"الكل يمتلك حقاً بالأطفال إلا الأم".. عن أرامل يحاولن حضانة أطفالهن 

نشوى نعيم

18 كانون الثاني 2024

بعد وفاة الزوج، قد لا يرين أطفالهن أو يقبلن العيش في "بيوت العيال" أو يتمّ التحكم بهن.. قصص أرامل فقدن أو كدن أن يفقدن أبناءهن وبناتهن بعد أن اكتشفن أن الأهل والعشيرة ورجال الدين لهم الحق بأطفالهن أكثر منهن.

لولا التعنيف وسوء المعاملة، لم تكن نغم لتفارق أبناءها وتعيش بعيدة عنهم لا تشاركهم أفراحهم ولا تساندهم في المصاعب. 

فقدت نغم (49 عاماً) زوجها عام 2009 في إثر مرض ألمّ به، ومنذ ذلك الحين دخلت في صراع على الأبناء مع أهل الزوج. 

لم يكن أهل زوجها مرحبين ببقائها معهم في منزلهم، وفي الوقت ذاته أرادوا الاحتفاظ بالأبناء، فراحوا يخططون لحمل نغم على المغادرة من دون أبنائها. 

وكانت خطتهم تتمحور حول إساءة معاملتها وضربها وشتمها لأتفه الأسباب، لكي تكره حياتها معهم وتتنازل عن كل شيء من أجل الخلاص. 

وقد نجحت الخطة بالفعل. 

قررت نغم العودة إلى بيت أهلها تاركة أبناءها في عهدة بيت جدهم لأبيهم. 

ومن أسباب اضطرارها إلى اتخاذ هذا القرار هو أن الأبناء طلبوا بأنفسهم مغادرتها وبقاءهم في بيت جدهم، لشعورهم بالسأم الشديد من المشكلات والمشاجرات اليومية. 

كان عمر أكبر أبنائها في ذلك الحين 16 عاماً، وله شقيقان وشقيقة يصغرونه بسنوات قليلة. 

وهناك سبب آخر أجبرها على تجرع مرارة القرار يتعلق بالوضع المعيشي لأهلها، فهم يسكنون بيتاً صغيراً ولا يسعهم تحمل نفقتها ونفقة الأبناء. 

بينما يتمتع أهل زوجها بإمكانيات أعلى بكثير. 

في المحصلة، هي لا تملك مالاً تدفعه أجوراً للمحامين، وأهلها رفضوا استقبالها مع أبنائها لضيق الحال، والأبناء اختاروا البقاء في بيت جدهم. كل ذلك منعها من اللجوء إلى القضاء للحصول على حضانة الأبناء. 

وكان زوجها يمتلك أموالاً وعقارات وسيارات، لكنها لم تحصل على أي شيء منها. 

فبعد انتقالها إلى بيت أهلها، طلب أهله منها التوقيع على تنازل عن كل تركته. 

“أخبروني بأنهم يريدون شراء أملاك جديدة بدلاً من القديمة، وإعادتي للعيش معهم قرب أبنائي” تقول نغم لـ”جمّار”. 

انطلت الحيلة عليها ووقعّت على التنازل أمام كاتب العدل، ولم تقبض بعد ذلك سوى على الريح. 

ولما لجأت إلى محام أبلغها بأنها لم تعد تملك حقاً في أي شيء من تركة زوجها بعد توقيعها على التنازل. 

لم تجد الراحة التي تنشدها في بيت أهلها، فاستأجرت بيتاً صغيراً وانتقلت للعيش فيه بمفردها. 

تحصل حالياً على راتب من شبكة الرعاية الاجتماعية يبلغ 123 ألف دينار شهرياً (نحو 80 دولاراً)، وهو مبلغ زهيد لا يكفي لسد أبسط الاحتياجات. 

“حرّ صيف العراق الذي لا يتحمله أحد، أنا أتحمله، لأنني لا أستطيع الاشتراك في مولدة أهلية” تقول لنا. 

لم تر أبناءها منذ سنتين، حتى أن ولدها البكر عُقد قرانه وهي لا تدري، وابنتها أرغمت على الزواج في سن 15 عاماً وهي غير راضية، ولكن لا تقوى على فعل شيء. 

أحلاهما مر 

فقدت أزهار (33 عاماً) زوجها في حادث سير عام 2020، بعد إنجابها ثلاثة أطفال منه كان عمر أكبرهم في ذلك الوقت تسع سنوات. 

بقيت ساكنة في بيت أهل زوجها مع أطفالها، لكنها لم تكن مرتاحة بسبب وجود أحمائها المتزوجين والعزّاب، وضغوط أهلها عليها النابعة من أن عاداتهم لا تسمح بهذا الوضع. 

ولم تمر أشهر على وفاة زوجها حتى بدأ الضغط من أهله عليها لتزويجها بأحد إخوته. 

رفضت ذلك لأنها كانت تشعر بأنه أحد أشقائها. 

اقترحوا أن يكون الزواج على الورق فقط من أجل بقائها مع الأطفال بينهم، لكنها أصرت على الرفض لأنها لا تريد العيش في وضع كهذا. 

بعد ذلك هددها والد زوجها بأخذ الأطفال عنوة، وانقسمت العائلة بين مؤيد ومعارض. 

وكان الجد متمسكاً بموقفه بداعي أنه لا يريد إلقاء أحفاده في كنف رجل غريب إذا قررت الأم الزواج. 

وفي نهاية المطاف أُخذ الأطفال منها وطُردت من بيت أهل زوجها، على الرغم من أن عمر أصغرهم كان ثلاث سنوات فقط. 

“بقي الأطفال مدة طويلة في بيت جدهم وأنا محرومة منهم”، تقول لـ”جمّار”. 

ومن شدة القلق والحزن أصيبت بجلطة دماغية ما زالت تعاني من آثارها حتى الآن. 

وبعد تدخل عشائري، وافق الجد على إعادة أطفالها إليها شريطة عودتهم إليه إذا قررت يوماً الزواج. 

وحتى بعد عودة أطفالها إليها، ما زال أهل زوجها يتحكمون بحياتها وهي ساكنة في بيت أهلها. 

يعارضون مثلاً إكمالها الدراسة أو العمل بذريعة حرصهم على تفرغها لتربية أطفال ابنهم الراحل، وحتى سفرها مع أطفالها غير مسموح به من قبلهم إلا بموافقة الجد. 

واستناداً إلى روايتها، يوصي الجد حفيده بتفتيش هاتف أمه ومعرفة مع من تتحدث، في محاولة منه لإثبات أنها سيئة السمعة حتى يأخذ الأطفال منها مرة أخرى. 

تدرك أزهار أن القانون لا يمنح جدها حق التصرف بهذه الطريقة، لكنها تدرك في المقابل أن الاتفاقات العشائرية تكون أقوى من القانون أحياناً، لذا لم تلجأ إلى حلول قضائية بعد تحويل الموضوع إلى عشائري. 

زيجة الندم 

بعد زواج دام ست سنوات وأثمر طفلة وطفلاً، فقدت ميسون زوجها. عمر ابنتها الآن أربع سنوات وابنها سنة ونصف السنة. 

انتقلت بعد وفاة زوجها للعيش في بيت أهلها، فأخذ أهل الزوج يضغطون عليها لإقناعها بالزواج من أحد أشقائه. 

حاولوا إقناعها بأن الزواج منه سيضمن احتفاظها بالطفلين اللذين سيأخذونهما منها إذا ارتبطت برجل آخر. 

وخيّروها بين اثنين من الأشقاء أحدهما متزوج ولديه أطفال والآخر أرمل يكبرها بعشرين سنة ولديه ثلاثة أبناء. 

كان عمرها 19 سنة آنذاك. 

وخشية فقدانها طفليها، وافقت ميسون على الزواج من الأرمل. 

لم تكن تعرف في ذلك الحين شيئاً عن الدعاوى القضائية وإمكانية احتفاظها بالطفلين بأمر من المحكمة من دون القبول بخيار الزواج من شقيق زوجها الراحل. 

كما أنها فكرت في أنه قد يكون أباً جيداً لهما. 

واستطاعت تقبل فكرة الزواج منه لأنه يسكن في محافظة واسط ولم يكن يزورهم كثيراً. 

لكنها لم تعش سعيدة في هذا الزواج. 

“لو كنت في نضجي الحالي لما قبلت بهذه الزيجة” تقول لـ”جمّار”. 

وما زالت حتى الآن تشعر بالندم على قرارها لأنها لم تعش سعيدة بزواجها من شقيق زوجها المتوفى، إذ أن أبناءه لم يتقبلوها في بيت أبيهم، ما أدى إلى سيطرة مشاعر الغيرة على أجواء العائلة، إضافة إلى معاناتها من فارق العمر. 

البيت الممنوع 

ما زالت إيمان (38 عاماً) تعيش في بيت أهل زوجها بمدينة السماوة مركز محافظة المثنى، على الرغم من وفاته عام 2020، لتتمكن من الاحتفاظ ببناتها الثلاث. 

عندما توفي زوجها، قال لها أهله إنها لا تملك حق السكن مع بناتها في بيت منفصل لعدم وجود رجل معها. 

وهي تمتلك بيتاً بالفعل لكنها لم تنتقل إليه. 

رضيت على مضض بالبقاء في بيت أهل زوجها -وهو ابن عمتها- بعد حصول اتفاق بينهم وبين أهلها بهذا الشأن. 

“أعرف أنه لا يحق لهم قانونياً أخذ بناتي مني إذا انتقلت للسكن في بيتي الخاص، لكن هناك تقاليد وأعرافاً، ولم أشأ معارضة رغبة أعمام بناتي في بقائنا معهم” تقول لـ”جمّار”. 

تتسلم حالياً راتباً من دائرة الرعاية الاجتماعية مقداره 320 ألف دينار شهرياً، وهو مبلغ لا يسد احتياجاتها واحتياجات بناتها الطالبات في المدارس، فعملت بالخياطة لتحصل على مردود إضافي. 

أعراف تحكم 

تقول الحقوقية بشرى العبيدي إن هناك شروطاً عدة يجب توافرها في الحاضنة. 

“والشروط هي أن تكون “عاقلة وأمينة وقادرة على رعاية المحضون وصونه والعناية به وألا تكون سيئة السمعة. 

وإذا لم تتوافر هذه الشروط أو بعضها في الأم، تقرر المحكمة إحالة الحضانة لمن تراه مناسباً من أقرب الأقرباء. 

لكن العبيدي تقر بأن القضاء ينحاز أحياناً إلى العرف الاجتماعي. 

وتشير إلى أن الحضانة تُحسم عشائرياً لصالح أهل الزوج المتوفى، ولكي تحتفظ الأرملة بأطفالها تُجبر على عدم الزواج، أو الزواج من أحد إخوة الزوج. 

“هذا فيه كثير من الإذلال والإهانة للأرملة التي قد تمتنع عن الزواج وفاءً لزوجها، لكن العرف لا يراعي ذلك” تقول العبيدي لـ”جمّار”. 

وتعزو العبيدي أسباب عدم تقديم شكوى من قبل الأرامل اللواتي يتعرضن لضغوط في هذا الشأن، إلى الكلفة المالية للقضايا وخشية معظم النساء من دخول مراكز الشرطة. 

وتعود الحقوقية إلى التأكيد على أن الوصاية تُمنح كاملة للأم الأرملة في القانون العراقي، وليس من حق أحد أن يفرض شيئاً مخالفاً للقانون، لكن ما يجري من فرض شروط وضغوط على الأرامل ليحتفظن بأبنائهن نابع من الأعراف والتقاليد. 

العشيرة قبل القضاء 

في العرف العشائري، تكون الأرملة هي الأحق بحضانة أطفالها إذا لم تكن تنوي الزواج، بحسب نافع كزار أحد شيوخ العشائر. 

أما إذا قررت الزواج -والكلام ما زال لكزار- فإن الحضانة تنتقل إلى الجد من جهة الأب أو الأعمام، وفقاً لقاعدة عشائرية “ترفض تربية الأحفاد في كنف رجل غريب ولاسيما إذا كان من عشيرة أخرى”. 

ويضيف كزار أن هناك زيجات كثيرة ناجحة بين الأرامل وأشقاء أزواجهن المتوفين، لكنه يشدد على أن مثل هكذا زيجة يجب ألّا تتم بإجبار النساء أو استغلالهن. 

ويشير إلى أن العشيرة تحترم القرار القضائي إذا اشتكت الأرملة وحصلت على حق قانوني بالحضانة تحت كل الظروف، لكنه يستدرك بأن معظم الناس يلجؤون إلى الحل العشائري في هذه الحالات. 

“في المحاكم لا تحل الأمور بسهولة، بينما العشائر تحل المشكلة في جلسة واحدة، وإذا حصل اتفاق عشائري فمن المستحيل نقضه والذهاب إلى المحاكم” يقول كزار لـ”جمّار”. 

ويدلي عاجل كاظم الزيادي، شيخ عشيرة، برأي مشابه لرأي كزار في أحقية الجد أو الجدة من جهة الأب المتوفى في حضانة أطفاله. 

يقول الزيادي “لا يمكن لأهل الزوجة الأرملة ولا لزوجها الجديد إذا تزوجت الاحتفاظ بحضانة الأطفال”. 

ويكون التشدد أعلى تجاه الإناث، ففي المجتمع العشائري تعد الطفلة “عرضاً” ويجب أن تكبر على تقاليد وعادات أهل الزوج وعشيرته. 

وإذا قررت الأرملة الزواج من رجل آخر، يتاح لها مقابلة أطفالها مرة واحدة أسبوعياً أو شهرياً إذا كانت أعمارهم فوق خمس سنوات، أما إذا كانوا أصغر فالمجتمع العشائري يراعي أحياناً أن يبقوا عند الأم، بحسب الزيادي. 

ويرى أن العرف يشكل أهمية حتى عند القضاة، “فهم يقولون في بعض القضايا حلوها عشائرياً أفضل” ولا يفضلون أن يكون الحل القانوني أولاً. 

ويتابع الزيادي “حتى إذا أصدر القاضي قراراً يبقى التدخل العشائري أقوى”. 

ماذا يقول الدين؟ 

للشريعة الدينية تفاصيل أخرى بشأن حضانة الأطفال أيتام الأب. 

يقول علي الشريفي، رجل دين، إن الشرع ينص على انتقال الوصاية إلى الجد من طرف الأب عند وفاة الأخير، أما إذا كان الجد متوفى فتنتقل إلى الحاكم الشرعي، الذي هو المرجع الأعلم، وهو يحدد من هو الوصي، مبينا أن الوصاية تتعلق بالتحكم بالأموال والممتلكات، أما الحضانة شرعياً فتنتقل إلى الأم حتى وإن اعترض الجد، وسواء تزوجت أم لا. 

ويلفت الشريفي إلى أن المجتمع العراقي تحكمه الأعراف وليس الدين، كما أنه يتهم بعض رجال الدين بمحاباة الأعراف على حساب الشريعة وإصدار أحكام خاطئة لإرضاء المجتمع. 

محاميات للأرامل 

يبقى أصل المشكلة، بحسب الحقوقية منى جعفر مسؤولة منظمة تدريب وتطوير الأرامل في بغداد، متعلقاً بسطوة العشيرة. 

وتقول جعفر لـ”جمّار” إن الأرملة حتى لو لجأت إلى الشرطة فإنها تحيل الموضوع إلى شخص معتمد في عشيرتها. 

ويعود سبب ذلك أحياناً إلى عدم تثبيت الزواج في المحاكم، وبالتالي انعدام وجود أوراق قانونية تثبت عائدية الأطفال. 

وتضيف جعفر أن لدى منظمتها محاميات يتولين التمثيل القانوني للأرامل في دوائر الدولة من أجل إثبات حضانة الأطفال واستخراج رواتب الرعاية الاجتماعية. 

أماني نغم 

لم تعد نغم تملك سوى الأماني بأن تتغير حياتها نحو الأفضل، وتغيّر طباع أولادها تجاهها، حيث أصبحوا لا يرغبون بزيارتها أو الاتصال بها كلما طال بقاؤهم في بيت جدهم، لأن ذلك يتسبب لهم بسوء معاملة وعنف من قبل أعمامهم. 

كما تتمنى أن تسكن في بيت لائق وتحصل على فرصة عمل وتجتمع بأبنائها الذين لا تلقي اللوم عليهم، “فالحياة جعلتهم يتركون أمهم حتى يعيشوا بسلام”. 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

لولا التعنيف وسوء المعاملة، لم تكن نغم لتفارق أبناءها وتعيش بعيدة عنهم لا تشاركهم أفراحهم ولا تساندهم في المصاعب. 

فقدت نغم (49 عاماً) زوجها عام 2009 في إثر مرض ألمّ به، ومنذ ذلك الحين دخلت في صراع على الأبناء مع أهل الزوج. 

لم يكن أهل زوجها مرحبين ببقائها معهم في منزلهم، وفي الوقت ذاته أرادوا الاحتفاظ بالأبناء، فراحوا يخططون لحمل نغم على المغادرة من دون أبنائها. 

وكانت خطتهم تتمحور حول إساءة معاملتها وضربها وشتمها لأتفه الأسباب، لكي تكره حياتها معهم وتتنازل عن كل شيء من أجل الخلاص. 

وقد نجحت الخطة بالفعل. 

قررت نغم العودة إلى بيت أهلها تاركة أبناءها في عهدة بيت جدهم لأبيهم. 

ومن أسباب اضطرارها إلى اتخاذ هذا القرار هو أن الأبناء طلبوا بأنفسهم مغادرتها وبقاءهم في بيت جدهم، لشعورهم بالسأم الشديد من المشكلات والمشاجرات اليومية. 

كان عمر أكبر أبنائها في ذلك الحين 16 عاماً، وله شقيقان وشقيقة يصغرونه بسنوات قليلة. 

وهناك سبب آخر أجبرها على تجرع مرارة القرار يتعلق بالوضع المعيشي لأهلها، فهم يسكنون بيتاً صغيراً ولا يسعهم تحمل نفقتها ونفقة الأبناء. 

بينما يتمتع أهل زوجها بإمكانيات أعلى بكثير. 

في المحصلة، هي لا تملك مالاً تدفعه أجوراً للمحامين، وأهلها رفضوا استقبالها مع أبنائها لضيق الحال، والأبناء اختاروا البقاء في بيت جدهم. كل ذلك منعها من اللجوء إلى القضاء للحصول على حضانة الأبناء. 

وكان زوجها يمتلك أموالاً وعقارات وسيارات، لكنها لم تحصل على أي شيء منها. 

فبعد انتقالها إلى بيت أهلها، طلب أهله منها التوقيع على تنازل عن كل تركته. 

“أخبروني بأنهم يريدون شراء أملاك جديدة بدلاً من القديمة، وإعادتي للعيش معهم قرب أبنائي” تقول نغم لـ”جمّار”. 

انطلت الحيلة عليها ووقعّت على التنازل أمام كاتب العدل، ولم تقبض بعد ذلك سوى على الريح. 

ولما لجأت إلى محام أبلغها بأنها لم تعد تملك حقاً في أي شيء من تركة زوجها بعد توقيعها على التنازل. 

لم تجد الراحة التي تنشدها في بيت أهلها، فاستأجرت بيتاً صغيراً وانتقلت للعيش فيه بمفردها. 

تحصل حالياً على راتب من شبكة الرعاية الاجتماعية يبلغ 123 ألف دينار شهرياً (نحو 80 دولاراً)، وهو مبلغ زهيد لا يكفي لسد أبسط الاحتياجات. 

“حرّ صيف العراق الذي لا يتحمله أحد، أنا أتحمله، لأنني لا أستطيع الاشتراك في مولدة أهلية” تقول لنا. 

لم تر أبناءها منذ سنتين، حتى أن ولدها البكر عُقد قرانه وهي لا تدري، وابنتها أرغمت على الزواج في سن 15 عاماً وهي غير راضية، ولكن لا تقوى على فعل شيء. 

أحلاهما مر 

فقدت أزهار (33 عاماً) زوجها في حادث سير عام 2020، بعد إنجابها ثلاثة أطفال منه كان عمر أكبرهم في ذلك الوقت تسع سنوات. 

بقيت ساكنة في بيت أهل زوجها مع أطفالها، لكنها لم تكن مرتاحة بسبب وجود أحمائها المتزوجين والعزّاب، وضغوط أهلها عليها النابعة من أن عاداتهم لا تسمح بهذا الوضع. 

ولم تمر أشهر على وفاة زوجها حتى بدأ الضغط من أهله عليها لتزويجها بأحد إخوته. 

رفضت ذلك لأنها كانت تشعر بأنه أحد أشقائها. 

اقترحوا أن يكون الزواج على الورق فقط من أجل بقائها مع الأطفال بينهم، لكنها أصرت على الرفض لأنها لا تريد العيش في وضع كهذا. 

بعد ذلك هددها والد زوجها بأخذ الأطفال عنوة، وانقسمت العائلة بين مؤيد ومعارض. 

وكان الجد متمسكاً بموقفه بداعي أنه لا يريد إلقاء أحفاده في كنف رجل غريب إذا قررت الأم الزواج. 

وفي نهاية المطاف أُخذ الأطفال منها وطُردت من بيت أهل زوجها، على الرغم من أن عمر أصغرهم كان ثلاث سنوات فقط. 

“بقي الأطفال مدة طويلة في بيت جدهم وأنا محرومة منهم”، تقول لـ”جمّار”. 

ومن شدة القلق والحزن أصيبت بجلطة دماغية ما زالت تعاني من آثارها حتى الآن. 

وبعد تدخل عشائري، وافق الجد على إعادة أطفالها إليها شريطة عودتهم إليه إذا قررت يوماً الزواج. 

وحتى بعد عودة أطفالها إليها، ما زال أهل زوجها يتحكمون بحياتها وهي ساكنة في بيت أهلها. 

يعارضون مثلاً إكمالها الدراسة أو العمل بذريعة حرصهم على تفرغها لتربية أطفال ابنهم الراحل، وحتى سفرها مع أطفالها غير مسموح به من قبلهم إلا بموافقة الجد. 

واستناداً إلى روايتها، يوصي الجد حفيده بتفتيش هاتف أمه ومعرفة مع من تتحدث، في محاولة منه لإثبات أنها سيئة السمعة حتى يأخذ الأطفال منها مرة أخرى. 

تدرك أزهار أن القانون لا يمنح جدها حق التصرف بهذه الطريقة، لكنها تدرك في المقابل أن الاتفاقات العشائرية تكون أقوى من القانون أحياناً، لذا لم تلجأ إلى حلول قضائية بعد تحويل الموضوع إلى عشائري. 

زيجة الندم 

بعد زواج دام ست سنوات وأثمر طفلة وطفلاً، فقدت ميسون زوجها. عمر ابنتها الآن أربع سنوات وابنها سنة ونصف السنة. 

انتقلت بعد وفاة زوجها للعيش في بيت أهلها، فأخذ أهل الزوج يضغطون عليها لإقناعها بالزواج من أحد أشقائه. 

حاولوا إقناعها بأن الزواج منه سيضمن احتفاظها بالطفلين اللذين سيأخذونهما منها إذا ارتبطت برجل آخر. 

وخيّروها بين اثنين من الأشقاء أحدهما متزوج ولديه أطفال والآخر أرمل يكبرها بعشرين سنة ولديه ثلاثة أبناء. 

كان عمرها 19 سنة آنذاك. 

وخشية فقدانها طفليها، وافقت ميسون على الزواج من الأرمل. 

لم تكن تعرف في ذلك الحين شيئاً عن الدعاوى القضائية وإمكانية احتفاظها بالطفلين بأمر من المحكمة من دون القبول بخيار الزواج من شقيق زوجها الراحل. 

كما أنها فكرت في أنه قد يكون أباً جيداً لهما. 

واستطاعت تقبل فكرة الزواج منه لأنه يسكن في محافظة واسط ولم يكن يزورهم كثيراً. 

لكنها لم تعش سعيدة في هذا الزواج. 

“لو كنت في نضجي الحالي لما قبلت بهذه الزيجة” تقول لـ”جمّار”. 

وما زالت حتى الآن تشعر بالندم على قرارها لأنها لم تعش سعيدة بزواجها من شقيق زوجها المتوفى، إذ أن أبناءه لم يتقبلوها في بيت أبيهم، ما أدى إلى سيطرة مشاعر الغيرة على أجواء العائلة، إضافة إلى معاناتها من فارق العمر. 

البيت الممنوع 

ما زالت إيمان (38 عاماً) تعيش في بيت أهل زوجها بمدينة السماوة مركز محافظة المثنى، على الرغم من وفاته عام 2020، لتتمكن من الاحتفاظ ببناتها الثلاث. 

عندما توفي زوجها، قال لها أهله إنها لا تملك حق السكن مع بناتها في بيت منفصل لعدم وجود رجل معها. 

وهي تمتلك بيتاً بالفعل لكنها لم تنتقل إليه. 

رضيت على مضض بالبقاء في بيت أهل زوجها -وهو ابن عمتها- بعد حصول اتفاق بينهم وبين أهلها بهذا الشأن. 

“أعرف أنه لا يحق لهم قانونياً أخذ بناتي مني إذا انتقلت للسكن في بيتي الخاص، لكن هناك تقاليد وأعرافاً، ولم أشأ معارضة رغبة أعمام بناتي في بقائنا معهم” تقول لـ”جمّار”. 

تتسلم حالياً راتباً من دائرة الرعاية الاجتماعية مقداره 320 ألف دينار شهرياً، وهو مبلغ لا يسد احتياجاتها واحتياجات بناتها الطالبات في المدارس، فعملت بالخياطة لتحصل على مردود إضافي. 

أعراف تحكم 

تقول الحقوقية بشرى العبيدي إن هناك شروطاً عدة يجب توافرها في الحاضنة. 

“والشروط هي أن تكون “عاقلة وأمينة وقادرة على رعاية المحضون وصونه والعناية به وألا تكون سيئة السمعة. 

وإذا لم تتوافر هذه الشروط أو بعضها في الأم، تقرر المحكمة إحالة الحضانة لمن تراه مناسباً من أقرب الأقرباء. 

لكن العبيدي تقر بأن القضاء ينحاز أحياناً إلى العرف الاجتماعي. 

وتشير إلى أن الحضانة تُحسم عشائرياً لصالح أهل الزوج المتوفى، ولكي تحتفظ الأرملة بأطفالها تُجبر على عدم الزواج، أو الزواج من أحد إخوة الزوج. 

“هذا فيه كثير من الإذلال والإهانة للأرملة التي قد تمتنع عن الزواج وفاءً لزوجها، لكن العرف لا يراعي ذلك” تقول العبيدي لـ”جمّار”. 

وتعزو العبيدي أسباب عدم تقديم شكوى من قبل الأرامل اللواتي يتعرضن لضغوط في هذا الشأن، إلى الكلفة المالية للقضايا وخشية معظم النساء من دخول مراكز الشرطة. 

وتعود الحقوقية إلى التأكيد على أن الوصاية تُمنح كاملة للأم الأرملة في القانون العراقي، وليس من حق أحد أن يفرض شيئاً مخالفاً للقانون، لكن ما يجري من فرض شروط وضغوط على الأرامل ليحتفظن بأبنائهن نابع من الأعراف والتقاليد. 

العشيرة قبل القضاء 

في العرف العشائري، تكون الأرملة هي الأحق بحضانة أطفالها إذا لم تكن تنوي الزواج، بحسب نافع كزار أحد شيوخ العشائر. 

أما إذا قررت الزواج -والكلام ما زال لكزار- فإن الحضانة تنتقل إلى الجد من جهة الأب أو الأعمام، وفقاً لقاعدة عشائرية “ترفض تربية الأحفاد في كنف رجل غريب ولاسيما إذا كان من عشيرة أخرى”. 

ويضيف كزار أن هناك زيجات كثيرة ناجحة بين الأرامل وأشقاء أزواجهن المتوفين، لكنه يشدد على أن مثل هكذا زيجة يجب ألّا تتم بإجبار النساء أو استغلالهن. 

ويشير إلى أن العشيرة تحترم القرار القضائي إذا اشتكت الأرملة وحصلت على حق قانوني بالحضانة تحت كل الظروف، لكنه يستدرك بأن معظم الناس يلجؤون إلى الحل العشائري في هذه الحالات. 

“في المحاكم لا تحل الأمور بسهولة، بينما العشائر تحل المشكلة في جلسة واحدة، وإذا حصل اتفاق عشائري فمن المستحيل نقضه والذهاب إلى المحاكم” يقول كزار لـ”جمّار”. 

ويدلي عاجل كاظم الزيادي، شيخ عشيرة، برأي مشابه لرأي كزار في أحقية الجد أو الجدة من جهة الأب المتوفى في حضانة أطفاله. 

يقول الزيادي “لا يمكن لأهل الزوجة الأرملة ولا لزوجها الجديد إذا تزوجت الاحتفاظ بحضانة الأطفال”. 

ويكون التشدد أعلى تجاه الإناث، ففي المجتمع العشائري تعد الطفلة “عرضاً” ويجب أن تكبر على تقاليد وعادات أهل الزوج وعشيرته. 

وإذا قررت الأرملة الزواج من رجل آخر، يتاح لها مقابلة أطفالها مرة واحدة أسبوعياً أو شهرياً إذا كانت أعمارهم فوق خمس سنوات، أما إذا كانوا أصغر فالمجتمع العشائري يراعي أحياناً أن يبقوا عند الأم، بحسب الزيادي. 

ويرى أن العرف يشكل أهمية حتى عند القضاة، “فهم يقولون في بعض القضايا حلوها عشائرياً أفضل” ولا يفضلون أن يكون الحل القانوني أولاً. 

ويتابع الزيادي “حتى إذا أصدر القاضي قراراً يبقى التدخل العشائري أقوى”. 

ماذا يقول الدين؟ 

للشريعة الدينية تفاصيل أخرى بشأن حضانة الأطفال أيتام الأب. 

يقول علي الشريفي، رجل دين، إن الشرع ينص على انتقال الوصاية إلى الجد من طرف الأب عند وفاة الأخير، أما إذا كان الجد متوفى فتنتقل إلى الحاكم الشرعي، الذي هو المرجع الأعلم، وهو يحدد من هو الوصي، مبينا أن الوصاية تتعلق بالتحكم بالأموال والممتلكات، أما الحضانة شرعياً فتنتقل إلى الأم حتى وإن اعترض الجد، وسواء تزوجت أم لا. 

ويلفت الشريفي إلى أن المجتمع العراقي تحكمه الأعراف وليس الدين، كما أنه يتهم بعض رجال الدين بمحاباة الأعراف على حساب الشريعة وإصدار أحكام خاطئة لإرضاء المجتمع. 

محاميات للأرامل 

يبقى أصل المشكلة، بحسب الحقوقية منى جعفر مسؤولة منظمة تدريب وتطوير الأرامل في بغداد، متعلقاً بسطوة العشيرة. 

وتقول جعفر لـ”جمّار” إن الأرملة حتى لو لجأت إلى الشرطة فإنها تحيل الموضوع إلى شخص معتمد في عشيرتها. 

ويعود سبب ذلك أحياناً إلى عدم تثبيت الزواج في المحاكم، وبالتالي انعدام وجود أوراق قانونية تثبت عائدية الأطفال. 

وتضيف جعفر أن لدى منظمتها محاميات يتولين التمثيل القانوني للأرامل في دوائر الدولة من أجل إثبات حضانة الأطفال واستخراج رواتب الرعاية الاجتماعية. 

أماني نغم 

لم تعد نغم تملك سوى الأماني بأن تتغير حياتها نحو الأفضل، وتغيّر طباع أولادها تجاهها، حيث أصبحوا لا يرغبون بزيارتها أو الاتصال بها كلما طال بقاؤهم في بيت جدهم، لأن ذلك يتسبب لهم بسوء معاملة وعنف من قبل أعمامهم. 

كما تتمنى أن تسكن في بيت لائق وتحصل على فرصة عمل وتجتمع بأبنائها الذين لا تلقي اللوم عليهم، “فالحياة جعلتهم يتركون أمهم حتى يعيشوا بسلام”.