سيارات "الحمل" تقسو على الطرق السريعة

حضرت "الأخاديد" بغيابها: السكك الحديد تنتظر إنعاشها بـ"التفاعل"

ميادة داود

26 شباط 2023

يتجوّل الموت فوق رؤوس المسافرين متخذاً من المطبّات والأخاديد أسلحة فتاكة، ليحصد يومياً بضع أرواح لأناس يتعيّن عليهم اختبار الخطورة والمغامرة حتى في أبسط النشاطات.. ويأتي كل ذلك بسبب تهالك وتراجع دور السكك الحديد والقطارات في نقل البضائع والركاب.. لكن هل تُحل هذه المعضلة بـ"التفاعل"؟ قصّة سيارات وقطارات وأحمال ثقيلة وضحايا كُثر..

على طرق عدة تربط بين مختلف المدن العراقية، يتجوّل الموت فوق رؤوس المسافرين متخذاً من المطبات والأخاديد أسلحة فتاكة، ليحصد يومياً بضع أرواح لأناس يتعيّن عليهم اختبار الخطورة والمغامرة حتى في أبسط النشاطات، كالانتقال من مدينة إلى أخرى.

اسم “طريق الموت” يُطلق على طرق خارجية عديدة، وهو مشتق من الحوادث المرورية المروعة التي تشهدها تلك الطرق بشكل يومي.

وللحفاظ على سلامته وسلامة الركاب، يراوغ أبو ياسر المطبات والأخاديد بسيارته عندما يتوجه من بغداد إلى دهوك في أقصى شمال العراق، لكن هذه المراوغة تضيف ساعتين إلى الوقت الطبيعي لانتهاء الرحلة، فيمتد من خمس ساعات إلى سبع.

حصدت حوادث السير أرواح 2152 عراقياً عام 2020 وأسفرت عن إصابة 8383 بجروح، بعد تسجيل 6170 حادثاً مرورياً منها أكثر من ألفي حادث مميتة.

وازدادت الحوادث عنفاً عام 2021 لتقتل 2828 راكباً وتجرح 11230 آخرين بعد تسجيل 10659 حادثاً مرورياً منها 2709 حوادث مميتة، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء.

وغالبا ما تشعل تلك الحوادث مواقع التواصل الاجتماعي لبشاعتها، فعلى طريق بغداد-بابل لقي قبل أكثر شهر 11 معلماً مصرعهم بعد اصطدام مركبتهم بأخرى مسرعة قادمة بالاتجاه المعاكس.

استقطب حادث آخر أنظار العراقيين في الفترة ذاتها بمحافظة الأنبار، حيث قتل في إثره خمسة أشخاص، لترتفع المطالبات بتأهيل الطرق بين المحافظات بعد أن أصبح عدد منها غير صالح لسير المركبات لضيقها أو تكسر أجزاء منها.

وبسبب تضرر الطرق وعدم صيانتها وإخضاعها لقواعد المرور، بات مشهد المركبات المدمرة على جوانبها مألوفاً في العراق.

شدة الحر في الصيف، ووقوف الشاحنات التي تحمل أوزاناً أكبر من الوزن المحدد قانونياً لمدة طويلة فوق الإسفلت، من أبرز أسباب ظهور المطبات والأخاديد في الطرق.

“الأوزان المسموح بها لمركبات النقل محددة بـ32 طناً بالإضافة إلى وزن المركبة، ولكن لا يوجد التزام بذلك” قال عمار وليد اللواء المتقاعد في شرطة المرور.

ولا ينص قانون الطرق والجسور الذي أقر عام 2013 على حجم الحمولات أو الأوزان المسموح بها، إذ أحالها إلى الجهات المتخصصة لتعلن عنها في تعليمات منفصلة، واستناداً إلى ذلك أعلنت وزارة الإعمار والإسكان في بيان رقم 2 لسنة 2013 الأوزان المسموح بها.

قسّم البيان الأوزان المحورية للعجلات المسموح بسيرها على الطرق المبلطة إلى أربعة أقسام، حيث خصص سبعة أطنان للمحور المفرد والمزدوج ذي العجلات القابلة للتوجيه، و13 طناً للمحور المفرد ذي العجلات غير القابلة للتوجيه، و20 طناً للمحور المزدوج ذي العجلات غير القابلة للتوجيه، و27 طناً للمحور الثلاثي ذي العجلات غير القابلة للتوجيه.

وقال وليد إن دور الشاحنات مهم في نقل البضائع إلا أن تفعيل دور السكك الحديد في النقل من شأنه رفع جزء كبير من هذه الأحمال عن الشارع.

وأضاف أن تفعيل السكك الحديد سيخدم الصالح العام من ناحيتين، الأولى تخفيف الاختناقات المرورية بفعل انخفاض عدد السيارات الداخلة إلى بغداد، والثانية تقليل الضرر الحاصل من الأوزان الثقيلة التي تحملها تلك المركبات، وخصوصا حين توقفها في نقاط التفتيش.

عودة بالزمن

بعد أن حصلت ألمانيا على امتياز من الحكومة العثمانية لإنشاء سكة حديد (قونية-أضنة-حلب-موصل-بغداد) عام 1902، وضع حجر الأساس لأول خط سكك حديد في العراق عام 1912، وكان يصل بين بغداد وسامراء بطول 121 كم.

بعدها بعامين تم تسيير أول رحلة بالقطار على ذلك الخط، ثم تشكلت إدارة السكك الحديد في العراق تحت سيطرة الجيش البريطاني، وسرعان ما انتقلت إلى إدارة مدنية عام 1920 وتحولت إلى إدارة مدنية عراقية عام 1936.

وما أن انتهت الحرب العالمية الأولى، حتى بوشر بتمديد خط رابط بين سامراء وبيجي، وامتد بعد ذلك إلى الشرقاط والموصل.

وفي عام 1940 تم تمديد الخط إلى الحدود السورية، ثم ربط بالخطوط السورية والتركية وبعدها بالشبكة الأوروبية.

وفي الفترة ذاتها تم إنشاء خط (بغداد-البصرة) الذي تبنته بريطانيا لخدمة أغراضها العسكرية، وخط حديدي (بغداد- فلوجة) وصولاً إلى سن الذبان قرب بحيرة الحبانية.

بعدها تم إنشاء خط (بغداد-الحلة-الكفل) وخط (بغداد-بعقوبة-كركوك)، كما شيد جسر حديدي مشترك للسيارات والقطارات في بغداد وهو جسر الصرافية، فضلاً عن بناء المحطة العالمية المركزية في عام 1952.

وفي عقدي السبعينيات والثمانينيات، تبنت الحكومة العراقية خططاً للتنمية تضمنت مشروعات للخطوط الحديد بينها خط (بغداد-حصيبة-عكاشات)، الذي يربط مناجم الفوسفات بالمعامل الرئيسة ومعامل الأسمدة في عكاشات بموانئ البصرة.

أنشئ أيضاً خط حديد (كركوك-بيجي-حديثة)، وجزء من الخط القوسي (مسيب- كربلاء-نجف-سماوة) وخط (الموصل-زاخو) وخط (بغداد-القائم-حصيبة) وبسرعة تشغيلية لقطارات المسافرين تبلغ 160 كم في الساعة ولقطارات البضائع 100 كم بالساعة.

كما قدمت مشاريع عديدة منها ربط منطقتي صفوان والعمارة بخط سكة حديد (بغداد-البصرة)، فضلاً عن مشروع خطة سكة حديد العراق-كويت والعراق-الأردن ومشروع ربط العراق بسوريا عن طريق نهر الفرات.

ازدادت أطوال خطوط سكك الحديد العراقية من 1192 كم في عام 1968 إلى 2041 كم عام 1977 محققة زيادة قدرها 849 كم.

أدت هذه الخطوط دوراً مهماً في ربط مناطق العراق مع بعضها وربط العراق مع سوريا وتركيا وسهلت نقل البضائع.

لكن سكك العراق عانت لاحقاً من قلة الإيرادات المالية المتحققة من نشاطها في نقل المسافرين والبضائع نتيجة عدم الاستقرار الأمني والتخريب وتهالك الخطوط والقاطرات والعربات، والتي جعلت من هذا النشاط عبئاً على الاقتصاد الوطني بدلاً من أن يساهم في تنشيطه.

ولإلقاء نظرة على درجة تراجع أهمية السكك في العراق، يكفي الاطلاع على أعداد المسافرين المتدنية عام 2002 والتي لم تتجاوز -بحسب إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء- 1248 مسافراً.

هذا العدد تراجع بدوره إلى 345 مسافراً عام 2003.

خارطة لخطوط السكك الحديدية في العراق، المصدر: Christian L، www.unusualtraveler.com.

أزمات وخسائر

قبل 2003 كانت الشركة العامة للسكك الحديد تنقل جميع البضائع بشاحناتها التخصصية إلى دوائر الدولة كافة، كما كانت من الشركات الرابحة، وتموّل خزينة الدولة من الأرباح.

إلا أن الشركة تأثرت بشكل كبير بالحروب المتعاقبة والحصار الاقتصادي الذي أثّر على معظم البنى التحتية، ما تسبب بضعف كفاءة القاطرات والشاحنات والعربات والخطوط.

هذا الضعف كان ناتجاً عن عدم القدرة على استيراد المواد الاحتياطية، فتهالكت معظم الوحدات المتحركة، والتي هي عامل أساس في تأدية الخدمة للمواطنين.

أما بعد 2003 أصبحت السكك الحديد من الشركات الخاسرة، في ظل عزوف معظم دوائر الدولة عن النقل بالقطارات بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة، وعدم التأمين على البضائع المنقولة عبر تلك الخطوط، إضافة إلى عدم توفر الأمان والسرعة، ما أدى إلى توقف أغلب الخطوط الناقلة للبضائع.

من بين الخطوط التي توقفت، خط نقل منتجات معمل الحديد والصلب في منطقة خور الزبير، والأسمدة في منطقة أبي الخصيب، والإسمنت من معمل إسمنت أم قصر، ونقل الحبوب والنفط الخام.

بعد كل هذا التدهور، جاء تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” عام 2014 ليقضي على ما تبقى ويتسبب بتوقف أغلب الخطوط في المنطقة الغربية.

أصبح الاعتماد الأكبر اليوم على خط (بغداد-بصرة)، سواء لنقل المسافرين أو البضائع، وأصبحت الشركة العامة لسكك الحديد “خاسرة”، بحسب وصف دراسة ديوان الرقابة المالية عام 2016.

أظهرت الدراسة تدني مستوى النقل بواسطة السكك الحديد وعزوف المواطنين عن استخدامها، وحددت الأسباب الرئيسة بضعف تغطية الشبكة لمناطق كثيرة من العراق.

ذكرت الدراسة أن ذلك أدى إلى زخم مروري، وإلحاق الضرر بالطرق نتيجة نقل البضائع بالشاحنات التي تؤدي أحمالها الكبيرة إلى تلف الإكساء الخاص بتلك الطرق.

وبحسب الدراسة، فإن الوزارة تعاقدت مع بعض الشركات لتنفيذ مشاريع لمد خطوط جديدة للسكك، إلا أن أغلب تلك المشاريع لم يتم تنفيذها على الرغم من توقيع العقود منذ عام 2004.

لخصت الدراسة أسباب عدم إنجاز تلك المشاريع بالتعاقد مع شركات غير متخصصة وسوء التخطيط في إدراجها.

وأشارت إلى وجود تقصير واضح في عملية التخطيط التي وضعت لتطوير السكك باتجاهين هما ربط شبكة السكك العراقية بدول الجوار، إضافة إلى مد خطوط داخل العراق، وهو ما خلق حالة من التشتت في الجهد والتخصيصات المالية الذي من المفترض أن يخضع إلى أولويات تركز على إنجاز الشبكة الداخلية أولاً.

اصطدام بالعشائر

تنبهت السلطات العراقية إلى الأضرار التي تلحق بالطرق نتيجة للأحمال الزائدة، فأقرت تعديلاً لقانون الطرق العامة بدأت به عام 2012، فرضت بموجبه المواد 8 و10 و14 غرامات كبيرة على المخالفين للأوزان المسموح بها.

حددت المادة 14 من القانون عقوبة حجز المركبة المخالفة لأوزان الأثقال المحورية لحين تفريغ الحمولة الزائدة على نفقة المخالف، كما فرضت غرامة قدرها خمسة آلاف دينار عن كل كيلوغرام واحد من الحمولة الزائدة، إضافة إلى أجور أرضية قدرها 20 ألف دينار عن كل ليلة تبقى فيها المركبة المخالفة في الحجز.

أما المتهربون من عملية وزن السيارة، فتتم معاقبتهم بغرامة لا تقل عن 500 ألف دينار ولا تزيد على مليون دينار للحمولة الواحدة سواء كان سائق السيارة أو مالكها.

فيما أعطت المادة الثامنة الحق للهيأة العامة للطرق والجسور باستيفاء أجور عن مرور المركبات وفق تعليمات تصدرها الوزارة تعود وارداتها لغرض صيانة تلك الطرق وتطويرها، على أن يكون هناك طريق بديل يمكن استخدامه مجاناً من قبل المواطنين.

وفرضت المادة العاشرة على الوزارة أن تقوم بتجهيز الطرق بالموازين الخاصة بالطرق الخارجية والطرق بين المحافظات، وسمحت لها باستيفاء أجور وزن من كل سيارة بمبلغ لا يقل عن 20 ألف دينار ولمرة واحدة عن الحمولة الواحدة، وبموجب تعليمات تصدرها الوزارة يمكن تشغيل محطات الوزن من قبل القطاع الخاص ويحدد مبلغ لصيانة الطرق العامة للمحافظة المعنية.

“كان تنفيذ المادة العاشرة ضعيفاً على الرغم من أهميتها” قال وليد لـ”جمّار”.

وأضاف أن تنفيذ مواد هذا القانون اصطدم بالأعراف والتقاليد العشائرية، حيث حصلت مشاكل وصدامات وصلت إلى حد تحطيم محطات الوزن.

وليست الأحمال الزائدة وحدها دمرت الطرق.

قال علي الكناني، مهندس الطرق الاستشاري، لـ”جمّار” إن هناك أموراً فنية أخرى، لكن الفشل يبدأ بنوعية القير، وهو المادة الرابطة التي كانت سابقا مسيطرا عليها من قبل جهاز التقييس والسيطرة النوعية، وهي المادة الأساسية لنجاح الخرسانة الإسمنتية المكونة من هذه المادة.

حالياً يتم استخدام القير من دون المواصفات المطلوبة، مع وجود خلل كبير في الخلطات الإسفلتية، وذلك أحد أسباب ظهور التخسفات والأخاديد في الإسفلت بشوارع العراق.

ويؤدي هذا الخلل إلى تفكك الإسفلت وتحوله إلى حصى متناثرة في حالة وضع الخلطة الإسمنتية بدرجة حرارة أقل من المواصفات القياسية، بالإضافة إلى طريقة الحدل التي يجب أن تكون على ثلاث مراحل، الأولى تبدأ من درجة حرارة 165 وتنتهي عند 135 درجة، والثانية تنتهي بـ100 درجة، أما الثالثة فتنتهي بـ70 درجة مئوية.

“وحين تصل الحرارة إلى الدرجة الثالثة لا يجوز بعد ذلك حدل الإسفلت لأن من شأنه أن يؤدي إلى تكسر الخرسانة لأنها تولد ميتة لا يمكن الاستفادة منها” أضاف الكناني.

وأوضح أن جميع هذه المراحل يجب أن تكون دقيقة، وأن الفرق بين طبقة وأخرى وسمكها يجب أن لا يتجاوز بضعة ملليمترات.

لهذه الطبقات مواصفات وفحص يحدد مدى جاهزيتها لتحمل الأوزان، فإذا كانت الطبقة الأولى في التبليط أو القاعدة التي تسمى بالعامية “سبّيس” تحتوي على تباين كبير، ستتكون أخاديد تحت ضغط الأحمال الإضافية الثقيلة للمركبات.

يتحمّل المتر المربع الواحد من الإسفلت، بحسب الكناني، عشرة أطنان، وإذا جاء هذا الثقل على إسفلت يعاني من التباين في الطبقات، ستظهر الأخاديد على الطرق، وخصوصا الخارجية، حيث تسير مركبات تحمل بضائع أثقل من المسموح بها بكثير.

القادم أفضل؟

تبدو الشركة العامة للسكك الحديد متفائلة إزاء مستقبل خطوط القطارات على الرغم من الواقع الحالي المتردي.

قال يونس خالد جواد مدير عام الشركة لـ”جمّار” إن العديد من المشاريع سوف تنجز ضمن خطة العام الحالي 2023، منها خط سكة حديد (بغداد-يوسفية–حلة-سماوة) وخط (سماوة–غبيشية-برقة)، وهما خطان يصفهما بأنهما “من المشاريع الكبيرة والمهمة”.

وأشار إلى وجود مشاريع مستقبلية كبيرة سينطلق العمل بها خلال العام الحالي أهمها المشروع الذي يربط ميناء الفاو بالحدود العراقية التركية بطول 1200 كيلومتر، ومشروع القطار المعلق الذي سيخدم أبناء بغداد ويخفف الاختناقات المرورية، ومشروع السكة الحديد سماوة-حكامة ومشروع جسر كبير على نهر الفرات.

لدى الشركة أيضاً مقترحات لمشاريع مثل مشروع الخط الدائري حول بغداد الذي سيحول مسار خط السكك الحديد إلى خطوط حلقية خارج العاصمة، وهو مشروع يهدف إلى إنهاء التقاطعات في الشوارع الرئيسة داخل بغداد، وبالتعاون مع أمانة بغداد ووزارة الإعمار والإسكان.

ولا يمكن تخمين الكلف التقديرية لجميع هذه المشاريع، والسبب في ذلك يعود إلى أن لكل مشروع دراسة جدوى خاصة به ويتم تنفيذه خلال سنوات عدة.

“وكذلك بعض المشاريع سيتم تمويلها من القروض وأخرى سوف تمول بالاستثمار وبعض تلك المشاريع سيتم تمويلها من قبل المحافظات التي ترغب بمد خطوط السكك الحديد فيها” قال جواد.

ولا يتفق المدير العام مع ما جاء في تقرير ديوان الرقابة المالية بشأن تردي واقع سكك الحديد، ويسوق تغطية الرحلات من المحافظات إلى البصرة خلال بطولة خليجي 25 بسبعة قطارات يومياً مثالاً على النجاح وجودة الخدمة.

لكنه يقر بأن الخطوط قديمة وخاضعة لتجاوزات كثيرة، ما يجبر سائق القطار على السير ببطء حفاظاً على أرواح المسافرين، وهو السبب وراء الوقت الطويل الذي تستغرقه الرحلة إلى البصرة مثلاً.

بانتظار التفاعل

تنقل السكك الحديد حاليا ثلاثة ملايين لتر من المادة الوقودية المسماة “النفط الأسود” يومياً، بحسب جواد.

يتم النقل لحساب شركة تسويق النفط في العراق “سومو”، حيث يتم نقل النفط الأسود من مصافي بيجي ومن مصفى الدورة في بغداد إلى ميناء أم قصر في البصرة لغرض التصدير إلى خارج العراق.

ويتوقع جواد ارتفاع هذه المعدلات في المستقبل القريب، مع وجود توجه من وزارة النفط للتوسع في هذا المجال.

“لأن السكك الحديد يمكنها أن تصل إلى سبعة ملايين لتر يومياً. هذا المعدل سنصله قريبا” أوضح المدير العام.

في أيار 2021 انقلب قطار يحمل مادة النفط الأسود في منطقة النباعي على تخوم بغداد الشمالية، وقد أثيرت شكوك في حينها بأن الحادث وقع بفعل فاعل، لأن هناك من تضرر من حرمان شركات تسيير الصهاريج من هذا الامتياز المدر لأرباح هائلة.

إلا أن جواد نفى صحة فرضية أن يكون الحادث قد وقع بفعل فاعل، قائلاً إن أسبابه كانت فنية تتعلق بقدم خط السكة الحديد في تلك المنطقة والذي يعود إلى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، مبيناً أن مشروع استبدال هذ الخط تعطل بسبب احتلال “داعش” تلك المناطق عام 2014 لكنه الآن يمضي قدماً.

حصلت الشركة العامة للسكك الحديد على قرار من مجلس الوزراء عام 2015 ينص على اعتمادها كناقل وطني، لكن تضرر الخطوط، خصوصا بعد احتلال “داعش” مناطق واسعة، حال دون تنفيذه.

في عام 2022 أثمر القرار عن إبرام عقود مع وزارة النفط لنقل المشتقات النفطية من مصفى بيجي، إضافة إلى إبرام عقد مع شركة سومو لنقل النفط الخام إلى موانئ البصرة لأغراض التصدير.

ويقول إعلام شركة السكك الحديد إن النقل عن طريق السكك من شأنه المحافظة على المدن من خلال بيئة خالية من التلوث، والحد من الحوادث المرورية المروعة التي أزهقت أرواحاً بشرية كثيرة، والتقليل من تخسفات الطرق والجسور التي تسببها الشاحنات الكبيرة بسبب الزيادة المقررة للبضائع من دون رقيب.

لكن الشركة تنتظر مزيداً من التفاعل من قبل وزارات الدولة المختلفة، والتي كانت تنقل بضائعها سابقاً عبر القطارات، لتنتعش أعمالها وتجني أرباحاً أعلى.

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

على طرق عدة تربط بين مختلف المدن العراقية، يتجوّل الموت فوق رؤوس المسافرين متخذاً من المطبات والأخاديد أسلحة فتاكة، ليحصد يومياً بضع أرواح لأناس يتعيّن عليهم اختبار الخطورة والمغامرة حتى في أبسط النشاطات، كالانتقال من مدينة إلى أخرى.

اسم “طريق الموت” يُطلق على طرق خارجية عديدة، وهو مشتق من الحوادث المرورية المروعة التي تشهدها تلك الطرق بشكل يومي.

وللحفاظ على سلامته وسلامة الركاب، يراوغ أبو ياسر المطبات والأخاديد بسيارته عندما يتوجه من بغداد إلى دهوك في أقصى شمال العراق، لكن هذه المراوغة تضيف ساعتين إلى الوقت الطبيعي لانتهاء الرحلة، فيمتد من خمس ساعات إلى سبع.

حصدت حوادث السير أرواح 2152 عراقياً عام 2020 وأسفرت عن إصابة 8383 بجروح، بعد تسجيل 6170 حادثاً مرورياً منها أكثر من ألفي حادث مميتة.

وازدادت الحوادث عنفاً عام 2021 لتقتل 2828 راكباً وتجرح 11230 آخرين بعد تسجيل 10659 حادثاً مرورياً منها 2709 حوادث مميتة، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء.

وغالبا ما تشعل تلك الحوادث مواقع التواصل الاجتماعي لبشاعتها، فعلى طريق بغداد-بابل لقي قبل أكثر شهر 11 معلماً مصرعهم بعد اصطدام مركبتهم بأخرى مسرعة قادمة بالاتجاه المعاكس.

استقطب حادث آخر أنظار العراقيين في الفترة ذاتها بمحافظة الأنبار، حيث قتل في إثره خمسة أشخاص، لترتفع المطالبات بتأهيل الطرق بين المحافظات بعد أن أصبح عدد منها غير صالح لسير المركبات لضيقها أو تكسر أجزاء منها.

وبسبب تضرر الطرق وعدم صيانتها وإخضاعها لقواعد المرور، بات مشهد المركبات المدمرة على جوانبها مألوفاً في العراق.

شدة الحر في الصيف، ووقوف الشاحنات التي تحمل أوزاناً أكبر من الوزن المحدد قانونياً لمدة طويلة فوق الإسفلت، من أبرز أسباب ظهور المطبات والأخاديد في الطرق.

“الأوزان المسموح بها لمركبات النقل محددة بـ32 طناً بالإضافة إلى وزن المركبة، ولكن لا يوجد التزام بذلك” قال عمار وليد اللواء المتقاعد في شرطة المرور.

ولا ينص قانون الطرق والجسور الذي أقر عام 2013 على حجم الحمولات أو الأوزان المسموح بها، إذ أحالها إلى الجهات المتخصصة لتعلن عنها في تعليمات منفصلة، واستناداً إلى ذلك أعلنت وزارة الإعمار والإسكان في بيان رقم 2 لسنة 2013 الأوزان المسموح بها.

قسّم البيان الأوزان المحورية للعجلات المسموح بسيرها على الطرق المبلطة إلى أربعة أقسام، حيث خصص سبعة أطنان للمحور المفرد والمزدوج ذي العجلات القابلة للتوجيه، و13 طناً للمحور المفرد ذي العجلات غير القابلة للتوجيه، و20 طناً للمحور المزدوج ذي العجلات غير القابلة للتوجيه، و27 طناً للمحور الثلاثي ذي العجلات غير القابلة للتوجيه.

وقال وليد إن دور الشاحنات مهم في نقل البضائع إلا أن تفعيل دور السكك الحديد في النقل من شأنه رفع جزء كبير من هذه الأحمال عن الشارع.

وأضاف أن تفعيل السكك الحديد سيخدم الصالح العام من ناحيتين، الأولى تخفيف الاختناقات المرورية بفعل انخفاض عدد السيارات الداخلة إلى بغداد، والثانية تقليل الضرر الحاصل من الأوزان الثقيلة التي تحملها تلك المركبات، وخصوصا حين توقفها في نقاط التفتيش.

عودة بالزمن

بعد أن حصلت ألمانيا على امتياز من الحكومة العثمانية لإنشاء سكة حديد (قونية-أضنة-حلب-موصل-بغداد) عام 1902، وضع حجر الأساس لأول خط سكك حديد في العراق عام 1912، وكان يصل بين بغداد وسامراء بطول 121 كم.

بعدها بعامين تم تسيير أول رحلة بالقطار على ذلك الخط، ثم تشكلت إدارة السكك الحديد في العراق تحت سيطرة الجيش البريطاني، وسرعان ما انتقلت إلى إدارة مدنية عام 1920 وتحولت إلى إدارة مدنية عراقية عام 1936.

وما أن انتهت الحرب العالمية الأولى، حتى بوشر بتمديد خط رابط بين سامراء وبيجي، وامتد بعد ذلك إلى الشرقاط والموصل.

وفي عام 1940 تم تمديد الخط إلى الحدود السورية، ثم ربط بالخطوط السورية والتركية وبعدها بالشبكة الأوروبية.

وفي الفترة ذاتها تم إنشاء خط (بغداد-البصرة) الذي تبنته بريطانيا لخدمة أغراضها العسكرية، وخط حديدي (بغداد- فلوجة) وصولاً إلى سن الذبان قرب بحيرة الحبانية.

بعدها تم إنشاء خط (بغداد-الحلة-الكفل) وخط (بغداد-بعقوبة-كركوك)، كما شيد جسر حديدي مشترك للسيارات والقطارات في بغداد وهو جسر الصرافية، فضلاً عن بناء المحطة العالمية المركزية في عام 1952.

وفي عقدي السبعينيات والثمانينيات، تبنت الحكومة العراقية خططاً للتنمية تضمنت مشروعات للخطوط الحديد بينها خط (بغداد-حصيبة-عكاشات)، الذي يربط مناجم الفوسفات بالمعامل الرئيسة ومعامل الأسمدة في عكاشات بموانئ البصرة.

أنشئ أيضاً خط حديد (كركوك-بيجي-حديثة)، وجزء من الخط القوسي (مسيب- كربلاء-نجف-سماوة) وخط (الموصل-زاخو) وخط (بغداد-القائم-حصيبة) وبسرعة تشغيلية لقطارات المسافرين تبلغ 160 كم في الساعة ولقطارات البضائع 100 كم بالساعة.

كما قدمت مشاريع عديدة منها ربط منطقتي صفوان والعمارة بخط سكة حديد (بغداد-البصرة)، فضلاً عن مشروع خطة سكة حديد العراق-كويت والعراق-الأردن ومشروع ربط العراق بسوريا عن طريق نهر الفرات.

ازدادت أطوال خطوط سكك الحديد العراقية من 1192 كم في عام 1968 إلى 2041 كم عام 1977 محققة زيادة قدرها 849 كم.

أدت هذه الخطوط دوراً مهماً في ربط مناطق العراق مع بعضها وربط العراق مع سوريا وتركيا وسهلت نقل البضائع.

لكن سكك العراق عانت لاحقاً من قلة الإيرادات المالية المتحققة من نشاطها في نقل المسافرين والبضائع نتيجة عدم الاستقرار الأمني والتخريب وتهالك الخطوط والقاطرات والعربات، والتي جعلت من هذا النشاط عبئاً على الاقتصاد الوطني بدلاً من أن يساهم في تنشيطه.

ولإلقاء نظرة على درجة تراجع أهمية السكك في العراق، يكفي الاطلاع على أعداد المسافرين المتدنية عام 2002 والتي لم تتجاوز -بحسب إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء- 1248 مسافراً.

هذا العدد تراجع بدوره إلى 345 مسافراً عام 2003.

خارطة لخطوط السكك الحديدية في العراق، المصدر: Christian L، www.unusualtraveler.com.

أزمات وخسائر

قبل 2003 كانت الشركة العامة للسكك الحديد تنقل جميع البضائع بشاحناتها التخصصية إلى دوائر الدولة كافة، كما كانت من الشركات الرابحة، وتموّل خزينة الدولة من الأرباح.

إلا أن الشركة تأثرت بشكل كبير بالحروب المتعاقبة والحصار الاقتصادي الذي أثّر على معظم البنى التحتية، ما تسبب بضعف كفاءة القاطرات والشاحنات والعربات والخطوط.

هذا الضعف كان ناتجاً عن عدم القدرة على استيراد المواد الاحتياطية، فتهالكت معظم الوحدات المتحركة، والتي هي عامل أساس في تأدية الخدمة للمواطنين.

أما بعد 2003 أصبحت السكك الحديد من الشركات الخاسرة، في ظل عزوف معظم دوائر الدولة عن النقل بالقطارات بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة، وعدم التأمين على البضائع المنقولة عبر تلك الخطوط، إضافة إلى عدم توفر الأمان والسرعة، ما أدى إلى توقف أغلب الخطوط الناقلة للبضائع.

من بين الخطوط التي توقفت، خط نقل منتجات معمل الحديد والصلب في منطقة خور الزبير، والأسمدة في منطقة أبي الخصيب، والإسمنت من معمل إسمنت أم قصر، ونقل الحبوب والنفط الخام.

بعد كل هذا التدهور، جاء تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” عام 2014 ليقضي على ما تبقى ويتسبب بتوقف أغلب الخطوط في المنطقة الغربية.

أصبح الاعتماد الأكبر اليوم على خط (بغداد-بصرة)، سواء لنقل المسافرين أو البضائع، وأصبحت الشركة العامة لسكك الحديد “خاسرة”، بحسب وصف دراسة ديوان الرقابة المالية عام 2016.

أظهرت الدراسة تدني مستوى النقل بواسطة السكك الحديد وعزوف المواطنين عن استخدامها، وحددت الأسباب الرئيسة بضعف تغطية الشبكة لمناطق كثيرة من العراق.

ذكرت الدراسة أن ذلك أدى إلى زخم مروري، وإلحاق الضرر بالطرق نتيجة نقل البضائع بالشاحنات التي تؤدي أحمالها الكبيرة إلى تلف الإكساء الخاص بتلك الطرق.

وبحسب الدراسة، فإن الوزارة تعاقدت مع بعض الشركات لتنفيذ مشاريع لمد خطوط جديدة للسكك، إلا أن أغلب تلك المشاريع لم يتم تنفيذها على الرغم من توقيع العقود منذ عام 2004.

لخصت الدراسة أسباب عدم إنجاز تلك المشاريع بالتعاقد مع شركات غير متخصصة وسوء التخطيط في إدراجها.

وأشارت إلى وجود تقصير واضح في عملية التخطيط التي وضعت لتطوير السكك باتجاهين هما ربط شبكة السكك العراقية بدول الجوار، إضافة إلى مد خطوط داخل العراق، وهو ما خلق حالة من التشتت في الجهد والتخصيصات المالية الذي من المفترض أن يخضع إلى أولويات تركز على إنجاز الشبكة الداخلية أولاً.

اصطدام بالعشائر

تنبهت السلطات العراقية إلى الأضرار التي تلحق بالطرق نتيجة للأحمال الزائدة، فأقرت تعديلاً لقانون الطرق العامة بدأت به عام 2012، فرضت بموجبه المواد 8 و10 و14 غرامات كبيرة على المخالفين للأوزان المسموح بها.

حددت المادة 14 من القانون عقوبة حجز المركبة المخالفة لأوزان الأثقال المحورية لحين تفريغ الحمولة الزائدة على نفقة المخالف، كما فرضت غرامة قدرها خمسة آلاف دينار عن كل كيلوغرام واحد من الحمولة الزائدة، إضافة إلى أجور أرضية قدرها 20 ألف دينار عن كل ليلة تبقى فيها المركبة المخالفة في الحجز.

أما المتهربون من عملية وزن السيارة، فتتم معاقبتهم بغرامة لا تقل عن 500 ألف دينار ولا تزيد على مليون دينار للحمولة الواحدة سواء كان سائق السيارة أو مالكها.

فيما أعطت المادة الثامنة الحق للهيأة العامة للطرق والجسور باستيفاء أجور عن مرور المركبات وفق تعليمات تصدرها الوزارة تعود وارداتها لغرض صيانة تلك الطرق وتطويرها، على أن يكون هناك طريق بديل يمكن استخدامه مجاناً من قبل المواطنين.

وفرضت المادة العاشرة على الوزارة أن تقوم بتجهيز الطرق بالموازين الخاصة بالطرق الخارجية والطرق بين المحافظات، وسمحت لها باستيفاء أجور وزن من كل سيارة بمبلغ لا يقل عن 20 ألف دينار ولمرة واحدة عن الحمولة الواحدة، وبموجب تعليمات تصدرها الوزارة يمكن تشغيل محطات الوزن من قبل القطاع الخاص ويحدد مبلغ لصيانة الطرق العامة للمحافظة المعنية.

“كان تنفيذ المادة العاشرة ضعيفاً على الرغم من أهميتها” قال وليد لـ”جمّار”.

وأضاف أن تنفيذ مواد هذا القانون اصطدم بالأعراف والتقاليد العشائرية، حيث حصلت مشاكل وصدامات وصلت إلى حد تحطيم محطات الوزن.

وليست الأحمال الزائدة وحدها دمرت الطرق.

قال علي الكناني، مهندس الطرق الاستشاري، لـ”جمّار” إن هناك أموراً فنية أخرى، لكن الفشل يبدأ بنوعية القير، وهو المادة الرابطة التي كانت سابقا مسيطرا عليها من قبل جهاز التقييس والسيطرة النوعية، وهي المادة الأساسية لنجاح الخرسانة الإسمنتية المكونة من هذه المادة.

حالياً يتم استخدام القير من دون المواصفات المطلوبة، مع وجود خلل كبير في الخلطات الإسفلتية، وذلك أحد أسباب ظهور التخسفات والأخاديد في الإسفلت بشوارع العراق.

ويؤدي هذا الخلل إلى تفكك الإسفلت وتحوله إلى حصى متناثرة في حالة وضع الخلطة الإسمنتية بدرجة حرارة أقل من المواصفات القياسية، بالإضافة إلى طريقة الحدل التي يجب أن تكون على ثلاث مراحل، الأولى تبدأ من درجة حرارة 165 وتنتهي عند 135 درجة، والثانية تنتهي بـ100 درجة، أما الثالثة فتنتهي بـ70 درجة مئوية.

“وحين تصل الحرارة إلى الدرجة الثالثة لا يجوز بعد ذلك حدل الإسفلت لأن من شأنه أن يؤدي إلى تكسر الخرسانة لأنها تولد ميتة لا يمكن الاستفادة منها” أضاف الكناني.

وأوضح أن جميع هذه المراحل يجب أن تكون دقيقة، وأن الفرق بين طبقة وأخرى وسمكها يجب أن لا يتجاوز بضعة ملليمترات.

لهذه الطبقات مواصفات وفحص يحدد مدى جاهزيتها لتحمل الأوزان، فإذا كانت الطبقة الأولى في التبليط أو القاعدة التي تسمى بالعامية “سبّيس” تحتوي على تباين كبير، ستتكون أخاديد تحت ضغط الأحمال الإضافية الثقيلة للمركبات.

يتحمّل المتر المربع الواحد من الإسفلت، بحسب الكناني، عشرة أطنان، وإذا جاء هذا الثقل على إسفلت يعاني من التباين في الطبقات، ستظهر الأخاديد على الطرق، وخصوصا الخارجية، حيث تسير مركبات تحمل بضائع أثقل من المسموح بها بكثير.

القادم أفضل؟

تبدو الشركة العامة للسكك الحديد متفائلة إزاء مستقبل خطوط القطارات على الرغم من الواقع الحالي المتردي.

قال يونس خالد جواد مدير عام الشركة لـ”جمّار” إن العديد من المشاريع سوف تنجز ضمن خطة العام الحالي 2023، منها خط سكة حديد (بغداد-يوسفية–حلة-سماوة) وخط (سماوة–غبيشية-برقة)، وهما خطان يصفهما بأنهما “من المشاريع الكبيرة والمهمة”.

وأشار إلى وجود مشاريع مستقبلية كبيرة سينطلق العمل بها خلال العام الحالي أهمها المشروع الذي يربط ميناء الفاو بالحدود العراقية التركية بطول 1200 كيلومتر، ومشروع القطار المعلق الذي سيخدم أبناء بغداد ويخفف الاختناقات المرورية، ومشروع السكة الحديد سماوة-حكامة ومشروع جسر كبير على نهر الفرات.

لدى الشركة أيضاً مقترحات لمشاريع مثل مشروع الخط الدائري حول بغداد الذي سيحول مسار خط السكك الحديد إلى خطوط حلقية خارج العاصمة، وهو مشروع يهدف إلى إنهاء التقاطعات في الشوارع الرئيسة داخل بغداد، وبالتعاون مع أمانة بغداد ووزارة الإعمار والإسكان.

ولا يمكن تخمين الكلف التقديرية لجميع هذه المشاريع، والسبب في ذلك يعود إلى أن لكل مشروع دراسة جدوى خاصة به ويتم تنفيذه خلال سنوات عدة.

“وكذلك بعض المشاريع سيتم تمويلها من القروض وأخرى سوف تمول بالاستثمار وبعض تلك المشاريع سيتم تمويلها من قبل المحافظات التي ترغب بمد خطوط السكك الحديد فيها” قال جواد.

ولا يتفق المدير العام مع ما جاء في تقرير ديوان الرقابة المالية بشأن تردي واقع سكك الحديد، ويسوق تغطية الرحلات من المحافظات إلى البصرة خلال بطولة خليجي 25 بسبعة قطارات يومياً مثالاً على النجاح وجودة الخدمة.

لكنه يقر بأن الخطوط قديمة وخاضعة لتجاوزات كثيرة، ما يجبر سائق القطار على السير ببطء حفاظاً على أرواح المسافرين، وهو السبب وراء الوقت الطويل الذي تستغرقه الرحلة إلى البصرة مثلاً.

بانتظار التفاعل

تنقل السكك الحديد حاليا ثلاثة ملايين لتر من المادة الوقودية المسماة “النفط الأسود” يومياً، بحسب جواد.

يتم النقل لحساب شركة تسويق النفط في العراق “سومو”، حيث يتم نقل النفط الأسود من مصافي بيجي ومن مصفى الدورة في بغداد إلى ميناء أم قصر في البصرة لغرض التصدير إلى خارج العراق.

ويتوقع جواد ارتفاع هذه المعدلات في المستقبل القريب، مع وجود توجه من وزارة النفط للتوسع في هذا المجال.

“لأن السكك الحديد يمكنها أن تصل إلى سبعة ملايين لتر يومياً. هذا المعدل سنصله قريبا” أوضح المدير العام.

في أيار 2021 انقلب قطار يحمل مادة النفط الأسود في منطقة النباعي على تخوم بغداد الشمالية، وقد أثيرت شكوك في حينها بأن الحادث وقع بفعل فاعل، لأن هناك من تضرر من حرمان شركات تسيير الصهاريج من هذا الامتياز المدر لأرباح هائلة.

إلا أن جواد نفى صحة فرضية أن يكون الحادث قد وقع بفعل فاعل، قائلاً إن أسبابه كانت فنية تتعلق بقدم خط السكة الحديد في تلك المنطقة والذي يعود إلى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، مبيناً أن مشروع استبدال هذ الخط تعطل بسبب احتلال “داعش” تلك المناطق عام 2014 لكنه الآن يمضي قدماً.

حصلت الشركة العامة للسكك الحديد على قرار من مجلس الوزراء عام 2015 ينص على اعتمادها كناقل وطني، لكن تضرر الخطوط، خصوصا بعد احتلال “داعش” مناطق واسعة، حال دون تنفيذه.

في عام 2022 أثمر القرار عن إبرام عقود مع وزارة النفط لنقل المشتقات النفطية من مصفى بيجي، إضافة إلى إبرام عقد مع شركة سومو لنقل النفط الخام إلى موانئ البصرة لأغراض التصدير.

ويقول إعلام شركة السكك الحديد إن النقل عن طريق السكك من شأنه المحافظة على المدن من خلال بيئة خالية من التلوث، والحد من الحوادث المرورية المروعة التي أزهقت أرواحاً بشرية كثيرة، والتقليل من تخسفات الطرق والجسور التي تسببها الشاحنات الكبيرة بسبب الزيادة المقررة للبضائع من دون رقيب.

لكن الشركة تنتظر مزيداً من التفاعل من قبل وزارات الدولة المختلفة، والتي كانت تنقل بضائعها سابقاً عبر القطارات، لتنتعش أعمالها وتجني أرباحاً أعلى.