"يحسبون عليَّه الهوا": أمهات مُعاقبات بين دوائر الدولة والمحاكم 

زينب المشاط

04 آذار 2024

أمهات يتنازلن عن حقوقهن، في سبيل استعادة حريتهن، لكنهن يواجهن وأطفالهن التمييز والتعقيد والابتزاز.. عندما ذهبت سُها وسهير وأصيل وشهد إلى دوائر الدولة والمحاكم..

“طلقني بعد أن اعتبرت ناشز، لأني ما رحت لبيت الطاعة وفق قرار المحكمة، وفي 2021 تجردت عن كل حقوقي، ونشزوني وطلقني غيابي”، تقول سها فاضل (31 عاماً) من بابل، وهي أم لثلاث فتيات. 

خسرت سها حقوقها كافة، لكنها لم تتنازل عن حقوق بناتها الثلاث، اللواتي تضمن لهن المادة 59 من قانون الأحوال الشخصية للعام 1995 نفقتهن لغاية زواجهن، أو عندما يبدأن العمل وكسب المال. 

حكمت المحكمة بواجب دفع طليق سها نفقة بقيمة 120 ألف دينار لكل بنت، بحكم أن زوجها “كاسب”، لترتفع بعد سنتين إلى 150 ألف لكل بنت، حيث تزداد النفقة كل عام وفقاً للتغيّرات الاقتصادية وارتفاع الأسعار، وتكون قيمة الزيادة خاضعة لتقييم الخبير القضائي. يحدد الأخير قيمة النفقة بموجب الوضع المعيشي للأب إذا كان كاسباً، ووفق قيمة راتبه إذا كان موظفاً حكومياً، كما تؤخذ بعين الاعتبار الظروف التي تعيش فيها الحاضنة.  

يعد المحامي محمد جمعة، الخبير القضائي “مشكلة بحدّ ذاته”، ويعطي مثلا في أن يكون راتب الأب مليون دينار عراقي، عندها ممكن أن يحكم الخبير القضائي في محكمة الكرخ نفقة للأم بقيمة 300 ألف دينار، فيما سيحكم خبير قضائي في محكمة أخرى، مثل محكمة بغداد الجديدة، بنفقة 100 ألف دينار عراقي من هذه المليون؛ ما يعني أن قيمة النفقة تصبح “خاضعة لمزاج الخبير القضائي وليس لحاجة المرأة لها”. 

كيف يهرب الرجل من النفقة؟ 

“آخر قطعة ذهب عندي بعتها بـ2021.. حتى ابني لا يحتاج شي.. وحتى الآن ما أعرف شي عن أبوه”. 

تقول سهير التي تطلقت عام 2019 باتفاق بموجبه يدفع والد طفلها مئة دولار شهرياً، والتي كانت كافية لتغطي كل نفقاته. 

أما نفقتها هي فسقطت عنها بعد الطلاق، وفقاً للمادة 23 من قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لعام 1959، “النص في هذه المادة يقول تجب النفقة للزوجة على الزوج من حين العقد الصحيح، والعقد الصحيح يعني عقد الزواج، وفي حال ألغي العقد أي وقع الطلاق، ألغيت النفقة” يقول جمعة. 

لكن سهير أصرت على الحفاظ على حقوق ابنها.. “ما اريد ابني باجر يلومني لأن تنازلت عن حقوقه، وكذا مرة قلت لأبوه ما أريد عين ابني تشبح على أكل أو لعبة أو مدرسة وما أكدر أوفرها أله”. 

بعد مضي عام على طلاقها، ومع بدء جائحة “كورونا” وغلق الكثير من المؤسسات التجارية، اضطرت سهير وطليقها لترك عملهما، ما دفع بالأخير إلى إعلامها بإنه لا يستطيع توفير الـمئة دولار للطفل. رفضت سهير التنازل عن حق طفلها، ولا تندم على أنها ضغطت على زوجها لتحصيل نفقة ابنها رغم الظروف. 

اقرأ أيضاً

“أريدهم اثنينهم”.. عن الأطفال في “معركة الكبار” على المادة 57 

وعلى الرغم من عودة الأب لعمله بعد مدة، إلا أنه أصبح يُماطل بدفع نفقة ابنه، “صار ينطيني الـ100$ كل شهرين أو ثلاثة، ولأن هو بمحافظة أخرى، يرسلها عبر أكثر من مكتب صيرفة، بحيث تضيع على الكراوي”. 

عندما كان طليق سهير يسكن في المحافظة التي تسكن فيها نفسها، كان ضغط أهلها عليه يضمن لها أن تحصّل على مصاريف ابنها، أما اليوم وعلى الرغم من أنها تعلم أن طليقها متواجد في إحدى المحافظات العراقية، فهي لا تستطيع إثبات ذلك، “أني أصلا ما أعرف هو وين، حتى الدعاوى الي أرفعها، والتبليغات، ما أعرف وين أرسلها لأن ماكو عنوان”.  

لا المرأة ولا المحكمة تعرفان العنوان لإرسال التبليغات أو رصده. 

عدم معرفة مكانه، بالإضافة لكونه يعمل “كاسباً” في القطاع الخاص، يعني أن سهير لا يمكنها أيضاً الحجز على جزء من راتبه بحكم من المحكمة، إذا كان الزوج موظفاً حكومياً، أو الحجز على ممتلكاته في حال امتناعه عن دفع النفقة، وفقاً للمادة 82 من قانون التنفيذ العراقي رقم 45 لعام 1980. 

محنة سهير باتت شائعة كما يؤكد المحامي محمد جمعة، “إذا لم يكن الرجل موظفا حكومياً، وليس لديه أموال يتم الحجز عليها مثل سيارة أو أملاك مثل قطعة أرض أو غيرها وهذا يحدث في أغلب دعاوى النفقة، هنا بسهولة يختفي عن الأنظار ويتملص عن دفع النفقة”.  

وحتى لو عُرف مكان تواجد الطليق، فهذا لا يضمن أن تحصّل النفقة. 

ففي حال تخلف الرجل عن دفع النفقة، يصدر حكم إحضار جبري بحقه بحسب المادة 22 من قانون التنفيذ العراقي رقم 45 لعام 1980، لكن وكما يفسر جمعة المادة “الإحضار الجبري ما يسوي شي، يكدر الرجل يبقى كاعد بالبيت، يروحون الشرطة يدكون الباب عليه، ويطلع أبوه يكلهم ما موجود يديرون وجهم ويرجعون، لأن القانون يمنعهم من الدخول إلى البيت وإحضاره”. 

وتوضح المادة 22 المذكورة أن المدين يحضر جبرياً فقط عند مشاهدته بشكل مباشر من قبل الجهة المحضرة، أي يجب ألا يكون داخل منزله أو عمله، ويوضح المحامي محمد جمعة موضوع الاحضار بأن أمر احضار جبري، او أمر قبض، يصدر عن محكمة جزائية، ولذلك فلا يجوز أن تقوم الجهة المحضرة -اي القوات الأمنية- بالتفتيش عن المدين. 

وفي حال كان أمر القبض صادراً عن محاكم التحريات (التي تتحرى عن الشخص المذنب أو المجرم) هنا من حق القوة المحضرة (أي القوات الأمنية) الدخول إلى منزل المدين والتفتيش عليه واحضاره من عمله أو منزله، لكن أمر الاحضار الناتج عن محاكم التنفيذ هو أمر إحضار جزائي، ولهذا فإن أصول المحكمات تمنع من الدخول الى منزل المدين أو التفتيش عنه في عمله، وعلى القوات الأمنية أن تحضره حين تشاهده أمامها فقط، وهذه بروتوكولات تنفيذ القانون. وتعاقب المادة 43 من قانون التنفيذ بالسجن لغاية أربعة أشهر، المدين لتخلفه عن تسديد دينه، “لكن بعد مضي الـ4 أشهر رح يخرج المدين، حتى وإن لم يسدد المبلغ للدائن”، يقول الدايني. 

وهنا قد تلجأ الأم المطلقة إلى قانون العقوبات رقم 111 لعام 1969، إذ تعاقب المادة 384  من قانون العقوبات الرجل المتخلف عن دفع النفقة بالسجن لمدة سنة.  

لكن للقضاء حكماً آخر بهذه المادة! 

 وللقضاء وجهتان في هذه المادة، بحسب خبراء القانون الذين استعنا بهم في هذا التحقيق، أما أن يحكم بالسجن لمدة عام مع إيقاف التنفيذ وهذا أمر غريب، أو يحكم على الرجل بالسجن لمدة أربعة أشهر فقط، ويشير خبراء القانون أن هناك تعنتاً من بعض الرجال في دفع النفقة، وهم يفضلون أن يسجنوا لـ4 أشهر على أن يدفعوا النفقة.  

 ويجد الخبراء القانونيون، أن أبرز المشكلات التي تواجهها النساء بعد الطلاق في كيفية الحصول على حقوقهن أو حقوق أطفالهن تكمن بالتشريعات، “عدنا قوانين مترهلة وقديمة، وإلا شنو رجل يفلت من النفقة بشكل سهل إذا ما كان موظف حكومي وماعنده أموال ينحجز عليها!” يقول المحامي محمد جمعة، “هناك عناد كبير في أمور الطلاق، أحيانا يصل الموضوع بأن يقول الرجل لمحامي طليقته أدفعلك رشوة 5 ملايين وكون بصفي، وهالشي صاير”. 

التنفيذ.. إذلال ومماطلة 

“لما قررنا نتطلق، وخصصنا مبلغ لنفقة الطفل بالاتفاق، كان كل هذا حتى ما ندخل محاكم، ونتخلص من إذلالها ومعاناة دوائر التنفيذ”، تقول سهير. 

فعملية تحصيل النفقة قد تأخذ شهرين أو ثلاثة، ما يعني أن المرأة المعتمدة على نفقة في مصاريف أبنائها، تبقى بدون نفقة شهرين أو ثلاثة بسبب الإجراءات الرتيبة بالدوائر الحكومية والمخاطبات بين الدوائر، يقول جمعة. 

خرجت سهير من تجربة زواج صعب، لتدخل صراعاً جديداً كأم مطلقة تقاتل لنيل حقوق ابنها، “رفعت دعوى النفقة بعد فترة، وحصلت قرار بذلك، أجه المحكمة وقال أني عاطل،  فحكموا أن يعطي للطفل 100 الف دينار عراقي، وإلي كحاضنة 20 ألف كل شهر، قلت لا بأس أدفعها أجور حضانة”. 

لكن طليق سهير رفض أن يكون الدفع في دائرة التنفيذ، ليتمكن من التملّص منه ” قال إذا الدفع بالتنفيذ ما ادفع”. 

حين رفعت سهير دعوى قضائية للحصول على نفقة طفلها من طليقها، طالبت القضاء أن يكون دفع النفقة في دوائر التنفيذ، إذ من حق الدائن أن يحدد مكان دفع مستحقاته المالية المأخوذة من المدين، واختارت سهير أن يكون الدفع في دوائر التنفيذ حتى لا يتملص طليقها عن الدفع، وبدأت رحلة سهير في دوائر التنفيذ منذ 11 شهراً، “ما أحجيلج على الوضع بدائرة التنفيذ الوسخ.. والدمار”.  

ودائرة التنفيذ هي إحدى دوائر وزارة العدل، وهي دوائر عدة منتشرة في جميع المحافظات العراقية، مهمتها تطبيق أحكام قانون التنفيذ رقم (45) 1980، الهادف لصيانة حقوق الدولة والمواطنين من خلال تنفيذ الأحكام الصادرة عن المحاكم، واحترام القانون وسيادته، خاصة تلك الأحكام التي تخص تسديد الديون، أو أحكام النفقة، أو دفع المؤخر وغيرها، ووضع ضوابط لكل من الدائن (صاحب الدين) والمدين (الشخص المطلوب للدين) وترتيب تفاصيل التسديد المالي بينهما حتى لا يتخلف الأخير عن تسديد المال للأول. وتعمل هذه الدوائر تحت اشراف وإدارة وزارة العدل العراقية. 

دوائر التنفيذ البالغ عددها 134 دائرة، متوزعة في عموم العراق، 13 منها في بغداد، والأخرى تتوزع على المحافظات، باستثناء إقليم كردستان. 

اقترنت دوائر التنفيذ لدى سهير ونساء كثر في محافظات مختلفة بالإهمال والإذلال والمماطلة بالإجراءات الحكومية الروتينية. ويصف المحامي جمعة حال المرأة في دوائر التنفيذ البطيئة بأنها “مذلة للمرأة في الواقع، وكأنها تستجدي حقوقها من هناك”. 

“مكابلة دوائر التنفيذ وكاعدة.. التنفيذ يشهد عليه”.. تقول سها التي مضى على حالها هذا أربع سنوات منذ إصدار حكم النفقة لأطفالها، إذ لا يلتزم طليقها بدفع النفقة في المواعيد المحددة. “طليقي ما يدفع بالشهر الأول ويوصله تبليغ، وما يدفع بالشهر الثاني ويوصله تبليغ، وقبل وصول التبليغ الثالث وحتى لا يتوقف بمركز الشرطة يدفعلي، وآني على هالحال كل 3 أو 4 أشهر أحصل مبلغ النفقة” تقول سها. 

طليق سها يقوم بذلك لأنه يعرف أن لمدير التنفيذ الحق بإصدار تبليغ بإحضار المدين (الطليق) إحضاراً جبرياً بسبب تخلفه عن دفع دينه، ويعطيه مهلة سبعة أيام بعد إصدار التبليغ، ثم يتم استقدامه وفقاً للمادة 22 من قانون التنفيذ. 

وحين ينتهي عذاب النساء بسبب مماطلة الرجل، تبدأ مماطلة نظام دوائر التنفيذ والمصارف.  

“حالياً زوجي موظف، وراتبه يصدر كل 28 بالشهر، وأني بعد 3 أسابيع أو أكثر من نزول الراتب يلا أستلمه، ومن أسألهم بالتنفيذ يقولون التأخير من المصرف”، تقول سها. ذلك على الرغم من انتظام الدفع بدوائر التنفيذ عندما تحول إلى نظام إلكتروني، للتخفيف عن المراجعين أعباء الزحام والإجراءات الروتينية والإضبارات، بحسب مدير إعلام وزارة العدل مراد مهدي؛ إلا أن هذا لم يُنهِ المشكلات التي تواجهها النساء هناك. 

ويعزو مهدي هذا التأخير في دفع المستحقات إلى الدائن (المرأة في هذه الحال) إلى مواعيد إرسال المبالغ من الوزارات والمؤسسات التي يعمل بها المدين إلى المصارف التابعة لها بطاقات الدفع الألكتروني، رغم تأكيد دائرة التنفيذ على ضرورة إرسال المبالغ بوقت سريع كل شهر. 

ويذكر العديد من الخبراء القانونيين، من بينهم المحامي علي الدايني لـ”جمار” أن “مشاكل دوائر التنفيذ وبطء إجراءاتها تعود لقلة عدد كوادرها، فعلى سبيل المثال دائرة تنفيذ بغداد الجديدة التي تشمل رقعة جغرافية كبيرة، يُراجعها آلاف من المواطنين، لا يتجاوز عدد موظفيها الـ5 أو6 موظفين، متسائلاً كيف سيتمكن هذا العدد القليل من الموظفين من تمرير آلاف المعاملات! 

ويجيب مدير إعلام وزارة العدل مراد مهدي على ذلك، بأن توقف التعيينات في العشر سنوات الأخيرة، وإحالة بعض الموظفين إلى التقاعد بسبب إكمالهم السن القانوني، أدى إلى قلة الكوادر في جميع مؤسسات الدولة، مع زيادة عدد المراجعين، لكن مديرية التنفيذ خصصت خطوطا ساخنة، من ضمنها موقعنا على فيسبوك لاستقبال شكاوى المواطنين كافة. 

وأقر مجلس الوزراء، الإستراتيجية الوطنية للمرأة العراقية، في آذار العام الماضي لتعزيز دور المرأة في الدولة العراقية، وكانت تصب بهدفين رئيسيين أولهما تعزيز وتمكين دور المرأة في الحكومة العراقية، والثاني تحسين أوضاع النساء وظروفهن في دوائر الدولة، وتعد هذه الإستراتيجية فاعلة منذ عام 2023 وحتى 2030، لكن لاتزال أوضاع النساء على ما هي عليه في دوائر ومؤسسات الدولة. 

وليس هناك بيانات واضحة تمتلكها وزارة العدل، أو مديريات التنفيذ تخص عدد النساء المطلقات اللاتي يراجعن هذه الدوائر لأخذ حقوقهن بعد الطلاق، بحسب ما أكده مراد مهدي لجمار. 

لا تنتهِي مشاكل دوائر التنفيذ عند المماطلة والبطء والإهمال، بل يتفاجأ المراجعون  بإغلاق الدوائر أبوابها، كما حدث في عام 2021، حينما أغلقت دائرة تنفيذ مدينة الصدر أبوابها لأربعة أشهر بسبب وجود رطوبة على جدران غرفة الموظفين. حينها بدأت النساء تصطف في طوابير تنتظر منذ الخامسة فجراً عسى أن تفتح الدائرة أبوابها. تكرر هذا الغلق في دائرة تنفيذ الزهور في منطقة الحسينة على أطراف بغداد ممتداً لحوالي أسبوعين قبل شهرين تقريباً، لأغراض الجرد كما ذكرت اللافتة التي علقت على باب الدائرة. 

جدول يوضح الدعاوى التي تواجهها النساء بعد الطلاق، وعددها وتفاصيلها 

ملاحظات حولها العدد اسم القضايا وأنواعها 
الأب يرفع دعوى لمشاهدة أبنائه ولا يحضر يوم المشاهدة 280 مشاهدة أو مصاحبة من الأب ضد الأم 
الأباء يتملصون عن دفع النفقة بطرق مختلفة ذكرت في التقرير  256 نفقة الأولاد 
لا تسقط الوصاية عن الأب إلا في حال وفاته 50 حجة الوصاية محاولة الأم لكسب الوصاية على الطفل  
هذه الدعوى ترفع مع دعوة الطلاق، وفيها شروط عديدة ذُكرت في التقرير 20 حق السكن 
عندما يتعند الأب عن اصدار أوراق ثبوتية للطفل، تستطيع الحاضنة (الأم) اصدار هذه الأوراق، بعد أن ترفع دعوى اثبات حضانة وتثبت حضانتها للمولود، باستثناء جواز السفر 180 اثبات حضانة لاستحصال أوراق ثبوتية 

تواصل جمار مع 15 مكتب محاماة عراقي من بغداد حصراً، لحصر القضايا القانونية التي تواجهها النساء بعد الطلاق، والتي وقعت على أقل تقدير خلال عام 2023، خمسة محامين فقط، تمكنوا من تزويدنا بعدد ونوع القضايا التي التزموا بها خلال عام 2023، والتي تواجه النساء بعد الطلاق. 

إقامة جبرية   

“سويت حفلة لصديقاتي بالبيت” تقول سهير، بمناسبة حصول ابنها على الهوية، وهي التي عانت على مدى عامين حتى استخرجت أوراقاً ثبوتية لطفلها، بعد عناد طويل من طليقها. 

عمل القضاء العراقي منذ عام 2005 بعرف قضائي، كما يقول المحامي محمد جمعة، منح الحاضنة الحق بإقامة دعوى إثبات حضانة واستخراج أوراق ثبوتية لطفلها كتسهيل لها في دوائر الدولة، مستثنياً إصدار جواز السفر، وذلك بموجب المادة 4 من قانون الجوازات رقم 32 لعام 2015. يمنع إصدار جواز سفر لمن كان أقل من 18 سنة، إلا بحضور الولي أو الوصي، وإذا كان الأب على قيد الحياة فهو الولي، وإذا توفي ستكون الوصاية من حق الأم بالدرجة الأولى. 

كما لا يُجرّم القضاء فعل سلب الأوراق الثبوتية الخاصة بالطفل من قبل والده، يقول جمعة “بالرغم من أن المادة 299 من قانون العقوبات، تضع سنتين كأقصى عقوبة على جريمة استعمال شخص لمحرر صادر لغيره (أي أن يستعمل أحدهم أوراقاً ثبوتية ليست له بل لشخص آخر، سواء قام بأخذها أو استعمالها). 

لكن القضاء يعتبر أن أخذ الأب لمستمسكات أولاده أمر طبيعي، حتى لو كانوا في حضانة الأم!. إذ يذكر خبراء القانون الذين استعنا بهم في هذا التحقيق، أن القضاء يعتبر الأب مسؤولا عن أبنائه، لهذا فهو حين يأخذ أوراقهم الثبوتية، أو يستولي عليها فهو ليس سارقاً لها، كونه هو المسؤول عنهم. 

معركة الطلاق استنزفت أصيل، فتخلت عن جميع حقوقها لكنها اختارت ابنها مقابل ذلك. كانت قد نزحت مع ابنها وعائلتها من الموصل إلى بغداد عام 2014 عقب احتلال تنظيم الدولة الإسلامية نينوى. وفي الوقت الذي أسست نفسها “من الصفر”، شعرت أنها “محبوسة بالبلد وما أكدر أسافر وية أهلي لا لأغراض علاج، ولا لأغراض سياحة، ولا حتى للعمل لأن ابني بدون جواز سفر”. 

هاجر طليق أصيل إلى أمريكا، من دون أن تعرف محل إقامته ودون إصدار جواز للطفل “لأن يتخيل رح احرمه الوصول لأبنه”. 

الحلول التي طُرحت أمام أصيل هي إما أن تدعي أن ابنها يعاني من أمراض عقلية، أو أن تجلب تقريراً طبياً يثبت أنه مريض لتستحصل له جواز سفر، ولكنها رفضت لأنها لم تتحمل فكرى ادعاء المرض لابنها ولا أن تتحايل على القانون، كما قالت. 

حاولت أصيل الحصول على وصاية على أبنها، لكن بموجب قانون رعاية القاصرين رقم 78 لعام 1980، فإن القانون يرفض ذلك إلا بحالة وفاة الأب، “أو في حالة تعارض مصلحة الطفل مع وليّه، مثلاً كان الطفل يعاني اضطرابا نفسيا، وهو مضطر للسفر ووليه يرفض، هنا تمنح الوصاية للأم لكن يجب أن يعرض إلى لجنة تثبت أنه معتل نفسياً” وفقا للمادتين 36 و37 من القانون، يقول جمعة. 

ظلت اصيل تحاول ذلك حتى تظاهرات تشرين 2019 حين طالها تهديد بات يشكل خطراً حقيقياً على حياتها، ما اضطرها وقتها السفر إلى تركيا عند والديها اللذين سبقاها إلى هناك، وتركت الطفل ذا التسع سنوات عند أهل طليقها.. “انهاريت في تلك الفترة، بعد أشهر قليلة رجعت الأبني، قلت الهم أرجع لابني أقلها اموت عنده”. 

بعد سبع سنواتٍ من الطلاق، حصلت أصيل على جواز سفر لأبنها، وبتدخل من أسرة طليقها بعد أن لمسوا أن التهديدات التي طالتها جدية، فأقنعوا ابنهم بأن يكتب لها توكيلاً لاستحصال الجواز. 

الآباء يعاقبون الأمهات المطلقاتبالقانون 

 يمارس الرجال -وخاصة الآباء منهم- بعد الطلاق ضغوطات عدة لاستفزاز طليقاتهم، مستغلين بذلك الأبناء، بدءاً من سلب الأوراق الثبوتية للطفل، أو التعنت بإصدار أوراق السفر إلى دعاوى المشاهدة، التي يرفعها الأباء لمشاهدة أبنائهم، إما في المحكمة، أو في مكانٍ يتفق عليه الطرفين للمشاهدة. فمن حق الأب، وفقا للمادة 57 من قانون الاحوال الشخصية، “النظر في شؤون المحضون وتربيته وتعليمه حتى يتم العاشرة من عمره، وهو ما يقول المحاميان زينب جواد ومحمد جمعة إن القضاء فسر أن مشاهدة الاب للطفل مرة كل اسبوع، لمدة 6 ساعات في كل مرة. 

هذا ما حدث مع سها حينما رفع طليقها دعوى لمشاهدة بناته، ولكنه تخلف عن الحضور في الأشهر الأربعة الأخيرة. 

تذهب سها وبناتها أسبوعيا إلى موقع المشاهدة الذي حددته محكمة الأحوال الشخصية في بابل، لتشاهد الفتيات والدهنّ، لكنه لا يأتي. 

 “لو تشوفين مكان المشاهدة، يرجع الطفل منه متأزم نفسياً، تخم مكسر ومكان مهدم”. 

حاولت سها ألا تصطحب بناتها لمشاهدة والدهم، فهو لا يأتي على أيّ حال، لكنه رفع دعوى قضائية ضدها حكمت على أساسها بالسجن لمدة 6 أشهر، فدفعت الكفالة، وصارت تذهب كل أسبوع في الموعد المحدد “أروح أبقى انتظرة كل أسبوع أني وبناته ساعة ونص، ما يجي ونرجع”. 

 تُعاقب الحاضنة، إذا تخلفت عن إحضار المحضون في الموعد المخصص للمشاهدة، بالسجن لغاية ستة أشهر، وبغرامة لاتزيد عن مئة الف دينار عراقي، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفقاً للمادة 238 من قانون العقوبات العراقي

“القانون صمت ولم يضع أي عقوبة للأب إذا لم يحضر لأكثر من مرة في موعد مشاهدة المحضون، لكنه فرض عقوبة فقط على الحاضنة، إذا تخلفت عن إحضار المحضون لموعد المشاهدة.” يقول المحامي علي الدايني “المفروض هناك تشريعات جديدة تضع عقوبة تأديبية للأب المتخلف عن حضور موعد مشاهدة طفله، لأن هذا التخلف هو تلاعب بالقانون”، يؤكد الدايني “نحن كمحامين نشير دائما وبشكل فردي لضرورة تشريع قوانين جديدة، أو تعديل القوانين القديمة، لكن مبادراتنا غير كافية، الأمر بحاجة إلى مشرع وهو بيد مجلس الوزراء ومجلس النواب”. 

الأمهات المطلقات.. متهمات دائماً  

سجل العراق حوالي 7 آلاف حالة طلاق، خلال كانون الثاني من عام 2024 فقط، بحسب مجلس القضاء الأعلى، وأعلن المجلس في آب 2023، أن حوالي 235 حالة طلاق تقع في اليوم الواحد، لكن لا وجود لإحصائيات واضحة عمّا إذا كانت المطلقة أماً أو لا، كما ذكر مدير إعلام وزارة العدل مراد مهدي لـ جمّار “نحن لا نملك إحصائيات واضحة لعدد النساء المطلقات اللاتي يُراجعن دوائر التنفيذ”. 

ولم يضع مجلس القضاء الأعلى أرقاماً تصف أنواع وأشكال الدعاوى القضائية التي تواجهها النساء أو ترفعها ضد الرجال بعد الطلاق، سواء تلك التي تخص نفقة الأولاد، أو حجة الوصايا، أو إثبات الحضانة، وغيرها. 

حتى حق السكن، والذي عدّه المحامون من القضايا المعقدة جداً، إذ يقول المحامي محمد جمعة “لشدّة تعقيد هذا الحق لم تردني خلال 2023 سوى 4 دعاوى، رفعتها نساء للمطالبة بحقهن بالسكن”. 

ويضمن قانون السكن رقم 77 لعام 1983، للمطلقة حق العيش في سكن الزوجية لمدة 3 سنوات بعد وقوع الطلاق، إذا كان باب سكنها قبل الطلاق منفصلاً، “اي لا تكون قبل الطلاق ساكنة مع أهل زوجها، ويكون لها باب شقة أو بيت، أو مشتمل منفصل، وليس جزءا من منزل، أما إذا كانت ساكنه مع أهله، وليس لديها باب مستقل، فيسقط حق السكن عنها بعد الطلاق”. يذكر المحامي محمد العكيلي. 

وفي حال لم تطالب الزوجة بحقها في السكن أثناء المرافعة بدعوى الطلاق، وتم الطلاق، فسيسقط حقها في السكن كما يذكر العكيلي، “لأن القاضي لن يعطي قراراً بالسكن من تلقاء نفسه، إلا إذا طالبت به المرأة”.  

تكتشف المرأة المطلقة أنها مهملة، ومعاقبة، وأنها متهمة دائماً بعيون المجتمع، تكون خطواتها محسوبة، وقد يظنها الكثيرون أنها “سلعة سهلة”. 

تقول شهد، وهي أم مطلقة لطفلين، “رحت أطلع شهادة جنسية لبنتي، أجاني ضابط بالجنسية؛ كلي أني اسهلج الموضوع بس انطيني رقمج وأني احجزلج السرة، وأني فعلا انطيته رقمي، لكنه بلش يرسل مسجات يطلب أن اطلع وياه ونتغدة سوة”. 

حتى داخل المنزل المطلقة معاقبة، ومتهمة من قبل أسرتها “إذا اطلع أو اطب كله بحساب، أهلي يحسبون عليه الهوى الي اشمه، ومن افتح حلكي يكولون انتِ مطلقة لا تسويلنا فضايح” تقول شهد لجمار. 

تعرضت سهير هي الأخرى لنوع من التحرش من قبل كاتب العدل، حين ذهبت لاستخراج أوراق ثبوتية لطفلها “كاتب العدل نفسه، نظرة عينه كانت تقول: انتِ مطلقة، حرة الآن ومتاحة، وكأنه يقول لي أنت عاهرة، نظرته وجعتلي روحي”. 

لم تكن نظرات تحرش فقط، تلك التي أشارت لها سهير، بل هنالك عتاب وعقاب وحسرة، وشفقة “توصلت بعد طلاقي أن تجربة الطلاق والأمومة معاً تستحق أن تسمى بـ”عقاب الأمومة” أنت تعاقبين بأمومتج لأن تطلقتي، كل النظرات تفسر بأنه يا حريمة اطلقتي وانت أم لهذا الطفل”. 

لا أحد يرى الأسباب التي تجبر النساء على الطلاق، وما دفعهن لهذا الخيار “اني انفصلت عن رجل تعبت منه ووصلت لمرحلة فقدان روحي، وتحسسي للعالم وجدت نفسي أصرخ على طفل صغير لهذا أخترت الطلاق؛ لأني ما أريد أن اكون أم بهذا الشكل”. 

التشريعات القديمة وطرق تنفيذها التقليدية والرتيبة، تعدّ المشكلة الأكبر التي تواجه النساء المطلقات اليوم، وخاصة الأمهات منهن. التهاون في تطبيق القرارات القضائية من قبل الجهات المنفذة، وعدم تشريع عقوبات رادعة للمخالفين من الرجال، فضلاً عن التحايل والتلاعب بالقانون من قبل الكثير من الرجال، يجعل النساء يدفعن الثمن بعد الطلاق، ويحرم العديد من الأطفال حقوقهم. 

ومع ذلك.. يناضلن من أجل عائلتهن 

وعلى الرغم من ذلك، لاتزال الكثير من النساء المطلقات يصارعن المحيط، والمجتمع، والطليق، والترهلات القانونية، والحكومية، للحصول على حقوق أطفالهن، وحقوقهن. 

سها مثلاً، تكمل دراستها اليوم في مجال القانون “أريد أصير محامية بعد كل إلي مريت بي، حتى آخذ حقي”، وتعمل موظفة في شركة سياحة، فضلا عن عملها سائقة “خطوط جامعة”، لتوفر لفتياتها الثلاث العيش الكريم، بسبب تأخر النفقة. 

أما سهير التي تجد صعوبة بإيجاد عمل، فترى أن طليقها يمتحنها بكرامتها بمنعه النفقة عن طفله، ما يجعلها بحاجة ماسة إلى المال لسدّ احتياجات طفلها وتقول “إذا ابو أبني استمر بعدم دفع النفقة للطفل رح اضطر أن أخلي ابني يدرس من البيت” سهير لا تريد تسجيل ابنها في مدرسة حكومية، وتفضل تسجيله في مدرسة اهلية، لكن والد الطفل لا يدفع للطفل نفقته، لذلك تفكر بإيجاد حيلة قانونية تجعل الطفل يدرس من منزله والذهاب إلى المدرسة الحكومية فقط في اوقات الامتحان النهائي والنصف سنوي. 

وتعيش أصيل نهاية سعيدة مع طفلها الذي ناضلت من أجل أن تكون معه، وظفرت بذلك لتقاسمه قصص نجاحاتها. 

 لكن هناك آلاف النساء المطلقات يعانين، بحثاً عن حقوق أولادهن، بين دوائر الدولة، والمحاكم، خاضعات لقسوة المجتمع. 

  • أنجزت هذه المادة بإشراف سوسن زايدة 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

“طلقني بعد أن اعتبرت ناشز، لأني ما رحت لبيت الطاعة وفق قرار المحكمة، وفي 2021 تجردت عن كل حقوقي، ونشزوني وطلقني غيابي”، تقول سها فاضل (31 عاماً) من بابل، وهي أم لثلاث فتيات. 

خسرت سها حقوقها كافة، لكنها لم تتنازل عن حقوق بناتها الثلاث، اللواتي تضمن لهن المادة 59 من قانون الأحوال الشخصية للعام 1995 نفقتهن لغاية زواجهن، أو عندما يبدأن العمل وكسب المال. 

حكمت المحكمة بواجب دفع طليق سها نفقة بقيمة 120 ألف دينار لكل بنت، بحكم أن زوجها “كاسب”، لترتفع بعد سنتين إلى 150 ألف لكل بنت، حيث تزداد النفقة كل عام وفقاً للتغيّرات الاقتصادية وارتفاع الأسعار، وتكون قيمة الزيادة خاضعة لتقييم الخبير القضائي. يحدد الأخير قيمة النفقة بموجب الوضع المعيشي للأب إذا كان كاسباً، ووفق قيمة راتبه إذا كان موظفاً حكومياً، كما تؤخذ بعين الاعتبار الظروف التي تعيش فيها الحاضنة.  

يعد المحامي محمد جمعة، الخبير القضائي “مشكلة بحدّ ذاته”، ويعطي مثلا في أن يكون راتب الأب مليون دينار عراقي، عندها ممكن أن يحكم الخبير القضائي في محكمة الكرخ نفقة للأم بقيمة 300 ألف دينار، فيما سيحكم خبير قضائي في محكمة أخرى، مثل محكمة بغداد الجديدة، بنفقة 100 ألف دينار عراقي من هذه المليون؛ ما يعني أن قيمة النفقة تصبح “خاضعة لمزاج الخبير القضائي وليس لحاجة المرأة لها”. 

كيف يهرب الرجل من النفقة؟ 

“آخر قطعة ذهب عندي بعتها بـ2021.. حتى ابني لا يحتاج شي.. وحتى الآن ما أعرف شي عن أبوه”. 

تقول سهير التي تطلقت عام 2019 باتفاق بموجبه يدفع والد طفلها مئة دولار شهرياً، والتي كانت كافية لتغطي كل نفقاته. 

أما نفقتها هي فسقطت عنها بعد الطلاق، وفقاً للمادة 23 من قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لعام 1959، “النص في هذه المادة يقول تجب النفقة للزوجة على الزوج من حين العقد الصحيح، والعقد الصحيح يعني عقد الزواج، وفي حال ألغي العقد أي وقع الطلاق، ألغيت النفقة” يقول جمعة. 

لكن سهير أصرت على الحفاظ على حقوق ابنها.. “ما اريد ابني باجر يلومني لأن تنازلت عن حقوقه، وكذا مرة قلت لأبوه ما أريد عين ابني تشبح على أكل أو لعبة أو مدرسة وما أكدر أوفرها أله”. 

بعد مضي عام على طلاقها، ومع بدء جائحة “كورونا” وغلق الكثير من المؤسسات التجارية، اضطرت سهير وطليقها لترك عملهما، ما دفع بالأخير إلى إعلامها بإنه لا يستطيع توفير الـمئة دولار للطفل. رفضت سهير التنازل عن حق طفلها، ولا تندم على أنها ضغطت على زوجها لتحصيل نفقة ابنها رغم الظروف. 

اقرأ أيضاً

“أريدهم اثنينهم”.. عن الأطفال في “معركة الكبار” على المادة 57 

وعلى الرغم من عودة الأب لعمله بعد مدة، إلا أنه أصبح يُماطل بدفع نفقة ابنه، “صار ينطيني الـ100$ كل شهرين أو ثلاثة، ولأن هو بمحافظة أخرى، يرسلها عبر أكثر من مكتب صيرفة، بحيث تضيع على الكراوي”. 

عندما كان طليق سهير يسكن في المحافظة التي تسكن فيها نفسها، كان ضغط أهلها عليه يضمن لها أن تحصّل على مصاريف ابنها، أما اليوم وعلى الرغم من أنها تعلم أن طليقها متواجد في إحدى المحافظات العراقية، فهي لا تستطيع إثبات ذلك، “أني أصلا ما أعرف هو وين، حتى الدعاوى الي أرفعها، والتبليغات، ما أعرف وين أرسلها لأن ماكو عنوان”.  

لا المرأة ولا المحكمة تعرفان العنوان لإرسال التبليغات أو رصده. 

عدم معرفة مكانه، بالإضافة لكونه يعمل “كاسباً” في القطاع الخاص، يعني أن سهير لا يمكنها أيضاً الحجز على جزء من راتبه بحكم من المحكمة، إذا كان الزوج موظفاً حكومياً، أو الحجز على ممتلكاته في حال امتناعه عن دفع النفقة، وفقاً للمادة 82 من قانون التنفيذ العراقي رقم 45 لعام 1980. 

محنة سهير باتت شائعة كما يؤكد المحامي محمد جمعة، “إذا لم يكن الرجل موظفا حكومياً، وليس لديه أموال يتم الحجز عليها مثل سيارة أو أملاك مثل قطعة أرض أو غيرها وهذا يحدث في أغلب دعاوى النفقة، هنا بسهولة يختفي عن الأنظار ويتملص عن دفع النفقة”.  

وحتى لو عُرف مكان تواجد الطليق، فهذا لا يضمن أن تحصّل النفقة. 

ففي حال تخلف الرجل عن دفع النفقة، يصدر حكم إحضار جبري بحقه بحسب المادة 22 من قانون التنفيذ العراقي رقم 45 لعام 1980، لكن وكما يفسر جمعة المادة “الإحضار الجبري ما يسوي شي، يكدر الرجل يبقى كاعد بالبيت، يروحون الشرطة يدكون الباب عليه، ويطلع أبوه يكلهم ما موجود يديرون وجهم ويرجعون، لأن القانون يمنعهم من الدخول إلى البيت وإحضاره”. 

وتوضح المادة 22 المذكورة أن المدين يحضر جبرياً فقط عند مشاهدته بشكل مباشر من قبل الجهة المحضرة، أي يجب ألا يكون داخل منزله أو عمله، ويوضح المحامي محمد جمعة موضوع الاحضار بأن أمر احضار جبري، او أمر قبض، يصدر عن محكمة جزائية، ولذلك فلا يجوز أن تقوم الجهة المحضرة -اي القوات الأمنية- بالتفتيش عن المدين. 

وفي حال كان أمر القبض صادراً عن محاكم التحريات (التي تتحرى عن الشخص المذنب أو المجرم) هنا من حق القوة المحضرة (أي القوات الأمنية) الدخول إلى منزل المدين والتفتيش عليه واحضاره من عمله أو منزله، لكن أمر الاحضار الناتج عن محاكم التنفيذ هو أمر إحضار جزائي، ولهذا فإن أصول المحكمات تمنع من الدخول الى منزل المدين أو التفتيش عنه في عمله، وعلى القوات الأمنية أن تحضره حين تشاهده أمامها فقط، وهذه بروتوكولات تنفيذ القانون. وتعاقب المادة 43 من قانون التنفيذ بالسجن لغاية أربعة أشهر، المدين لتخلفه عن تسديد دينه، “لكن بعد مضي الـ4 أشهر رح يخرج المدين، حتى وإن لم يسدد المبلغ للدائن”، يقول الدايني. 

وهنا قد تلجأ الأم المطلقة إلى قانون العقوبات رقم 111 لعام 1969، إذ تعاقب المادة 384  من قانون العقوبات الرجل المتخلف عن دفع النفقة بالسجن لمدة سنة.  

لكن للقضاء حكماً آخر بهذه المادة! 

 وللقضاء وجهتان في هذه المادة، بحسب خبراء القانون الذين استعنا بهم في هذا التحقيق، أما أن يحكم بالسجن لمدة عام مع إيقاف التنفيذ وهذا أمر غريب، أو يحكم على الرجل بالسجن لمدة أربعة أشهر فقط، ويشير خبراء القانون أن هناك تعنتاً من بعض الرجال في دفع النفقة، وهم يفضلون أن يسجنوا لـ4 أشهر على أن يدفعوا النفقة.  

 ويجد الخبراء القانونيون، أن أبرز المشكلات التي تواجهها النساء بعد الطلاق في كيفية الحصول على حقوقهن أو حقوق أطفالهن تكمن بالتشريعات، “عدنا قوانين مترهلة وقديمة، وإلا شنو رجل يفلت من النفقة بشكل سهل إذا ما كان موظف حكومي وماعنده أموال ينحجز عليها!” يقول المحامي محمد جمعة، “هناك عناد كبير في أمور الطلاق، أحيانا يصل الموضوع بأن يقول الرجل لمحامي طليقته أدفعلك رشوة 5 ملايين وكون بصفي، وهالشي صاير”. 

التنفيذ.. إذلال ومماطلة 

“لما قررنا نتطلق، وخصصنا مبلغ لنفقة الطفل بالاتفاق، كان كل هذا حتى ما ندخل محاكم، ونتخلص من إذلالها ومعاناة دوائر التنفيذ”، تقول سهير. 

فعملية تحصيل النفقة قد تأخذ شهرين أو ثلاثة، ما يعني أن المرأة المعتمدة على نفقة في مصاريف أبنائها، تبقى بدون نفقة شهرين أو ثلاثة بسبب الإجراءات الرتيبة بالدوائر الحكومية والمخاطبات بين الدوائر، يقول جمعة. 

خرجت سهير من تجربة زواج صعب، لتدخل صراعاً جديداً كأم مطلقة تقاتل لنيل حقوق ابنها، “رفعت دعوى النفقة بعد فترة، وحصلت قرار بذلك، أجه المحكمة وقال أني عاطل،  فحكموا أن يعطي للطفل 100 الف دينار عراقي، وإلي كحاضنة 20 ألف كل شهر، قلت لا بأس أدفعها أجور حضانة”. 

لكن طليق سهير رفض أن يكون الدفع في دائرة التنفيذ، ليتمكن من التملّص منه ” قال إذا الدفع بالتنفيذ ما ادفع”. 

حين رفعت سهير دعوى قضائية للحصول على نفقة طفلها من طليقها، طالبت القضاء أن يكون دفع النفقة في دوائر التنفيذ، إذ من حق الدائن أن يحدد مكان دفع مستحقاته المالية المأخوذة من المدين، واختارت سهير أن يكون الدفع في دوائر التنفيذ حتى لا يتملص طليقها عن الدفع، وبدأت رحلة سهير في دوائر التنفيذ منذ 11 شهراً، “ما أحجيلج على الوضع بدائرة التنفيذ الوسخ.. والدمار”.  

ودائرة التنفيذ هي إحدى دوائر وزارة العدل، وهي دوائر عدة منتشرة في جميع المحافظات العراقية، مهمتها تطبيق أحكام قانون التنفيذ رقم (45) 1980، الهادف لصيانة حقوق الدولة والمواطنين من خلال تنفيذ الأحكام الصادرة عن المحاكم، واحترام القانون وسيادته، خاصة تلك الأحكام التي تخص تسديد الديون، أو أحكام النفقة، أو دفع المؤخر وغيرها، ووضع ضوابط لكل من الدائن (صاحب الدين) والمدين (الشخص المطلوب للدين) وترتيب تفاصيل التسديد المالي بينهما حتى لا يتخلف الأخير عن تسديد المال للأول. وتعمل هذه الدوائر تحت اشراف وإدارة وزارة العدل العراقية. 

دوائر التنفيذ البالغ عددها 134 دائرة، متوزعة في عموم العراق، 13 منها في بغداد، والأخرى تتوزع على المحافظات، باستثناء إقليم كردستان. 

اقترنت دوائر التنفيذ لدى سهير ونساء كثر في محافظات مختلفة بالإهمال والإذلال والمماطلة بالإجراءات الحكومية الروتينية. ويصف المحامي جمعة حال المرأة في دوائر التنفيذ البطيئة بأنها “مذلة للمرأة في الواقع، وكأنها تستجدي حقوقها من هناك”. 

“مكابلة دوائر التنفيذ وكاعدة.. التنفيذ يشهد عليه”.. تقول سها التي مضى على حالها هذا أربع سنوات منذ إصدار حكم النفقة لأطفالها، إذ لا يلتزم طليقها بدفع النفقة في المواعيد المحددة. “طليقي ما يدفع بالشهر الأول ويوصله تبليغ، وما يدفع بالشهر الثاني ويوصله تبليغ، وقبل وصول التبليغ الثالث وحتى لا يتوقف بمركز الشرطة يدفعلي، وآني على هالحال كل 3 أو 4 أشهر أحصل مبلغ النفقة” تقول سها. 

طليق سها يقوم بذلك لأنه يعرف أن لمدير التنفيذ الحق بإصدار تبليغ بإحضار المدين (الطليق) إحضاراً جبرياً بسبب تخلفه عن دفع دينه، ويعطيه مهلة سبعة أيام بعد إصدار التبليغ، ثم يتم استقدامه وفقاً للمادة 22 من قانون التنفيذ. 

وحين ينتهي عذاب النساء بسبب مماطلة الرجل، تبدأ مماطلة نظام دوائر التنفيذ والمصارف.  

“حالياً زوجي موظف، وراتبه يصدر كل 28 بالشهر، وأني بعد 3 أسابيع أو أكثر من نزول الراتب يلا أستلمه، ومن أسألهم بالتنفيذ يقولون التأخير من المصرف”، تقول سها. ذلك على الرغم من انتظام الدفع بدوائر التنفيذ عندما تحول إلى نظام إلكتروني، للتخفيف عن المراجعين أعباء الزحام والإجراءات الروتينية والإضبارات، بحسب مدير إعلام وزارة العدل مراد مهدي؛ إلا أن هذا لم يُنهِ المشكلات التي تواجهها النساء هناك. 

ويعزو مهدي هذا التأخير في دفع المستحقات إلى الدائن (المرأة في هذه الحال) إلى مواعيد إرسال المبالغ من الوزارات والمؤسسات التي يعمل بها المدين إلى المصارف التابعة لها بطاقات الدفع الألكتروني، رغم تأكيد دائرة التنفيذ على ضرورة إرسال المبالغ بوقت سريع كل شهر. 

ويذكر العديد من الخبراء القانونيين، من بينهم المحامي علي الدايني لـ”جمار” أن “مشاكل دوائر التنفيذ وبطء إجراءاتها تعود لقلة عدد كوادرها، فعلى سبيل المثال دائرة تنفيذ بغداد الجديدة التي تشمل رقعة جغرافية كبيرة، يُراجعها آلاف من المواطنين، لا يتجاوز عدد موظفيها الـ5 أو6 موظفين، متسائلاً كيف سيتمكن هذا العدد القليل من الموظفين من تمرير آلاف المعاملات! 

ويجيب مدير إعلام وزارة العدل مراد مهدي على ذلك، بأن توقف التعيينات في العشر سنوات الأخيرة، وإحالة بعض الموظفين إلى التقاعد بسبب إكمالهم السن القانوني، أدى إلى قلة الكوادر في جميع مؤسسات الدولة، مع زيادة عدد المراجعين، لكن مديرية التنفيذ خصصت خطوطا ساخنة، من ضمنها موقعنا على فيسبوك لاستقبال شكاوى المواطنين كافة. 

وأقر مجلس الوزراء، الإستراتيجية الوطنية للمرأة العراقية، في آذار العام الماضي لتعزيز دور المرأة في الدولة العراقية، وكانت تصب بهدفين رئيسيين أولهما تعزيز وتمكين دور المرأة في الحكومة العراقية، والثاني تحسين أوضاع النساء وظروفهن في دوائر الدولة، وتعد هذه الإستراتيجية فاعلة منذ عام 2023 وحتى 2030، لكن لاتزال أوضاع النساء على ما هي عليه في دوائر ومؤسسات الدولة. 

وليس هناك بيانات واضحة تمتلكها وزارة العدل، أو مديريات التنفيذ تخص عدد النساء المطلقات اللاتي يراجعن هذه الدوائر لأخذ حقوقهن بعد الطلاق، بحسب ما أكده مراد مهدي لجمار. 

لا تنتهِي مشاكل دوائر التنفيذ عند المماطلة والبطء والإهمال، بل يتفاجأ المراجعون  بإغلاق الدوائر أبوابها، كما حدث في عام 2021، حينما أغلقت دائرة تنفيذ مدينة الصدر أبوابها لأربعة أشهر بسبب وجود رطوبة على جدران غرفة الموظفين. حينها بدأت النساء تصطف في طوابير تنتظر منذ الخامسة فجراً عسى أن تفتح الدائرة أبوابها. تكرر هذا الغلق في دائرة تنفيذ الزهور في منطقة الحسينة على أطراف بغداد ممتداً لحوالي أسبوعين قبل شهرين تقريباً، لأغراض الجرد كما ذكرت اللافتة التي علقت على باب الدائرة. 

جدول يوضح الدعاوى التي تواجهها النساء بعد الطلاق، وعددها وتفاصيلها 

ملاحظات حولها العدد اسم القضايا وأنواعها 
الأب يرفع دعوى لمشاهدة أبنائه ولا يحضر يوم المشاهدة 280 مشاهدة أو مصاحبة من الأب ضد الأم 
الأباء يتملصون عن دفع النفقة بطرق مختلفة ذكرت في التقرير  256 نفقة الأولاد 
لا تسقط الوصاية عن الأب إلا في حال وفاته 50 حجة الوصاية محاولة الأم لكسب الوصاية على الطفل  
هذه الدعوى ترفع مع دعوة الطلاق، وفيها شروط عديدة ذُكرت في التقرير 20 حق السكن 
عندما يتعند الأب عن اصدار أوراق ثبوتية للطفل، تستطيع الحاضنة (الأم) اصدار هذه الأوراق، بعد أن ترفع دعوى اثبات حضانة وتثبت حضانتها للمولود، باستثناء جواز السفر 180 اثبات حضانة لاستحصال أوراق ثبوتية 

تواصل جمار مع 15 مكتب محاماة عراقي من بغداد حصراً، لحصر القضايا القانونية التي تواجهها النساء بعد الطلاق، والتي وقعت على أقل تقدير خلال عام 2023، خمسة محامين فقط، تمكنوا من تزويدنا بعدد ونوع القضايا التي التزموا بها خلال عام 2023، والتي تواجه النساء بعد الطلاق. 

إقامة جبرية   

“سويت حفلة لصديقاتي بالبيت” تقول سهير، بمناسبة حصول ابنها على الهوية، وهي التي عانت على مدى عامين حتى استخرجت أوراقاً ثبوتية لطفلها، بعد عناد طويل من طليقها. 

عمل القضاء العراقي منذ عام 2005 بعرف قضائي، كما يقول المحامي محمد جمعة، منح الحاضنة الحق بإقامة دعوى إثبات حضانة واستخراج أوراق ثبوتية لطفلها كتسهيل لها في دوائر الدولة، مستثنياً إصدار جواز السفر، وذلك بموجب المادة 4 من قانون الجوازات رقم 32 لعام 2015. يمنع إصدار جواز سفر لمن كان أقل من 18 سنة، إلا بحضور الولي أو الوصي، وإذا كان الأب على قيد الحياة فهو الولي، وإذا توفي ستكون الوصاية من حق الأم بالدرجة الأولى. 

كما لا يُجرّم القضاء فعل سلب الأوراق الثبوتية الخاصة بالطفل من قبل والده، يقول جمعة “بالرغم من أن المادة 299 من قانون العقوبات، تضع سنتين كأقصى عقوبة على جريمة استعمال شخص لمحرر صادر لغيره (أي أن يستعمل أحدهم أوراقاً ثبوتية ليست له بل لشخص آخر، سواء قام بأخذها أو استعمالها). 

لكن القضاء يعتبر أن أخذ الأب لمستمسكات أولاده أمر طبيعي، حتى لو كانوا في حضانة الأم!. إذ يذكر خبراء القانون الذين استعنا بهم في هذا التحقيق، أن القضاء يعتبر الأب مسؤولا عن أبنائه، لهذا فهو حين يأخذ أوراقهم الثبوتية، أو يستولي عليها فهو ليس سارقاً لها، كونه هو المسؤول عنهم. 

معركة الطلاق استنزفت أصيل، فتخلت عن جميع حقوقها لكنها اختارت ابنها مقابل ذلك. كانت قد نزحت مع ابنها وعائلتها من الموصل إلى بغداد عام 2014 عقب احتلال تنظيم الدولة الإسلامية نينوى. وفي الوقت الذي أسست نفسها “من الصفر”، شعرت أنها “محبوسة بالبلد وما أكدر أسافر وية أهلي لا لأغراض علاج، ولا لأغراض سياحة، ولا حتى للعمل لأن ابني بدون جواز سفر”. 

هاجر طليق أصيل إلى أمريكا، من دون أن تعرف محل إقامته ودون إصدار جواز للطفل “لأن يتخيل رح احرمه الوصول لأبنه”. 

الحلول التي طُرحت أمام أصيل هي إما أن تدعي أن ابنها يعاني من أمراض عقلية، أو أن تجلب تقريراً طبياً يثبت أنه مريض لتستحصل له جواز سفر، ولكنها رفضت لأنها لم تتحمل فكرى ادعاء المرض لابنها ولا أن تتحايل على القانون، كما قالت. 

حاولت أصيل الحصول على وصاية على أبنها، لكن بموجب قانون رعاية القاصرين رقم 78 لعام 1980، فإن القانون يرفض ذلك إلا بحالة وفاة الأب، “أو في حالة تعارض مصلحة الطفل مع وليّه، مثلاً كان الطفل يعاني اضطرابا نفسيا، وهو مضطر للسفر ووليه يرفض، هنا تمنح الوصاية للأم لكن يجب أن يعرض إلى لجنة تثبت أنه معتل نفسياً” وفقا للمادتين 36 و37 من القانون، يقول جمعة. 

ظلت اصيل تحاول ذلك حتى تظاهرات تشرين 2019 حين طالها تهديد بات يشكل خطراً حقيقياً على حياتها، ما اضطرها وقتها السفر إلى تركيا عند والديها اللذين سبقاها إلى هناك، وتركت الطفل ذا التسع سنوات عند أهل طليقها.. “انهاريت في تلك الفترة، بعد أشهر قليلة رجعت الأبني، قلت الهم أرجع لابني أقلها اموت عنده”. 

بعد سبع سنواتٍ من الطلاق، حصلت أصيل على جواز سفر لأبنها، وبتدخل من أسرة طليقها بعد أن لمسوا أن التهديدات التي طالتها جدية، فأقنعوا ابنهم بأن يكتب لها توكيلاً لاستحصال الجواز. 

الآباء يعاقبون الأمهات المطلقاتبالقانون 

 يمارس الرجال -وخاصة الآباء منهم- بعد الطلاق ضغوطات عدة لاستفزاز طليقاتهم، مستغلين بذلك الأبناء، بدءاً من سلب الأوراق الثبوتية للطفل، أو التعنت بإصدار أوراق السفر إلى دعاوى المشاهدة، التي يرفعها الأباء لمشاهدة أبنائهم، إما في المحكمة، أو في مكانٍ يتفق عليه الطرفين للمشاهدة. فمن حق الأب، وفقا للمادة 57 من قانون الاحوال الشخصية، “النظر في شؤون المحضون وتربيته وتعليمه حتى يتم العاشرة من عمره، وهو ما يقول المحاميان زينب جواد ومحمد جمعة إن القضاء فسر أن مشاهدة الاب للطفل مرة كل اسبوع، لمدة 6 ساعات في كل مرة. 

هذا ما حدث مع سها حينما رفع طليقها دعوى لمشاهدة بناته، ولكنه تخلف عن الحضور في الأشهر الأربعة الأخيرة. 

تذهب سها وبناتها أسبوعيا إلى موقع المشاهدة الذي حددته محكمة الأحوال الشخصية في بابل، لتشاهد الفتيات والدهنّ، لكنه لا يأتي. 

 “لو تشوفين مكان المشاهدة، يرجع الطفل منه متأزم نفسياً، تخم مكسر ومكان مهدم”. 

حاولت سها ألا تصطحب بناتها لمشاهدة والدهم، فهو لا يأتي على أيّ حال، لكنه رفع دعوى قضائية ضدها حكمت على أساسها بالسجن لمدة 6 أشهر، فدفعت الكفالة، وصارت تذهب كل أسبوع في الموعد المحدد “أروح أبقى انتظرة كل أسبوع أني وبناته ساعة ونص، ما يجي ونرجع”. 

 تُعاقب الحاضنة، إذا تخلفت عن إحضار المحضون في الموعد المخصص للمشاهدة، بالسجن لغاية ستة أشهر، وبغرامة لاتزيد عن مئة الف دينار عراقي، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفقاً للمادة 238 من قانون العقوبات العراقي

“القانون صمت ولم يضع أي عقوبة للأب إذا لم يحضر لأكثر من مرة في موعد مشاهدة المحضون، لكنه فرض عقوبة فقط على الحاضنة، إذا تخلفت عن إحضار المحضون لموعد المشاهدة.” يقول المحامي علي الدايني “المفروض هناك تشريعات جديدة تضع عقوبة تأديبية للأب المتخلف عن حضور موعد مشاهدة طفله، لأن هذا التخلف هو تلاعب بالقانون”، يؤكد الدايني “نحن كمحامين نشير دائما وبشكل فردي لضرورة تشريع قوانين جديدة، أو تعديل القوانين القديمة، لكن مبادراتنا غير كافية، الأمر بحاجة إلى مشرع وهو بيد مجلس الوزراء ومجلس النواب”. 

الأمهات المطلقات.. متهمات دائماً  

سجل العراق حوالي 7 آلاف حالة طلاق، خلال كانون الثاني من عام 2024 فقط، بحسب مجلس القضاء الأعلى، وأعلن المجلس في آب 2023، أن حوالي 235 حالة طلاق تقع في اليوم الواحد، لكن لا وجود لإحصائيات واضحة عمّا إذا كانت المطلقة أماً أو لا، كما ذكر مدير إعلام وزارة العدل مراد مهدي لـ جمّار “نحن لا نملك إحصائيات واضحة لعدد النساء المطلقات اللاتي يُراجعن دوائر التنفيذ”. 

ولم يضع مجلس القضاء الأعلى أرقاماً تصف أنواع وأشكال الدعاوى القضائية التي تواجهها النساء أو ترفعها ضد الرجال بعد الطلاق، سواء تلك التي تخص نفقة الأولاد، أو حجة الوصايا، أو إثبات الحضانة، وغيرها. 

حتى حق السكن، والذي عدّه المحامون من القضايا المعقدة جداً، إذ يقول المحامي محمد جمعة “لشدّة تعقيد هذا الحق لم تردني خلال 2023 سوى 4 دعاوى، رفعتها نساء للمطالبة بحقهن بالسكن”. 

ويضمن قانون السكن رقم 77 لعام 1983، للمطلقة حق العيش في سكن الزوجية لمدة 3 سنوات بعد وقوع الطلاق، إذا كان باب سكنها قبل الطلاق منفصلاً، “اي لا تكون قبل الطلاق ساكنة مع أهل زوجها، ويكون لها باب شقة أو بيت، أو مشتمل منفصل، وليس جزءا من منزل، أما إذا كانت ساكنه مع أهله، وليس لديها باب مستقل، فيسقط حق السكن عنها بعد الطلاق”. يذكر المحامي محمد العكيلي. 

وفي حال لم تطالب الزوجة بحقها في السكن أثناء المرافعة بدعوى الطلاق، وتم الطلاق، فسيسقط حقها في السكن كما يذكر العكيلي، “لأن القاضي لن يعطي قراراً بالسكن من تلقاء نفسه، إلا إذا طالبت به المرأة”.  

تكتشف المرأة المطلقة أنها مهملة، ومعاقبة، وأنها متهمة دائماً بعيون المجتمع، تكون خطواتها محسوبة، وقد يظنها الكثيرون أنها “سلعة سهلة”. 

تقول شهد، وهي أم مطلقة لطفلين، “رحت أطلع شهادة جنسية لبنتي، أجاني ضابط بالجنسية؛ كلي أني اسهلج الموضوع بس انطيني رقمج وأني احجزلج السرة، وأني فعلا انطيته رقمي، لكنه بلش يرسل مسجات يطلب أن اطلع وياه ونتغدة سوة”. 

حتى داخل المنزل المطلقة معاقبة، ومتهمة من قبل أسرتها “إذا اطلع أو اطب كله بحساب، أهلي يحسبون عليه الهوى الي اشمه، ومن افتح حلكي يكولون انتِ مطلقة لا تسويلنا فضايح” تقول شهد لجمار. 

تعرضت سهير هي الأخرى لنوع من التحرش من قبل كاتب العدل، حين ذهبت لاستخراج أوراق ثبوتية لطفلها “كاتب العدل نفسه، نظرة عينه كانت تقول: انتِ مطلقة، حرة الآن ومتاحة، وكأنه يقول لي أنت عاهرة، نظرته وجعتلي روحي”. 

لم تكن نظرات تحرش فقط، تلك التي أشارت لها سهير، بل هنالك عتاب وعقاب وحسرة، وشفقة “توصلت بعد طلاقي أن تجربة الطلاق والأمومة معاً تستحق أن تسمى بـ”عقاب الأمومة” أنت تعاقبين بأمومتج لأن تطلقتي، كل النظرات تفسر بأنه يا حريمة اطلقتي وانت أم لهذا الطفل”. 

لا أحد يرى الأسباب التي تجبر النساء على الطلاق، وما دفعهن لهذا الخيار “اني انفصلت عن رجل تعبت منه ووصلت لمرحلة فقدان روحي، وتحسسي للعالم وجدت نفسي أصرخ على طفل صغير لهذا أخترت الطلاق؛ لأني ما أريد أن اكون أم بهذا الشكل”. 

التشريعات القديمة وطرق تنفيذها التقليدية والرتيبة، تعدّ المشكلة الأكبر التي تواجه النساء المطلقات اليوم، وخاصة الأمهات منهن. التهاون في تطبيق القرارات القضائية من قبل الجهات المنفذة، وعدم تشريع عقوبات رادعة للمخالفين من الرجال، فضلاً عن التحايل والتلاعب بالقانون من قبل الكثير من الرجال، يجعل النساء يدفعن الثمن بعد الطلاق، ويحرم العديد من الأطفال حقوقهم. 

ومع ذلك.. يناضلن من أجل عائلتهن 

وعلى الرغم من ذلك، لاتزال الكثير من النساء المطلقات يصارعن المحيط، والمجتمع، والطليق، والترهلات القانونية، والحكومية، للحصول على حقوق أطفالهن، وحقوقهن. 

سها مثلاً، تكمل دراستها اليوم في مجال القانون “أريد أصير محامية بعد كل إلي مريت بي، حتى آخذ حقي”، وتعمل موظفة في شركة سياحة، فضلا عن عملها سائقة “خطوط جامعة”، لتوفر لفتياتها الثلاث العيش الكريم، بسبب تأخر النفقة. 

أما سهير التي تجد صعوبة بإيجاد عمل، فترى أن طليقها يمتحنها بكرامتها بمنعه النفقة عن طفله، ما يجعلها بحاجة ماسة إلى المال لسدّ احتياجات طفلها وتقول “إذا ابو أبني استمر بعدم دفع النفقة للطفل رح اضطر أن أخلي ابني يدرس من البيت” سهير لا تريد تسجيل ابنها في مدرسة حكومية، وتفضل تسجيله في مدرسة اهلية، لكن والد الطفل لا يدفع للطفل نفقته، لذلك تفكر بإيجاد حيلة قانونية تجعل الطفل يدرس من منزله والذهاب إلى المدرسة الحكومية فقط في اوقات الامتحان النهائي والنصف سنوي. 

وتعيش أصيل نهاية سعيدة مع طفلها الذي ناضلت من أجل أن تكون معه، وظفرت بذلك لتقاسمه قصص نجاحاتها. 

 لكن هناك آلاف النساء المطلقات يعانين، بحثاً عن حقوق أولادهن، بين دوائر الدولة، والمحاكم، خاضعات لقسوة المجتمع. 

  • أنجزت هذه المادة بإشراف سوسن زايدة