دكتاتورية وذكورية: التمثيل النسائي في البرلمان العراقي
08 تشرين الأول 2024
تاريخ وحاضر النساء في البرلمان العراقي: كيف دخلن لاستخدام مواقعهن لدفع قضايا النساء والمساهمة في تطوير السياسات الاجتماعية؟، وكيف وجدت الكثير منهن أنفسهن خاضعات لسيطرة الأحزاب والتوجهات الذكورية التي تهمش دورهن وتقلل من تأثيرهن؟ عن الدكتاتورية والذكورية أمام التمثيل النسائي في البرلمان العراقي..
خمسة آلاف حالة تعنيف ضد كبار السن والأطفال والنساء، سجلتها محاكم التحقيق في الرصافة وحدها هذا الصيف.
كصحافة، تدفعنا مثل هذه الإحصائيات بالعادة إلى إعادة نبش مقترح قانون العنف الأسري، الذي ما فتئ البرلمان ومنذ ثماني سنوات يماطل في التصويت عليه، في وقت جرى التصويت في هذه الدورة البرلمانية -دون مماطلة- على مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية ليتيح تزويج الأطفال!
بعد محاولات عدة للتواصل مع نواب في لجنة المرأة والطفل البرلمانية لفهم ما إذا كانت ثمة مساعٍ للضغط نحو تشريع القانون، تمكنتُ من تحصيل إحداهن.
“هل وضعت اللجنة مسودة قانون العنف الأسري ضمن أولوياتها التشريعية خلال الدورة الحالية؟ ما هي الخطوات القادمة بهذا الامر إن وجدت؟”، سألتها، فجاء الرد عشوائياً؛ تحدثت النائبة عن ذكرياتها الشخصيّة وعن طفولتها في بغداد ودراستها في أحد الأقسام الطبية خارج البلاد.
لا شيء له علاقة بشيء.
بل أكثر.
تبين من خلال حديثها، أن النائبة لا تدرك وجود مسودتين لقانون العنف الأسري، رغم نضال النساء لتمرير هذا القانون منذ ما يقارب ثماني سنوات. قالت “لا..لا توجد مسودة لقانون العنف الأسري ونحن بصدد الكتابة الآن”. أوضحت لها أن للقانون مسودتين، واحدة قدمتها الحكومة والأخرى قدمتها رئاسة الجمهورية، وكلتاهما تحتاجان لإجراء تعديلات عليهما وفق منظمات المجتمع المدني المعنية.
وفق شبكة النساء العراقيات، التي قدمت ورقة ملاحظات حول مسودتي القانون شاركتها مع جمار فإن الملاحظات على المسودتين تتعلق بالاسم وتعريف المصطلحات المستخدمة في القانون، بالإضافة إلى مراجعات حول أهدافه وبعض الملاحظات الأخرى.
أصرّت النائبة على رأيها بعدم وجود مسودة، بل وأكدت مرة أخرى أنهم في البرلمان يحاولون كتابة مسودة للقانون لعدم وجودها. وبعد شرحي لها مجدداً عن وجود مسودتين أخبرتني، “لا أعرف قد يحتاج أن أطّلع على الأمر”.
أحرص على تضمين آراء النساء في عملي الصحفي، وأسعى بعدم حصر أدوارهن بالشؤون المتعلقة بهن، ولذلك تواصلت مع نائبة في لجنة النفط والغاز، متوقعة أن تعكس وجهة نظر سياسية اقتصادية نسوية. ولكن، وبكل بساطة، فضلت أن يُجيب زميلها على استفساراتي بدلاً منها. قالت لي: “سأرسل لكِ رقم أحد الزملاء في اللجنة، فهو يملك من المعلومات ما يفيدكِ أكثر مني”. شعرت بالإحباط، فهذه ليست المرة الأولى التي أواجه فيها مثل هذا الموقف، حيث تتكرر هذه الردود معي كثيراً.
تثير هذه المواقف تساؤلات كثيرة حول مدى فاعلية وإمكانيات النساء في البرلمان العراقي، وتشكك في أهداف الأحزاب السياسية بإشراك النساء في “مجال السلطة”، ومدى التزامهم بمبدأ المساواة وما هي طبيعة البرامج والإجراءات التي تتخذها الأحزاب السياسية لتمكين النساء سياسياً. كيف تفاعلت الأحزاب السياسية مع قضايا المساواة عند تشريع القوانين وإقرار السياسات العامة التي تؤثر على حيوات النساء؟ وما هي طبيعة العلاقة بين الناشطات في مجال حقوق المرأة وبين الأحزاب السياسية الحاكمة؟ وما طبيعة التحديات وأشكال العنف التي تواجه النساء في المجال السياسي؟
“الكوتا” هي الحل؟
جاءت النقطة الحاسمة في مشاركة النساء في العملية السياسية بعد غزو العراق عام 2003، عندما تغيّر النظام السياسي بشكل جذري. تقول ميسون الدملوجي، وهي نائب سابق، إن “النساء قبل ذلك لم يكن لهن دور حقيقي في السياسة. حيث لم يمتلكن الحق حتى في التصويت إبان العهد الملكي. وسمح لهن بالتصويت لأول مرة خلال انتخابات المجلس الوطني عام 1980”.
“ومنذ الثمانينات وحتى 2003 شاركت فقط ثلاث نساء في العملية السياسية، من بينهن هدى عماش التي كانت قيادية في حزب البعث”، تروي الدملوجي لجمار.
بعد 2003، بدأت الأبواب تُفتح أمام النساء تدريجياً.
شاركت النساء في مجلس الحكم الانتقالي المؤقت الذي شُكّل بقرار من سلطة الائتلاف المؤقتة بقيادة بول بريمير، وكان يتضمن ثلاث نساء من أصل 25 عضواً. بعدها بعامين، أُقر الدستور العراقي، مخصصاً 25 بالمئة من مقاعد البرلمان للنساء (نظام المحاصة “الكوتا” النسائية)؛ وهذا يعني أن 83 مقعداً من أصل 329 مقعداً في البيت التشريعي مخصصة للنساء.
لم يكن هذا القرار سهلاً أو سلساً، ولم تتحقق نسبة التمثيل بسهولة، حيث لم تشارك معظم الكتل والأحزاب السياسية المحافظة والتقليدية في صياغة هذا القانون، بل فُرض عليها نتيجة ضغط قوي من الحركة النسوية التي كانت في أوج نشاطها في ذلك الوقت. اشترطت هذه ألا تقل نسبة الكوتا عن 25 بالمئة، ليصبح للنساء تواجد حقيقي في العملية السياسية في العراق.
“الأمم المتحدة جاءت بفكرة نظام الكوتا، لكنها كانت بعيدة المنال؛ كانت النسبة 40 بالمئة. ومع ذلك، تمكنّا من إقناع عدنان الباججي، الذي كان مكلفاً بكتابة قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية وكان ممثل العراق في الأمم المتحدة، بنظام الكوتا، وعندما تحدث عن الكوتا في مجلس الحكم “ضحكوا عليه”. ولكن بعد أن رأت الأحزاب الإسلامية جدية الطلب، مع الضغط المستمر، تمكنا من إدراج الكوتا وبنسبة 25 بالمئة”، تقول الدملوجي مشيرة إلى الدور البارز للناشطة هناء إدور، وغيرها من 20 إلى 30 سيدة من مختلف التوجهات، في تحقيق هذا الهدف.
المحامية أمل الساجر، وهي ناشطة سياسية، كانت إحدى هؤلاء النساء اللواتي شاركن في الحركة النسوية بعد عام 2003، أشارت إلى نشأة هذه الحركات في تلك الفترة.
“بعد التغيير ومنذ الأيام الأولى، بدأت النساء بالمشاركة في فعاليات اجتماعية ضمن تجمعات لم تكن تحت مظلة الأحزاب الفاعلة أو منظمات المجتمع المدني، انخرطن في أنشطة متنوعة مثل تقديم الإسعافات للمرضى وتنظيف الشوارع من مخلفات الحرب وغيرها. وبعد ذلك، تم تشكيل منظمات بإشراف دولي، كان للنساء دور فاعل فيها”، قالت الساجر لجمار.
عادت المشاركة بهذه الأنشطة باستفادة كبيرة لهؤلاء النسوة، وفقاً للساجر، والتي أشارت أيضاً إلى دور الشخصيات التي جاءت من منظمات كردستان التي كانت موجودة منذ عام 1990، حيث شكلت شبكة نساء العراق وعاد اتحاد الشبيبة للعمل بعد أن كان محظوراً، إضافة إلى مساهمة الحزب الشيوعي في عودة المغتربين الذين يمتلكون خبرة في العمل السياسي.
في الوقت ذاته، نشطت الأحزاب الإسلامية وعملت على تشكيل منظمات أيضاً، مثل حزب الدعوة الإسلامي الذي أعلن عن نفسه كتنظيم سياسي إسلامي، وانبثقت عنه تيارات وأحزاب عديدة. تلقى حزب الدعوة دعماً كبيراً بالإضافة إلى إمساكه بالسلطة، وحاول، أسوة بأحزاب أخرى، تشكيل أحزاب تدعي الديمقراطية لتواكب الحراك الشعبي. بيد أن النساء واجهن رفضاً كبيراً من هذه الأحزاب، بحسب الساجر، حيث لم تتقبل فكرة انخراط النساء في العمل السياسي.
وسرعان ما وقعت أول ضحية للحراك النسوي حين قتلت عضوة مجلس الحكم العراقي عقيلة الهاشمي عام 2003، ثم اغتيلت بعدها النائبة ووزيرة البلديات أمل المعلمجي عام 2004.
في تلك الفترة كان حزب الدعوة ينشر لافتات في بغداد “لو حجاب لو تيزاب”، ولافتات تحث النساء على لبس السواد وعدم الضحك بصوت عالٍ في أماكن العمل والدراسة.
ومع تصاعد هذا الخطاب وهيمنة أحزاب الإسلام السياسي التي امتلكت تأثيراً كبيراً على الساحة العراقية، ازدادت معاناة النساء، حد اغتيال العديد منهن بذرائع مختلفة من التعاون مع المحتل، إلى عدم ارتداء الحجاب الشرعي، وغيرها.
وعلى الرغم من أن الحركة النسوية بدأت تزداد قوة وتأثيراً بهدف تحقيق الكوتا في المجالس التشريعية، والتي حققتها في النهاية، إلا أن هذه كانت بداية المشكلة، تؤكد الساجر.
“بعد كل هذا الجهد، فازت نساء لا يمثلن الحركة النسوية نتيجة التزوير في العملية الانتخابية، وهو أمر معروف لدى الجميع، إذ كن يمثلن الأحزاب المسيطرة على السلطة. جرى توزيع المناصب عليهن، سواء بدرجة وزير أو في المجلس الأعلى للنساء، وغيرها من المناصب المهمة. حتى في اللجان البرلمانية، وتم استبعاد النساء الفاعلات والمؤثرات في الساحة، ولا يمكن إنكار أن بعض النساء، وخاصة السياسيات الكرديات، لعبن دوراً في العمل السياسي رغم هذه الضغوط”.
حملاتهنّ الانتخابية.. أين المرأة؟
لكسب الأصوات، اعتمدت المرشحة حنان الفتلاوي في انتخابات 2014 على بطانيات مكتوب عليها “هدية من الدكتورة حنان الفتلاوي إلى الشعب العراقي”، قدر سعر الواحدة منها بعشرة آلاف دينار وفقاً لمصادر محلية. نفت الفتلاوي عبر موقعها الخبر قائلة “إنها ليست بالغباء لتكتب اسمها على بطانيات وتقدم دليل إدانة ضد نفسها للكثيرين من المتربصين بها”. تواصل جُمار مع أكثر من مصدر في الحلة، مركز بابل، والذين أكدوا أن الفتلاوي قامت بتوزيع البطانيات والعباية العراقية قبيل الانتخابات. وذكروا أن ذلك انعكس على النساء السياسيات “سلباً”.
الفتلاوي ليست وحدها في ذلك، فمراجعة سريعة للحملات الانتخابية للمرشحات في الانتخابات النيابية كافية لملاحظة أن أدوارهن لا تتعدى الدور الرعائي، كتوزيع المساعدات الإنسانية ومحاولة التواصل مع النساء، إلى جانب تقديم أنشطة توعوية دعائية لصالح الحزب؛ قلة من السياسيات فقط خرجن عن تلك الصورة النمطية.
تقول رؤى خلف، الناشطة السياسية وعضوة الحزب الشيوعي العراقي، إن “الأحزاب السياسية التقليدية لم توفر سبل التمكين والتدريب الكافي للبرلمانيات المبتدئات والمرشحات، ولم تمنحهنَّ المساحة اللازمة لاتخاذ القرارات بشكل مستقل، حيث نجد اليوم برلمانيات يفتقرن إلى الخبرة والتجربة اللازمة، وليست لديهنَّ معرفة كافية بقضايا حقوق النساء”.
تعزو خلف أسباب تبني هذه الأحزاب للنساء والشباب، خاصة في السنوات الأخيرة، إلى الحراك الشعبي الذي طالب بتمثيل نسائي وشبابي. بيد أن غياب رؤية حقيقية لهذه الأحزاب لمعنى العمل النسوي، جعل من فاعلية وتأثير النساء داخل هذه المؤسسات شبه معدوم، تضيف.
نالت النساء في الدورة البرلمانية الأولى عام 2005، ما بين 70 إلى 75 مقعداً من مجموع 275 مقعداً في البرلمان حسب نظام الكوتا، مما جعل نسبة تمثيلهن تصل إلى 27 بالمئة. وفي الدورة البرلمانية الثانية عام 2010، ارتفع عدد مقاعدهن إلى 83 من مجموع 325 مقعداً، بنسبة تمثيل بلغت 25 بالمئة. أما في انتخابات عام 2014، فقد وصلت 83 امرأة إلى البرلمان، لكن 22 منهن حققن هذا النجاح بفضل الأصوات التي حصلن عليها دون الاعتماد على نظام الكوتا. في الدورة البرلمانية التالية عام 2018، حصلت النساء على 84 مقعداً من مجموع 329 مقعداً برلمانياً، وتمكنت بعضهن من الفوز بالمقاعد خارج إطار نظام الكوتا.
مع مرور الوقت، ارتفع عدد النساء في البرلمان العراقي بشكل ملحوظ، حيث وصلت أعدادهن إلى 97 نائبة في الدورة الحالية، وهو رقم يمكن أن يشكل كتلة كبيرة داخل مجلس النواب. هذا التزايد المستمر في عدد النائبات يعكس تقدماً في تمثيل المرأة في المشهد السياسي العراقي، مما يمنحهن فرصة أكبر للتأثير والمشاركة في صنع القرار، إلا إن التساؤل يبقى حول ما إذا كان التمثيل هو بالكم فحسب، على حساب وجود فاعلية حقيقية للبرلمانيات.
“ربما كان هناك بعض المساهمات الإيجابية في البداية، حيث شاركت النساء في كتابة الدستور وبعض التشريعات السياسية المهمة، مما جعلنا نلتمس دورهن المهم في الجانب التشريعي.. لكن بعد فترة 2005-2006، بدأ تراجع دور النساء في البرلمان بشكل ملحوظ. أصبح وجودهن شكلياً إلى حد كبير، حيث كان تأثير الكتل السياسية والأحزاب التي ينتمين إليها أقوى بكثير من القضايا التي يؤمنَّ بها، لدرجة أن أغلبهن ترسخ بعقولهن الفكر الذكوري الأبوي، وأصبح ضغط الأحزاب السياسية قوياً لدرجة أن النساء لم يستطعن الدفاع عن قضاياهن بشكل فعال”، تشرح خلف.
برلمانيات لا يمثلن النساء
بعد 2018 أصبح واضحاً أن وجود النساء في البرلمان لم يعد له تأثير حقيقيّ، حيث لم تدعم السياسات والتشريعات التي تتبنى قضايا النساء بشكل ملموس، وأصبح دورهن محدوداً متأثراً بضغوط الكتل والأحزاب السياسية التي لا تضع قضايا المرأة ضمن أولوياتها.
تستذكر خلف، حملة انتخابية قامت بها إحدى النائبات عام 2018، والتي ارتكزت على تشريعات تقوض حقوق المرأة، مشيرة إلى أن إحدى النائبات قامت حملتها الانتخابية على أساس تعديل قانون الأحوال الشخصية لإلغاء موافقة الزوجة على الزواج الثاني. بالإضافة إلى ذلك، وقفت نساء أخريات مع تعديل المادة 57 التي تتعلق بحق الحضانة للأم، “ودعايات أخرى لا يمكن وصفها غير أنها خجولة ولا ترتقي لمستوى نساء سياسيات”، تقول.
كانت هذه إشارة إلى النائبة جميلة العبيدي، التي قالت في مؤتمر صحافي بمجلس النواب في 2017 “نشجع الرجال على الزواج بأكثر من واحدة وننبذ ثقافة المرأة الواحدة على حساب أخواتنا”، معتبرة أن اقتراحها يفيد المطلقات والأرامل اللواتي فقدن أزواجهن في أعمال العنف. وطالبت النائب بسن قانون “يحمي حرائر العراق لعلاج هذه الظاهرة”، عبر تقديم حوافز مالية تشجع الرجال وتساعدهم على الزواج “من كل أرملة ومطلقة”، معتبرة أن “العسر المالي هو أحد الأسباب التي تعترض الزواج بأكثر من واحدة”. وتلقت العبيدي دعماً كبيراً من نواب ونائبات في البرلمان العراقي، فيما واجه مقترحها آنذاك موجة من الغضب والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي واعتبر “مهيناً للنساء”.
تروي ريزان الشيخ دلير عن تجربتها في البرلمان خلال الدورة السابقة، أنها تفاجأت بوجود نائبات يسعين ضد مصلحة النساء، حتى في التشريعات الحيوية التي تؤثر على حقوق المرأة. استذكرت دلير حادثة خلال الدورة الثالثة عندما قدمت نائبة من الموصل مقترحاً لتعديل قانون الأحوال الشخصية يتضمن منح أموال للرجل الذي يتزوج للمرة الثانية أو الثالثة. وقد شاركت في دعم هذا المقترح عدة نائبات من مختلف الكتل السياسية، النائبات أنفسهن، وقفن كمعارضة لمشروع قانون العنف الأسري، مما أدى إلى عدم تمريره حتى الآن.
في الدورة الرابعة، كان لجماعة التيار الصدري تأثير كبير داخل لجنة المرأة، حيث تمكنوا من جمع تواقيع حوالي 60 نائبة على مقترح تعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية المتعلقة بحضانة الأطفال. هذا التعديل كان يضر بحقوق النساء بشكل مباشر. ومع ذلك، تمكنت دلير برفقة قلة من البرلمانيات من عرقلة تمرير هذا التعديل قبل أن يصل إلى القراءة الأولى.
بيد أن تمرير تعديل قانون الأحوال الشخصية لم يعرقل في الدورة البرلمانية الحالية؛ فقط 17 نائبة من أصل 97 وقفن ضد تعديل القانون، ما ساهم في تمريره بالقراءة الأولى، على عكس ما جرى في الدورة الرابعة. هذا التراجع في التصدي النسائي داخل البرلمان للقانون الذي سيلغي الكثير من الحقوق التي حفظها القانون للمرأة العراقية، أبرز أنه على الرغم من عدد البرلمانيات الكبير “لم يتمكنّ من تشكيل كتلة تسعى إلى حماية النساء وتعمل على تشريعات تضمن حقوقهن”، تقول خلف. ما اعتبرته المحامية ريزان شيخ دلير، النائبة السابقة في البرلمان العراقي، تدهوراً كبيراً في فاعلية التمثيل النسوي في الدورة البرلمانية الحالية، واعتبرت أن التمثيل النسائي في هذه الدورة هو “الأسوأ”.
تتفق المتحدثات على أن تراجع هذا التمثيل يتجلى بشكل خاص في رئاسة لجنة المرأة والطفولة والأسرة البرلمانية، التي تعكس “صوت الأحزاب التقليدية والعقلية الذكورية”، وفقاً لدلير.
كانت رئيسة لجنة المرأة والأسرة والطفل دنيا الشمري من بين من ساندن تعديلات القانون. بذلك تعتبر خلف بأن الشمري “لا تمثلنا كنساء إنما تعكس أيديولوجية حزبها ومصالحه”. ورأت العبايجي أنه “بدل أن تكون هذه اللجنة صوتاً مدافعاً عن حقوق المرأة، نجد أن رئيسة اللجنة نفسها تقف ضد قضايا المرأة وحقوقها. هذا الوضع يعكس تحدياً كبيراً أمام أي جهود حقيقية لدعم حقوق المرأة في البرلمان ويؤكد الحاجة الملحة لوجود كتلة برلمانية نسائية قوية ومستقلة تتبنى قضايا المرأة بجدية”.
توجهنا للقاء الشمري لإعداد هذا التقرير.
فيما قبلت طلبنا للقاء إلا أننا فوجئنا بأنها أسهبت في الحديث عن دورها خلال الدورة البرلمانية الحالية، عوضاً عن التركيز على أسئلتنا حول دورها كرئيسة اللجنة بالتصدي لقوانين ضد المرأة. هكذا استفاضت بالحديث عن دورها في متابعة القضايا المتعلقة بالمرأة، خارج البرلمان، من مجموعات مختلفة، مثل الفلاحات والأرامل وإقامة حملات تتعلق بصحة المرأة، وخاصةً حملة الستة عشر يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة. وكذلك بالنسبة لتمثيل النساء داخل البرلمان، مثلاً متابعة تعديل قانون الاستبدال، حيث تم تعديل الفقرة التي تنص على أنه إذا كان المقعد الشاغر يخص امرأة، يجب أن تحل محلها امرأة أخرى. “هذا التعديل تم رفعه من قبل لجنة المرأة، وكان سابقاً لا يشترط ذلك”، شددت.
كما أشارت إلى الدور الذي أخذته خلال حملة الانتخابات لمجالس المحافظات بالتعاون مع الدار الوطنية لشؤون المرأة. “تابعنا النتائج التي حققتها النساء وكانت مفرحة جداً، حيث وقفن جنباً إلى جنب مع الرجال بأصواتهن. نحن حالياً ندافع عن قانون الانتخابات بحيث إذا تم تعديله، يجب أن تحصل المرأة التي تحصل على أصوات بجهدها على تمثيل خارج الكوتا. الكوتا حق مكتسب، لكن الأصوات التي حصلت عليها بجهدها يجب أن تعطيها حقاً إضافياً”.
أما بالنسبة لقانون الأحوال الشخصية فقالت، “تابعنا المسودة الأولى التي نصت على منح المواطن حرية الاختيار بين المذهب الشيعي، المذهب الجعفري، والمذهب السني”. مؤكدة أن ‘لجنة المرأة طالبت بأن تكون حرية الاختيار مبنية على مبدأ الحرية الشخصية للمواطن العراقي. بناءً على طلبنا، تم تعديل القانون ليصبح للمواطن حق اختيار إما قانون الأحوال الشخصية أو قانون المذاهب. القانون قد قُرئ قراءة أولى، ونحن لا نزال نبحث في القراءة الثانية والمدونات التي هي رسائل المراجع التي ستتحكم في هذا الموضوع”.
“بالنسبة للحديث الأخير حول أنني لا أمثل النساء، أود أن أؤكد أن لكل شخص رأيه الخاص، وليس من الضروري أن يتفق الجميع معي. هذه حرية شخصية. ما زلت رئيسة لجنة المرأة في مجلس النواب العراقي بدعم من غالبية النساء هناك، وأيضاً بتأييد من الأخوة النواب”، عقبت الشمري على الانتقادات ضدها.
بكلمات أخرى، ساندت رئيسة لجنة المرأة والأسرة والطفل البرلمانية، قانوناً لا يُعرف ما محتواه ومدى تأثيره على حقوق النساء، فيما عدت رأيها فيه ودورها في تشريعه على أنه مسألة “رأي خاص”!
يقدم موقف رئاسة لجنة المرأة مثالاً بليغاً لمدى عدم استقلالية البرلمانيات وارتباطهن بسياسة الكتل التي نتمين إليها، ورأت العبايجي، أن “وجود النساء في البرلمان بات بشكل أساسي لملء الفراغ وتوظيفهن لخدمة أجندات الكتل السياسية، حتى لو كانت هذه الأجندات تتعارض مع قضايا المرأة ومصالحها”.
على الرغم من وجود نائبات قدمن أداءً مميزاً في مواقف معينة، وهناك من تميزت بالشجاعة في الدفاع عن حقوق المرأة، إلا أن هذه الحالات تظل فردية ولم تتحول إلى حركة نسائية برلمانية جماعية ذات معالم واضحة تتبنى قضايا المرأة بشكل مؤثر، تقول العبايجي، معتبرة أن تصديهن لتعديل قانون الأحوال الشخصية “جاء في وقت حساس وضروري، وكانت خطوة شجاعة من النائبات في الدفاع عن حقوق المرأة والتصدي للتعديلات التي قد تؤثر سلباً عليها”.
إلا أن الطبقة السياسية والبيئة السياسية تعتبران العائق الأكبر، حيث خلقت بيئة متحكمة بالنساء حتى داخل البرلمان من خلال عرقلة عملهن وإضعاف عزيمتهن في المشاركة السياسية.
لا حصانة ضد الذكورية حتى في البرلمان
تواجه البرلمانيات المعارضات لتعديل قانون الأحوال الشخصية حملة “تسقيط” شرسة ضدهن، لمجرد أنهن يبدين رأيهن كبرلمانيات بما لا يتوافق مع رأي الأغلبية في عملية مفترض أنها ديموقراطية وقائمة على الاختلاف بالرأي.
تاريخ الديكتاتورية الذكورية ضد البرلمانيات العراقيات يعود إلى دورات سابقة. امتدّ إلى منعهن من إبداء الرأي وعرض مداخلاتهن حيال قوانين هامة تتعلق بالمرأة، مثل قانون مناهضة العنف الأسري. تشير دليم إلى أن بعض زملائها كانوا يشطبون كلامها من المداولات، مما جعل موقفها داخل المجلس صعباً للغاية، “كان من الصعب جداً أن أجد من يدعمني، حتى حزبي لم يقدم الدعم اللازم”، ما عزز من النظرة الدونية داخل البرلمان تجاهها وتجاه برلمانيات أخريات.
لم يتوقف صد البرلمانيات اللاتي يمتلكن رؤية مغايرة عن حزبهن أو معارضات للأحزاب التقليدية عند تكميم أفواههن، فعندما لم يكن ما يمكن انتقاده في أدائهن، لجأت هذه الأحزاب إلى أساليب “التسقيط الأخلاقي” وإلى إثارة الشائعات حولهن.
ثم هناك التحرش بهن.
وعندما أثارت دلير موضوع حالات التحرش داخل البرلمان، واجهت اتهامات من إحدى النائبات بأن لباسها هو سبب التحرش.
“معركة تشريعية” أو “معركة حقيقية”، هكذا وصفت أكثر من برلمانية ما كان يجري عندما كن يعترضن على قوانين معينة في البرلمان، أو حتى حينما يتقدمن بمقترحات لقوانين لا تتوافق مع الرؤى الذكورية لأحزاب أخرى.
قدمت البرلمانية شروق العبايجي مقترح قانون حق الحصول على المعلومة للتصويت عليه في الدورة البرلمانية الثالثة، والذي كانت عملت على صياغته بالتعاون مع هيئة النزاهة، لكن على الرغم من الحصول على جميع الموافقات والإجراءات اللازمة، قامت رئاسة البرلمان بتعطيل وصوله لمرحلة التشريع، “ومع ذلك، ظللت متمسكة به لفترة طويلة”، قالت لنا.
“إضافة إلى ذلك، قدمت مقترحات قوانين تتعلق بالحفاظ على التراث والتصميم الأساسي لمدينة بغداد، وأخرى تتعلق بقضية المياه والعديد من الأمور الأخرى التي وجدت فيها الحاجة الملحة للتشريع، إلا أن مجلس النواب تجاهلها”، وعزت العبايجي أسباب تجاهل مقترحاتها إلى وجود شرط التفاوض والتفاهم بين الكتل السياسية: “لم تكن مقترحاتي جزءاً من تلك التفاهمات، لذا هُمشت”.
ماكو معلومات للنائبات!
بالحديث عن دور النساء في البرلمان بالرقابة على الأداء الحكومي، والذي رأته البرلمانيات أن هدفه الرقابة وتصحيح الأداء الحكومي، فقد أكدن أن السلطة التشريعية التي من المفترض أن توفر الأدوات اللازمة لتسهيل عملهن الرقابي كبرلمانيات، تقوم بعرقلة هذا الدور بشكل متعمد لأنه لا يصب في مصلحة الكتل السياسية المتنفذة.
فمثلاً تشير العبايجي إلى أنهن “واجهن تحديات كبيرة في الحصول على المعلومات الضرورية، حيث تكون الوثائق والتفاصيل الحساسة عادةً في أيدي الكتل السياسية المتنفذة التي تستحوذ على الوزارات والمؤسسات الحكومية. هذه الكتل تستخدم هذه الوثائق كأدوات للابتزاز والمساومة بينها، وغالباً ما تُستخدم لتحقيق اتفاقيات ومحاصصات على حساب المصلحة العامة”.
تعود النائبة السابقة – ثلاث دورات برلمانية- ميسون الدملوجي للحديث عن تجربتها البرلمانية، وفي خضم سعيها للكشف عن فساد إداري، واجهت تحديات كبيرة وتعرضت لحملة تهميش وضغط. تقول الدملوجي لجُمّار إن محاولاتها لفتح ملفات فساد أزعجت بعض الجهات التي حاولت تحويل القضية إلى صراع طائفي. وأضافت أن هذه الجهات قامت بشن هجمات شرسة ضدها عبر “الجيوش الإلكترونية”، التي استهدفت تشويه سمعتها والتشكيك في نواياها الوطنية.
تصف الدملوجي مسألة الحصول على المعلومات بـ”المعركة الشاقة، خاصة للنساء، حيث كان الموظفون يتسمون بالولاءات الخاصة، مما جعل التعامل معهم صعباً. حتى عندما تمكنت من جمع المعلومات وتقديمها إلى هيئة النزاهة، وجدت أن الهيئة تتجاهل القضايا وتؤجلها”، مما يزيد من إحباطها.
لا يقتصر التهميش والتجاهل لمساعي البرلمانيات على النواب الذين ينتمون إلى الكتل السياسية الكبيرة المتحالفة والمتقاسمة للسلطة السياسية والتنفيذية، بل يمتد إلى الأحزاب الأخرى، وحتى أحزابهن هن!
يحبط هذا كله البرلمانيات اللاتي يشعرن أن جهودهن تذهب هباءً.
“وكأنهم لا يعترفون بها ولا يعيرونها أي اهتمام”، تقول العبايجي، وتضيف “هذا التجاهل يمثل أحد أصعب أنواع الضغط الذي نواجهه، حيث تُهمل كل الجهود التي نبذلها. ولكننا نحاول أن نستمر في توضيح الحقائق من خلال الإعلام ومن خلال الضغط الجماهيري، وفي هذه الحالات فقط قد يبدأ أصحاب القرار بالاستماع إلى آرائنا، ولو بشكل بسيط”.
للدملوجي أيضاً تجربتها الشخصية في ذلك، عندما قررت الترشح لرئاسة البرلمان عام 2009، لكن كتلتها لم تدعمها، بل دعمت بدلاً عنها نائبة تنتمي إلى حزب إسلامي، مما شكل خيبة أمل كبيرة لها.
على الرغم من أن التمثيل النسائي في البرلمان العراقي يبدو ظاهرياً كإنجاز مهم نحو تحقيق المساواة بين الجنسين، إلا أن الحقيقة على أرض الواقع تحمل صورة مغايرة. فالكوتا النسائية، التي يُفترض أن تكون أداة لتمكين المرأة، لم تؤدِ إلى تحقيق التغيير المنشود. العديد من البرلمانيات، بدلاً من استخدام مواقعهن لدفع قضايا النساء والمساهمة في تطوير السياسات الاجتماعية، وجدن أنفسهن خاضعات لسيطرة الأحزاب والتوجهات الذكورية التي تهمش دورهن وتقلل من تأثيرهن، كما يتضح أن العديد من البرلمانيات قد أصبحن أداة في يد الأحزاب التقليدية، ما يؤدي إلى تعزيز الذكورية في صنع القرار وتهميش القضايا النسوية.
ومنكم/ن نستفيد ونتعلم
هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media
اقرأ ايضاً
خمسة آلاف حالة تعنيف ضد كبار السن والأطفال والنساء، سجلتها محاكم التحقيق في الرصافة وحدها هذا الصيف.
كصحافة، تدفعنا مثل هذه الإحصائيات بالعادة إلى إعادة نبش مقترح قانون العنف الأسري، الذي ما فتئ البرلمان ومنذ ثماني سنوات يماطل في التصويت عليه، في وقت جرى التصويت في هذه الدورة البرلمانية -دون مماطلة- على مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية ليتيح تزويج الأطفال!
بعد محاولات عدة للتواصل مع نواب في لجنة المرأة والطفل البرلمانية لفهم ما إذا كانت ثمة مساعٍ للضغط نحو تشريع القانون، تمكنتُ من تحصيل إحداهن.
“هل وضعت اللجنة مسودة قانون العنف الأسري ضمن أولوياتها التشريعية خلال الدورة الحالية؟ ما هي الخطوات القادمة بهذا الامر إن وجدت؟”، سألتها، فجاء الرد عشوائياً؛ تحدثت النائبة عن ذكرياتها الشخصيّة وعن طفولتها في بغداد ودراستها في أحد الأقسام الطبية خارج البلاد.
لا شيء له علاقة بشيء.
بل أكثر.
تبين من خلال حديثها، أن النائبة لا تدرك وجود مسودتين لقانون العنف الأسري، رغم نضال النساء لتمرير هذا القانون منذ ما يقارب ثماني سنوات. قالت “لا..لا توجد مسودة لقانون العنف الأسري ونحن بصدد الكتابة الآن”. أوضحت لها أن للقانون مسودتين، واحدة قدمتها الحكومة والأخرى قدمتها رئاسة الجمهورية، وكلتاهما تحتاجان لإجراء تعديلات عليهما وفق منظمات المجتمع المدني المعنية.
وفق شبكة النساء العراقيات، التي قدمت ورقة ملاحظات حول مسودتي القانون شاركتها مع جمار فإن الملاحظات على المسودتين تتعلق بالاسم وتعريف المصطلحات المستخدمة في القانون، بالإضافة إلى مراجعات حول أهدافه وبعض الملاحظات الأخرى.
أصرّت النائبة على رأيها بعدم وجود مسودة، بل وأكدت مرة أخرى أنهم في البرلمان يحاولون كتابة مسودة للقانون لعدم وجودها. وبعد شرحي لها مجدداً عن وجود مسودتين أخبرتني، “لا أعرف قد يحتاج أن أطّلع على الأمر”.
أحرص على تضمين آراء النساء في عملي الصحفي، وأسعى بعدم حصر أدوارهن بالشؤون المتعلقة بهن، ولذلك تواصلت مع نائبة في لجنة النفط والغاز، متوقعة أن تعكس وجهة نظر سياسية اقتصادية نسوية. ولكن، وبكل بساطة، فضلت أن يُجيب زميلها على استفساراتي بدلاً منها. قالت لي: “سأرسل لكِ رقم أحد الزملاء في اللجنة، فهو يملك من المعلومات ما يفيدكِ أكثر مني”. شعرت بالإحباط، فهذه ليست المرة الأولى التي أواجه فيها مثل هذا الموقف، حيث تتكرر هذه الردود معي كثيراً.
تثير هذه المواقف تساؤلات كثيرة حول مدى فاعلية وإمكانيات النساء في البرلمان العراقي، وتشكك في أهداف الأحزاب السياسية بإشراك النساء في “مجال السلطة”، ومدى التزامهم بمبدأ المساواة وما هي طبيعة البرامج والإجراءات التي تتخذها الأحزاب السياسية لتمكين النساء سياسياً. كيف تفاعلت الأحزاب السياسية مع قضايا المساواة عند تشريع القوانين وإقرار السياسات العامة التي تؤثر على حيوات النساء؟ وما هي طبيعة العلاقة بين الناشطات في مجال حقوق المرأة وبين الأحزاب السياسية الحاكمة؟ وما طبيعة التحديات وأشكال العنف التي تواجه النساء في المجال السياسي؟
“الكوتا” هي الحل؟
جاءت النقطة الحاسمة في مشاركة النساء في العملية السياسية بعد غزو العراق عام 2003، عندما تغيّر النظام السياسي بشكل جذري. تقول ميسون الدملوجي، وهي نائب سابق، إن “النساء قبل ذلك لم يكن لهن دور حقيقي في السياسة. حيث لم يمتلكن الحق حتى في التصويت إبان العهد الملكي. وسمح لهن بالتصويت لأول مرة خلال انتخابات المجلس الوطني عام 1980”.
“ومنذ الثمانينات وحتى 2003 شاركت فقط ثلاث نساء في العملية السياسية، من بينهن هدى عماش التي كانت قيادية في حزب البعث”، تروي الدملوجي لجمار.
بعد 2003، بدأت الأبواب تُفتح أمام النساء تدريجياً.
شاركت النساء في مجلس الحكم الانتقالي المؤقت الذي شُكّل بقرار من سلطة الائتلاف المؤقتة بقيادة بول بريمير، وكان يتضمن ثلاث نساء من أصل 25 عضواً. بعدها بعامين، أُقر الدستور العراقي، مخصصاً 25 بالمئة من مقاعد البرلمان للنساء (نظام المحاصة “الكوتا” النسائية)؛ وهذا يعني أن 83 مقعداً من أصل 329 مقعداً في البيت التشريعي مخصصة للنساء.
لم يكن هذا القرار سهلاً أو سلساً، ولم تتحقق نسبة التمثيل بسهولة، حيث لم تشارك معظم الكتل والأحزاب السياسية المحافظة والتقليدية في صياغة هذا القانون، بل فُرض عليها نتيجة ضغط قوي من الحركة النسوية التي كانت في أوج نشاطها في ذلك الوقت. اشترطت هذه ألا تقل نسبة الكوتا عن 25 بالمئة، ليصبح للنساء تواجد حقيقي في العملية السياسية في العراق.
“الأمم المتحدة جاءت بفكرة نظام الكوتا، لكنها كانت بعيدة المنال؛ كانت النسبة 40 بالمئة. ومع ذلك، تمكنّا من إقناع عدنان الباججي، الذي كان مكلفاً بكتابة قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية وكان ممثل العراق في الأمم المتحدة، بنظام الكوتا، وعندما تحدث عن الكوتا في مجلس الحكم “ضحكوا عليه”. ولكن بعد أن رأت الأحزاب الإسلامية جدية الطلب، مع الضغط المستمر، تمكنا من إدراج الكوتا وبنسبة 25 بالمئة”، تقول الدملوجي مشيرة إلى الدور البارز للناشطة هناء إدور، وغيرها من 20 إلى 30 سيدة من مختلف التوجهات، في تحقيق هذا الهدف.
المحامية أمل الساجر، وهي ناشطة سياسية، كانت إحدى هؤلاء النساء اللواتي شاركن في الحركة النسوية بعد عام 2003، أشارت إلى نشأة هذه الحركات في تلك الفترة.
“بعد التغيير ومنذ الأيام الأولى، بدأت النساء بالمشاركة في فعاليات اجتماعية ضمن تجمعات لم تكن تحت مظلة الأحزاب الفاعلة أو منظمات المجتمع المدني، انخرطن في أنشطة متنوعة مثل تقديم الإسعافات للمرضى وتنظيف الشوارع من مخلفات الحرب وغيرها. وبعد ذلك، تم تشكيل منظمات بإشراف دولي، كان للنساء دور فاعل فيها”، قالت الساجر لجمار.
عادت المشاركة بهذه الأنشطة باستفادة كبيرة لهؤلاء النسوة، وفقاً للساجر، والتي أشارت أيضاً إلى دور الشخصيات التي جاءت من منظمات كردستان التي كانت موجودة منذ عام 1990، حيث شكلت شبكة نساء العراق وعاد اتحاد الشبيبة للعمل بعد أن كان محظوراً، إضافة إلى مساهمة الحزب الشيوعي في عودة المغتربين الذين يمتلكون خبرة في العمل السياسي.
في الوقت ذاته، نشطت الأحزاب الإسلامية وعملت على تشكيل منظمات أيضاً، مثل حزب الدعوة الإسلامي الذي أعلن عن نفسه كتنظيم سياسي إسلامي، وانبثقت عنه تيارات وأحزاب عديدة. تلقى حزب الدعوة دعماً كبيراً بالإضافة إلى إمساكه بالسلطة، وحاول، أسوة بأحزاب أخرى، تشكيل أحزاب تدعي الديمقراطية لتواكب الحراك الشعبي. بيد أن النساء واجهن رفضاً كبيراً من هذه الأحزاب، بحسب الساجر، حيث لم تتقبل فكرة انخراط النساء في العمل السياسي.
وسرعان ما وقعت أول ضحية للحراك النسوي حين قتلت عضوة مجلس الحكم العراقي عقيلة الهاشمي عام 2003، ثم اغتيلت بعدها النائبة ووزيرة البلديات أمل المعلمجي عام 2004.
في تلك الفترة كان حزب الدعوة ينشر لافتات في بغداد “لو حجاب لو تيزاب”، ولافتات تحث النساء على لبس السواد وعدم الضحك بصوت عالٍ في أماكن العمل والدراسة.
ومع تصاعد هذا الخطاب وهيمنة أحزاب الإسلام السياسي التي امتلكت تأثيراً كبيراً على الساحة العراقية، ازدادت معاناة النساء، حد اغتيال العديد منهن بذرائع مختلفة من التعاون مع المحتل، إلى عدم ارتداء الحجاب الشرعي، وغيرها.
وعلى الرغم من أن الحركة النسوية بدأت تزداد قوة وتأثيراً بهدف تحقيق الكوتا في المجالس التشريعية، والتي حققتها في النهاية، إلا أن هذه كانت بداية المشكلة، تؤكد الساجر.
“بعد كل هذا الجهد، فازت نساء لا يمثلن الحركة النسوية نتيجة التزوير في العملية الانتخابية، وهو أمر معروف لدى الجميع، إذ كن يمثلن الأحزاب المسيطرة على السلطة. جرى توزيع المناصب عليهن، سواء بدرجة وزير أو في المجلس الأعلى للنساء، وغيرها من المناصب المهمة. حتى في اللجان البرلمانية، وتم استبعاد النساء الفاعلات والمؤثرات في الساحة، ولا يمكن إنكار أن بعض النساء، وخاصة السياسيات الكرديات، لعبن دوراً في العمل السياسي رغم هذه الضغوط”.
حملاتهنّ الانتخابية.. أين المرأة؟
لكسب الأصوات، اعتمدت المرشحة حنان الفتلاوي في انتخابات 2014 على بطانيات مكتوب عليها “هدية من الدكتورة حنان الفتلاوي إلى الشعب العراقي”، قدر سعر الواحدة منها بعشرة آلاف دينار وفقاً لمصادر محلية. نفت الفتلاوي عبر موقعها الخبر قائلة “إنها ليست بالغباء لتكتب اسمها على بطانيات وتقدم دليل إدانة ضد نفسها للكثيرين من المتربصين بها”. تواصل جُمار مع أكثر من مصدر في الحلة، مركز بابل، والذين أكدوا أن الفتلاوي قامت بتوزيع البطانيات والعباية العراقية قبيل الانتخابات. وذكروا أن ذلك انعكس على النساء السياسيات “سلباً”.
الفتلاوي ليست وحدها في ذلك، فمراجعة سريعة للحملات الانتخابية للمرشحات في الانتخابات النيابية كافية لملاحظة أن أدوارهن لا تتعدى الدور الرعائي، كتوزيع المساعدات الإنسانية ومحاولة التواصل مع النساء، إلى جانب تقديم أنشطة توعوية دعائية لصالح الحزب؛ قلة من السياسيات فقط خرجن عن تلك الصورة النمطية.
تقول رؤى خلف، الناشطة السياسية وعضوة الحزب الشيوعي العراقي، إن “الأحزاب السياسية التقليدية لم توفر سبل التمكين والتدريب الكافي للبرلمانيات المبتدئات والمرشحات، ولم تمنحهنَّ المساحة اللازمة لاتخاذ القرارات بشكل مستقل، حيث نجد اليوم برلمانيات يفتقرن إلى الخبرة والتجربة اللازمة، وليست لديهنَّ معرفة كافية بقضايا حقوق النساء”.
تعزو خلف أسباب تبني هذه الأحزاب للنساء والشباب، خاصة في السنوات الأخيرة، إلى الحراك الشعبي الذي طالب بتمثيل نسائي وشبابي. بيد أن غياب رؤية حقيقية لهذه الأحزاب لمعنى العمل النسوي، جعل من فاعلية وتأثير النساء داخل هذه المؤسسات شبه معدوم، تضيف.
نالت النساء في الدورة البرلمانية الأولى عام 2005، ما بين 70 إلى 75 مقعداً من مجموع 275 مقعداً في البرلمان حسب نظام الكوتا، مما جعل نسبة تمثيلهن تصل إلى 27 بالمئة. وفي الدورة البرلمانية الثانية عام 2010، ارتفع عدد مقاعدهن إلى 83 من مجموع 325 مقعداً، بنسبة تمثيل بلغت 25 بالمئة. أما في انتخابات عام 2014، فقد وصلت 83 امرأة إلى البرلمان، لكن 22 منهن حققن هذا النجاح بفضل الأصوات التي حصلن عليها دون الاعتماد على نظام الكوتا. في الدورة البرلمانية التالية عام 2018، حصلت النساء على 84 مقعداً من مجموع 329 مقعداً برلمانياً، وتمكنت بعضهن من الفوز بالمقاعد خارج إطار نظام الكوتا.
مع مرور الوقت، ارتفع عدد النساء في البرلمان العراقي بشكل ملحوظ، حيث وصلت أعدادهن إلى 97 نائبة في الدورة الحالية، وهو رقم يمكن أن يشكل كتلة كبيرة داخل مجلس النواب. هذا التزايد المستمر في عدد النائبات يعكس تقدماً في تمثيل المرأة في المشهد السياسي العراقي، مما يمنحهن فرصة أكبر للتأثير والمشاركة في صنع القرار، إلا إن التساؤل يبقى حول ما إذا كان التمثيل هو بالكم فحسب، على حساب وجود فاعلية حقيقية للبرلمانيات.
“ربما كان هناك بعض المساهمات الإيجابية في البداية، حيث شاركت النساء في كتابة الدستور وبعض التشريعات السياسية المهمة، مما جعلنا نلتمس دورهن المهم في الجانب التشريعي.. لكن بعد فترة 2005-2006، بدأ تراجع دور النساء في البرلمان بشكل ملحوظ. أصبح وجودهن شكلياً إلى حد كبير، حيث كان تأثير الكتل السياسية والأحزاب التي ينتمين إليها أقوى بكثير من القضايا التي يؤمنَّ بها، لدرجة أن أغلبهن ترسخ بعقولهن الفكر الذكوري الأبوي، وأصبح ضغط الأحزاب السياسية قوياً لدرجة أن النساء لم يستطعن الدفاع عن قضاياهن بشكل فعال”، تشرح خلف.
برلمانيات لا يمثلن النساء
بعد 2018 أصبح واضحاً أن وجود النساء في البرلمان لم يعد له تأثير حقيقيّ، حيث لم تدعم السياسات والتشريعات التي تتبنى قضايا النساء بشكل ملموس، وأصبح دورهن محدوداً متأثراً بضغوط الكتل والأحزاب السياسية التي لا تضع قضايا المرأة ضمن أولوياتها.
تستذكر خلف، حملة انتخابية قامت بها إحدى النائبات عام 2018، والتي ارتكزت على تشريعات تقوض حقوق المرأة، مشيرة إلى أن إحدى النائبات قامت حملتها الانتخابية على أساس تعديل قانون الأحوال الشخصية لإلغاء موافقة الزوجة على الزواج الثاني. بالإضافة إلى ذلك، وقفت نساء أخريات مع تعديل المادة 57 التي تتعلق بحق الحضانة للأم، “ودعايات أخرى لا يمكن وصفها غير أنها خجولة ولا ترتقي لمستوى نساء سياسيات”، تقول.
كانت هذه إشارة إلى النائبة جميلة العبيدي، التي قالت في مؤتمر صحافي بمجلس النواب في 2017 “نشجع الرجال على الزواج بأكثر من واحدة وننبذ ثقافة المرأة الواحدة على حساب أخواتنا”، معتبرة أن اقتراحها يفيد المطلقات والأرامل اللواتي فقدن أزواجهن في أعمال العنف. وطالبت النائب بسن قانون “يحمي حرائر العراق لعلاج هذه الظاهرة”، عبر تقديم حوافز مالية تشجع الرجال وتساعدهم على الزواج “من كل أرملة ومطلقة”، معتبرة أن “العسر المالي هو أحد الأسباب التي تعترض الزواج بأكثر من واحدة”. وتلقت العبيدي دعماً كبيراً من نواب ونائبات في البرلمان العراقي، فيما واجه مقترحها آنذاك موجة من الغضب والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي واعتبر “مهيناً للنساء”.
تروي ريزان الشيخ دلير عن تجربتها في البرلمان خلال الدورة السابقة، أنها تفاجأت بوجود نائبات يسعين ضد مصلحة النساء، حتى في التشريعات الحيوية التي تؤثر على حقوق المرأة. استذكرت دلير حادثة خلال الدورة الثالثة عندما قدمت نائبة من الموصل مقترحاً لتعديل قانون الأحوال الشخصية يتضمن منح أموال للرجل الذي يتزوج للمرة الثانية أو الثالثة. وقد شاركت في دعم هذا المقترح عدة نائبات من مختلف الكتل السياسية، النائبات أنفسهن، وقفن كمعارضة لمشروع قانون العنف الأسري، مما أدى إلى عدم تمريره حتى الآن.
في الدورة الرابعة، كان لجماعة التيار الصدري تأثير كبير داخل لجنة المرأة، حيث تمكنوا من جمع تواقيع حوالي 60 نائبة على مقترح تعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية المتعلقة بحضانة الأطفال. هذا التعديل كان يضر بحقوق النساء بشكل مباشر. ومع ذلك، تمكنت دلير برفقة قلة من البرلمانيات من عرقلة تمرير هذا التعديل قبل أن يصل إلى القراءة الأولى.
بيد أن تمرير تعديل قانون الأحوال الشخصية لم يعرقل في الدورة البرلمانية الحالية؛ فقط 17 نائبة من أصل 97 وقفن ضد تعديل القانون، ما ساهم في تمريره بالقراءة الأولى، على عكس ما جرى في الدورة الرابعة. هذا التراجع في التصدي النسائي داخل البرلمان للقانون الذي سيلغي الكثير من الحقوق التي حفظها القانون للمرأة العراقية، أبرز أنه على الرغم من عدد البرلمانيات الكبير “لم يتمكنّ من تشكيل كتلة تسعى إلى حماية النساء وتعمل على تشريعات تضمن حقوقهن”، تقول خلف. ما اعتبرته المحامية ريزان شيخ دلير، النائبة السابقة في البرلمان العراقي، تدهوراً كبيراً في فاعلية التمثيل النسوي في الدورة البرلمانية الحالية، واعتبرت أن التمثيل النسائي في هذه الدورة هو “الأسوأ”.
تتفق المتحدثات على أن تراجع هذا التمثيل يتجلى بشكل خاص في رئاسة لجنة المرأة والطفولة والأسرة البرلمانية، التي تعكس “صوت الأحزاب التقليدية والعقلية الذكورية”، وفقاً لدلير.
كانت رئيسة لجنة المرأة والأسرة والطفل دنيا الشمري من بين من ساندن تعديلات القانون. بذلك تعتبر خلف بأن الشمري “لا تمثلنا كنساء إنما تعكس أيديولوجية حزبها ومصالحه”. ورأت العبايجي أنه “بدل أن تكون هذه اللجنة صوتاً مدافعاً عن حقوق المرأة، نجد أن رئيسة اللجنة نفسها تقف ضد قضايا المرأة وحقوقها. هذا الوضع يعكس تحدياً كبيراً أمام أي جهود حقيقية لدعم حقوق المرأة في البرلمان ويؤكد الحاجة الملحة لوجود كتلة برلمانية نسائية قوية ومستقلة تتبنى قضايا المرأة بجدية”.
توجهنا للقاء الشمري لإعداد هذا التقرير.
فيما قبلت طلبنا للقاء إلا أننا فوجئنا بأنها أسهبت في الحديث عن دورها خلال الدورة البرلمانية الحالية، عوضاً عن التركيز على أسئلتنا حول دورها كرئيسة اللجنة بالتصدي لقوانين ضد المرأة. هكذا استفاضت بالحديث عن دورها في متابعة القضايا المتعلقة بالمرأة، خارج البرلمان، من مجموعات مختلفة، مثل الفلاحات والأرامل وإقامة حملات تتعلق بصحة المرأة، وخاصةً حملة الستة عشر يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة. وكذلك بالنسبة لتمثيل النساء داخل البرلمان، مثلاً متابعة تعديل قانون الاستبدال، حيث تم تعديل الفقرة التي تنص على أنه إذا كان المقعد الشاغر يخص امرأة، يجب أن تحل محلها امرأة أخرى. “هذا التعديل تم رفعه من قبل لجنة المرأة، وكان سابقاً لا يشترط ذلك”، شددت.
كما أشارت إلى الدور الذي أخذته خلال حملة الانتخابات لمجالس المحافظات بالتعاون مع الدار الوطنية لشؤون المرأة. “تابعنا النتائج التي حققتها النساء وكانت مفرحة جداً، حيث وقفن جنباً إلى جنب مع الرجال بأصواتهن. نحن حالياً ندافع عن قانون الانتخابات بحيث إذا تم تعديله، يجب أن تحصل المرأة التي تحصل على أصوات بجهدها على تمثيل خارج الكوتا. الكوتا حق مكتسب، لكن الأصوات التي حصلت عليها بجهدها يجب أن تعطيها حقاً إضافياً”.
أما بالنسبة لقانون الأحوال الشخصية فقالت، “تابعنا المسودة الأولى التي نصت على منح المواطن حرية الاختيار بين المذهب الشيعي، المذهب الجعفري، والمذهب السني”. مؤكدة أن ‘لجنة المرأة طالبت بأن تكون حرية الاختيار مبنية على مبدأ الحرية الشخصية للمواطن العراقي. بناءً على طلبنا، تم تعديل القانون ليصبح للمواطن حق اختيار إما قانون الأحوال الشخصية أو قانون المذاهب. القانون قد قُرئ قراءة أولى، ونحن لا نزال نبحث في القراءة الثانية والمدونات التي هي رسائل المراجع التي ستتحكم في هذا الموضوع”.
“بالنسبة للحديث الأخير حول أنني لا أمثل النساء، أود أن أؤكد أن لكل شخص رأيه الخاص، وليس من الضروري أن يتفق الجميع معي. هذه حرية شخصية. ما زلت رئيسة لجنة المرأة في مجلس النواب العراقي بدعم من غالبية النساء هناك، وأيضاً بتأييد من الأخوة النواب”، عقبت الشمري على الانتقادات ضدها.
بكلمات أخرى، ساندت رئيسة لجنة المرأة والأسرة والطفل البرلمانية، قانوناً لا يُعرف ما محتواه ومدى تأثيره على حقوق النساء، فيما عدت رأيها فيه ودورها في تشريعه على أنه مسألة “رأي خاص”!
يقدم موقف رئاسة لجنة المرأة مثالاً بليغاً لمدى عدم استقلالية البرلمانيات وارتباطهن بسياسة الكتل التي نتمين إليها، ورأت العبايجي، أن “وجود النساء في البرلمان بات بشكل أساسي لملء الفراغ وتوظيفهن لخدمة أجندات الكتل السياسية، حتى لو كانت هذه الأجندات تتعارض مع قضايا المرأة ومصالحها”.
على الرغم من وجود نائبات قدمن أداءً مميزاً في مواقف معينة، وهناك من تميزت بالشجاعة في الدفاع عن حقوق المرأة، إلا أن هذه الحالات تظل فردية ولم تتحول إلى حركة نسائية برلمانية جماعية ذات معالم واضحة تتبنى قضايا المرأة بشكل مؤثر، تقول العبايجي، معتبرة أن تصديهن لتعديل قانون الأحوال الشخصية “جاء في وقت حساس وضروري، وكانت خطوة شجاعة من النائبات في الدفاع عن حقوق المرأة والتصدي للتعديلات التي قد تؤثر سلباً عليها”.
إلا أن الطبقة السياسية والبيئة السياسية تعتبران العائق الأكبر، حيث خلقت بيئة متحكمة بالنساء حتى داخل البرلمان من خلال عرقلة عملهن وإضعاف عزيمتهن في المشاركة السياسية.
لا حصانة ضد الذكورية حتى في البرلمان
تواجه البرلمانيات المعارضات لتعديل قانون الأحوال الشخصية حملة “تسقيط” شرسة ضدهن، لمجرد أنهن يبدين رأيهن كبرلمانيات بما لا يتوافق مع رأي الأغلبية في عملية مفترض أنها ديموقراطية وقائمة على الاختلاف بالرأي.
تاريخ الديكتاتورية الذكورية ضد البرلمانيات العراقيات يعود إلى دورات سابقة. امتدّ إلى منعهن من إبداء الرأي وعرض مداخلاتهن حيال قوانين هامة تتعلق بالمرأة، مثل قانون مناهضة العنف الأسري. تشير دليم إلى أن بعض زملائها كانوا يشطبون كلامها من المداولات، مما جعل موقفها داخل المجلس صعباً للغاية، “كان من الصعب جداً أن أجد من يدعمني، حتى حزبي لم يقدم الدعم اللازم”، ما عزز من النظرة الدونية داخل البرلمان تجاهها وتجاه برلمانيات أخريات.
لم يتوقف صد البرلمانيات اللاتي يمتلكن رؤية مغايرة عن حزبهن أو معارضات للأحزاب التقليدية عند تكميم أفواههن، فعندما لم يكن ما يمكن انتقاده في أدائهن، لجأت هذه الأحزاب إلى أساليب “التسقيط الأخلاقي” وإلى إثارة الشائعات حولهن.
ثم هناك التحرش بهن.
وعندما أثارت دلير موضوع حالات التحرش داخل البرلمان، واجهت اتهامات من إحدى النائبات بأن لباسها هو سبب التحرش.
“معركة تشريعية” أو “معركة حقيقية”، هكذا وصفت أكثر من برلمانية ما كان يجري عندما كن يعترضن على قوانين معينة في البرلمان، أو حتى حينما يتقدمن بمقترحات لقوانين لا تتوافق مع الرؤى الذكورية لأحزاب أخرى.
قدمت البرلمانية شروق العبايجي مقترح قانون حق الحصول على المعلومة للتصويت عليه في الدورة البرلمانية الثالثة، والذي كانت عملت على صياغته بالتعاون مع هيئة النزاهة، لكن على الرغم من الحصول على جميع الموافقات والإجراءات اللازمة، قامت رئاسة البرلمان بتعطيل وصوله لمرحلة التشريع، “ومع ذلك، ظللت متمسكة به لفترة طويلة”، قالت لنا.
“إضافة إلى ذلك، قدمت مقترحات قوانين تتعلق بالحفاظ على التراث والتصميم الأساسي لمدينة بغداد، وأخرى تتعلق بقضية المياه والعديد من الأمور الأخرى التي وجدت فيها الحاجة الملحة للتشريع، إلا أن مجلس النواب تجاهلها”، وعزت العبايجي أسباب تجاهل مقترحاتها إلى وجود شرط التفاوض والتفاهم بين الكتل السياسية: “لم تكن مقترحاتي جزءاً من تلك التفاهمات، لذا هُمشت”.
ماكو معلومات للنائبات!
بالحديث عن دور النساء في البرلمان بالرقابة على الأداء الحكومي، والذي رأته البرلمانيات أن هدفه الرقابة وتصحيح الأداء الحكومي، فقد أكدن أن السلطة التشريعية التي من المفترض أن توفر الأدوات اللازمة لتسهيل عملهن الرقابي كبرلمانيات، تقوم بعرقلة هذا الدور بشكل متعمد لأنه لا يصب في مصلحة الكتل السياسية المتنفذة.
فمثلاً تشير العبايجي إلى أنهن “واجهن تحديات كبيرة في الحصول على المعلومات الضرورية، حيث تكون الوثائق والتفاصيل الحساسة عادةً في أيدي الكتل السياسية المتنفذة التي تستحوذ على الوزارات والمؤسسات الحكومية. هذه الكتل تستخدم هذه الوثائق كأدوات للابتزاز والمساومة بينها، وغالباً ما تُستخدم لتحقيق اتفاقيات ومحاصصات على حساب المصلحة العامة”.
تعود النائبة السابقة – ثلاث دورات برلمانية- ميسون الدملوجي للحديث عن تجربتها البرلمانية، وفي خضم سعيها للكشف عن فساد إداري، واجهت تحديات كبيرة وتعرضت لحملة تهميش وضغط. تقول الدملوجي لجُمّار إن محاولاتها لفتح ملفات فساد أزعجت بعض الجهات التي حاولت تحويل القضية إلى صراع طائفي. وأضافت أن هذه الجهات قامت بشن هجمات شرسة ضدها عبر “الجيوش الإلكترونية”، التي استهدفت تشويه سمعتها والتشكيك في نواياها الوطنية.
تصف الدملوجي مسألة الحصول على المعلومات بـ”المعركة الشاقة، خاصة للنساء، حيث كان الموظفون يتسمون بالولاءات الخاصة، مما جعل التعامل معهم صعباً. حتى عندما تمكنت من جمع المعلومات وتقديمها إلى هيئة النزاهة، وجدت أن الهيئة تتجاهل القضايا وتؤجلها”، مما يزيد من إحباطها.
لا يقتصر التهميش والتجاهل لمساعي البرلمانيات على النواب الذين ينتمون إلى الكتل السياسية الكبيرة المتحالفة والمتقاسمة للسلطة السياسية والتنفيذية، بل يمتد إلى الأحزاب الأخرى، وحتى أحزابهن هن!
يحبط هذا كله البرلمانيات اللاتي يشعرن أن جهودهن تذهب هباءً.
“وكأنهم لا يعترفون بها ولا يعيرونها أي اهتمام”، تقول العبايجي، وتضيف “هذا التجاهل يمثل أحد أصعب أنواع الضغط الذي نواجهه، حيث تُهمل كل الجهود التي نبذلها. ولكننا نحاول أن نستمر في توضيح الحقائق من خلال الإعلام ومن خلال الضغط الجماهيري، وفي هذه الحالات فقط قد يبدأ أصحاب القرار بالاستماع إلى آرائنا، ولو بشكل بسيط”.
للدملوجي أيضاً تجربتها الشخصية في ذلك، عندما قررت الترشح لرئاسة البرلمان عام 2009، لكن كتلتها لم تدعمها، بل دعمت بدلاً عنها نائبة تنتمي إلى حزب إسلامي، مما شكل خيبة أمل كبيرة لها.
على الرغم من أن التمثيل النسائي في البرلمان العراقي يبدو ظاهرياً كإنجاز مهم نحو تحقيق المساواة بين الجنسين، إلا أن الحقيقة على أرض الواقع تحمل صورة مغايرة. فالكوتا النسائية، التي يُفترض أن تكون أداة لتمكين المرأة، لم تؤدِ إلى تحقيق التغيير المنشود. العديد من البرلمانيات، بدلاً من استخدام مواقعهن لدفع قضايا النساء والمساهمة في تطوير السياسات الاجتماعية، وجدن أنفسهن خاضعات لسيطرة الأحزاب والتوجهات الذكورية التي تهمش دورهن وتقلل من تأثيرهن، كما يتضح أن العديد من البرلمانيات قد أصبحن أداة في يد الأحزاب التقليدية، ما يؤدي إلى تعزيز الذكورية في صنع القرار وتهميش القضايا النسوية.