على أبواب التعداد السكاني.. هل تتجاوز كركوك تاريخ "التعريب" و"التكريد"؟

علي مال الله

23 تشرين الثاني 2022

أوقف الصراع التاريخي بين العرب والكرد التعداد السكاني لمرّات عدّة في كركوك. الجميع يريد السيطرة على المحافظة الغافية على بحيرات النفط.. لكن في هذه الأيام، فإن الخطابات باتت أقلّ حدّة من السابق، والكلمة السحرية هي "التعويضات"...

عقب حزيران 2004، كانت حكومة إياد علاوي تحاول إجراء أول تعداد سكاني بعد إسقاط النظام السابق برئاسة صدام حسين، كأحد متطلبات إجراء الانتخابات النيابية الأولى في النظام الجديد في العراق، وتم تحديد 12 تشرين الأول 2004 موعداً للتعداد، غير أنه ألغي قبل أيام من الموعد من دون الإفصاح عن الأسباب.

أرجعت تصريحات رسمية وغير رسمية في حينها الإلغاء إلى أسباب أمنية وفنية، وأجريت الانتخابات في 30 كانون الثاني 2005 من دون معرفة عدد السكان.

توالت بعد ذلك المساعي الحكومية لإجراء التعداد، لكنه كان يؤجل في كل مرة، أو لا يجرى من دون الإعلان عن تأجيله أو إلغائه، وإذا تحدث مسؤول معني عن أسباب التأجيل أو الإلغاء فإنه يعزوها إلى جوانب فنية ولوجستية ومالية، لكن هناك تجنبا للخوض في سبب جوهري.

كركوك العقبة الرئيسة أمام التعداد السكاني.

تُعرف هذه المحافظة الغنية بالنفط بأنها واحدة من أكثر مناطق العراق تنوعا ديموغرافيا.

يشكل العرب والكرد والتركمان مكوناتها الأساسية، وترزح تحت وطأة صراع سياسي لم يهدأ منذ سنوات بعيدة.

يتمسك الكرد بأن كركوك إحدى مناطقهم، وأنها يجب أن تلتحق بمحافظات إقليم كردستان الثلاث، أربيل والسليمانية ودهوك، لكن بغداد لا تريد التخلي عنها.

يشير متخصصون بالتاريخ والسياسة إلى أن عمليات التغيير الديموغرافي في كركوك بدأت في سبعينيات القرن الماضي.

كانت حكومة حزب البعث المتشددة قومياً تنقل مئات العوائل من وسط وجنوب العراق إلى كركوك وتسكنها فيها.

في الثمانينيات، مُنِح من ينتقل إلى كركوك 10 آلاف دينار وقطعة أرض سكنية.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد.

عمدت حكومة صدام حسين إلى منع تسجيل أي عقار في كركوك باسم مواطن كردي أو تركماني ما لم يغير قوميته إلى العربية في السجلات الرسمية، فكان الكرد والتركمان يسجلون عقاراتهم بأسماء أصدقائهم أو أقربائهم العرب.

بقي الحال هكذا حتى 2003.

كان الكرد يتهمون نظام صدام حسين بإجراء سياسة “تعريب” لكركوك، ولكن لم يكن بمقدورهم إيقافه، فراحوا يطلقون تسميات تنم عن الحسرة على المحافظة من قبيل “قدس كردستان”.

عندما اجتاح الجيش الأميركي العراق في نيسان 2003 وأسقط نظام صدام حسين، كان السياسيون الكرد في أربيل يخططون للهيمنة على كركوك.

دخلت قوات عسكرية كردية برفقة القوات الأميركية إلى المحافظة وفرضت سيطرتها عليها.

بدأ هبوب رياح معاكسة.

شرعت آلاف العوائل الكردية ممن كانت تسكن كركوك سابقاً وممن لم تكن تسكنها بالانتقال إلى المحافظة.

راح العرب والتركمان يتهمون الكرد بالسعي إلى “تكريد” كركوك.

قال رعد سامي العاصي، أحد وجهاء عشيرة العبيد العربية في كركوك، إن “آلافا من الكرد في دول الجوار نقلوا إلى المحافظة وسجلوا كمواطنين عراقيين من القومية الكردية”.

“لسنا ضد عودة الكرد، ولكنهم يجرون تغييراً ديموغرافياً، وهذا موثق بالأدلة والبراهين أمام البعثة الأممية يونامي” أضاف العاصي.

تضمن قانون إدارة الدولة العراقية الذي كتب في عهد الحاكم المدني الأميركي للعراق بول بريمر عام 2003 المادة 58 الخاصة بتطبيع الأوضاع في كركوك.

ظهرت الأغلبية الكردية في كركوك لأول مرة في انتخابات مجلس المحافظة 2005، حيث شكل الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني تكتلا بعنوان “قائمة كركوك المتآخية” وحصلا على 26 مقعدا من أصل 41 في المجلس، بينما حصل العرب على 7 مقاعد والتركمان على 6 مقاعد.

والحزبان الكرديان يحكمان إقليم كردستان منذ تأسيسه كمنطقة حكم ذاتي في بداية التسعينيات.

عندما بدأت عمليّة كتابة الدستور الدائم للعراق عام 2005، حرص الكرد على تضمينه مادة تمهد لضم المناطق المتنازع عليها مع الحكومة الاتحادية إلى الإقليم.

تلك هي المادة 140.

تنص الفقرة “أولا” من المادة على أن “تتولى السلطة التنفيذية اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ متطلبات المادة 58 من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية بكل فقراتها”.

وتنص الفقرة “ثانيا” على أن “المسؤولية الملقاة على السلطة التنفيذية في الحكومة الانتقالية والمنصوص عليها في المادة 58 من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية تمتد وتستمر إلى السلطة التنفيذية المنتخبة بموجب هذا الدستور على أن تنجز كاملة (التطبيع، الإحصاء وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها لتحديد إرادة مواطنيها) في مدة أقصاها الحادي والثلاثون من شهر كانون الأول سنة ألفين وسبعة”.

غير أن المادة لم تطبق في التاريخ الوارد فيها.

تطبيق المادة يعني إجراء تعداد سكاني في المناطق المتنازع عليها، وأبرزها وأكبرها كركوك، ومن ثم إجراء استفتاء يختار السكان بموجبه ما إذا كانوا يريدون البقاء تحت سلطة الحكومة الاتحادية أو الانضمام إلى الإقليم.

بغداد تخشى إجراء الاستفتاء، وتخشى الخطوة السابقة له: التعداد السكاني.

خسارة كركوك لصالح كردستان تعني، من بين ما تعني، خسارة نفطها حتى لو بقيت منطقة كردستان إقليماً. فسلطات الإقليم لا تطلع بغداد حاليا على كميات النفط التي تستخرجها من مناطق سيطرتها.

تعكف وزارة التخطيط حالياً على إجراء تعداد حددت موعده في الربع الأخير من العام المقبل 2023، واللافت في الأمر أنها ستشمل كركوك به.

إزاء غياب مخاوف بغداد من تعداد يشمل كركوك، يسود رأي سياسي بأن هذا التعداد اقتصادي وإحصائي بحت، ولا علاقة له بالسياسة، وإنما يهدف إلى توفير قاعدة بيانات عن السكان في جميع المناطق، وبالتالي فإنه لا يعني منح كركوك لكردستان.

يبدي العرب والتركمان في كركوك عدم تخوفهم أيضا من التعداد، معللين ذلك بأن قصة انضمام المحافظة إلى كردستان انتهت يوم 25 أيلول 2017، عندما أجرت سلطات الإقليم استفتاء للانفصال ولم تشارك فيه غالبية سكان كركوك.

في 16 تشرين الأول 2017، بعد أيام قليلة من استفتاء الانفصال، وفي أعقاب إجراءات عدة اتخذتها الحكومة الاتحادية ضد كردستان منها تعليق العمل في مطاري أربيل والسليمانية، دخلت قوات اتحادية جرارة إلى كركوك، وأرغمت قوات “البيشمركة” الكردية على الانسحاب منها.

منذ ذلك اليوم خضعت كركوك بالكامل لسلطة الحكومة الاتحادية.

بات يُنظر إلى هذين المؤشرين (مقاطعة أغلبية سكان كركوك لاستفتاء الانفصال وسيطرة القوات الاتحادية على المحافظة) على أنهما صماما أمان من ضمها لكردستان.

لكن هل يمكن تطبيق الجزء المتعلق بالتعداد السكاني من المادة 140 وإهمال أو إرجاء الجزء المتعلق باستفتاء تقرير المصير في المادة ذاتها؟

“نعم يجوز ذلك” قال الخبير القانوني محمود جبار.

وأضاف أن “الحكومة الاتحادية أقرت التعداد بصيغة قانونية ورصدت أموالا له ضمن موازنة 2023، وسوف يجرى في جميع مناطق العراق بما فيها كردستان، أما الاستفتاء فسوف يؤجل لوجود متعلقات قانونية صادرة عن المحكمة الاتحادية تجاه الإقليم”.

في أيام تفاوض الإطار التنسيقي مع الكرد والسنة على تشكيل الحكومة، فرض الكرد شروطا عدة من بينها تطبيق المادة 140 مقابل المشاركة في الحكومة ودعمها.

ترشح من الاجتماعات أن الإطار التنسيقي، الخيمة التي تجمع القوى والفصائل الشيعية المُقربة من إيران، وافق على ذلك.

قال المحلل المتخصص بالشؤون السياسية في كركوك أحمد خالد إن “موافقة الإطار تعني تخصيص موازنة لتعويض المرحلين (الكرد والتركمان) والوافدين من العرب إلى كركوك”.

بحسب خالد، قضية كركوك لم تعد محلية، وإنما تحولت إلى مسألة إقليمية ودولية، ولا يستطيع رئيس الحكومة محمد شياع السوداني أو الإطار التنسيقي أو أي جهة أخرى اتخاذ قرار بضمها إلى كردستان.

“هناك أطراف في المحافظة رافضة لأي حديث عن كركوك وضمها، وخاصة العرب والتركمان الذي يشكلون ما نسبته 60 بالمئة من سكانها” أضاف خالد.

وفقا لهذا الاطمئنان على مصير كركوك، تعتزم الحكومة الاتحادية إنفاق 120 مليار دينار من موازنة 2023 على التعداد السكاني، الذي من المقرر أن ينفذه 120 ألف عداد من منتسبي وزارة التربية باستخدام 120 ألف جهاز إلكتروني مخصص لهذا الغرض.

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

عقب حزيران 2004، كانت حكومة إياد علاوي تحاول إجراء أول تعداد سكاني بعد إسقاط النظام السابق برئاسة صدام حسين، كأحد متطلبات إجراء الانتخابات النيابية الأولى في النظام الجديد في العراق، وتم تحديد 12 تشرين الأول 2004 موعداً للتعداد، غير أنه ألغي قبل أيام من الموعد من دون الإفصاح عن الأسباب.

أرجعت تصريحات رسمية وغير رسمية في حينها الإلغاء إلى أسباب أمنية وفنية، وأجريت الانتخابات في 30 كانون الثاني 2005 من دون معرفة عدد السكان.

توالت بعد ذلك المساعي الحكومية لإجراء التعداد، لكنه كان يؤجل في كل مرة، أو لا يجرى من دون الإعلان عن تأجيله أو إلغائه، وإذا تحدث مسؤول معني عن أسباب التأجيل أو الإلغاء فإنه يعزوها إلى جوانب فنية ولوجستية ومالية، لكن هناك تجنبا للخوض في سبب جوهري.

كركوك العقبة الرئيسة أمام التعداد السكاني.

تُعرف هذه المحافظة الغنية بالنفط بأنها واحدة من أكثر مناطق العراق تنوعا ديموغرافيا.

يشكل العرب والكرد والتركمان مكوناتها الأساسية، وترزح تحت وطأة صراع سياسي لم يهدأ منذ سنوات بعيدة.

يتمسك الكرد بأن كركوك إحدى مناطقهم، وأنها يجب أن تلتحق بمحافظات إقليم كردستان الثلاث، أربيل والسليمانية ودهوك، لكن بغداد لا تريد التخلي عنها.

يشير متخصصون بالتاريخ والسياسة إلى أن عمليات التغيير الديموغرافي في كركوك بدأت في سبعينيات القرن الماضي.

كانت حكومة حزب البعث المتشددة قومياً تنقل مئات العوائل من وسط وجنوب العراق إلى كركوك وتسكنها فيها.

في الثمانينيات، مُنِح من ينتقل إلى كركوك 10 آلاف دينار وقطعة أرض سكنية.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد.

عمدت حكومة صدام حسين إلى منع تسجيل أي عقار في كركوك باسم مواطن كردي أو تركماني ما لم يغير قوميته إلى العربية في السجلات الرسمية، فكان الكرد والتركمان يسجلون عقاراتهم بأسماء أصدقائهم أو أقربائهم العرب.

بقي الحال هكذا حتى 2003.

كان الكرد يتهمون نظام صدام حسين بإجراء سياسة “تعريب” لكركوك، ولكن لم يكن بمقدورهم إيقافه، فراحوا يطلقون تسميات تنم عن الحسرة على المحافظة من قبيل “قدس كردستان”.

عندما اجتاح الجيش الأميركي العراق في نيسان 2003 وأسقط نظام صدام حسين، كان السياسيون الكرد في أربيل يخططون للهيمنة على كركوك.

دخلت قوات عسكرية كردية برفقة القوات الأميركية إلى المحافظة وفرضت سيطرتها عليها.

بدأ هبوب رياح معاكسة.

شرعت آلاف العوائل الكردية ممن كانت تسكن كركوك سابقاً وممن لم تكن تسكنها بالانتقال إلى المحافظة.

راح العرب والتركمان يتهمون الكرد بالسعي إلى “تكريد” كركوك.

قال رعد سامي العاصي، أحد وجهاء عشيرة العبيد العربية في كركوك، إن “آلافا من الكرد في دول الجوار نقلوا إلى المحافظة وسجلوا كمواطنين عراقيين من القومية الكردية”.

“لسنا ضد عودة الكرد، ولكنهم يجرون تغييراً ديموغرافياً، وهذا موثق بالأدلة والبراهين أمام البعثة الأممية يونامي” أضاف العاصي.

تضمن قانون إدارة الدولة العراقية الذي كتب في عهد الحاكم المدني الأميركي للعراق بول بريمر عام 2003 المادة 58 الخاصة بتطبيع الأوضاع في كركوك.

ظهرت الأغلبية الكردية في كركوك لأول مرة في انتخابات مجلس المحافظة 2005، حيث شكل الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني تكتلا بعنوان “قائمة كركوك المتآخية” وحصلا على 26 مقعدا من أصل 41 في المجلس، بينما حصل العرب على 7 مقاعد والتركمان على 6 مقاعد.

والحزبان الكرديان يحكمان إقليم كردستان منذ تأسيسه كمنطقة حكم ذاتي في بداية التسعينيات.

عندما بدأت عمليّة كتابة الدستور الدائم للعراق عام 2005، حرص الكرد على تضمينه مادة تمهد لضم المناطق المتنازع عليها مع الحكومة الاتحادية إلى الإقليم.

تلك هي المادة 140.

تنص الفقرة “أولا” من المادة على أن “تتولى السلطة التنفيذية اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ متطلبات المادة 58 من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية بكل فقراتها”.

وتنص الفقرة “ثانيا” على أن “المسؤولية الملقاة على السلطة التنفيذية في الحكومة الانتقالية والمنصوص عليها في المادة 58 من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية تمتد وتستمر إلى السلطة التنفيذية المنتخبة بموجب هذا الدستور على أن تنجز كاملة (التطبيع، الإحصاء وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها لتحديد إرادة مواطنيها) في مدة أقصاها الحادي والثلاثون من شهر كانون الأول سنة ألفين وسبعة”.

غير أن المادة لم تطبق في التاريخ الوارد فيها.

تطبيق المادة يعني إجراء تعداد سكاني في المناطق المتنازع عليها، وأبرزها وأكبرها كركوك، ومن ثم إجراء استفتاء يختار السكان بموجبه ما إذا كانوا يريدون البقاء تحت سلطة الحكومة الاتحادية أو الانضمام إلى الإقليم.

بغداد تخشى إجراء الاستفتاء، وتخشى الخطوة السابقة له: التعداد السكاني.

خسارة كركوك لصالح كردستان تعني، من بين ما تعني، خسارة نفطها حتى لو بقيت منطقة كردستان إقليماً. فسلطات الإقليم لا تطلع بغداد حاليا على كميات النفط التي تستخرجها من مناطق سيطرتها.

تعكف وزارة التخطيط حالياً على إجراء تعداد حددت موعده في الربع الأخير من العام المقبل 2023، واللافت في الأمر أنها ستشمل كركوك به.

إزاء غياب مخاوف بغداد من تعداد يشمل كركوك، يسود رأي سياسي بأن هذا التعداد اقتصادي وإحصائي بحت، ولا علاقة له بالسياسة، وإنما يهدف إلى توفير قاعدة بيانات عن السكان في جميع المناطق، وبالتالي فإنه لا يعني منح كركوك لكردستان.

يبدي العرب والتركمان في كركوك عدم تخوفهم أيضا من التعداد، معللين ذلك بأن قصة انضمام المحافظة إلى كردستان انتهت يوم 25 أيلول 2017، عندما أجرت سلطات الإقليم استفتاء للانفصال ولم تشارك فيه غالبية سكان كركوك.

في 16 تشرين الأول 2017، بعد أيام قليلة من استفتاء الانفصال، وفي أعقاب إجراءات عدة اتخذتها الحكومة الاتحادية ضد كردستان منها تعليق العمل في مطاري أربيل والسليمانية، دخلت قوات اتحادية جرارة إلى كركوك، وأرغمت قوات “البيشمركة” الكردية على الانسحاب منها.

منذ ذلك اليوم خضعت كركوك بالكامل لسلطة الحكومة الاتحادية.

بات يُنظر إلى هذين المؤشرين (مقاطعة أغلبية سكان كركوك لاستفتاء الانفصال وسيطرة القوات الاتحادية على المحافظة) على أنهما صماما أمان من ضمها لكردستان.

لكن هل يمكن تطبيق الجزء المتعلق بالتعداد السكاني من المادة 140 وإهمال أو إرجاء الجزء المتعلق باستفتاء تقرير المصير في المادة ذاتها؟

“نعم يجوز ذلك” قال الخبير القانوني محمود جبار.

وأضاف أن “الحكومة الاتحادية أقرت التعداد بصيغة قانونية ورصدت أموالا له ضمن موازنة 2023، وسوف يجرى في جميع مناطق العراق بما فيها كردستان، أما الاستفتاء فسوف يؤجل لوجود متعلقات قانونية صادرة عن المحكمة الاتحادية تجاه الإقليم”.

في أيام تفاوض الإطار التنسيقي مع الكرد والسنة على تشكيل الحكومة، فرض الكرد شروطا عدة من بينها تطبيق المادة 140 مقابل المشاركة في الحكومة ودعمها.

ترشح من الاجتماعات أن الإطار التنسيقي، الخيمة التي تجمع القوى والفصائل الشيعية المُقربة من إيران، وافق على ذلك.

قال المحلل المتخصص بالشؤون السياسية في كركوك أحمد خالد إن “موافقة الإطار تعني تخصيص موازنة لتعويض المرحلين (الكرد والتركمان) والوافدين من العرب إلى كركوك”.

بحسب خالد، قضية كركوك لم تعد محلية، وإنما تحولت إلى مسألة إقليمية ودولية، ولا يستطيع رئيس الحكومة محمد شياع السوداني أو الإطار التنسيقي أو أي جهة أخرى اتخاذ قرار بضمها إلى كردستان.

“هناك أطراف في المحافظة رافضة لأي حديث عن كركوك وضمها، وخاصة العرب والتركمان الذي يشكلون ما نسبته 60 بالمئة من سكانها” أضاف خالد.

وفقا لهذا الاطمئنان على مصير كركوك، تعتزم الحكومة الاتحادية إنفاق 120 مليار دينار من موازنة 2023 على التعداد السكاني، الذي من المقرر أن ينفذه 120 ألف عداد من منتسبي وزارة التربية باستخدام 120 ألف جهاز إلكتروني مخصص لهذا الغرض.