"بازل" فالح عبد الجبار
27 شباط 2024
شَكّلَت كتابات فالح عبد الجبار في الصحف، والأبحاث التي نشرها، ومن ثم صدور "العمامة والأفندي"، قِطَع البازل المفقودة في تاريخ أحزاب المعارضة.. لكن كيف؟
ظلّ تاريخ أحزاب المعارضة الإسلامية العراقيّة -بالنسبة للكثير منا نحن الجيل الذي ولد في أواسط وأواخر ثمانينات القرن الماضي- مثل لعبة البازل التي نحاول جمع قطعها لتركيب صورتها الشاملة. كان تقصّي حراك تلك الأحزاب مهمّة شاقّة، لا سيما وأن الكثير من القطع كانت ناقصة نتيجة للسنوات الطوال التي عاشتها هذه الأحزاب خارج البلاد متوزّعة على دول عديدة، فضلاً عن غياب أرشيف يؤسس لتاريخ المعارضة في ظل العملية السياسيّة الجديدة التي أُسست على أنقاض دولة حزب البعث بعد احتلال بغداد من قبل الولايات المتحدّة الأميركية في نيسان 2003. بيد أن كتابات فالح عبد الجبار في الصحف، والأبحاث التي نشرها، ومن ثم صدور “العمامة والأفندي – سوسيولوجيا خطاب وحركات الاحتجاج الديني” عن دار الجمل 2010، سرعان ما شَكّلَت قطع البازل المفقودة.
مثّل “العمامة والأفندي” مدخلاً مهمّاً لفهم حركات الإسلام السياسي بشقيّها الشيّعي والسُّني، خاصّة وهي التي ستحكم العراق، وسنضطر، كأفراد وناشطين وكتاب، فهمها وفهم جذورها وتحوّلاتها.
ونظراً لغلبة الصبغة الشيعية على المعارضة في العراق نتيجة لعوامل عديدة منها استهداف أحزابها من قبل نظام البعث على مراحل متفاوتة الأمر الذي ساعد بضخِّ أعداد وأسماء جديدة إليها، إضافة إلى تصاعد التطييف السياسي الذي خلّفته الحرب العراقيّة الإيرانية مطلع ثمانينيات القرن الماضي وحرب الخليج الأولى مطلع التسعينيات، نتيجة لهذا كلّه، ركّز الجهد البحثي لعبد الجبار في الكتاب على الشقّ الشيعي بشكل أكبر وأكثر عمقاً.
ولفترة غير قصيرة صار هذا الكتاب بمثابة الدليل الأساس، لنا نحن الكتّاب الشباب، للعلاقات المتشابكة بين الحركات السياسية الشيعية، وعلامات التغيّر التي طرأت عليها، ونقاط الاقتراب والتباعد في ما بينها، وخلافاتها الأيديولوجية التي سبقت وصولها إلى سدّة الحكم. فالكتاب يبحث ويحلّل (وفي الكثير من الأحيان يؤرخ) للتاريخ السياسي المعقّد للحركة السياسية الشيعية، وذلك قبل أن يتحوّل إلى تفكيك الصراعات العقائدية والسياسية والاقتصادية داخل الحوزة الدينية، وتأثيرها في الفعل السياسي، ومن ثم التمثيل السياسي للطائفة الشيعية وحركاتها الاحتجاجية في التاريخ الحديث الذي أعقب تشكّل الدولة العراقيّة الحديثة في عهد الانتداب البريطاني عام 1920.
وتكمن أهميّة عمل عبد الجبار البحثي في هذا السياق بأنه جاء من خارج منظومة الإسلام السياسي التي صَدَّرت منذ نشوئها مُنظّرين ومؤرخين لحركتها، وهيمنت الرؤية الداخلية للأحزاب الإسلامية لفترة طويلة على أنها المرجع الرئيس لفهم الواقع السياسي الشيعي، وكان من الصعب إدراك المتغيّرات التي طرأت على سياسات وفهم المجموعات السياسية الشيعية، قبل بروز عدد من الباحثين بمقدمتهم عبد الجبار، فساهم الحراك البحثي الجديد على تفكيك الرؤى والأفكار والأيديولوجية السياسيّة الشيعية.
في “العمامة والأفندي”، يشخّص فالح عبد الجبار خطأ جسيماً بمنظومة التفكير السياسي لدى الأحزاب التي ستمسك بزمام السلطة بعد احتلال البلاد عام 2003، وبات هذا الخطأ يكلّف العراق كثيراً من الأزمات والدماء في أحداث متعدّدة من بينها سقوط ثلث مساحة البلاد على يد تنظيم الدولة الإسلامية – “داعش” في حزيران عام 2014، ويتلّخص الخطأ بسيطرة فكرة “الانتقام” على الأحزاب الشيعية الخارجة للتو من هيمنة وملاحقة الدولة الشمولية بقيادة صدّام حسين، فضلاً عن تفسيرهم لـ”حكم الأغلبيّة” على أساس طائفي ديني، وبالتالي الهيمنة على السلطة وصبغها بأيديولوجيا طائفيّة أُحادية.
وتبرز أهميّة فالح عبد الجبار أيضاً بصون علميته، إذ انّه لم ينخرط في آراء لا تخضع لأي منطقٍ علمي تصنّف على أساسها الطوائف في العراق، مثلاً، ككتلة ثابتة وشاملة لها اتجاه سياسي موحّد ونمط اقتصادي محدّد، وهي الآراء التي تتنافى، بطبيعة الحال، مع منطق الأوضاع العراقيّة المعقّدة والمتشابكة.
كما لم يهمل عبد الجبار الجانب الاقتصادي الذي يُحدث تحوّلات كبيرة في المجتمعات، لكنه مثلما ظلّ ناقداً لليسار والماركسيّين العرب الذين وصفهم بـ”الجمود” لأكثر من مرّة بسبب استخدامهم التفاوت الطبقي كأرضيّة تكاد تكون وحيدة لفهم انبثاق الحركات السياسيّة من داخل المجتمعات، فإنه في “العمامة والأفندي” قدّم مثالاً عن كيفية الابتعاد عن هذا الجمود بعدم الاكتفاء بالمناهج الماركسية لفهم وتقييم المتغيّرات الاجتماعية والسياسية في العراق، وإسقاط فكرة الطبقات بكل حمولتها على المجتمع العراقي، من دون التعامل مع خصوصيته الاجتماعية والاقتصادية، وتعقيدات علاقاته البينية.
عبد الجبار، الذي كان شيوعياً ماركسيّاً في شبابه، دعا في أكثر من محاضرة ومقال إلى تطوير الفكر الماركسي، ظلّ شبح ماركس وأسلوبه يطاردانه. فبالإضافة إلى ترجمته “رأس المال” لكارل ماركس، فإن أسلوب ماركس في الاستعارة من الأدب للتدليل على الأحداث أو شرحها أو تبسيطها ظلّت حاضرة في كتاباته، وجهوده البحثية لا تكاد تخلو من الاستشهاد بالأعمال الروائية أو المشاهد المسرحيّة، على غرار أسلوب ماركس.
وواحدة من مميزات فالح عبد الجبّار أنه نقل أحلامه أو أعماله السّابقة في الكتابة إلى مجال البحث الأكاديمي، فهو الذي عمل صحافياً لأعوام طويلة، صارت المقابلات الكثيرة والطويلة جزءاً أساسياً من أعماله الأكاديمية. ويذكُر من عمل معه أكاديمياً كيف كان الصحفي الذي كان عليه سابقاً، يخرج فجأة من معطف الأكاديمي، ليطرح الأسئلة تلو الأخرى بفضول الصحافي الشاب. وعلى الجانب الآخر، فإن المقرّبين من عبد الجبّار، لطالما تحدّثوا عن حلمه في كتابة الأدب عندما كان شاباً، وعلى هذا الأساس، فإن لغة الأدب بقيت حاضرة في كتاباته، لاسيما عندما يكتب باللغة بالعربيّة التي تبدو عند عبد الجبار صافية ومختزلة، وتراكيب جمله القصيرة ظلّت تشدّ حّتى القراء الذين يستصعبون كتاباته، خاصّة النظريّة منها، ويجدون متعة كبيرة فيها.
في واقع الحال، فإن فالح عبد الجبار في الأعوام الأخيرة بدا وكأنّه يسابق الزمن محاولاً الإمساك بكل شيء، وكان هناك ما يشبه العودة إلى الكواليس السياسية التي هجرها حين كان شيوعياً، بإشراكه بلجنة تشكيل حكومة التكنوقراط التي انبثقت عن حركة الاحتجاج التي تضمّ المدنيين العراقيين والتيار الصدري بقيادة رجل الدين الشاب مقتدى الصدر. وهذه الخطوة جرّت النقد الكثير على عبد الجبار، خصوصاً وأنه سبق ووجه، لأكثر من مرّة، نقداً قاسياً للصدر، وهو ما فُسِّر على أنه تناقض عند عبد الجبار، لكنه بروحية الحِجاج، ردّ بتفسير وشرح هذا الأمر في أكثر من مناسبة.
ويبقى العزاء الأخير برحيل عبد الجبار بصدور كتابين له باللغة العربية، قبل رحيله بفترة قليلة يمكن عدّهما مكملين لـ”العمامة والأفندي” هما “كتاب الدولة – اللوياثان الجديد” و”دولة الخلافة.. التقدم إلى الماضي”، والذي يُشرِّح في الأوّل منهما الإشكالية التي أحاطت ببناء الدولة ومعطِّلات اكتمالها، فيما يقدّم في الثاني رؤيته عن سبب ظهور التنظيمات التكفيرية، ويرمي باللوم فيها على “الدولة الفاشلة” التي تتسبّب بهذا الخراب.
- نُشِرَ هذا المقال لأوّل مرة على موقع مركز الشرق الأوسط التابع لجامعة LSE في بريطانيا بتاريخ 15 تموز 2018.
ومنكم/ن نستفيد ونتعلم
هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media
اقرأ ايضاً
ظلّ تاريخ أحزاب المعارضة الإسلامية العراقيّة -بالنسبة للكثير منا نحن الجيل الذي ولد في أواسط وأواخر ثمانينات القرن الماضي- مثل لعبة البازل التي نحاول جمع قطعها لتركيب صورتها الشاملة. كان تقصّي حراك تلك الأحزاب مهمّة شاقّة، لا سيما وأن الكثير من القطع كانت ناقصة نتيجة للسنوات الطوال التي عاشتها هذه الأحزاب خارج البلاد متوزّعة على دول عديدة، فضلاً عن غياب أرشيف يؤسس لتاريخ المعارضة في ظل العملية السياسيّة الجديدة التي أُسست على أنقاض دولة حزب البعث بعد احتلال بغداد من قبل الولايات المتحدّة الأميركية في نيسان 2003. بيد أن كتابات فالح عبد الجبار في الصحف، والأبحاث التي نشرها، ومن ثم صدور “العمامة والأفندي – سوسيولوجيا خطاب وحركات الاحتجاج الديني” عن دار الجمل 2010، سرعان ما شَكّلَت قطع البازل المفقودة.
مثّل “العمامة والأفندي” مدخلاً مهمّاً لفهم حركات الإسلام السياسي بشقيّها الشيّعي والسُّني، خاصّة وهي التي ستحكم العراق، وسنضطر، كأفراد وناشطين وكتاب، فهمها وفهم جذورها وتحوّلاتها.
ونظراً لغلبة الصبغة الشيعية على المعارضة في العراق نتيجة لعوامل عديدة منها استهداف أحزابها من قبل نظام البعث على مراحل متفاوتة الأمر الذي ساعد بضخِّ أعداد وأسماء جديدة إليها، إضافة إلى تصاعد التطييف السياسي الذي خلّفته الحرب العراقيّة الإيرانية مطلع ثمانينيات القرن الماضي وحرب الخليج الأولى مطلع التسعينيات، نتيجة لهذا كلّه، ركّز الجهد البحثي لعبد الجبار في الكتاب على الشقّ الشيعي بشكل أكبر وأكثر عمقاً.
ولفترة غير قصيرة صار هذا الكتاب بمثابة الدليل الأساس، لنا نحن الكتّاب الشباب، للعلاقات المتشابكة بين الحركات السياسية الشيعية، وعلامات التغيّر التي طرأت عليها، ونقاط الاقتراب والتباعد في ما بينها، وخلافاتها الأيديولوجية التي سبقت وصولها إلى سدّة الحكم. فالكتاب يبحث ويحلّل (وفي الكثير من الأحيان يؤرخ) للتاريخ السياسي المعقّد للحركة السياسية الشيعية، وذلك قبل أن يتحوّل إلى تفكيك الصراعات العقائدية والسياسية والاقتصادية داخل الحوزة الدينية، وتأثيرها في الفعل السياسي، ومن ثم التمثيل السياسي للطائفة الشيعية وحركاتها الاحتجاجية في التاريخ الحديث الذي أعقب تشكّل الدولة العراقيّة الحديثة في عهد الانتداب البريطاني عام 1920.
وتكمن أهميّة عمل عبد الجبار البحثي في هذا السياق بأنه جاء من خارج منظومة الإسلام السياسي التي صَدَّرت منذ نشوئها مُنظّرين ومؤرخين لحركتها، وهيمنت الرؤية الداخلية للأحزاب الإسلامية لفترة طويلة على أنها المرجع الرئيس لفهم الواقع السياسي الشيعي، وكان من الصعب إدراك المتغيّرات التي طرأت على سياسات وفهم المجموعات السياسية الشيعية، قبل بروز عدد من الباحثين بمقدمتهم عبد الجبار، فساهم الحراك البحثي الجديد على تفكيك الرؤى والأفكار والأيديولوجية السياسيّة الشيعية.
في “العمامة والأفندي”، يشخّص فالح عبد الجبار خطأ جسيماً بمنظومة التفكير السياسي لدى الأحزاب التي ستمسك بزمام السلطة بعد احتلال البلاد عام 2003، وبات هذا الخطأ يكلّف العراق كثيراً من الأزمات والدماء في أحداث متعدّدة من بينها سقوط ثلث مساحة البلاد على يد تنظيم الدولة الإسلامية – “داعش” في حزيران عام 2014، ويتلّخص الخطأ بسيطرة فكرة “الانتقام” على الأحزاب الشيعية الخارجة للتو من هيمنة وملاحقة الدولة الشمولية بقيادة صدّام حسين، فضلاً عن تفسيرهم لـ”حكم الأغلبيّة” على أساس طائفي ديني، وبالتالي الهيمنة على السلطة وصبغها بأيديولوجيا طائفيّة أُحادية.
وتبرز أهميّة فالح عبد الجبار أيضاً بصون علميته، إذ انّه لم ينخرط في آراء لا تخضع لأي منطقٍ علمي تصنّف على أساسها الطوائف في العراق، مثلاً، ككتلة ثابتة وشاملة لها اتجاه سياسي موحّد ونمط اقتصادي محدّد، وهي الآراء التي تتنافى، بطبيعة الحال، مع منطق الأوضاع العراقيّة المعقّدة والمتشابكة.
كما لم يهمل عبد الجبار الجانب الاقتصادي الذي يُحدث تحوّلات كبيرة في المجتمعات، لكنه مثلما ظلّ ناقداً لليسار والماركسيّين العرب الذين وصفهم بـ”الجمود” لأكثر من مرّة بسبب استخدامهم التفاوت الطبقي كأرضيّة تكاد تكون وحيدة لفهم انبثاق الحركات السياسيّة من داخل المجتمعات، فإنه في “العمامة والأفندي” قدّم مثالاً عن كيفية الابتعاد عن هذا الجمود بعدم الاكتفاء بالمناهج الماركسية لفهم وتقييم المتغيّرات الاجتماعية والسياسية في العراق، وإسقاط فكرة الطبقات بكل حمولتها على المجتمع العراقي، من دون التعامل مع خصوصيته الاجتماعية والاقتصادية، وتعقيدات علاقاته البينية.
عبد الجبار، الذي كان شيوعياً ماركسيّاً في شبابه، دعا في أكثر من محاضرة ومقال إلى تطوير الفكر الماركسي، ظلّ شبح ماركس وأسلوبه يطاردانه. فبالإضافة إلى ترجمته “رأس المال” لكارل ماركس، فإن أسلوب ماركس في الاستعارة من الأدب للتدليل على الأحداث أو شرحها أو تبسيطها ظلّت حاضرة في كتاباته، وجهوده البحثية لا تكاد تخلو من الاستشهاد بالأعمال الروائية أو المشاهد المسرحيّة، على غرار أسلوب ماركس.
وواحدة من مميزات فالح عبد الجبّار أنه نقل أحلامه أو أعماله السّابقة في الكتابة إلى مجال البحث الأكاديمي، فهو الذي عمل صحافياً لأعوام طويلة، صارت المقابلات الكثيرة والطويلة جزءاً أساسياً من أعماله الأكاديمية. ويذكُر من عمل معه أكاديمياً كيف كان الصحفي الذي كان عليه سابقاً، يخرج فجأة من معطف الأكاديمي، ليطرح الأسئلة تلو الأخرى بفضول الصحافي الشاب. وعلى الجانب الآخر، فإن المقرّبين من عبد الجبّار، لطالما تحدّثوا عن حلمه في كتابة الأدب عندما كان شاباً، وعلى هذا الأساس، فإن لغة الأدب بقيت حاضرة في كتاباته، لاسيما عندما يكتب باللغة بالعربيّة التي تبدو عند عبد الجبار صافية ومختزلة، وتراكيب جمله القصيرة ظلّت تشدّ حّتى القراء الذين يستصعبون كتاباته، خاصّة النظريّة منها، ويجدون متعة كبيرة فيها.
في واقع الحال، فإن فالح عبد الجبار في الأعوام الأخيرة بدا وكأنّه يسابق الزمن محاولاً الإمساك بكل شيء، وكان هناك ما يشبه العودة إلى الكواليس السياسية التي هجرها حين كان شيوعياً، بإشراكه بلجنة تشكيل حكومة التكنوقراط التي انبثقت عن حركة الاحتجاج التي تضمّ المدنيين العراقيين والتيار الصدري بقيادة رجل الدين الشاب مقتدى الصدر. وهذه الخطوة جرّت النقد الكثير على عبد الجبار، خصوصاً وأنه سبق ووجه، لأكثر من مرّة، نقداً قاسياً للصدر، وهو ما فُسِّر على أنه تناقض عند عبد الجبار، لكنه بروحية الحِجاج، ردّ بتفسير وشرح هذا الأمر في أكثر من مناسبة.
ويبقى العزاء الأخير برحيل عبد الجبار بصدور كتابين له باللغة العربية، قبل رحيله بفترة قليلة يمكن عدّهما مكملين لـ”العمامة والأفندي” هما “كتاب الدولة – اللوياثان الجديد” و”دولة الخلافة.. التقدم إلى الماضي”، والذي يُشرِّح في الأوّل منهما الإشكالية التي أحاطت ببناء الدولة ومعطِّلات اكتمالها، فيما يقدّم في الثاني رؤيته عن سبب ظهور التنظيمات التكفيرية، ويرمي باللوم فيها على “الدولة الفاشلة” التي تتسبّب بهذا الخراب.
- نُشِرَ هذا المقال لأوّل مرة على موقع مركز الشرق الأوسط التابع لجامعة LSE في بريطانيا بتاريخ 15 تموز 2018.