العراق كله يسمع.. عشرات التسجيلات الصوتية السياسية ستُبث قريباً
29 كانون الأول 2024
لا تنفك التسجيلات السياسية المُسرَّبة تظهر إلى العلن في العراق بين مدة وأخرى، وسيظهر مزيدٌ منها في الأيام المقبلة.. لكن كم عددها؟ ومن هم المستهدفون؟
سمع العراقيون -بعد الإطاحة بنظام صدام حسين- للمرة الأولى بالتسريبات السياسية عام 2012. كانت بالصوت والصورة، والمتهمون لم يكونوا مفاجأة.
في الولاية الثانية لنوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، صُنع خصوم ثابتون؛ السنة ذوو الخلفيات “البعثية والإرهابية”، حسبما كان يروج.
نجح المالكي على ما يبدو في صناعة رأي عام في تلك الفترة التي اعتبرت “انقلاباً ضد الديمقراطية”، معارض لأي تجمع يقوده إياد علاوي، رئيس الوزراء الأسبق.
أول تسريب كان من إخراج طارق الهاشمي، وهو سياسي سني يميل لحزب البعث وذو خلفية إسلامية متطرفة، بحسب وصفة المالكي.
بدا التسريب الصوتي والصوري حينها وكأنه تأكيد لاتهامات المالكي ضد الهاشمي ومجموعة علاوي.
أظهر التسجيل لقاءات اعتيادية في منزل الهاشمي مع علاوي وأسامة النجيفي رئيس البرلمان آنذاك، والأخير تنطبق عليه كذلك وصفة المالكي لمعارضيه.
عمر التسجيل كان قبل عامين من لحظة ظهوره التي تزامنت مع استعدادات سياسية قادها علاوي وقوى كردية ثم التحق بها مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، للإطاحة بالمالكي.
أظهر جزء من التسجيل حديثاً بين الهاشمي الذي كان وقتها نائب رئيس الجمهورية، وعلاوي عن قضايا سياسية، وعن اجتماع علاوي مع المرجع الشيعي علي السيستاني ومراجع شيعية أخرى في النجف.
وبسبب رداءة صوت التسجيل، لم يظهر بشكل واضح تهجم الرجلين على المراجع كما روجت بعض وسائل الإعلام المقربة من المالكي.
لم يحقق القضاء حينها في مضمون الشريط المصور أو من قام بتسجيله ثم تسريبه.
اتهم مصدر مقرب من الهاشمي بعد ذلك، الأمريكيين بـ”زرع لاقطات” في منزله الذي كان مقراً للقوات الأمريكية قبل انتقاله إليه.
كما نفى المصدر وقتها، نية علاوي رفع دعوى ضد المالكي بداعي ترويجه لهذا التسجيل.
وقال المصدر إن “القضاء يميل إلى المالكي”.
كذلك قالت مصادر كردية لوسائل الإعلام وقتذاك، إن الحكومة العراقية “تتجسس” على الأحزاب والشخصيات السياسية.
وانتهى الأمر عند هذا الحد.
تسريبات تشرين
أثناء احتجاجات تشرين الأول 2019 التي عرفت لاحقاً بـ”ثورة تشرين” و”حراك تشرين” و”انتفاضة تشرين”، ظهر تسجيل صوتي للنائب السابق عزت الشابندر.
كان محتجون في ساحة التحرير وسط بغداد، نشروا صورة كبيرة لسياسيين عراقيين، بينهم الشابندر، وعبروا عن رفضهم لترشيحهم إلى منصب رئيس الوزراء.
وفي اليوم التالي شن الشابندر، عبر تسجيل صوتي، هجوماً على المتظاهرين المعتصمين في المبنى الأبيض المعروف بـ”المطعم التركي” في ساحة التحرير، مطلقاً ألفاظاً خادشة عليهم.
وصف الشابندر في التسجيل المسرب، المتظاهرين بأنهم “سفلة وقطاع طرق ويتعاطون المخدرات ويمارسون اللواط والزنا”، كما هاجم أيضاً بعض السياسيين ووصفهم بأنهم “يشعرون بالدونية والقذارة والظلم”.
لم يتم التحقيق في محتوى التسجيل أو من سرّبه، على الرغم من أن غالب العمري، النائب السابق عن التيار الصدري، قال إنه رفع دعوى ضد الشابندر بسبب التسجيل الذي تضمن كذلك تهجماً على الصدر وأتباعه.
وعلى خلفية تسجيل مسرب آخر، أصدرت محكمة تحقيق الحلة في تشرين الأول 2019 أمراً بالقبض على رعد الجبوري، رئيس مجلس محافظة بابل سابقاً.
وتضمن التسجيل توجيهاً من الجبوري إلى القوات الأمنية بالتعامل بقوة مع المتظاهرين واعتقالهم حتى ولو من دون مذكرات قضائية.
وادعى الجبوري وقتذاك أن “التسجيل مفبرك”، فيما لم ترد أنباء عن تحقيقات فيه بعد ذلك.
فصيل يتجسس
قبل حراك تشرين بثلاثة أشهر، كاد قائد عسكري رفيع في الأنبار أن يواجه عقوبة الإعدام بسبب تهمة التخابر مع دولة أجنبية.
استخبارات “كتائب حزب الله”، أحد فصائل الحشد الشعبي، قالت في تموز 2019 إنها “تجسست” على ما وصفتهم بعملاء وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي أي) في العراق.
وتوعّدت بالكشف عن قائمة طويلة من “الخونة شمالاً وغرباً”، بحسب بيان للفصيل المسلح في تلك السنة.
ونشرت وسائل إعلام مقربة من “الكتائب” تسجيلاً صوتياً منسوباً للواء الركن محمود الفلاحي قائد عمليات الأنبار آنذاك، قائلة إنه مكالمة بين الأخير وبين عنصر في الـ”سي آي أي”.
ويتضمن التسجيل طلب رجل الاستخبارات الأمريكية المزعوم من الفلاحي، تحديد مواقع “كتائب حزب الله” في قضاء القائم غربي الأنبار، من أجل تسليمها إلى إسرائيل لقصفها.
شكل نجاح الشمري، وزير الدفاع آنذاك، لجنة تحقيق بعد تداول المقطع الصوتي.
وفي شهر آب من تلك السنة، أعلن الشمري في مؤتمر صحفي أن التحقيقات خلصت إلى براءة الفلاحي من التهمة الموجهة إليه، بينما لم تُسأل “الكتائب” عن مدى قانونية قيامها بعمليات تجسس.
واتهمت “الكتائب” السفارة الأمريكية في بغداد بالتدخل لحماية الفلاحي.
شراء صوت
في الانتخابات البرلمانية عام 2018، بُث تسجيل صوتي أظهر وجود خرق في إجراءات مفوضية الانتخابات، وهو ما نفته الأخيرة بعد ذلك.
التسجيل المسرب منسوب إلى وضاح الصديد، الأمين العام لـ”تجمع العزة الوطني”، وهو يتحدث إلى شذى العبوسي النائبة السابقة، بشأن إمكانية شراء مقعد نيابي مقابل مبلغ مالي كبير يدفع إلى شركة أمريكية.
المفوضية فصّلت بعد ذلك في بيان، الإجراءات الفنية الخاصة بمنع التزوير، وطالبت بالتحقيق في التسجيل المسرب، لكن لم يُعلن عن أي تحقيقات، لا بشأن محتوى الشريط ولا من قام بتسجيله وتسريبه.
تسريبات علي فاضل
فاجأ المدوّن العراقي علي فاضل، المقيم في الولايات المتحدة، الرأي العام في سنة 2022 بسلسلة من التسجيلات الصوتية تضم نواباً ووزراء ورؤساء وزراء سابقين.
يتعلق بعض التسجلات بأحمد الجبوري المعروف بـ”أبو مازن”، الذي شغل مناصب وزير ونائب ومحافظ صلاح الدين.
انتشرت للجبوري ثلاثة تسجيلات يخص أحدها تعيين قضاة، وآخر يتطرق إلى أموال ضخمة وشراء سيارات مصفحة لأعضاء في مجلس محافظة صلاح الدين، وتسجيل ثالث يظهر صالح الجبوري وزير الصناعة السابق، وهو يضع يده على القرآن ويقسم بأنه سينفذ توجيهات أحمد الجبوري في إدارة الوزارة.
القضاء بدوره، أعلن عن إجراء تحقيقات في بعض التسجيلات، فيما لم يصدر أي توضيحات لاحقاً بخصوص أحكام تتعلق بتلك القضية.
وكان التسجيل المسرب للمالكي هو الأهم في سلسلة تسريبات علي فاضل.
نشر فاضل عام 2022 سبعة تسجيلات للمالكي على قناته في يوتيوب، حملت إساءة للحشد الشعبي وتهجماً على الصدر.
أثارت التسجيلات غضب الصدر، وطالب المالكي في تموز من ذلك العام بالاعتزال وتسليم نفسه إلى القضاء.
وعقب ذلك، تقدمت الكتلة النيابية الصدرية بدعوى ضد المالكي، من أجل محاكمته وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب.
وأعلن مجلس القضاء، في تموز أيضا، فتح تحقيق مع المالكي على خلفية تلك التسريبات.
ولم يصدر لاحقاً أي تعليق من القضاء، حتى أعلن القاضي جعفر الموسوي، بعد ذلك بثلاثة أشهر، “إطلاق سراح المالكي بكفالة”.
وكان “جمّار” قد نشر في تشرين الثاني 2022 تفاصيل مثول المالكي أمام محكمة الكرخ في بغداد للتحقيق معه في هذه القضية، وكيف أن التحقيق لم يستغرق سوى دقائق قبل الإفراج عنه بكفالة.
حلقة السوداني
انطلقت صافرة ماراثون التسريبات هذا العام، حين كُشفت ما سميت بـ”شبكة التجسس” في مكتب محمد شياع السوداني رئيس الحكومة في آب الماضي.
السوداني وصف الشبكة بعد ذلك بأنها “كذبة القرن”.
يقول مصدر سياسي لـ”جمّار” إن هناك 250 تسريباً صوتياً لسياسيين ومسؤولين عراقيين، سيتم نشرها بشكل تدريجي.
وتكاد تكون كل التسجيلات خاصة بالحلقة المقربة من السوداني.
يعتقد فادي الشمري، المستشار السياسي للسوداني، أن “إسرائيل ربما تكون وراء تلك التسريبات لإحداث فوضى في العراق”.
ويضيف أن “جيوشاً إلكترونية وراء هذه التسجيلات. ستة حسابات تنشر التسجيلات في الوقت ذاته على منصات عدة”.
وبحسب الشمري، أحيلت التسجيلات إلى الأجهزة الأمنية للتحقيق فيها.
خضع حيدر حنون، رئيس هيئة النزاهة بالوكالة سابقاً، لتحقيق في إثر تسجيل مسرب يخصه يتعلق برشاوى.
لم يُحاكم حنون حتى الآن، وأعفي من هيئة النزاهة ليتم تعيينه بصفة مستشار في وزارة العدل.
جرى التحقيق أيضاً مع وعد علاوي الذي عينه السوداني رئيساً لهيئة الضرائب، في قضية تسجيلات صوتية منسوبة إليه، ولم يُحاكم هو الآخر حتى الآن.
سُرّب تسجيل آخر لعبد الكريم الفيصل، كبير مستشاري السوداني، ولم يجر التحقيق معه حتى الآن، بينما نفت الحكومة صحة التسجيل الخاص به.
يزن الجبوري، مستشار السوداني، تم التحقيق معه في قضية تسجيل، ولكن أطلق سراحه بحسب والده النائب السابق مشعان الجبوري.
كذلك نشرت تسجيلات صوتية للنائبة عالية نصيف، بعدما لوحت بالانضمام إلى السوداني عقب انشقاقها عن المالكي، ولا معلومات عن تحقيقات حتى الآن.
هناك المزيد
تقول النائبة سروة عبد الواحد، عضوة لجنة النزاهة النيابية، إن هناك تسريبات فساد جديدة ستظهر قريباً.
وتشير خلال تصريح لجمّار إلى أن التسريبات الحالية “لن تتوقف عند هذا الحد”.
وكان القضاء قد حكم بالسجن أربع سنوات بحق محمد جوحي وعلي المطير، الموظفين في مكتب السوداني والمتهمين بـ”التجسس”.
وأضر هذا الحكم بمصداقية السوداني، فيما ساعد على تقوية الجبهة التي تؤكد صحة التسجيلات المنسوبة لمستشاريه.
ويرى النائب مصطفى الكرعاوي أن على الجميع التزام الحذر في الاتصالات بعد هذه التسريبات.
ويقول الكرعاوي لجمّار إن “بعض الحوارات الهاتفية هدفها المجاملة أو المزاح، وقد تستغل بطريقة سيئة لضرب بعض الشخصيات”.
ويشدد على ضرورة تدخل القضاء بقوة وتقديم اعتذار لمن تثبت براءته.
ويرجح النائب عامر عبد الجبار أن يكون السبب في ظهور التسجيل ثم اختفائه، استخدامه في المستقبل لدواع سياسية ومن أجل الابتزاز.
ويتساءل عبد الجبار في حديث لجمّار عمن يسرب هذه التسجيلات، فيما يشدد على ضرورة إيقاع عقوبات شديدة بحق من تثبت صحة صوته وهو يتحدث ويمارس الفساد.
لكن التجارب في العراق بعد 2003 أثبتت أن صاحب النفوذ لا يخضع للمحاسبة في العادة.
فالمالكي مثلاً، لم تطله أي عقوبات، على الرغم من اعترافه الضمني بصحة التسجيلات المنسوبة إليه، عندما سئل قبل في 13 تشرين الثاني 2024 عن التسريبات في زمن حكومة السوداني فأجاب مبتسماً: “دلالة هذه التسريبات أن المالكي شوّر بيهم.. لأن من صار التسريب فرحوا ورقصوا.. تالي اجت تسريبات عليهم كلهم”.
ومنكم/ن نستفيد ونتعلم
هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media
اقرأ ايضاً
مقابر "المخطئات" بذريعة الشرف: إفلات الجناة من العقاب بسطوة العشيرة والتقاليد في العراق
23 يناير 2025
زيارة السوداني إلى إيران: الحقائب تخلو من "الأهم"!
21 يناير 2025
"قبرها مفتوح أربعين يوماً": تجارب نساء بـ"النفاس" بين الطب والخرافة
19 يناير 2025
العراق وإيران.. دروب العلاقة القديمة والجديدة بين البلدين
16 يناير 2025
سمع العراقيون -بعد الإطاحة بنظام صدام حسين- للمرة الأولى بالتسريبات السياسية عام 2012. كانت بالصوت والصورة، والمتهمون لم يكونوا مفاجأة.
في الولاية الثانية لنوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، صُنع خصوم ثابتون؛ السنة ذوو الخلفيات “البعثية والإرهابية”، حسبما كان يروج.
نجح المالكي على ما يبدو في صناعة رأي عام في تلك الفترة التي اعتبرت “انقلاباً ضد الديمقراطية”، معارض لأي تجمع يقوده إياد علاوي، رئيس الوزراء الأسبق.
أول تسريب كان من إخراج طارق الهاشمي، وهو سياسي سني يميل لحزب البعث وذو خلفية إسلامية متطرفة، بحسب وصفة المالكي.
بدا التسريب الصوتي والصوري حينها وكأنه تأكيد لاتهامات المالكي ضد الهاشمي ومجموعة علاوي.
أظهر التسجيل لقاءات اعتيادية في منزل الهاشمي مع علاوي وأسامة النجيفي رئيس البرلمان آنذاك، والأخير تنطبق عليه كذلك وصفة المالكي لمعارضيه.
عمر التسجيل كان قبل عامين من لحظة ظهوره التي تزامنت مع استعدادات سياسية قادها علاوي وقوى كردية ثم التحق بها مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، للإطاحة بالمالكي.
أظهر جزء من التسجيل حديثاً بين الهاشمي الذي كان وقتها نائب رئيس الجمهورية، وعلاوي عن قضايا سياسية، وعن اجتماع علاوي مع المرجع الشيعي علي السيستاني ومراجع شيعية أخرى في النجف.
وبسبب رداءة صوت التسجيل، لم يظهر بشكل واضح تهجم الرجلين على المراجع كما روجت بعض وسائل الإعلام المقربة من المالكي.
لم يحقق القضاء حينها في مضمون الشريط المصور أو من قام بتسجيله ثم تسريبه.
اتهم مصدر مقرب من الهاشمي بعد ذلك، الأمريكيين بـ”زرع لاقطات” في منزله الذي كان مقراً للقوات الأمريكية قبل انتقاله إليه.
كما نفى المصدر وقتها، نية علاوي رفع دعوى ضد المالكي بداعي ترويجه لهذا التسجيل.
وقال المصدر إن “القضاء يميل إلى المالكي”.
كذلك قالت مصادر كردية لوسائل الإعلام وقتذاك، إن الحكومة العراقية “تتجسس” على الأحزاب والشخصيات السياسية.
وانتهى الأمر عند هذا الحد.
تسريبات تشرين
أثناء احتجاجات تشرين الأول 2019 التي عرفت لاحقاً بـ”ثورة تشرين” و”حراك تشرين” و”انتفاضة تشرين”، ظهر تسجيل صوتي للنائب السابق عزت الشابندر.
كان محتجون في ساحة التحرير وسط بغداد، نشروا صورة كبيرة لسياسيين عراقيين، بينهم الشابندر، وعبروا عن رفضهم لترشيحهم إلى منصب رئيس الوزراء.
وفي اليوم التالي شن الشابندر، عبر تسجيل صوتي، هجوماً على المتظاهرين المعتصمين في المبنى الأبيض المعروف بـ”المطعم التركي” في ساحة التحرير، مطلقاً ألفاظاً خادشة عليهم.
وصف الشابندر في التسجيل المسرب، المتظاهرين بأنهم “سفلة وقطاع طرق ويتعاطون المخدرات ويمارسون اللواط والزنا”، كما هاجم أيضاً بعض السياسيين ووصفهم بأنهم “يشعرون بالدونية والقذارة والظلم”.
لم يتم التحقيق في محتوى التسجيل أو من سرّبه، على الرغم من أن غالب العمري، النائب السابق عن التيار الصدري، قال إنه رفع دعوى ضد الشابندر بسبب التسجيل الذي تضمن كذلك تهجماً على الصدر وأتباعه.
وعلى خلفية تسجيل مسرب آخر، أصدرت محكمة تحقيق الحلة في تشرين الأول 2019 أمراً بالقبض على رعد الجبوري، رئيس مجلس محافظة بابل سابقاً.
وتضمن التسجيل توجيهاً من الجبوري إلى القوات الأمنية بالتعامل بقوة مع المتظاهرين واعتقالهم حتى ولو من دون مذكرات قضائية.
وادعى الجبوري وقتذاك أن “التسجيل مفبرك”، فيما لم ترد أنباء عن تحقيقات فيه بعد ذلك.
فصيل يتجسس
قبل حراك تشرين بثلاثة أشهر، كاد قائد عسكري رفيع في الأنبار أن يواجه عقوبة الإعدام بسبب تهمة التخابر مع دولة أجنبية.
استخبارات “كتائب حزب الله”، أحد فصائل الحشد الشعبي، قالت في تموز 2019 إنها “تجسست” على ما وصفتهم بعملاء وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي أي) في العراق.
وتوعّدت بالكشف عن قائمة طويلة من “الخونة شمالاً وغرباً”، بحسب بيان للفصيل المسلح في تلك السنة.
ونشرت وسائل إعلام مقربة من “الكتائب” تسجيلاً صوتياً منسوباً للواء الركن محمود الفلاحي قائد عمليات الأنبار آنذاك، قائلة إنه مكالمة بين الأخير وبين عنصر في الـ”سي آي أي”.
ويتضمن التسجيل طلب رجل الاستخبارات الأمريكية المزعوم من الفلاحي، تحديد مواقع “كتائب حزب الله” في قضاء القائم غربي الأنبار، من أجل تسليمها إلى إسرائيل لقصفها.
شكل نجاح الشمري، وزير الدفاع آنذاك، لجنة تحقيق بعد تداول المقطع الصوتي.
وفي شهر آب من تلك السنة، أعلن الشمري في مؤتمر صحفي أن التحقيقات خلصت إلى براءة الفلاحي من التهمة الموجهة إليه، بينما لم تُسأل “الكتائب” عن مدى قانونية قيامها بعمليات تجسس.
واتهمت “الكتائب” السفارة الأمريكية في بغداد بالتدخل لحماية الفلاحي.
شراء صوت
في الانتخابات البرلمانية عام 2018، بُث تسجيل صوتي أظهر وجود خرق في إجراءات مفوضية الانتخابات، وهو ما نفته الأخيرة بعد ذلك.
التسجيل المسرب منسوب إلى وضاح الصديد، الأمين العام لـ”تجمع العزة الوطني”، وهو يتحدث إلى شذى العبوسي النائبة السابقة، بشأن إمكانية شراء مقعد نيابي مقابل مبلغ مالي كبير يدفع إلى شركة أمريكية.
المفوضية فصّلت بعد ذلك في بيان، الإجراءات الفنية الخاصة بمنع التزوير، وطالبت بالتحقيق في التسجيل المسرب، لكن لم يُعلن عن أي تحقيقات، لا بشأن محتوى الشريط ولا من قام بتسجيله وتسريبه.
تسريبات علي فاضل
فاجأ المدوّن العراقي علي فاضل، المقيم في الولايات المتحدة، الرأي العام في سنة 2022 بسلسلة من التسجيلات الصوتية تضم نواباً ووزراء ورؤساء وزراء سابقين.
يتعلق بعض التسجلات بأحمد الجبوري المعروف بـ”أبو مازن”، الذي شغل مناصب وزير ونائب ومحافظ صلاح الدين.
انتشرت للجبوري ثلاثة تسجيلات يخص أحدها تعيين قضاة، وآخر يتطرق إلى أموال ضخمة وشراء سيارات مصفحة لأعضاء في مجلس محافظة صلاح الدين، وتسجيل ثالث يظهر صالح الجبوري وزير الصناعة السابق، وهو يضع يده على القرآن ويقسم بأنه سينفذ توجيهات أحمد الجبوري في إدارة الوزارة.
القضاء بدوره، أعلن عن إجراء تحقيقات في بعض التسجيلات، فيما لم يصدر أي توضيحات لاحقاً بخصوص أحكام تتعلق بتلك القضية.
وكان التسجيل المسرب للمالكي هو الأهم في سلسلة تسريبات علي فاضل.
نشر فاضل عام 2022 سبعة تسجيلات للمالكي على قناته في يوتيوب، حملت إساءة للحشد الشعبي وتهجماً على الصدر.
أثارت التسجيلات غضب الصدر، وطالب المالكي في تموز من ذلك العام بالاعتزال وتسليم نفسه إلى القضاء.
وعقب ذلك، تقدمت الكتلة النيابية الصدرية بدعوى ضد المالكي، من أجل محاكمته وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب.
وأعلن مجلس القضاء، في تموز أيضا، فتح تحقيق مع المالكي على خلفية تلك التسريبات.
ولم يصدر لاحقاً أي تعليق من القضاء، حتى أعلن القاضي جعفر الموسوي، بعد ذلك بثلاثة أشهر، “إطلاق سراح المالكي بكفالة”.
وكان “جمّار” قد نشر في تشرين الثاني 2022 تفاصيل مثول المالكي أمام محكمة الكرخ في بغداد للتحقيق معه في هذه القضية، وكيف أن التحقيق لم يستغرق سوى دقائق قبل الإفراج عنه بكفالة.
حلقة السوداني
انطلقت صافرة ماراثون التسريبات هذا العام، حين كُشفت ما سميت بـ”شبكة التجسس” في مكتب محمد شياع السوداني رئيس الحكومة في آب الماضي.
السوداني وصف الشبكة بعد ذلك بأنها “كذبة القرن”.
يقول مصدر سياسي لـ”جمّار” إن هناك 250 تسريباً صوتياً لسياسيين ومسؤولين عراقيين، سيتم نشرها بشكل تدريجي.
وتكاد تكون كل التسجيلات خاصة بالحلقة المقربة من السوداني.
يعتقد فادي الشمري، المستشار السياسي للسوداني، أن “إسرائيل ربما تكون وراء تلك التسريبات لإحداث فوضى في العراق”.
ويضيف أن “جيوشاً إلكترونية وراء هذه التسجيلات. ستة حسابات تنشر التسجيلات في الوقت ذاته على منصات عدة”.
وبحسب الشمري، أحيلت التسجيلات إلى الأجهزة الأمنية للتحقيق فيها.
خضع حيدر حنون، رئيس هيئة النزاهة بالوكالة سابقاً، لتحقيق في إثر تسجيل مسرب يخصه يتعلق برشاوى.
لم يُحاكم حنون حتى الآن، وأعفي من هيئة النزاهة ليتم تعيينه بصفة مستشار في وزارة العدل.
جرى التحقيق أيضاً مع وعد علاوي الذي عينه السوداني رئيساً لهيئة الضرائب، في قضية تسجيلات صوتية منسوبة إليه، ولم يُحاكم هو الآخر حتى الآن.
سُرّب تسجيل آخر لعبد الكريم الفيصل، كبير مستشاري السوداني، ولم يجر التحقيق معه حتى الآن، بينما نفت الحكومة صحة التسجيل الخاص به.
يزن الجبوري، مستشار السوداني، تم التحقيق معه في قضية تسجيل، ولكن أطلق سراحه بحسب والده النائب السابق مشعان الجبوري.
كذلك نشرت تسجيلات صوتية للنائبة عالية نصيف، بعدما لوحت بالانضمام إلى السوداني عقب انشقاقها عن المالكي، ولا معلومات عن تحقيقات حتى الآن.
هناك المزيد
تقول النائبة سروة عبد الواحد، عضوة لجنة النزاهة النيابية، إن هناك تسريبات فساد جديدة ستظهر قريباً.
وتشير خلال تصريح لجمّار إلى أن التسريبات الحالية “لن تتوقف عند هذا الحد”.
وكان القضاء قد حكم بالسجن أربع سنوات بحق محمد جوحي وعلي المطير، الموظفين في مكتب السوداني والمتهمين بـ”التجسس”.
وأضر هذا الحكم بمصداقية السوداني، فيما ساعد على تقوية الجبهة التي تؤكد صحة التسجيلات المنسوبة لمستشاريه.
ويرى النائب مصطفى الكرعاوي أن على الجميع التزام الحذر في الاتصالات بعد هذه التسريبات.
ويقول الكرعاوي لجمّار إن “بعض الحوارات الهاتفية هدفها المجاملة أو المزاح، وقد تستغل بطريقة سيئة لضرب بعض الشخصيات”.
ويشدد على ضرورة تدخل القضاء بقوة وتقديم اعتذار لمن تثبت براءته.
ويرجح النائب عامر عبد الجبار أن يكون السبب في ظهور التسجيل ثم اختفائه، استخدامه في المستقبل لدواع سياسية ومن أجل الابتزاز.
ويتساءل عبد الجبار في حديث لجمّار عمن يسرب هذه التسجيلات، فيما يشدد على ضرورة إيقاع عقوبات شديدة بحق من تثبت صحة صوته وهو يتحدث ويمارس الفساد.
لكن التجارب في العراق بعد 2003 أثبتت أن صاحب النفوذ لا يخضع للمحاسبة في العادة.
فالمالكي مثلاً، لم تطله أي عقوبات، على الرغم من اعترافه الضمني بصحة التسجيلات المنسوبة إليه، عندما سئل قبل في 13 تشرين الثاني 2024 عن التسريبات في زمن حكومة السوداني فأجاب مبتسماً: “دلالة هذه التسريبات أن المالكي شوّر بيهم.. لأن من صار التسريب فرحوا ورقصوا.. تالي اجت تسريبات عليهم كلهم”.