"تلفونج مثل لباسج": معلوماتنا الخاصة ضد الرقابة
23 تشرين الثاني 2024
الإنترنت والهاتف هما النافذة الوحيدة لضحى ومريم وروان وسيدرا في ظلّ الحبس المنزلي، إلا أن دوريات الأهل وصلت إلى شاشات الموبايل، والتواصل صار سبباً للتعنيف والقتل.. عن معلوماتنا التي تُشبَّه بـ"اللباس"، وعن الرقابة التي تمارس بدل التوعية..
“تلفونج مثل لباسج”، حينما مُنحت مريم (21 عاماً) هاتفها الأول، سمعت هذه العبارة من والدتها، محذرة إياها من مشاركة صورها أو رقم هاتفها مع أي شخص وخاصة الذكور، مع منع استخدام مواقع تواصل.
آنذاك، مريم ذات الرابعة عشرة، كانت محاطة بزميلات يمتلكن هواتف وحسابات انستغرام وإن كانت مشتركة مع العائلة، دفعها الفضول لتنزيل تطبيق انستغرام كما قريناتها في المدرسة، لكن سرعان ما اكتشفتها دورية تفتيش الأم، لتترك كدمات في جسدها وروحها إثر العنف اللفظي والجسدي، أطول من مدة حرمانها من الهاتف الذي استمر أسبوعين.
ربما كانت تجربة ضحى (23 عاماً) أقل عنفاً جسدياً، لكنها لم تسلم من العنف النفسي، ففي الفترة الأولى التي حصلت خلالها على هاتف أيضاً كانت في المرحلة المتوسطة، مُنعت من استخدام مواقع التواصل وعانت من دوريات تفتيش مستمرة من والدها، “من أنام اضطر أخلي تليفوني جوه الفراش، حتى أتأكد أن يبقى يمي من اكعد”.
يُعد الوصول إلى الإنترنت واستخدامه، حقاً أساسياً من حقوق الإنسان.
لكن عائلات مريم وضحى لم تشرح سبب منعهن من استخدام مواقع التواصل، والسبب الدائم للتفتيش، اكتفت عائلة ضحى بتخويفها أنها قد تنشر صورها بشكل غير متعمد مما سيسبب مشاكل لها، ورغم صغر سنها آنذاك حاولت إقناعهم أنها تريد أن تتعلم استخدام البرنامج لتحمي نفسها من هكذا خطر، لكنهم رفضوا.
قد تنبع تصرفات العائلات من الرغبة بحماية الفتيات لكنه في الأصل توجيه ينبع من الطريقة الأبوية للإصرار على فرض الوصاية على النساء.
“هل نملك هواتف؟”
أشار تقرير منظمة GSMS المعنية بأنظمة الهاتف، والصادر عام 2015 بعنوان “Connected Women 2015”، أن 48 بالمئة من النساء في العالم العربي لا يمتلكن هاتفاً محمولاً، أي ما يعادل 84 مليون امرأة غير متصلة بالإنترنت في المنطقة.
في تقرير لاحق للمنظمة ذاتها صدر عام 2017 وكان أكثر شمولاً، تقلصت الفجوة بين الجنسين في ملكية الهواتف الذكية عبر البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وفي عام 2019، كانت النساء أقل احتمالاً لامتلاك هاتف ذكي بنسبة 20 بالمئة، ولكن هذه النسبة انخفضت إلى 15 بالمئة عام 2020.
عام 2021 بينت وزارة التخطيط العراقية أن نسبة النساء اللواتي يستخدمن الإنترنت مازالت محدودة ولا تزيد على 40 بالمئة، بمعنى أن نحو 60 بالمئة من نساء العراق لا يمكنهن الوصول إلى الشبكة العنكبوتية.
غالباً ما يُنظر إلى خروج الفتاة وحدها وسفرها على أنه خطر عليها وعلى النظام الاجتماعي التقليدي وسمعتها وشرفها أو حتى اتخاذ أبسط القرارات، بل وحتى جلوسها وحدها، وكذلك الحال مع الإنترنت أو الهاتف، فيضطررن لمشاركة الهواتف مع العائلة بلا أي خصوصية، أو يتحكم أو يقيد أو يراقب الذكور أفراد العائلة وحتى المجتمع والعشيرة نشاطهن الرقمي وفقاً للمعايير الجندرية “Gender Norms” المفروضة عليهن.
وحتى إذا كانت العائلة متسامحة، لا تكف المجالس الدينية وخطابات الكراهية على مواقع التواصل الاجتماعي بتوبيخ وتنبيه العائلات على ضرورة مراقبة الفتيات والنساء تجاه نشاطهن بشكل عام وليس الرقمي فقط، فقصيدة الرادود الحسيني زيد بقر الشام توبخ كلماتها من لا يراقبون ابنتهم، حتى أن بلغت من العمر ما بلغت.
“على الانستا بتها تسهر للصبح تبعث رسايل ماكو رقابة من الأبو ولا غيرة من الأخو، من تنصحه يعتبرك عدو”.
لذا تلجأ بعض النساء إلى حيوات سرية يقدرن فيها على استخدام الإنترنت بحرية أكبر، كراشدات بأمية رقمية.
“حياة سرية”
أرادت سيدرا (27 عاماً) توثيق لحظاتها وصديقاتها، لكن ماذا تفعل مع عائلتها التي تعتبر وجود صورها الشخصية في الهاتف بمثابة “جريمة شرف” لا تُغتفر، لذا استخدمت الماسنجر كمخزن سري لهذه الذكريات وتسارع بعد نقل الصور إلى الماسنجر لحذفها من هاتفها خوفاً من تفتيشهم الدائم.
أما مريم فكانت تحذف تطبيق الإنستغرام بعد ساعات من استخدامه، حتى بعد وصولها العشرين من العمر، تستخدم حساباً آخر لتتابعها العائلة عليه.
قد لا تكفي التطبيقات والحسابات السرية لممارسة نشاطهن الرقمي بحرية لذا تلجأ بعضهن لخطوة أكثر خطورة.
كان الهاتف متنفس روان (23 عاماً)، الوحيد في بيئتها المغلقة، وعند حظر عائلتها استعماله نتيجة ظروف عائلية، اشترت آخر سرياً.
لكن الأمر لم يدم طويلاً إذ اكتشفته والدتها، فتعرضت للعنف الجسدي بشكل قاسٍ جداً، وتقول لجمار “رغم أن هذا الحدث قد مرت عليه سنين وتزوجت، وسأصبح أماً قريباً، وأمتلك أحدث الأجهزة الآن، غير أني لا أستطيع نسيان لحظة مما عشت”.
في المرة الرابعة وبعد توالي اكتشاف والدتها لهاتفها، أمسكها أخوها المتعصب وهي تمتلك هاتفاً، لينهال بالضرب عليها ومن ثم إخبار والدهما، لكن الأخير قرر منحها الهاتف شريطة عدم استخدامها مواقع التواصل.
لكن وسط الحبس المنزلي الذي عانته كونها فتاة و”عيب” أن تخرج، جازفت باستخدام حساباتها التي خلقت فيها عالماً خاصاً، ساندها فيه عاطفياً ونفسياً أصدقاء مقربون، لتتخطى الصدمات والمعاناة التي عاشتها، وكان الليل ملجأها.
لسوء حظها لمحها أخوها وهي تتحدث مع إحدى صديقاتها وفوراً سحب هاتفها، بعد تفتيش الهاتف وقراءة جميع محادثاتها العادية مع أصدقائها من كلا الجنسين وهو أمر مرفوض، أبلغ جميع أفراد عائلتها بعلاقاتها مع صديقات وأصدقاء، لينهالوا بالضرب عليها مجتمعين.
تتذكر روان التاريخ بالضبط، الثالثة فجراً من يوم 16 أيلول. كان ذلك أقسى تاريخ عاشته، لساعات متواصلة تعرضت للعنف اللفظي والجسدي، ضرب مبرح سبّب كسر جزء من الأسنان الأمامية وضعف بصر في عينها اليمنى تعانيه حتى اليوم. الحجل الذي كانت ترتديه روان في قدمها، دخل في جلدها ولحمها وخلّف أثره لليوم من أثر التعنيف.
لم ينتهِ العنف حتى بعد توقف الضرب في الساعة الخامسة فجراً، إذ ظلت كلمة عار ترافقها كل يوم وساعة، والاستحقار والنبذ لسنوات من عائلتها، وحرمانها من الدراسة.
وقد عاشت سارة (27 عاماً)، العنف والتحقير ذاته بعد اكتشاف حساباتها، “أنا لحد ما نزفت يله عافوني أهلي” وتمت مساومتها بين استخدام الهاتف وإكمال دراستها الجامعية.
“أمي كلتلي تردين تبطلين أنطيج الجهاز وإذا ما تردين ماكو أي جهاز، ف كتلها ماريد ابطل”.
حينما سألتُ سارة فيما إذا تعرضت للحبس والإقامة الجبرية في المنزل ردت، “الإقامة الجبرية شنو احنا اساساً ما نطلع من البيت”.
برغم الألم الذي عاشته روان وسارة، قد يكنّ محظوظات لأنهنّ نَجوّن من القتل، فعام 2023 بعد أن نشرت طفلة من مدينة الديوانية عن طريق الخطأ مقطعاً ظهرت فيه على تطبيق “تيك توك”، أمسكها والدها وضربها وهشم جمجمتها وكسر أسنانها و6 من أضلاعها، لتفارق الحياة بين يديه.
في كتابها “السلطة الجنسية” “The Sexual Contract”، ناقشت كارول باتمان كيف تُستخدم الوصاية الأبوية كوسيلة للحفاظ على النظام الأبوي. أوضحت أن الوصاية الأبوية تُعتبر شكلاً من أشكال السيطرة التي يُمارسها الرجال على النساء تحت ستار الحماية والرعاية، لكنها تعمل على تقليص حريتهن واستقلالهن.
في الحقيقة، هذه الحاجة للحماية من دائرة العنف، خلقها النظام الأبوي ذاته، من قوانينه ومعاييره لتقييد الأفراد، أي أنها حلقة مفرغة من العنف والسلطة تقع النساء ضحيتها.
“هكروا الدولة”
التخويف والتهويل من استخدام النساء الإنترنت أو الهاتف يعزز من زيادة الأمية الرقمية بين النساء، والأهل ذاتهم لا يعرفون كيف يحموا أنفسهم رقمياً، بل وحتى الدولة!
فعام 2023 سُربت قاعدة بيانات العراقيين على تطبيق تلغرام، بيانات مؤسسات الدولة الرسمية والبيانات الشخصية للمواطنين، وصار يمكن الوصول من خلال “بوت” في تطبيق التلغرام لاسم أي مواطن عراقي.
ويستخدم “البوت” قاعدة بيانات البطاقة التموينية، ولكن بتحديث قديم قد يصل إلى ما قبل 2019، يُظهر معلومات العائلة بشكل كامل بمجرد البحث عن اسم شخص.
وحتى حينما تكون الدولة ضعيفة ستُلام النساء، يروي أحد أصدقاء محمد (27 عاماً)، قصة عن قريبه من منطقة في جنوب العراق يطغى عليها الطابع العشائري وتعتبر من العار ذكر أو معرفة اسم الزوجة، الأم، الأخت أو أي أنثى لها صلة قربى معه. وحينما تسربت أسماء إناث عائلته للحيز العام، افتعل من المشاكل والعنف معهم ما افتعل، رغم أن لا ذنب لهن، بل ذنب الدولة التي لم تقم بخطوات تذكر لحماية نفسها وأفرادها!
“عنف الكتروني”
تعرضت سارة وسيدرا للعديد من حالات العنف الإلكتروني نتيجة أميتهن الرقمية، كما كثيرات غيرهن.
نُشرت دراسة تحليلة لمنظمة أنسم الرقمية، عام 2023، عن انتشار العنف الرقمي ضد النساء في العراق، احتل الفيسبوك المرتبة الأولى بنسبة 18.3 بالمئة، والماسنجر الخاص فيه بنسبة 8.5 بالمئة، يليهما تطبيق انستغرام بنسبة 17 بالمئة، بعدها كانت النسب متقاربة في التطبيقات الأخرى مثل واتساب بنسبة 7 بالمئة، ثم تلغرام وتويتر (أكس) بنسبة 5.6 بالمئة لكل منهما”.
قد يحصل الابتزاز بطريقتين، الأولى، استغلال جهل الكثيرات بحماية أنفسهن رقمياً واساسيات الإنترنت، كما حصل مع سيدرا.
فحينما أنشأت حساب “الفيسبوك”، طلب التطبيق تأكيد الحساب ببريد الكتروني. وقفت أمام كلمة بريد الكتروني لأنها تجهل ماهيته، لذا سارعت لأحد اقاربها الذي كان بنظرها “خبيراً” لينشئ لها بريداً الكترونياً. لم تكن تعي آنذاك ما الحماية التي يجب أن تتخذها لنفسها ولا حتى الطريقة الأفضل لإنشاء حساب.
بعد فترة من استخدامها الحساب، تعرضت لأول عملية اختراق، وقلقت جداً لامتلاكها الكثير من الصور، “ماذا ستقول عائلتي إن نُشرت هذه الصور!”.
قريبها “الخبير” أنجدها، وبسرعة استرجع الحساب لها، لتراودها الدهشة لسرعته الفائقة في حل مشكلة بهذا الحجم، “ظننت أنه بطل”.
بعد نجاتها، لاحظت إن عمليات الاختراق قد ازدادت بالتوازي مع سرعة قريبها بحل المشكلة، لذا انطفأت شعلة الدهشة، وساورها القلق، ولحقه يقين أنه في كل مرة تتعرض لهذه الهجمة سيسترجع الحساب.
ثم أرسل حساب وهمي تهديدات بنشر الصور التي كانت تحتفظ بها في الماسنجر. وبدل قريبها لجأت لحبيبها الذي تعرفت عليه عن بعد، وكانت علاقتها العاطفية هذه سراً آخر في حساب “فيسبوك”.
فجأة أصبح الوضع هادئاً، لم تتلق سيدرا أي رسائل تهديد وتوقفت محاولات الاختراق. لم يكن هذا الشيء الوحيد الذي تغيّر بعد علاقتها، بل حتى تصرفات قريبها، التي صارت أكثر عدوانية مما سبق.
كان هذا الهدوء هو ما يسبق العاصفة، إذ أرسل حساب وهمي مقطع فيديو تظهر به مستلقية على أريكة المنزل، مُرفقة بعبارة “هذه الفتاة تنام في شقتي”.
بعد مشاهدتها للفيديو وللحساب تيقنت أن المخترق هو “محترف السوشيال ميديا” قريبها نفسه. وأن كل الاختراقات وعمليات استرجاع الحساب لم تكن إلا مسرحية ليظهر من خلالها بطلاً!
“قد أكون قليلة خبرة بعالم التقنية، لكنني لست غبية، أعلم من صور هذا الفيديو هو قريبي ولا يمتلك أحد ثانٍ نسخة منه حتى أنا”. تقول سيدرا لجمار.
أصدرت رابطة القاضيات العراقية، عام 2022، إحصائية خاصة بجرائم الابتزاز في 15 محافظة، بلغ المجموع الكلي لها 2452 جريمة ابتزاز إلكتروني، والإحصائية الواردة، شملت الفترة الممتدة من شهر كانون الثاني وحتى 31 آذار لعام 2022.
ليس القريب فقط من يمكن أن يكون المبتز أو المتحرش، بل قد نُعطي المبتز أداة الابتزاز طوعاً وحُباً، وهذه هي الطريقة الثانية التي تحصل فيها عمليات الابتزاز، الثقة المفرطة.
تقول مريم إنها نشأت في عائلة من الطبيعي أن يفتش الزوج هاتف زوجته، “مثل أمي وجميع أقاربي، والفتيات من حولي يشاركن رموز حساباتهن حتى مع حبيبها أو خطيبها”، وهي بذاتها شاركته مع حبيبها السابق.
تتعرض الفتيات لنوع من الهيمنة الرومانسية، يغيب عنهن أن لهذا تبعات ومخاطر كبيرة إذ قد يتحول العاشق لمتحرش أو مبتز، كما حصل مع سارا التي كانت تأتمن رمز حسابها مع حبيبها ليبتزها في كل محاولة لانفصالهما.
بحسب الخبير بالأمن السيبراني علي الشمري، فإن عدد الجرائم الرقمية بالعراق تزداد وعلى الحكومة العراقية تبني برامج توعوية يومية إلكترونية ومرئية ومسموعة، وأن تفتح مواقع إلكترونية خاصة لتسجيل بلاغات الابتزاز، لتسهيل عملية الإبلاغ لمن يتعرض أو يتعرّضن للابتزاز، من دون الحاجة للذهاب إلى مراكز الشرطة، خاصة النساء اللواتي يخشين من الذهاب إلى مراكز الشرطة بغية الحفاظ على سرية الشكوى.
وللسبب ذاته امتنعت سارة من اللجوء للشكوى القانونية، خشية معرفة عائلتها، إذ تتطلب الشكوى الذهاب لمركز الشرطة وهو أمر صعب، بسبب ظروفها.
“منو يوعينا؟”
لم تدرك الفتيات أن من الخطر مشاركة رمز الحساب أو البريد الإلكتروني، فلم تشرح عائلاتهن أو حتى المدرسة والمؤسسات الرسمية مدى خطورة ذلك.
تحاول مريم تبرير ما فعلته والدتها، بأنه ناتج عن الحب والخوف من خسارتها لكن كانت بطريقة خاطئة، إذ حرصت كما غالبية العائلات على التشديد بالحفاظ على السمعة والشرف. “تحول شرفنا من بين أفخاذنا إلى مشاركة صورة أو مكالمة مع شخص غريب، وقد نُقتل لأجلهم، يغيب عن عائلاتنا توعيتنا رقمياً إذ هم بذاتهم لا يعرفون!”
يعزو الشمري الأمية الرقمية بين الأفراد إلى عدم اهتمام المؤسسات والجامعات بالأمن السيبراني، الذي بدأ حديثاً يُدرس في الجامعات العراقية، لكنها أساسيات وليست مواضيع متطورة كمثيلاتها في الدول العربية والدول المتقدمة، ويحتاج العراق سنوات طويلة لينافس ويتبوأ مكانة رفيعة في هذا المجال.
تراجع العراق في المؤشر العالمي للأمن السيبراني (Global Cybersecurity Index) الصادر عن وكالة الأمم المتحدة المختصة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات “الاتحاد الدولي للاتصالات” لعام 2021. إذ حصل على المرتبة 129 عالمياً في مؤشر الأمن السيبراني من أصل 182 دولة، بينما كان في المركز 107 في التقرير السابق.
وأكد المركز “عدم وجود مؤسسة متخصصة بالأمن السيبراني في العراق”، وكل ما هو موجود عبارة عن أقسام في دوائر مختلفة تفتقد للتنسيق أو التعاون المحترف، وكل جهة تعمل بمفردها.
ودعا المركز الحكومة العراقية إلى “تشكيل مؤسسة أو هيئة خاصة لقضايا الأمن السيبراني وكل ما يتعلق بهذا الجانب”.
وهذا ما يؤكده أيوب حسن، عضو مؤسسة أنسم ومسؤول عن التدريب الخاص بحماية الحسابات والأمن الرقمي، إذ أن المؤسسات المختصة بجوانب الأمن الرقمي قليلة جداً، كما هو الحال مع المنظمات المختصة بالأمن السيبراني في العراق، ويرى أن الجهود لتحسين هذا الواقع محدودة، وبالتالي هناك حاجة لجهد كبير لتوعية المجتمع بالكامل.
“نحن ضعفاء رقمياً، خير دليل أن مؤسسات الدوائر الحكومية معرضة للاختراق ومواقعهم غير مؤمنة، نتيجة عدم وجود مؤسسة حكومية مختصة بالأمن السيبراني، حتى وزارة الداخلية عملها بسيط في هذا الملف، وتوعيتهم قليلة وليس عن طريق مواقع التواصل أو التواجد بالمؤسسات”.
ويؤكد الشمري أن الأمن السيبراني وحماية بيانات المواطنين العراقيين، جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العراقي. ونسبة كبيرة من العراقيين تجهل أهمية هذه الموضوع خاصة كبار السن وأيضاً بعض فئة الشباب.
هذا الجهل ممكن أن يسبب اختراق الحاسوب وهاتف الشخص والحصول على معلوماته وسرقة حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي وممكن أيضاً قيام المخترق بعملية ابتزاز الكتروني وتهديد أصدقاء الضحية وترهيبهم، بحسب الشمري.
يتحدث حسن عن النسب في الوعي الرقمي التي لاحظها أثناء التدريب في الورشات، فليس المستخدمون العاديون وحدهم يعانون من الأمية الرقمية أو ضعفها، بل والصحفيون والعاملون في المنظمات يجهلون أساليب الحماية الرقمية وأغلبهم بحاجة لتعلم هذه الأساليب.
“هناك صحفيون يستخدمون الياهو ميل حتى الآن ومنهم يستخدمون أرقام هواتف لتأمين حسابات فيسبوك، حتى في المنظمات”.
“لسن الأكثر جهلاً”
رغم الفجوة الرقمية باستخدام مواقع التواصل، إذ يشكل المستخدمون في العراق 66.6 بالمئة فيما تشكل المستخدمات الإناث 33.4 بالمئة فقط!
وتبين إحصائية للشبكة العراقية للصحافة الاستقصائية “نيريج“، أن 96 امرأة من أصل 100 لا يعرفن حتى كيفية استخدام أجهزة الحاسوب أو الأجهزة الإلكترونية مثل الطابعات أو الأجهزة الذكية أو كيفية استخدام البرامج والتطبيقات، أي الخطوات التقنية البسيطة.
يرى حسن من تجربته الشخصية، أنه على عكس المتعارف عليه، النساء لسن الأكثر جهلاً، فمن خلال الورش لاحظ العكس، وبحسب وصفه، أن الرجل يأخذ الأمور بقوة ويعتقد أن لا أحد يستطيع أن يخترق حسابه وبعضهم يقولون “نحن إذا نريد نخترق الحساب”، لكن النساء بسبب الحرص والخوف من الانتهاك والابتزاز أصبحن أكثر حضوراً للورشات وأكثر تطبيقاً لما يتعلمنه فيها، وأخذن يبحثن عن أساليب حماية رقمية. حتى مخرجات الدورة التدريبية التي يقدمها حسن وزملاؤه تلتزم بها النساء أكثر، بل ويعلّمن زميلاتهن وأقاربهن، وذلك على العكس من الرجال الذين يبدون اهتماماً أقل بمعرفة الأمان الرقمي وإشاعته.
“كيف ننجو”
رغم حادثة تسريب قاعدة بيانات العراق، وأخبار إغلاق شبكات الابتزاز على التلغرام، لم يُفعّل أي قانون يحمي النساء بشكل خاص أو الأفراد بشكل عام، أو حتى الدولة سواء في الأمن السيبراني أو العنف الرقمي في العراق. إذ ما زالت القوانين السارية لا تتماشى مع الاحتياجات والتطورات الرقمية العالمية.
وينصح الشمري بالخطوات الآتية لننجو رقمياً:
الخطوة الأولى: عملية الحماية تبدأ أولاً بربط الحساب برقم موبايل للمستخدم ويفضل ألا يكون رقمه الشخصي لكيلا يكون معروفاً ويتم من خلاله الوصول للحساب في حال سرقة موبايله.
الخطوة الثانية: تتمثل بإخفاء الإيميل المستخدم للدخول إلى الحساب أو الرقم عن المعلومات الظاهرة في الحساب، ويفضل ألا يكون الايميل هو نفس الإيميل الشخصي للأسباب ذاتها، وممكن إضافة ايميل ثانٍ لزيادة الحماية الأمنية.
فكل الحسابات معرضة للاختراق في حال كان رقم الموبايل المربوط معه الحساب معروفاً وكذلك الإيميل.
الخطوة الثالثة: يجب تفعيل خاصية المصادقة الثنائية للإيميل وحساب موقع التواصل؛ ليمنع المخترق من إمكانية الدخول، إذ أن هذه الخاصية، تشترط إدخال رمز سري يصل إلى رقم موبايل المستخدم، في حال كان هناك من يحاول الدخول لحسابه. وأيضاً تجنب تنزيل تطبيق أو برنامج من جهة غير معروفة؛ لأنه قد يكون فايروس ويسرق معلوماتك وحساباتك الشخصية.
أخذت النساء مسؤولية تثقيف وحماية أنفسهن رقمياً، إذ تعلمت المتحدثات في المقال كيف يحمين أنفسهن ومن حولهن، فضحى تعلمت من اليوتيوب ومن البحث الطويل، وأصبحت تعلم عائلتها وصديقاتها، لتنجو وينجون.
ومنكم/ن نستفيد ونتعلم
هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media
اقرأ ايضاً
مدارس مُهجَّرة: لماذا لن ينتهي "الدوام المزدوج" و"الاكتظاظ" في العراق؟
10 ديسمبر 2024
الهيدروجين الأزرق والشمس.. عن بدائل النفط "الممكنة" في العراق
07 ديسمبر 2024
الأشجار والدولار على المحكّ في سنجار
03 ديسمبر 2024
الصيادون يبيعون "الآرو".. الوجه القاسي للتغيُّر المناخي على سكان الأهوار
28 نوفمبر 2024
“تلفونج مثل لباسج”، حينما مُنحت مريم (21 عاماً) هاتفها الأول، سمعت هذه العبارة من والدتها، محذرة إياها من مشاركة صورها أو رقم هاتفها مع أي شخص وخاصة الذكور، مع منع استخدام مواقع تواصل.
آنذاك، مريم ذات الرابعة عشرة، كانت محاطة بزميلات يمتلكن هواتف وحسابات انستغرام وإن كانت مشتركة مع العائلة، دفعها الفضول لتنزيل تطبيق انستغرام كما قريناتها في المدرسة، لكن سرعان ما اكتشفتها دورية تفتيش الأم، لتترك كدمات في جسدها وروحها إثر العنف اللفظي والجسدي، أطول من مدة حرمانها من الهاتف الذي استمر أسبوعين.
ربما كانت تجربة ضحى (23 عاماً) أقل عنفاً جسدياً، لكنها لم تسلم من العنف النفسي، ففي الفترة الأولى التي حصلت خلالها على هاتف أيضاً كانت في المرحلة المتوسطة، مُنعت من استخدام مواقع التواصل وعانت من دوريات تفتيش مستمرة من والدها، “من أنام اضطر أخلي تليفوني جوه الفراش، حتى أتأكد أن يبقى يمي من اكعد”.
يُعد الوصول إلى الإنترنت واستخدامه، حقاً أساسياً من حقوق الإنسان.
لكن عائلات مريم وضحى لم تشرح سبب منعهن من استخدام مواقع التواصل، والسبب الدائم للتفتيش، اكتفت عائلة ضحى بتخويفها أنها قد تنشر صورها بشكل غير متعمد مما سيسبب مشاكل لها، ورغم صغر سنها آنذاك حاولت إقناعهم أنها تريد أن تتعلم استخدام البرنامج لتحمي نفسها من هكذا خطر، لكنهم رفضوا.
قد تنبع تصرفات العائلات من الرغبة بحماية الفتيات لكنه في الأصل توجيه ينبع من الطريقة الأبوية للإصرار على فرض الوصاية على النساء.
“هل نملك هواتف؟”
أشار تقرير منظمة GSMS المعنية بأنظمة الهاتف، والصادر عام 2015 بعنوان “Connected Women 2015”، أن 48 بالمئة من النساء في العالم العربي لا يمتلكن هاتفاً محمولاً، أي ما يعادل 84 مليون امرأة غير متصلة بالإنترنت في المنطقة.
في تقرير لاحق للمنظمة ذاتها صدر عام 2017 وكان أكثر شمولاً، تقلصت الفجوة بين الجنسين في ملكية الهواتف الذكية عبر البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وفي عام 2019، كانت النساء أقل احتمالاً لامتلاك هاتف ذكي بنسبة 20 بالمئة، ولكن هذه النسبة انخفضت إلى 15 بالمئة عام 2020.
عام 2021 بينت وزارة التخطيط العراقية أن نسبة النساء اللواتي يستخدمن الإنترنت مازالت محدودة ولا تزيد على 40 بالمئة، بمعنى أن نحو 60 بالمئة من نساء العراق لا يمكنهن الوصول إلى الشبكة العنكبوتية.
غالباً ما يُنظر إلى خروج الفتاة وحدها وسفرها على أنه خطر عليها وعلى النظام الاجتماعي التقليدي وسمعتها وشرفها أو حتى اتخاذ أبسط القرارات، بل وحتى جلوسها وحدها، وكذلك الحال مع الإنترنت أو الهاتف، فيضطررن لمشاركة الهواتف مع العائلة بلا أي خصوصية، أو يتحكم أو يقيد أو يراقب الذكور أفراد العائلة وحتى المجتمع والعشيرة نشاطهن الرقمي وفقاً للمعايير الجندرية “Gender Norms” المفروضة عليهن.
وحتى إذا كانت العائلة متسامحة، لا تكف المجالس الدينية وخطابات الكراهية على مواقع التواصل الاجتماعي بتوبيخ وتنبيه العائلات على ضرورة مراقبة الفتيات والنساء تجاه نشاطهن بشكل عام وليس الرقمي فقط، فقصيدة الرادود الحسيني زيد بقر الشام توبخ كلماتها من لا يراقبون ابنتهم، حتى أن بلغت من العمر ما بلغت.
“على الانستا بتها تسهر للصبح تبعث رسايل ماكو رقابة من الأبو ولا غيرة من الأخو، من تنصحه يعتبرك عدو”.
لذا تلجأ بعض النساء إلى حيوات سرية يقدرن فيها على استخدام الإنترنت بحرية أكبر، كراشدات بأمية رقمية.
“حياة سرية”
أرادت سيدرا (27 عاماً) توثيق لحظاتها وصديقاتها، لكن ماذا تفعل مع عائلتها التي تعتبر وجود صورها الشخصية في الهاتف بمثابة “جريمة شرف” لا تُغتفر، لذا استخدمت الماسنجر كمخزن سري لهذه الذكريات وتسارع بعد نقل الصور إلى الماسنجر لحذفها من هاتفها خوفاً من تفتيشهم الدائم.
أما مريم فكانت تحذف تطبيق الإنستغرام بعد ساعات من استخدامه، حتى بعد وصولها العشرين من العمر، تستخدم حساباً آخر لتتابعها العائلة عليه.
قد لا تكفي التطبيقات والحسابات السرية لممارسة نشاطهن الرقمي بحرية لذا تلجأ بعضهن لخطوة أكثر خطورة.
كان الهاتف متنفس روان (23 عاماً)، الوحيد في بيئتها المغلقة، وعند حظر عائلتها استعماله نتيجة ظروف عائلية، اشترت آخر سرياً.
لكن الأمر لم يدم طويلاً إذ اكتشفته والدتها، فتعرضت للعنف الجسدي بشكل قاسٍ جداً، وتقول لجمار “رغم أن هذا الحدث قد مرت عليه سنين وتزوجت، وسأصبح أماً قريباً، وأمتلك أحدث الأجهزة الآن، غير أني لا أستطيع نسيان لحظة مما عشت”.
في المرة الرابعة وبعد توالي اكتشاف والدتها لهاتفها، أمسكها أخوها المتعصب وهي تمتلك هاتفاً، لينهال بالضرب عليها ومن ثم إخبار والدهما، لكن الأخير قرر منحها الهاتف شريطة عدم استخدامها مواقع التواصل.
لكن وسط الحبس المنزلي الذي عانته كونها فتاة و”عيب” أن تخرج، جازفت باستخدام حساباتها التي خلقت فيها عالماً خاصاً، ساندها فيه عاطفياً ونفسياً أصدقاء مقربون، لتتخطى الصدمات والمعاناة التي عاشتها، وكان الليل ملجأها.
لسوء حظها لمحها أخوها وهي تتحدث مع إحدى صديقاتها وفوراً سحب هاتفها، بعد تفتيش الهاتف وقراءة جميع محادثاتها العادية مع أصدقائها من كلا الجنسين وهو أمر مرفوض، أبلغ جميع أفراد عائلتها بعلاقاتها مع صديقات وأصدقاء، لينهالوا بالضرب عليها مجتمعين.
تتذكر روان التاريخ بالضبط، الثالثة فجراً من يوم 16 أيلول. كان ذلك أقسى تاريخ عاشته، لساعات متواصلة تعرضت للعنف اللفظي والجسدي، ضرب مبرح سبّب كسر جزء من الأسنان الأمامية وضعف بصر في عينها اليمنى تعانيه حتى اليوم. الحجل الذي كانت ترتديه روان في قدمها، دخل في جلدها ولحمها وخلّف أثره لليوم من أثر التعنيف.
لم ينتهِ العنف حتى بعد توقف الضرب في الساعة الخامسة فجراً، إذ ظلت كلمة عار ترافقها كل يوم وساعة، والاستحقار والنبذ لسنوات من عائلتها، وحرمانها من الدراسة.
وقد عاشت سارة (27 عاماً)، العنف والتحقير ذاته بعد اكتشاف حساباتها، “أنا لحد ما نزفت يله عافوني أهلي” وتمت مساومتها بين استخدام الهاتف وإكمال دراستها الجامعية.
“أمي كلتلي تردين تبطلين أنطيج الجهاز وإذا ما تردين ماكو أي جهاز، ف كتلها ماريد ابطل”.
حينما سألتُ سارة فيما إذا تعرضت للحبس والإقامة الجبرية في المنزل ردت، “الإقامة الجبرية شنو احنا اساساً ما نطلع من البيت”.
برغم الألم الذي عاشته روان وسارة، قد يكنّ محظوظات لأنهنّ نَجوّن من القتل، فعام 2023 بعد أن نشرت طفلة من مدينة الديوانية عن طريق الخطأ مقطعاً ظهرت فيه على تطبيق “تيك توك”، أمسكها والدها وضربها وهشم جمجمتها وكسر أسنانها و6 من أضلاعها، لتفارق الحياة بين يديه.
في كتابها “السلطة الجنسية” “The Sexual Contract”، ناقشت كارول باتمان كيف تُستخدم الوصاية الأبوية كوسيلة للحفاظ على النظام الأبوي. أوضحت أن الوصاية الأبوية تُعتبر شكلاً من أشكال السيطرة التي يُمارسها الرجال على النساء تحت ستار الحماية والرعاية، لكنها تعمل على تقليص حريتهن واستقلالهن.
في الحقيقة، هذه الحاجة للحماية من دائرة العنف، خلقها النظام الأبوي ذاته، من قوانينه ومعاييره لتقييد الأفراد، أي أنها حلقة مفرغة من العنف والسلطة تقع النساء ضحيتها.
“هكروا الدولة”
التخويف والتهويل من استخدام النساء الإنترنت أو الهاتف يعزز من زيادة الأمية الرقمية بين النساء، والأهل ذاتهم لا يعرفون كيف يحموا أنفسهم رقمياً، بل وحتى الدولة!
فعام 2023 سُربت قاعدة بيانات العراقيين على تطبيق تلغرام، بيانات مؤسسات الدولة الرسمية والبيانات الشخصية للمواطنين، وصار يمكن الوصول من خلال “بوت” في تطبيق التلغرام لاسم أي مواطن عراقي.
ويستخدم “البوت” قاعدة بيانات البطاقة التموينية، ولكن بتحديث قديم قد يصل إلى ما قبل 2019، يُظهر معلومات العائلة بشكل كامل بمجرد البحث عن اسم شخص.
وحتى حينما تكون الدولة ضعيفة ستُلام النساء، يروي أحد أصدقاء محمد (27 عاماً)، قصة عن قريبه من منطقة في جنوب العراق يطغى عليها الطابع العشائري وتعتبر من العار ذكر أو معرفة اسم الزوجة، الأم، الأخت أو أي أنثى لها صلة قربى معه. وحينما تسربت أسماء إناث عائلته للحيز العام، افتعل من المشاكل والعنف معهم ما افتعل، رغم أن لا ذنب لهن، بل ذنب الدولة التي لم تقم بخطوات تذكر لحماية نفسها وأفرادها!
“عنف الكتروني”
تعرضت سارة وسيدرا للعديد من حالات العنف الإلكتروني نتيجة أميتهن الرقمية، كما كثيرات غيرهن.
نُشرت دراسة تحليلة لمنظمة أنسم الرقمية، عام 2023، عن انتشار العنف الرقمي ضد النساء في العراق، احتل الفيسبوك المرتبة الأولى بنسبة 18.3 بالمئة، والماسنجر الخاص فيه بنسبة 8.5 بالمئة، يليهما تطبيق انستغرام بنسبة 17 بالمئة، بعدها كانت النسب متقاربة في التطبيقات الأخرى مثل واتساب بنسبة 7 بالمئة، ثم تلغرام وتويتر (أكس) بنسبة 5.6 بالمئة لكل منهما”.
قد يحصل الابتزاز بطريقتين، الأولى، استغلال جهل الكثيرات بحماية أنفسهن رقمياً واساسيات الإنترنت، كما حصل مع سيدرا.
فحينما أنشأت حساب “الفيسبوك”، طلب التطبيق تأكيد الحساب ببريد الكتروني. وقفت أمام كلمة بريد الكتروني لأنها تجهل ماهيته، لذا سارعت لأحد اقاربها الذي كان بنظرها “خبيراً” لينشئ لها بريداً الكترونياً. لم تكن تعي آنذاك ما الحماية التي يجب أن تتخذها لنفسها ولا حتى الطريقة الأفضل لإنشاء حساب.
بعد فترة من استخدامها الحساب، تعرضت لأول عملية اختراق، وقلقت جداً لامتلاكها الكثير من الصور، “ماذا ستقول عائلتي إن نُشرت هذه الصور!”.
قريبها “الخبير” أنجدها، وبسرعة استرجع الحساب لها، لتراودها الدهشة لسرعته الفائقة في حل مشكلة بهذا الحجم، “ظننت أنه بطل”.
بعد نجاتها، لاحظت إن عمليات الاختراق قد ازدادت بالتوازي مع سرعة قريبها بحل المشكلة، لذا انطفأت شعلة الدهشة، وساورها القلق، ولحقه يقين أنه في كل مرة تتعرض لهذه الهجمة سيسترجع الحساب.
ثم أرسل حساب وهمي تهديدات بنشر الصور التي كانت تحتفظ بها في الماسنجر. وبدل قريبها لجأت لحبيبها الذي تعرفت عليه عن بعد، وكانت علاقتها العاطفية هذه سراً آخر في حساب “فيسبوك”.
فجأة أصبح الوضع هادئاً، لم تتلق سيدرا أي رسائل تهديد وتوقفت محاولات الاختراق. لم يكن هذا الشيء الوحيد الذي تغيّر بعد علاقتها، بل حتى تصرفات قريبها، التي صارت أكثر عدوانية مما سبق.
كان هذا الهدوء هو ما يسبق العاصفة، إذ أرسل حساب وهمي مقطع فيديو تظهر به مستلقية على أريكة المنزل، مُرفقة بعبارة “هذه الفتاة تنام في شقتي”.
بعد مشاهدتها للفيديو وللحساب تيقنت أن المخترق هو “محترف السوشيال ميديا” قريبها نفسه. وأن كل الاختراقات وعمليات استرجاع الحساب لم تكن إلا مسرحية ليظهر من خلالها بطلاً!
“قد أكون قليلة خبرة بعالم التقنية، لكنني لست غبية، أعلم من صور هذا الفيديو هو قريبي ولا يمتلك أحد ثانٍ نسخة منه حتى أنا”. تقول سيدرا لجمار.
أصدرت رابطة القاضيات العراقية، عام 2022، إحصائية خاصة بجرائم الابتزاز في 15 محافظة، بلغ المجموع الكلي لها 2452 جريمة ابتزاز إلكتروني، والإحصائية الواردة، شملت الفترة الممتدة من شهر كانون الثاني وحتى 31 آذار لعام 2022.
ليس القريب فقط من يمكن أن يكون المبتز أو المتحرش، بل قد نُعطي المبتز أداة الابتزاز طوعاً وحُباً، وهذه هي الطريقة الثانية التي تحصل فيها عمليات الابتزاز، الثقة المفرطة.
تقول مريم إنها نشأت في عائلة من الطبيعي أن يفتش الزوج هاتف زوجته، “مثل أمي وجميع أقاربي، والفتيات من حولي يشاركن رموز حساباتهن حتى مع حبيبها أو خطيبها”، وهي بذاتها شاركته مع حبيبها السابق.
تتعرض الفتيات لنوع من الهيمنة الرومانسية، يغيب عنهن أن لهذا تبعات ومخاطر كبيرة إذ قد يتحول العاشق لمتحرش أو مبتز، كما حصل مع سارا التي كانت تأتمن رمز حسابها مع حبيبها ليبتزها في كل محاولة لانفصالهما.
بحسب الخبير بالأمن السيبراني علي الشمري، فإن عدد الجرائم الرقمية بالعراق تزداد وعلى الحكومة العراقية تبني برامج توعوية يومية إلكترونية ومرئية ومسموعة، وأن تفتح مواقع إلكترونية خاصة لتسجيل بلاغات الابتزاز، لتسهيل عملية الإبلاغ لمن يتعرض أو يتعرّضن للابتزاز، من دون الحاجة للذهاب إلى مراكز الشرطة، خاصة النساء اللواتي يخشين من الذهاب إلى مراكز الشرطة بغية الحفاظ على سرية الشكوى.
وللسبب ذاته امتنعت سارة من اللجوء للشكوى القانونية، خشية معرفة عائلتها، إذ تتطلب الشكوى الذهاب لمركز الشرطة وهو أمر صعب، بسبب ظروفها.
“منو يوعينا؟”
لم تدرك الفتيات أن من الخطر مشاركة رمز الحساب أو البريد الإلكتروني، فلم تشرح عائلاتهن أو حتى المدرسة والمؤسسات الرسمية مدى خطورة ذلك.
تحاول مريم تبرير ما فعلته والدتها، بأنه ناتج عن الحب والخوف من خسارتها لكن كانت بطريقة خاطئة، إذ حرصت كما غالبية العائلات على التشديد بالحفاظ على السمعة والشرف. “تحول شرفنا من بين أفخاذنا إلى مشاركة صورة أو مكالمة مع شخص غريب، وقد نُقتل لأجلهم، يغيب عن عائلاتنا توعيتنا رقمياً إذ هم بذاتهم لا يعرفون!”
يعزو الشمري الأمية الرقمية بين الأفراد إلى عدم اهتمام المؤسسات والجامعات بالأمن السيبراني، الذي بدأ حديثاً يُدرس في الجامعات العراقية، لكنها أساسيات وليست مواضيع متطورة كمثيلاتها في الدول العربية والدول المتقدمة، ويحتاج العراق سنوات طويلة لينافس ويتبوأ مكانة رفيعة في هذا المجال.
تراجع العراق في المؤشر العالمي للأمن السيبراني (Global Cybersecurity Index) الصادر عن وكالة الأمم المتحدة المختصة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات “الاتحاد الدولي للاتصالات” لعام 2021. إذ حصل على المرتبة 129 عالمياً في مؤشر الأمن السيبراني من أصل 182 دولة، بينما كان في المركز 107 في التقرير السابق.
وأكد المركز “عدم وجود مؤسسة متخصصة بالأمن السيبراني في العراق”، وكل ما هو موجود عبارة عن أقسام في دوائر مختلفة تفتقد للتنسيق أو التعاون المحترف، وكل جهة تعمل بمفردها.
ودعا المركز الحكومة العراقية إلى “تشكيل مؤسسة أو هيئة خاصة لقضايا الأمن السيبراني وكل ما يتعلق بهذا الجانب”.
وهذا ما يؤكده أيوب حسن، عضو مؤسسة أنسم ومسؤول عن التدريب الخاص بحماية الحسابات والأمن الرقمي، إذ أن المؤسسات المختصة بجوانب الأمن الرقمي قليلة جداً، كما هو الحال مع المنظمات المختصة بالأمن السيبراني في العراق، ويرى أن الجهود لتحسين هذا الواقع محدودة، وبالتالي هناك حاجة لجهد كبير لتوعية المجتمع بالكامل.
“نحن ضعفاء رقمياً، خير دليل أن مؤسسات الدوائر الحكومية معرضة للاختراق ومواقعهم غير مؤمنة، نتيجة عدم وجود مؤسسة حكومية مختصة بالأمن السيبراني، حتى وزارة الداخلية عملها بسيط في هذا الملف، وتوعيتهم قليلة وليس عن طريق مواقع التواصل أو التواجد بالمؤسسات”.
ويؤكد الشمري أن الأمن السيبراني وحماية بيانات المواطنين العراقيين، جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العراقي. ونسبة كبيرة من العراقيين تجهل أهمية هذه الموضوع خاصة كبار السن وأيضاً بعض فئة الشباب.
هذا الجهل ممكن أن يسبب اختراق الحاسوب وهاتف الشخص والحصول على معلوماته وسرقة حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي وممكن أيضاً قيام المخترق بعملية ابتزاز الكتروني وتهديد أصدقاء الضحية وترهيبهم، بحسب الشمري.
يتحدث حسن عن النسب في الوعي الرقمي التي لاحظها أثناء التدريب في الورشات، فليس المستخدمون العاديون وحدهم يعانون من الأمية الرقمية أو ضعفها، بل والصحفيون والعاملون في المنظمات يجهلون أساليب الحماية الرقمية وأغلبهم بحاجة لتعلم هذه الأساليب.
“هناك صحفيون يستخدمون الياهو ميل حتى الآن ومنهم يستخدمون أرقام هواتف لتأمين حسابات فيسبوك، حتى في المنظمات”.
“لسن الأكثر جهلاً”
رغم الفجوة الرقمية باستخدام مواقع التواصل، إذ يشكل المستخدمون في العراق 66.6 بالمئة فيما تشكل المستخدمات الإناث 33.4 بالمئة فقط!
وتبين إحصائية للشبكة العراقية للصحافة الاستقصائية “نيريج“، أن 96 امرأة من أصل 100 لا يعرفن حتى كيفية استخدام أجهزة الحاسوب أو الأجهزة الإلكترونية مثل الطابعات أو الأجهزة الذكية أو كيفية استخدام البرامج والتطبيقات، أي الخطوات التقنية البسيطة.
يرى حسن من تجربته الشخصية، أنه على عكس المتعارف عليه، النساء لسن الأكثر جهلاً، فمن خلال الورش لاحظ العكس، وبحسب وصفه، أن الرجل يأخذ الأمور بقوة ويعتقد أن لا أحد يستطيع أن يخترق حسابه وبعضهم يقولون “نحن إذا نريد نخترق الحساب”، لكن النساء بسبب الحرص والخوف من الانتهاك والابتزاز أصبحن أكثر حضوراً للورشات وأكثر تطبيقاً لما يتعلمنه فيها، وأخذن يبحثن عن أساليب حماية رقمية. حتى مخرجات الدورة التدريبية التي يقدمها حسن وزملاؤه تلتزم بها النساء أكثر، بل ويعلّمن زميلاتهن وأقاربهن، وذلك على العكس من الرجال الذين يبدون اهتماماً أقل بمعرفة الأمان الرقمي وإشاعته.
“كيف ننجو”
رغم حادثة تسريب قاعدة بيانات العراق، وأخبار إغلاق شبكات الابتزاز على التلغرام، لم يُفعّل أي قانون يحمي النساء بشكل خاص أو الأفراد بشكل عام، أو حتى الدولة سواء في الأمن السيبراني أو العنف الرقمي في العراق. إذ ما زالت القوانين السارية لا تتماشى مع الاحتياجات والتطورات الرقمية العالمية.
وينصح الشمري بالخطوات الآتية لننجو رقمياً:
الخطوة الأولى: عملية الحماية تبدأ أولاً بربط الحساب برقم موبايل للمستخدم ويفضل ألا يكون رقمه الشخصي لكيلا يكون معروفاً ويتم من خلاله الوصول للحساب في حال سرقة موبايله.
الخطوة الثانية: تتمثل بإخفاء الإيميل المستخدم للدخول إلى الحساب أو الرقم عن المعلومات الظاهرة في الحساب، ويفضل ألا يكون الايميل هو نفس الإيميل الشخصي للأسباب ذاتها، وممكن إضافة ايميل ثانٍ لزيادة الحماية الأمنية.
فكل الحسابات معرضة للاختراق في حال كان رقم الموبايل المربوط معه الحساب معروفاً وكذلك الإيميل.
الخطوة الثالثة: يجب تفعيل خاصية المصادقة الثنائية للإيميل وحساب موقع التواصل؛ ليمنع المخترق من إمكانية الدخول، إذ أن هذه الخاصية، تشترط إدخال رمز سري يصل إلى رقم موبايل المستخدم، في حال كان هناك من يحاول الدخول لحسابه. وأيضاً تجنب تنزيل تطبيق أو برنامج من جهة غير معروفة؛ لأنه قد يكون فايروس ويسرق معلوماتك وحساباتك الشخصية.
أخذت النساء مسؤولية تثقيف وحماية أنفسهن رقمياً، إذ تعلمت المتحدثات في المقال كيف يحمين أنفسهن ومن حولهن، فضحى تعلمت من اليوتيوب ومن البحث الطويل، وأصبحت تعلم عائلتها وصديقاتها، لتنجو وينجون.