"مصاعب وكفاح" نبذة عن حياة قصيرات وقصار القامة في العراق 

رشيد صوفي

03 نيسان 2025

معاناة كبيرة تواجهها فئة قصيرات وقصار القامة، من المطاعم إلى دوائر الدولة وحتى داخل المنازل.. هنا نبذة عن حياة قصيرات وقصار القامة في العراق

أنهت نسرين عزيز وجبتها في أحد مطاعم أربيل، وقد استمتعت بها، لكنها الآن ستواجه لحظة محرجة من بين لحظات كثيرة في حياتها يعتريها الحرج. 

عليها الآن التوجه إلى المغاسل لغسل يديها، ومن ثم استخدام المناديل المعلقة في الحائط للتنشيف، وهنا موضع الحرج، فهي من قصيرات القامة. 

لا تستطيع نسرين استخدام المغسلة لأنها عالية بالنسبة لها، ولا تستطيع الوصول إلى المناديل، لذا سيتعيّن عليها طلب المساعدة من إحدى الفتيات، وهو موقف تتمنى لو أن بإمكانها تجنبه، ولكن ما باليد حيلة. 

“المطاعم والأماكن العامة لا توفر خدمات خاصة بقصار القامة، لا مغاسل ولا حتى كراسي وطاولات” تقول لجُمّار. 

وبسبب حالتها الجسدية، تشعر دوماً بالإرهاق، فحتى المشي يتعبها. 

وإذا توجب عليها يوماً مراجعة دائرة من دوائر الدولة، فإنها لا ترى أي شيء مخصص لقصار القامة، لا السلالم، ولا الكراسي، ولا المراحيض، ولا أيّ شيء آخر. 

تتشارك سيران عادل، وهي من قصيرات القامة أيضاً، مع نسرين في المعاناة، وتضيف إليها معاناتها عند شراء الملابس، فهي تضطر إلى شراء ملابسها من محال ملابس الأطفال، إلا أنها غير ملائمة من ناحية الأشكال والتصاميم، ما يوقعها في حرج مرير. 

وتحاول سيران الاستعانة بالخيّاطة لتعالج ملابس الأطفال لكي تكون مناسبة لها، وهي مضطرة إلى فعل كل ذلك لعدم توافر ملابس مخصصة لقصيرات وقصار القامة في الأسواق. 

تواجه قصيرات وقصار القامة صعوبة في اختيار ملابسهم. تصوير: الكاتب 

ويقول وحيد سعيد، نائب رئيس جمعية قصار القامة في إقليم كردستان، إن الجمعية فاتحت عدداً من تجار الملابس لتوفير ألبسة خاصة بهذه الفئة، لكنهم اعتذروا عن ذلك لأن عدد القصار لا يشكّل قوة شرائية مربحة. 

وملابس الأطفال ليست ملائمة لقصار القامة لأن البنية الجسدية مختلفة، ولأن منطقة الخصر والأرداف لديهم أكبر مما هي عليه لدى الأطفال. 

وفي المنزل، تواجه سيران صعوبات أيضاً، فليس سهلاً عليها الوصول إلى الأجزاء العليا من خزانات الملابس أو رفوف الصحون، وتحتاج وقتاً وجهداً لكي تتمكّن من إنزال الساعة الجدارية لغرض تنظيفها أو تبديل بطاريتها. 

ويتذكر سعيد أنه صنع لنفسه مقعداً خاصاً عندما كان طالباً في الجامعة قبل سنوات، لأن مقاعد الدراسة لم تكن ملائمة له. 

بطالة متفشية 

بحسب سعيد، فإن الحالة المالية لقصيرات وقصار القامة سيئة والبطالة متفشية بينهم، لأنهم عادة لا يُمنحون وظائف حكومية أو أهلية إلا ما ندر. 

ويعتمد أغلبهم على رواتب الرعاية الاجتماعية، وفي كردستان لا يتجاوز هذا الراتب 150 ألف دينار شهرياً (نحو 100 دولار)، وهو مبلغ لا يكفي لسدّ احتياجاتهم. 

“أما خارج كردستان فالرواتب تبلغ 300 ألف دينار” يقول سعيد لجمّار. 

اقرأ أيضاً

الخيارات المحدودة.. الأمر الواقع لإقليم كردستان العراق 

ويطالب سعيد بتخصيص مقعد “كوتا” في مجالس محافظات إقليم كردستان والبرلمان الكردستاني، وكذلك مناصب حكومية لذوي الاحتياجات الخاصة، بمن فيهم قصار القامة، ليتمكنوا من نيل حقوقهم. 

وتنص الفقرة الأولى من المادة الثانية من قانون رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة الصادر عن برلمان الإقليم عام 2012، على كفالة حقوق جميع الأشخاص ذوي وذوات الإعاقة، أو الاحتياجات الخاصة وضمان تمتعهم بجميع الحقوق والحريات الأساسية على قدم المساواة مع الآخرين. 

لكن قصيرات وقصار القامة لا يملكون تمثيلاً نيابياً أو حكومياً في الإقليم أو خارجه، ولم تكن هناك سوى محاولة واحدة خاضها أحد ممثليهم ولم تنجح. 

قصيرات وقصار القامة من دون تمثيل نيابي أو حكومي- مصدر الصورة فيسبوك 

ففي الانتخابات البرلمانية العراقية العامة عام 2014، رشح محمد عيدان جبار، رئيس جمعية قصار القامة العراقية، نفسه ليمثلهم في البرلمان العراقي، إلا أنه لم يحصل على الأصوات الكافية للفوز. 

ويرسم عمر جبار، رئيس جمعية قصار القامة في السليمانية، صورة قاتمة عن هذه الفئة من الناس. 

ويشير إلى أن الوضع يتطلب تحرّكاً عملياً مع عدم إحراز أي نتائج بفعل إصدار البيانات والتظاهرات. 

ويقول لجمّار: إن قصار القامة يعيشون ظروفاً صعبة، فبعضهم يعاني من مشاكل صحية، وآخرون يعيشون ظروفاً اجتماعية واقتصادية سيئة. 

وترك العديد منهم مقاعد الدراسة وأخفقوا في الحصول على عمل يعيلهم. 

ويعتزم جبار الذهاب إلى بغداد لإجراء لقاءات مع مسؤولين وسياسيين لعرض مشكلات قصار القامة في كردستان، والمطالبة بتعديل رواتبهم لتكون مساوية لرواتب نظرائهم خارج الإقليم. 

وهو يشعر -وغيره أيضاً- بالإحباط لأن مرشحي الانتخابات يتزاحمون على أبوابهم في مواسم حصد الأصوات ومن ثم يختفون هم ووعودهم بعد أن يضع الاقتراع أوزاره. 

ثمة آلاف 

يُعرف قصر القامة طبياً بالـ “قزامة”، وهي حالة تتميز بقصر الطول وتترافق أحياناً مع متلازمات. 

وهناك نوعان رئيسان من “القزامة”، الأول قصر القامة المتناسب (PSS)، وهو نقص عام في النمو، والذي يشمل الجسم والذراعين والساقين، والسبب الأكثر شيوعاً له هو قصر قامة الأبوين، وفي بعض الأحيان يكون نتيجة عدم إنتاج الجسم لهرمون النمو بالشكل الكافي، كما يمكن أن تسببه بعض المتلازمات الجينية مثل متلازمة تيرنر، ومتلازمة نونان، ومتلازمة برادر ويلي. 

والنوع الثاني هو قصر القامة غير المتناسب (DSS)، حيث تكون الذراعان والساقان قصيرات بشكل خاص، وهذا يحدث بسبب حالة وراثية نادرة تسمى تعظم الغضروف المبكر، والذي يؤدي إلى ضعف نمو العظام. 

وقد يكون سبب نقص هرمون النمو في بعض الأحيان طفرة جينية أو التعرض لإصابة، ولكن على العموم لم يُعرف سبب واضح حتى الآن للإصابة بهذا الاضطراب. 

وغالباً ما تصاحب “القزامة” مضاعفات صحية تتراوح بين مشكلات الساق، والظهر، ومشكلات وظائف الدماغ والرئة. 

ولا توجد إحصائية حكومية دقيقة لعدد قصيرات وقصار القامة في العراق، فيما تتحدث تقديرات غير رسمية عن أنهم أكثر من ثمانية آلاف. 

وتقدّر جمعية قصار القامة في كردستان عددهم بنحو خمسة آلاف. 

ويشدد بيار بافي، باحث اجتماعي، على ضرورة توفير الرعاية لهذه الفئة من قبل المجتمع والجهات الحكومية. 

ويبدي بافي أسفه إزاء التهميش والصعوبات المعيشية والتنمر الذي يحيط بقصيرات وقصار القامة. 

ويقول لجمّار حسب تعبيره “إن هؤلاء الناس يستطيعون العمل وممارسة الحياة بشكل طبيعي، لكنهم ما زالوا يواجهون نظرة سلبية تؤثر على ثقتهم بأنفسهم.” 

ولعل هذه النظرة السلبية التي تحدث عنها بافي، هي من دفعت هالة الطيب، إحدى قصيرات القامة من كردستان، إلى التخلي عن الاعتناء حتى بتسريحة شعرها وهي تعيش تحت ضغط نفسي هائل. 

تحدي المرآة 

حرص كثير من قصيرات وقصار القامة على قمع اليأس ومنعه من التسلل إلى نفوسهم رغم كل ما يواجهونه، واختار بعضهم تنظيم نشاطات تحفيزية لشركائه في المعاناة. 

نسيبة إسماعيل توجّهت إلى العمل في مجال الدفاع عن حقوق قصار القامة، فأنشأت جمعية لدعم النشاطات الاجتماعية والثقافية لهذه الفئة عبر تنظيم فعاليات متنوعة تهدف لرفع الثقة بالنفس، وتنمية قدرات التواصل بينهم ومع الآخرين. 

“أعمل من أجل تشجيعهم على ممارسة حياتهم الطبيعية وخروجهم من المنازل للتواصل مع الآخرين، وتعريفهم بالمجتمع والأماكن العامة والأسواق والمواقع الأثرية والسياحية” تقول نسيبة لجمّار. 

وتضيف، إن العديد من قصيرات وقصار القامة، ولاسيما الفتيات، ما زلن مترددات في الخروج من البيوت والذهاب إلى الأماكن العامة خشية التعرض للتنمر. 

وخلال تواصلها مع الفتيات القصيرات، عرفت إسماعيل أن بعضهن يتجنبن الوقوف أمام المرآة والنظر إلى أنفسهن، فنظمت تحدياً بهذا الشأن. 

شمل التحدي الجنسين، وهو يتضمن الوقوف أمام المرآة والتقاط صورة ذاتية (سيلفي) ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي. 

وشاركت في التحدي مجموعة كبيرة من النساء والرجال على حدّ سواء. 

التغلّب على الخوف من المرآة – تصوير الكاتب 

كما وضعت إسماعيل مرآة كبيرة في مدخل الجمعية، ليرى الأعضاء أشكالهم عند الدخول والخروج من المبنى. 

جنت إسماعيل ثمار ما زرعت، فقد اكتسب كثير من قصيرات وقصار القامة الثقة بالنفس والشجاعة لممارسة الحياة الطبيعية والبدء بالعمل والدراسة والمشاركة في الفعاليات الرياضية والثقافية والفنية وتوطيد العلاقات الاجتماعية. 

كما أنها ساهمت في تعرّف العديد من الأشخاص على بعضهم البعض من خلال الجمعية، وتكللت العديد من هذه العلاقات بالزواج. 

وإن كانت قصيرات وقصار القامة يُتوقّع منهم أن يتزوجوا من بعضهم البعض، فإن بروين خيري صنعت استثناءً واختارت رجلاً طويلاً ليكون شريك حياتها. 

تبلغ بروين 39 عاماً، ويبلغ خطيبها هاشم 45 عاماً، وهما يستعدان لإقامة حفل زفافهما في أربيل حيث يسكنان. 

بروين سعيدة بهاشم – الصورة من بروين نفسها 

وتقول بروين لجمّار إنها لم تفكر في الزواج قبل أن تتعرف على هاشم، لكن هذا الرجل غيّر رأيها عندما جعلها تكتشف حجم التقارب بينهما. 

وبينما تبدي حماسها لحفل الزفاف وارتداء الفستان الأبيض، تؤكد أنهما تقبّلا بعضهما بقناعة واحترام. 

وفي مدينة أخرى، تغلّبت هالة على المصاعب، وحققت نجاحاً ملحوظاً على الصعيد العلمي والمهني بتشجيع من أسرتها. 

أصبحت طالبة مثابرة وأكملت دراستها في كلية القانون بتفوق، وحصلت على وظيفة في دائرة الشؤون القانونية ببلدية دهوك. 

انتقلت بعد ذلك إلى هيئة النزاهة، وشاركت في لجان تحقيقية وتحريات ودعاوى، ثم أكملت دراسة الماجستير وتستعد حالياً لنيل الدكتوراه. 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

أنهت نسرين عزيز وجبتها في أحد مطاعم أربيل، وقد استمتعت بها، لكنها الآن ستواجه لحظة محرجة من بين لحظات كثيرة في حياتها يعتريها الحرج. 

عليها الآن التوجه إلى المغاسل لغسل يديها، ومن ثم استخدام المناديل المعلقة في الحائط للتنشيف، وهنا موضع الحرج، فهي من قصيرات القامة. 

لا تستطيع نسرين استخدام المغسلة لأنها عالية بالنسبة لها، ولا تستطيع الوصول إلى المناديل، لذا سيتعيّن عليها طلب المساعدة من إحدى الفتيات، وهو موقف تتمنى لو أن بإمكانها تجنبه، ولكن ما باليد حيلة. 

“المطاعم والأماكن العامة لا توفر خدمات خاصة بقصار القامة، لا مغاسل ولا حتى كراسي وطاولات” تقول لجُمّار. 

وبسبب حالتها الجسدية، تشعر دوماً بالإرهاق، فحتى المشي يتعبها. 

وإذا توجب عليها يوماً مراجعة دائرة من دوائر الدولة، فإنها لا ترى أي شيء مخصص لقصار القامة، لا السلالم، ولا الكراسي، ولا المراحيض، ولا أيّ شيء آخر. 

تتشارك سيران عادل، وهي من قصيرات القامة أيضاً، مع نسرين في المعاناة، وتضيف إليها معاناتها عند شراء الملابس، فهي تضطر إلى شراء ملابسها من محال ملابس الأطفال، إلا أنها غير ملائمة من ناحية الأشكال والتصاميم، ما يوقعها في حرج مرير. 

وتحاول سيران الاستعانة بالخيّاطة لتعالج ملابس الأطفال لكي تكون مناسبة لها، وهي مضطرة إلى فعل كل ذلك لعدم توافر ملابس مخصصة لقصيرات وقصار القامة في الأسواق. 

تواجه قصيرات وقصار القامة صعوبة في اختيار ملابسهم. تصوير: الكاتب 

ويقول وحيد سعيد، نائب رئيس جمعية قصار القامة في إقليم كردستان، إن الجمعية فاتحت عدداً من تجار الملابس لتوفير ألبسة خاصة بهذه الفئة، لكنهم اعتذروا عن ذلك لأن عدد القصار لا يشكّل قوة شرائية مربحة. 

وملابس الأطفال ليست ملائمة لقصار القامة لأن البنية الجسدية مختلفة، ولأن منطقة الخصر والأرداف لديهم أكبر مما هي عليه لدى الأطفال. 

وفي المنزل، تواجه سيران صعوبات أيضاً، فليس سهلاً عليها الوصول إلى الأجزاء العليا من خزانات الملابس أو رفوف الصحون، وتحتاج وقتاً وجهداً لكي تتمكّن من إنزال الساعة الجدارية لغرض تنظيفها أو تبديل بطاريتها. 

ويتذكر سعيد أنه صنع لنفسه مقعداً خاصاً عندما كان طالباً في الجامعة قبل سنوات، لأن مقاعد الدراسة لم تكن ملائمة له. 

بطالة متفشية 

بحسب سعيد، فإن الحالة المالية لقصيرات وقصار القامة سيئة والبطالة متفشية بينهم، لأنهم عادة لا يُمنحون وظائف حكومية أو أهلية إلا ما ندر. 

ويعتمد أغلبهم على رواتب الرعاية الاجتماعية، وفي كردستان لا يتجاوز هذا الراتب 150 ألف دينار شهرياً (نحو 100 دولار)، وهو مبلغ لا يكفي لسدّ احتياجاتهم. 

“أما خارج كردستان فالرواتب تبلغ 300 ألف دينار” يقول سعيد لجمّار. 

اقرأ أيضاً

الخيارات المحدودة.. الأمر الواقع لإقليم كردستان العراق 

ويطالب سعيد بتخصيص مقعد “كوتا” في مجالس محافظات إقليم كردستان والبرلمان الكردستاني، وكذلك مناصب حكومية لذوي الاحتياجات الخاصة، بمن فيهم قصار القامة، ليتمكنوا من نيل حقوقهم. 

وتنص الفقرة الأولى من المادة الثانية من قانون رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة الصادر عن برلمان الإقليم عام 2012، على كفالة حقوق جميع الأشخاص ذوي وذوات الإعاقة، أو الاحتياجات الخاصة وضمان تمتعهم بجميع الحقوق والحريات الأساسية على قدم المساواة مع الآخرين. 

لكن قصيرات وقصار القامة لا يملكون تمثيلاً نيابياً أو حكومياً في الإقليم أو خارجه، ولم تكن هناك سوى محاولة واحدة خاضها أحد ممثليهم ولم تنجح. 

قصيرات وقصار القامة من دون تمثيل نيابي أو حكومي- مصدر الصورة فيسبوك 

ففي الانتخابات البرلمانية العراقية العامة عام 2014، رشح محمد عيدان جبار، رئيس جمعية قصار القامة العراقية، نفسه ليمثلهم في البرلمان العراقي، إلا أنه لم يحصل على الأصوات الكافية للفوز. 

ويرسم عمر جبار، رئيس جمعية قصار القامة في السليمانية، صورة قاتمة عن هذه الفئة من الناس. 

ويشير إلى أن الوضع يتطلب تحرّكاً عملياً مع عدم إحراز أي نتائج بفعل إصدار البيانات والتظاهرات. 

ويقول لجمّار: إن قصار القامة يعيشون ظروفاً صعبة، فبعضهم يعاني من مشاكل صحية، وآخرون يعيشون ظروفاً اجتماعية واقتصادية سيئة. 

وترك العديد منهم مقاعد الدراسة وأخفقوا في الحصول على عمل يعيلهم. 

ويعتزم جبار الذهاب إلى بغداد لإجراء لقاءات مع مسؤولين وسياسيين لعرض مشكلات قصار القامة في كردستان، والمطالبة بتعديل رواتبهم لتكون مساوية لرواتب نظرائهم خارج الإقليم. 

وهو يشعر -وغيره أيضاً- بالإحباط لأن مرشحي الانتخابات يتزاحمون على أبوابهم في مواسم حصد الأصوات ومن ثم يختفون هم ووعودهم بعد أن يضع الاقتراع أوزاره. 

ثمة آلاف 

يُعرف قصر القامة طبياً بالـ “قزامة”، وهي حالة تتميز بقصر الطول وتترافق أحياناً مع متلازمات. 

وهناك نوعان رئيسان من “القزامة”، الأول قصر القامة المتناسب (PSS)، وهو نقص عام في النمو، والذي يشمل الجسم والذراعين والساقين، والسبب الأكثر شيوعاً له هو قصر قامة الأبوين، وفي بعض الأحيان يكون نتيجة عدم إنتاج الجسم لهرمون النمو بالشكل الكافي، كما يمكن أن تسببه بعض المتلازمات الجينية مثل متلازمة تيرنر، ومتلازمة نونان، ومتلازمة برادر ويلي. 

والنوع الثاني هو قصر القامة غير المتناسب (DSS)، حيث تكون الذراعان والساقان قصيرات بشكل خاص، وهذا يحدث بسبب حالة وراثية نادرة تسمى تعظم الغضروف المبكر، والذي يؤدي إلى ضعف نمو العظام. 

وقد يكون سبب نقص هرمون النمو في بعض الأحيان طفرة جينية أو التعرض لإصابة، ولكن على العموم لم يُعرف سبب واضح حتى الآن للإصابة بهذا الاضطراب. 

وغالباً ما تصاحب “القزامة” مضاعفات صحية تتراوح بين مشكلات الساق، والظهر، ومشكلات وظائف الدماغ والرئة. 

ولا توجد إحصائية حكومية دقيقة لعدد قصيرات وقصار القامة في العراق، فيما تتحدث تقديرات غير رسمية عن أنهم أكثر من ثمانية آلاف. 

وتقدّر جمعية قصار القامة في كردستان عددهم بنحو خمسة آلاف. 

ويشدد بيار بافي، باحث اجتماعي، على ضرورة توفير الرعاية لهذه الفئة من قبل المجتمع والجهات الحكومية. 

ويبدي بافي أسفه إزاء التهميش والصعوبات المعيشية والتنمر الذي يحيط بقصيرات وقصار القامة. 

ويقول لجمّار حسب تعبيره “إن هؤلاء الناس يستطيعون العمل وممارسة الحياة بشكل طبيعي، لكنهم ما زالوا يواجهون نظرة سلبية تؤثر على ثقتهم بأنفسهم.” 

ولعل هذه النظرة السلبية التي تحدث عنها بافي، هي من دفعت هالة الطيب، إحدى قصيرات القامة من كردستان، إلى التخلي عن الاعتناء حتى بتسريحة شعرها وهي تعيش تحت ضغط نفسي هائل. 

تحدي المرآة 

حرص كثير من قصيرات وقصار القامة على قمع اليأس ومنعه من التسلل إلى نفوسهم رغم كل ما يواجهونه، واختار بعضهم تنظيم نشاطات تحفيزية لشركائه في المعاناة. 

نسيبة إسماعيل توجّهت إلى العمل في مجال الدفاع عن حقوق قصار القامة، فأنشأت جمعية لدعم النشاطات الاجتماعية والثقافية لهذه الفئة عبر تنظيم فعاليات متنوعة تهدف لرفع الثقة بالنفس، وتنمية قدرات التواصل بينهم ومع الآخرين. 

“أعمل من أجل تشجيعهم على ممارسة حياتهم الطبيعية وخروجهم من المنازل للتواصل مع الآخرين، وتعريفهم بالمجتمع والأماكن العامة والأسواق والمواقع الأثرية والسياحية” تقول نسيبة لجمّار. 

وتضيف، إن العديد من قصيرات وقصار القامة، ولاسيما الفتيات، ما زلن مترددات في الخروج من البيوت والذهاب إلى الأماكن العامة خشية التعرض للتنمر. 

وخلال تواصلها مع الفتيات القصيرات، عرفت إسماعيل أن بعضهن يتجنبن الوقوف أمام المرآة والنظر إلى أنفسهن، فنظمت تحدياً بهذا الشأن. 

شمل التحدي الجنسين، وهو يتضمن الوقوف أمام المرآة والتقاط صورة ذاتية (سيلفي) ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي. 

وشاركت في التحدي مجموعة كبيرة من النساء والرجال على حدّ سواء. 

التغلّب على الخوف من المرآة – تصوير الكاتب 

كما وضعت إسماعيل مرآة كبيرة في مدخل الجمعية، ليرى الأعضاء أشكالهم عند الدخول والخروج من المبنى. 

جنت إسماعيل ثمار ما زرعت، فقد اكتسب كثير من قصيرات وقصار القامة الثقة بالنفس والشجاعة لممارسة الحياة الطبيعية والبدء بالعمل والدراسة والمشاركة في الفعاليات الرياضية والثقافية والفنية وتوطيد العلاقات الاجتماعية. 

كما أنها ساهمت في تعرّف العديد من الأشخاص على بعضهم البعض من خلال الجمعية، وتكللت العديد من هذه العلاقات بالزواج. 

وإن كانت قصيرات وقصار القامة يُتوقّع منهم أن يتزوجوا من بعضهم البعض، فإن بروين خيري صنعت استثناءً واختارت رجلاً طويلاً ليكون شريك حياتها. 

تبلغ بروين 39 عاماً، ويبلغ خطيبها هاشم 45 عاماً، وهما يستعدان لإقامة حفل زفافهما في أربيل حيث يسكنان. 

بروين سعيدة بهاشم – الصورة من بروين نفسها 

وتقول بروين لجمّار إنها لم تفكر في الزواج قبل أن تتعرف على هاشم، لكن هذا الرجل غيّر رأيها عندما جعلها تكتشف حجم التقارب بينهما. 

وبينما تبدي حماسها لحفل الزفاف وارتداء الفستان الأبيض، تؤكد أنهما تقبّلا بعضهما بقناعة واحترام. 

وفي مدينة أخرى، تغلّبت هالة على المصاعب، وحققت نجاحاً ملحوظاً على الصعيد العلمي والمهني بتشجيع من أسرتها. 

أصبحت طالبة مثابرة وأكملت دراستها في كلية القانون بتفوق، وحصلت على وظيفة في دائرة الشؤون القانونية ببلدية دهوك. 

انتقلت بعد ذلك إلى هيئة النزاهة، وشاركت في لجان تحقيقية وتحريات ودعاوى، ثم أكملت دراسة الماجستير وتستعد حالياً لنيل الدكتوراه.