هاشميّة السعداوي في طريقها إلى النقابة.. "4 إرهاب" ومحاولة اغتيال وانشقاقات 

ميزر كمال

11 كانون الثاني 2024

أحد العمّال رفض تسلُّم هويته النقابية، لأنها موقّعة من "امرأة"، وهذه المرأة هي هاشمية السعداوي، التي بدأت النضال مبكراً، في السادسة عشرة من عمرها، وتعرضت للتهديد بالقتل أكثر من مرة.. عن هاشمية السعداوي في طريقها إلى النقابة وهي تواجه "4 إرهاب" ومحاولة اغتيال وانشقاقات.

بعض مَن عملتْ معهم قُتلوا، بالشنق أو بالرصاص، لكنها كانت “محظوظة بما يكفي” حتى لا يحدث لها ذلك. عندما سألناها عن متاعب المرأة في العمل النقابيّ في العراق، والمصاعب التي تواجهها؛ تحدثت عنها، لكنها تحدثت أيضاً عن إصرار المرأة في مواجهة تلك المتاعب، فالحياة كلها نضال بالنسبة لها. 

أحد العمّال رفض استلام هويته النقابية، لأنها موقّعة من “امرأة”، وهذه المرأة هي هاشمية السعداوي، التي بدأت النضال مبكراً، في السادسة عشرة من عمرها، وتعرضت للتهديد بالقتل أكثر من مرة، حاولوا اختطاف نجلها لإجبارها على ترك النضال من أجل حقوق العمّال في العراق، وعرضوا عليها تقاسم الامتيازات والأموال، لكنها رفضت. قادت حراكاً نقابياً عمالياً في العراق والولايات المتحدة، دفاعاً عن العمّال وقوانين العمل، وتقول إنها منذ بداية الطريق آمنت أنّ الحياة نضال ثم نضال حتى استحصال الحقوق.

ولدت في البصرة، ونشأت بها، وكبرت هناك، درست الترجمة في كلية الآداب بجامعة البصرة، وكانت تعيش في “المنطقة الحمراء” لكثرة اليساريين من حولها، ومنها انطلقت بكفاحها الطويل في النقابات العمّالية. نشاطها النقابي عرّضها للخطر، وكادت أن تُعتقل بتهمة “4 إرهاب” لأنها رفضت التخلي عن صوتها ونشاطها في نقابة عمال الكهرباء. تشعر بالأسف لأن العمل النقابي في العراق متأخر جداً، والعمال يجهلون حقوقهم ومعرفة الحصول عليها، وتؤمن أن معرفة القوانين بداية الطريق لحراك عمّالي مؤثر.

 بين “الثرّامة” والنضال العُمّالي

 الإدراك جاء مبكراً، في وقت كانت “الثرّامة تشتغل” على حد وصفها، وتعني القمع المطلق لكل شيء لا يرتدي زيّ حزب البعث العربي الاشتراكي، لكن “المراهِقة الشيوعية” آنذاك، حصلت على النضال، والاعتراف بهذا النضال، الذي تمثّل بمنحها عضوية “نادرة” في صفوف الحزب الشيوعي، وظلت تنجو “بقدرة قادر” من النظام حتى سقوطه عام 2003، وتلك كانت لحظتها.

لم تتأخر في التحرّك، كما هي عادتها، وهذا يعود إلى شيء فريد في شخصيتها، تصفه بلهجة بصرية وتقول، “انتمائي للطبقة العاملة مزروع في داخلي” لذلك سعت إلى تشكيل أول لجنة عمّالية، في أيلول 2003، وكانت ولادة تلك اللجنة حيث تعمل هي، حين نادت: يا عمّال الكهرباء في البصرة اتحدوا. فاتحدوا.

النضال يصيب بالعدوى أيضاً، ومن أجل ذلك بدأت اللجان العمالية في التشكّل، امتدّ تنظيم النضال إلى الأقسام الأخرى، في وزارة الكهرباء، وصارت طموحات العمّال أكبر من الدائرة والوزارة، لذا كان لا بدّ من عقد مؤتمر عام للنقابة، حدث ذلك في حزيران 2004، وفازت هاشمية السعداوي، رئيسةً للنقابة في البصرة، وهو فوز لم يكن سهلاً كما تقول، فالعراقيون لم يُخلوا المساحة للمرأة لتكون على رأس الإدارة، وما زالوا كذلك إلى حدّ ما.

في الدورة الثانية من انتخابات رئاسة النقابة، لم يُرشّح أحد لمنافستها، وكان ذلك لأنها أثبتت نقابيتها، ودفاعها عن العمال وحقوقهم على مدار أربع سنوات ماضية، وهكذا فازت هاشمية السعداوي مرةً أخرى، برئاسة نقابة عمال الكهرباء في البصرة، التي يسميها العراقيون “رئة” البلاد الاقتصادية ويسمونها أيضاً العاصمة الاقتصادية للعراق، وتُعرف كذلك بأنها الفيحاء.

 النضال بين زمنين: من حزب البعث إلى الميليشيات

“قلتُ لهم، أنا هنا” كلمةً قد تكلُف قائلها حياته، لكنّ هاشمية نطقتها بصوت مرتفع، ونجت من القتل في أكثر من مرّة، وكانت نجاتها مطوّقة بحب الناس والعمّال لها، “ما يُحسب للناس الذين دافعتُ عن حقوقهم، أنهم اتصلوا وقالوا نحن نحرسك ونحميك، دفاعي عنهم أثمر الحماية”، هكذا تعتقد أنها على الطريق الصحيح في النضال من أجل حقوق الناس، والعمّال أكثر هؤلاء الناس.

 تقول هاشمية إنها شجاعة، صحيح، لكن؛ عندما تفكر في الأمر، فهو ضربٌ من الجنون أيضاً، “الميليشيات لم تكن ترحم”. ثم تعزو ذلك إلى النشأة الأولى، والتربية البسيطة التي تكمن قوتها “بزرع الشخصية فينا” ومعرفة التمييز بين الحق والباطل، ولا تنكر فضل الحياة في حي الجمهورية في البصرة، حي المناضلين كما تسميهم، الذين “لم يكترثوا لبطش صدام” العيش في وسط مثل هذا بالنسبة لهاشمية ولّد شعوراً بالشجاعة “لأنك لست أقل شأناً منهم”.

ولأنها ليست أقلَّ من أحد؛ ولأن العمل النقابي لا علاقة له بالحزب أو الانتماء إليه، اختلفت مع الحزب الشيوعي عندما أراد أحد أعضائه تجيير الحركة النقابية لصالح الحزب، فالنقابة متى ما جُيرت لجهة “اقرأ عليها السلام” تقول هذا، وهي عضو مكتب تنفيذي على مستوى العراق.

مبدأ هاشمية السعداوي في ذلك أخذته عن فهد، أمين عام الحزب الشيوعي العراقي الذي أُعدم عام 1949، وينص المبدأ على “دعم الحركة النقابية من دون تملّكها أو أن تكون لنا” وسبب هذا بسيط، فالنقابة فيها أشخاص من مختلف الفئات والمعتقدات والتوجهات والأديان، حتى من حزب الدعوة والتيار الصدري، وهؤلاء على وجه التحديد من أعطى صوته لهاشمية، كما تقول، لأنها حافظت على استقلالية النقابة، بقدر ما تستطيع، وإن كلفها ذلك أن “تُطرد” كما تروي عن أحد المدراء (يعرب جاسم) الذي وكلّما كانت تذهب “من أجل استحقاقات العمال” يقول لها، “شنو تريدين تسوين سوي” ولا تُجدي معه المحاججة بالنصوص القانونية التي تثبت استحقاق العمال.

النضال، وفلسطين الكاشفة

النضال لا يتجزأ عند هاشمية، وهو كذلك ليس بوفيه مفتوحاً، تنتقي منه ما تشتهي من أنواع المواقف والقضايا، لذلك تعتقد أن فلسطين “قضية كاشفة” وهذا ما تعلمته من تجربتها العالمية في العمل النقابي، التي خلقت لها “مأساة كبيرة جداً” وصراعاً مع الاتحاد الدولي للصناعات، التي هي فيه رئيسة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ورئيسة اللجنة العالمية للمرأة، وعضو لجنة تنفيذية. لذلك كانت خيبة أملها بحجم مسؤولياتها، وما تؤمن به من المبادئ العمالية في العالم، وفلسطين جزء من هذا العالم. 

ليست وحدها من رفضت بيان “الاتحاد الدولي للصناعات” من القضية الفلسطينية، لكن صوتها كان عالياً برفضه، ورفض التوقيع عليه، وانسحابها، عندما رفض البيان ذكر كلمة “إبادة جماعية” لما يحدث في غزة، واختزال القضية الفلسطينية، ووصف ما يجري على أنه حرب بين “إسرائيل وغزة”. “لقد كشفتهم القضية الفلسطينية”. 

الشفافية في العمل النقابي، تتطلب شفافية في المواقف أيضاً، هكذا تقدّم هاشمية تعريفها لنضال العمّال، في كل العالم، ولأنها واضحة فهي تنصف الجميع، الذين تقول إن بعضهم مهنيّ، ولديها الكثير من “المشتركات معهم” لكن ليست كل المشتركات النضالية تلتقي في “الاتحاد الدولي للصناعات” الذي مرّر البيان، بعد أن تغيرت مواقف “النضال” من أجل ألا يغضب “رب العمل العالمي” فيأخذ قضمة من الحقوق، وهذا بالتحديد جوهر النضال العمالي، ألا يسمح لرب العمل، أيّاً كان هذا الرب، بمقايضة الحقوق بالمواقف. هذه هي “الديكتاتورية” التي تناضل ضدها هاشمية السعداوي.  

عندما حاورها جمّار، كانت تضع صوراً عدة لعلم فلسطين على الحائط الذي خلفها، لم تكن صورة واحدة فقط، وهذا يعطي الكثير من الانطباعات حول الطريقة التي تعبّر من خلالها هاشمية عن رأيها في العمل النقابي، والنضال من أجل الحقوق، وواحدة من تلك الانطباعات هي بالدفاع عن الحقوق من خلال تأكيدها، وتأكيد وجودها. 

انطباع آخر يوحي به الحوار مع هاشمية، وهو أن التي خلفها كل تلك الأعلام لفلسطين؛ حتماً سيكون الحديث معها عن “النضال والحقوق”، عن العمل والعمال والتنظيم النقابي، عن الظالمين والمظلومين.

  • بدأتِ العمل النقابي في حدود عام 2004، ما نود معرفته هي اللحظة التي بدأتِ فيها الدفاع عن حقوق العمال، من أين جاءت وكيف بدأت؟
  • بدأت العمل النقابي عام 2003، العام الذي حدث فيه التغيير، سابقاً كان القطاع العام يُمنع أن تكون فيه نقابات، والحكومات المتعاقبة لم تكن تفهم أُسس القوانين السابقة في زمن النظام السابق، فسمحوا لنا بالعمل. ولمّا عرفوا ألا غطاء قانونيا لدينا بدؤوا بهجمتهم علينا، بدؤوا بنقابة عمال الكهرباء، ومن بعدها السكك وغيرها، والحقيقة أن النقابات كانت ناشطة في هذه القطاعات، فضلاً عن أن الأيدي العاملة في زمن النظام السابق 75 بالمئة منها كان يمثله القطاع العام و25 بالمئة يمثله القطاع الخاص، ولما منع النظام وجود نقابات في القطاع العام، فأن الكم الهائل من العمال لن يتحركوا، وبقي 25 بالمئة لا يشكلون أي ضغط على الحكومة، ومن جانب آخر، كان الاتحاد العام لنقابات العمال يمتلك أموالاً طائلة، صادرها النظام سنة 1987، واستحوذ عليها، عقارات وأموال، ما يقارب من 4.5 مليارات دينار عراقي.

وبمجرد سقوط النظام عام 2003، قلنا يجب عمل شيء، فخلال النظام السابق كان يستحيل عمل شيء، كانت عندي بعض المبادرات، مثلاً إحدى الموظفات كانت لديها مشكلة مع أبيها، وجاء أبوها إلى المدير وقال له أنقلها إلى خور الزبير ونحن في النجيبية، استغربت من الأب يطلب من المدير هذا الشيء، كانت علاقة الأب طيبة بالمدير، وعندما غادر الأب قلت للمدير، “أستاذ هل تسمح لي بالتدخل ولو ميجوز اتدخل لكني اعرف انك إنسان حقاني” فقال، تفضلي هاشمية، قلت له، “اسألك سؤال عن هذه الموظفة، وهي متعاركة ويا ابوها هل هي ما ضابطة شغلها بقسمها، قلت له اذا تنقلها ما رح تخلي فراغ كبير بقسمها؟، قال لا اكيد رح يكون اكو نقص، قلت له شلون لعد احنه نشتغل على المزاجيات والعلاقات العائلية، لازم تلاحظ اذا تضرر المصلحة العامة”، فأُعيد النظر بالقرار، وألغاه المدير. كنا نعمل بهذه الطريقة، ندافع عن الناس.

  • في الأيام التي كنتِ مسؤولة نقابة عمال الكهرباء، في ذلك الوقت حصلتِ على امتيازات وعقود وتثبيت للعمال، ما هي الصعوبات التي واجهتها لتحقيق هذه الامتيازات الصعبة فهي بحاجة إلى جهد كبير؟
    • عندنا أولاد شهداء، العمال الذين ماتوا بالصعقة الكهربائية، ليست لدي إحصائية عنهم، قدمت التماساً للوزير حتى يكون لهم راتب، جزء منهم سقط في الحرب العراقية الإيرانية، وجزء منهم بصعقة كهرباء، وكنت نوعاً ما لدي طريقة في الحوار والإقناع، عندي طريقتي التي اكسب بها الجولة، وفي المقابل هناك أناس يتفهمون، بعدين نظرت إلى العمّال الذين يشتغلون بأجر يومي وليس لديهم أي ضمان أو تأمين صحي، أو تقاعد، وبدأت بهذا الموضوع، وكان الدكتور عدنان طه، مدير عام النقل آنذاك متعاونا معي جداً وأعطاني قائمة وظل يتابع معي. هناك مدراء لم يغيرهم الكرسي، وبقي عندهم الجانب الإنساني، الكرسي لا يغير، الكرسي يكشف. هذا ما أقوله دائماً.
  • تعرضت كثيراً للتهديد ومحاولات بالتصفية، خاصة في مرحلة نقابة عمال الكهرباء، ما هي أسباب التهديدات؟
    • أحد الأسباب كانت التعيينات، لمّا صدرت التعيينات قالوا “نبيعها بالورق” أي بالدولار، ولك حصة منها، هذا أحد الأسباب، جماعة التيار الصدري مع احترامي لهم حركوا عليّ شخصين، “دفروا باب النقابة” وقالوا نريد تعيين، أعطيتهم ماء وقلت لهم استريحوا، عندما دخلتم لهذه الغرفة ما هو مكتوب؟ مكتب تشغيل أو نقابة؟ قالوا نقابة، قلت لهم إذن لا أقدر على تعيينكم، ولكني أستطيع أن أسعى، وأنتم شبابنا إذا لم نسع لكم أين تذهبون، اعطوني بياناتكم وإن حصلنا على فرصة عمل كان بها وإذا لم نحصل فأنا لست صاحبة قرار، أنا فقط أقنع صاحب القرار، وبالفعل عملت من أجل عدد من العاطلين عن العمل، أعتقد كانوا يختبرونني هل أعمل فقط للشيوعيين أم لا، وعندما رأوا موقفي تغيّر موقفهم، وصاروا يلجؤون إليّ في كثير من القضايا لحلها.
  • ووصل صيتج (سيرتك) لأمريكا؟
    • أمريكا سالفة ثانية، تحدثت عن قانون النفط والغاز، وفندت مواده، كانت 3 فقرات عليها اعتراض، يوزعون النفط والغاز للناس كحصص، والأيدي العاملة عراقية فقط، المهن غير الموجودة باختصاصنا، وعقود الخدمة وعقود المشاركة، يأتي أحد ليشاركني حقي؟ طلبنا عقود خدمة مقابل 20 سنة، هم وضعوها 40 سنة، وبجهود نقابتنا ونقابة النفط عملنا على ألا يُشرّع القانون، كنا نأمل بتعديله وليس عدم تشريعه، هذه ثروة وطنية لا بد من الحفاظ عليها، وحسين الشهرستاني (وزير النفط الأسبق 2006-2010) لجأ في غرف مغلقة إلى عقود التراخيص.
  • الموقف العمالي من قانون النفط والغاز، جولات التراخيص، عقود الخدمة والمشاركة، العمال في العراق إلى أي اتجاهات يذهبون من هذه الاتفاقيات النفطية؟
    • يوجد تعتيم على العقود، الخدمة والتراخيص، وهذا حديث برلماني سابق يقول أنا لا أستطيع الاطلاع على العقود، متكتمون عليها، وهذا مسؤول، لو كانت لديك لائحة وتقرأها تستطيع أن تعطي رأيك وتعارض فلان بند، لكن أنتلا تملك عقودا تثبت أنهم باعوا النفط، والآن العمالة لدينا من كل الدول، العمال أكثرهم؛ الطباخ والمنظف وغيرهم من دول أجنبية، في حين هذه ليس اختصاصات نادرة، وهم يعملون بمبالغ هائلة في وقت أن شبابنا بلا عمل، لما تحركنا على المحافظة باعتبار أن أكثر المواقع النفطية من البصرة، فوجئنا بأن أكثر الشركات مسيّرة من قبل ميليشيات وأحزاب، وهناك “كومشنات وانت محد يجيك وانت بحمايتي” هذه الميليشيات والأحزاب هي التي دمرت البلد، لا ديمقراطية بدون أحزاب، لكن هذه الأحزاب عملت بلا قانون، ولا تعرف من أين تأتي أموالها، مثلاً، الحملات الدعائية يصرفون عليها ملايين الدولارات في حين لو يقدم شيء للناس بدل الدعايات سيكسبون صوت الناس.
  • كنقابات عمّالية، اعترضتم على قرارات واتفاقيات وزارة النفط، لكنكم واجهتم التضييق والقمع، وبعض العمّال جرت ملاحقتهم بتهمة “4 إرهاب” ماذا حدث بالضبط؟
    • عام 2009 حاولوا منعنا من العمل النقابي، وقالوا لكم الحق بالعمل خارج الدوائر الحكومية وليس داخلها، ومن يعمل داخل الدائرة تُطبق عليه مادة “4 إرهاب” أتذكر بعد أن انتهى وقت الدوام عُمم القرار على شرطة الكهرباء وكانوا قد شكّلوا رتلاً (أمنياً) واقتحموا الغرفة التي نجلس بها، وقالوا انتم ينطبق عليكم “4 إرهاب” وكان سبب ذلك هو أنهم اكتشفوا أن عملنا “غير قانوني” كانوا مغفلين ولا يعرفون بوجود قرار 150 وهو يمنع العمل النقابي بالقطاع العام، وقانون التنظيم النقابي رقم 52 لسنة 1987، الذي ينفذ على القطاع الخاص فقط، وصرنا نطالب بحق الناس ولاحظوا أننا نشكل خطرا عليهم، فقالوا إن الذي يمارس العمل النقابي داخل الدوائر الحكومية يُطبق عليه المادة “4 إرهاب”. في الكهرباء كان الضرر أقل من وزارة النفط، في النفط تعرضوا (العمّال) للنقل والغرامات، وحدثت مظاهرات.
  • هل كانت الفترة الأولى أفضل بالعمل النقابي؟ أول 5 أو 6 سنوات بعد تغيير النظام؟ كان هناك استحصال حقوق، كيف كانت الظروف النقابية في ذلك الوقت؟ خاصة أنّها لم تكن مقسمة إلى سبع أو ست نقابات كما هو الحال الآن، كم كان عدد النقابات ولماذا كانت الظروف بهذه الطريقة؟
    • السؤال له أكثر من إجابة، كانت هنالك حركة نقابية، بمعنى حركة نقابية فيها صفات وميزات ترتقي لاسم حركة نقابية، من تنظيم ولجان وانتماء عضويات ونظام داخلي تستند له، والقضية الوطنية تكون “رقم واحد” للنقابة، أنا بالكهرباء وذهبت واعترضت على قانون النفط، لأنها قضية وطنية، لما تشكلنا في البداية لم يكن هذا الكم الهائل من النقابات، دخلت عدة محفزات للانشقاقات، مثلاً في الكهرباء كانت نقابتي الوحيدة، تأسست في أيلول 2003، وبعدها بدأت الانشقاقات من نقابتي، وصارت 3 نقابات في الكهرباء، واختلفت مستوياتها، بدأت النقابات تظهر على مستوى وطني وعلى مستوى عالمي، هناك من لديه طموح على المستوى العالمي، وهناك من يتحرك حتى في الاتحادات الدولية، في اتحاد النقل أعرف شخصاً التقى بواحدة من الشابات وقال لها، “أول ما ترحين شكلي نقابة واني ادعمج باتحاد النقابات” تأثير المنظمات الدولية على الانشقاق بالداخل موجود. تدخلات خارجية وأحزاب الداخل وكل حزب يُعطي امتيازات، تشكل اتحاد المجلس الأعلى وحزب الدعوة، وعندما يتشكلون يذهبون إلى النشطاء النقابيين يسحبونهم، حتى يخف الوضع الخاص بالحركة النقابية، وهي مؤامرة على الحركة النقابية، والتصريح الصادم أننا كان لنا في السابق حركة نقابية (وأعني بعد 2003 مباشرة) لدينا افراد نقابيون يقاتلون، لكن ليس لدينا ما يرتقي لمستوى حركة نقابية الآن، لأن الحركة النقابية فيها أشخاص وصوليون، ويبتغون المصلحة الخاصة، النقابات موجودة، لكن هل نرتقي إلى تسمية حركة نقابية عراقية؟، لا توجد حركة نقابية، الحركة النقابية عندما يكون حدث في البلد، المفترض أنها تسارع بالاجتماع لتحديد موقفها تجاه هذا الحدث، وهذا غير موجود، نحن غير موحدين، ليس لدينا أي تأثير، أنا اتحدث ومسؤولة عن كلامي، ومن يريد مواجهتي أنا جاهزة، هناك معاناة كبيرة تواجه العمال من جهة الأزمات التي تعصف بالبلد، أين هي الحركة النقابية من كل ذلك؟ حتى أزمة كوفيد 19 لم يكن للنقابات دور، ولم يفعّل الحوار الثلاثي لمعالجة الأزمات، أتمنى أن نكون ضاغطين، هذا التمزق الذي حصل حوّلنا إلى 14 اتحادا.
  • عام 2007 حصلتِ على عضوية اتحاد الطاقة والتعدين والمناجم؟
    • عام 2007 أصبحت رئيسة نقابتنا، وعضو في اتحاد الطاقة والتعدين والمناجم، واندمج هذا الاتحاد مع 3 اتحادات عالمية، هي اتحاد النسيج والجلود واتحاد الصناعات وشكلنا الاتحاد الدولي للصناعات عام 2012، وبقيت معهم حتى هذه اللحظة، ولدي موضوع سأشير إليه كموقف بيني وبين الاتحاد الدولي للصناعات، ولكن في آخر هذا الحوار.
  • وزير العمل يقول هناك 6 ملايين عامل عراقي، 600 ألف منهم فقط مسجلون على الضمان الاجتماعي.
    • يقصد به القطاع غير المنظم، قبل سنة كان هناك 5 ملايين عامل، ولديك العمال في القطاع الخاص، بدأ العمل يزيد في القطاع غير المنظم، لو أوجدنا لهم تنظيماً ووحدناهم! السبب بعدم التوحيد هو أن قانون التنظيم النقابي لا يجيز العمل إلا لاتحاد واحد الذي هو الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق، والذي يرأسه ستار دمبوس، ذهبت للدائرة التابعة لوزارة العمل، دائرة التشغيل، من أجل عمال يشتغلون بمطعم باربكيو في البصرة فيه 180 عاملاً، التقيت المدير العام للدائرة، فقال لي، بودي مساعدتكم، لكن لدي أوامر بعدم التعامل إلا مع الاتحاد العام وهو الاتحاد الذي تعترف به الدولة، كيف أستطيع تقديم شيء للقطاع غير المنظم إذا لم تكن هناك دائرة تستقبلني؟ القانون 52 لسنة 1987 والقرار 150 لسنة 1987 أيضاً صدرا في يوم واحد، قانون 52 يقول إن التنظيم النقابي بالقطاع الخاص فقط، وقرار 150جرّم العمل النقابي بالقطاع العام. ومنذ عام 2005 طرحنا مسودة قانون العمل الجديد. قانون العمل لم يشرّع، نحن نعمل بقانون صدر سنة 1971، من 1971 إلى 1987حتى صدر قانون التنظيم النقابي. القوانين العمالية الثلاثة، وهي قانون العمل، وقانون التنظيم النقابي، والضمان الاجتماعي، هذه قوانين تهم العامل. قانون العمل صدر عام 1971، وقانون التنظيم صدر عام 1987، هل ينسجم قانون التنظيم مع قانون العمل بعد هذه المدة الزمنية التي صدر بها؟ بالتأكيد لا ينسجم. لأن العالم في تغيّر مستمر. سارعنا كنقابات عندما كنا حركة نقابية، قلنا هذا القانون لا يمثلنا، نريد قوانين تنسجم مع المرحلة الحالية بعد التغيير، اشتغلنا على المسودة وتعاونا مع منظمة العمل الدولية لكننا صُدمنا ببعض الأمور التي لا تتوافق مع الاتفاقيات الدولية، بعد شد وجذب وصراع مدته 10 سنوات، شُرّع القانون، قانون مع المرحلة القادمة نقول عنه جيد جداً، لكن هل يمكن العمل عليه مع قانون 1987؟ لأن قانون 87 يقول هناك اتحاد واحد، بينما قانون العمل الجديد يقر التعددية، وقانون 1987 معمول به حتى هذه اللحظة، وهناك تضارب بينهما، القوانين الثلاثة (التنظيم النقابي، والعمل، والضمان الاجتماعي) لا يوجد بينهم انسجام للأسف.
  • ما تأثير هذه التناقضات والتضارب على العمال؟
    •  القطاع المنظم 5 ملايين عامل، ووزير العمل والشؤون الاجتماعية يقول إنهم 6 ملايين عامل، المعلومات المسجلة في الضمان الاجتماعي هي وجود 350 ألف عامل مسجّل في الدائرة، والوزير يقول 600 ألف هذا جيد، وفي الوقت نفسه ارتفع عدد العمال غير المنظمين، اشتغلنا عليها بقانون الضمان الاجتماعي الجديد الذي صدر قبل 4 أشهر، تصريح رئيس الوزراء ووزير العمل أن القانون أصبح جاهزاً، يعني “أن ابو البسطية والجمبر أو أي أحد بقطاع غير منظم يكدر يسوي ضمان اجتماعي وفق تعليمات معينة، من ناحية العمالة غير المنظمة هذا شيء جيد”، ليست كل التعديلات الي طالبنا بها وافقوا عليها، لكن إلى الآن يعتبر هذا مكسباً للعمال.
  • هل العراق جاهز لتطبيق الضمان الصحي والاجتماعي؟ القانون أُقرّ لكن هل البنية التحتية للمؤسسة العراقية جاهزة لتطبيق هذا الشيء؟
    • قانون العمل شُرّع عام 2015، يُفترض تطبيق تعليماته، لغاية هذا اللحظة بدأ يُطبّق لكن هناك أماكن لم يُطبّق بها (احنه مصيبتنا كبيرة بالعراق) لقد شرّعنا قانون عمل، وصادقنا على اتفاقية 87 لسنة 2017، ووضعنا اللبنة الأساسية، الحياة نضال، تناضل من أجل التشريع، وتناضل من أجل التطبيق، نحن نعيش حياة اللاقانون في هذا البلد، حتى وإن شُرّع القانون، نحتاج إلى سنوات ليدخل حيز التنفيذ.
  • هل العامل يجهل القوانين والعمل المؤسساتي التي من خلالها يستطيع أخذ حقوقه؟ وهل النقابات مقصرة بتثقيف العامل؟
    • عملية التوعية تحتاج أموالاً ومنشورات وبرامج تلفزيونية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، حتى على عربة الحصان وبيدك جهاز موبايل يشتغل يمكن توصيل المعلومة للناس بسهولة، نحتاج فريقاً منظماً يعمل على هذا الشيء، ومن المفترض أن الاتحاد الرسمي الذي تعتمد عليه الحكومة ولديه المليارات أن يكون همه إيصال المعلومة للعامل ويساهم في تثقيفه. النقابات أيضاً تتحمل جزءاً من المسؤولية، لكن ليست لدينا الأموال، والفلوس جداً مهمة، مثلاً عندما كنت رئيسة اتحاد عمال البصرة، أواجه صعوبات وأحتاج إلى موافقات لأن “اتحادنا” غير تابع للحكومة، وهناك الاتحاد الآخر، رسمي وتابع للحكومة لا صعوبات يواجهها، لديه تسهيلات لأنه معترف به من قبل الحكومة، اليوم عندما أردت الذهاب إلى موقع عمالي نفطي كان يفترض أن أحصل على موافقات ومواعيد و”باج” هوية دخول، وفي النهاية يجب أن أذهب بسيارة تكسي، الأجرة ذهاباً وإياباً تكلف 100 دولار، هذا كله على حسابي.
  • هل تعتقدين أن هذا العمل يستحق كل هذه التكاليف المعنوية والمادية التي تدفعينها؟
    • كل شيء على حسابي، ولأني مؤمنة أن الناس لها حق ويجب الدفاع عنهم. كل سفرياتي على حسابي، وبإمكان المدير أن يعطيني إيفادا، لكن لا أريد أن يُمسكوا عليّ شيئاً، أقدم على إجازة وأذهب، حتى مستقبلاً لا أضعف، ولا يساومني أحد.
  • كيف أثّر الفساد على العمل النقابي؟
    • الفساد بأملاك الاتحاد الرسمي، الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق، ورغم هذا مع علمنا أن فيه فسادا، حاولنا الاتحاد معه، وطبعاً أخذوها مثلبة علينا، كيف تتوحد معه وهو فاسد؟! هدفنا كان أخذ الشرعية القانونية منهم، أردنا عندما نذهب إلى مكان ما، لا يقولون لنا أنتم غير قانونيين، لكن حدثت خلافات ولم نتفق. النقابات الأخرى البعض منها مسميات ولا تمتلك قاعدة عمالية، وهناك امتيازات لهم في السفر، لقد مارسوا عمليات قذرة في السفر، وأعطوا صورة سيئة عن الحركة النقابية، السفر إلى تايلند، أو جنيف، أو عمّان، أو مصر وغيرها، هم أناس غير مبدئيين، وتوفرت الفرص أمامهم، ماذا يفعلون؟ وهم ليسوا أصحاب قضية، وليست عندهم خلفية يتحدثون بها عن بلدهم، والمؤتمر من الصبح إلى الليل، لكنهم يغادرون المؤتمرات وينسحبون عند الظهر، أنا لا أريد الطعن بأحد لكنهم ليسوا نقابيين، وأساؤوا للحركة النقابية في الخارج. هناك نقابيون، ولكن ليست لديهم قاعدة واسعة. وأكرر، البعض وليس الكل، والبعض الآخر أنا واثقة من أنه يتفق معي. 

ما هي الطريقة التي تستعيد بها النقابات نشاطها؟

  • أول شيء هو القانون، الحكومة فهمت اللعبة، ولم تشرّع القانون، لتضعف الحركة النقابية بهذا الشتات، هناك مشروع قانون التنظيم النقابي بديلاً لقانون 52 لسنة 1987، وكنت قد قدمت شكاوى إلى منظمة العمل الدولية، والمحافل العمالية الدولية  على الحكومة العراقية لانتهاكها الحقوق النقابية وخاصة خرقها للاتفاقية الدولية 87 المصادق عليها وفق القانون 87 لسنة 2017, حيث من المفتر أن تعدل قانون التنظيم النقابي بعد سنة كاملة كأبعد تقدير من المصادقة على الاتفاقية لكنها إلى الآن لم تعدل التشريع وفقاً للاتفاقية مما أدى إلى وضع العراق على القائمة القصيرة، وقد أرسلت منظمة العمل الدولية فريقاً دولياً لتقصي الحقائق في هذا الأمر ولإعلامهم إن لم يمتثلوا إلى احترام الاتفاقية الدولية سوف يوضع العراق في القائمة السوداء -وهذه القائمة تضم الدول التي تنتهك الاتفاقيات الدولية المصادق عليها- وهذا يترتب عليه الكثير من القضايا، ويؤثر حتى على الشركات التي سوف تعمل في العراق. من المؤسف أن يوضع العراق في القائمة القصيرة وهو من الدول المساهمة في تأسيس منظمة العمل الدولية، حيث أصبح عضواً فيها منذ عام 1932، ومن الاجراءات الاستباقية التي قام بها وزير العمل والشؤون الاجتماعية قبل قدوم لجنة تقصي الحقائق من منظمة العمل الدولية دعوة الاتحادات العمالية المختلفة وتشكيل لجنة تنسيق برئاسته وعضوية رؤساء الاتحادات، ومن المضحك أن الوزير يحث النقابيين على الاهتمام بشؤون العمال وأن حقوق العمال ضاعت بسبب الصراعات بين الاتحادات. لو أنه فعلاً يشعر بالظلم والقهر الواقع على العمال لفعل شيئاً من أجلهم هو في مركز القرار، والأدهى من ذلك وللأسف أياً من القادة النقابيين الحاضرين للاجتماع لم يعترض على الوزير ويقول له يا سيادة الوزير أو يا معالي الوزير المشكلة تكمن في القوانين، نحن مكبلين بالقانون القديم والحل والربط بيدكم، لم تعدلوا أو تشرعوا عوضاً عن القوانين البالية وحتى القونين الجديدة بيدكم تنفيذها،وهناك قصور من الوزارة والمؤسسات التابعة لها في التنفيذ، كنت أتمنى أن أكون معهم، لقلت لمعالي الوزير قبل أن تضع اللوم على النقابات عليك أن تعمل على  تشريع قانون التنظيم النقابي كي نشتغل بحرية. فيما يخص الفريق القادم من منظمة العمل الدولية، فقد أجرى الفريق جلسات واجتماعات مشتركة مع الحكومة وممثلي العمال، والمعلومات الأخيرة هي أن مشروع قانون التنظيم النقابي أنجز من الحكومة، وقدم إلى مجلس النواب ولكنه ما زال غير موضوع على جدول أعمال المجلس.
  • هذا الوضع، إلى أي مدى هو صعب على النساء العراقيات العاملات؟
    • الانخراط في العمل النقابي، والتوجه لتحمل المسؤولية من قبل النساء ضعيف، حتى لو كانت لدى المرأة القناعة، هل زوجها أو شقيقها أو أبوها يسمحون لها في مثل هذا الظرف؟ لهذا نعطيهم العذر. (مازحة) “هسه آني رجلي مضحي بية، مو كلهم مثل زوجي”.

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

بعض مَن عملتْ معهم قُتلوا، بالشنق أو بالرصاص، لكنها كانت “محظوظة بما يكفي” حتى لا يحدث لها ذلك. عندما سألناها عن متاعب المرأة في العمل النقابيّ في العراق، والمصاعب التي تواجهها؛ تحدثت عنها، لكنها تحدثت أيضاً عن إصرار المرأة في مواجهة تلك المتاعب، فالحياة كلها نضال بالنسبة لها. 

أحد العمّال رفض استلام هويته النقابية، لأنها موقّعة من “امرأة”، وهذه المرأة هي هاشمية السعداوي، التي بدأت النضال مبكراً، في السادسة عشرة من عمرها، وتعرضت للتهديد بالقتل أكثر من مرة، حاولوا اختطاف نجلها لإجبارها على ترك النضال من أجل حقوق العمّال في العراق، وعرضوا عليها تقاسم الامتيازات والأموال، لكنها رفضت. قادت حراكاً نقابياً عمالياً في العراق والولايات المتحدة، دفاعاً عن العمّال وقوانين العمل، وتقول إنها منذ بداية الطريق آمنت أنّ الحياة نضال ثم نضال حتى استحصال الحقوق.

ولدت في البصرة، ونشأت بها، وكبرت هناك، درست الترجمة في كلية الآداب بجامعة البصرة، وكانت تعيش في “المنطقة الحمراء” لكثرة اليساريين من حولها، ومنها انطلقت بكفاحها الطويل في النقابات العمّالية. نشاطها النقابي عرّضها للخطر، وكادت أن تُعتقل بتهمة “4 إرهاب” لأنها رفضت التخلي عن صوتها ونشاطها في نقابة عمال الكهرباء. تشعر بالأسف لأن العمل النقابي في العراق متأخر جداً، والعمال يجهلون حقوقهم ومعرفة الحصول عليها، وتؤمن أن معرفة القوانين بداية الطريق لحراك عمّالي مؤثر.

 بين “الثرّامة” والنضال العُمّالي

 الإدراك جاء مبكراً، في وقت كانت “الثرّامة تشتغل” على حد وصفها، وتعني القمع المطلق لكل شيء لا يرتدي زيّ حزب البعث العربي الاشتراكي، لكن “المراهِقة الشيوعية” آنذاك، حصلت على النضال، والاعتراف بهذا النضال، الذي تمثّل بمنحها عضوية “نادرة” في صفوف الحزب الشيوعي، وظلت تنجو “بقدرة قادر” من النظام حتى سقوطه عام 2003، وتلك كانت لحظتها.

لم تتأخر في التحرّك، كما هي عادتها، وهذا يعود إلى شيء فريد في شخصيتها، تصفه بلهجة بصرية وتقول، “انتمائي للطبقة العاملة مزروع في داخلي” لذلك سعت إلى تشكيل أول لجنة عمّالية، في أيلول 2003، وكانت ولادة تلك اللجنة حيث تعمل هي، حين نادت: يا عمّال الكهرباء في البصرة اتحدوا. فاتحدوا.

النضال يصيب بالعدوى أيضاً، ومن أجل ذلك بدأت اللجان العمالية في التشكّل، امتدّ تنظيم النضال إلى الأقسام الأخرى، في وزارة الكهرباء، وصارت طموحات العمّال أكبر من الدائرة والوزارة، لذا كان لا بدّ من عقد مؤتمر عام للنقابة، حدث ذلك في حزيران 2004، وفازت هاشمية السعداوي، رئيسةً للنقابة في البصرة، وهو فوز لم يكن سهلاً كما تقول، فالعراقيون لم يُخلوا المساحة للمرأة لتكون على رأس الإدارة، وما زالوا كذلك إلى حدّ ما.

في الدورة الثانية من انتخابات رئاسة النقابة، لم يُرشّح أحد لمنافستها، وكان ذلك لأنها أثبتت نقابيتها، ودفاعها عن العمال وحقوقهم على مدار أربع سنوات ماضية، وهكذا فازت هاشمية السعداوي مرةً أخرى، برئاسة نقابة عمال الكهرباء في البصرة، التي يسميها العراقيون “رئة” البلاد الاقتصادية ويسمونها أيضاً العاصمة الاقتصادية للعراق، وتُعرف كذلك بأنها الفيحاء.

 النضال بين زمنين: من حزب البعث إلى الميليشيات

“قلتُ لهم، أنا هنا” كلمةً قد تكلُف قائلها حياته، لكنّ هاشمية نطقتها بصوت مرتفع، ونجت من القتل في أكثر من مرّة، وكانت نجاتها مطوّقة بحب الناس والعمّال لها، “ما يُحسب للناس الذين دافعتُ عن حقوقهم، أنهم اتصلوا وقالوا نحن نحرسك ونحميك، دفاعي عنهم أثمر الحماية”، هكذا تعتقد أنها على الطريق الصحيح في النضال من أجل حقوق الناس، والعمّال أكثر هؤلاء الناس.

 تقول هاشمية إنها شجاعة، صحيح، لكن؛ عندما تفكر في الأمر، فهو ضربٌ من الجنون أيضاً، “الميليشيات لم تكن ترحم”. ثم تعزو ذلك إلى النشأة الأولى، والتربية البسيطة التي تكمن قوتها “بزرع الشخصية فينا” ومعرفة التمييز بين الحق والباطل، ولا تنكر فضل الحياة في حي الجمهورية في البصرة، حي المناضلين كما تسميهم، الذين “لم يكترثوا لبطش صدام” العيش في وسط مثل هذا بالنسبة لهاشمية ولّد شعوراً بالشجاعة “لأنك لست أقل شأناً منهم”.

ولأنها ليست أقلَّ من أحد؛ ولأن العمل النقابي لا علاقة له بالحزب أو الانتماء إليه، اختلفت مع الحزب الشيوعي عندما أراد أحد أعضائه تجيير الحركة النقابية لصالح الحزب، فالنقابة متى ما جُيرت لجهة “اقرأ عليها السلام” تقول هذا، وهي عضو مكتب تنفيذي على مستوى العراق.

مبدأ هاشمية السعداوي في ذلك أخذته عن فهد، أمين عام الحزب الشيوعي العراقي الذي أُعدم عام 1949، وينص المبدأ على “دعم الحركة النقابية من دون تملّكها أو أن تكون لنا” وسبب هذا بسيط، فالنقابة فيها أشخاص من مختلف الفئات والمعتقدات والتوجهات والأديان، حتى من حزب الدعوة والتيار الصدري، وهؤلاء على وجه التحديد من أعطى صوته لهاشمية، كما تقول، لأنها حافظت على استقلالية النقابة، بقدر ما تستطيع، وإن كلفها ذلك أن “تُطرد” كما تروي عن أحد المدراء (يعرب جاسم) الذي وكلّما كانت تذهب “من أجل استحقاقات العمال” يقول لها، “شنو تريدين تسوين سوي” ولا تُجدي معه المحاججة بالنصوص القانونية التي تثبت استحقاق العمال.

النضال، وفلسطين الكاشفة

النضال لا يتجزأ عند هاشمية، وهو كذلك ليس بوفيه مفتوحاً، تنتقي منه ما تشتهي من أنواع المواقف والقضايا، لذلك تعتقد أن فلسطين “قضية كاشفة” وهذا ما تعلمته من تجربتها العالمية في العمل النقابي، التي خلقت لها “مأساة كبيرة جداً” وصراعاً مع الاتحاد الدولي للصناعات، التي هي فيه رئيسة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ورئيسة اللجنة العالمية للمرأة، وعضو لجنة تنفيذية. لذلك كانت خيبة أملها بحجم مسؤولياتها، وما تؤمن به من المبادئ العمالية في العالم، وفلسطين جزء من هذا العالم. 

ليست وحدها من رفضت بيان “الاتحاد الدولي للصناعات” من القضية الفلسطينية، لكن صوتها كان عالياً برفضه، ورفض التوقيع عليه، وانسحابها، عندما رفض البيان ذكر كلمة “إبادة جماعية” لما يحدث في غزة، واختزال القضية الفلسطينية، ووصف ما يجري على أنه حرب بين “إسرائيل وغزة”. “لقد كشفتهم القضية الفلسطينية”. 

الشفافية في العمل النقابي، تتطلب شفافية في المواقف أيضاً، هكذا تقدّم هاشمية تعريفها لنضال العمّال، في كل العالم، ولأنها واضحة فهي تنصف الجميع، الذين تقول إن بعضهم مهنيّ، ولديها الكثير من “المشتركات معهم” لكن ليست كل المشتركات النضالية تلتقي في “الاتحاد الدولي للصناعات” الذي مرّر البيان، بعد أن تغيرت مواقف “النضال” من أجل ألا يغضب “رب العمل العالمي” فيأخذ قضمة من الحقوق، وهذا بالتحديد جوهر النضال العمالي، ألا يسمح لرب العمل، أيّاً كان هذا الرب، بمقايضة الحقوق بالمواقف. هذه هي “الديكتاتورية” التي تناضل ضدها هاشمية السعداوي.  

عندما حاورها جمّار، كانت تضع صوراً عدة لعلم فلسطين على الحائط الذي خلفها، لم تكن صورة واحدة فقط، وهذا يعطي الكثير من الانطباعات حول الطريقة التي تعبّر من خلالها هاشمية عن رأيها في العمل النقابي، والنضال من أجل الحقوق، وواحدة من تلك الانطباعات هي بالدفاع عن الحقوق من خلال تأكيدها، وتأكيد وجودها. 

انطباع آخر يوحي به الحوار مع هاشمية، وهو أن التي خلفها كل تلك الأعلام لفلسطين؛ حتماً سيكون الحديث معها عن “النضال والحقوق”، عن العمل والعمال والتنظيم النقابي، عن الظالمين والمظلومين.

  • بدأتِ العمل النقابي في حدود عام 2004، ما نود معرفته هي اللحظة التي بدأتِ فيها الدفاع عن حقوق العمال، من أين جاءت وكيف بدأت؟
  • بدأت العمل النقابي عام 2003، العام الذي حدث فيه التغيير، سابقاً كان القطاع العام يُمنع أن تكون فيه نقابات، والحكومات المتعاقبة لم تكن تفهم أُسس القوانين السابقة في زمن النظام السابق، فسمحوا لنا بالعمل. ولمّا عرفوا ألا غطاء قانونيا لدينا بدؤوا بهجمتهم علينا، بدؤوا بنقابة عمال الكهرباء، ومن بعدها السكك وغيرها، والحقيقة أن النقابات كانت ناشطة في هذه القطاعات، فضلاً عن أن الأيدي العاملة في زمن النظام السابق 75 بالمئة منها كان يمثله القطاع العام و25 بالمئة يمثله القطاع الخاص، ولما منع النظام وجود نقابات في القطاع العام، فأن الكم الهائل من العمال لن يتحركوا، وبقي 25 بالمئة لا يشكلون أي ضغط على الحكومة، ومن جانب آخر، كان الاتحاد العام لنقابات العمال يمتلك أموالاً طائلة، صادرها النظام سنة 1987، واستحوذ عليها، عقارات وأموال، ما يقارب من 4.5 مليارات دينار عراقي.

وبمجرد سقوط النظام عام 2003، قلنا يجب عمل شيء، فخلال النظام السابق كان يستحيل عمل شيء، كانت عندي بعض المبادرات، مثلاً إحدى الموظفات كانت لديها مشكلة مع أبيها، وجاء أبوها إلى المدير وقال له أنقلها إلى خور الزبير ونحن في النجيبية، استغربت من الأب يطلب من المدير هذا الشيء، كانت علاقة الأب طيبة بالمدير، وعندما غادر الأب قلت للمدير، “أستاذ هل تسمح لي بالتدخل ولو ميجوز اتدخل لكني اعرف انك إنسان حقاني” فقال، تفضلي هاشمية، قلت له، “اسألك سؤال عن هذه الموظفة، وهي متعاركة ويا ابوها هل هي ما ضابطة شغلها بقسمها، قلت له اذا تنقلها ما رح تخلي فراغ كبير بقسمها؟، قال لا اكيد رح يكون اكو نقص، قلت له شلون لعد احنه نشتغل على المزاجيات والعلاقات العائلية، لازم تلاحظ اذا تضرر المصلحة العامة”، فأُعيد النظر بالقرار، وألغاه المدير. كنا نعمل بهذه الطريقة، ندافع عن الناس.

  • في الأيام التي كنتِ مسؤولة نقابة عمال الكهرباء، في ذلك الوقت حصلتِ على امتيازات وعقود وتثبيت للعمال، ما هي الصعوبات التي واجهتها لتحقيق هذه الامتيازات الصعبة فهي بحاجة إلى جهد كبير؟
    • عندنا أولاد شهداء، العمال الذين ماتوا بالصعقة الكهربائية، ليست لدي إحصائية عنهم، قدمت التماساً للوزير حتى يكون لهم راتب، جزء منهم سقط في الحرب العراقية الإيرانية، وجزء منهم بصعقة كهرباء، وكنت نوعاً ما لدي طريقة في الحوار والإقناع، عندي طريقتي التي اكسب بها الجولة، وفي المقابل هناك أناس يتفهمون، بعدين نظرت إلى العمّال الذين يشتغلون بأجر يومي وليس لديهم أي ضمان أو تأمين صحي، أو تقاعد، وبدأت بهذا الموضوع، وكان الدكتور عدنان طه، مدير عام النقل آنذاك متعاونا معي جداً وأعطاني قائمة وظل يتابع معي. هناك مدراء لم يغيرهم الكرسي، وبقي عندهم الجانب الإنساني، الكرسي لا يغير، الكرسي يكشف. هذا ما أقوله دائماً.
  • تعرضت كثيراً للتهديد ومحاولات بالتصفية، خاصة في مرحلة نقابة عمال الكهرباء، ما هي أسباب التهديدات؟
    • أحد الأسباب كانت التعيينات، لمّا صدرت التعيينات قالوا “نبيعها بالورق” أي بالدولار، ولك حصة منها، هذا أحد الأسباب، جماعة التيار الصدري مع احترامي لهم حركوا عليّ شخصين، “دفروا باب النقابة” وقالوا نريد تعيين، أعطيتهم ماء وقلت لهم استريحوا، عندما دخلتم لهذه الغرفة ما هو مكتوب؟ مكتب تشغيل أو نقابة؟ قالوا نقابة، قلت لهم إذن لا أقدر على تعيينكم، ولكني أستطيع أن أسعى، وأنتم شبابنا إذا لم نسع لكم أين تذهبون، اعطوني بياناتكم وإن حصلنا على فرصة عمل كان بها وإذا لم نحصل فأنا لست صاحبة قرار، أنا فقط أقنع صاحب القرار، وبالفعل عملت من أجل عدد من العاطلين عن العمل، أعتقد كانوا يختبرونني هل أعمل فقط للشيوعيين أم لا، وعندما رأوا موقفي تغيّر موقفهم، وصاروا يلجؤون إليّ في كثير من القضايا لحلها.
  • ووصل صيتج (سيرتك) لأمريكا؟
    • أمريكا سالفة ثانية، تحدثت عن قانون النفط والغاز، وفندت مواده، كانت 3 فقرات عليها اعتراض، يوزعون النفط والغاز للناس كحصص، والأيدي العاملة عراقية فقط، المهن غير الموجودة باختصاصنا، وعقود الخدمة وعقود المشاركة، يأتي أحد ليشاركني حقي؟ طلبنا عقود خدمة مقابل 20 سنة، هم وضعوها 40 سنة، وبجهود نقابتنا ونقابة النفط عملنا على ألا يُشرّع القانون، كنا نأمل بتعديله وليس عدم تشريعه، هذه ثروة وطنية لا بد من الحفاظ عليها، وحسين الشهرستاني (وزير النفط الأسبق 2006-2010) لجأ في غرف مغلقة إلى عقود التراخيص.
  • الموقف العمالي من قانون النفط والغاز، جولات التراخيص، عقود الخدمة والمشاركة، العمال في العراق إلى أي اتجاهات يذهبون من هذه الاتفاقيات النفطية؟
    • يوجد تعتيم على العقود، الخدمة والتراخيص، وهذا حديث برلماني سابق يقول أنا لا أستطيع الاطلاع على العقود، متكتمون عليها، وهذا مسؤول، لو كانت لديك لائحة وتقرأها تستطيع أن تعطي رأيك وتعارض فلان بند، لكن أنتلا تملك عقودا تثبت أنهم باعوا النفط، والآن العمالة لدينا من كل الدول، العمال أكثرهم؛ الطباخ والمنظف وغيرهم من دول أجنبية، في حين هذه ليس اختصاصات نادرة، وهم يعملون بمبالغ هائلة في وقت أن شبابنا بلا عمل، لما تحركنا على المحافظة باعتبار أن أكثر المواقع النفطية من البصرة، فوجئنا بأن أكثر الشركات مسيّرة من قبل ميليشيات وأحزاب، وهناك “كومشنات وانت محد يجيك وانت بحمايتي” هذه الميليشيات والأحزاب هي التي دمرت البلد، لا ديمقراطية بدون أحزاب، لكن هذه الأحزاب عملت بلا قانون، ولا تعرف من أين تأتي أموالها، مثلاً، الحملات الدعائية يصرفون عليها ملايين الدولارات في حين لو يقدم شيء للناس بدل الدعايات سيكسبون صوت الناس.
  • كنقابات عمّالية، اعترضتم على قرارات واتفاقيات وزارة النفط، لكنكم واجهتم التضييق والقمع، وبعض العمّال جرت ملاحقتهم بتهمة “4 إرهاب” ماذا حدث بالضبط؟
    • عام 2009 حاولوا منعنا من العمل النقابي، وقالوا لكم الحق بالعمل خارج الدوائر الحكومية وليس داخلها، ومن يعمل داخل الدائرة تُطبق عليه مادة “4 إرهاب” أتذكر بعد أن انتهى وقت الدوام عُمم القرار على شرطة الكهرباء وكانوا قد شكّلوا رتلاً (أمنياً) واقتحموا الغرفة التي نجلس بها، وقالوا انتم ينطبق عليكم “4 إرهاب” وكان سبب ذلك هو أنهم اكتشفوا أن عملنا “غير قانوني” كانوا مغفلين ولا يعرفون بوجود قرار 150 وهو يمنع العمل النقابي بالقطاع العام، وقانون التنظيم النقابي رقم 52 لسنة 1987، الذي ينفذ على القطاع الخاص فقط، وصرنا نطالب بحق الناس ولاحظوا أننا نشكل خطرا عليهم، فقالوا إن الذي يمارس العمل النقابي داخل الدوائر الحكومية يُطبق عليه المادة “4 إرهاب”. في الكهرباء كان الضرر أقل من وزارة النفط، في النفط تعرضوا (العمّال) للنقل والغرامات، وحدثت مظاهرات.
  • هل كانت الفترة الأولى أفضل بالعمل النقابي؟ أول 5 أو 6 سنوات بعد تغيير النظام؟ كان هناك استحصال حقوق، كيف كانت الظروف النقابية في ذلك الوقت؟ خاصة أنّها لم تكن مقسمة إلى سبع أو ست نقابات كما هو الحال الآن، كم كان عدد النقابات ولماذا كانت الظروف بهذه الطريقة؟
    • السؤال له أكثر من إجابة، كانت هنالك حركة نقابية، بمعنى حركة نقابية فيها صفات وميزات ترتقي لاسم حركة نقابية، من تنظيم ولجان وانتماء عضويات ونظام داخلي تستند له، والقضية الوطنية تكون “رقم واحد” للنقابة، أنا بالكهرباء وذهبت واعترضت على قانون النفط، لأنها قضية وطنية، لما تشكلنا في البداية لم يكن هذا الكم الهائل من النقابات، دخلت عدة محفزات للانشقاقات، مثلاً في الكهرباء كانت نقابتي الوحيدة، تأسست في أيلول 2003، وبعدها بدأت الانشقاقات من نقابتي، وصارت 3 نقابات في الكهرباء، واختلفت مستوياتها، بدأت النقابات تظهر على مستوى وطني وعلى مستوى عالمي، هناك من لديه طموح على المستوى العالمي، وهناك من يتحرك حتى في الاتحادات الدولية، في اتحاد النقل أعرف شخصاً التقى بواحدة من الشابات وقال لها، “أول ما ترحين شكلي نقابة واني ادعمج باتحاد النقابات” تأثير المنظمات الدولية على الانشقاق بالداخل موجود. تدخلات خارجية وأحزاب الداخل وكل حزب يُعطي امتيازات، تشكل اتحاد المجلس الأعلى وحزب الدعوة، وعندما يتشكلون يذهبون إلى النشطاء النقابيين يسحبونهم، حتى يخف الوضع الخاص بالحركة النقابية، وهي مؤامرة على الحركة النقابية، والتصريح الصادم أننا كان لنا في السابق حركة نقابية (وأعني بعد 2003 مباشرة) لدينا افراد نقابيون يقاتلون، لكن ليس لدينا ما يرتقي لمستوى حركة نقابية الآن، لأن الحركة النقابية فيها أشخاص وصوليون، ويبتغون المصلحة الخاصة، النقابات موجودة، لكن هل نرتقي إلى تسمية حركة نقابية عراقية؟، لا توجد حركة نقابية، الحركة النقابية عندما يكون حدث في البلد، المفترض أنها تسارع بالاجتماع لتحديد موقفها تجاه هذا الحدث، وهذا غير موجود، نحن غير موحدين، ليس لدينا أي تأثير، أنا اتحدث ومسؤولة عن كلامي، ومن يريد مواجهتي أنا جاهزة، هناك معاناة كبيرة تواجه العمال من جهة الأزمات التي تعصف بالبلد، أين هي الحركة النقابية من كل ذلك؟ حتى أزمة كوفيد 19 لم يكن للنقابات دور، ولم يفعّل الحوار الثلاثي لمعالجة الأزمات، أتمنى أن نكون ضاغطين، هذا التمزق الذي حصل حوّلنا إلى 14 اتحادا.
  • عام 2007 حصلتِ على عضوية اتحاد الطاقة والتعدين والمناجم؟
    • عام 2007 أصبحت رئيسة نقابتنا، وعضو في اتحاد الطاقة والتعدين والمناجم، واندمج هذا الاتحاد مع 3 اتحادات عالمية، هي اتحاد النسيج والجلود واتحاد الصناعات وشكلنا الاتحاد الدولي للصناعات عام 2012، وبقيت معهم حتى هذه اللحظة، ولدي موضوع سأشير إليه كموقف بيني وبين الاتحاد الدولي للصناعات، ولكن في آخر هذا الحوار.
  • وزير العمل يقول هناك 6 ملايين عامل عراقي، 600 ألف منهم فقط مسجلون على الضمان الاجتماعي.
    • يقصد به القطاع غير المنظم، قبل سنة كان هناك 5 ملايين عامل، ولديك العمال في القطاع الخاص، بدأ العمل يزيد في القطاع غير المنظم، لو أوجدنا لهم تنظيماً ووحدناهم! السبب بعدم التوحيد هو أن قانون التنظيم النقابي لا يجيز العمل إلا لاتحاد واحد الذي هو الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق، والذي يرأسه ستار دمبوس، ذهبت للدائرة التابعة لوزارة العمل، دائرة التشغيل، من أجل عمال يشتغلون بمطعم باربكيو في البصرة فيه 180 عاملاً، التقيت المدير العام للدائرة، فقال لي، بودي مساعدتكم، لكن لدي أوامر بعدم التعامل إلا مع الاتحاد العام وهو الاتحاد الذي تعترف به الدولة، كيف أستطيع تقديم شيء للقطاع غير المنظم إذا لم تكن هناك دائرة تستقبلني؟ القانون 52 لسنة 1987 والقرار 150 لسنة 1987 أيضاً صدرا في يوم واحد، قانون 52 يقول إن التنظيم النقابي بالقطاع الخاص فقط، وقرار 150جرّم العمل النقابي بالقطاع العام. ومنذ عام 2005 طرحنا مسودة قانون العمل الجديد. قانون العمل لم يشرّع، نحن نعمل بقانون صدر سنة 1971، من 1971 إلى 1987حتى صدر قانون التنظيم النقابي. القوانين العمالية الثلاثة، وهي قانون العمل، وقانون التنظيم النقابي، والضمان الاجتماعي، هذه قوانين تهم العامل. قانون العمل صدر عام 1971، وقانون التنظيم صدر عام 1987، هل ينسجم قانون التنظيم مع قانون العمل بعد هذه المدة الزمنية التي صدر بها؟ بالتأكيد لا ينسجم. لأن العالم في تغيّر مستمر. سارعنا كنقابات عندما كنا حركة نقابية، قلنا هذا القانون لا يمثلنا، نريد قوانين تنسجم مع المرحلة الحالية بعد التغيير، اشتغلنا على المسودة وتعاونا مع منظمة العمل الدولية لكننا صُدمنا ببعض الأمور التي لا تتوافق مع الاتفاقيات الدولية، بعد شد وجذب وصراع مدته 10 سنوات، شُرّع القانون، قانون مع المرحلة القادمة نقول عنه جيد جداً، لكن هل يمكن العمل عليه مع قانون 1987؟ لأن قانون 87 يقول هناك اتحاد واحد، بينما قانون العمل الجديد يقر التعددية، وقانون 1987 معمول به حتى هذه اللحظة، وهناك تضارب بينهما، القوانين الثلاثة (التنظيم النقابي، والعمل، والضمان الاجتماعي) لا يوجد بينهم انسجام للأسف.
  • ما تأثير هذه التناقضات والتضارب على العمال؟
    •  القطاع المنظم 5 ملايين عامل، ووزير العمل والشؤون الاجتماعية يقول إنهم 6 ملايين عامل، المعلومات المسجلة في الضمان الاجتماعي هي وجود 350 ألف عامل مسجّل في الدائرة، والوزير يقول 600 ألف هذا جيد، وفي الوقت نفسه ارتفع عدد العمال غير المنظمين، اشتغلنا عليها بقانون الضمان الاجتماعي الجديد الذي صدر قبل 4 أشهر، تصريح رئيس الوزراء ووزير العمل أن القانون أصبح جاهزاً، يعني “أن ابو البسطية والجمبر أو أي أحد بقطاع غير منظم يكدر يسوي ضمان اجتماعي وفق تعليمات معينة، من ناحية العمالة غير المنظمة هذا شيء جيد”، ليست كل التعديلات الي طالبنا بها وافقوا عليها، لكن إلى الآن يعتبر هذا مكسباً للعمال.
  • هل العراق جاهز لتطبيق الضمان الصحي والاجتماعي؟ القانون أُقرّ لكن هل البنية التحتية للمؤسسة العراقية جاهزة لتطبيق هذا الشيء؟
    • قانون العمل شُرّع عام 2015، يُفترض تطبيق تعليماته، لغاية هذا اللحظة بدأ يُطبّق لكن هناك أماكن لم يُطبّق بها (احنه مصيبتنا كبيرة بالعراق) لقد شرّعنا قانون عمل، وصادقنا على اتفاقية 87 لسنة 2017، ووضعنا اللبنة الأساسية، الحياة نضال، تناضل من أجل التشريع، وتناضل من أجل التطبيق، نحن نعيش حياة اللاقانون في هذا البلد، حتى وإن شُرّع القانون، نحتاج إلى سنوات ليدخل حيز التنفيذ.
  • هل العامل يجهل القوانين والعمل المؤسساتي التي من خلالها يستطيع أخذ حقوقه؟ وهل النقابات مقصرة بتثقيف العامل؟
    • عملية التوعية تحتاج أموالاً ومنشورات وبرامج تلفزيونية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، حتى على عربة الحصان وبيدك جهاز موبايل يشتغل يمكن توصيل المعلومة للناس بسهولة، نحتاج فريقاً منظماً يعمل على هذا الشيء، ومن المفترض أن الاتحاد الرسمي الذي تعتمد عليه الحكومة ولديه المليارات أن يكون همه إيصال المعلومة للعامل ويساهم في تثقيفه. النقابات أيضاً تتحمل جزءاً من المسؤولية، لكن ليست لدينا الأموال، والفلوس جداً مهمة، مثلاً عندما كنت رئيسة اتحاد عمال البصرة، أواجه صعوبات وأحتاج إلى موافقات لأن “اتحادنا” غير تابع للحكومة، وهناك الاتحاد الآخر، رسمي وتابع للحكومة لا صعوبات يواجهها، لديه تسهيلات لأنه معترف به من قبل الحكومة، اليوم عندما أردت الذهاب إلى موقع عمالي نفطي كان يفترض أن أحصل على موافقات ومواعيد و”باج” هوية دخول، وفي النهاية يجب أن أذهب بسيارة تكسي، الأجرة ذهاباً وإياباً تكلف 100 دولار، هذا كله على حسابي.
  • هل تعتقدين أن هذا العمل يستحق كل هذه التكاليف المعنوية والمادية التي تدفعينها؟
    • كل شيء على حسابي، ولأني مؤمنة أن الناس لها حق ويجب الدفاع عنهم. كل سفرياتي على حسابي، وبإمكان المدير أن يعطيني إيفادا، لكن لا أريد أن يُمسكوا عليّ شيئاً، أقدم على إجازة وأذهب، حتى مستقبلاً لا أضعف، ولا يساومني أحد.
  • كيف أثّر الفساد على العمل النقابي؟
    • الفساد بأملاك الاتحاد الرسمي، الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق، ورغم هذا مع علمنا أن فيه فسادا، حاولنا الاتحاد معه، وطبعاً أخذوها مثلبة علينا، كيف تتوحد معه وهو فاسد؟! هدفنا كان أخذ الشرعية القانونية منهم، أردنا عندما نذهب إلى مكان ما، لا يقولون لنا أنتم غير قانونيين، لكن حدثت خلافات ولم نتفق. النقابات الأخرى البعض منها مسميات ولا تمتلك قاعدة عمالية، وهناك امتيازات لهم في السفر، لقد مارسوا عمليات قذرة في السفر، وأعطوا صورة سيئة عن الحركة النقابية، السفر إلى تايلند، أو جنيف، أو عمّان، أو مصر وغيرها، هم أناس غير مبدئيين، وتوفرت الفرص أمامهم، ماذا يفعلون؟ وهم ليسوا أصحاب قضية، وليست عندهم خلفية يتحدثون بها عن بلدهم، والمؤتمر من الصبح إلى الليل، لكنهم يغادرون المؤتمرات وينسحبون عند الظهر، أنا لا أريد الطعن بأحد لكنهم ليسوا نقابيين، وأساؤوا للحركة النقابية في الخارج. هناك نقابيون، ولكن ليست لديهم قاعدة واسعة. وأكرر، البعض وليس الكل، والبعض الآخر أنا واثقة من أنه يتفق معي. 

ما هي الطريقة التي تستعيد بها النقابات نشاطها؟

  • أول شيء هو القانون، الحكومة فهمت اللعبة، ولم تشرّع القانون، لتضعف الحركة النقابية بهذا الشتات، هناك مشروع قانون التنظيم النقابي بديلاً لقانون 52 لسنة 1987، وكنت قد قدمت شكاوى إلى منظمة العمل الدولية، والمحافل العمالية الدولية  على الحكومة العراقية لانتهاكها الحقوق النقابية وخاصة خرقها للاتفاقية الدولية 87 المصادق عليها وفق القانون 87 لسنة 2017, حيث من المفتر أن تعدل قانون التنظيم النقابي بعد سنة كاملة كأبعد تقدير من المصادقة على الاتفاقية لكنها إلى الآن لم تعدل التشريع وفقاً للاتفاقية مما أدى إلى وضع العراق على القائمة القصيرة، وقد أرسلت منظمة العمل الدولية فريقاً دولياً لتقصي الحقائق في هذا الأمر ولإعلامهم إن لم يمتثلوا إلى احترام الاتفاقية الدولية سوف يوضع العراق في القائمة السوداء -وهذه القائمة تضم الدول التي تنتهك الاتفاقيات الدولية المصادق عليها- وهذا يترتب عليه الكثير من القضايا، ويؤثر حتى على الشركات التي سوف تعمل في العراق. من المؤسف أن يوضع العراق في القائمة القصيرة وهو من الدول المساهمة في تأسيس منظمة العمل الدولية، حيث أصبح عضواً فيها منذ عام 1932، ومن الاجراءات الاستباقية التي قام بها وزير العمل والشؤون الاجتماعية قبل قدوم لجنة تقصي الحقائق من منظمة العمل الدولية دعوة الاتحادات العمالية المختلفة وتشكيل لجنة تنسيق برئاسته وعضوية رؤساء الاتحادات، ومن المضحك أن الوزير يحث النقابيين على الاهتمام بشؤون العمال وأن حقوق العمال ضاعت بسبب الصراعات بين الاتحادات. لو أنه فعلاً يشعر بالظلم والقهر الواقع على العمال لفعل شيئاً من أجلهم هو في مركز القرار، والأدهى من ذلك وللأسف أياً من القادة النقابيين الحاضرين للاجتماع لم يعترض على الوزير ويقول له يا سيادة الوزير أو يا معالي الوزير المشكلة تكمن في القوانين، نحن مكبلين بالقانون القديم والحل والربط بيدكم، لم تعدلوا أو تشرعوا عوضاً عن القوانين البالية وحتى القونين الجديدة بيدكم تنفيذها،وهناك قصور من الوزارة والمؤسسات التابعة لها في التنفيذ، كنت أتمنى أن أكون معهم، لقلت لمعالي الوزير قبل أن تضع اللوم على النقابات عليك أن تعمل على  تشريع قانون التنظيم النقابي كي نشتغل بحرية. فيما يخص الفريق القادم من منظمة العمل الدولية، فقد أجرى الفريق جلسات واجتماعات مشتركة مع الحكومة وممثلي العمال، والمعلومات الأخيرة هي أن مشروع قانون التنظيم النقابي أنجز من الحكومة، وقدم إلى مجلس النواب ولكنه ما زال غير موضوع على جدول أعمال المجلس.
  • هذا الوضع، إلى أي مدى هو صعب على النساء العراقيات العاملات؟
    • الانخراط في العمل النقابي، والتوجه لتحمل المسؤولية من قبل النساء ضعيف، حتى لو كانت لدى المرأة القناعة، هل زوجها أو شقيقها أو أبوها يسمحون لها في مثل هذا الظرف؟ لهذا نعطيهم العذر. (مازحة) “هسه آني رجلي مضحي بية، مو كلهم مثل زوجي”.