الخط الثاني في الفريق الشيعي.. "يتمرّد"
29 أيلول 2024
إذا خسرت الحرب سيقع اللوم على الوكيل الضعيف، وإذا ربحت سيفرض المحرك الأساسي "الوكيل" ربما في تلك اللحظة، شروطه.. قراءة معمّقة في عملية توظيف شخصيات سياسية من الخط الثاني في مناصب مهمة، وعلاقة السوداني بها.
عمليّة توظيف شخصيات سياسية بالعراق من الخط الثاني في مناصب مهمة كرئاسة الحكومة، تشبه “الحروب بالوكالة”. إذا خسرت الحرب، سيقع اللوم على الوكيل الضعيف، وإذا ربحت سيفرض المُحرّك الأساسيّ شروطه في تلك اللحظة.
لكن هذا الدور ينطوي أيضاً على مخاطر فيما لو اندلعت “حركات تحرّر”، أو قام الوكيل بـ”انقلاب” أو “تمرد”- وهي توصيفات تعتمد على أي جانب يقف الطرفين-.
بعد الإطاحة بنظام صدام في 2003، انخرطت قيادات المعارضة التي كانت بالخارج، في تشكيل مجلس الحكم، وعلى الأغلب كانت هذه الصيغة الأمريكية المقترحة لإدارة انتقالية بالعراق.
كانت هذه القيادات، أبرزها أحمد الجلبي، إبراهيم الجعفري، عدنان الباججي، جلال طالباني، وآخرون، تعتقد بأن لديها رصيداً شعبياً كبيراً، على اعتبار أنها شاركت بـ”تحرير العراق” على حد وصفها آنذاك.
وتأسيساً على ذلك فقد وجدت نفسها الأصلح، والأنسب، لقيادة البلاد في هذه المرحلة، حيث كان النظام الدكتاتوري قد منع بروز أي شخصية تنافسه بالداخل.
استمر نهج “حكم الكبار” بعد مجلس الحكم، وجاء إياد علاوي، ثم إبراهيم الجعفري، في إدارة حكومات انتقالية، حتى لحظة الاصطدام (أواخر 2005 وبداية 2006) بين “الجعفري” وأغلب قوى “الائتلاف العراقي الموحد”، التي قررت نقل السلطة إلى نوري المالكي، الذي كان يمثل الخط الثاني في الائتلاف.
كان اختيار المالكي، لأنه يمثل بحسب وجهات نظر متعدّدة منها أمريكية، شخصية “أكثر ديناميكية” من سلفه الذي رفضته معادلة إيرانية- أمريكية، في التعاطي مع الأزمات.
واستمر إسناد منصب رئيس الوزراء بعد ولايتي المالكي، إلى رجالات الخط الثاني، باستثناء فترة عادل عبد المهدي، التي انتهت بكارثة سياسية وأمنية.
وعاد البيت الشيعي بعد ذلك إلى الخطة القديمة، ولكن حاول التراجع بعد 2022 بضغط من “شيوخ الإطار التنسيقي” إلا أنه انتبه ومنح السلطة لمحمد السوداني، الرجل القادم من خلف 7 وزارات.
وداعاً.. الجعفري
في الأخبار قيل إن قرار إبراهيم الجعفري، رئيس الوزراء الأسبق (2005-2006)، بالتخلي عن ترشيحه لرئاسة الحكومة بأنه “تنازل”، وهو وصف مخفف لما كان يجري.
الجعفري زعيم حزب الدعوة سابقاً، هو أول رئيس لمجلس الحكم (الحكم حسب الحروف الأبجدية) كان قد تنافس بشدة على منصب رئاسة الحكومة عقب انتخابات 2005 (أول انتخابات عامة بعد 2003) مع عادل عبد المهدي، الذي سيصبح رئيساً للوزراء لأقل من عام بعد ذلك بـ13 سنة.
وكانت الولاية الأولى لزعيم الدعوة “كارثية” بحسب وصف خصومه وحتى بعض حلفائه الشيعة، بسبب تصاعد الأعمال الطائفية، لذا كان من الضروري استبداله، بحسب مطالب سُنة وكُرد.
قال الجعفري في حوار مع صحيفة الغارديان البريطانية، في نيسان 2005 (بعد 4 أشهر على إجراء الانتخابات) إنه “لن يُرغَم على ترك منصبه تحت ضغط الولايات المتحدة وبريطانيا”.
وأضاف انه “تولى منصبه بقرار ديمقراطي ويجب احترام إرادة الشعب العراقي”.
وكان كلام الجعفري “معقولاً” بحسب وصف قيادات شيعية، نظراً إلى الفرضية التي كانت سائدة آنذاك: الحكم لشيوخ الأحزاب.
في ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة تضغط للإسراع بتشكيل الحكومة، في حين كان العنف الطائفي يتصاعد في البلاد.
وسط الحراك كله، لمعت فكرة “الوكالة” لأول مرة بعد الإطاحة بنظام صدام، وجاء الحل بإسناد منصب رئيس الحكومة إلى شخصية من الخط الثاني.
كان جواد المالكي، وهو الاسم الذي عرف به نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق وزعيم دولة القانون حتى منتصف 2006، يظهر كرجل ظل للجعفري، وشارك في كتابة الدستور، ولديه دور في إجراءات اجتثاث البعث.
ووفق ما يقوله سياسيون فإن المالكي، أو أي شخصية ثانية خارج الضوء كانت ستكون مفيدة في ذلك الوقت للتخلص من ضغط واشنطن والشركاء بالداخل.
الفكرة كانت تقول: بأن يختار الشيعة (كان اسمه في ذلك الوقت الائتلاف الشيعي الموحد) شخصية من غير القيادات لحسم “صراع الزعماء” على المنصب وإرضاء الداخل والخارج، بشرط أن يكون “بلا ظهر”.
كان الشيعة يخشون “تغوّل” الرئيس الجديد، ولكنها كانت أفكاراً غير مكتملة وتعتبر حينها مبالغات، ألا أنه في كل الأحوال كان الرجل الثاني سيبقى تحت “رحمة الائتلاف”، بحسب ما شاع الاعتقاد آنذاك.
سيوفر هذا الحل للفريق الشيعي، حسبما يقول قيادي في حزب الدعوة، تحميل رئيس الحكومة الجديد الخسارة لوحده، إذا ما أخفق، وإذا ما نجح فان “الائتلاف” يحصد حينها المكاسب، على غرار قاعدة “الفشل يتيم والنجاح لديه آباء كثر”.
حين وقعنا بفخ التضخيم
يرى سياسيون، بعد سنوات من ترك نوري المالكي رئاسة الحكومة التي امتدت لولايتين (من 2006 الى 2014)، بأن ثمة “فخاً” في تضخيم دور هذا الرجل بالبداية.
وصف الشيعة والصحف الأمريكية، المالكي، بعد تنازل الجعفري عن رئاسة الحكومة أو “عن إرادة الشعب” على حد قوله، بأنه “متشدّد لكنه جريء بالقرارات السياسية”.
واعتبرت عدم خبرته في المجال التنفيذي بأنها “أهم ميزة لدى المالكي” في توصيف غير مفهوم لأحد زملاء رئيس الحكومة الجديد وقتها، بحسب مقال نشرته نيويورك تايمز في 2006.
وقال موفق الربيعي، مستشار الأمن القومي السابق، وصديق المالكي، بحسب ما وصفته الصحيفة، إن الأخير “قوي وسمعته نظيفة”، وأضاف بأنه “لا يجر خلفه حقائب كثيرة”.
ربما كان يلمح الربيعي، الذي سينتقد بعد أعوام المالكي، أن الأخير سيكون وقتها (في 2006) بوصفه “موظفاً” لدى المجموعة الشيعية، وهو الوصف الذي سيستخدمه قيس الخزعلي، زعيم العصائب على المنصب ذاته بعد 16 عاما.
المرشح صار زعيماً!
يُعتقد أن نوري المالكي هو أول من سنَّ سُنة “الزعيم” لدى الفريق الشيعي؛ وكرس هذا التوصيف برئاسة الحكومة، وهي عدوى انتقلت بعد ذلك للمعسكر السُني، الذي صار يعتبر رئيس البرلمان “زعيماً” أيضاً.
الزعيم لا يمكن تنحيته عن منصب رئاسة الوزراء، لذلك أخرج المالكي أنصاره في 2014، في فورة انتشار “داعش”، وسط بغداد للهتاف لصالحه بولاية ثالثة، لكنه لم ينجح.
وللأسباب القديمة نفسها، التي جاءت بالمالكي على رأس السلطة قبل 8 أعوام، اضطر الشيعة الى اختيار حيدر العبادي في 2014 لتولي الحكومة، وهو من شخصيات الخط الثاني.
كان ملف “داعش” يضغط دولياً وداخلياً، وهي فترة تشبه ما كان يحدث مع الجعفري، وشركاء الشيعية مستاؤون من سياسة المالكي تجاه ضرب الاحتجاجات بالغربية، وتحريك دبابات ضد كردستان.
وعلى غرار ما سنّه المالكي، حاول العبادي القفز إلى الخطوط الأولى لكي يصبح زعيماً أيضاً، فذهب أثناء حكمه لتشكيل ائتلاف النصر، معتمداً على رصيده مما تحقق بالعمليات العسكرية ضد “داعش”، لكنه بالنهاية لم يستطع أن يلعب الدور أكثر من 4 سنوات.
سنة الارتداد
بعد التخلص من “داعش”، وهي فترة عصيبة للغاية، وجد الشيعة أن الوقت قد حان للعودة إلى الخطة “أ” وتسليم الحكومة لقيادات الخط الأول.
كانت التجربتان الأخيرتان مع المالكي والعبادي مريرتين. العبادي خرج بعد تظاهرات تخللها عنف في البصرة عام 2018، وقبلها المالكي بفضيحة عسكرية مدوية بانتشار “داعش” وانسحاب الجيش.
وساعد بالمقابل ما قيل إنه رأي سياسي لمرجعية النجف وقتذاك، في العبارة الشهيرة “المُجرب لا يُجرب”، وجاء وفق ذلك عادل عبد المهدي، على الرغم من أنه كان قد جرب سابقاً وزارتين ومنصب نائب رئيس الجمهورية، واستقال من جميع تلك المناصب.
الأوضاع حينها كانت ليست أفضل من السابقة (نهاية أيام المالكي)، فقد حاول العبادي بكل الطرق الفوز بولاية ثانية، ورفضه هادي العامري (زعيم بدر)، ومقتدى الصدر (زعيم التيار).
الصدر منح حكومة عبد المهدي الجديدة، سنة واحدة للتقييم، ويبدو أن زعيم التيار كان يتوجس من عودة قيادات الخط الأول إلى رأس السلطة، لذا بالفعل استقال رئيس الحكومة بعد نحو عام، بعد مجازر احتجاجات تشرين.
البحث عن وكيل
وجد الفريق الشيعي نفسه متهماً وسط الاحتجاجات العارمة بعشرات التهم: قتل، اختطاف، تعذيب، إخفاء، وغيرها. لذا أخرج، بحسب مسؤولين، الخطة القديمة من الدُرج، وبدأت رحلة البحث عن “وكيل” جديد يحمله كل ما جرى.
فكّرت القوى الشيعية بوزير الاتصالات السابق محمد توفيق علاوي، ثم النائب عدنان الزرفي، الذي يتهمه الفريق الأول بأنه “عميل أمريكي”، وهو رأي لا يختلف في توصيف من استقروا عليه في الأخير، مصطفى الكاظمي. وهم جميعاً من الخطوط الثانوية.
أخرج الفريق الشيعي حفل تنصيب الكاظمي بحرفية. الكل كان حاضراً حتى قادة الفصائل، وحقق بذلك الشرطين المهمين في “حروب الإنابة”: الدعم دون التورط بشكل مباشر، وتحميل الآخر مسؤولية القرارات المصيرية.
يقول فادي الشمري، وهو مستشار سياسي حالياً في الحكومة، عن رأيه بالكاظمي حين تم اختياره في 2020 ان الأخير: “تاريخه نظيف.. ولم تؤشر عليه قضية فساد”.
واكد آنذاك، في لقاء تلفزيوني، وكان متحدثا حينها بوصفه قيادياً في تيار الحكمة (عمار الحكيم)، بأن التيار داعم لتولي الكاظمي “لامتلاكه مقبولية دولية”.
لكن الشمري ذاته قال في آب الماضي إن “الناس تريد مغادرة هذه المرحلة وهذا الاسم”، حين سأل في برنامج تلفزيوني عن رأيه بالكاظمي.
وأضاف الشمري، بوصفه مستشار السوداني، متحديا الكاظمي: “إذا بي خير خلي يجي” في إشارة فُهمت على ان رئيس الوزراء متورط بملفات كثيرة يخشى على إثرها دخول العراق.
التخلص من الكاظمي “الغدر”!
انتشرت كورونا في ربيع 2020 بالعراق، وتراجع حماس الاحتجاجات، وهو ما خدم بالمصادفة المجموعة الشيعية في عبور الأزمة، حتى بدأوا بمهاجمة الكاظمي.
في ذلك الوقت انتهت صلاحية الكاظمي، بحسب قراءات لاحقة للحدث، وكتبت الفصول النهائية للرجل، بتوريطه بكل الإخفاقات الأمنية والسياسية والمالية، من ضمنها ما بات يعرف بعد ذلك بـ”سرقة القرن”.
في 28 كانون الاول 2020، أي بعد 7 أشهر من أداء الكاظمي اليمين، كتب أبو علي العسكري، الذي يصف نفسه المتحدث باسم كتاب حزب الله تغريدة قال فيها :”ندعو الكاظمي أن لا يختبر صبر المقاومة بعد اليوم، فالوقت مناسب جدا لتقطيع أذنيه كما تقطع آذان الماعز”.
جاء ذلك التصعيد بسبب اعتقال الكاظمي، مجموعة مسلحة تابعة لـ”الكتائب” كانت مسؤولة عن مهاجمة المنطقة الخضراء.
وبعد أقل من عام من ذلك التاريخ، اتهم هادي العامري (زعيم منظمة بدر) رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، دون أن يسميه، باحتكار السلطات والعودة بالبلاد إلى الدكتاتورية عبر بيان صدر في أيار 2021.
تصريحات العامري جاءت بسبب اعتقال الكاظمي قاسم مصلح، القيادي في الحشد، على خلفية اتهامات بقتل ناشطين.
وأضاف العامري في البيان “من يريد كسر هيبة الحشد تحت أي حجة كانت، هو الذي يريد أن يقوض هيبة الدولة”.
وفي حزيران 2022، وصف قيس الخزعلي حكومة مصطفى الكاظمي بأنها “حكومة انقلاب على إرادة الشعب”. في تصريح خلال كلمة له في المؤتمر السنوي السادس لعصائب اهل الحق الذي انعقد في النجف.
رغبة الشيوخ
الرسائل إلى الكاظمي بدت واضحة حينها بأن عليه المغادرة. رئيس الحكومة السابق تراجع عن فكرة سربت آنذاك، بإنشاء حزب وخوض الانتخابات، واكتفى بتنظيمها (الانتخابات التشريعية 2021) دون أن يشارك.
دور الوكيل انتهى بالفعل، ولفّت حول عنق الكاظمي اتهامات تتعلق بـ”تزوير الانتخابات”، وهي اتهامات ستعقد تشكيل الحكومة لنحو سنة وتنتهي باشتباكات مسلحة شيعية- شيعية على بوابات الخضراء.
كذلك أظهر التحالف الشيعي، نهاية حكومة الكاظمي وكأنها “حكومة مطرودة”، بحسب وصف محللين، لأن شبهات الفضيحة المالية الأكبر بعد 2003، والتي سميت بـ”سرقة القرن” لاحقت طاقم رئيس الحكومة السابق، بل وهو شخصياً.
واستولى “شيوخ الشيعة” مرة أخرى على السلطة بعد انعزال الصدر، وطرحت مجدداً فكرة “القيادي القح” على غرار ما كان يطرحه زعيم التيار الصدري من فكرة تولي “الصدري القح” السلطة.
أبدى كل من حيدر العبادي، العامري، الفياض، والمالكي الذي كان أشد المتمسكين بالمنصب، ويعتقد حتى الآن بأن الإطار التنسيقي أخطأ باختيار رجل من الخط الثاني (محمد السوداني) وسيعود قريبا (الإطار) للاعتذار عن خطئه والطلب منه استلام الحكم.
وحاول “الشيوخ” في تلك الفترة استمالة الصدر مرة أخرى، وبمساعدة من طهران، لكن المحاولات فشلت وهو ما دفع الى التخلي عن “القيادي القح” واللجوء الى الخط الثاني لرئاسة الحكومة.
معلومات حصلت عليها “جمّار” أشارت إلى أن الإطار التنسيقي كان يخشى أن يستلم أحد “الكبار” المنصب بينما الصدر يراقب، وقد يقلب الشارع بأي وقت. في تلك اللحظة ستكون “نهاية الفريق الشيعي بعد ازمة تشرين”، بحسب تلك المعلومات.
تمسك التحالف الشيعي في ما وصف بالفرصة الأخيرة للمجموعة، وطرحت أسماء ثانوية لشغل منصب رئيس الحكومة، مثل عبدالحسين عبطان، القيادي السابق في المجلس الأعلى ووزير الرياضة الأسبق، وقاسم الأعرجي مستشار الأمن القومي، ومحافظ البصرة أسعد العيداني.
وبالنهاية فازت، بحسب ما يتداول، إرادة الخزعلي الذي دعم بشدة تولي محمد السوداني الحكومة، فيما يُعتقد بانه كان موجهاً ضد المالكي، على اعتبار السوداني قد انشق عن حزب الدعوة إبان انتفاضة تشرين.
التحالف الشيعي نسي شيئاً وسط الإرباك السياسي
يقول حيدر العبادي، رئيس الوزراء الأسبق، في لقاء تلفزيوني في آذار الماضي، إن قادة الإطار التنسيقي حين اختاروا السوداني رئيساً للوزراء “نسوا أن يفرضوا عليه عدم ترشيح نفسه لرئاسة الوزراء إلا بأخذ موافقة منهم”.
وكانت محاولات تذكير السوداني بدوره كـ”وكيل” قد ظهرت مبكراً بكلام قيس الخزعلي، الذي يُعد عرّاب الحكومة الحالية، في مقولته الشهيرة “رئيس الوزراء مدير عام” لدى الإطار التنسيقي.
السوداني، يُوصف الآن خلف أبواب الاجتماعات السياسية المغلقة بأنه “متمرّد”، فقد عقد تسويات بخصوص منصب رئيس البرلمان، وحكومة كركوك التي تعثرت لأشهر عدة، بشكل منفرد عن الإطار التنسيقي.
ويبدو بحسب بعض المواقف، أن رئيس الحكومة مقبل على تحالف، كشف عنه لأول مرة أحمد الأسدي وزير العمل، ويضم حيدر العبادي، فالح الفياض، ابو آلاء الولائي وآخرين.
وغير واضح حتى الآن فيما سيكون هناك تحالف بين السوداني والخزعلي، لكن الأول كان حريصاً على إظهار نفسه مع شخصيات مؤثرة بالمحافظات، وتعتبر خصوماً لأغلب أطراف “الإطار” وهم محافظو: البصرة، واسط، وكربلاء، الذين وصفوا بـ”الثلاثة الأقوياء”.
صورة الانقلاب
ربما سيدفع خطأ “الإطار” بحسب ما وصفه العبادي في “تحرّر” الخط الثاني، ولعب دور الأساسي، حيث يظهر السوداني بأنه سيدير حكومة قادمة من “الثانويين” دون أن يمر بالكبار، عبر المحافظين الثلاثة، وسيضم إليهم عدنان الزرفي وبهاء الأعرجي (القيادي الصدري السابق) وآخرين.
رئيس الحكومة قاد خطاً جديداً في علاقته مع أطراف كركوك، ونجح “من دون الإطار” في تشكيل حكومة بعد تعثر نحو 9 أشهر، لكن قيس الخزعلي استطاع في اللحظات الاخيرة إيجاد موطئ قدم له في تلك التسوية.
دعم السوداني فالح الفياض، كما يتداول في أوساط العصائب، إذ يقف أمام أي محاولات لتنحية رئيس الحشد على خلاف رغبة حلفاء رئيس الوزراء (العصائب).
وبدأ السوداني، على الرغم من وجود اتفاق، بعدم الرجوع الى التحالف الشيعي في بعض القضايا، بحسب عقيل الفتلاوي المتحدث باسم دولة القانون في حوار تلفزيوني عرض في أيلول الحالي.
ويرجح محللون أن الصورة الشهيرة التي جمعت ما بات يعرف بـ”الأقوياء الاربعة”، كانت مقصودة على الرغم من نفي كل الأطراف وجود قصد من وراء ذلك.
وظهر السوداني في الزيارة الأربعينية الأخيرة، في صورة التقطت مع المحافظين الثلاثة: اسعد العيداني (البصرة)، نصيف الخطابي (كربلاء)، ومحمد المياحي (واسط).
الرواية الرسمية قالت إن هؤلاء المحافظين كان لهم دور أساسي في إنجاح الزيارة، لكن هذه المجموعة تمثل قوة النفط (البصرة)، والمركز الديني (كربلاء)، والحدود مع إيران (واسط).
هؤلاء المحافظون كانوا قد تسببوا في أزمة داخل “الإطار” بعد حصولهم على ولاية ثانية على خلاف الاتفاق الشيعي.
فجّرت عودتهم للمنصب مرة أخرى خلافات على مواقع المحافظ في صلاح الدين، نينوى، الديوانية، ميسان، واخيرا ديالى وكركوك، فهل ينوي السوداني استخدامهم هذه المرة لتفجير القواعد السياسية القديمة؟
ومنكم/ن نستفيد ونتعلم
هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media
اقرأ ايضاً
دكتاتورية وذكورية: التمثيل النسائي في البرلمان العراقي
08 أكتوبر 2024
العلاقات العراقية الصينية: محصلة الماضي والحاضر ورهان المستقبل
06 أكتوبر 2024
معضلة الزعامة الدينية عند سنة العراق: لماذا لم يصنعوا مرجعية؟
04 أكتوبر 2024
الرئيس الإيراني في بغداد: زيارة بزشكيان "السياحية" إلى العراق
01 أكتوبر 2024
عمليّة توظيف شخصيات سياسية بالعراق من الخط الثاني في مناصب مهمة كرئاسة الحكومة، تشبه “الحروب بالوكالة”. إذا خسرت الحرب، سيقع اللوم على الوكيل الضعيف، وإذا ربحت سيفرض المُحرّك الأساسيّ شروطه في تلك اللحظة.
لكن هذا الدور ينطوي أيضاً على مخاطر فيما لو اندلعت “حركات تحرّر”، أو قام الوكيل بـ”انقلاب” أو “تمرد”- وهي توصيفات تعتمد على أي جانب يقف الطرفين-.
بعد الإطاحة بنظام صدام في 2003، انخرطت قيادات المعارضة التي كانت بالخارج، في تشكيل مجلس الحكم، وعلى الأغلب كانت هذه الصيغة الأمريكية المقترحة لإدارة انتقالية بالعراق.
كانت هذه القيادات، أبرزها أحمد الجلبي، إبراهيم الجعفري، عدنان الباججي، جلال طالباني، وآخرون، تعتقد بأن لديها رصيداً شعبياً كبيراً، على اعتبار أنها شاركت بـ”تحرير العراق” على حد وصفها آنذاك.
وتأسيساً على ذلك فقد وجدت نفسها الأصلح، والأنسب، لقيادة البلاد في هذه المرحلة، حيث كان النظام الدكتاتوري قد منع بروز أي شخصية تنافسه بالداخل.
استمر نهج “حكم الكبار” بعد مجلس الحكم، وجاء إياد علاوي، ثم إبراهيم الجعفري، في إدارة حكومات انتقالية، حتى لحظة الاصطدام (أواخر 2005 وبداية 2006) بين “الجعفري” وأغلب قوى “الائتلاف العراقي الموحد”، التي قررت نقل السلطة إلى نوري المالكي، الذي كان يمثل الخط الثاني في الائتلاف.
كان اختيار المالكي، لأنه يمثل بحسب وجهات نظر متعدّدة منها أمريكية، شخصية “أكثر ديناميكية” من سلفه الذي رفضته معادلة إيرانية- أمريكية، في التعاطي مع الأزمات.
واستمر إسناد منصب رئيس الوزراء بعد ولايتي المالكي، إلى رجالات الخط الثاني، باستثناء فترة عادل عبد المهدي، التي انتهت بكارثة سياسية وأمنية.
وعاد البيت الشيعي بعد ذلك إلى الخطة القديمة، ولكن حاول التراجع بعد 2022 بضغط من “شيوخ الإطار التنسيقي” إلا أنه انتبه ومنح السلطة لمحمد السوداني، الرجل القادم من خلف 7 وزارات.
وداعاً.. الجعفري
في الأخبار قيل إن قرار إبراهيم الجعفري، رئيس الوزراء الأسبق (2005-2006)، بالتخلي عن ترشيحه لرئاسة الحكومة بأنه “تنازل”، وهو وصف مخفف لما كان يجري.
الجعفري زعيم حزب الدعوة سابقاً، هو أول رئيس لمجلس الحكم (الحكم حسب الحروف الأبجدية) كان قد تنافس بشدة على منصب رئاسة الحكومة عقب انتخابات 2005 (أول انتخابات عامة بعد 2003) مع عادل عبد المهدي، الذي سيصبح رئيساً للوزراء لأقل من عام بعد ذلك بـ13 سنة.
وكانت الولاية الأولى لزعيم الدعوة “كارثية” بحسب وصف خصومه وحتى بعض حلفائه الشيعة، بسبب تصاعد الأعمال الطائفية، لذا كان من الضروري استبداله، بحسب مطالب سُنة وكُرد.
قال الجعفري في حوار مع صحيفة الغارديان البريطانية، في نيسان 2005 (بعد 4 أشهر على إجراء الانتخابات) إنه “لن يُرغَم على ترك منصبه تحت ضغط الولايات المتحدة وبريطانيا”.
وأضاف انه “تولى منصبه بقرار ديمقراطي ويجب احترام إرادة الشعب العراقي”.
وكان كلام الجعفري “معقولاً” بحسب وصف قيادات شيعية، نظراً إلى الفرضية التي كانت سائدة آنذاك: الحكم لشيوخ الأحزاب.
في ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة تضغط للإسراع بتشكيل الحكومة، في حين كان العنف الطائفي يتصاعد في البلاد.
وسط الحراك كله، لمعت فكرة “الوكالة” لأول مرة بعد الإطاحة بنظام صدام، وجاء الحل بإسناد منصب رئيس الحكومة إلى شخصية من الخط الثاني.
كان جواد المالكي، وهو الاسم الذي عرف به نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق وزعيم دولة القانون حتى منتصف 2006، يظهر كرجل ظل للجعفري، وشارك في كتابة الدستور، ولديه دور في إجراءات اجتثاث البعث.
ووفق ما يقوله سياسيون فإن المالكي، أو أي شخصية ثانية خارج الضوء كانت ستكون مفيدة في ذلك الوقت للتخلص من ضغط واشنطن والشركاء بالداخل.
الفكرة كانت تقول: بأن يختار الشيعة (كان اسمه في ذلك الوقت الائتلاف الشيعي الموحد) شخصية من غير القيادات لحسم “صراع الزعماء” على المنصب وإرضاء الداخل والخارج، بشرط أن يكون “بلا ظهر”.
كان الشيعة يخشون “تغوّل” الرئيس الجديد، ولكنها كانت أفكاراً غير مكتملة وتعتبر حينها مبالغات، ألا أنه في كل الأحوال كان الرجل الثاني سيبقى تحت “رحمة الائتلاف”، بحسب ما شاع الاعتقاد آنذاك.
سيوفر هذا الحل للفريق الشيعي، حسبما يقول قيادي في حزب الدعوة، تحميل رئيس الحكومة الجديد الخسارة لوحده، إذا ما أخفق، وإذا ما نجح فان “الائتلاف” يحصد حينها المكاسب، على غرار قاعدة “الفشل يتيم والنجاح لديه آباء كثر”.
حين وقعنا بفخ التضخيم
يرى سياسيون، بعد سنوات من ترك نوري المالكي رئاسة الحكومة التي امتدت لولايتين (من 2006 الى 2014)، بأن ثمة “فخاً” في تضخيم دور هذا الرجل بالبداية.
وصف الشيعة والصحف الأمريكية، المالكي، بعد تنازل الجعفري عن رئاسة الحكومة أو “عن إرادة الشعب” على حد قوله، بأنه “متشدّد لكنه جريء بالقرارات السياسية”.
واعتبرت عدم خبرته في المجال التنفيذي بأنها “أهم ميزة لدى المالكي” في توصيف غير مفهوم لأحد زملاء رئيس الحكومة الجديد وقتها، بحسب مقال نشرته نيويورك تايمز في 2006.
وقال موفق الربيعي، مستشار الأمن القومي السابق، وصديق المالكي، بحسب ما وصفته الصحيفة، إن الأخير “قوي وسمعته نظيفة”، وأضاف بأنه “لا يجر خلفه حقائب كثيرة”.
ربما كان يلمح الربيعي، الذي سينتقد بعد أعوام المالكي، أن الأخير سيكون وقتها (في 2006) بوصفه “موظفاً” لدى المجموعة الشيعية، وهو الوصف الذي سيستخدمه قيس الخزعلي، زعيم العصائب على المنصب ذاته بعد 16 عاما.
المرشح صار زعيماً!
يُعتقد أن نوري المالكي هو أول من سنَّ سُنة “الزعيم” لدى الفريق الشيعي؛ وكرس هذا التوصيف برئاسة الحكومة، وهي عدوى انتقلت بعد ذلك للمعسكر السُني، الذي صار يعتبر رئيس البرلمان “زعيماً” أيضاً.
الزعيم لا يمكن تنحيته عن منصب رئاسة الوزراء، لذلك أخرج المالكي أنصاره في 2014، في فورة انتشار “داعش”، وسط بغداد للهتاف لصالحه بولاية ثالثة، لكنه لم ينجح.
وللأسباب القديمة نفسها، التي جاءت بالمالكي على رأس السلطة قبل 8 أعوام، اضطر الشيعة الى اختيار حيدر العبادي في 2014 لتولي الحكومة، وهو من شخصيات الخط الثاني.
كان ملف “داعش” يضغط دولياً وداخلياً، وهي فترة تشبه ما كان يحدث مع الجعفري، وشركاء الشيعية مستاؤون من سياسة المالكي تجاه ضرب الاحتجاجات بالغربية، وتحريك دبابات ضد كردستان.
وعلى غرار ما سنّه المالكي، حاول العبادي القفز إلى الخطوط الأولى لكي يصبح زعيماً أيضاً، فذهب أثناء حكمه لتشكيل ائتلاف النصر، معتمداً على رصيده مما تحقق بالعمليات العسكرية ضد “داعش”، لكنه بالنهاية لم يستطع أن يلعب الدور أكثر من 4 سنوات.
سنة الارتداد
بعد التخلص من “داعش”، وهي فترة عصيبة للغاية، وجد الشيعة أن الوقت قد حان للعودة إلى الخطة “أ” وتسليم الحكومة لقيادات الخط الأول.
كانت التجربتان الأخيرتان مع المالكي والعبادي مريرتين. العبادي خرج بعد تظاهرات تخللها عنف في البصرة عام 2018، وقبلها المالكي بفضيحة عسكرية مدوية بانتشار “داعش” وانسحاب الجيش.
وساعد بالمقابل ما قيل إنه رأي سياسي لمرجعية النجف وقتذاك، في العبارة الشهيرة “المُجرب لا يُجرب”، وجاء وفق ذلك عادل عبد المهدي، على الرغم من أنه كان قد جرب سابقاً وزارتين ومنصب نائب رئيس الجمهورية، واستقال من جميع تلك المناصب.
الأوضاع حينها كانت ليست أفضل من السابقة (نهاية أيام المالكي)، فقد حاول العبادي بكل الطرق الفوز بولاية ثانية، ورفضه هادي العامري (زعيم بدر)، ومقتدى الصدر (زعيم التيار).
الصدر منح حكومة عبد المهدي الجديدة، سنة واحدة للتقييم، ويبدو أن زعيم التيار كان يتوجس من عودة قيادات الخط الأول إلى رأس السلطة، لذا بالفعل استقال رئيس الحكومة بعد نحو عام، بعد مجازر احتجاجات تشرين.
البحث عن وكيل
وجد الفريق الشيعي نفسه متهماً وسط الاحتجاجات العارمة بعشرات التهم: قتل، اختطاف، تعذيب، إخفاء، وغيرها. لذا أخرج، بحسب مسؤولين، الخطة القديمة من الدُرج، وبدأت رحلة البحث عن “وكيل” جديد يحمله كل ما جرى.
فكّرت القوى الشيعية بوزير الاتصالات السابق محمد توفيق علاوي، ثم النائب عدنان الزرفي، الذي يتهمه الفريق الأول بأنه “عميل أمريكي”، وهو رأي لا يختلف في توصيف من استقروا عليه في الأخير، مصطفى الكاظمي. وهم جميعاً من الخطوط الثانوية.
أخرج الفريق الشيعي حفل تنصيب الكاظمي بحرفية. الكل كان حاضراً حتى قادة الفصائل، وحقق بذلك الشرطين المهمين في “حروب الإنابة”: الدعم دون التورط بشكل مباشر، وتحميل الآخر مسؤولية القرارات المصيرية.
يقول فادي الشمري، وهو مستشار سياسي حالياً في الحكومة، عن رأيه بالكاظمي حين تم اختياره في 2020 ان الأخير: “تاريخه نظيف.. ولم تؤشر عليه قضية فساد”.
واكد آنذاك، في لقاء تلفزيوني، وكان متحدثا حينها بوصفه قيادياً في تيار الحكمة (عمار الحكيم)، بأن التيار داعم لتولي الكاظمي “لامتلاكه مقبولية دولية”.
لكن الشمري ذاته قال في آب الماضي إن “الناس تريد مغادرة هذه المرحلة وهذا الاسم”، حين سأل في برنامج تلفزيوني عن رأيه بالكاظمي.
وأضاف الشمري، بوصفه مستشار السوداني، متحديا الكاظمي: “إذا بي خير خلي يجي” في إشارة فُهمت على ان رئيس الوزراء متورط بملفات كثيرة يخشى على إثرها دخول العراق.
التخلص من الكاظمي “الغدر”!
انتشرت كورونا في ربيع 2020 بالعراق، وتراجع حماس الاحتجاجات، وهو ما خدم بالمصادفة المجموعة الشيعية في عبور الأزمة، حتى بدأوا بمهاجمة الكاظمي.
في ذلك الوقت انتهت صلاحية الكاظمي، بحسب قراءات لاحقة للحدث، وكتبت الفصول النهائية للرجل، بتوريطه بكل الإخفاقات الأمنية والسياسية والمالية، من ضمنها ما بات يعرف بعد ذلك بـ”سرقة القرن”.
في 28 كانون الاول 2020، أي بعد 7 أشهر من أداء الكاظمي اليمين، كتب أبو علي العسكري، الذي يصف نفسه المتحدث باسم كتاب حزب الله تغريدة قال فيها :”ندعو الكاظمي أن لا يختبر صبر المقاومة بعد اليوم، فالوقت مناسب جدا لتقطيع أذنيه كما تقطع آذان الماعز”.
جاء ذلك التصعيد بسبب اعتقال الكاظمي، مجموعة مسلحة تابعة لـ”الكتائب” كانت مسؤولة عن مهاجمة المنطقة الخضراء.
وبعد أقل من عام من ذلك التاريخ، اتهم هادي العامري (زعيم منظمة بدر) رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، دون أن يسميه، باحتكار السلطات والعودة بالبلاد إلى الدكتاتورية عبر بيان صدر في أيار 2021.
تصريحات العامري جاءت بسبب اعتقال الكاظمي قاسم مصلح، القيادي في الحشد، على خلفية اتهامات بقتل ناشطين.
وأضاف العامري في البيان “من يريد كسر هيبة الحشد تحت أي حجة كانت، هو الذي يريد أن يقوض هيبة الدولة”.
وفي حزيران 2022، وصف قيس الخزعلي حكومة مصطفى الكاظمي بأنها “حكومة انقلاب على إرادة الشعب”. في تصريح خلال كلمة له في المؤتمر السنوي السادس لعصائب اهل الحق الذي انعقد في النجف.
رغبة الشيوخ
الرسائل إلى الكاظمي بدت واضحة حينها بأن عليه المغادرة. رئيس الحكومة السابق تراجع عن فكرة سربت آنذاك، بإنشاء حزب وخوض الانتخابات، واكتفى بتنظيمها (الانتخابات التشريعية 2021) دون أن يشارك.
دور الوكيل انتهى بالفعل، ولفّت حول عنق الكاظمي اتهامات تتعلق بـ”تزوير الانتخابات”، وهي اتهامات ستعقد تشكيل الحكومة لنحو سنة وتنتهي باشتباكات مسلحة شيعية- شيعية على بوابات الخضراء.
كذلك أظهر التحالف الشيعي، نهاية حكومة الكاظمي وكأنها “حكومة مطرودة”، بحسب وصف محللين، لأن شبهات الفضيحة المالية الأكبر بعد 2003، والتي سميت بـ”سرقة القرن” لاحقت طاقم رئيس الحكومة السابق، بل وهو شخصياً.
واستولى “شيوخ الشيعة” مرة أخرى على السلطة بعد انعزال الصدر، وطرحت مجدداً فكرة “القيادي القح” على غرار ما كان يطرحه زعيم التيار الصدري من فكرة تولي “الصدري القح” السلطة.
أبدى كل من حيدر العبادي، العامري، الفياض، والمالكي الذي كان أشد المتمسكين بالمنصب، ويعتقد حتى الآن بأن الإطار التنسيقي أخطأ باختيار رجل من الخط الثاني (محمد السوداني) وسيعود قريبا (الإطار) للاعتذار عن خطئه والطلب منه استلام الحكم.
وحاول “الشيوخ” في تلك الفترة استمالة الصدر مرة أخرى، وبمساعدة من طهران، لكن المحاولات فشلت وهو ما دفع الى التخلي عن “القيادي القح” واللجوء الى الخط الثاني لرئاسة الحكومة.
معلومات حصلت عليها “جمّار” أشارت إلى أن الإطار التنسيقي كان يخشى أن يستلم أحد “الكبار” المنصب بينما الصدر يراقب، وقد يقلب الشارع بأي وقت. في تلك اللحظة ستكون “نهاية الفريق الشيعي بعد ازمة تشرين”، بحسب تلك المعلومات.
تمسك التحالف الشيعي في ما وصف بالفرصة الأخيرة للمجموعة، وطرحت أسماء ثانوية لشغل منصب رئيس الحكومة، مثل عبدالحسين عبطان، القيادي السابق في المجلس الأعلى ووزير الرياضة الأسبق، وقاسم الأعرجي مستشار الأمن القومي، ومحافظ البصرة أسعد العيداني.
وبالنهاية فازت، بحسب ما يتداول، إرادة الخزعلي الذي دعم بشدة تولي محمد السوداني الحكومة، فيما يُعتقد بانه كان موجهاً ضد المالكي، على اعتبار السوداني قد انشق عن حزب الدعوة إبان انتفاضة تشرين.
التحالف الشيعي نسي شيئاً وسط الإرباك السياسي
يقول حيدر العبادي، رئيس الوزراء الأسبق، في لقاء تلفزيوني في آذار الماضي، إن قادة الإطار التنسيقي حين اختاروا السوداني رئيساً للوزراء “نسوا أن يفرضوا عليه عدم ترشيح نفسه لرئاسة الوزراء إلا بأخذ موافقة منهم”.
وكانت محاولات تذكير السوداني بدوره كـ”وكيل” قد ظهرت مبكراً بكلام قيس الخزعلي، الذي يُعد عرّاب الحكومة الحالية، في مقولته الشهيرة “رئيس الوزراء مدير عام” لدى الإطار التنسيقي.
السوداني، يُوصف الآن خلف أبواب الاجتماعات السياسية المغلقة بأنه “متمرّد”، فقد عقد تسويات بخصوص منصب رئيس البرلمان، وحكومة كركوك التي تعثرت لأشهر عدة، بشكل منفرد عن الإطار التنسيقي.
ويبدو بحسب بعض المواقف، أن رئيس الحكومة مقبل على تحالف، كشف عنه لأول مرة أحمد الأسدي وزير العمل، ويضم حيدر العبادي، فالح الفياض، ابو آلاء الولائي وآخرين.
وغير واضح حتى الآن فيما سيكون هناك تحالف بين السوداني والخزعلي، لكن الأول كان حريصاً على إظهار نفسه مع شخصيات مؤثرة بالمحافظات، وتعتبر خصوماً لأغلب أطراف “الإطار” وهم محافظو: البصرة، واسط، وكربلاء، الذين وصفوا بـ”الثلاثة الأقوياء”.
صورة الانقلاب
ربما سيدفع خطأ “الإطار” بحسب ما وصفه العبادي في “تحرّر” الخط الثاني، ولعب دور الأساسي، حيث يظهر السوداني بأنه سيدير حكومة قادمة من “الثانويين” دون أن يمر بالكبار، عبر المحافظين الثلاثة، وسيضم إليهم عدنان الزرفي وبهاء الأعرجي (القيادي الصدري السابق) وآخرين.
رئيس الحكومة قاد خطاً جديداً في علاقته مع أطراف كركوك، ونجح “من دون الإطار” في تشكيل حكومة بعد تعثر نحو 9 أشهر، لكن قيس الخزعلي استطاع في اللحظات الاخيرة إيجاد موطئ قدم له في تلك التسوية.
دعم السوداني فالح الفياض، كما يتداول في أوساط العصائب، إذ يقف أمام أي محاولات لتنحية رئيس الحشد على خلاف رغبة حلفاء رئيس الوزراء (العصائب).
وبدأ السوداني، على الرغم من وجود اتفاق، بعدم الرجوع الى التحالف الشيعي في بعض القضايا، بحسب عقيل الفتلاوي المتحدث باسم دولة القانون في حوار تلفزيوني عرض في أيلول الحالي.
ويرجح محللون أن الصورة الشهيرة التي جمعت ما بات يعرف بـ”الأقوياء الاربعة”، كانت مقصودة على الرغم من نفي كل الأطراف وجود قصد من وراء ذلك.
وظهر السوداني في الزيارة الأربعينية الأخيرة، في صورة التقطت مع المحافظين الثلاثة: اسعد العيداني (البصرة)، نصيف الخطابي (كربلاء)، ومحمد المياحي (واسط).
الرواية الرسمية قالت إن هؤلاء المحافظين كان لهم دور أساسي في إنجاح الزيارة، لكن هذه المجموعة تمثل قوة النفط (البصرة)، والمركز الديني (كربلاء)، والحدود مع إيران (واسط).
هؤلاء المحافظون كانوا قد تسببوا في أزمة داخل “الإطار” بعد حصولهم على ولاية ثانية على خلاف الاتفاق الشيعي.
فجّرت عودتهم للمنصب مرة أخرى خلافات على مواقع المحافظ في صلاح الدين، نينوى، الديوانية، ميسان، واخيرا ديالى وكركوك، فهل ينوي السوداني استخدامهم هذه المرة لتفجير القواعد السياسية القديمة؟