"جابت فتوى من خامنئي والأزهر وما فاد": معاناة العابرين والعابرات في القطاع الصحي العراقي 

سيف علي

14 كانون الثاني 2024

يتعرّض العابرون في القطاع الصحي لعنف بنيوي، يبدأ من المراحل الدراسية في الجامعات حتى الوصول إلى أروقة المستشفيات، حيث يتم تجهيل الطلبة بعدم تطرّق الكثير من التدريسيين لهذه المواضيع أو زرع الكراهية داخل الطلاب عند التطرق لها.. درب معاناة العابرين والعابرات في أروقة وقوانين القطاع الصحي العراقي..

“يتمنوني بنية ترتدي حجاب وتتصرف بأنوثة وتفكر بالرجال والزواج والخ.. وهذا شي مو غريب بالعوائل العراقية بس وي مرور الوقت ديأثر ويأذيني أكثر..”، يقول غيث (١٩ عاماً) وهو عابر من بغداد. 

​​​​​يعيش الكثير من العابرين والعابرات في العراق في أجساد لا تتواءم ومشاعرهم حيال هوياتهم الجندرية، ويحاولون الانعتاق منها عبر عمليات تصحيح جنسهم البيولوجي، والتي يمكن أن تتم عن طريق جرعات من الهورمونات أو عن طريق عمليات جراحية أو كليهما. بيد أن هذه العمليات غير متاحة في العراق لأسباب تتعلق بغياب الاعتراف بحقوق العابرين ومجتمع الميم عين + الأوسع. هؤلاء يعيشون ما بين خوف دائم من تعرض أهلهم والمجتمع لهم واختناق من عدم قدرتهم على أن يكونوا من يرغبون. 

العبور.. ليس اضطراباً أو مرضاً 

يُعرّف العبور الجندري (transgender) والعبور الجنسي (transsexual) بكونه تصحيح الهوية الجنسية لتطابق الهوية الجندرية للشخص من ذكر إلى أنثى أو العكس، وقد يتم ذلك دون أو مع تدخل طبي مثل أخذ هورمونات أو إجراء عمليات جراحية. 

يخلط كثر بين العبور والمثلية، فالأخيرة تتعلق بميل الشخص وتوجهه الجنسي نحو شخص من الجنس أو الجندر نفسه، بينما العبور يتمثل بشعور الشخص تجاه نفسه وهويته بكونه ينتمي لهوية جندرية تختلف عن جنسه الذي خلق به. في الوقت نفسه يعد كثر من الأفراد العابرين، أنفسهم، جزءاً من مجتمع الميم عين + أو المعروف بالإنجليزية LGBTQ+ لكونهم ذوي هوية وتعبير جندري غير نمطي. 

وعلى الرغم من الفروقات الجوهرية في هذه التعريفات، وما تعنيه في حياة الأفراد على صعيد يومي، فإن الخلط بينها وعدم فهمها يعرّض الكثير من العابرين للخطر المستمر في العراق نظراً للمعلومات المضللة التي شاعت حولها. تحديداً في الأشهر الأخيرة خلطت سلطات مختلفة بين مفردة الجندر والعبور الجندري، وبالتحديد عبارة “الترانس جندر”، حيث نظرت شخصيات دينية وسياسية إلى أنه “تذويب للفوارق بين الجنسين” (كما وصفها عمار الحكيم)، وبالتالي منع استخدام مفردة الجندر أو النوع الاجتماعي وحجب استعمالها على صعيد مؤسسات الدولة والإعلام. 

لسنوات طويلة أدرجت مؤسسات عالمية، ما عُرف بـ”اضطراب الهوية الجندرية” (الانزعاج الناجم عند الشخص لعدم التوافق بين جنسه البيولوجي وهويته الجندرية) في قائمة التصنيف الدولي للأمراض، وبالتالي فقد عدت عملية العبور الجنسي علاجاً له كاضطراب عقلي. فقط في 2019 قامت منظمة الصحة العالمية بتحديث القائمة في نسختها الحادية عشرة، بإعادة صياغة “اضطرابات الهوية الجندرية” على أنها “عدم تطابق بين الجنسين”، ونقلتها من فصل “الاضطرابات العقلية” إلى فصل الصحة الجنسية.  

عدت منظمة هيومن رايتس واتش هذا التغيير على أنه “تطور مهم للمراهقين والبالغين العابرين جنسياً.. الذين قد يتمكنون قريباً من طلب الرعاية الطبية دون أن يُنظر إليهم على أنهم “مختلون عقليا”. بيد أنه وعلى الرغم من مرور أربع سنوات على إلغاء تصنيف العبور كمرض، ما يزال يواجه الأفراد العابرون/ات صعوبة كبيرة في التعامل مع القطاع الصحي للوصول إلى الموارد الطبية التي يحتاجونها، كالجرعات الهرمونية وغيرها، خصوصاً في الدول التي تعاني من منظومة صحية متهالكة، مثل العراق الذي صنّف في أدنى قائمة مئة منظومة رعاية صحية عالمياً في 2023

إلى ذلك يُضاف التمييز والكراهية والعنف الذي يعاني منه الأفراد العابرون والعابرات في العراق، حيث لا تعد رغبتهم وحاجتهم في التصحيح الجنسي أو الجندري حالة صحية تتطلب رعاية الدولة أو مساندتها ولو من قبيل تنظيمها قانونياً، بل تعدهم/نّ السلطات السياسية والدينية والاجتماعية “فئة شاذة غريبة عن المجتمع تحمل أجندة غربية هدفها تدمير الأسرة والمجتمع”. 

يعني ذلك أيضاً أن هناك نقصاً في البيانات المتعلقة بالأفراد العابرين/ات في العراق، أسوة بأفراد مجتمع الميم عين + كافة، الأمر الذي يؤدي إلى عدم وضوح بالنسبة لأعدادهم/نّ ولا تقييم لاحتياجاتهم/نّ الطبية والنفسية، ولا للحاجة في تقديم شرح لكيفية تنفيذ عملية العبور، ما يضع العابرات والعابرين في خطر، يضاف إلى الأخطار الاجتماعية المحدقة بهم لرغبتهم في العبور.. 

إجراءات العبور في العراق.. أين التشريع؟ 

 لم يتعاط المشرّع العراقي مع قضية العبور بشكل صريح في القانون، فلا نجد قانوناً خاصا يعترف بحق العابرين بعمليات تصحيح الجنس وبالتالي تنظيمها. لذا فالتساؤل المطروح لدى كثر منهم هل يجوز في العراق أصلاً القيام بعمليات العبور الجنسي؟ وإذا سُمح بها، فهل تقع على الدولة مسؤولية تكفل الرعاية الطبية المتعلقة بها؟ 

تصميم: الكاتب

دون البت بكون العبور نفسه حقاً أم لا، يستنبط بعض المختصين القانونيين من المادة 46 من الدستور العراقي (2005)، الذي يمنع “تقييد ممارسة أيٍّ من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون أو بناء عليه، على ألا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية”، بأن العبور بكونه إجراءً طبياً يمكن عدّه جزءاً من حق الفرد في الرعاية الصحية وأن على الدولة أن تتكفل بالوسائل العلاجية لتحقيق ذلك.​​1 ويكتنف الغموض إذا ما كان يمكن اعتبار عمليات العبور الجنسي عمليات طبية ومن الأمور المتعلقة بالرعاية الصحية كحق مكفول للفرد وفقا للدستور، كما يبقى سؤال جوازها شرعاً غير واضح أيضاً. 

يرى رأي قانوني آخر أن الحريات المكفولة بالدستور العراقي محكومة بالمادة 2 (أ) التي لا تجيز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام، وبذلك فإن وجود فتوى دينية أو وثائق من جهة دينية من شأنها أن تلغي التقييد المذكور، وفق محام قابلناه فضّل عدم ذكر اسمه. وبالفعل ​​​​​​ترى بعض مراجع الدين الشيعة وكذلك المدارس الدينية السنية مثل الأزهر، بأن العبور أو تغيير الجنس أمر طبي أو مرض فعليه فهو جائز في بعض الأحيان، فيصدرون وفق ذلك وثائق دينية أو فتاوى رسمية لأشخاص عابرين.2 

بيد أن تجربة أفراد عابرين عدة أظهرت أنه حتى مع وجود مثل هذه الوثائق الدينية، بمن فيهم من مكتب علي خامنئي، آية الله والمرشد الأعلى في إيران، أو الأزهر في مصر، فهم غير قادرين على الحصول على الجرع الهرمونية اللازمة لهم في العراق. 

تروي لنا سمر (١٩ عاماً) وهي عابرة من بغداد، قصة صديقتها العابرة “عندي صديقة جابت ورقة موثقة وتجيز هذا الموضوع (العبور الجنسي) من مكتب الخامنائي بإيران وحصلت تصريح من الأزهر بمصر وبعد وساطات مع ضباط عسكريين معروفين بالعراق يله كدرت تسوي اللي تريدة بهالموضوع.. كل هالامور حتى تدخل للدكتور وتطلب منه ان ينطيها هورمونات بوصفة حتى تاخذهن من اي صيدلية بسهوله، والموضوع مشى اول 3 مرات وبعدها راحت لإيران سوت العمليات ورجعت بصعوبة ظلت كم شهر وطلعت لتركيا وبعدها على اساس تهريب لإيطاليا ومحد يعرف شي عنها لليوم وانتهى الموضوع وحاليا مختفية”. 

حالياً، لا يوجد في العراق قانون واضح لتنظيم العبور الجندري أو الجنسي، بل نجد تعليمات بشأنتصحيح الجنس أصدرتها وزارة الصحة العراقية التابعة للنظام السابق عام 2002. يشمل الإجراء سلسلة طويلة ومعقدة تتطلب فحوصات وتقييمات تقوم بها لجان طبية ونفسية قبل الموافقة على الإجراء الطبي لتصحيح الجنس؛ من بينها ​​التقييم النفسي، والفحص السريري الظاهري للأعضاء التناسلية الخارجية، ثم فحص للأعضاء التناسلية، وللهرمونات وللكروموسومات (الصبغ الوراثية) وغيرها.  

اعتمدت هذه التعليمات على التعريف السابق لمنظمة الصحة العالمية للرغبة في العبور الجنسي على أنه “اضطراب” وبالتالي فالشخص العابر على أنه “مريض”، فتنصّ على أنه في حال أثبت التقييم النفسي والسريري بأن الحالة نتيجة لاضطراب الهوية الجنسية، فيعود المريض إلى اللجنة النفسية الأولية ثم يحال إلى لجنة استئنافية نفسية، وفي حال موافقتهما على إجراء عملية التصحيح يخضع الفرد “إلى برنامج علاجي تأهيلي لمدة تقرّرها اللجنة للتعايش مع التصحيح”. 

من غير الواضح فيما إذا كانت هذه التعليمات ما زالت سارية ومعمولا بها في أرض الواقع، وهذا يزيد تعقيداً للتعقيدات التي تفرضها على الأفراد الراغبين في تصحيح جنسهم، والتعريف بكونهم/نّ مرضى يجعل من شبه المستحيل للأشخاص العابرين والعابرات الوصول إلى الرعاية الصحية المطلوبة في العراق، أو في تحويل تصحيح الجنس إلى حق محمي في القانون. 

جهاز صحي طارد للعابرين/ات 

تنصّ تعليمات وزارة الصحة بشأن تصحيح الجنس (2002) على أن ثمة تخصصات مختلفة تستوجب التدخل في تقييم طلب التصحيح، منها جراحة المجاري البولية، ونسائية وتوليد، والطب النفسي ووراثة خلوية. يعد التقييم النفسي من أولى الخطوات اللازمة للمباشرة بإجراءات العبور الجنسي، إلا أن العابرين والعابرات عادة ما يصطدمون بحاجز كبير في التعامل مع المعالجين النفسيين، يصل أحياناً كثيرة حدّ الكراهية تجاههم من قبل هؤلاء وبالتالي عدم رغبتهم بالمساعدة. ​​​​إلى ذلك يُضاف عدم وضوح في ما إذا كان ثمة موقف علمي لجمعية الاطباء النفسيين تجاه أفراد مجتمع الميم عين.  

“اذا ​​​​حولوك (في الجهاز الصحي) على الطب النفسي فراح يطول (المعالج) بالجلسات حتى يحصل فلوس زايد ويبيعلك ادوية اكتئاب وما ينطي تقرير إلا بصعوبة..”، يقول لنا محمد (26 عاماً) وهو رجل عابر جندرياً من البصرة. أما ميار (23 عاما) من النجف فقد طلب منه الطبيب النفسي أن يجلب أهله معه من أجل الحصول على تقرير! 

لنور (20 عاماً) وهي عابرة من بغداد تجربة مماثلة، “عندي معرفة جيدة بوضع القطاع الصحي هنا، بس من خبرتي وياهم، فهمَّ إذا تحجيلهم (عن العبور) اما حيكلولك اوكي ويحاولون ينسونا السالفة.. او يتجنبون الحديث عنها بشكل مباشر.. او يخلوك تعتبر هالفكرة غريبة وغلط”.  

ليس فقط الأفراد العابرون أنفسهم يشعرون بعدم مهنية كثر من كوادر الصحة النفسية تجاههم، بل يؤكد هذا أطباء، حيث أشار طبيب نفسي (فضل عدم ذكر اسمه) إلى أنه وعلى الرغم من قَسَم المهنة بمعالجة الأفراد دون تمييز، إلا أن هناك أطباء “يتأثرون بضغط المجتمع والنظرة السلبية السائدة والخوف غير المبرر من هذه الفئة ولذلك تنتقل لهم عدوى رهاب المثلية أو رهاب الجندر أو العابرين”.  

 
يتلو التقييم النفسي خطوة العرض على لجنة طبية لإجراء الفحوصات. ​​​​بيد أنه من الصعب جداً -وحتى يرى أغلب العابرين أنه من المستحيل- الوصول إلى هذه الخطوة في أرض الواقع، إلا في الحالات التي تشخص على أنها “تشوه أعضاء جنسية” والتي يُنظر لها كحالة طبية وليس “كاضطراب نفسي” كما في حالة العبور برأيهم. 

تصميم: الكاتب

يتعرض العابرون في القطاع الصحي لعنف بنيوي، يبدأ من المراحل الدراسية في الجامعات حتى الوصول إلى أروقة المستشفيات حيث يتم تجهيل الطلبة بعدم تطرق الكثير من التدريسيين لهذه المواضيع أو زرع الكراهية داخل الطلاب عند التطرق لها، ما أسس للنظام الصحي في العراق كنظام كاره لأفراد مجتمع الميم عين + في العراق. عليه فيمكن عدّ التنشئة الجامعية الطبية من بين أبرز الأسباب التي تؤدي إلى تقييد وصول العابرات/ين للرعاية الصحية التي يحتاجونها. 

يؤكد ذلك هايدن (21 عاماً) وهو طالب كلية صحية من النجف “أصلا خلال دراستي ما تطرقوا لموضوع العابرين يعني كأنما تكول هالناس ما موجودين بيناتنا نهائيا، عدا مره بالمرحلة الثالثة جان عدنه ضمن محاضرة صحة الأم والوليد (أنواع العوائل) ومن ضمنهن العائلات المثلية الي تشمل والدين مثليين/ات وأطفال.. فالدكتورة لمن وصلت لهالنقطة فتحت موضوع حسب ما جانت تعينه (الاجنده المثليه) وگالت هالشي ما موجود يمنه فقط بالغرب وجاي يروجون اله بشكل مكثف وحتى الترانس همه صح موجودين بس جاي تصير كأنما طريقة للشهرة، لان اكو اشخاص متزوجين وعمرهم جبير ويعلنون انهم ترانز، فتكول احسه مبالغ بيه”.  

وتضيف هذر (20 عاماً) وهي ثنائية الجندر من النجف تعمل في القطاع الصحي كيف كان التدريسيون يستعملون نكتاً سيئة لإيصال المادة العلمية، حيث شدد أستاذها في حصة الإحصاء على أنه “لا يوجد في هذه القاعة سوى إناث وذكور..  لا يوجد جنس ثالث هنا”.  

“انت وحظك..” مخاطر الحصول على الهورمونات في العراق 

يعني كل هذا سدّ النظام الصحي بابه أمام العابرين في العراق، ما يضطرهم إلى البحث عن بدائل لتصحيح الجنس، أهمها الهرمونات، والتي يصعب الحصول عليها عن طريق الأطباء، ما يدفعهم إلى استخدامها دون رقابة أو توجيه صحي معرضين حياتهم للخطر.  

يقول آرون (٢٧ عاماً) وهو طبيب عابر، متخصص في الدماغ، ويعمل في القطاع الصحي العراقي، إن العابرين يحتاجون إلى علاجات هرمونية وفهم ووعي صحي أكثر، وأنهم من الصعب أن يحصلوا على الجرع الهرمونية بسهولة، إلا إذا كان هناك أحد من أصدقائهم أو أهلهم متفهماً لوضعهم يعمل بالصحة.. وإلا فذلك مستحيل”. 

يحتاج الأفراد العابرون/ات أن يكون لهم منفذ للهرمونات من أجل إجراء تصحيح جندري، وأن تكون الجرعات بإشراف طبي لما يمكن أن تسببه من أعراض جانبية خطيرة قد تؤدي إلى الموت أحياناً. ​​​​ولكن يرفض الأطباء طلبهم/ن لإصدار وصفات طبية للجرعات الهرمونية المطلوبة ما يدفع الأفراد العابرين والعابرات إلى أخذها من أماكن أخرى وبجرعات عشوائية. لا تقتصر هذه الصعوبات على العراق، بل أيضاً يواجهها العابرون في إقليم كردستان الذي عادة ما يُعتقد أنه يضمن حريات أكثر، وفق شهادة كادي (23 عاماً) والتي قضت آخر أربع سنوات في كردستان العراق. 

“الوصول للهرمون بوصفة طبية من سابع المستحيلات.. الا إذا جان عندك عرف يزوّرلك وصفة.. كأشخاص عابرين رجال نعتمد على الصفحات الرياضية يبيعون هرمون ذكوري، بس هم بطريقة غير شرعية.. وهنا نتبادل معلومات الجرعة وهيج بيناتنا.. بس بعد انت وحظك”، يقول محمد.  

أما الهورمونات الأنثوية فتخبرنا هذر أن النساء العابرات يستخدمن موانع الحمل الهرمونية، مثل مانع “ديانا”، ومنظمات الدورة الشهرية التي تباع دون وصفة طبية للحصول على الهرمونات الانثوية. 

​​​​​لا يوجد في العراق نظام أو تعليمات بخصوص الجرعات الهرمونية المطلوبة لتصحيح الجنس، وكذلك لا توجد أي تعليمات باللغة العربية تساعد الأشخاص في معرفة الجرعات وكيفية استخدامها ومخاطرها وتأثيرها على الصحة الجسدية والنفسية، وحتى التعليمات الانكليزية الموجودة فتكون بلغة علمية صعبة الفهم لمن ليسوا من المجال الطبي، بالإضافة لكون هذه الهرمونات تتفاعل في الغالب مع أدوية أخرى قد يتناولها الشخص في الوقت ذاته مما يفاقم الوضع الصحي للأفراد العابرين والعابرات، تقول هذر العاملة في القطاع الصحي العراقي. 

علاوة على تأثيرها على الصحة الجسدية، فإن لتناول الهورمونات دون رقابة طبية ومن مصادر غير معتمدة خطرا على الصحة النفسية للأفراد العابرين، فهذه الجرع من الممكن أن تكون مسرطنة أو أسوأ، كما أن ثمة حالات لم تأت بأي نتيجة تذكر لكونها رديئة ومن شركات “فاشلة”، والأفراد العابرون والعابرات يبنون آمالاً على هذه المنتجات الرديئة للحصول على تغيّرات بسيطة، فإن لم يحدث تغيير تؤدي إلى تدهور صحتهم النفسية، يضيف الطبيب آرون من مشاهداته، و”انا شخصياً كان لدي صديق عابر قام بشراء هرمون ذكوري من إحدى القاعات الرياضية ولم يحصل على نتيجة منه فانتحر”، أردف. 

إلى ذلك كله يتكبد الأفراد العابرون الكلفة الباهظة لهذه الهورمونات، حيث يبلغ متوسط الجرعة الواحدة للهرمون الانثوي ما بين ٦-٩ آلاف دينار بينما الهرمون الذكري فالأسعار تتراوح بين ٣٥-٧٥ ألف دينار للجرعة. تعتبر هذه أموال طائلة في حال استمر الشخص على تعاطيهن، وهو ما يحصل عادة لأن الجرعات القليلة لا تحدث تغييرات كثيرة بالنسبة للخصائص الجنسية.  

نتيجة لذلك، يفكر البعض بإجراء عمليات نحت الجسد وتغيير بعض ملامحه باستخدام السيليكون لإحداث التغيير في الهوية الجندرية، والتي يُعرف إقليم كردستان بها أكثر من باقي مناطق العراق، حيث تُجري عيادات التجميل بعض العمليات الجراحية للأشخاص العابرين والعابرات، ولكنها عمليات باهظة أيضاً فقد يصل سعر العملية الواحدة إلى 2500 دولار. وفي حال تمكنوا من إجراء العملية الجراحية للعبور في دول أخرى، مثل إيران، فإن التكلفة تصل إلى عشرات آلاف الدولارات، وفق ما قالته لنا سولين (28 عاماً) وهي عابرة من البصرة. 

اغتراب متواصل 

حتى لو تمكن أفراد عابرون وعابرات من الوصول للمواد الطبية وحتى إن كانوا مقتدرين/ات اقتصادياً، فهناك جانب آخر لا يقل أهمية عن باقي الجوانب هو تعاطي الأهل مع التجربة. يعزف بعض العابرين عن أخذ الهرمونات لأن المواظبة المستمرة عليها قد تؤدي على المدى الطويل إلى تغيرات جسدية ملحوظة، وبذلك الدخول في مشاكل مع الأهل تصل حدّ القتل أحياناً، وهي مخاوف يعيشها ميار (23 عاماً) وهو عابر من النجف، والذي قرر عدم أخذ هورمونات لأنه لا يضمن سلامته في حال عرف أهله، يقول، إذ سيمنعونه أن يكمل أو ممكن حتى أن يقتل.  

يطال التعنيف كثراً من العابرين، حيث يحملون آثاره على أجسادهم وأرواحهم، مثلما أخبرتنا سولين التي ضربها أهلها بسلك كهربائي ترك تشوهات على ظهرها. 

في حال قرر العابرون والعابرات الامتثال إلى تقييدات الوضع الطبي والعائلة والمجتمع فهذا يعني تدهور صحتهم/نّ النفسية والجسدية. حيث يفرض على هؤلاء أن يعيشوا حياة نمطية وفق الجنس البيولوجي الذي خلقوا فيه وليس وفقاً لهوياتهم الجندرية التي يتماثلون معها ويرون أنفسهم فيها. 

هذا الاغتراب المتواصل للعابرين والعابرات العراقيين دون رعاية طبية ملائمة ولا اعتراف بحقهم وحرياتهم الشخصية بأن يكونوا أنفسهم في مجتمع لا تكف فيه السلطات جميعها، عائلة وعشيرة ودولة، بإحكام السيطرة على حياة العراقي مهما كان.  

تصميم: الكاتب

*الأسماء في النص مستعارة 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

“يتمنوني بنية ترتدي حجاب وتتصرف بأنوثة وتفكر بالرجال والزواج والخ.. وهذا شي مو غريب بالعوائل العراقية بس وي مرور الوقت ديأثر ويأذيني أكثر..”، يقول غيث (١٩ عاماً) وهو عابر من بغداد. 

​​​​​يعيش الكثير من العابرين والعابرات في العراق في أجساد لا تتواءم ومشاعرهم حيال هوياتهم الجندرية، ويحاولون الانعتاق منها عبر عمليات تصحيح جنسهم البيولوجي، والتي يمكن أن تتم عن طريق جرعات من الهورمونات أو عن طريق عمليات جراحية أو كليهما. بيد أن هذه العمليات غير متاحة في العراق لأسباب تتعلق بغياب الاعتراف بحقوق العابرين ومجتمع الميم عين + الأوسع. هؤلاء يعيشون ما بين خوف دائم من تعرض أهلهم والمجتمع لهم واختناق من عدم قدرتهم على أن يكونوا من يرغبون. 

العبور.. ليس اضطراباً أو مرضاً 

يُعرّف العبور الجندري (transgender) والعبور الجنسي (transsexual) بكونه تصحيح الهوية الجنسية لتطابق الهوية الجندرية للشخص من ذكر إلى أنثى أو العكس، وقد يتم ذلك دون أو مع تدخل طبي مثل أخذ هورمونات أو إجراء عمليات جراحية. 

يخلط كثر بين العبور والمثلية، فالأخيرة تتعلق بميل الشخص وتوجهه الجنسي نحو شخص من الجنس أو الجندر نفسه، بينما العبور يتمثل بشعور الشخص تجاه نفسه وهويته بكونه ينتمي لهوية جندرية تختلف عن جنسه الذي خلق به. في الوقت نفسه يعد كثر من الأفراد العابرين، أنفسهم، جزءاً من مجتمع الميم عين + أو المعروف بالإنجليزية LGBTQ+ لكونهم ذوي هوية وتعبير جندري غير نمطي. 

وعلى الرغم من الفروقات الجوهرية في هذه التعريفات، وما تعنيه في حياة الأفراد على صعيد يومي، فإن الخلط بينها وعدم فهمها يعرّض الكثير من العابرين للخطر المستمر في العراق نظراً للمعلومات المضللة التي شاعت حولها. تحديداً في الأشهر الأخيرة خلطت سلطات مختلفة بين مفردة الجندر والعبور الجندري، وبالتحديد عبارة “الترانس جندر”، حيث نظرت شخصيات دينية وسياسية إلى أنه “تذويب للفوارق بين الجنسين” (كما وصفها عمار الحكيم)، وبالتالي منع استخدام مفردة الجندر أو النوع الاجتماعي وحجب استعمالها على صعيد مؤسسات الدولة والإعلام. 

لسنوات طويلة أدرجت مؤسسات عالمية، ما عُرف بـ”اضطراب الهوية الجندرية” (الانزعاج الناجم عند الشخص لعدم التوافق بين جنسه البيولوجي وهويته الجندرية) في قائمة التصنيف الدولي للأمراض، وبالتالي فقد عدت عملية العبور الجنسي علاجاً له كاضطراب عقلي. فقط في 2019 قامت منظمة الصحة العالمية بتحديث القائمة في نسختها الحادية عشرة، بإعادة صياغة “اضطرابات الهوية الجندرية” على أنها “عدم تطابق بين الجنسين”، ونقلتها من فصل “الاضطرابات العقلية” إلى فصل الصحة الجنسية.  

عدت منظمة هيومن رايتس واتش هذا التغيير على أنه “تطور مهم للمراهقين والبالغين العابرين جنسياً.. الذين قد يتمكنون قريباً من طلب الرعاية الطبية دون أن يُنظر إليهم على أنهم “مختلون عقليا”. بيد أنه وعلى الرغم من مرور أربع سنوات على إلغاء تصنيف العبور كمرض، ما يزال يواجه الأفراد العابرون/ات صعوبة كبيرة في التعامل مع القطاع الصحي للوصول إلى الموارد الطبية التي يحتاجونها، كالجرعات الهرمونية وغيرها، خصوصاً في الدول التي تعاني من منظومة صحية متهالكة، مثل العراق الذي صنّف في أدنى قائمة مئة منظومة رعاية صحية عالمياً في 2023

إلى ذلك يُضاف التمييز والكراهية والعنف الذي يعاني منه الأفراد العابرون والعابرات في العراق، حيث لا تعد رغبتهم وحاجتهم في التصحيح الجنسي أو الجندري حالة صحية تتطلب رعاية الدولة أو مساندتها ولو من قبيل تنظيمها قانونياً، بل تعدهم/نّ السلطات السياسية والدينية والاجتماعية “فئة شاذة غريبة عن المجتمع تحمل أجندة غربية هدفها تدمير الأسرة والمجتمع”. 

يعني ذلك أيضاً أن هناك نقصاً في البيانات المتعلقة بالأفراد العابرين/ات في العراق، أسوة بأفراد مجتمع الميم عين + كافة، الأمر الذي يؤدي إلى عدم وضوح بالنسبة لأعدادهم/نّ ولا تقييم لاحتياجاتهم/نّ الطبية والنفسية، ولا للحاجة في تقديم شرح لكيفية تنفيذ عملية العبور، ما يضع العابرات والعابرين في خطر، يضاف إلى الأخطار الاجتماعية المحدقة بهم لرغبتهم في العبور.. 

إجراءات العبور في العراق.. أين التشريع؟ 

 لم يتعاط المشرّع العراقي مع قضية العبور بشكل صريح في القانون، فلا نجد قانوناً خاصا يعترف بحق العابرين بعمليات تصحيح الجنس وبالتالي تنظيمها. لذا فالتساؤل المطروح لدى كثر منهم هل يجوز في العراق أصلاً القيام بعمليات العبور الجنسي؟ وإذا سُمح بها، فهل تقع على الدولة مسؤولية تكفل الرعاية الطبية المتعلقة بها؟ 

تصميم: الكاتب

دون البت بكون العبور نفسه حقاً أم لا، يستنبط بعض المختصين القانونيين من المادة 46 من الدستور العراقي (2005)، الذي يمنع “تقييد ممارسة أيٍّ من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون أو بناء عليه، على ألا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية”، بأن العبور بكونه إجراءً طبياً يمكن عدّه جزءاً من حق الفرد في الرعاية الصحية وأن على الدولة أن تتكفل بالوسائل العلاجية لتحقيق ذلك.​​1 ويكتنف الغموض إذا ما كان يمكن اعتبار عمليات العبور الجنسي عمليات طبية ومن الأمور المتعلقة بالرعاية الصحية كحق مكفول للفرد وفقا للدستور، كما يبقى سؤال جوازها شرعاً غير واضح أيضاً. 

يرى رأي قانوني آخر أن الحريات المكفولة بالدستور العراقي محكومة بالمادة 2 (أ) التي لا تجيز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام، وبذلك فإن وجود فتوى دينية أو وثائق من جهة دينية من شأنها أن تلغي التقييد المذكور، وفق محام قابلناه فضّل عدم ذكر اسمه. وبالفعل ​​​​​​ترى بعض مراجع الدين الشيعة وكذلك المدارس الدينية السنية مثل الأزهر، بأن العبور أو تغيير الجنس أمر طبي أو مرض فعليه فهو جائز في بعض الأحيان، فيصدرون وفق ذلك وثائق دينية أو فتاوى رسمية لأشخاص عابرين.2 

بيد أن تجربة أفراد عابرين عدة أظهرت أنه حتى مع وجود مثل هذه الوثائق الدينية، بمن فيهم من مكتب علي خامنئي، آية الله والمرشد الأعلى في إيران، أو الأزهر في مصر، فهم غير قادرين على الحصول على الجرع الهرمونية اللازمة لهم في العراق. 

تروي لنا سمر (١٩ عاماً) وهي عابرة من بغداد، قصة صديقتها العابرة “عندي صديقة جابت ورقة موثقة وتجيز هذا الموضوع (العبور الجنسي) من مكتب الخامنائي بإيران وحصلت تصريح من الأزهر بمصر وبعد وساطات مع ضباط عسكريين معروفين بالعراق يله كدرت تسوي اللي تريدة بهالموضوع.. كل هالامور حتى تدخل للدكتور وتطلب منه ان ينطيها هورمونات بوصفة حتى تاخذهن من اي صيدلية بسهوله، والموضوع مشى اول 3 مرات وبعدها راحت لإيران سوت العمليات ورجعت بصعوبة ظلت كم شهر وطلعت لتركيا وبعدها على اساس تهريب لإيطاليا ومحد يعرف شي عنها لليوم وانتهى الموضوع وحاليا مختفية”. 

حالياً، لا يوجد في العراق قانون واضح لتنظيم العبور الجندري أو الجنسي، بل نجد تعليمات بشأنتصحيح الجنس أصدرتها وزارة الصحة العراقية التابعة للنظام السابق عام 2002. يشمل الإجراء سلسلة طويلة ومعقدة تتطلب فحوصات وتقييمات تقوم بها لجان طبية ونفسية قبل الموافقة على الإجراء الطبي لتصحيح الجنس؛ من بينها ​​التقييم النفسي، والفحص السريري الظاهري للأعضاء التناسلية الخارجية، ثم فحص للأعضاء التناسلية، وللهرمونات وللكروموسومات (الصبغ الوراثية) وغيرها.  

اعتمدت هذه التعليمات على التعريف السابق لمنظمة الصحة العالمية للرغبة في العبور الجنسي على أنه “اضطراب” وبالتالي فالشخص العابر على أنه “مريض”، فتنصّ على أنه في حال أثبت التقييم النفسي والسريري بأن الحالة نتيجة لاضطراب الهوية الجنسية، فيعود المريض إلى اللجنة النفسية الأولية ثم يحال إلى لجنة استئنافية نفسية، وفي حال موافقتهما على إجراء عملية التصحيح يخضع الفرد “إلى برنامج علاجي تأهيلي لمدة تقرّرها اللجنة للتعايش مع التصحيح”. 

من غير الواضح فيما إذا كانت هذه التعليمات ما زالت سارية ومعمولا بها في أرض الواقع، وهذا يزيد تعقيداً للتعقيدات التي تفرضها على الأفراد الراغبين في تصحيح جنسهم، والتعريف بكونهم/نّ مرضى يجعل من شبه المستحيل للأشخاص العابرين والعابرات الوصول إلى الرعاية الصحية المطلوبة في العراق، أو في تحويل تصحيح الجنس إلى حق محمي في القانون. 

جهاز صحي طارد للعابرين/ات 

تنصّ تعليمات وزارة الصحة بشأن تصحيح الجنس (2002) على أن ثمة تخصصات مختلفة تستوجب التدخل في تقييم طلب التصحيح، منها جراحة المجاري البولية، ونسائية وتوليد، والطب النفسي ووراثة خلوية. يعد التقييم النفسي من أولى الخطوات اللازمة للمباشرة بإجراءات العبور الجنسي، إلا أن العابرين والعابرات عادة ما يصطدمون بحاجز كبير في التعامل مع المعالجين النفسيين، يصل أحياناً كثيرة حدّ الكراهية تجاههم من قبل هؤلاء وبالتالي عدم رغبتهم بالمساعدة. ​​​​إلى ذلك يُضاف عدم وضوح في ما إذا كان ثمة موقف علمي لجمعية الاطباء النفسيين تجاه أفراد مجتمع الميم عين.  

“اذا ​​​​حولوك (في الجهاز الصحي) على الطب النفسي فراح يطول (المعالج) بالجلسات حتى يحصل فلوس زايد ويبيعلك ادوية اكتئاب وما ينطي تقرير إلا بصعوبة..”، يقول لنا محمد (26 عاماً) وهو رجل عابر جندرياً من البصرة. أما ميار (23 عاما) من النجف فقد طلب منه الطبيب النفسي أن يجلب أهله معه من أجل الحصول على تقرير! 

لنور (20 عاماً) وهي عابرة من بغداد تجربة مماثلة، “عندي معرفة جيدة بوضع القطاع الصحي هنا، بس من خبرتي وياهم، فهمَّ إذا تحجيلهم (عن العبور) اما حيكلولك اوكي ويحاولون ينسونا السالفة.. او يتجنبون الحديث عنها بشكل مباشر.. او يخلوك تعتبر هالفكرة غريبة وغلط”.  

ليس فقط الأفراد العابرون أنفسهم يشعرون بعدم مهنية كثر من كوادر الصحة النفسية تجاههم، بل يؤكد هذا أطباء، حيث أشار طبيب نفسي (فضل عدم ذكر اسمه) إلى أنه وعلى الرغم من قَسَم المهنة بمعالجة الأفراد دون تمييز، إلا أن هناك أطباء “يتأثرون بضغط المجتمع والنظرة السلبية السائدة والخوف غير المبرر من هذه الفئة ولذلك تنتقل لهم عدوى رهاب المثلية أو رهاب الجندر أو العابرين”.  

 
يتلو التقييم النفسي خطوة العرض على لجنة طبية لإجراء الفحوصات. ​​​​بيد أنه من الصعب جداً -وحتى يرى أغلب العابرين أنه من المستحيل- الوصول إلى هذه الخطوة في أرض الواقع، إلا في الحالات التي تشخص على أنها “تشوه أعضاء جنسية” والتي يُنظر لها كحالة طبية وليس “كاضطراب نفسي” كما في حالة العبور برأيهم. 

تصميم: الكاتب

يتعرض العابرون في القطاع الصحي لعنف بنيوي، يبدأ من المراحل الدراسية في الجامعات حتى الوصول إلى أروقة المستشفيات حيث يتم تجهيل الطلبة بعدم تطرق الكثير من التدريسيين لهذه المواضيع أو زرع الكراهية داخل الطلاب عند التطرق لها، ما أسس للنظام الصحي في العراق كنظام كاره لأفراد مجتمع الميم عين + في العراق. عليه فيمكن عدّ التنشئة الجامعية الطبية من بين أبرز الأسباب التي تؤدي إلى تقييد وصول العابرات/ين للرعاية الصحية التي يحتاجونها. 

يؤكد ذلك هايدن (21 عاماً) وهو طالب كلية صحية من النجف “أصلا خلال دراستي ما تطرقوا لموضوع العابرين يعني كأنما تكول هالناس ما موجودين بيناتنا نهائيا، عدا مره بالمرحلة الثالثة جان عدنه ضمن محاضرة صحة الأم والوليد (أنواع العوائل) ومن ضمنهن العائلات المثلية الي تشمل والدين مثليين/ات وأطفال.. فالدكتورة لمن وصلت لهالنقطة فتحت موضوع حسب ما جانت تعينه (الاجنده المثليه) وگالت هالشي ما موجود يمنه فقط بالغرب وجاي يروجون اله بشكل مكثف وحتى الترانس همه صح موجودين بس جاي تصير كأنما طريقة للشهرة، لان اكو اشخاص متزوجين وعمرهم جبير ويعلنون انهم ترانز، فتكول احسه مبالغ بيه”.  

وتضيف هذر (20 عاماً) وهي ثنائية الجندر من النجف تعمل في القطاع الصحي كيف كان التدريسيون يستعملون نكتاً سيئة لإيصال المادة العلمية، حيث شدد أستاذها في حصة الإحصاء على أنه “لا يوجد في هذه القاعة سوى إناث وذكور..  لا يوجد جنس ثالث هنا”.  

“انت وحظك..” مخاطر الحصول على الهورمونات في العراق 

يعني كل هذا سدّ النظام الصحي بابه أمام العابرين في العراق، ما يضطرهم إلى البحث عن بدائل لتصحيح الجنس، أهمها الهرمونات، والتي يصعب الحصول عليها عن طريق الأطباء، ما يدفعهم إلى استخدامها دون رقابة أو توجيه صحي معرضين حياتهم للخطر.  

يقول آرون (٢٧ عاماً) وهو طبيب عابر، متخصص في الدماغ، ويعمل في القطاع الصحي العراقي، إن العابرين يحتاجون إلى علاجات هرمونية وفهم ووعي صحي أكثر، وأنهم من الصعب أن يحصلوا على الجرع الهرمونية بسهولة، إلا إذا كان هناك أحد من أصدقائهم أو أهلهم متفهماً لوضعهم يعمل بالصحة.. وإلا فذلك مستحيل”. 

يحتاج الأفراد العابرون/ات أن يكون لهم منفذ للهرمونات من أجل إجراء تصحيح جندري، وأن تكون الجرعات بإشراف طبي لما يمكن أن تسببه من أعراض جانبية خطيرة قد تؤدي إلى الموت أحياناً. ​​​​ولكن يرفض الأطباء طلبهم/ن لإصدار وصفات طبية للجرعات الهرمونية المطلوبة ما يدفع الأفراد العابرين والعابرات إلى أخذها من أماكن أخرى وبجرعات عشوائية. لا تقتصر هذه الصعوبات على العراق، بل أيضاً يواجهها العابرون في إقليم كردستان الذي عادة ما يُعتقد أنه يضمن حريات أكثر، وفق شهادة كادي (23 عاماً) والتي قضت آخر أربع سنوات في كردستان العراق. 

“الوصول للهرمون بوصفة طبية من سابع المستحيلات.. الا إذا جان عندك عرف يزوّرلك وصفة.. كأشخاص عابرين رجال نعتمد على الصفحات الرياضية يبيعون هرمون ذكوري، بس هم بطريقة غير شرعية.. وهنا نتبادل معلومات الجرعة وهيج بيناتنا.. بس بعد انت وحظك”، يقول محمد.  

أما الهورمونات الأنثوية فتخبرنا هذر أن النساء العابرات يستخدمن موانع الحمل الهرمونية، مثل مانع “ديانا”، ومنظمات الدورة الشهرية التي تباع دون وصفة طبية للحصول على الهرمونات الانثوية. 

​​​​​لا يوجد في العراق نظام أو تعليمات بخصوص الجرعات الهرمونية المطلوبة لتصحيح الجنس، وكذلك لا توجد أي تعليمات باللغة العربية تساعد الأشخاص في معرفة الجرعات وكيفية استخدامها ومخاطرها وتأثيرها على الصحة الجسدية والنفسية، وحتى التعليمات الانكليزية الموجودة فتكون بلغة علمية صعبة الفهم لمن ليسوا من المجال الطبي، بالإضافة لكون هذه الهرمونات تتفاعل في الغالب مع أدوية أخرى قد يتناولها الشخص في الوقت ذاته مما يفاقم الوضع الصحي للأفراد العابرين والعابرات، تقول هذر العاملة في القطاع الصحي العراقي. 

علاوة على تأثيرها على الصحة الجسدية، فإن لتناول الهورمونات دون رقابة طبية ومن مصادر غير معتمدة خطرا على الصحة النفسية للأفراد العابرين، فهذه الجرع من الممكن أن تكون مسرطنة أو أسوأ، كما أن ثمة حالات لم تأت بأي نتيجة تذكر لكونها رديئة ومن شركات “فاشلة”، والأفراد العابرون والعابرات يبنون آمالاً على هذه المنتجات الرديئة للحصول على تغيّرات بسيطة، فإن لم يحدث تغيير تؤدي إلى تدهور صحتهم النفسية، يضيف الطبيب آرون من مشاهداته، و”انا شخصياً كان لدي صديق عابر قام بشراء هرمون ذكوري من إحدى القاعات الرياضية ولم يحصل على نتيجة منه فانتحر”، أردف. 

إلى ذلك كله يتكبد الأفراد العابرون الكلفة الباهظة لهذه الهورمونات، حيث يبلغ متوسط الجرعة الواحدة للهرمون الانثوي ما بين ٦-٩ آلاف دينار بينما الهرمون الذكري فالأسعار تتراوح بين ٣٥-٧٥ ألف دينار للجرعة. تعتبر هذه أموال طائلة في حال استمر الشخص على تعاطيهن، وهو ما يحصل عادة لأن الجرعات القليلة لا تحدث تغييرات كثيرة بالنسبة للخصائص الجنسية.  

نتيجة لذلك، يفكر البعض بإجراء عمليات نحت الجسد وتغيير بعض ملامحه باستخدام السيليكون لإحداث التغيير في الهوية الجندرية، والتي يُعرف إقليم كردستان بها أكثر من باقي مناطق العراق، حيث تُجري عيادات التجميل بعض العمليات الجراحية للأشخاص العابرين والعابرات، ولكنها عمليات باهظة أيضاً فقد يصل سعر العملية الواحدة إلى 2500 دولار. وفي حال تمكنوا من إجراء العملية الجراحية للعبور في دول أخرى، مثل إيران، فإن التكلفة تصل إلى عشرات آلاف الدولارات، وفق ما قالته لنا سولين (28 عاماً) وهي عابرة من البصرة. 

اغتراب متواصل 

حتى لو تمكن أفراد عابرون وعابرات من الوصول للمواد الطبية وحتى إن كانوا مقتدرين/ات اقتصادياً، فهناك جانب آخر لا يقل أهمية عن باقي الجوانب هو تعاطي الأهل مع التجربة. يعزف بعض العابرين عن أخذ الهرمونات لأن المواظبة المستمرة عليها قد تؤدي على المدى الطويل إلى تغيرات جسدية ملحوظة، وبذلك الدخول في مشاكل مع الأهل تصل حدّ القتل أحياناً، وهي مخاوف يعيشها ميار (23 عاماً) وهو عابر من النجف، والذي قرر عدم أخذ هورمونات لأنه لا يضمن سلامته في حال عرف أهله، يقول، إذ سيمنعونه أن يكمل أو ممكن حتى أن يقتل.  

يطال التعنيف كثراً من العابرين، حيث يحملون آثاره على أجسادهم وأرواحهم، مثلما أخبرتنا سولين التي ضربها أهلها بسلك كهربائي ترك تشوهات على ظهرها. 

في حال قرر العابرون والعابرات الامتثال إلى تقييدات الوضع الطبي والعائلة والمجتمع فهذا يعني تدهور صحتهم/نّ النفسية والجسدية. حيث يفرض على هؤلاء أن يعيشوا حياة نمطية وفق الجنس البيولوجي الذي خلقوا فيه وليس وفقاً لهوياتهم الجندرية التي يتماثلون معها ويرون أنفسهم فيها. 

هذا الاغتراب المتواصل للعابرين والعابرات العراقيين دون رعاية طبية ملائمة ولا اعتراف بحقهم وحرياتهم الشخصية بأن يكونوا أنفسهم في مجتمع لا تكف فيه السلطات جميعها، عائلة وعشيرة ودولة، بإحكام السيطرة على حياة العراقي مهما كان.  

تصميم: الكاتب

*الأسماء في النص مستعارة