفه ويجد أن السلاح في المنزل قد يوفّر حماية. 

في النهاية، اشترى الراوي “ست شواجير (مخزن عتاد) كلاشينكوف وأربع رمانات (قنابل يدوية)”، وثم اشترى بعدها “نص أخمس” (كلاشينكوف قصير) خشية حدوث أي نزاع مسلح يمتد إلى المدنيين.