الشيطان يعظ في مزرعة الحيوانات 

مرتضى كزار

12 تشرين الثاني 2023

اليوم استبدلوا الجرذان بالخوارزميات، لا من أجل إعادة التوجيه التعبويّ فقط، بل لتخريب لغة الإنسان ومعجمه الثقافي أيضاً، ودفعه إلى ترميز كلماته طمعاً بتضليل الرقيب فصار واحدنا يؤذي لغته العربية برموز مثل هذه #$٪، وكل هذا التمويه يهدف، على ما يبدو، إلى طمطمة الواقع الأورويلي ليصبح من المتعذّر ملاحظته..

في خطبة ميشال كوتلر مبعوثة إسرائيل الخاصة للأمم المتحدة لما يسمونه بلجنة «مكافحة معاداة السامية»، تكرّرت عبارة الواقع الأورويلي مرتين، وهي تصف ما يحدث من تظاهرات في الجامعات الأمريكية ضد إسرائيل هذه الأيام بأنه دعاية سوفيتية تهدف إلى تكرار الهولوكوست ضد اليهود، لكن وعلى حد تعبيرها «لن نسمح بحدوث ذلك مرة أخرى».  

الواقع الأورويلي، عبارة مستوحاة من العوالم الافتراضية التي صنعها الروائي البريطاني جورج أرويل في رواية 1984 كناية عن سيطرة السلطة على اللغة، حيث الكلمات لا تعني معانيها، والناس مستعبدون لكنهم يتغنون بالحرية، والقواميس مقفلة أو مغلقة لأغراض الصيانة!   
دعاية السلطة تمتلك كل التفاسير وتحتكر صناعة الأمثلة، وتقترح الرواية مشروع «الكلام الجديد» كبديل عن كلام الناس، ونمط حديث من الثقافة، وبذلك تحمي نفسها من النقد، إذ أن تقنية الكلام الجديد لا تتوفر على أدوات نقد السلطة، بل نقد كل شيء سواها، كما أن تحديد ما هو الأخلاقي وغير الأخلاقي؛ رهن بيد المؤسسة الرسمية ومعاييرها السائلة. 

ليس السوفييت وحدهم من طالتهم نيران النقد الأورويلية، مجازات العام 1984 تنطبق على البروبغاندا النازية، فالرواية معنية بالسلوك الشمولي في أنظمة الحكم ورغبتها في السيطرة على أفكار الناس، لكن من هم الأورويليون حقاً، من أولئك الذين يتصرفون كما لو أنهم خرجوا للتو من الغلاف الخلفي لرواية 1984؟. 
تقول كوتلر إنّ قوانين حقوق الإنسان الخاصة بالأقليّات تطبّق على الجميع إلا على اليهود، تدعمون العدالة الاجتماعية والحريات والتنوعات الجندرية -تقصد المثلية والعبور الجنسي- لكنكم لا تشملون اليهود بهذه العناية.  

[بمن يذكرنا هذا الكلام؟، خطابات المتطرفين متشابهة في مؤداها لكن الباروكة مختلفة، إذا عرفنا أن كوتلر وحزبها من أشد الناس عداوة للمساواة والديمقراطية والحقوق الفردية!]. 

لا يبدو أن عالم اليوم ينتمي إلى كناية روائية كلاسيكية حصراً، لا أورويل ولا حيواناته. الأنظمة المعاصرة صنعت ما يلزم للتشويش على العمق الشمولي في جوهرها، لكن البحث عن الفيل في الغرفة لم يعد اليوم مهمة شاقة!، كان أورويل يروي ساخراً عن «وزارة الحب» في المجتمع الشمولي الذي تعالجه الرواية، وهي مؤسسة رسمية لا تعنى بالحب، قدر عنايتها بكل ما هو نقيض له، تنشط في التجسس على الأفراد وملاحقة أفكارهم وما يدور في رؤوسهم بواسطة جهازها «شرطة الأفكار»، ويتحدث عن الغرفة 101، غرفة التثقيف والحوار!؛ حيث يساق المعارضون أو المختلفون فكرياً لعملية إعادة توجيه تعبوي، تصاغ فيه أفكارهم من جديد وفق الصراط المستقيم للنظام، وما يحدث في آخر الأمر، هو ليس حواراً يغسل أدمغتهم من الأفكار العقلانية، بل أن ما ينتظرهم في الغرفة 101 هو قفص تحتشد داخله جرذان جائعة، ستتولى إعادة تثقيفهم معرفياً بحنان دون رعب ولا نووي!، تتعلق الجرذان بالضحايا وتنخر أمعاءهم. ولعل الفارق أنهم اليوم استبدلوا الجرذان بالخوارزميات، لا من أجل إعادة التوجيه التعبوي فقط، بل لتخريب لغة الإنسان ومعجمه الثقافي أيضاً، ودفعه إلى ترميز كلماته طمعاً بتضليل الرقيب فصار واحدنا يؤذي لغته العربية برموز مثل هذه #$٪، وكل هذا التمويه وتجديد الآليات: من الجرذان إلى الخوارزمية، يهدف، على ما يبدو، إلى طمطمة الواقع الأورويلي ليصبح من المتعذر ملاحظته. 

هل فشلت مجازات أورويل عن العام 1984 للبقاء على قيد الحياة في العام 2023؟. طيب، أن المجازات الأدبية مثل القوانين الاقتصادية والحتميات التاريخية التي يصوغها الفلاسفة، عدم تحققها في الغالب لا يعني فشلها، وقد يعني أننا قرأنا وتأهبنا لتلك اللحظة ومنعنا حدوثها أو تكرارها، الأنظمة الرأسمالية السفّاحة، التي تدير العالم مثل شركات ربحية، تحرص على مواراة واقعها الأورويلي، لأنها تفهمه جيداً، وتمهر في ملاعبته وإخفاء ذيله الطويل المزجج بالحراشف؛ الذي يظهر في لحظات اليقظة الجماهيرية، وفي حروب كابوسية مثل حرب غزّة. حينما يدرك الجميع أن الأخلاقيات المكتوبة على راية المحتل والمستعمر لا يمكن استعمالها في التحرر منه، هذه أخلاقه هو، مكتوب تحت العلبة: «لا يُصرف هذا الدواء للسود والسمر والشعوب غير البيضاء».  

وهكذا، كما تنتهي كل المجازات وتفرغ من حمولتها، أصبح جورج أورويل ومنذ وفاته، «ليلى كل الرجال»؛ يدعي الجميع الوصل بها، الفاشيون وضحاياهم معاً. 

وتضيف كوتلر أن اللائحة التي أصدرتها الأمم المتحدة في اعتبار الصهيونية حركة عنصرية عام 1975، هي المحرض الذي يدفع للتظاهر في الجامعات الأمريكية وبسببه أيضاً وُصفت إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري! وكيان وحشي.  

وحثت الجميع للعمل على تجريم نقد الصهيونية واعتبار الخطاب المضاد للصهيونية خطاباً معادياً للساميّة!، من أجل الحفاظ على «حضارتنا». 

وبحضارتنا يقصد اليمين المتطرف عادة حضارة الإنسان الأبيض المتفوق عرقياً. ودعت إلى مراجعة تغريدات خامنئي كمثال على معاداة الساميّة الصريحة وتمثيل جديد للواقع الأورويلي.  
متطرف ينطح متطرفاً، وشاكوش ينطح شاكوشاً لكن من يتكسر هي المسامير الملتحمة بينهما، ليس إلا.  

جورج أورويل، الاشتراكي الديمقراطي، يُتهم أحياناً بأنه أطلق النار على قدميه، وقدم للعالم أنموذجاً لنسف فرضياته هو. وعلى ما في هذه الرؤية من التباس يسيء فهم معتقدات أورويل السياسية، فأن الأدب كناية تعمل في كل الاتجاهات ورصاصاته تنطلق بزوايا دائرية حتى لو أصابت صاحبها. 
في مشهد رواه لي صديق عن إحدى التظاهرات في عاصمة أوروبية، رجل يبيع الأعلام الإسرائيلية والفلسطينية في الشارع ويضمهما بيد واحدة، ويحدث أن يصطف على طابوره لشراء العلم الخاص بهم متظاهرون من الجهتين، صهاينة وعرب، كلٌ يتسوق بضاعته من رجل واحد؛ لو دققنا النظر في وجهه لعلنا سنراه يشبه جورج أورويل، يبيع المجاز الذي أنتجه وهو يصف السلطات الشمولية. 

إذا كنّا نبحث عن أكثر الآداب معاداة للساميّة فلن نجد أفضل من العهد القديم، مثلما لن نجد أفضل من القرآن محرضاً على الإسلاموفوبيا، لا يبدو أن أورويل وحده متهم بما صار يعرف بجناية أورويل.  

منذ الشهور الأولى لانتخاب ترمب، نحت نشطاء حقوق الإنسان في إسرائيل مصطلحا أورويليا جديدا، مع أنه غير مذكور في روايات أورويل، وهو «الغسيل الوردي»، ويقصد به الإشارة إلى غسيل الدماغ الذي تجريه إسرائيل قبل أن تدخل ضحاياها إلى الغرفة 101، غسيل بارد، يشبه الحرية والخلاص والأمل، مع أنه لا يمت للحرية والخلاص والأمل بصلة. إذ تعمد إسرائيل إلى ترقية مفاهيم التنوع الجنسي وتحمي المجتمعات المثلية دعائياً، حتى أن اسم تل أبيب صار «عاصمة مثليي الشرق» تقريباً، مضافاً إلى اسمها الآخر: الديمقراطية الأولى في الشرق الأوسط!. يقول معرفو المصطلح -وهم ناشطون مثليون- بأنه يعبّر عن الخداع الثقافي، فالحريات لا تتجزأ مبدئياً، وكل تغطية على الإرهاب والاحتلال والتمييز العرقي تتم من خلال دعم مجتمعات المثليين المضطهدة في العالم العربي؛ هي نوع من الغسيل الوردي، وهو لا يصلح من أحوال المثليين بقدر ما يفضي إلى استعمالهم كدروع «لغوية» في قصف الأطفال والعزّل. والمصطلح مقتبس من مصطلح آخر ظهر في وادي السليكون عام 2010، اسمه الغسيل الأخضر، في إشارة إلى استغلال توصيات حماية البيئة في التسويق الجشع. 

يقول خنزير أورويل في مزرعة الحيوانات «الحيوانات جميعها سواسية، إلا أن هناك حيوانات سواسية أكثر من غيرها»!.  

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

في خطبة ميشال كوتلر مبعوثة إسرائيل الخاصة للأمم المتحدة لما يسمونه بلجنة «مكافحة معاداة السامية»، تكرّرت عبارة الواقع الأورويلي مرتين، وهي تصف ما يحدث من تظاهرات في الجامعات الأمريكية ضد إسرائيل هذه الأيام بأنه دعاية سوفيتية تهدف إلى تكرار الهولوكوست ضد اليهود، لكن وعلى حد تعبيرها «لن نسمح بحدوث ذلك مرة أخرى».  

الواقع الأورويلي، عبارة مستوحاة من العوالم الافتراضية التي صنعها الروائي البريطاني جورج أرويل في رواية 1984 كناية عن سيطرة السلطة على اللغة، حيث الكلمات لا تعني معانيها، والناس مستعبدون لكنهم يتغنون بالحرية، والقواميس مقفلة أو مغلقة لأغراض الصيانة!   
دعاية السلطة تمتلك كل التفاسير وتحتكر صناعة الأمثلة، وتقترح الرواية مشروع «الكلام الجديد» كبديل عن كلام الناس، ونمط حديث من الثقافة، وبذلك تحمي نفسها من النقد، إذ أن تقنية الكلام الجديد لا تتوفر على أدوات نقد السلطة، بل نقد كل شيء سواها، كما أن تحديد ما هو الأخلاقي وغير الأخلاقي؛ رهن بيد المؤسسة الرسمية ومعاييرها السائلة. 

ليس السوفييت وحدهم من طالتهم نيران النقد الأورويلية، مجازات العام 1984 تنطبق على البروبغاندا النازية، فالرواية معنية بالسلوك الشمولي في أنظمة الحكم ورغبتها في السيطرة على أفكار الناس، لكن من هم الأورويليون حقاً، من أولئك الذين يتصرفون كما لو أنهم خرجوا للتو من الغلاف الخلفي لرواية 1984؟. 
تقول كوتلر إنّ قوانين حقوق الإنسان الخاصة بالأقليّات تطبّق على الجميع إلا على اليهود، تدعمون العدالة الاجتماعية والحريات والتنوعات الجندرية -تقصد المثلية والعبور الجنسي- لكنكم لا تشملون اليهود بهذه العناية.  

[بمن يذكرنا هذا الكلام؟، خطابات المتطرفين متشابهة في مؤداها لكن الباروكة مختلفة، إذا عرفنا أن كوتلر وحزبها من أشد الناس عداوة للمساواة والديمقراطية والحقوق الفردية!]. 

لا يبدو أن عالم اليوم ينتمي إلى كناية روائية كلاسيكية حصراً، لا أورويل ولا حيواناته. الأنظمة المعاصرة صنعت ما يلزم للتشويش على العمق الشمولي في جوهرها، لكن البحث عن الفيل في الغرفة لم يعد اليوم مهمة شاقة!، كان أورويل يروي ساخراً عن «وزارة الحب» في المجتمع الشمولي الذي تعالجه الرواية، وهي مؤسسة رسمية لا تعنى بالحب، قدر عنايتها بكل ما هو نقيض له، تنشط في التجسس على الأفراد وملاحقة أفكارهم وما يدور في رؤوسهم بواسطة جهازها «شرطة الأفكار»، ويتحدث عن الغرفة 101، غرفة التثقيف والحوار!؛ حيث يساق المعارضون أو المختلفون فكرياً لعملية إعادة توجيه تعبوي، تصاغ فيه أفكارهم من جديد وفق الصراط المستقيم للنظام، وما يحدث في آخر الأمر، هو ليس حواراً يغسل أدمغتهم من الأفكار العقلانية، بل أن ما ينتظرهم في الغرفة 101 هو قفص تحتشد داخله جرذان جائعة، ستتولى إعادة تثقيفهم معرفياً بحنان دون رعب ولا نووي!، تتعلق الجرذان بالضحايا وتنخر أمعاءهم. ولعل الفارق أنهم اليوم استبدلوا الجرذان بالخوارزميات، لا من أجل إعادة التوجيه التعبوي فقط، بل لتخريب لغة الإنسان ومعجمه الثقافي أيضاً، ودفعه إلى ترميز كلماته طمعاً بتضليل الرقيب فصار واحدنا يؤذي لغته العربية برموز مثل هذه #$٪، وكل هذا التمويه وتجديد الآليات: من الجرذان إلى الخوارزمية، يهدف، على ما يبدو، إلى طمطمة الواقع الأورويلي ليصبح من المتعذر ملاحظته. 

هل فشلت مجازات أورويل عن العام 1984 للبقاء على قيد الحياة في العام 2023؟. طيب، أن المجازات الأدبية مثل القوانين الاقتصادية والحتميات التاريخية التي يصوغها الفلاسفة، عدم تحققها في الغالب لا يعني فشلها، وقد يعني أننا قرأنا وتأهبنا لتلك اللحظة ومنعنا حدوثها أو تكرارها، الأنظمة الرأسمالية السفّاحة، التي تدير العالم مثل شركات ربحية، تحرص على مواراة واقعها الأورويلي، لأنها تفهمه جيداً، وتمهر في ملاعبته وإخفاء ذيله الطويل المزجج بالحراشف؛ الذي يظهر في لحظات اليقظة الجماهيرية، وفي حروب كابوسية مثل حرب غزّة. حينما يدرك الجميع أن الأخلاقيات المكتوبة على راية المحتل والمستعمر لا يمكن استعمالها في التحرر منه، هذه أخلاقه هو، مكتوب تحت العلبة: «لا يُصرف هذا الدواء للسود والسمر والشعوب غير البيضاء».  

وهكذا، كما تنتهي كل المجازات وتفرغ من حمولتها، أصبح جورج أورويل ومنذ وفاته، «ليلى كل الرجال»؛ يدعي الجميع الوصل بها، الفاشيون وضحاياهم معاً. 

وتضيف كوتلر أن اللائحة التي أصدرتها الأمم المتحدة في اعتبار الصهيونية حركة عنصرية عام 1975، هي المحرض الذي يدفع للتظاهر في الجامعات الأمريكية وبسببه أيضاً وُصفت إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري! وكيان وحشي.  

وحثت الجميع للعمل على تجريم نقد الصهيونية واعتبار الخطاب المضاد للصهيونية خطاباً معادياً للساميّة!، من أجل الحفاظ على «حضارتنا». 

وبحضارتنا يقصد اليمين المتطرف عادة حضارة الإنسان الأبيض المتفوق عرقياً. ودعت إلى مراجعة تغريدات خامنئي كمثال على معاداة الساميّة الصريحة وتمثيل جديد للواقع الأورويلي.  
متطرف ينطح متطرفاً، وشاكوش ينطح شاكوشاً لكن من يتكسر هي المسامير الملتحمة بينهما، ليس إلا.  

جورج أورويل، الاشتراكي الديمقراطي، يُتهم أحياناً بأنه أطلق النار على قدميه، وقدم للعالم أنموذجاً لنسف فرضياته هو. وعلى ما في هذه الرؤية من التباس يسيء فهم معتقدات أورويل السياسية، فأن الأدب كناية تعمل في كل الاتجاهات ورصاصاته تنطلق بزوايا دائرية حتى لو أصابت صاحبها. 
في مشهد رواه لي صديق عن إحدى التظاهرات في عاصمة أوروبية، رجل يبيع الأعلام الإسرائيلية والفلسطينية في الشارع ويضمهما بيد واحدة، ويحدث أن يصطف على طابوره لشراء العلم الخاص بهم متظاهرون من الجهتين، صهاينة وعرب، كلٌ يتسوق بضاعته من رجل واحد؛ لو دققنا النظر في وجهه لعلنا سنراه يشبه جورج أورويل، يبيع المجاز الذي أنتجه وهو يصف السلطات الشمولية. 

إذا كنّا نبحث عن أكثر الآداب معاداة للساميّة فلن نجد أفضل من العهد القديم، مثلما لن نجد أفضل من القرآن محرضاً على الإسلاموفوبيا، لا يبدو أن أورويل وحده متهم بما صار يعرف بجناية أورويل.  

منذ الشهور الأولى لانتخاب ترمب، نحت نشطاء حقوق الإنسان في إسرائيل مصطلحا أورويليا جديدا، مع أنه غير مذكور في روايات أورويل، وهو «الغسيل الوردي»، ويقصد به الإشارة إلى غسيل الدماغ الذي تجريه إسرائيل قبل أن تدخل ضحاياها إلى الغرفة 101، غسيل بارد، يشبه الحرية والخلاص والأمل، مع أنه لا يمت للحرية والخلاص والأمل بصلة. إذ تعمد إسرائيل إلى ترقية مفاهيم التنوع الجنسي وتحمي المجتمعات المثلية دعائياً، حتى أن اسم تل أبيب صار «عاصمة مثليي الشرق» تقريباً، مضافاً إلى اسمها الآخر: الديمقراطية الأولى في الشرق الأوسط!. يقول معرفو المصطلح -وهم ناشطون مثليون- بأنه يعبّر عن الخداع الثقافي، فالحريات لا تتجزأ مبدئياً، وكل تغطية على الإرهاب والاحتلال والتمييز العرقي تتم من خلال دعم مجتمعات المثليين المضطهدة في العالم العربي؛ هي نوع من الغسيل الوردي، وهو لا يصلح من أحوال المثليين بقدر ما يفضي إلى استعمالهم كدروع «لغوية» في قصف الأطفال والعزّل. والمصطلح مقتبس من مصطلح آخر ظهر في وادي السليكون عام 2010، اسمه الغسيل الأخضر، في إشارة إلى استغلال توصيات حماية البيئة في التسويق الجشع. 

يقول خنزير أورويل في مزرعة الحيوانات «الحيوانات جميعها سواسية، إلا أن هناك حيوانات سواسية أكثر من غيرها»!.