"الحبة الصفراء" تسوح في غرب العراق: معابر لـ"الكبتاغون" تؤرّق الأنبار

عبد الرحمن غريب

19 آذار 2023

يُحدّد تقرير أمني لوحدة مكافحة المخدرات في الأنبار، حصلت عليه "جُمار"، أربعة معابر لدخول المواد المُخدّرة الى العراق عبر الحدود الصحراوية، لتنتشر بعد ذلك بين مراهقي المحافظة، وتتسلل إلى مُدن العراق الأخرى.. فصائل مسلحة تنخرط بالتجارة، وشرطة تبحث عن تدريب لأنها لا تجاري المهربين، ومدمنون بلا مصحات.. حكاية المخدرات في الأنبار..

قضى مصطفى أشهراً عدّة مُحتجزاً تحت حراسة مُشدّدة في مركز علاجي ببغداد، لمساعدته على الإقلاع عن الإدمان، بعد ضبطه في الأنبار مُتعاطياً. 

نجحت وزارة الصحة بمعالجة ٤٥٠٠ مدمن ومتعاطٍ في العام ٢٠٢٢. 

حالف الحظ المراهق الأنباري ذا الخمسة عشر ربيعاً، بأن يكون من بين من أفلتوا من الكبتاغون.

“الإدمان، طريق تهلكة وموت تدريجي يقتل صاحبه ويقتل مَن يسير إلى جانب المدمن”، قال مصطفى لـ”جُمار”. 

أشَّرَ قاضٍ بمحكمة تحقيق في بابل، في أيار ٢٠٢١، على أن “نسب الإدمان بين الشُبان العراقيين قد تصل الى ٥٠بالمئة”. 

تحوّل العراق إلى سوق واسعة رئيسة لمتاجرة واستهلاك مختلف أنواع المخدرات و”المُكيّفات” والمؤثرات العقلية عقب عام ٢٠٠٣، في ظلّ تعثّر قوات الأمن في ضبط ممرات التهريب عبر الأنبار ومحافظات أخرى، تُسيطر عليها فصائل مُسلحة ومافيات حكومية عابرة للحدود.

يلعب موقع محافظة الأنبار المحوري، كعقدة توزيع رئيسة للمخدرات القادمة من لبنان وسورية، بحكم تشاركها الحدود مع الأخيرة فضلاً عن الأردن والسعودية، وإطلالتها على ست محافظات هي نينوى، صلاح الدين، بغداد، بابل، كربلاء والنجف. 

تُفسر شرطة الانبار لـ”جُمار” تحوّل المحافظة الشاسعة الى مسرحٍ مفتوحٍ لتهريب وتمرير المواد المُخدّرة، بأن “الظاهرة اتسعت مع سيطرة (داعش) على المحافظة، وتفاقمت حتّى بعد تحرير المنطقة، فالحدود مع سورية ما زالت مفتوحة وهشّة، والأوضاع في الدولة الجارة غير مُستقرة”.

مفارز وحدة مكافحة المخدرات في الأنبار، أكدت ان جهودها طوال ١١ شهراً، من العام الفائت ٢٠٢٢، أفضت الى القبض على ٤٥٠ متورطا بتجارة المخدرات وترويجها وتعاطيها، وضبط أكثر من ثلاثة ملايين و٤٠٠ حبة كبتاغون ومؤثرات عقلية لا تقل خطورة عن الحبة الصفراء.

متعاطو الفئة الأخطر

كان مُصطفى أحد المتعاطين ممن ضبطتهم وحدة مكافحة المُخدرات في الانبار، في إحدى غاراتها لتتبع المتعاطين، “في كل ليلة، كنت أخرج من البيت في ساعة متأخرة من أجل التعاطي، كي أفلت من رقابة أهلي”..

“في واحدة من تلك الليالي، وعند رجوعي الى البيت مُنتشياً، وبعد أقل من خمس دقائق، داهمت منزلنا قوة أمنية، وجرى اعتقالي”.

مُصطفى، الذي ينتمي الى أسرة من طبيبين هما الأب والأم، وشقيقين يتبعان خطى والديهما، بدأت رحلته مع التعاطي والإدمان عبر صديق له في الثانوية، “كان أكثر حديثه عن الممنوعات (..) وبدأ يستدرجني فعلاً الى الطريق الخطأ، حتّى أصبحت مدمناً”، روى مُصطفى الذي تعافى من المُخدّرات. 

قال عماد عبد الرزاق، مستشار الصحة النفسية في وزارة الصحة، في بيان صحفي في كانون الأول ٢٠٢٢، إن “أكثر المتعاطين بأعمار تقع ما بيّن ١٥ و٣٠ سنة”.

“نسبة المتعاطين بين النساء بلغت ٧ بالمئة بسبب الظروف الاقتصادية والعنف وحالات الاكتئاب والقلق، فيما وصلت إلى ٦٠ بالمئة بين الشباب من ١٥ إلى ٢٥ عاماً من الحاصلين على الدراسة الابتدائية، و٧ بالمئة بين طلبة الجامعات، أما النسب المتبقية فتنتشر بين الشباب الحاصلين على الدراسة المتوسطة”، بحسب عبد الرزاق. 

السُلطات العراقية على مدى ١٢ عاماً ما بيّن ٢٠٠٩ و٢٠٢١، سجلت ١٥ ألف ضبطية مواد مُخدّرة، كانت حصيلتها ٥,٩ أطنان من مُخدّرات لم يُشر الى طبيعتها، و٦١ مليون حبّة مُخدرة من بينها خمسة ملايين حبّة كبتاغون، ٣١ ألف أمبولة، وتسعة آلاف قنينة من عقاقير مزدوجة الاستخدام كمؤثرات عقلية، فضلاً عن ٣٥٠ كيلوغراماً من الكوكايين. 

في كانون الثاني ٢٠٢٢، اتلف العراق تلك الأطنان بمحارق بدائية في النهروان، وعلى مرمى حجرٍ من مجمع بسماية السكني، تحت إشراف وزارة الصحة، في عملية ميدانية شابتها أخطاء، ونتج عنها تلوث نتيجة الأدخنة السوداء الكثيفة المنبعثة عن حفائر إحراق غير نظامية لم تستوعب تلك الأطنان.

الأنبار.. ممرّ لا أكثر!

تُصّر شرطة الأنبار، على أن المحافظة “ممر لعبور المُخدرات الى محافظات أخرى، لا بالمدينة المُستهلكة”، منوهة إلى أن “نشاط التهريب بات أخف بكثير عن السنوات السابقة”، بحسب ضابط رفيع المستوى في قيادة شرطة المدينة تحدث لـ”جُمار”.

يُحدّد تقرير أمني لوحدة مكافحة المخدرات في الأنبار، حصلت عليه “جُمار”، أربعة معابر لدخول المواد المُخدّرة إلى العراق عبر الحدود الصحراوية.

منطقة القائم فيها معبران، هما الطريق النيسمي عبر بلدة القائم الحدودية مع محافظة البوكمال السورية، فيما الطريق الآخر عبر صحراء منطقة الوليد وصولاً إلى الأراضي السورية. 

منطقة الرطبة، وهي بمعبرين أيضاً، طريق نيسمي يصل بين طرفي الصحراء العراقية – الأردنية المُشتركة عبر وادي (الاثنا) ذي التضاريس المتموجة والهضاب والوديان. أما الآخر عبر وادي حوران الذي يمر بصحراء الرُطبة وصولاً الى الأراضي الأردنية. 

غيّر أن الوقائع الميدانية تؤكد تنامي نشاط تهريب المواد المُخدّرة في الأنبار طيلة السنوات الثلاث الفائتة. 

يقول متعاطون لـ”جُمار”، بأن مدينتهم الرمادي، “كُلشي متوفر بيها، وكلشي بفلوسه”. 

“احنا نوصل للمروجين عن طريق المتعاطين، واحد يوصل لواحد (…)، البياعة موجودين بكل المناطق بس يبيعون بالخفية، ومن خلال الناس الثقة، يصير اطمئنان ونبلش نشتري منهم”، وفقاً لشهادة أحد المتعاطين. 

متعاطٍ آخر يقول، “الناس تبيع بكل المناطق، وعادي استلمها بالشارع، او بأي مكان يثق بيه التاجر”. 

وحرصاً على أمنهم، متاجرين ومتعاطين، ابتكروا طرقاً لتفادي رجال الشرطة، “نتواصل مع البائع عن طريق الفيسبوك، او الواتساب، ونادراً ما يجي الى أماكن عامة او يبيع من بيته، غالباً يوصفلنه أماكن ونروح ننتظره بيها”، بحسب أحد المتعاطين.

وفق المقابلات التي أجريناها، فإن أكثر ما يجري استهلاكه في الانبار هو مادة الكبتاغون التي تُسمى “صفر واحد”، ويبلغ سعر كل ٣ حبوب خمس آلاف دينار.

 ويضيفون، “البياعة كلهم من أهل المحافظة”. 

وعن طريقة التعامل، يقول المتعاطون، “عادة الي يبيع يكون لطيف ويانا، بس مينطي ببلاش كلشي بحسابه”.

تؤكد شرطة الأنبار بأن الكبتاغون يأتي من سورية، أما الكريستال ميث فيأتي من المحافظات الجنوبية، وبكميات قليلة، “اكثرها تضبط قبل التوزيع”. 
 
نشرت وزارة الداخلية في آب ٢٠٢٢ نشرة تفيد بأن الكريستال ميث والحشيشة تنتشران في الوسط والجنوب وتدخلان عن طريق ميسان والبصرة الحدوديتين مع إيران، أما الكبتاغون والمؤثرات العقلية الأخرى فتنتشر في الغرب والشمال، وتدخل عبر الأنبار الحدودية مع سورية. 
 
قال ضابط رفيع المستوى في قيادة شرطة الأنبار لـ”جُمار”، وطلب عدم الإشارة الى اسمه، إن مصادر الكبتاغون الداخلة إلى المحافظة، “الصناعة والمعامل المتواجدة في سورية ولبنان، والقائم تعتبر المنطقة الأكثر نشاطاً من حيث تهريب الكميات الكبيرة، وهناك مناطق أخرى لإدخال المواد المُخدّرة الى الانبار”. 
 
هيئة المنافذ الحدودية، أعلنت في ١١ آذار ٢٠٢٣، عن ضبط وإحباط محاولة تهريب أكثر من ثلاثة ملايين حبة مخدرة مخبأة داخل صناديق تحتوي على فاكهة التفاح محملة داخل براد لنقل الاغذية في منفذ القائم الحدودي. 
 
تفتقر وحدة مكافحة المخدرات في الأنبار، الى الخبرات والتقنيات الأحدث لضبط المواد المُخدرة والمؤثرات العقلية، “نحتاج الى تدريبات حديثة مُكثفة على المداهمات وطرق التعامل مع تجار الممنوعات، ومعدات نستطيع من خلالها كشف طرق إخفاء المخدرات، ما يوجد لدينا حالياً فقط كلاب بوليسية وخبراتنا الشخصية”، أكد ضابط لـ”جمار”. 
 
مراكز قليلة.. والمدمنون كُثر
تُكثف وحدة مكافحة المخدرات نشاطها بمساعدة الأمن الوطني ووحدة الجريمة المنظمة، ومن يُلقى القبض عليهم بحيازة مواد مُخدرة، يتم إيقافهم بقرار قاضٍ وتدون اقوالهم اصولياً، ليتم تحويلهم الى محاكم الجنايات أو الجنح، وبعد صدور الأحكام يتم تسفيرهم الى سجون الكبار، أو سجون دائرة الإصلاح لمن لم يبلغوا السن القانونية، او مراكز إعادة التأهيل كما حصل مع مُصطفى.  
 
خاض مُصطفى تجربة مزدوجة، حيث أودع أولاً في السجن لأسابيع، ومن ثم نُقل إلى مركز لإعادة التأهيل تحت الحراسة المُشددة والإشراف الطبي، حيث قضى شهوراً، قبل أن يُطلق سراحه، باعتباره “حدثاً متعاطياً”. 
 
يمتلك العراق، مجموعة مراكز تأهيل للمتعاطين، أربعة منها ذات سعة وكفاءة، كمركز البصرة بسعة ٤٤ سريراً في مستشفى الفيحاء، ومركز ديالى بسعة ٢٠ سريراً، والحياة للتعافي في مستشفى الحسين بذي قار بسعة ٢٤ سريراً، ومركز في مستشفى بابل بسعة ٢٠ سريراً، إضافة إلى ردهات صغيرة في مستشفى الزهراء بواسط، والإمام الحسن في كربلاء، والسلام في نينوى، وآزادي في كركوك، والحسين في المثنى. أما في بغداد، هناك مركزان هما العطاء وابن رشد.
 
فيما تستعد وزارة الصحة لافتتاح المركز الوطني لعلاج الإدمان، كأكبر مركز نموذجي لعلاج وتأهيل المدمنين ببغداد، بسعة 110 أسرة. 
 
“في السجن وجدت نفسي وحيداً، لكن بعيد عن المخدرات، تعرضت لأعراض انسحاب خطيرة، فانتهى بي الحال في مستشفى لعلاج الإدمان تحت حراسة مشددة، وبمساعدة الأطباء، استطعت ان اتعافى شيئاً فشيئاً”. 
 
تعتزم وزارة الداخلية، إنشاء مصحات قسرية للمتعاطين، وإعادة هيكلة وتنظيم مديرية مكافحة المخدرات بما يُفضي إلى “تغييرات جذرية” في الإجراءات الحكومية للحد من شيوع المؤثرات العقلية في العراق. 
 
“أمل بحياة جديدة بعد التعافي”، يقول مُصطفى.

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

قضى مصطفى أشهراً عدّة مُحتجزاً تحت حراسة مُشدّدة في مركز علاجي ببغداد، لمساعدته على الإقلاع عن الإدمان، بعد ضبطه في الأنبار مُتعاطياً. 

نجحت وزارة الصحة بمعالجة ٤٥٠٠ مدمن ومتعاطٍ في العام ٢٠٢٢. 

حالف الحظ المراهق الأنباري ذا الخمسة عشر ربيعاً، بأن يكون من بين من أفلتوا من الكبتاغون.

“الإدمان، طريق تهلكة وموت تدريجي يقتل صاحبه ويقتل مَن يسير إلى جانب المدمن”، قال مصطفى لـ”جُمار”. 

أشَّرَ قاضٍ بمحكمة تحقيق في بابل، في أيار ٢٠٢١، على أن “نسب الإدمان بين الشُبان العراقيين قد تصل الى ٥٠بالمئة”. 

تحوّل العراق إلى سوق واسعة رئيسة لمتاجرة واستهلاك مختلف أنواع المخدرات و”المُكيّفات” والمؤثرات العقلية عقب عام ٢٠٠٣، في ظلّ تعثّر قوات الأمن في ضبط ممرات التهريب عبر الأنبار ومحافظات أخرى، تُسيطر عليها فصائل مُسلحة ومافيات حكومية عابرة للحدود.

يلعب موقع محافظة الأنبار المحوري، كعقدة توزيع رئيسة للمخدرات القادمة من لبنان وسورية، بحكم تشاركها الحدود مع الأخيرة فضلاً عن الأردن والسعودية، وإطلالتها على ست محافظات هي نينوى، صلاح الدين، بغداد، بابل، كربلاء والنجف. 

تُفسر شرطة الانبار لـ”جُمار” تحوّل المحافظة الشاسعة الى مسرحٍ مفتوحٍ لتهريب وتمرير المواد المُخدّرة، بأن “الظاهرة اتسعت مع سيطرة (داعش) على المحافظة، وتفاقمت حتّى بعد تحرير المنطقة، فالحدود مع سورية ما زالت مفتوحة وهشّة، والأوضاع في الدولة الجارة غير مُستقرة”.

مفارز وحدة مكافحة المخدرات في الأنبار، أكدت ان جهودها طوال ١١ شهراً، من العام الفائت ٢٠٢٢، أفضت الى القبض على ٤٥٠ متورطا بتجارة المخدرات وترويجها وتعاطيها، وضبط أكثر من ثلاثة ملايين و٤٠٠ حبة كبتاغون ومؤثرات عقلية لا تقل خطورة عن الحبة الصفراء.

متعاطو الفئة الأخطر

كان مُصطفى أحد المتعاطين ممن ضبطتهم وحدة مكافحة المُخدرات في الانبار، في إحدى غاراتها لتتبع المتعاطين، “في كل ليلة، كنت أخرج من البيت في ساعة متأخرة من أجل التعاطي، كي أفلت من رقابة أهلي”..

“في واحدة من تلك الليالي، وعند رجوعي الى البيت مُنتشياً، وبعد أقل من خمس دقائق، داهمت منزلنا قوة أمنية، وجرى اعتقالي”.

مُصطفى، الذي ينتمي الى أسرة من طبيبين هما الأب والأم، وشقيقين يتبعان خطى والديهما، بدأت رحلته مع التعاطي والإدمان عبر صديق له في الثانوية، “كان أكثر حديثه عن الممنوعات (..) وبدأ يستدرجني فعلاً الى الطريق الخطأ، حتّى أصبحت مدمناً”، روى مُصطفى الذي تعافى من المُخدّرات. 

قال عماد عبد الرزاق، مستشار الصحة النفسية في وزارة الصحة، في بيان صحفي في كانون الأول ٢٠٢٢، إن “أكثر المتعاطين بأعمار تقع ما بيّن ١٥ و٣٠ سنة”.

“نسبة المتعاطين بين النساء بلغت ٧ بالمئة بسبب الظروف الاقتصادية والعنف وحالات الاكتئاب والقلق، فيما وصلت إلى ٦٠ بالمئة بين الشباب من ١٥ إلى ٢٥ عاماً من الحاصلين على الدراسة الابتدائية، و٧ بالمئة بين طلبة الجامعات، أما النسب المتبقية فتنتشر بين الشباب الحاصلين على الدراسة المتوسطة”، بحسب عبد الرزاق. 

السُلطات العراقية على مدى ١٢ عاماً ما بيّن ٢٠٠٩ و٢٠٢١، سجلت ١٥ ألف ضبطية مواد مُخدّرة، كانت حصيلتها ٥,٩ أطنان من مُخدّرات لم يُشر الى طبيعتها، و٦١ مليون حبّة مُخدرة من بينها خمسة ملايين حبّة كبتاغون، ٣١ ألف أمبولة، وتسعة آلاف قنينة من عقاقير مزدوجة الاستخدام كمؤثرات عقلية، فضلاً عن ٣٥٠ كيلوغراماً من الكوكايين. 

في كانون الثاني ٢٠٢٢، اتلف العراق تلك الأطنان بمحارق بدائية في النهروان، وعلى مرمى حجرٍ من مجمع بسماية السكني، تحت إشراف وزارة الصحة، في عملية ميدانية شابتها أخطاء، ونتج عنها تلوث نتيجة الأدخنة السوداء الكثيفة المنبعثة عن حفائر إحراق غير نظامية لم تستوعب تلك الأطنان.

الأنبار.. ممرّ لا أكثر!

تُصّر شرطة الأنبار، على أن المحافظة “ممر لعبور المُخدرات الى محافظات أخرى، لا بالمدينة المُستهلكة”، منوهة إلى أن “نشاط التهريب بات أخف بكثير عن السنوات السابقة”، بحسب ضابط رفيع المستوى في قيادة شرطة المدينة تحدث لـ”جُمار”.

يُحدّد تقرير أمني لوحدة مكافحة المخدرات في الأنبار، حصلت عليه “جُمار”، أربعة معابر لدخول المواد المُخدّرة إلى العراق عبر الحدود الصحراوية.

منطقة القائم فيها معبران، هما الطريق النيسمي عبر بلدة القائم الحدودية مع محافظة البوكمال السورية، فيما الطريق الآخر عبر صحراء منطقة الوليد وصولاً إلى الأراضي السورية. 

منطقة الرطبة، وهي بمعبرين أيضاً، طريق نيسمي يصل بين طرفي الصحراء العراقية – الأردنية المُشتركة عبر وادي (الاثنا) ذي التضاريس المتموجة والهضاب والوديان. أما الآخر عبر وادي حوران الذي يمر بصحراء الرُطبة وصولاً الى الأراضي الأردنية. 

غيّر أن الوقائع الميدانية تؤكد تنامي نشاط تهريب المواد المُخدّرة في الأنبار طيلة السنوات الثلاث الفائتة. 

يقول متعاطون لـ”جُمار”، بأن مدينتهم الرمادي، “كُلشي متوفر بيها، وكلشي بفلوسه”. 

“احنا نوصل للمروجين عن طريق المتعاطين، واحد يوصل لواحد (…)، البياعة موجودين بكل المناطق بس يبيعون بالخفية، ومن خلال الناس الثقة، يصير اطمئنان ونبلش نشتري منهم”، وفقاً لشهادة أحد المتعاطين. 

متعاطٍ آخر يقول، “الناس تبيع بكل المناطق، وعادي استلمها بالشارع، او بأي مكان يثق بيه التاجر”. 

وحرصاً على أمنهم، متاجرين ومتعاطين، ابتكروا طرقاً لتفادي رجال الشرطة، “نتواصل مع البائع عن طريق الفيسبوك، او الواتساب، ونادراً ما يجي الى أماكن عامة او يبيع من بيته، غالباً يوصفلنه أماكن ونروح ننتظره بيها”، بحسب أحد المتعاطين.

وفق المقابلات التي أجريناها، فإن أكثر ما يجري استهلاكه في الانبار هو مادة الكبتاغون التي تُسمى “صفر واحد”، ويبلغ سعر كل ٣ حبوب خمس آلاف دينار.

 ويضيفون، “البياعة كلهم من أهل المحافظة”. 

وعن طريقة التعامل، يقول المتعاطون، “عادة الي يبيع يكون لطيف ويانا، بس مينطي ببلاش كلشي بحسابه”.

تؤكد شرطة الأنبار بأن الكبتاغون يأتي من سورية، أما الكريستال ميث فيأتي من المحافظات الجنوبية، وبكميات قليلة، “اكثرها تضبط قبل التوزيع”. 
 
نشرت وزارة الداخلية في آب ٢٠٢٢ نشرة تفيد بأن الكريستال ميث والحشيشة تنتشران في الوسط والجنوب وتدخلان عن طريق ميسان والبصرة الحدوديتين مع إيران، أما الكبتاغون والمؤثرات العقلية الأخرى فتنتشر في الغرب والشمال، وتدخل عبر الأنبار الحدودية مع سورية. 
 
قال ضابط رفيع المستوى في قيادة شرطة الأنبار لـ”جُمار”، وطلب عدم الإشارة الى اسمه، إن مصادر الكبتاغون الداخلة إلى المحافظة، “الصناعة والمعامل المتواجدة في سورية ولبنان، والقائم تعتبر المنطقة الأكثر نشاطاً من حيث تهريب الكميات الكبيرة، وهناك مناطق أخرى لإدخال المواد المُخدّرة الى الانبار”. 
 
هيئة المنافذ الحدودية، أعلنت في ١١ آذار ٢٠٢٣، عن ضبط وإحباط محاولة تهريب أكثر من ثلاثة ملايين حبة مخدرة مخبأة داخل صناديق تحتوي على فاكهة التفاح محملة داخل براد لنقل الاغذية في منفذ القائم الحدودي. 
 
تفتقر وحدة مكافحة المخدرات في الأنبار، الى الخبرات والتقنيات الأحدث لضبط المواد المُخدرة والمؤثرات العقلية، “نحتاج الى تدريبات حديثة مُكثفة على المداهمات وطرق التعامل مع تجار الممنوعات، ومعدات نستطيع من خلالها كشف طرق إخفاء المخدرات، ما يوجد لدينا حالياً فقط كلاب بوليسية وخبراتنا الشخصية”، أكد ضابط لـ”جمار”. 
 
مراكز قليلة.. والمدمنون كُثر
تُكثف وحدة مكافحة المخدرات نشاطها بمساعدة الأمن الوطني ووحدة الجريمة المنظمة، ومن يُلقى القبض عليهم بحيازة مواد مُخدرة، يتم إيقافهم بقرار قاضٍ وتدون اقوالهم اصولياً، ليتم تحويلهم الى محاكم الجنايات أو الجنح، وبعد صدور الأحكام يتم تسفيرهم الى سجون الكبار، أو سجون دائرة الإصلاح لمن لم يبلغوا السن القانونية، او مراكز إعادة التأهيل كما حصل مع مُصطفى.  
 
خاض مُصطفى تجربة مزدوجة، حيث أودع أولاً في السجن لأسابيع، ومن ثم نُقل إلى مركز لإعادة التأهيل تحت الحراسة المُشددة والإشراف الطبي، حيث قضى شهوراً، قبل أن يُطلق سراحه، باعتباره “حدثاً متعاطياً”. 
 
يمتلك العراق، مجموعة مراكز تأهيل للمتعاطين، أربعة منها ذات سعة وكفاءة، كمركز البصرة بسعة ٤٤ سريراً في مستشفى الفيحاء، ومركز ديالى بسعة ٢٠ سريراً، والحياة للتعافي في مستشفى الحسين بذي قار بسعة ٢٤ سريراً، ومركز في مستشفى بابل بسعة ٢٠ سريراً، إضافة إلى ردهات صغيرة في مستشفى الزهراء بواسط، والإمام الحسن في كربلاء، والسلام في نينوى، وآزادي في كركوك، والحسين في المثنى. أما في بغداد، هناك مركزان هما العطاء وابن رشد.
 
فيما تستعد وزارة الصحة لافتتاح المركز الوطني لعلاج الإدمان، كأكبر مركز نموذجي لعلاج وتأهيل المدمنين ببغداد، بسعة 110 أسرة. 
 
“في السجن وجدت نفسي وحيداً، لكن بعيد عن المخدرات، تعرضت لأعراض انسحاب خطيرة، فانتهى بي الحال في مستشفى لعلاج الإدمان تحت حراسة مشددة، وبمساعدة الأطباء، استطعت ان اتعافى شيئاً فشيئاً”. 
 
تعتزم وزارة الداخلية، إنشاء مصحات قسرية للمتعاطين، وإعادة هيكلة وتنظيم مديرية مكافحة المخدرات بما يُفضي إلى “تغييرات جذرية” في الإجراءات الحكومية للحد من شيوع المؤثرات العقلية في العراق. 
 
“أمل بحياة جديدة بعد التعافي”، يقول مُصطفى.