لهيب سنجار.. ما لن تطفئه "اتفاقية" ولا "وثيقة"
07 أيار 2024
حكاية شنكال السياسية.. الخروج من أنياب داعش والوقوع في أفكاك دول الإقليم وتهاون بغداد
في 30 من آذار الماضي، أعلن عبد القادر الدخيل محافظ نينوى (510 كم شمال بغداد)، توقيع وثيقة “الوئام المجتمعي” في شمال قضاء سنجار برعاية معهد الولايات المتحدة للسلام، وجمعية التحرير والبناء الأمريكية. في اليوم التالي، كشف محمد الجبوري نائب رئيس مجلس محافظة نينوى، عن توجه لتعديل “اتفاقية سنجار” المعطلة، والتي أبرمتها الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان في تشرين الأول عام 2020.
لنحو 4 سنوات، ظلّت سنجار، واتفاقيتها، راكدتَيْن في بِركة الانقسام السياسي والتوتّر الأمني وتعدد جهات النفوذ والسلاح، لتظل منقسمة ومدمرة، بعد تجربة مريرة مرّت بها المنطقة ذات الغالبية الإيزيدية، على يد تنظيم “داعش” صيف 2014، لتأتي وثيقة “الوئام المجتمعي” كمحاولة لتحريك الوضع القائم وايجاد شيء من الوفاق المجتمعي الذي قد يفضي لحل، بعد أن عجزت “الاتفاقية” عن إيجاد طريقها للتطبيق على أرض الواقع.
شيء عن سنجار
لسنجار تاريخ، يعود المدوَّن منه، إلى العصر البرونزي (3000 إلى 1200 سنة قبل الميلاد) حيث جاء اسمها في الألواح الطينية المعروفة باسم “رسائل امارنا” وهي ألواح مسمارية من بلاد الرافدين/ ميزوبوتاميا، كما وردت في كتابي جينسس (Genesis 10.10 and 11.2) تحت اسم Shinar. وفي الفترة بين القرن الأول الميلادي وأواخر القرن الرابع، صارت لسنجار أهمية عسكرية كمستعمرة رومانية، بعد أن احتل الروم المنطقة وبنوا فيها قلعة محصنة استخدمت في إطار الصراع مع الفرس.
يعود وجود الإيزيديين في سنجار-أو شنگال حسب التسمية الكردية-، إلى حقبة شرف الدين بن الحسن الذي يعتبر أحد أبرز شيوخ الديانة الإيزيدية في القرن الثاني عشر والذي حكم سنجار آنذاك. وعاشت على الأرض نفسها مكونات متعددة كالمسلمين (أغلبية سنية وأقلية شيعية) والمسيحيين والآشوريين، والعرب والكرد.
بعد الغزو الأمريكي للعراق 2003 ونهاية حكم نظام صدام حسين، ظهرت في سنجار أولى بوادر الصراع الإداري والأمني بين بغداد وإقليم كردستان، مع السيطرة شبه المطلقة للقوى الكردية على سنجار إسوة بكركوك وسهل نينوى وخانقين وغيرها من المناطق المتنازع عليها والمشمولة بالمادة 140 من الدستور العراقي.
ورغم عدم تنفيذ المادة الدستورية المتضمنة ثلاث مراحل (التطبيع، والإحصاء والاستفتاء) الّا أنّ السلطات الكردية، وخاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني، تعاملت مع سنجار كامتداد طبيعي لعمقها الجغرافي والثقافي والاجتماعي، فارضةً قرارها الأمني والإداري على القضاء طيلة السنوات التي سبقت اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” للمنطقة.
الفاجعة
في الثالث من آب 2014، هاجم تنظيم “داعش” سنجار واستباحها وخطف واستعبد آلاف النساء والأطفال الإيزيديين، وقتل أكثر من خمسة آلاف إيزيدي. واستناداً إلى الأمم المتحدة، لا يزال نحو ثلاثة آلاف مختطف إيزيدي مجهول المصير، غالبيتهم من النساء والفتيات والأطفال.
خلقت سيطرة التنظيم الإرهابي على سنجار، من دون مقاومة عسكرية من قبل قوات البيشمركة الكردية أو من قبل الوحدات العسكرية العراقية المتواجدة في المنطقة، خلقت شرخاً في العلاقة الإيزيدية-الكردية، وخاصة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي كان مسؤولاً عن الملفين الأمني والإداري في القضاء آنذاك.
بعد أيام عدة على الإبادة ومع فرار عشرات آلاف الإيزيديين إلى جبل سنجار، دخل حزب العمال الكردستاني (البككا) ووحدات حماية الشعب (اليبكا) على الخط، وقاتل المئات منهم، طوال أيام، ضد “داعش” على جبهات عدة ومنعوهم من السيطرة على الجبل، وأنقذوا لاحقاً الآلاف من القتل والسبيّ أو الموت عطشاً وجوعاً حين فتحوا لهم طريقاً آمناً باتجاه سوريا.
كما قاموا بتنظيم صفوف بعض الناجين في مقاومة شعبية، تشكّلت بشكل عفوي لمواجهة داعش وتنظيمها، كانت نواةً لمجموعة عسكرية سُميت بـ”اليبشا” أو وحدات حماية سنجار، وهي مجموعة عسكرية إيزيدية تعتبرها تركيا جزءاً من البككا وتستهدفها بالمسيرات على هذا الأساس، بينما ينتظم جزء كبير من هذه القوى ضمن قوات الحشد الشعبي، وهي بذلك تعتبر جزءا من منظومة الدفاع العراقية.
غيّر سقوط سنجار وتحريرها بعد نحو عامين، اللاعبين السياسيين والعسكريين فيها، فحتى مع عودة القوات الكردية (من بيشمركة الديمقراطي الكردستاني) إلى شمالي القضاء، احتفظت وحدات حماية سنجار الإيزيدية بوجود قوي لها في العديد من المناطق، بينما أعاد مقاتلون إيزيديون تنظيم أنفسهم وهذه المرة ضمن “فرماندا شنكال” بقيادة قاسم ششّو، القيادي الإيزيدي العضو في الديمقراطي الكردستاني، وابن أخيه حيدر ششّو الذي كان قد أسس قوة حماية إيزيدخان، ليشكّلان أغلبية البيشمركة الإيزيديين.
تغيرت المنظومة الأمنية والإدارية في سنجار مرة أخرى بعد فشل استفتاء استقلال اقليم كردستان الذي جرى في ايلول 2017، حين تحركت وحدات عسكرية من الحكومة الاتحادية للسيطرة على المناطق المتنازع عليها بما فيها كركوك وسنجار، فانسحبت سريعاً منظومة البيشمركة من سنجار، ما عدا جزء من القوى المرتبطة بقاسم وحيدر ششّو، وهما القوتان اللتان تحتفظان بتواجد لا يرقى لسيطرة فعلية على الأرض.
واستغلت قوات الحشد الشعبي التي تحركت مع القوات العراقية، الفراغ الذي تشكل في العديد من المناطق نتيجة انسحاب البيشمركة لتفرض وجودها الأمني هناك بقوة، وسرعان ما عملت على استقطاب مقاتلين إيزيديين وتنظيم صفوفهم، وشكّلت منهم عدة وحدات عسكرية قتالية وتطوّر تنظيمهم إلى لواء، وارتفع دعمهم بعد قدوم حكومة محمد شياع السوداني المدعومة من فصائل الحشد وإيران.
بالتوازي، استمر تواجد البككا في سنجار بعد تفاهمات حصلت مع الحكومة العراقية والتي قضت بإخلاء مركز القضاء منهم، لتفادي الهجمات التركية على المنطقة، غير أن الهجمات التركية بالمسيرات استمرت، ليس فقط على عناصر بككا الأجانب، وإنما على قوات اليبشا الإيزيدية، وهم مواطنون عراقيون، اذ قتلت تركيا قادة بارزين وعشرات العناصر ممن قاتلوا سابقاً ضد تنظيم “داعش”.
العقدة
مثّلت سنجار، بفعل موقعها الجغرافي، بوابة العراق إلى شمال شرقي سوريا، والممر الرابط بين كردستان العراق ومناطق الإدارة الذاتية الكردية في سوريا، وهي بالنسبة لتركيا بوابتها نحو نينوى ومناطق تواجد التركمان في تلعفر وكركوك، وبالنسبة لإيران، هي مركز انتشار الجماعات الموالية لها وطريق آمن نحو سوريا، بذلك تشكل سنجار أهمية استراتيجية لجميع الفاعلين الأمنيين في الداخل والخارج بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية.
أجبرت أهمية سنجار الاستراتيجية بغداد وأربيل، وبضغط من تركيا، واهتمام من المجتمع الدولي والامم المتحدة، في 9 تشرين الأول 2020، على توقيع اتفاق، كان يُفترض أن يعيد الاستقرار إلى سنجار، فقد قضى بإخراج المجاميع المسلحة من القضاء، وتشكيل إدارة وقوة أمنية محلية بمشاركة الديمقراطي الكردستاني وإعادة إعمار المنطقة.
أمنيا، شُكِّلَت قوة محلية من الشرطة لمسك الملف، وظلّت في مرحلة التدريب دون ان يكون لها دور فعلي، بينما ترسّخ وجود الفصائل والقوى المسلحة التي كان من المفترض أن تخرج.
وإدارياً، استمرّ إقليم كردستان وبعض مؤسسات الدولة الاتحادية بالتعامل مع قائممقام يقوم بعمله من الإقليم ولا يسمح له بدخول القضاء، بينما عيّن الحشد الشعبي قائممقام آخر يدير القضاء من داخله، مما أثّر سلباً على إعادة الإعمار والخدمات وعودة النازحين، لكن مجلس محافظة نينوى الجديد وانطلاقاً من وثيقة “الوئام المجتمعي” أعلن في ٢٧ آذار تشكيل لجنة تشرف على اختيار قائممقام جديد، وألحقها في اليوم التالي باقتراح فتح باب الترشّح للمنصب.
الحشد
على الرغم من إشهار موافقتها عليه، عملت الفصائل المسلحة الحليفة لإيران والتي تعمل تحت لواء مؤسسة الحشد الشعبي، على عرقلة “الاتفاق” مبكراً، كونه يعطي للإقليم، والديمقراطي الكردستاني على وجه التحديد، موطئ قدم مرة أخرى، ويقلل من نفوذها وأصدقائهم على الأرض.
في ١١ من كانون الأول من العام الماضي، زار زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي قضاء سنجار بمحافظة نينوى، بعدها بنحو 3 أشهر وخلال حوار له، قال الخزعلي إن اتّفاقية سنجار “غير قابلة للتحقيق”.
تتمتع الفصائل المسلحة الحليفة لإيران، بنفوذ كبير في سنجار خاصة ومحافظة نينوى عامة منذ تحريرها، وعزّزت تلك الفصائل نفوذها مع وصول محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء، وخلال الأشهر الأخيرة، بعد تحقيقها مكاسب في انتخابات مجالس المحافظات، بات مجلس محافظة نينوى يخضع لقرار “الإطار التنسيقي” السياسي والأمني، حتى أن الكوتا الإيزيدية الوحيدة في مجلس محافظة نينوى أصبحت تحت سيطرته.
في عقدة سنجار، لن تتخلّى الفصائل، كما بقية الأطراف، عن مكاسبها، فهناك أرض خصبة لزراعة مصدّات إيرانية، بوجه تركيا وعودة الديمقراطي الكردستاني، على الرغم من التركيز التركي على سنجار والحديث الدائم عن “التواجد الارهابي” هناك الذي يستوجب مواجهته.
تركيا
تدفع تركيا، أكثر من غيرها، باتجاه تغيير المعادلة الأمنية في سنجار، للتخلص من قوات البككا وحلفائها المحليين من الإيزيديين المنتشرين هناك. بمقابل إيران التي تحاول الحفاظ على وجود وسيطرة حلفائها من فصائل الحشد في سنجار.
وفي 14 آذار ترأس وزير الخارجية التركي هاكان فيدان وفداً رفيع المستوى إلى العراق. حينها، أوضحت سفارة العراق في أنقرة أن “التعاون في المجالات العسكرية والأمنية و[مكافحة] الإرهاب” كان على رأس جدول أعمال الزيارة.
بعد اللقاء، أصدر وزيرا خارجية البلدين بياناً مشتركاً، أشارا فيه إلى أن أنقرة “رحبت بالقرار الذي اتخذه مجلس الأمن القومي العراقي باعتبار حزب العمال الكردستاني منظمة محظورة”.
ونقل البيان تأكيد الجانبين على أن “حزب العمال الكردستاني يمثلّ خطراً أمنياً على كل من تركيا والعراق، ومن المؤكد أن وجود الحزب على الأراضي العراقية يمثل انتهاكاً للدستور العراقي”.
ليس الحظر وحده كافياً لأنقرة، فهي تريد الموقف كلّه: أن يصنف العراق البككا منظمة إرهابية وأن يتصرف معها على هذا الأساس، لكن، ليس ما عادت به حقيبة الوفد التركي من بغداد قليلاً، فإشارة العراق -إلى أن البككا محظور- تنازل يكفي لزيارة أردوغان بغداد، وفتح الباب لتوسّع عسكري آخر، من المتوقع أن يكون سنجار محوراً ساخناً فيه، خاصة أن تركيا تتطلع الى شراكة قوية في ما يعرف بطريق التنمية، وتقول إن اقامته تتطلب إنهاء وجود حزب العمال في سنجار، حيث يمر الطريق المفترض عبر المنطقة أو يجاورها.
النزوح والقصاص
في قلب كلّ هذا التعقيد، يعاني أهالي المنقطة المنكوبة، إغفال قضيتهم وإهمال حياتهم وتردّي الخدمات في مناطقهم، وهذا ينطبق على العائدين إليها بعد سنوات من النزوح في مخيمات إقليم كردستان، حيث ما زال عشرات الآلاف يفضلون الشتات على العودة، عدا أكثر من 100 ألف سنجاري (أي ما يقارب 25 بالمئة من سكّان القضاء) هاجروا إلى خارج العراق، ولا تبدو العودة في خطط أحد منهم.
الصيف القادم، موعد وضعته الحكومة العراقية لإنهاء ملف النزوح وإعادة النازحين الى القضاء، وخصصت أموالاً إضافية لمنحة العودة، كما أعلنت أنها ستغلق الدوائر الخدمية والمدارس وغيرها من المؤسسات الحكومية التي افتُتِحت لخدمة النازحين في إقليم كردستان بعد تجربة “داعش” 2014، وليس إغلاق هذه المؤسسات إلّا وسيلة ضغط لعودة، يقال عنها “طوعية”.
يرى النازحون العودة مستحيلة، في ظل تدمير مناطقهم ومنازلهم وضعف الخدمات فيها وغياب فرص العمل، وعدم صرف أو تأخر مبالغ المنحة المقررة، والتي لا تكفي بسقفها الأعلى لترميم غرفة وليس منزلاً مهدماً.
ولن تكون العودة مجدية دون معالجة الشرخ الاجتماعي الكبير الذي أحدثه داعش، إذ يتهم الكثير من الإيزيديين بعض العشائر السنية، التي دعم أفرادٌ وشيوخٌ منها التنظيمَ الإرهابي، كعشيرة البومتيوت أو التركمان السنة، بالمشاركة في جرائم التنظيم، بينما يحتفظ المجتمع الإيزيدي بعلاقات جيدة مع العشائر العربية السنية التي لم تشارك على نطاق واسع كعشيرة شمّر، ولا يمكن تحقيق المصالحة بين مكونات سنجار والمناطق المجاورة من دون المرور بتحقيق العدالة في قضية الإبادة الإيزيدية بما فيه محاكمة المتهمين بالجرائم.
في 20 من آذار الماضي، نشرت وكالة رويترز للأنباء، أن فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل داعش في العراق (يونيتاد)، اضطُر لإنهاء عمله مبكراً قبل استكمال التحقيقات بسبب توتر علاقته مع الحكومة العراقية.
رئيس الفريق كريستيان ريتشر شدد على أن “يونيتاد” تشكّل لمساعدة العراق على محاسبة أعضاء تنظيم داعش على الجرائم الدولية والإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، لكن العراق لم يصدر تشريعا يسمح بذلك داخل البلاد مما يترك فريق التحقيق “في حالة ترقب”.
إنهاء عمل (يونتاد) قبل إكمال مهامها، وعدم وجود محكمة دولية أو عراقية-دولية أو عراقية تتعامل مع ملفات التحقيق التي جُمعت خلال السنوات الماضية، إضافةً لشبه الاتفاق السياسي على طيّ صفحة داعش بالنسيان وتقاسم مكاسب ما بعده، أعطى للإيزيديين وضحايا داعش مؤشراً آخر على عدم وجود رغبة حقيقية في تحقيق العدالة ومحاسبة عناصر التنظيم.
ويبقي هذا التجاهل في تحقيق العدالة بالوسائل القانونية، باب الصراعات والانقسام في مجتمع سنجار خصوصا والعراق عموماً مفتوحاً على مصراعيه، لدرجة يصعب معها تنفيذ “اتفاقية” أو “ميثاق للوئام” تعرّض، قبل تنفيذه، لانتقادات واسعة من شخصيات ونشطاء إيزيديين بعد يوم من إعلانه، بسبب الوضع القائم وعدم تحقيق العدالة.
الـ”اتفاق” و الـ”وثيقة”
ستتطلب إعادة إحياء اتفاقية سنجار، تغييراً كبيراً في المعادلة السياسية والأمنية، خاصة على صعيد العلاقة بين حكومتي بغداد وإقليم كردستان، ولا يبدو ذلك ممكناً لتبدل موازين القوى، ولفرط التعقيد، وضعف موقف حكومة أربيل أمام الحكومة في بغداد وفصائل الحشد، وأمام المجتمع الإيزيدي، الذي لم يعد أولوية لها، وهو ما يضع بغداد -والفصائل- موضع ارتياحٍ، يساعد بتجاهل مطالب الديمقراطي الكردستاني أو التملّص من تنفيذ الاتفاقية، حتى في ظل الرغبة التركية بتحقيق ذلك.
بالمجمل، لم يُمرّر “الاتفاق” من أجل مصلحة أهالي القضاء أو الإيزيديين، ولا لردّ الاعتبار عن الإبادة الجماعية التي ارتكبت بحقهم أو لإعادة الحياة إلى المنطقة المنكوبة، وانما كان محاولة لخلق توازن بين الجهات المختلفة بهدف إنهاء أو تخفيف صراع محليّ إقليمي دولي قائم على أرض سنجار، صراع لن يوقفه “اتفاق” ولن تعالجه “وثيقة”.
* تنشر هذه المادة بالشراكة مع الشبكة العراقية للصحافة الاستقصائية ”نيريج”
ومنكم/ن نستفيد ونتعلم
هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media
اقرأ ايضاً
دكتاتورية وذكورية: التمثيل النسائي في البرلمان العراقي
08 أكتوبر 2024
العلاقات العراقية الصينية: محصلة الماضي والحاضر ورهان المستقبل
06 أكتوبر 2024
معضلة الزعامة الدينية عند سنة العراق: لماذا لم يصنعوا مرجعية؟
04 أكتوبر 2024
الرئيس الإيراني في بغداد: زيارة بزشكيان "السياحية" إلى العراق
01 أكتوبر 2024
في 30 من آذار الماضي، أعلن عبد القادر الدخيل محافظ نينوى (510 كم شمال بغداد)، توقيع وثيقة “الوئام المجتمعي” في شمال قضاء سنجار برعاية معهد الولايات المتحدة للسلام، وجمعية التحرير والبناء الأمريكية. في اليوم التالي، كشف محمد الجبوري نائب رئيس مجلس محافظة نينوى، عن توجه لتعديل “اتفاقية سنجار” المعطلة، والتي أبرمتها الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان في تشرين الأول عام 2020.
لنحو 4 سنوات، ظلّت سنجار، واتفاقيتها، راكدتَيْن في بِركة الانقسام السياسي والتوتّر الأمني وتعدد جهات النفوذ والسلاح، لتظل منقسمة ومدمرة، بعد تجربة مريرة مرّت بها المنطقة ذات الغالبية الإيزيدية، على يد تنظيم “داعش” صيف 2014، لتأتي وثيقة “الوئام المجتمعي” كمحاولة لتحريك الوضع القائم وايجاد شيء من الوفاق المجتمعي الذي قد يفضي لحل، بعد أن عجزت “الاتفاقية” عن إيجاد طريقها للتطبيق على أرض الواقع.
شيء عن سنجار
لسنجار تاريخ، يعود المدوَّن منه، إلى العصر البرونزي (3000 إلى 1200 سنة قبل الميلاد) حيث جاء اسمها في الألواح الطينية المعروفة باسم “رسائل امارنا” وهي ألواح مسمارية من بلاد الرافدين/ ميزوبوتاميا، كما وردت في كتابي جينسس (Genesis 10.10 and 11.2) تحت اسم Shinar. وفي الفترة بين القرن الأول الميلادي وأواخر القرن الرابع، صارت لسنجار أهمية عسكرية كمستعمرة رومانية، بعد أن احتل الروم المنطقة وبنوا فيها قلعة محصنة استخدمت في إطار الصراع مع الفرس.
يعود وجود الإيزيديين في سنجار-أو شنگال حسب التسمية الكردية-، إلى حقبة شرف الدين بن الحسن الذي يعتبر أحد أبرز شيوخ الديانة الإيزيدية في القرن الثاني عشر والذي حكم سنجار آنذاك. وعاشت على الأرض نفسها مكونات متعددة كالمسلمين (أغلبية سنية وأقلية شيعية) والمسيحيين والآشوريين، والعرب والكرد.
بعد الغزو الأمريكي للعراق 2003 ونهاية حكم نظام صدام حسين، ظهرت في سنجار أولى بوادر الصراع الإداري والأمني بين بغداد وإقليم كردستان، مع السيطرة شبه المطلقة للقوى الكردية على سنجار إسوة بكركوك وسهل نينوى وخانقين وغيرها من المناطق المتنازع عليها والمشمولة بالمادة 140 من الدستور العراقي.
ورغم عدم تنفيذ المادة الدستورية المتضمنة ثلاث مراحل (التطبيع، والإحصاء والاستفتاء) الّا أنّ السلطات الكردية، وخاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني، تعاملت مع سنجار كامتداد طبيعي لعمقها الجغرافي والثقافي والاجتماعي، فارضةً قرارها الأمني والإداري على القضاء طيلة السنوات التي سبقت اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” للمنطقة.
الفاجعة
في الثالث من آب 2014، هاجم تنظيم “داعش” سنجار واستباحها وخطف واستعبد آلاف النساء والأطفال الإيزيديين، وقتل أكثر من خمسة آلاف إيزيدي. واستناداً إلى الأمم المتحدة، لا يزال نحو ثلاثة آلاف مختطف إيزيدي مجهول المصير، غالبيتهم من النساء والفتيات والأطفال.
خلقت سيطرة التنظيم الإرهابي على سنجار، من دون مقاومة عسكرية من قبل قوات البيشمركة الكردية أو من قبل الوحدات العسكرية العراقية المتواجدة في المنطقة، خلقت شرخاً في العلاقة الإيزيدية-الكردية، وخاصة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي كان مسؤولاً عن الملفين الأمني والإداري في القضاء آنذاك.
بعد أيام عدة على الإبادة ومع فرار عشرات آلاف الإيزيديين إلى جبل سنجار، دخل حزب العمال الكردستاني (البككا) ووحدات حماية الشعب (اليبكا) على الخط، وقاتل المئات منهم، طوال أيام، ضد “داعش” على جبهات عدة ومنعوهم من السيطرة على الجبل، وأنقذوا لاحقاً الآلاف من القتل والسبيّ أو الموت عطشاً وجوعاً حين فتحوا لهم طريقاً آمناً باتجاه سوريا.
كما قاموا بتنظيم صفوف بعض الناجين في مقاومة شعبية، تشكّلت بشكل عفوي لمواجهة داعش وتنظيمها، كانت نواةً لمجموعة عسكرية سُميت بـ”اليبشا” أو وحدات حماية سنجار، وهي مجموعة عسكرية إيزيدية تعتبرها تركيا جزءاً من البككا وتستهدفها بالمسيرات على هذا الأساس، بينما ينتظم جزء كبير من هذه القوى ضمن قوات الحشد الشعبي، وهي بذلك تعتبر جزءا من منظومة الدفاع العراقية.
غيّر سقوط سنجار وتحريرها بعد نحو عامين، اللاعبين السياسيين والعسكريين فيها، فحتى مع عودة القوات الكردية (من بيشمركة الديمقراطي الكردستاني) إلى شمالي القضاء، احتفظت وحدات حماية سنجار الإيزيدية بوجود قوي لها في العديد من المناطق، بينما أعاد مقاتلون إيزيديون تنظيم أنفسهم وهذه المرة ضمن “فرماندا شنكال” بقيادة قاسم ششّو، القيادي الإيزيدي العضو في الديمقراطي الكردستاني، وابن أخيه حيدر ششّو الذي كان قد أسس قوة حماية إيزيدخان، ليشكّلان أغلبية البيشمركة الإيزيديين.
تغيرت المنظومة الأمنية والإدارية في سنجار مرة أخرى بعد فشل استفتاء استقلال اقليم كردستان الذي جرى في ايلول 2017، حين تحركت وحدات عسكرية من الحكومة الاتحادية للسيطرة على المناطق المتنازع عليها بما فيها كركوك وسنجار، فانسحبت سريعاً منظومة البيشمركة من سنجار، ما عدا جزء من القوى المرتبطة بقاسم وحيدر ششّو، وهما القوتان اللتان تحتفظان بتواجد لا يرقى لسيطرة فعلية على الأرض.
واستغلت قوات الحشد الشعبي التي تحركت مع القوات العراقية، الفراغ الذي تشكل في العديد من المناطق نتيجة انسحاب البيشمركة لتفرض وجودها الأمني هناك بقوة، وسرعان ما عملت على استقطاب مقاتلين إيزيديين وتنظيم صفوفهم، وشكّلت منهم عدة وحدات عسكرية قتالية وتطوّر تنظيمهم إلى لواء، وارتفع دعمهم بعد قدوم حكومة محمد شياع السوداني المدعومة من فصائل الحشد وإيران.
بالتوازي، استمر تواجد البككا في سنجار بعد تفاهمات حصلت مع الحكومة العراقية والتي قضت بإخلاء مركز القضاء منهم، لتفادي الهجمات التركية على المنطقة، غير أن الهجمات التركية بالمسيرات استمرت، ليس فقط على عناصر بككا الأجانب، وإنما على قوات اليبشا الإيزيدية، وهم مواطنون عراقيون، اذ قتلت تركيا قادة بارزين وعشرات العناصر ممن قاتلوا سابقاً ضد تنظيم “داعش”.
العقدة
مثّلت سنجار، بفعل موقعها الجغرافي، بوابة العراق إلى شمال شرقي سوريا، والممر الرابط بين كردستان العراق ومناطق الإدارة الذاتية الكردية في سوريا، وهي بالنسبة لتركيا بوابتها نحو نينوى ومناطق تواجد التركمان في تلعفر وكركوك، وبالنسبة لإيران، هي مركز انتشار الجماعات الموالية لها وطريق آمن نحو سوريا، بذلك تشكل سنجار أهمية استراتيجية لجميع الفاعلين الأمنيين في الداخل والخارج بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية.
أجبرت أهمية سنجار الاستراتيجية بغداد وأربيل، وبضغط من تركيا، واهتمام من المجتمع الدولي والامم المتحدة، في 9 تشرين الأول 2020، على توقيع اتفاق، كان يُفترض أن يعيد الاستقرار إلى سنجار، فقد قضى بإخراج المجاميع المسلحة من القضاء، وتشكيل إدارة وقوة أمنية محلية بمشاركة الديمقراطي الكردستاني وإعادة إعمار المنطقة.
أمنيا، شُكِّلَت قوة محلية من الشرطة لمسك الملف، وظلّت في مرحلة التدريب دون ان يكون لها دور فعلي، بينما ترسّخ وجود الفصائل والقوى المسلحة التي كان من المفترض أن تخرج.
وإدارياً، استمرّ إقليم كردستان وبعض مؤسسات الدولة الاتحادية بالتعامل مع قائممقام يقوم بعمله من الإقليم ولا يسمح له بدخول القضاء، بينما عيّن الحشد الشعبي قائممقام آخر يدير القضاء من داخله، مما أثّر سلباً على إعادة الإعمار والخدمات وعودة النازحين، لكن مجلس محافظة نينوى الجديد وانطلاقاً من وثيقة “الوئام المجتمعي” أعلن في ٢٧ آذار تشكيل لجنة تشرف على اختيار قائممقام جديد، وألحقها في اليوم التالي باقتراح فتح باب الترشّح للمنصب.
الحشد
على الرغم من إشهار موافقتها عليه، عملت الفصائل المسلحة الحليفة لإيران والتي تعمل تحت لواء مؤسسة الحشد الشعبي، على عرقلة “الاتفاق” مبكراً، كونه يعطي للإقليم، والديمقراطي الكردستاني على وجه التحديد، موطئ قدم مرة أخرى، ويقلل من نفوذها وأصدقائهم على الأرض.
في ١١ من كانون الأول من العام الماضي، زار زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي قضاء سنجار بمحافظة نينوى، بعدها بنحو 3 أشهر وخلال حوار له، قال الخزعلي إن اتّفاقية سنجار “غير قابلة للتحقيق”.
تتمتع الفصائل المسلحة الحليفة لإيران، بنفوذ كبير في سنجار خاصة ومحافظة نينوى عامة منذ تحريرها، وعزّزت تلك الفصائل نفوذها مع وصول محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء، وخلال الأشهر الأخيرة، بعد تحقيقها مكاسب في انتخابات مجالس المحافظات، بات مجلس محافظة نينوى يخضع لقرار “الإطار التنسيقي” السياسي والأمني، حتى أن الكوتا الإيزيدية الوحيدة في مجلس محافظة نينوى أصبحت تحت سيطرته.
في عقدة سنجار، لن تتخلّى الفصائل، كما بقية الأطراف، عن مكاسبها، فهناك أرض خصبة لزراعة مصدّات إيرانية، بوجه تركيا وعودة الديمقراطي الكردستاني، على الرغم من التركيز التركي على سنجار والحديث الدائم عن “التواجد الارهابي” هناك الذي يستوجب مواجهته.
تركيا
تدفع تركيا، أكثر من غيرها، باتجاه تغيير المعادلة الأمنية في سنجار، للتخلص من قوات البككا وحلفائها المحليين من الإيزيديين المنتشرين هناك. بمقابل إيران التي تحاول الحفاظ على وجود وسيطرة حلفائها من فصائل الحشد في سنجار.
وفي 14 آذار ترأس وزير الخارجية التركي هاكان فيدان وفداً رفيع المستوى إلى العراق. حينها، أوضحت سفارة العراق في أنقرة أن “التعاون في المجالات العسكرية والأمنية و[مكافحة] الإرهاب” كان على رأس جدول أعمال الزيارة.
بعد اللقاء، أصدر وزيرا خارجية البلدين بياناً مشتركاً، أشارا فيه إلى أن أنقرة “رحبت بالقرار الذي اتخذه مجلس الأمن القومي العراقي باعتبار حزب العمال الكردستاني منظمة محظورة”.
ونقل البيان تأكيد الجانبين على أن “حزب العمال الكردستاني يمثلّ خطراً أمنياً على كل من تركيا والعراق، ومن المؤكد أن وجود الحزب على الأراضي العراقية يمثل انتهاكاً للدستور العراقي”.
ليس الحظر وحده كافياً لأنقرة، فهي تريد الموقف كلّه: أن يصنف العراق البككا منظمة إرهابية وأن يتصرف معها على هذا الأساس، لكن، ليس ما عادت به حقيبة الوفد التركي من بغداد قليلاً، فإشارة العراق -إلى أن البككا محظور- تنازل يكفي لزيارة أردوغان بغداد، وفتح الباب لتوسّع عسكري آخر، من المتوقع أن يكون سنجار محوراً ساخناً فيه، خاصة أن تركيا تتطلع الى شراكة قوية في ما يعرف بطريق التنمية، وتقول إن اقامته تتطلب إنهاء وجود حزب العمال في سنجار، حيث يمر الطريق المفترض عبر المنطقة أو يجاورها.
النزوح والقصاص
في قلب كلّ هذا التعقيد، يعاني أهالي المنقطة المنكوبة، إغفال قضيتهم وإهمال حياتهم وتردّي الخدمات في مناطقهم، وهذا ينطبق على العائدين إليها بعد سنوات من النزوح في مخيمات إقليم كردستان، حيث ما زال عشرات الآلاف يفضلون الشتات على العودة، عدا أكثر من 100 ألف سنجاري (أي ما يقارب 25 بالمئة من سكّان القضاء) هاجروا إلى خارج العراق، ولا تبدو العودة في خطط أحد منهم.
الصيف القادم، موعد وضعته الحكومة العراقية لإنهاء ملف النزوح وإعادة النازحين الى القضاء، وخصصت أموالاً إضافية لمنحة العودة، كما أعلنت أنها ستغلق الدوائر الخدمية والمدارس وغيرها من المؤسسات الحكومية التي افتُتِحت لخدمة النازحين في إقليم كردستان بعد تجربة “داعش” 2014، وليس إغلاق هذه المؤسسات إلّا وسيلة ضغط لعودة، يقال عنها “طوعية”.
يرى النازحون العودة مستحيلة، في ظل تدمير مناطقهم ومنازلهم وضعف الخدمات فيها وغياب فرص العمل، وعدم صرف أو تأخر مبالغ المنحة المقررة، والتي لا تكفي بسقفها الأعلى لترميم غرفة وليس منزلاً مهدماً.
ولن تكون العودة مجدية دون معالجة الشرخ الاجتماعي الكبير الذي أحدثه داعش، إذ يتهم الكثير من الإيزيديين بعض العشائر السنية، التي دعم أفرادٌ وشيوخٌ منها التنظيمَ الإرهابي، كعشيرة البومتيوت أو التركمان السنة، بالمشاركة في جرائم التنظيم، بينما يحتفظ المجتمع الإيزيدي بعلاقات جيدة مع العشائر العربية السنية التي لم تشارك على نطاق واسع كعشيرة شمّر، ولا يمكن تحقيق المصالحة بين مكونات سنجار والمناطق المجاورة من دون المرور بتحقيق العدالة في قضية الإبادة الإيزيدية بما فيه محاكمة المتهمين بالجرائم.
في 20 من آذار الماضي، نشرت وكالة رويترز للأنباء، أن فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل داعش في العراق (يونيتاد)، اضطُر لإنهاء عمله مبكراً قبل استكمال التحقيقات بسبب توتر علاقته مع الحكومة العراقية.
رئيس الفريق كريستيان ريتشر شدد على أن “يونيتاد” تشكّل لمساعدة العراق على محاسبة أعضاء تنظيم داعش على الجرائم الدولية والإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، لكن العراق لم يصدر تشريعا يسمح بذلك داخل البلاد مما يترك فريق التحقيق “في حالة ترقب”.
إنهاء عمل (يونتاد) قبل إكمال مهامها، وعدم وجود محكمة دولية أو عراقية-دولية أو عراقية تتعامل مع ملفات التحقيق التي جُمعت خلال السنوات الماضية، إضافةً لشبه الاتفاق السياسي على طيّ صفحة داعش بالنسيان وتقاسم مكاسب ما بعده، أعطى للإيزيديين وضحايا داعش مؤشراً آخر على عدم وجود رغبة حقيقية في تحقيق العدالة ومحاسبة عناصر التنظيم.
ويبقي هذا التجاهل في تحقيق العدالة بالوسائل القانونية، باب الصراعات والانقسام في مجتمع سنجار خصوصا والعراق عموماً مفتوحاً على مصراعيه، لدرجة يصعب معها تنفيذ “اتفاقية” أو “ميثاق للوئام” تعرّض، قبل تنفيذه، لانتقادات واسعة من شخصيات ونشطاء إيزيديين بعد يوم من إعلانه، بسبب الوضع القائم وعدم تحقيق العدالة.
الـ”اتفاق” و الـ”وثيقة”
ستتطلب إعادة إحياء اتفاقية سنجار، تغييراً كبيراً في المعادلة السياسية والأمنية، خاصة على صعيد العلاقة بين حكومتي بغداد وإقليم كردستان، ولا يبدو ذلك ممكناً لتبدل موازين القوى، ولفرط التعقيد، وضعف موقف حكومة أربيل أمام الحكومة في بغداد وفصائل الحشد، وأمام المجتمع الإيزيدي، الذي لم يعد أولوية لها، وهو ما يضع بغداد -والفصائل- موضع ارتياحٍ، يساعد بتجاهل مطالب الديمقراطي الكردستاني أو التملّص من تنفيذ الاتفاقية، حتى في ظل الرغبة التركية بتحقيق ذلك.
بالمجمل، لم يُمرّر “الاتفاق” من أجل مصلحة أهالي القضاء أو الإيزيديين، ولا لردّ الاعتبار عن الإبادة الجماعية التي ارتكبت بحقهم أو لإعادة الحياة إلى المنطقة المنكوبة، وانما كان محاولة لخلق توازن بين الجهات المختلفة بهدف إنهاء أو تخفيف صراع محليّ إقليمي دولي قائم على أرض سنجار، صراع لن يوقفه “اتفاق” ولن تعالجه “وثيقة”.
* تنشر هذه المادة بالشراكة مع الشبكة العراقية للصحافة الاستقصائية ”نيريج”