على أطراف سد دربندخان.. جفاف وقنص و"شواء نوارس" وهجرة مُحتملة
31 تشرين الأول 2022
من أصل 25 ألف نورس كانت تعيش مستقرة وتتكاثر على أطراف سد دربندخان، لم يبق منها الآن سوى عشرات، والأهالي يحوطهم الجفاف والهجرة هي الخيار الأكثر جدوى بين خياراتهم..
تحت مسقف من الصفيح، يجلس عثمان محمد (57 عاماً) إلى جانب ولده الشاب على قارب صغير، وقد ربطاه إلى حافة بحيرة دربندخان في محافظة السليمانية في إقليم كردستان.
ينتظر الأب المسن قدوم السائحين الذين قلّت أعدادهم بكثرة، وتناقص مع غيابهم دخله اليومي من العمل.
يوزع نظراته بين سلاسل الجبال المحيطة به، وينظر إلى المياه الضئيلة في البحيرة مفتقداً طائر النورس.
كانت أسراب هذا الطائر الأبيض تضفي على المكان جمالاً أخاذاً يجذب السائحين من بقية مناطق العراق ومن خارجه.
ينقل “الحاج عثمان” -كما يُعرف هنا- السائحين في رحلات إلى عمق مياه بحيرة دربندخان، التي تتفرع عن سد دربندخان المعتمد على مياه نهر سيروان النابع من إيران المجاورة، وهو أحد روافد نهر دجلة.
وعندما حبست السلطات الإيرانية المياه داخل أراضيها عبر سدود أقامتها في السنوات الأخيرة، قلّ منسوب مياه نهر سيروان ومعه سد دربندخان وبحيرته.
نتيجة لذلك، لم يعد المكان قرب السد والبحيرة يغري الكثيرين، ومن بينهم طائر النورس الذي لا يعيش في مكان جاف.
يقول الحاج عثمان إن “الطيور كانت نعمة. هي جزء من جمال الطبيعة، وكان السائحون يفضلون أن آخذهم إلى عمق بحيرة دربندخان حيث تقف أسراب من النوارس على الماء. يلتقطون الصور ثم أعود بهم إلى نقطة الانطلاق”، حيث إن هذه الصور الجميلة والمميزة لا يمكن الحصول على مثلها من اليابسة أو على الجرف.
“كارثة إنسانية”
يصف عبد الرحمن خاني، مدير سد دربندخان التابع لوزارة الموارد المائية العراقية، ما حلّ بالسد بـ”كارثة إنسانية”.
يقول إن المياه انخفضت بنسبة 80 بالمئة، ما أثرّ على الأراضي الزراعية والحيوانات والطيور المهاجرة.
“عشرات آلاف من الطيور كانت تأتي إلى السد من دول الجوار ومنطقة البحر المتوسط وتستقر هنا، لكنها بدأت بالهجرة هذا العام وتركت أعشاشها إثر الجفاف. حتى البشر هاجروا”.
تغذي مياه سد دربندخان -الذي أفتتح عام 1961 ويعد أحد أهم المشاريع الاروائية في العراق- أراضي شاسعة تبدأ من الحدود مع إيران وتصل إلى جنوب العاصمة بغداد. بحسب خاني، يعيش على هذه المساحة التي ضربها الجفاف، 5 ملايين إنسان.
قنص وشواء “محرّم”.. وتجارة
“قلة المياه هي السبب الرئيسي لتناقص أعداد النوارس وهجرتها سد دربندخان وبحيرته إلى دول مجاورة.. لكن هناك أمر آخر”، يخبرنا آرام غريب، مسؤول في دائرة حماية البيئة في السليمانية.
بنادق الصيادين كانت تقنصها باستمرار.
لم يوفر هؤلاء “حتى صغار الطيور أو بيضها”، وفق آرام غريب.
يقدّر المسؤول البيئي أن النوارس التي كانت تعيش مستقرة وتتكاثر في بحيرة سد دربندخان كانت تزيد عن 25 ألف طائر، أما الآن فلم يبق منها سوى عشرات.
“تحوّل قسم منها إلى وجبات غذاء وملك لمن اشتراها منهم في أسواق السليمانية”.
يقود الضابط في شرطة حماية البيئة والطبيعة، آرام رزكار، دوريات في أطراف سد دربندخان وبحيرته، لملاحقة الصيادين.
“هؤلاء يرتكبون جرائم عندما يعتدون على محميات طبيعية للحيوانات. إنهم يسرقون البيض من الأعشاش أيضاً، بينما نريد للبحيرة أن تبقى كمحمية للنوارس”.
منذ بداية العام، قُبض على 45 متهماً.
فالطيور المهاجرة محمية باتفاقيات دولية، كما يقول المسؤول المدني في مديرية حماية البيئة في السليمانية، آرام غريب.
“خائفون من هجرة منازلنا.. مثلما فعل النورس”
كانت حياة الحاج عثمان أفضل بوجود النوارس، وقاربه مزدحم بالسائحين وهناك من ينتظره على الشاطئ ليعود فيصعد معه في رحلته الثانية.
وقتها كان معدل دخله اليومي يصل إلى 300 دولار، أما اليوم فدخله أقلّ من 30 دولارا.
حاله كحال 200 سائق زروق غيره.. لكن غالبيتهم أصبحوا عاطلين عن العمل..
يسكن محمد خطاب (34 عاماً) في قضاء دربندخان، وهو مطّلع على تراجع مناسيب المياه في السد وكذلك هجرة الطيور التي كان وجودها مصدر دخل للكثيرين من سكان القضاء.. وكغيره من السكان، كما أخبرنا، باتوا “خائفين من السنوات القادمة ونشعر بالتهديد. الجفاف وقلة المياه تتسبب بهجرة الطيور ونخشى أن نضطر للهجرة مثلها”.
ومنكم/ن نستفيد ونتعلم
هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media
اقرأ ايضاً
مدارس مُهجَّرة: لماذا لن ينتهي "الدوام المزدوج" و"الاكتظاظ" في العراق؟
10 ديسمبر 2024
الهيدروجين الأزرق والشمس.. عن بدائل النفط "الممكنة" في العراق
07 ديسمبر 2024
الأشجار والدولار على المحكّ في سنجار
03 ديسمبر 2024
الصيادون يبيعون "الآرو".. الوجه القاسي للتغيُّر المناخي على سكان الأهوار
28 نوفمبر 2024
تحت مسقف من الصفيح، يجلس عثمان محمد (57 عاماً) إلى جانب ولده الشاب على قارب صغير، وقد ربطاه إلى حافة بحيرة دربندخان في محافظة السليمانية في إقليم كردستان.
ينتظر الأب المسن قدوم السائحين الذين قلّت أعدادهم بكثرة، وتناقص مع غيابهم دخله اليومي من العمل.
يوزع نظراته بين سلاسل الجبال المحيطة به، وينظر إلى المياه الضئيلة في البحيرة مفتقداً طائر النورس.
كانت أسراب هذا الطائر الأبيض تضفي على المكان جمالاً أخاذاً يجذب السائحين من بقية مناطق العراق ومن خارجه.
ينقل “الحاج عثمان” -كما يُعرف هنا- السائحين في رحلات إلى عمق مياه بحيرة دربندخان، التي تتفرع عن سد دربندخان المعتمد على مياه نهر سيروان النابع من إيران المجاورة، وهو أحد روافد نهر دجلة.
وعندما حبست السلطات الإيرانية المياه داخل أراضيها عبر سدود أقامتها في السنوات الأخيرة، قلّ منسوب مياه نهر سيروان ومعه سد دربندخان وبحيرته.
نتيجة لذلك، لم يعد المكان قرب السد والبحيرة يغري الكثيرين، ومن بينهم طائر النورس الذي لا يعيش في مكان جاف.
يقول الحاج عثمان إن “الطيور كانت نعمة. هي جزء من جمال الطبيعة، وكان السائحون يفضلون أن آخذهم إلى عمق بحيرة دربندخان حيث تقف أسراب من النوارس على الماء. يلتقطون الصور ثم أعود بهم إلى نقطة الانطلاق”، حيث إن هذه الصور الجميلة والمميزة لا يمكن الحصول على مثلها من اليابسة أو على الجرف.
“كارثة إنسانية”
يصف عبد الرحمن خاني، مدير سد دربندخان التابع لوزارة الموارد المائية العراقية، ما حلّ بالسد بـ”كارثة إنسانية”.
يقول إن المياه انخفضت بنسبة 80 بالمئة، ما أثرّ على الأراضي الزراعية والحيوانات والطيور المهاجرة.
“عشرات آلاف من الطيور كانت تأتي إلى السد من دول الجوار ومنطقة البحر المتوسط وتستقر هنا، لكنها بدأت بالهجرة هذا العام وتركت أعشاشها إثر الجفاف. حتى البشر هاجروا”.
تغذي مياه سد دربندخان -الذي أفتتح عام 1961 ويعد أحد أهم المشاريع الاروائية في العراق- أراضي شاسعة تبدأ من الحدود مع إيران وتصل إلى جنوب العاصمة بغداد. بحسب خاني، يعيش على هذه المساحة التي ضربها الجفاف، 5 ملايين إنسان.
قنص وشواء “محرّم”.. وتجارة
“قلة المياه هي السبب الرئيسي لتناقص أعداد النوارس وهجرتها سد دربندخان وبحيرته إلى دول مجاورة.. لكن هناك أمر آخر”، يخبرنا آرام غريب، مسؤول في دائرة حماية البيئة في السليمانية.
بنادق الصيادين كانت تقنصها باستمرار.
لم يوفر هؤلاء “حتى صغار الطيور أو بيضها”، وفق آرام غريب.
يقدّر المسؤول البيئي أن النوارس التي كانت تعيش مستقرة وتتكاثر في بحيرة سد دربندخان كانت تزيد عن 25 ألف طائر، أما الآن فلم يبق منها سوى عشرات.
“تحوّل قسم منها إلى وجبات غذاء وملك لمن اشتراها منهم في أسواق السليمانية”.
يقود الضابط في شرطة حماية البيئة والطبيعة، آرام رزكار، دوريات في أطراف سد دربندخان وبحيرته، لملاحقة الصيادين.
“هؤلاء يرتكبون جرائم عندما يعتدون على محميات طبيعية للحيوانات. إنهم يسرقون البيض من الأعشاش أيضاً، بينما نريد للبحيرة أن تبقى كمحمية للنوارس”.
منذ بداية العام، قُبض على 45 متهماً.
فالطيور المهاجرة محمية باتفاقيات دولية، كما يقول المسؤول المدني في مديرية حماية البيئة في السليمانية، آرام غريب.
“خائفون من هجرة منازلنا.. مثلما فعل النورس”
كانت حياة الحاج عثمان أفضل بوجود النوارس، وقاربه مزدحم بالسائحين وهناك من ينتظره على الشاطئ ليعود فيصعد معه في رحلته الثانية.
وقتها كان معدل دخله اليومي يصل إلى 300 دولار، أما اليوم فدخله أقلّ من 30 دولارا.
حاله كحال 200 سائق زروق غيره.. لكن غالبيتهم أصبحوا عاطلين عن العمل..
يسكن محمد خطاب (34 عاماً) في قضاء دربندخان، وهو مطّلع على تراجع مناسيب المياه في السد وكذلك هجرة الطيور التي كان وجودها مصدر دخل للكثيرين من سكان القضاء.. وكغيره من السكان، كما أخبرنا، باتوا “خائفين من السنوات القادمة ونشعر بالتهديد. الجفاف وقلة المياه تتسبب بهجرة الطيور ونخشى أن نضطر للهجرة مثلها”.