"أزمة رصيف": مدنٌ للإنسان وليست للسيارات!
19 حزيران 2023
الرصيف في العراق مُستعمَر، ولا بدّ لمن يمشي في شوارعنا أن يحاول إيجاد توليفة مناسبة للسير عبر الرصيف، الذي يستعمره مئات الباعة وأصحاب المولدات والمطاعم، وبين السيارات المرصوفة في جانب الطريق، ثم الصف الثاني من السيارات المرصوفة، ثم السيارات التي تمشي في الشارع.. "أزمة رصيف" تفرّخ أزماتٍ عدّة في العراق..
على جسرِ الجمهورية وسط بغداد، من أمام بوابة المنطقة الخضراء، تُجبِر سيارة تمشي على الرصيف، رجلاً على النزول إلى الشارع، والسير بمحاذاة السيّارات.
عبث.
تنازل الرجل بسهولة عن المكان المخصّص للمشاة مثله. وقبل ذلك، تجرّأ سائق السيّارة على السير في مكان مخصص للمشاة وحدهم، ولا أحد غيرهم.
لكن الرصيف في العراق مُستعمَر، ولا بدّ لمن يمشي في شوارعنا أن يحاول إيجاد توليفة مناسبة للسير عبر الرصيف، الذي يستعمره مئات الباعة وأصحاب المولدات والمطاعم، وبين السيارات المرصوفة في جانب الطريق، ثم الصف الثاني من السيارات المرصوفة، ثم السيارات التي تمشي في الشارع.
وسط هذا كلّه، تبقى مساحة ضيقة متروكة للمشاة. ثم تأتي الكتل الكونكريتية، وأكوام القمامة، والغبار، الأمر الذي يجعل من عملية المحافظة على المظهر مهمة عصيّة. ولمن يرى المهمة صعبةً، عليهِ أن يستقلّ سيارة، وينشغل بهمٍّ آخر هو الزحامات، أو أن يغادر المدينة.
“شوارعنا تعاني أزمة رصيف” كما يقول أحد الأصدقاء.
مدنٌ بلا هدف، أو هوية
أزمة الرصيف تبدأ مع العراقي منذ طفولته، وتآلفه مع الشارع ينطلق عندما يطلق أقدامه للعب، حيث لا يجد مساحة كافية لحركته إلا على الإسفلت المخصّص للسيارات.
فالأحياء العراقيّة لم تأخذ بالاعتبار علاقة الطفل بحيّهِ، إذ ليست هناك ساحات وملاعب، وبالتالي يضطر للعب في المساحات المخصّصة لسير العجلات.
ثم يكبر الطفل، ويصبح كثير التنقل مشياً أو بواسطة دراجته الهوائية، ومرةً أخرى، لا رصيف واسعٌ غير مشغولٍ يمشي عليه، ولا مسارَ للدراجات فيستخدمه، فيضطر للمشي بين السياراتِ، معرضاً نفسه لخطر الدهس أو مجبراً ذويه على أن يشركوه بخط نقلٍ خاص.
خيارنا الوحيد
عند البلوغِ، سيصطدم العراقي بحقيقةٍ مرّة وهي أن السيارة هي خياره الوحيد للتنقل في الشوارع. فأحياؤنا الآن لا تصلح للمشاة، ولا تصلح للسيارات كذلك.
على سبيل المثال، عندما توسّعت بغداد الحديثة عمرانياً، صارت شوارعها أقلّ راحة لممارسة الأنشطة الخارجية.
شوارعنا “غير مؤثثة“، بتعبير مديرية المرور، ويقصد بأثاث الشارع الإنارة الليلية، والسياج الواقي والسياج الأمني، والعلامات والإرشادات والتخطيط وغيرها. فضلاً عن الخراب الذي يأكل الشوارع من تجاوزات ومطبات وتخسفات.
يؤثر هذا الأمر على صحّة السكّان الجسدية والنفسيّة، فقد توصّل باحثون أمريكيون يقودهم جيمس ساليز، أستاذ الطب في جامعة كاليفورنيا، إلى أن المدن المصممة بشكل سيئ، تؤثر بوضوحٍ على مستويات النشاط البدني للسكّان، وارتفاع معدلات السمنة وصحة القلب والأوعية الدموية.
بطبيعة الحال، تُظهر البيانات أن العراق يسير بسرعة جنونيّة إلى هذه الأمراض، ففي الإحصائية الوحيدة التي أصدرتها وزارة الصحّة عن السمنة في العراق، اتضح نحو ثُلثي السكّان، يعانون من البدانة.
تربية الشوارع
تعدّ جملة “تربية شوارع” شتيمة في العراق، لكن الحقيقة هي العكس، فالمدينة وشوارعها تربّي الإنسان ثقافياً وبصرياً واجتماعياً.
فشكل المدينة وشوارعها يشكّل الذكريات والمشاعر، وهو يحدد أيضاً السلوك الاجتماعي في الأماكن العامة، وفق سيثيا إم لو، أستاذة الأنثروبولوجيا الحضرية في جامعة بيركلي.
فالشوارع والأرصفة والأماكن العامة، يمكنها أن تؤثر على حركة المشاة، واللقاءات الاجتماعية، وتصورات السلامة. قد تشجع المساحة الحضرية المصممة جيداً والمشجعة على الأنشطة الحركية، كالمشي، التفاعلات الاجتماعية والمشاركة المجتمعية والشعور بالأمان، وبالتأكيد المشاركة السياسيّة في الشأن العام، في حين أن المساحات المصممة بشكل سيئ قد تحد من هذه السلوكيات.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للتكوين المكاني للمساحات الحضرية تشكيل أنماط الحركة، واستخدام الأراضي، والفصل الاجتماعي، والتي بدورها يمكن أن تؤثر على هويات وسلوكيات سكان المدن.
جاين جاكوبس، صحفية وناشطة أمريكية كندية، والتي كان لها تأثير في الدراسات الحضرية ونقدها، تقول إن الأحياء في المدن التي تحتوي على مرافق متنوعة، ومناشط تعتمد على المشي والانخراط الاجتماعي كالفرجة على واجهات المحال التجارية، واللقاء بالباعة، أفضل من الحياة المعتمدة على السيارات، والتسوّق من المولات، صحياً واجتماعياً.
المخيف الذي نعيشه
في العراق، نحن نتجه إلى أن نكون كلّ شيء يُحذِّر الخبراء من أن يصبح عليه البشر في حاضرهم ومستقبلهم. فالمؤسسات الخدميّة تأخذ الأرصفة من المارّة وتمنحها للسيارات، بينما لا توضع خطط لتطوير النقل العام، واقتراح وسائل نقل صديقة للبيئة.
لقد بلغ عدد السيارات في العراق نحو 7 ملايين و460 ألف سيارة حتى نهاية عام 2021، في زيادة بلغت 6 بالمئة عن العام السابق؛ وبمعدل 181 سيارة لكل ألف نسمة، بينما يبلغ عدد عربات “التكتك” ثلاثية الإطارات أكثر من مليون عربة.
ترتفع أعداد السيارات في أي مدينة تبعاً لظروف كثيرة، أهمها سعر الوقود، والحالة الاقتصادية، ومدى كفاءة وسائل النقل الأخرى. والنسبة المعبّرة أكثر عن حال شوارع بغداد هو ما يسمى بالكثافة المرورية، والتي تبلغ في بغداد التي يبلغ طول طرقها 829 كيلومتراً، وعدد سياراتها 3 ملايين سيارة، حوالي 3,363 سيارة لكل كيلومتر. وهي نسبة شديدة الارتفاع، وتنذر بكوارث بيئية واقتصادية.
مدنٌ للإنسان، لا للسيارات
مع تزايد خطر الاحتباس الحراري، وتلوّث المدن، وتفاقم مشاكل الزحام المروري المتعددة التي تتقدمها الحوادث المرورية، عاد المخططون الحضريون في كثير من دول العالم مرة أخرى لوضع تصوراتٍ لمدن دون سيارات، أو لمدنٍ تمنح طرقها للمشاة والدراجات ووسائل النقل العامة.
والنجاح في هذا التوجّه ليس مستحيلاً.
“قررنا إعادة تصميم المدينة للناس بدلاً من السيارات”، يروي ميغيل لوريس، رئيس بلدية مدينة بونتيفيدرا الإسبانية، الذي قررت مدينته أن تكون بلا سيارات منذ عام 1999.
نهج المدينة حسّن من جودة حياة وصحة الأفراد.
الحال هذه، التوجهُ إلى المدن الصديقة للبيئة ليس مجرد أفكار أوروبية مترفة، بل هو كذلك توجهٌ تبنَّته دولٌ خليجية في اطار رؤيتها للتحولِ من كونها دولاً نفطية، إلى شكل آخر أكثر استدامة: مدينة “لاين” السعودية صُمِّمت لتكون بلا سيارات، وخط المترو الذي أنشأته قطر ساهم بالحد من استخدام السيارات، والإمارات لديها توجه مشابه.
على العكس من ذلك، تذهب السياسة المتّبعة في العراق لحلِ مشكلة الكثافة المرورية العالية، إلى تقليل مساحة الأرصفة والجزرات الوسطية، الأمر الذي يجعل فرصة المشي في شوارع العراق، مهمة شاقة.
ما يحصل الآن هو تقليل المساحات الآمنة للمشاة، وبالتالي هو حُكم على سكان المدن بالخمول، والأنكى أن الخطط المُتبعة لن تحلّ مشكلةَ الزحام، بل ستزيدها تعقيداً، فزيادة صعوبة المشي، أو استخدام الدراجات الهوائية، سيزيد من اعتمادنا على السيارات، وبالتالي زحامٌ أكبر.
وحتّى بالنسبة لدوائر تخطّط المدن، فإن مشاريع التوسعة لن تُحدث فارقاً، وضررها أكبر من نفعها.
“لا أتفق مع هذه الحملة كون الأولوية في الشوارع الداخلية للمدن هي للإنسان وليست للآلات أو السيارات”، قال قابل حمود البركات، مدير تخطيط المثنى.
في النهاية، فإن الأنشطة الحركية كالمشي، ليست رياضةً أو خياراً إجبارياً مفروضاً على لفقراء فحسب، بل هو نشاط اجتماعي وسلوك يغير في حياة الإنسان والمجتمع.
ومنكم/ن نستفيد ونتعلم
هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media
اقرأ ايضاً
على جسرِ الجمهورية وسط بغداد، من أمام بوابة المنطقة الخضراء، تُجبِر سيارة تمشي على الرصيف، رجلاً على النزول إلى الشارع، والسير بمحاذاة السيّارات.
عبث.
تنازل الرجل بسهولة عن المكان المخصّص للمشاة مثله. وقبل ذلك، تجرّأ سائق السيّارة على السير في مكان مخصص للمشاة وحدهم، ولا أحد غيرهم.
لكن الرصيف في العراق مُستعمَر، ولا بدّ لمن يمشي في شوارعنا أن يحاول إيجاد توليفة مناسبة للسير عبر الرصيف، الذي يستعمره مئات الباعة وأصحاب المولدات والمطاعم، وبين السيارات المرصوفة في جانب الطريق، ثم الصف الثاني من السيارات المرصوفة، ثم السيارات التي تمشي في الشارع.
وسط هذا كلّه، تبقى مساحة ضيقة متروكة للمشاة. ثم تأتي الكتل الكونكريتية، وأكوام القمامة، والغبار، الأمر الذي يجعل من عملية المحافظة على المظهر مهمة عصيّة. ولمن يرى المهمة صعبةً، عليهِ أن يستقلّ سيارة، وينشغل بهمٍّ آخر هو الزحامات، أو أن يغادر المدينة.
“شوارعنا تعاني أزمة رصيف” كما يقول أحد الأصدقاء.
مدنٌ بلا هدف، أو هوية
أزمة الرصيف تبدأ مع العراقي منذ طفولته، وتآلفه مع الشارع ينطلق عندما يطلق أقدامه للعب، حيث لا يجد مساحة كافية لحركته إلا على الإسفلت المخصّص للسيارات.
فالأحياء العراقيّة لم تأخذ بالاعتبار علاقة الطفل بحيّهِ، إذ ليست هناك ساحات وملاعب، وبالتالي يضطر للعب في المساحات المخصّصة لسير العجلات.
ثم يكبر الطفل، ويصبح كثير التنقل مشياً أو بواسطة دراجته الهوائية، ومرةً أخرى، لا رصيف واسعٌ غير مشغولٍ يمشي عليه، ولا مسارَ للدراجات فيستخدمه، فيضطر للمشي بين السياراتِ، معرضاً نفسه لخطر الدهس أو مجبراً ذويه على أن يشركوه بخط نقلٍ خاص.
خيارنا الوحيد
عند البلوغِ، سيصطدم العراقي بحقيقةٍ مرّة وهي أن السيارة هي خياره الوحيد للتنقل في الشوارع. فأحياؤنا الآن لا تصلح للمشاة، ولا تصلح للسيارات كذلك.
على سبيل المثال، عندما توسّعت بغداد الحديثة عمرانياً، صارت شوارعها أقلّ راحة لممارسة الأنشطة الخارجية.
شوارعنا “غير مؤثثة“، بتعبير مديرية المرور، ويقصد بأثاث الشارع الإنارة الليلية، والسياج الواقي والسياج الأمني، والعلامات والإرشادات والتخطيط وغيرها. فضلاً عن الخراب الذي يأكل الشوارع من تجاوزات ومطبات وتخسفات.
يؤثر هذا الأمر على صحّة السكّان الجسدية والنفسيّة، فقد توصّل باحثون أمريكيون يقودهم جيمس ساليز، أستاذ الطب في جامعة كاليفورنيا، إلى أن المدن المصممة بشكل سيئ، تؤثر بوضوحٍ على مستويات النشاط البدني للسكّان، وارتفاع معدلات السمنة وصحة القلب والأوعية الدموية.
بطبيعة الحال، تُظهر البيانات أن العراق يسير بسرعة جنونيّة إلى هذه الأمراض، ففي الإحصائية الوحيدة التي أصدرتها وزارة الصحّة عن السمنة في العراق، اتضح نحو ثُلثي السكّان، يعانون من البدانة.
تربية الشوارع
تعدّ جملة “تربية شوارع” شتيمة في العراق، لكن الحقيقة هي العكس، فالمدينة وشوارعها تربّي الإنسان ثقافياً وبصرياً واجتماعياً.
فشكل المدينة وشوارعها يشكّل الذكريات والمشاعر، وهو يحدد أيضاً السلوك الاجتماعي في الأماكن العامة، وفق سيثيا إم لو، أستاذة الأنثروبولوجيا الحضرية في جامعة بيركلي.
فالشوارع والأرصفة والأماكن العامة، يمكنها أن تؤثر على حركة المشاة، واللقاءات الاجتماعية، وتصورات السلامة. قد تشجع المساحة الحضرية المصممة جيداً والمشجعة على الأنشطة الحركية، كالمشي، التفاعلات الاجتماعية والمشاركة المجتمعية والشعور بالأمان، وبالتأكيد المشاركة السياسيّة في الشأن العام، في حين أن المساحات المصممة بشكل سيئ قد تحد من هذه السلوكيات.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للتكوين المكاني للمساحات الحضرية تشكيل أنماط الحركة، واستخدام الأراضي، والفصل الاجتماعي، والتي بدورها يمكن أن تؤثر على هويات وسلوكيات سكان المدن.
جاين جاكوبس، صحفية وناشطة أمريكية كندية، والتي كان لها تأثير في الدراسات الحضرية ونقدها، تقول إن الأحياء في المدن التي تحتوي على مرافق متنوعة، ومناشط تعتمد على المشي والانخراط الاجتماعي كالفرجة على واجهات المحال التجارية، واللقاء بالباعة، أفضل من الحياة المعتمدة على السيارات، والتسوّق من المولات، صحياً واجتماعياً.
المخيف الذي نعيشه
في العراق، نحن نتجه إلى أن نكون كلّ شيء يُحذِّر الخبراء من أن يصبح عليه البشر في حاضرهم ومستقبلهم. فالمؤسسات الخدميّة تأخذ الأرصفة من المارّة وتمنحها للسيارات، بينما لا توضع خطط لتطوير النقل العام، واقتراح وسائل نقل صديقة للبيئة.
لقد بلغ عدد السيارات في العراق نحو 7 ملايين و460 ألف سيارة حتى نهاية عام 2021، في زيادة بلغت 6 بالمئة عن العام السابق؛ وبمعدل 181 سيارة لكل ألف نسمة، بينما يبلغ عدد عربات “التكتك” ثلاثية الإطارات أكثر من مليون عربة.
ترتفع أعداد السيارات في أي مدينة تبعاً لظروف كثيرة، أهمها سعر الوقود، والحالة الاقتصادية، ومدى كفاءة وسائل النقل الأخرى. والنسبة المعبّرة أكثر عن حال شوارع بغداد هو ما يسمى بالكثافة المرورية، والتي تبلغ في بغداد التي يبلغ طول طرقها 829 كيلومتراً، وعدد سياراتها 3 ملايين سيارة، حوالي 3,363 سيارة لكل كيلومتر. وهي نسبة شديدة الارتفاع، وتنذر بكوارث بيئية واقتصادية.
مدنٌ للإنسان، لا للسيارات
مع تزايد خطر الاحتباس الحراري، وتلوّث المدن، وتفاقم مشاكل الزحام المروري المتعددة التي تتقدمها الحوادث المرورية، عاد المخططون الحضريون في كثير من دول العالم مرة أخرى لوضع تصوراتٍ لمدن دون سيارات، أو لمدنٍ تمنح طرقها للمشاة والدراجات ووسائل النقل العامة.
والنجاح في هذا التوجّه ليس مستحيلاً.
“قررنا إعادة تصميم المدينة للناس بدلاً من السيارات”، يروي ميغيل لوريس، رئيس بلدية مدينة بونتيفيدرا الإسبانية، الذي قررت مدينته أن تكون بلا سيارات منذ عام 1999.
نهج المدينة حسّن من جودة حياة وصحة الأفراد.
الحال هذه، التوجهُ إلى المدن الصديقة للبيئة ليس مجرد أفكار أوروبية مترفة، بل هو كذلك توجهٌ تبنَّته دولٌ خليجية في اطار رؤيتها للتحولِ من كونها دولاً نفطية، إلى شكل آخر أكثر استدامة: مدينة “لاين” السعودية صُمِّمت لتكون بلا سيارات، وخط المترو الذي أنشأته قطر ساهم بالحد من استخدام السيارات، والإمارات لديها توجه مشابه.
على العكس من ذلك، تذهب السياسة المتّبعة في العراق لحلِ مشكلة الكثافة المرورية العالية، إلى تقليل مساحة الأرصفة والجزرات الوسطية، الأمر الذي يجعل فرصة المشي في شوارع العراق، مهمة شاقة.
ما يحصل الآن هو تقليل المساحات الآمنة للمشاة، وبالتالي هو حُكم على سكان المدن بالخمول، والأنكى أن الخطط المُتبعة لن تحلّ مشكلةَ الزحام، بل ستزيدها تعقيداً، فزيادة صعوبة المشي، أو استخدام الدراجات الهوائية، سيزيد من اعتمادنا على السيارات، وبالتالي زحامٌ أكبر.
وحتّى بالنسبة لدوائر تخطّط المدن، فإن مشاريع التوسعة لن تُحدث فارقاً، وضررها أكبر من نفعها.
“لا أتفق مع هذه الحملة كون الأولوية في الشوارع الداخلية للمدن هي للإنسان وليست للآلات أو السيارات”، قال قابل حمود البركات، مدير تخطيط المثنى.
في النهاية، فإن الأنشطة الحركية كالمشي، ليست رياضةً أو خياراً إجبارياً مفروضاً على لفقراء فحسب، بل هو نشاط اجتماعي وسلوك يغير في حياة الإنسان والمجتمع.