السكري في كردستان: أقدام تُقطع و"العلاج قليل"

رشيد صوفي

25 تشرين الأول 2022

يحصد مرض السكري في إقليم كردستان أرواح الناس، ويتسبّب ببتر أطرافهم، وإقعادهم في منازلهم.. والأسباب الكثيرة والعلاجات قليلة..

كان عدنان مرقص يدير مقهىً شعبياً في زاخو أقصى شمال العراق، ويعيش حياة وادعة مع أسرته، عندما أحس ضُعفاً في بدنه.

أهمل الرجل، البالغ 59 عاماً، إحساسه بالتعب، ولم يراجع طبيباً أو مستشفى لإجراء الفحوصات، لكنه اضطر في نهاية الأمر إلى زيارة الطبيب بعدما ساءت حالته الصحية أكثر وهناك اكتشف إصابته بمرض السكري.

أظهرت الفحوصات أن الإصابة في مستويات متقدمة وضاعف تأخر تلقي العلاج خطرها، لذلك قرر الأطباء بتر قدمه اليسرى.

لم يرض مرقص في البداية بـ”الحل الطبي” آملاً إيجاد تلقي غير هذا الخيار المؤلم.

سافر إلى تركيا والهند، وكان رأي الأطباء واحد: ضرورة بتر الساق الملتهبة بشدة.

انصاع الرجل، بَيد أن معاناته لم تتوقف عند هذا الحد.

فالسكري أضرّ بكليته وأضعف بصر عينه اليسرى نتيجة إهماله إياه، وهو الآن يخضع لغسيل الكلى كل 3 أيام، تاركاً مقهاه مغلق ويجد صعوبة في إعالة أسرته.

“أكثر من 109 ألف” مصابين بالسكري في كردستان

يدير بلند حسن شرف مركزاً حكومياً لصناعة الأطراف الاصطناعية في محافظة دهوك (460 كلم شمال بغداد)، ويسكنها نحو مليون شخص، وفيها يقع قضاء زاخو.

تأسس المركز في بداية تسعينيات القرن الماضي، وكان أكثر قاصديه من ضحايا ألغام زرعها نظام صدام حسين على الحدود مع تركيا وسوريا.

قلّت أعداد هؤلاء و”انقلب الوضع”.

فقد صار أغلبية مراجعي المركز خلال السنوات القليلة الماضية هم من ضحايا مرض السكري، مثل عدنان مرقص، يليهم في المرتبة الثانية جرحى الانفجارات والحوادث الأخرى.

ركّب المركز الذي يديره شرف منذ عام 2016 ساقاً اصطناعية لمراجعيه، منها 537 قطعة وُضعت لأشخاص بترت أقدامهم بفعل السكري، وتزيد أعمار القسم الأكبر منهم عن الخمسين عاماً، و”جميعها قُدمت لهم بالمجان”.

وتفيد مصادر صحية في كردستان بتسجيل أكثر من 109 ألف مصاب بالسكري يتوزعون على مدنه الكبرى الثلاث: أكثر من 40 ألف مصاب في أربيل، وما يفوق 35 ألفاً في السليمانية و30 ألف آخرين في دهوك، بينهم أطفال.

غير أن بلند بيّار، مدير مركز علاج السكري في دهوك، يرجح وصول العدد الفعلي إلى 150 ألف مريض في حال إحصاء المصابين الذين يراجعون العيادات الخاصة ويتكلفون بتوفير العلاج لأنفسهم. ويقول إن الأرقام تتصاعد، وهو ما تؤكده وزارة الصحة في إقليم كردستان أيضاً.

النسبة مرتفعة في عموم العراق

يحدث مرض السكري عندما يعجز البنكرياس عن إنتاج الأنسولين، وهو هرمون يضبط مستوى السكر في الدم، بكمية كافية أو عندما يعجز الجسم عن الاستخدام الفعّال الأنسولين الذي ينتجه. كما وتفيد منظمة الصحة العالمية

ينجم المرض لأسباب بينها نمط الحياة الخامل ونوعية الطعام أو الصدمات وكذلك التاريخ العائلي مع المرض، إضافة للتدخين.

وهو يعد من الأسباب الرئيسة للعمى والفشل الكلوي والنوبات القلبية والسكتات الدماغية وبتر الأطراف السفلى. بالإضافة إلى ذلك، فإن تكاليف توفير رعاية لمدى الحياة لمرض السكري قد تمعن في إفقار ملايين الأسر ذات الدخل المنخفض، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.  

وقد ارتفع عدد المصابين بالسكري في العالم من 108 مليون شخص في عام 1980 إلى 422 مليوناً في عام 2014، وفق احصائيات المنظمة، التي أشارت أيضاً إلى أن مرض السكري يزداد انتشاره في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل بوتيرة أسرع من انتشاره في الدول ذات الدخل المرتفع.

وباعتبار العراق إحدى هذه الدول، فأعداد المصابين فيه تبلغ أكثر من 13.9 من البالغين، وفقاً لرسالةأوردها ممثل منظمة الصحة العالمية في العراق أدهم إسماعيل في 15 تشرين الثاني 2020، علاوة على “أن الكثيرين لا يعرفون أنهم مصابون به”.

وقد زادت الخطورة على مرضى السكري عندما تفشى فيروس “كورونا” في 2020، وانشغال الطواقم الطبية، في الوقت الذي لم تزد نسبتهم عن 22.5 ممرض لكل 10 آلاف شخص، بمواجهة الوباء الجديد. وصار السكري “يعد السبب الثاني للوفيات بين مرضى كوفيد – 19 في المستشفيات في العراق بعد أمراض الأوعية الدموية”، وفقاً لإسماعيل.

العلاج بين الغالي والتقليدي

وحتى في حال تشخيص المرض، فهناك عقبات كثيرة تتعلق بالعلاج. فنسبة توفير الأدوية للمصابين بالمرض تبلغ بين 30 – 55 بالمئة، حسب تقدير مدير مركز علاج السكري في دهوك، بلند بيّار، الذي يعتقد أنها نسبة جيدة. ومع ذلك يقول إنها ليست بالمستوى المطلوب وإن هناك حاجة للمزيد من الدعم والمساعدة، راجياً من الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان التدخل بفعالية أكبر.

نتيجة لنقص الدواء أو عدم ايمان به، يتوجه المرضى للمتاجر الشعبية التي تنتشر في مدن الإقليم مقدمة الأعشاب لـ”علاج” أمراض بينها السكري.

يملك أحمد برواري (40 عاماً) متجراً من هذا النوع في سوق “تيليسا” الشعبي القديم، ويشهد إقبالاً ملحوظاً، من قبل مرضى السكري. ويقدم متجره بعض الأعشاب لـ”التخفيف” من آثار المرض، منها أوراق التين والتوت و”عشبة برين” و”جياي” وغيرها.

يقول برواري إن أعشابه تخفضّ نسبة السكر في الدم، وتتراوح أسعارها بين 10 – 100 ألف دينار (قرابة 75 دولاراً أميركياً).

كان بيّار، وكذلك مدير مركز الأطراف الصناعية بلند حسن شرف، قد أخبرانا أن السكري يندر بين سكان المناطق الجبلية بسبب طبيعة حياتهم وحركتهم اليومية الكثيرة، فسألنا برواري عن ذلك.. فقال إن مرضاه القادمون من مناطق جبلية قليلون، ناصحاً إيانا بـ”الابتعاد إلى حد ما عن نمط الحياة العصرية” لتجنب السكري.

يتذكّر عدنان مرقص عندما قطع الأطباء في دهوك قدمه اليسرى. 

تسلّمها أقاربه الذين رافقوه في العملية، ومن ثم غسلوها ولفوها بقماش أبيض ثم دفنوها في إحدى مقابر زاخو.

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

كان عدنان مرقص يدير مقهىً شعبياً في زاخو أقصى شمال العراق، ويعيش حياة وادعة مع أسرته، عندما أحس ضُعفاً في بدنه.

أهمل الرجل، البالغ 59 عاماً، إحساسه بالتعب، ولم يراجع طبيباً أو مستشفى لإجراء الفحوصات، لكنه اضطر في نهاية الأمر إلى زيارة الطبيب بعدما ساءت حالته الصحية أكثر وهناك اكتشف إصابته بمرض السكري.

أظهرت الفحوصات أن الإصابة في مستويات متقدمة وضاعف تأخر تلقي العلاج خطرها، لذلك قرر الأطباء بتر قدمه اليسرى.

لم يرض مرقص في البداية بـ”الحل الطبي” آملاً إيجاد تلقي غير هذا الخيار المؤلم.

سافر إلى تركيا والهند، وكان رأي الأطباء واحد: ضرورة بتر الساق الملتهبة بشدة.

انصاع الرجل، بَيد أن معاناته لم تتوقف عند هذا الحد.

فالسكري أضرّ بكليته وأضعف بصر عينه اليسرى نتيجة إهماله إياه، وهو الآن يخضع لغسيل الكلى كل 3 أيام، تاركاً مقهاه مغلق ويجد صعوبة في إعالة أسرته.

“أكثر من 109 ألف” مصابين بالسكري في كردستان

يدير بلند حسن شرف مركزاً حكومياً لصناعة الأطراف الاصطناعية في محافظة دهوك (460 كلم شمال بغداد)، ويسكنها نحو مليون شخص، وفيها يقع قضاء زاخو.

تأسس المركز في بداية تسعينيات القرن الماضي، وكان أكثر قاصديه من ضحايا ألغام زرعها نظام صدام حسين على الحدود مع تركيا وسوريا.

قلّت أعداد هؤلاء و”انقلب الوضع”.

فقد صار أغلبية مراجعي المركز خلال السنوات القليلة الماضية هم من ضحايا مرض السكري، مثل عدنان مرقص، يليهم في المرتبة الثانية جرحى الانفجارات والحوادث الأخرى.

ركّب المركز الذي يديره شرف منذ عام 2016 ساقاً اصطناعية لمراجعيه، منها 537 قطعة وُضعت لأشخاص بترت أقدامهم بفعل السكري، وتزيد أعمار القسم الأكبر منهم عن الخمسين عاماً، و”جميعها قُدمت لهم بالمجان”.

وتفيد مصادر صحية في كردستان بتسجيل أكثر من 109 ألف مصاب بالسكري يتوزعون على مدنه الكبرى الثلاث: أكثر من 40 ألف مصاب في أربيل، وما يفوق 35 ألفاً في السليمانية و30 ألف آخرين في دهوك، بينهم أطفال.

غير أن بلند بيّار، مدير مركز علاج السكري في دهوك، يرجح وصول العدد الفعلي إلى 150 ألف مريض في حال إحصاء المصابين الذين يراجعون العيادات الخاصة ويتكلفون بتوفير العلاج لأنفسهم. ويقول إن الأرقام تتصاعد، وهو ما تؤكده وزارة الصحة في إقليم كردستان أيضاً.

النسبة مرتفعة في عموم العراق

يحدث مرض السكري عندما يعجز البنكرياس عن إنتاج الأنسولين، وهو هرمون يضبط مستوى السكر في الدم، بكمية كافية أو عندما يعجز الجسم عن الاستخدام الفعّال الأنسولين الذي ينتجه. كما وتفيد منظمة الصحة العالمية

ينجم المرض لأسباب بينها نمط الحياة الخامل ونوعية الطعام أو الصدمات وكذلك التاريخ العائلي مع المرض، إضافة للتدخين.

وهو يعد من الأسباب الرئيسة للعمى والفشل الكلوي والنوبات القلبية والسكتات الدماغية وبتر الأطراف السفلى. بالإضافة إلى ذلك، فإن تكاليف توفير رعاية لمدى الحياة لمرض السكري قد تمعن في إفقار ملايين الأسر ذات الدخل المنخفض، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.  

وقد ارتفع عدد المصابين بالسكري في العالم من 108 مليون شخص في عام 1980 إلى 422 مليوناً في عام 2014، وفق احصائيات المنظمة، التي أشارت أيضاً إلى أن مرض السكري يزداد انتشاره في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل بوتيرة أسرع من انتشاره في الدول ذات الدخل المرتفع.

وباعتبار العراق إحدى هذه الدول، فأعداد المصابين فيه تبلغ أكثر من 13.9 من البالغين، وفقاً لرسالةأوردها ممثل منظمة الصحة العالمية في العراق أدهم إسماعيل في 15 تشرين الثاني 2020، علاوة على “أن الكثيرين لا يعرفون أنهم مصابون به”.

وقد زادت الخطورة على مرضى السكري عندما تفشى فيروس “كورونا” في 2020، وانشغال الطواقم الطبية، في الوقت الذي لم تزد نسبتهم عن 22.5 ممرض لكل 10 آلاف شخص، بمواجهة الوباء الجديد. وصار السكري “يعد السبب الثاني للوفيات بين مرضى كوفيد – 19 في المستشفيات في العراق بعد أمراض الأوعية الدموية”، وفقاً لإسماعيل.

العلاج بين الغالي والتقليدي

وحتى في حال تشخيص المرض، فهناك عقبات كثيرة تتعلق بالعلاج. فنسبة توفير الأدوية للمصابين بالمرض تبلغ بين 30 – 55 بالمئة، حسب تقدير مدير مركز علاج السكري في دهوك، بلند بيّار، الذي يعتقد أنها نسبة جيدة. ومع ذلك يقول إنها ليست بالمستوى المطلوب وإن هناك حاجة للمزيد من الدعم والمساعدة، راجياً من الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان التدخل بفعالية أكبر.

نتيجة لنقص الدواء أو عدم ايمان به، يتوجه المرضى للمتاجر الشعبية التي تنتشر في مدن الإقليم مقدمة الأعشاب لـ”علاج” أمراض بينها السكري.

يملك أحمد برواري (40 عاماً) متجراً من هذا النوع في سوق “تيليسا” الشعبي القديم، ويشهد إقبالاً ملحوظاً، من قبل مرضى السكري. ويقدم متجره بعض الأعشاب لـ”التخفيف” من آثار المرض، منها أوراق التين والتوت و”عشبة برين” و”جياي” وغيرها.

يقول برواري إن أعشابه تخفضّ نسبة السكر في الدم، وتتراوح أسعارها بين 10 – 100 ألف دينار (قرابة 75 دولاراً أميركياً).

كان بيّار، وكذلك مدير مركز الأطراف الصناعية بلند حسن شرف، قد أخبرانا أن السكري يندر بين سكان المناطق الجبلية بسبب طبيعة حياتهم وحركتهم اليومية الكثيرة، فسألنا برواري عن ذلك.. فقال إن مرضاه القادمون من مناطق جبلية قليلون، ناصحاً إيانا بـ”الابتعاد إلى حد ما عن نمط الحياة العصرية” لتجنب السكري.

يتذكّر عدنان مرقص عندما قطع الأطباء في دهوك قدمه اليسرى. 

تسلّمها أقاربه الذين رافقوه في العملية، ومن ثم غسلوها ولفوها بقماش أبيض ثم دفنوها في إحدى مقابر زاخو.