ألف منزل "عشوائي" وثلاثة أنابيب طاقة وجرذان تهدد آثار بابل

زيد الأصيل

24 تشرين الأول 2022

أنابيب الغاز والنفط والمنازل العشوائية تخنق مدينة بابل الأثرية، أما في أنهارها فتعشعش الجرذان، وهو ما يهدد استمرارية إبقائها على لائحة اليونسكو للتراث العالمي

عندما أدرجت “اليونسكو” مدينة بابل الأثرية على لائحتها للتراث العالمي في تموز 2019، شعر علماء الآثار العراقيون، ومعهم المجتمع والسلطات، بارتياح وفخر. إذ عادة ما تسمو مثل هذه الخطوة بمكانة الموقع الأثري وتزيد من وعي المواطنين والحكومات للحفاظ عليه، والتي يمكن أن تتلقى “مساعدة مالية ومشورة خبراء من لجنة التراث العالمي لدعم أنشطة الحفاظ على مواقعها”، كما تشير اليونسكو.

لكن مدينة بابل الأثرية لم تحظ بمثل هذه الحماية من السلطات والسكان، ما بات يهدد إبقاءها على اللائحة، ناهيك عن تهديد إرثها وكينونتها الفعلية. 

موكب التاريخ والثقافة 

المدينة التي تقع على بعد 90 كلم جنوب العاصمة بغداد، وحدائقها المعلقة عُدّت واحدة من عجائب الدنيا السبع، يعرفها العالم أجمع. فبابل هي مركز الإمبراطورية البابلية الحديثة بين عامي 626 و539، وكانت قد توسعت في حينها حتى باتت أكبر مدينة في العالم آنذاك.

تضم بابل شواهد تعود لتلك الحقبة كـ”أسد بابل” وبوابة عشتار وشارع الموكب، إضافة إلى أسوار داخلية وخارجية. هناك سطّر حمورابي مسلّته القانونية، ومنها كان الملك نبوخذ نصّر ينطلق لشن غزواته الكبيرة. 

وهي من أشهر المواقع الأثرية في العراق وكان طلاب المدارس يؤخذون إليها للتنزه ويقصدها سيّاح من الداخل والخارج، لغاية أواخر الثمانينات قبل أن يقضي الحصار الدولي على السياحة في العراق.  

وأثار فيلم “بابل حبيبتي” فضول عرب لزيارة بابل، بعد أن اتخذ من المدينة مسرحاً لأحداثه في منتصف الثمانينات، وهو نتاج تعاون مصري عراقي من بطولة يحيى الفخراني وسماح أنور وهند كامل وسامي قفطان، وإخراج فيصل الياسري.

احتلال الآثار 

بيد أن بابل المدينة الأثرية، قد أهُملت منذ عقود بفعل الحروب والنزاعات التي شهدها العراق. 

في 2009، أصدرت اللجنة الفرعية الخاصة ببابل، المنبثقة عن لجنة التنسيق الدولية لحماية التراث الثقافي العراقي التابعة لليونسكو، تقريرها الخاص “بتقييم الأضرار في بابل“، وذلك بأعقاب استخدام المدينة كقاعدة عسكرية لـ”قوات التحالف”، وخصوصاً الأمريكية، إثر الغزو عام 2003 و2004.  

لإقامة تحصينات وإجراءات دفاعية للقاعدة العسكرية في بابل، قامت قوات الاحتلال والمقاولون المتعاقدون معها ببناء سواتر ترابية وكتل كونكريتية، وبأعمال حفر خنادق وحُفَر وقطع وإزالة طبقات من تلال ومساحات لم تجر أعمال تنقيب فيها ما يعني أنها قد تحتوي على آثار، وفي بعضها وُجدت آثار. إلى جانب أعمال قشط وتسوية بعض المساحات والتلال الأثرية التي كُسيت بالحصى والرمل وبعضها بالمواد الكيماوية. كما أحاطوا المدينة بالأسلاك الشائكة وأدخلوا الأوتاد الحديدية المثبتة لها في الأرض والتلال والجدران الأثرية.  

ألحقت هذه الأعمال أضرارا مباشرة وغير مباشرة جسيمة لمباني المدينة الأثرية، منها بوابة عشتار التي تضررت أجساد الحيوانات التي تزينها. كما تضرر شارع الموكب الذي كان الملك البابلي يسير عليه مع حاشيته ويصطف السكان على الجانبين لتحيته، والذي بدت “آثار عجلات الآليات الثقيلة واضحة والسحق واضح أيضاً على تبليط الشارع مما أدى إلى تهشمه”، وفقاً تقرير “تقييم الأضرار في بابل”. ناهيك عن وضع ثلاثة صفوف من الكتل الكونكريتية في وسط الشارع، والتي تزن ما يُقارب طنين اثنين والتي تم إيصالها بواسطة آليات هي نفسها ثقيلة!

لذلك وعندما رحلت القوات الأجنبية عن العراق في 2011، ثم سلّمت قوات عراقية مدينة بابل إلى سلطات الآثار بعد اتخاذها لفترة كموقع عسكري، استغرقت أعمال التنظيف أكثر من سنتين لرفع خلالها أطنان من النفايات والأنقاض والأسلاك الشائكة الممتدة على مساحة شاسعة، مع بقاء بعضها لأمد أطول. 

وكانت آثار بابل قد تعرضت لأضرار عديدة قبل 2003 أيضاً، جراء بناء خندق وأبنية ومنشآت حديثة مثل البحيرات والتلال الترابية التي أُطلق عليها أسماء “تموز” و”نيسان” و”صدام”، إضافة إلى القصر والأبنية المحيطة به والمطاعم والأبنية الخدمية وساحات وقوف السيارات. إلى ذلك يُضاف التجاوزات الناجمة عن النشاط الزراعي والتوسع العمراني التي أسفرت عن إزالة أجزاء من السور التاريخي، بموجب تقرير “تقييم الأضرار في بابل”. 

الضرر مستمر 

مع التوسع العمراني والنشاطات السكانية على مدى العقدين الأخيرين، زاد تحول التجاور ما بين السكان والآثار إلى تجاوز يهدد المدينة الأثرية، فثمة حوالي ألف منزل، الكثير منها عشوائي، بني بالتجاوز قرب الآثار. تقع 800 من هذه المنازل من جهة منطقة زوير الغربي وسنجار، بينما تنتشر عشرات غيرها في منطقة الجمجمة، وهي مناطق أثرية. 

بات “زحف الدور السكنية باتجاه الموقع” علامة خطر تهدد بإخراج بابل من لائحة التراث العالمي، وفقاً لقحطان عبد علي العبيد، الآثاري العراقي الذي ترأس فريق كتابة ملف قدمته بغداد إلى “اليونسكو”. وكحلّ لهذا، تفكر السلطات المعنية بالآثار استملاك هذه المنازل وتعويض مالكيها، والطلب من ساكني الدور المبنية بالتجاوز إخلاءها وإحالة بعضهم إلى القضاء، بحسب العبيدي.

لكن المشكلة الأكبر، تتمثل بأنابيب ثلاثة تخترق حدود المدينة، وفق مدير مفتشية الآثار في بابل حسين فليح. ينقل أحد هذه الأنابيب الغاز السائل من البصرة إلى بغداد منذ 1984، والآخر يستخدم لنقل النفط منذ 1976، أما الثالث فقد أنشأته السلطات لنقل النفط أيضاً في 2012، وجميعها تخترق السور الخارجي للمدينة الأثرية. 

 انفجر واحد من هذه الأنابيب في السبعينيات. وعندما مدّت وزارة النفط الأنبوب الثالث قبل 10 سنوات، اعترضت هيئة الآثار وتخوّفت من وقوع انفجار جديد يلحق الدمار بالمدينة. ويقول فليح، إن وزارة النفط وافقت على تحويل مسار الأنابيب لكنها حددت ذلك بظرف 10 حتى 15 سنة، “من أجل توفير الأموال واستملاك الأراضي” البديلة. 

يُضاف إلى ذلك تلوث نهر “اليهودية”، الذي يمتد في مدينة الحلة، مركز محافظة بابل، وهو مجرى مائي شقّه الملك حمورابي ليمر منه نابو ابن كبير الآلهة البابلية و”حامي المدينة” مردوخ، عندما يأتي لمحاسبة الملك على أعماله تجاه الشعب. كان الملوك البابليون يسلكون هذا المجرى في مواكب مهيبة تحف بها جموع المحتفلين بأعياد السنة الجديدة. 

أما اليوم فالنهر مليء بالنفايات وماؤه آسن. “من نهر اليهودية تخرج جرذان حجمها أكبر من ابني وتدخل إلى منازلنا”، قال رجل من سكان مدينة الحلة ظهر في تقرير مصوّر بثته قناة محلية في آذار الماضي. 

مساع حثيثة لإنقاذ المدينة الأثرية 

مثل كثيرين، أَمِل قحطان عبد علي العبيد، الآثاري العراقي الذي ترأس فريق كتابة ملف قدمته بغداد إلى “اليونسكو”، وعلى إثره أدُرجت المدينة على لائحة التراث العالمي، أن تفلح هذه الخطوة على الحفاظ على المدينة الأثرية وتحظى بحماية دولية تمنع تكرار ما حل بها في السنوات الأخيرة.

من جهتها، أفادت السلطات العراقية إنها تعمل على الإيفاء بمتطلبات إبقاء مدينة بابل على اللائحة العالمية، وكان البرلمان قد أقر في 2018 قانوناً جعلها العاصمة الحضارية لبلاد الرافدين وخصصّ لها 250 مليار دينار (أكثر من 170 مليون دولار). 

قال نائب المحافظ وسام أصلان إن 59 مليار التي تسلّمتها الإدارة المحلية في 2019، غطّت مشروع تأهيل المدينة الأثرية وتأهيل المسرح البابلي وإنشاء حدائق وممرات خشبية ووضع إنارة داخلية وخارجية، وإحاطتها بسور من الأسلاك المشبّكة تمتد على 30 كلم مع وضع علامات كونكريتية. 

وفي مساعيها للحد من التجاوزات وصيانة الآثار، حدثنا فليح عن عدد من المشاريع التي يعملون على تنفيذها. منها وجود أعمال صيانة في الوقت الحالي لبوابة عشتار، وكذلك برج يقع إلى شمال البوابة بدعم من “صندوق النُصُب العالمي“، وأعمال وقائية أخرى موّلتها واشنطن بـ5.5 مليون دولار. 

كما وضعت الهيئة العامة للآثار أكثر من 200 كاميرا مراقبة داخل المدينة موجهة نحو الشواخص الأثرية والأماكن القريبة منها. إلى جانب ذلك، “هناك مشروع آخر سينفذ في الأيام المقبلة لتأمين المحيط الخارجي للمدينة، وهي تدار من خلال غرفة عمليات واحدة شكلّتها مديرية الآثار”، بالإضافة إلى مشروع لتنظيف نهر “اليهودية”.

رغم هذه المساعي الحثيثة، فإن “العمل دون علم المنظمة (اليونسكو) أو عدم الالتزام بخطة الإدارة والصيانة داخل الموقع الأثري وإهمال العراق إرسال التقارير لفترات طويلة”، قد يشكل إحدى “علائم الخطر” وفقاً للعبيد، رئيس فريق إعداد ملف آثار بابل المقدم لـ”اليونسكو”. يمكن لهذه الأمور أن تدفع لعقد جلسة يصوت خلالها أعضاء لجنة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، على إدراج المدينة في لائحة الخطر.

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

عندما أدرجت “اليونسكو” مدينة بابل الأثرية على لائحتها للتراث العالمي في تموز 2019، شعر علماء الآثار العراقيون، ومعهم المجتمع والسلطات، بارتياح وفخر. إذ عادة ما تسمو مثل هذه الخطوة بمكانة الموقع الأثري وتزيد من وعي المواطنين والحكومات للحفاظ عليه، والتي يمكن أن تتلقى “مساعدة مالية ومشورة خبراء من لجنة التراث العالمي لدعم أنشطة الحفاظ على مواقعها”، كما تشير اليونسكو.

لكن مدينة بابل الأثرية لم تحظ بمثل هذه الحماية من السلطات والسكان، ما بات يهدد إبقاءها على اللائحة، ناهيك عن تهديد إرثها وكينونتها الفعلية. 

موكب التاريخ والثقافة 

المدينة التي تقع على بعد 90 كلم جنوب العاصمة بغداد، وحدائقها المعلقة عُدّت واحدة من عجائب الدنيا السبع، يعرفها العالم أجمع. فبابل هي مركز الإمبراطورية البابلية الحديثة بين عامي 626 و539، وكانت قد توسعت في حينها حتى باتت أكبر مدينة في العالم آنذاك.

تضم بابل شواهد تعود لتلك الحقبة كـ”أسد بابل” وبوابة عشتار وشارع الموكب، إضافة إلى أسوار داخلية وخارجية. هناك سطّر حمورابي مسلّته القانونية، ومنها كان الملك نبوخذ نصّر ينطلق لشن غزواته الكبيرة. 

وهي من أشهر المواقع الأثرية في العراق وكان طلاب المدارس يؤخذون إليها للتنزه ويقصدها سيّاح من الداخل والخارج، لغاية أواخر الثمانينات قبل أن يقضي الحصار الدولي على السياحة في العراق.  

وأثار فيلم “بابل حبيبتي” فضول عرب لزيارة بابل، بعد أن اتخذ من المدينة مسرحاً لأحداثه في منتصف الثمانينات، وهو نتاج تعاون مصري عراقي من بطولة يحيى الفخراني وسماح أنور وهند كامل وسامي قفطان، وإخراج فيصل الياسري.

احتلال الآثار 

بيد أن بابل المدينة الأثرية، قد أهُملت منذ عقود بفعل الحروب والنزاعات التي شهدها العراق. 

في 2009، أصدرت اللجنة الفرعية الخاصة ببابل، المنبثقة عن لجنة التنسيق الدولية لحماية التراث الثقافي العراقي التابعة لليونسكو، تقريرها الخاص “بتقييم الأضرار في بابل“، وذلك بأعقاب استخدام المدينة كقاعدة عسكرية لـ”قوات التحالف”، وخصوصاً الأمريكية، إثر الغزو عام 2003 و2004.  

لإقامة تحصينات وإجراءات دفاعية للقاعدة العسكرية في بابل، قامت قوات الاحتلال والمقاولون المتعاقدون معها ببناء سواتر ترابية وكتل كونكريتية، وبأعمال حفر خنادق وحُفَر وقطع وإزالة طبقات من تلال ومساحات لم تجر أعمال تنقيب فيها ما يعني أنها قد تحتوي على آثار، وفي بعضها وُجدت آثار. إلى جانب أعمال قشط وتسوية بعض المساحات والتلال الأثرية التي كُسيت بالحصى والرمل وبعضها بالمواد الكيماوية. كما أحاطوا المدينة بالأسلاك الشائكة وأدخلوا الأوتاد الحديدية المثبتة لها في الأرض والتلال والجدران الأثرية.  

ألحقت هذه الأعمال أضرارا مباشرة وغير مباشرة جسيمة لمباني المدينة الأثرية، منها بوابة عشتار التي تضررت أجساد الحيوانات التي تزينها. كما تضرر شارع الموكب الذي كان الملك البابلي يسير عليه مع حاشيته ويصطف السكان على الجانبين لتحيته، والذي بدت “آثار عجلات الآليات الثقيلة واضحة والسحق واضح أيضاً على تبليط الشارع مما أدى إلى تهشمه”، وفقاً تقرير “تقييم الأضرار في بابل”. ناهيك عن وضع ثلاثة صفوف من الكتل الكونكريتية في وسط الشارع، والتي تزن ما يُقارب طنين اثنين والتي تم إيصالها بواسطة آليات هي نفسها ثقيلة!

لذلك وعندما رحلت القوات الأجنبية عن العراق في 2011، ثم سلّمت قوات عراقية مدينة بابل إلى سلطات الآثار بعد اتخاذها لفترة كموقع عسكري، استغرقت أعمال التنظيف أكثر من سنتين لرفع خلالها أطنان من النفايات والأنقاض والأسلاك الشائكة الممتدة على مساحة شاسعة، مع بقاء بعضها لأمد أطول. 

وكانت آثار بابل قد تعرضت لأضرار عديدة قبل 2003 أيضاً، جراء بناء خندق وأبنية ومنشآت حديثة مثل البحيرات والتلال الترابية التي أُطلق عليها أسماء “تموز” و”نيسان” و”صدام”، إضافة إلى القصر والأبنية المحيطة به والمطاعم والأبنية الخدمية وساحات وقوف السيارات. إلى ذلك يُضاف التجاوزات الناجمة عن النشاط الزراعي والتوسع العمراني التي أسفرت عن إزالة أجزاء من السور التاريخي، بموجب تقرير “تقييم الأضرار في بابل”. 

الضرر مستمر 

مع التوسع العمراني والنشاطات السكانية على مدى العقدين الأخيرين، زاد تحول التجاور ما بين السكان والآثار إلى تجاوز يهدد المدينة الأثرية، فثمة حوالي ألف منزل، الكثير منها عشوائي، بني بالتجاوز قرب الآثار. تقع 800 من هذه المنازل من جهة منطقة زوير الغربي وسنجار، بينما تنتشر عشرات غيرها في منطقة الجمجمة، وهي مناطق أثرية. 

بات “زحف الدور السكنية باتجاه الموقع” علامة خطر تهدد بإخراج بابل من لائحة التراث العالمي، وفقاً لقحطان عبد علي العبيد، الآثاري العراقي الذي ترأس فريق كتابة ملف قدمته بغداد إلى “اليونسكو”. وكحلّ لهذا، تفكر السلطات المعنية بالآثار استملاك هذه المنازل وتعويض مالكيها، والطلب من ساكني الدور المبنية بالتجاوز إخلاءها وإحالة بعضهم إلى القضاء، بحسب العبيدي.

لكن المشكلة الأكبر، تتمثل بأنابيب ثلاثة تخترق حدود المدينة، وفق مدير مفتشية الآثار في بابل حسين فليح. ينقل أحد هذه الأنابيب الغاز السائل من البصرة إلى بغداد منذ 1984، والآخر يستخدم لنقل النفط منذ 1976، أما الثالث فقد أنشأته السلطات لنقل النفط أيضاً في 2012، وجميعها تخترق السور الخارجي للمدينة الأثرية. 

 انفجر واحد من هذه الأنابيب في السبعينيات. وعندما مدّت وزارة النفط الأنبوب الثالث قبل 10 سنوات، اعترضت هيئة الآثار وتخوّفت من وقوع انفجار جديد يلحق الدمار بالمدينة. ويقول فليح، إن وزارة النفط وافقت على تحويل مسار الأنابيب لكنها حددت ذلك بظرف 10 حتى 15 سنة، “من أجل توفير الأموال واستملاك الأراضي” البديلة. 

يُضاف إلى ذلك تلوث نهر “اليهودية”، الذي يمتد في مدينة الحلة، مركز محافظة بابل، وهو مجرى مائي شقّه الملك حمورابي ليمر منه نابو ابن كبير الآلهة البابلية و”حامي المدينة” مردوخ، عندما يأتي لمحاسبة الملك على أعماله تجاه الشعب. كان الملوك البابليون يسلكون هذا المجرى في مواكب مهيبة تحف بها جموع المحتفلين بأعياد السنة الجديدة. 

أما اليوم فالنهر مليء بالنفايات وماؤه آسن. “من نهر اليهودية تخرج جرذان حجمها أكبر من ابني وتدخل إلى منازلنا”، قال رجل من سكان مدينة الحلة ظهر في تقرير مصوّر بثته قناة محلية في آذار الماضي. 

مساع حثيثة لإنقاذ المدينة الأثرية 

مثل كثيرين، أَمِل قحطان عبد علي العبيد، الآثاري العراقي الذي ترأس فريق كتابة ملف قدمته بغداد إلى “اليونسكو”، وعلى إثره أدُرجت المدينة على لائحة التراث العالمي، أن تفلح هذه الخطوة على الحفاظ على المدينة الأثرية وتحظى بحماية دولية تمنع تكرار ما حل بها في السنوات الأخيرة.

من جهتها، أفادت السلطات العراقية إنها تعمل على الإيفاء بمتطلبات إبقاء مدينة بابل على اللائحة العالمية، وكان البرلمان قد أقر في 2018 قانوناً جعلها العاصمة الحضارية لبلاد الرافدين وخصصّ لها 250 مليار دينار (أكثر من 170 مليون دولار). 

قال نائب المحافظ وسام أصلان إن 59 مليار التي تسلّمتها الإدارة المحلية في 2019، غطّت مشروع تأهيل المدينة الأثرية وتأهيل المسرح البابلي وإنشاء حدائق وممرات خشبية ووضع إنارة داخلية وخارجية، وإحاطتها بسور من الأسلاك المشبّكة تمتد على 30 كلم مع وضع علامات كونكريتية. 

وفي مساعيها للحد من التجاوزات وصيانة الآثار، حدثنا فليح عن عدد من المشاريع التي يعملون على تنفيذها. منها وجود أعمال صيانة في الوقت الحالي لبوابة عشتار، وكذلك برج يقع إلى شمال البوابة بدعم من “صندوق النُصُب العالمي“، وأعمال وقائية أخرى موّلتها واشنطن بـ5.5 مليون دولار. 

كما وضعت الهيئة العامة للآثار أكثر من 200 كاميرا مراقبة داخل المدينة موجهة نحو الشواخص الأثرية والأماكن القريبة منها. إلى جانب ذلك، “هناك مشروع آخر سينفذ في الأيام المقبلة لتأمين المحيط الخارجي للمدينة، وهي تدار من خلال غرفة عمليات واحدة شكلّتها مديرية الآثار”، بالإضافة إلى مشروع لتنظيف نهر “اليهودية”.

رغم هذه المساعي الحثيثة، فإن “العمل دون علم المنظمة (اليونسكو) أو عدم الالتزام بخطة الإدارة والصيانة داخل الموقع الأثري وإهمال العراق إرسال التقارير لفترات طويلة”، قد يشكل إحدى “علائم الخطر” وفقاً للعبيد، رئيس فريق إعداد ملف آثار بابل المقدم لـ”اليونسكو”. يمكن لهذه الأمور أن تدفع لعقد جلسة يصوت خلالها أعضاء لجنة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، على إدراج المدينة في لائحة الخطر.