عن الـ"طعشات".. كيف تحوّل استغلال القُصّر جنسياً إلى فعل مستساغ؟!

ان إ.م .بلاي

12 كانون الثاني 2023

يتّسم كلٌ من "الطعشات" و"الحلوين" و"الفروخ" -والتي لا نؤيد استخدامها- بالصور النمطية الجندرية التي خلقها المجتمع الغيري عنهم وعن "رجولتهم"، وبالتالي حدّد أدوارهم الاجتماعية وفقاً لهذه التصوّرات، ويشبه ذلك النظرة الاجتماعية للدور الجندري للمرأة.. عن استغلال القُصّر العراقيين جنسياً وتحوّل الأمر إلى فعل مستساغ..

ليس هناك جذر لغوي لكلمة “طعشات” الدارجة في اليوميات العراقية، فهي وصف مجازي يُستعمل للدلالة على القاصرين الذكور ما فوق العشر سنوات وتحت الـ18 عاماً، وهي بذلك امتداد للأرقام باللهجة العراقية التي يعيد أهلها صياغة لفظها بما يتناسب وثقل لهجتهم: “تلطعش” أي ثلاثة عشر أو “أربعطعش” أي أربعة عشر وهكذا. باتت مفردة الـ”طعشات” منتشرة أكثر من كلمات ومصطلحات أخرى دارجة، مثل “الفرخ” و”الحلو” للإشارة إلى انجذاب الذكور البالغين الجنسي نحو الذكور القصر. ولكل من هذه المصطلحات دلالة على ماهية القاصر، إلا أن مصطلح “طعشات” على وجه الخصوص قد درج لتضليل عمر القاصر الذي يتمّ استغلاله جنسياً، وبالتالي إبعاد الشبهات عن مستغليه.

يتسم كل من “الطعشات” و”الحلوين” و”الفروخ” -والتي لا نؤيد استخدامها- بالصور النمطية الجندرية التي خلقها المجتمع الغيري عنهم وعن “رجولتهم”، وبالتالي حدّد أدوارهم الاجتماعية وفقاً لهذه التصوّرات. ويشبه ذلك النظرة الاجتماعية للدور الجندري للمرأة، والتي بموجبها يتوقع منها أن تؤدي مهام معينة، وعلى رأسها الجنس والانجاب. 

“الحلو”، بمعنى الجميل، لديه دور محدد ومختلف عن أقرانه في المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه. إذ يُنظر إليه على كونه الشخص الذي يلازم الذكور البالغين في جلساتهم داخل المقاهي أو في خروجهم لأماكن عامة. ويسود الاعتقاد لدى كثر في المجتمع أن “الحلو” لا يتعرض للاستغلال الجنسي، فهو مجرد صبي يخرج مع مرافقه مقابل المال أو مقابل ثمن الأركيلة، وأحياناً لا يتعدّى الأمر إظهار الحميمية بشكل علني لمرافقه. إلا أنه لا يمكن بالفعل إثبات عدم تعرض هذه الفئة لاعتداء جنسي أو اغتصاب فردي أو جماعي، إذ أن أغلبهم لا يتحدثون عن هذه الاعتداءات، وذلك بسبب الوصم الاجتماعي والخشية من العار. 

تتعامل هذه الفئة مع تعرضها للاعتداء، بنوعيه اللفظي والجسدي، على أنه مصير حتمي لكون “الحلو” تابعاً لأحدهم، ما يعني عدم احترام مساحته الشخصية، كما ولا يمكنه رفض مداعبات أو ما قد يعتبرها مضايقات من قبل ما يطلق عليه “القرّام”، وهو المصطلح العراقي الرائج لوصف “التوب/TOP”، أي الشخص المسيطر في العلاقة. وهذا أحد أشكال الأبوية التي تُمارس داخل هذه العلاقات، فيجد القُصَّر أنفسهم غير قادرين عن قول “لا” لمن يخرجهم معه أو يقوم بدفع مصاريفهم الشخصية. 

أما الاستعمال الشعبي لمفردة “فرخ” فهو للإشارة إلى الأفراد القادمين من الأرياف إلى المدينة، أو إلى الذين لا يزالون في الأرياف من الأحفاد والأطفال، تشبهاً بصغار الطيور. ولكن هذه المفردة باتت تحمل دلالة جنسية واضحة، فهي تطلق على الذكور الذين يمارسون الجنس بالإخضاع، وهي كلمة ممزوجة بالعار والإهانة للفعل الجنسي، حتى من قبل الذكر الذي يمارس الفعل الجنسي مع من يراه كـ”فرخ”، الذي عادةً ما يكون أكبر سناً أو ذكراً بالغاً. 

ونعدّ هذه الممارسات امتداداً للنظام البطريكي/الأبوي، ليست فقط في خلقها لتصورات عن هذا القاصر، إنما في جعل ممارسة الجنس معهم بالإكراه أمراً طبيعياً. إذ لا يرى هؤلاء أن لشركائهم حقاً أو مقولة في أن يمارسوا الجنس معهم، وإنما يُنظر إلى الشريك كـ”فرخ” يستعمل كأداة جنسية فقط، دون اعتبار لرغباته وشخصيته وصحته، لكونه قد ينقل إليه أمراضاً جنسية متناقلة في مثل هذه الممارسات. من بين هذه الأمراض، العدوى الجلدية وفايروس نقص المناعة المكتسبة “الإيدز”، والذي سيشكل وصمة عار أكبر لحاملي هذا المرض في مجتمع يجهل التعامل مع المرض، ودولة غير قادرة على إعطاء رعاية صحية لحامليه. 

يُضاف إلى كل هذا أن العلاقات الجنسية مع القصّر بحد ذاتها هي علاقات غير آمنة لصحة الأطفال النفسية وتعدّ انتهاكاً لطفولتهم. إلا أن المجتمع يرفض التعلم عن الصحة الجنسية، ليس لأسباب متعلقة بالصورة الذكورية عن الجنس الآمن واستخدام وسائل الحماية، إنما لأنها تؤكد على أن الممارسات السائدة في هذه العلاقات تنضوي تحت خانة “الاعتداء”، وأنها تشدد على ضرورة استعمال وسائل تساعد على خوض علاقة جنسية آمنة.

والمترتب على كل ذلك هو أن الذكور يستخدمون امتيازاتهم وسلطتهم الذكورية الأبوية في الجنس المثلي الاستغلالي، دون أن يعترفوا حتى بمثليتهم أو بوجود علاقة مثلية بينهما وبين الطرف الآخر. وهنا يجب التذكير بأن حصول وممارسة الرجل للامتيازات الذكورية، يعتمد على مدى تطابق صفاته الذكورية بالصفات المثالية للذكورة في المجتمع. 

تحدثنا مع م.ي وهو مراهق يعمل في مقهى ويدرس في المرحلة الثانوية لمحاولة فهم معاملته السيئة لصديق له، واصفاً إياه بـ”الفرخ”. يقول م.ي “أنا رجل لا أخشى الحديث عن ممارساتي الجنسية، لأنني لا أترك أحداً يلمس مؤخرتي.. أنا من أضاجع وألمس مؤخراتهم.. لذلك أملك الحق بأن أعاملهم بالطريقة التي تعجبني، فقد سلموني العزيزة (المؤخرة)”.

ليس م.ي الوحيد الذي يفكر بهذه الطريقة، ففي العلاقات المثلية يتحول تمحور شرف الرجل حول فرج المرأة إلى مؤخرة الذكر، وبتبدل الأعضاء لا تتبدل الصور النمطية والأدوار الاجتماعية الذكورية، فيطبق الرجال أشكال الاضطهاد التي يفرضونها في علاقتهم مع النساء على علاقاتهم مع الرجال. فبالنسبة لهؤلاء ينظر إلى الشريك في الفعل الجنسي كخاضع، لأنهم لا يرونه كرجل وإنما كذكر دون المستوى، لا يمتلك من الرجولة ما يكفي ولهذا السبب يسلم “عزيزته” للآخرين. 

وثمة أسباب اجتماعية عديدة لتفاقم العنف الجنسي ضد الرجال، والقُصّر منهم على وجه التحديد، منها عدم وجود ثقافة جنسية صحية في العلاقات الغيرية والمثلية على حدّ سواء، إضافة إلى آفة البيدوفيليا التي تهدد المجتمع دون أن يكون معالجة حقيقية لها. فمثلاً، يقيم م.ي علاقات مع النساء أيضاً لكنها “ليست متوفرة مثل العلاقات الجنسية مع الذكور”، على حدّ قوله. 

أما م.م وهو موظف في منتصف الأربعينيات، فيصف علاقته الجنسية بالذكور على أنها الخلاص من طلبات زوجته الجنسية بطرق يصفها بـ”العهر”، فيما هو غير قادر على تحقيقها. يقول م.م “الجنس مع الحلوين أفضل بكثير من الجنس مع زوجتي التي لا أحب طلباتها المتكررة ولا تشكيكها في رجولتي.. لقد انجبت ثلاثة أطفال لأثبت أنني رجل لكنني لا أستطيع أن أجاريها في الجنس لمدة طويلة.. أما الحلوين فلا يطلبون شيئا. يعجبونني لأنهم يحاولون الهرب دائماً من الجنس.. ننتهي بسرعة ويهرب كل واحد منا دون أن يطلب من الآخر الإبطاء والإسراع أو جولة ثانية”. 

وينظر م.م إلى ممارسته الجنسية مع الرجال بازدراء، مثلما هو الأمر مع م.ي، ولا يرى علاقاته على أنها علاقات مثلية عابرة، بل يرفض أن تعرّف على كونها كذلك. وظهر ذلك عندما بات هجومياً تجاهنا بعد أن عارضناه الرأي حول رهاب المثليين (الهوموفوبيا)، فوصفنا بألفاظ اجتماعية وجنسية تدل على العار والإهانة لأن باعتقاده أن من يؤيد الشخص الذي يسلم “عزيزته”، دون أن يشير م.م إلى ميوله الجنسية المثلية، هو مثله خاضع وذليل. 

يمثل م.ي وم.م شريحة من الرجال الذين ينحدرون بغالبيتهم من مناطق وخلفيات شعبية وعائلات تقليدية، ممن يتأثرون بالأفكار السائدة في المجتمع ويستهلكونها دون أي مراجعة أو نقد. يحمل هؤلاء الصور النمطية معهم و يدخلوها في علاقاتهم اليومية، مع النساء والرجال على حدّ سواء؛ وبالتالي فليس من الغريب أن يعتبر العراق واحدا من الدول العربية ذات نسب التحرش والعنف الجنسي ضد الذكور الأعلى(علماً بأن التقرير لم يحدّد هوية المتحرشين في هذه الحالة، ولكن شهادات كثيرة ترجّح أن الذكور هم المعتدون في كثير من الأحيان). 

إن سكوت المجتمع عن ظاهرة الجنس الاستغلالي والاغتصابات بين الذكور وعدّها تابوهاً لا يمكن الحديث عنه، هو بمثابة دفاع عنها وتطبيعها، حدّ أن المعتدين لا يترددون بإظهار صورهم وعلاقاتهم حتى، فهم لا يرون أن ما يفعلونه استغلالاً. إن مجرد عدم اعتقاد هؤلاء الأفراد بأنهم مرفوضون اجتماعياً، لكون العلاقات الذكورية التي يمارسونها هي النظرة الطبيعية للمجتمع وذكوريته الأبوية، هو استمرارية القبول الاجتماعي لهكذا نوع من الجنس الاستغلالي والاغتصابات، هو نتيجة حتمية لنظرة الذكورية للفوز بالجنس وإثبات الفحولة.

كما أن تواطؤ المجتمع مع المعتدين والتستر عليهم والتطبيع مع ممارساتهم العنيفة، يظهر أن الرفض الذي تواجهه العلاقات المثلية داخل المجتمع العراقي، هو ليس لسبب ديني كما يُزعم عادة، وخصوصاً في تلك المناطق الشعبية والعائلات التقليدية. إنما هو رفض ذكوري نتاج تكدس صور نمطية عن الرجولة والأنوثة والفعل الجنسي والعملية الجنسية ذاتها. 

وبكل الأحوال، فلا يمكن اعتبار ظاهرة الجنس الاستغلالي والاغتصابات بين الذكور بأنها علاقات مثلية تعبر عن هوية الفرد المثلي، إنما هي استمرارية للاعتداء والاستغلال الجنسي الغيري لنا كأفراد ننتمي للمجتمع الكويري أو مجتمع الميم في العراق. نحن من نتعرض يومياً للتهميش والإقصاء والملاحقة والاغتصاب وحتى القتل. نحن لا نتفق مع النظرة الاجتماعية والتنميطات والتسميات الاجتماعية التي تطلق علينا كمجتمع كويري أو مثلي، وبالتأكيد لا نؤيد هذا النوع من العلاقات ولا ندافع عنها أو نتماهى معها. 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

ليس هناك جذر لغوي لكلمة “طعشات” الدارجة في اليوميات العراقية، فهي وصف مجازي يُستعمل للدلالة على القاصرين الذكور ما فوق العشر سنوات وتحت الـ18 عاماً، وهي بذلك امتداد للأرقام باللهجة العراقية التي يعيد أهلها صياغة لفظها بما يتناسب وثقل لهجتهم: “تلطعش” أي ثلاثة عشر أو “أربعطعش” أي أربعة عشر وهكذا. باتت مفردة الـ”طعشات” منتشرة أكثر من كلمات ومصطلحات أخرى دارجة، مثل “الفرخ” و”الحلو” للإشارة إلى انجذاب الذكور البالغين الجنسي نحو الذكور القصر. ولكل من هذه المصطلحات دلالة على ماهية القاصر، إلا أن مصطلح “طعشات” على وجه الخصوص قد درج لتضليل عمر القاصر الذي يتمّ استغلاله جنسياً، وبالتالي إبعاد الشبهات عن مستغليه.

يتسم كل من “الطعشات” و”الحلوين” و”الفروخ” -والتي لا نؤيد استخدامها- بالصور النمطية الجندرية التي خلقها المجتمع الغيري عنهم وعن “رجولتهم”، وبالتالي حدّد أدوارهم الاجتماعية وفقاً لهذه التصوّرات. ويشبه ذلك النظرة الاجتماعية للدور الجندري للمرأة، والتي بموجبها يتوقع منها أن تؤدي مهام معينة، وعلى رأسها الجنس والانجاب. 

“الحلو”، بمعنى الجميل، لديه دور محدد ومختلف عن أقرانه في المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه. إذ يُنظر إليه على كونه الشخص الذي يلازم الذكور البالغين في جلساتهم داخل المقاهي أو في خروجهم لأماكن عامة. ويسود الاعتقاد لدى كثر في المجتمع أن “الحلو” لا يتعرض للاستغلال الجنسي، فهو مجرد صبي يخرج مع مرافقه مقابل المال أو مقابل ثمن الأركيلة، وأحياناً لا يتعدّى الأمر إظهار الحميمية بشكل علني لمرافقه. إلا أنه لا يمكن بالفعل إثبات عدم تعرض هذه الفئة لاعتداء جنسي أو اغتصاب فردي أو جماعي، إذ أن أغلبهم لا يتحدثون عن هذه الاعتداءات، وذلك بسبب الوصم الاجتماعي والخشية من العار. 

تتعامل هذه الفئة مع تعرضها للاعتداء، بنوعيه اللفظي والجسدي، على أنه مصير حتمي لكون “الحلو” تابعاً لأحدهم، ما يعني عدم احترام مساحته الشخصية، كما ولا يمكنه رفض مداعبات أو ما قد يعتبرها مضايقات من قبل ما يطلق عليه “القرّام”، وهو المصطلح العراقي الرائج لوصف “التوب/TOP”، أي الشخص المسيطر في العلاقة. وهذا أحد أشكال الأبوية التي تُمارس داخل هذه العلاقات، فيجد القُصَّر أنفسهم غير قادرين عن قول “لا” لمن يخرجهم معه أو يقوم بدفع مصاريفهم الشخصية. 

أما الاستعمال الشعبي لمفردة “فرخ” فهو للإشارة إلى الأفراد القادمين من الأرياف إلى المدينة، أو إلى الذين لا يزالون في الأرياف من الأحفاد والأطفال، تشبهاً بصغار الطيور. ولكن هذه المفردة باتت تحمل دلالة جنسية واضحة، فهي تطلق على الذكور الذين يمارسون الجنس بالإخضاع، وهي كلمة ممزوجة بالعار والإهانة للفعل الجنسي، حتى من قبل الذكر الذي يمارس الفعل الجنسي مع من يراه كـ”فرخ”، الذي عادةً ما يكون أكبر سناً أو ذكراً بالغاً. 

ونعدّ هذه الممارسات امتداداً للنظام البطريكي/الأبوي، ليست فقط في خلقها لتصورات عن هذا القاصر، إنما في جعل ممارسة الجنس معهم بالإكراه أمراً طبيعياً. إذ لا يرى هؤلاء أن لشركائهم حقاً أو مقولة في أن يمارسوا الجنس معهم، وإنما يُنظر إلى الشريك كـ”فرخ” يستعمل كأداة جنسية فقط، دون اعتبار لرغباته وشخصيته وصحته، لكونه قد ينقل إليه أمراضاً جنسية متناقلة في مثل هذه الممارسات. من بين هذه الأمراض، العدوى الجلدية وفايروس نقص المناعة المكتسبة “الإيدز”، والذي سيشكل وصمة عار أكبر لحاملي هذا المرض في مجتمع يجهل التعامل مع المرض، ودولة غير قادرة على إعطاء رعاية صحية لحامليه. 

يُضاف إلى كل هذا أن العلاقات الجنسية مع القصّر بحد ذاتها هي علاقات غير آمنة لصحة الأطفال النفسية وتعدّ انتهاكاً لطفولتهم. إلا أن المجتمع يرفض التعلم عن الصحة الجنسية، ليس لأسباب متعلقة بالصورة الذكورية عن الجنس الآمن واستخدام وسائل الحماية، إنما لأنها تؤكد على أن الممارسات السائدة في هذه العلاقات تنضوي تحت خانة “الاعتداء”، وأنها تشدد على ضرورة استعمال وسائل تساعد على خوض علاقة جنسية آمنة.

والمترتب على كل ذلك هو أن الذكور يستخدمون امتيازاتهم وسلطتهم الذكورية الأبوية في الجنس المثلي الاستغلالي، دون أن يعترفوا حتى بمثليتهم أو بوجود علاقة مثلية بينهما وبين الطرف الآخر. وهنا يجب التذكير بأن حصول وممارسة الرجل للامتيازات الذكورية، يعتمد على مدى تطابق صفاته الذكورية بالصفات المثالية للذكورة في المجتمع. 

تحدثنا مع م.ي وهو مراهق يعمل في مقهى ويدرس في المرحلة الثانوية لمحاولة فهم معاملته السيئة لصديق له، واصفاً إياه بـ”الفرخ”. يقول م.ي “أنا رجل لا أخشى الحديث عن ممارساتي الجنسية، لأنني لا أترك أحداً يلمس مؤخرتي.. أنا من أضاجع وألمس مؤخراتهم.. لذلك أملك الحق بأن أعاملهم بالطريقة التي تعجبني، فقد سلموني العزيزة (المؤخرة)”.

ليس م.ي الوحيد الذي يفكر بهذه الطريقة، ففي العلاقات المثلية يتحول تمحور شرف الرجل حول فرج المرأة إلى مؤخرة الذكر، وبتبدل الأعضاء لا تتبدل الصور النمطية والأدوار الاجتماعية الذكورية، فيطبق الرجال أشكال الاضطهاد التي يفرضونها في علاقتهم مع النساء على علاقاتهم مع الرجال. فبالنسبة لهؤلاء ينظر إلى الشريك في الفعل الجنسي كخاضع، لأنهم لا يرونه كرجل وإنما كذكر دون المستوى، لا يمتلك من الرجولة ما يكفي ولهذا السبب يسلم “عزيزته” للآخرين. 

وثمة أسباب اجتماعية عديدة لتفاقم العنف الجنسي ضد الرجال، والقُصّر منهم على وجه التحديد، منها عدم وجود ثقافة جنسية صحية في العلاقات الغيرية والمثلية على حدّ سواء، إضافة إلى آفة البيدوفيليا التي تهدد المجتمع دون أن يكون معالجة حقيقية لها. فمثلاً، يقيم م.ي علاقات مع النساء أيضاً لكنها “ليست متوفرة مثل العلاقات الجنسية مع الذكور”، على حدّ قوله. 

أما م.م وهو موظف في منتصف الأربعينيات، فيصف علاقته الجنسية بالذكور على أنها الخلاص من طلبات زوجته الجنسية بطرق يصفها بـ”العهر”، فيما هو غير قادر على تحقيقها. يقول م.م “الجنس مع الحلوين أفضل بكثير من الجنس مع زوجتي التي لا أحب طلباتها المتكررة ولا تشكيكها في رجولتي.. لقد انجبت ثلاثة أطفال لأثبت أنني رجل لكنني لا أستطيع أن أجاريها في الجنس لمدة طويلة.. أما الحلوين فلا يطلبون شيئا. يعجبونني لأنهم يحاولون الهرب دائماً من الجنس.. ننتهي بسرعة ويهرب كل واحد منا دون أن يطلب من الآخر الإبطاء والإسراع أو جولة ثانية”. 

وينظر م.م إلى ممارسته الجنسية مع الرجال بازدراء، مثلما هو الأمر مع م.ي، ولا يرى علاقاته على أنها علاقات مثلية عابرة، بل يرفض أن تعرّف على كونها كذلك. وظهر ذلك عندما بات هجومياً تجاهنا بعد أن عارضناه الرأي حول رهاب المثليين (الهوموفوبيا)، فوصفنا بألفاظ اجتماعية وجنسية تدل على العار والإهانة لأن باعتقاده أن من يؤيد الشخص الذي يسلم “عزيزته”، دون أن يشير م.م إلى ميوله الجنسية المثلية، هو مثله خاضع وذليل. 

يمثل م.ي وم.م شريحة من الرجال الذين ينحدرون بغالبيتهم من مناطق وخلفيات شعبية وعائلات تقليدية، ممن يتأثرون بالأفكار السائدة في المجتمع ويستهلكونها دون أي مراجعة أو نقد. يحمل هؤلاء الصور النمطية معهم و يدخلوها في علاقاتهم اليومية، مع النساء والرجال على حدّ سواء؛ وبالتالي فليس من الغريب أن يعتبر العراق واحدا من الدول العربية ذات نسب التحرش والعنف الجنسي ضد الذكور الأعلى(علماً بأن التقرير لم يحدّد هوية المتحرشين في هذه الحالة، ولكن شهادات كثيرة ترجّح أن الذكور هم المعتدون في كثير من الأحيان). 

إن سكوت المجتمع عن ظاهرة الجنس الاستغلالي والاغتصابات بين الذكور وعدّها تابوهاً لا يمكن الحديث عنه، هو بمثابة دفاع عنها وتطبيعها، حدّ أن المعتدين لا يترددون بإظهار صورهم وعلاقاتهم حتى، فهم لا يرون أن ما يفعلونه استغلالاً. إن مجرد عدم اعتقاد هؤلاء الأفراد بأنهم مرفوضون اجتماعياً، لكون العلاقات الذكورية التي يمارسونها هي النظرة الطبيعية للمجتمع وذكوريته الأبوية، هو استمرارية القبول الاجتماعي لهكذا نوع من الجنس الاستغلالي والاغتصابات، هو نتيجة حتمية لنظرة الذكورية للفوز بالجنس وإثبات الفحولة.

كما أن تواطؤ المجتمع مع المعتدين والتستر عليهم والتطبيع مع ممارساتهم العنيفة، يظهر أن الرفض الذي تواجهه العلاقات المثلية داخل المجتمع العراقي، هو ليس لسبب ديني كما يُزعم عادة، وخصوصاً في تلك المناطق الشعبية والعائلات التقليدية. إنما هو رفض ذكوري نتاج تكدس صور نمطية عن الرجولة والأنوثة والفعل الجنسي والعملية الجنسية ذاتها. 

وبكل الأحوال، فلا يمكن اعتبار ظاهرة الجنس الاستغلالي والاغتصابات بين الذكور بأنها علاقات مثلية تعبر عن هوية الفرد المثلي، إنما هي استمرارية للاعتداء والاستغلال الجنسي الغيري لنا كأفراد ننتمي للمجتمع الكويري أو مجتمع الميم في العراق. نحن من نتعرض يومياً للتهميش والإقصاء والملاحقة والاغتصاب وحتى القتل. نحن لا نتفق مع النظرة الاجتماعية والتنميطات والتسميات الاجتماعية التي تطلق علينا كمجتمع كويري أو مثلي، وبالتأكيد لا نؤيد هذا النوع من العلاقات ولا ندافع عنها أو نتماهى معها.