"موتٌ بطيء".. الأيام الشاقة للنساء في معامل طابوق النهروان 

محمد السوداني

10 تشرين الأول 2023

ثلاث عمليّات أجرتها أحلام الجاسم للتخلص من آثار معامل الطابوق على كليتيها، لكنها فشلت.. أما مليحة عواد فقد أقعدها المرض الذي استشرى في أطرافها، مهدداً ببتر جزء من القدمين.. وفاطمة عدنان، الشابة، تعاني أمراضاً تنفسية تمنعها من الاستمتاع بطفولتها وتهدّد شبابها.. "موت بطيء" للنساء في النهروان أمام أنظار السلطات..

قضت خالدة عتيوي عشرين عاماً من حياتها في العمل داخل معامل الطابوق شديدة تلوث الهواء، ولتستطيع التنفّس، فإن بخاخ الأوكسجين لا يُفارق يدها. 

كان الهواء الذي تنفّسته كفيلاً بإرهاق رئتيها. 

اضطرت عتيوي إلى هجرة ريف محافظة الديوانية عام 2003 بعد أن ضرب الجفاف أرضها، وانتقلت مُذاك إلى منطقة النهروان على أطراف بغداد، لتنضم إلى صفوف النساء اللواتي يعملن في مصانع الطابوق. 

عتيوي ليست الوحيدة في معمل الطابوق، فجلّ أصحاب المعامل يعتمدون على النساء في إنجاز الأعمال الشاقة؛ لانخفاض أجورهن مقارنة بالرجال. 

سحابة سوداء 

عند دخول منطقة النهروان، سيكون أول ما يمكن ملاحظته أعمدة الدخان الأسود المتصاعدة من معامل الطابوق، مشكّلةً سحابة سوداء، ناتجة عن احتراق مخلفات الوقود التي يستخدمها أصحاب المعامل؛ لتحويل الرمال إلى قوالب الطوب أو الطابوق. 

وفق وزارة البيئة، تحتوي النهروان على أكثر من 360 معملاً لإنتاج الطوب. 

وتتاخم هذه المعامل مناطق مكتظة بالسكان، وتتقاطع مع أراض زراعية يعتاش منها عدد من المزارعين؛ ما يسبب أزمة بيئية متفاقمة. 

وتنعكس آثار التلوث على النساء العاملات داخل المصانع، فأحلام الجاسم أجرت ثلاث عمليات لم تجد نفعاً في تخليصها من الفشل الكلوي الناتج عن استنشاق الدخان والغبار بشكل مستمر في المعامل. 

ولم تكتف الجاسم بالعمل في المصانع الملوثة فحسب، بل سكنت برفقة زوجها وأطفالها الثلاثة في غرفة متواضعة داخل أحد المعامل. 

وتقول المرأة المجبرة على العمل في المصنع بسبب الظروف المادية الصعبة “لا يوجد بديل آخر. نحن نعمل لنعيش”. 

عمل الجاسم وعتيوي في معامل الطابوق يخالف المادة 85 من قانون العمل رقم 37 لسنة 2015 التي تحظر تشغيل المرأة في الأعمال المرهقة أو المضرة بالصحة. 

وتعمل النساء في مصانع الطابوق نحو 12 ساعة يومياً، تبدأ منذ شروق الشمس حتى مغيبها، تحت حرارة شمس تصل إلى نصف درجة الغليان، يزيد من تفاقمها عمليات حرق الوقود، وما يخلفه من تلوث يصيب رئات العاملات. 

تصف أحرار الزلزلي، الصحفية المتخصصة في شؤون المرأة، ما تعانيه العاملات في مجمع النهروان بـ”الموت البطيء”؛ فبجانب استنشاقهن السموم، لا تتوفر أي مستلزمات صحية لهن. 

جزيئات عالقة 

تعتمد معامل الطابوق على الوقود الأحفوري المتمثل في النفط الأسود؛ لانخفاض ثمنه مقارنة بغيره من الوقود الأقل إضراراً بالبيئة. 

احتراق الوقود التقليدي، والنفط الأسود، في المصانع ومعامل الطابوق والإسفلت، ينتج غازات دفيئة؛ متمثلة في أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون، ويزيد من معدل الجزيئات العالقة في الهواء مثل ثاني أكسيد الكبريت وأكسيد النيتروجين والأوزون، وفق مجلة “بيئتنا العربية” المتخصصة بالشؤون البيئية.  

يزيد محمد أحمد نجم الدين، باحث بيئي، على ما ورد في المجلة بأن رداءة النفط الأسود وما يطلقه في الهواء من أكاسيد الكبريت والنيتروجين والجسيمات العالقة تؤثر -بصورة مباشرة- على العاملات والعاملين، وتسبب لهن ولهم مختلف الأمراض، فضلاً عن تفاقم الأثر البيئي، إذا ما جاورت المعامل مناطق سكنية. 

وتعزو دراسة أجراها نجم الدين في جامعة المثنى، الأمراض التي تغزو مدينة النهروان إلى حرق معامل الطابوق للنفط الأسود، وما يسببه ذلك من تلوث هوائي. 

تجاوز الحد الأقصى 

يقع مجمع معامل النهروان شمال شرقي العاصمة بغداد، وعلى الرغم من وجوده على الأطراف، إلا أنه يجاور منطقة سكنية، يدفع الفقر أبناءها إلى العمل في مجمع المصانع. 

لم تفلت مليحة عواد من عدّاد ضحايا هذا المجمع، فالمرأة الأربعينية انضمت سابقاً لطابور العاملات في أحد المعامل، وظلت تعمل هناك حتى أقعدها المرض الذي استشرى في أطرافها، مهدداً ببتر جزء من القدمين. 

لا يرعى مليحة عواد إلا أخوها الذي يعمل هو الآخر في أحد معامل الطابوق، ويخشى أن يواجه المصير ذاته، في ظل تعرضه لشتى أنواع الملوثات يومياً. 

وطالت أمراض أيضاً الصبية والفتيات في مقتبل العمر، ففاطمة عدنان ذات الـ16 عاماً، تعاني من أمراض تنفسية منعتها من الاستمتاع بطفولتها، وتتفاقم تدريجياً لتهدّد شبابها. 

يقول عدنان كامل -والد فاطمة- إنهم سكنوا غرفة بسيطة في المنطقة منذ 20 عاماً، ولم يعلم يومها أن الدخان الذي يغلف أجواء المنطقة، سيحيل حياتهم كابوساً. 

ويشير إلى أن حالة الأسرة الصحية تتردى مع الوقت؛ ولا يملك إلا اللجوء إلى ممرض في المنطقة ليكتب له أدوية تعينه على الأمراض الصدرية التي يتعرض لها هو وأسرته. 

وللتثبت بأنفسنا من نسب التلوث في هواء النهروان، رافقنا د. حسين جبار، خبير الهندسة البيئية في جامعة بغداد، في رحلته إلى المجمع؛ لتحديد ست نقاط على خريطة المنطقة من أجل قياس نسب التلوث الناتج عن استخدام مخلفات الوقود والنفط الأسود، مع مراعاة ساعات العمل، وما يتخللها من عمليات الإحراق داخل المصانع. 

أظهرت نتائج أجهزة قياس جودة الهواء، ارتفاعاً في عدد الأجسام العالقة في الهواء، بما يتجاوز الحد الأقصى المسموح به محلياً وعالمياً. 

ويؤكد قتيبة جواد كاظم، عضو منظمة تواصل ومدير مشروع المنصة البيئية لرصد الانتهاكات البيئية، أن المنصة تلقت شكاوى عديدة إزاء استخدام النفط الأسود ومخلفات الوقود في معامل طابوق النهروان، وما يحمله هذا من تأثيرات صحية على أبناء المنطقة. 

وعن مصير هذه الشكاوى، يقول كاظم إنه تمت إحالتها إلى وزارة البيئة للنظر فيها. 

وتواصلنا مع أمير الحسون، المتحدث باسم وزارة البيئة، لنعرف مدى تفاعلهم مع هذه الشكاوى، فما كان منه إلا أن أطلعنا على أن الوزارة وجهت إنذارات لأصحاب المصانع؛ لكونهم يستخدمون طرق إنتاج بدائية، ولا يطوقون المصانع بحزام أخضر، ما أدى إلى زيادة نسب الانبعاثات الغازية عن الحد المسموح به. 

النهروان خارج المعاهدات 

انضم العراق عام 2021 إلى اتفاقية باريس للمناخ، ليلتزم بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، الناتجة -في المقام الأول- عن استخدام الوقود الأحفوري. 

ووضعت وثيقة الإسهامات المحددة المعدة في إطار الاتفاقية الإطارية للمناخ واتفاقية باريس، هدفاً لخفض مجمل انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة تتراوح بين 1 و2 في المئة حتى العام 2030، اعتماداً على الجهود الذاتية، ورهنت الحكومة العراقية تحقيق انخفاض بنسبة 15 في المئة بتوفر الدعم الدولي. 

وفي ما يخص الجانب الصناعي، تبنى العراق استراتيجية لخفض الانبعاثات، تقوم على إدخال عمليات تطوير الصناعات القائمة وتأهيلها. 

وهذا ما لم يتوفر في مجمع النهروان لإنتاج الطابوق الذي ما زال يعتمد على النفط الأسود، لأسعاره المنخفضة مقارنة بأنواع الوقود الأخرى، إذ يبلغ سعر اللتر منه عشرة دنانير (أقل من سنت). 

ويحتج أصحاب المعامل بغياب الوقود البديل ذي السعر المناسب، ليستخدم في المصانع، إذ ألقى صفاء صحة، الناطق باسم أصحاب المصانع في منطقة النهروان، باللوم على الحكومة التي لا توفر الدعم لتطوير المعامل وتوفير الوقود البديل بسعر مناسب. 

تقاذف المسؤولية 

ينتقد محمد حميد عبد المجيد، المعاون الفني للمدير العام في دائرة التنمية الصناعية التابعة لوزارة الصناعة، وزارة البيئة؛ لتخليها عن دورها في تنفيذ خطط التوافق البيئي لمجمع معامل النهروان، فضلاً عن تقاعس وزارة النفط عن توفير وقود بديل صديق للبيئة لهذه المعامل. 

هذا النقد ترد عليه الدكتورة رغد أسد العبيدي، مسؤولة في وزارة البيئة، بأن دور الوزارة رقابي، فيما ينبغي على دائرة التنمية الصناعية أن تزود المعامل بآليات حرق حديثة، تحتوي على فلاتر لخفض الانبعاثات. 

وتضيف أن الوزارة تواصلت مع وزارة الزراعة، مطالبة إياها بتغطية الأراضي الزراعية المجاورة للمعامل نظراً لتأثرها بغبارها، ما جعلها غير صالحة للزراعة. 

وفي ما يخص توفير وقود بديل مناسب للبيئة، تقر العبيدي بأن الوزارة طلبت من وزارة النفط توفير وقود لأصحاب المصانع، يحتوي على نسب منخفضة من الكبريت؛ لتخفيض الانبعاثات، ولكن لم يرد لها جواب من وزارة النفط. 

تتعدد الجهات المسؤولة، وفيما تتقاذف المسؤولية بينها، تبقى فوهات معامل طابوق النهروان -حتى يومنا هذا- تطلق سمومها على من أجبرتهم قسوة الظروف على السكن والعمل في بيئة محفوفة بالمخاطر. 

* تم إنتاج هذا التقرير ضمن إطار مشروع أصواتنا المنفذ من قبل منظمة انترنيوز. 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

قضت خالدة عتيوي عشرين عاماً من حياتها في العمل داخل معامل الطابوق شديدة تلوث الهواء، ولتستطيع التنفّس، فإن بخاخ الأوكسجين لا يُفارق يدها. 

كان الهواء الذي تنفّسته كفيلاً بإرهاق رئتيها. 

اضطرت عتيوي إلى هجرة ريف محافظة الديوانية عام 2003 بعد أن ضرب الجفاف أرضها، وانتقلت مُذاك إلى منطقة النهروان على أطراف بغداد، لتنضم إلى صفوف النساء اللواتي يعملن في مصانع الطابوق. 

عتيوي ليست الوحيدة في معمل الطابوق، فجلّ أصحاب المعامل يعتمدون على النساء في إنجاز الأعمال الشاقة؛ لانخفاض أجورهن مقارنة بالرجال. 

سحابة سوداء 

عند دخول منطقة النهروان، سيكون أول ما يمكن ملاحظته أعمدة الدخان الأسود المتصاعدة من معامل الطابوق، مشكّلةً سحابة سوداء، ناتجة عن احتراق مخلفات الوقود التي يستخدمها أصحاب المعامل؛ لتحويل الرمال إلى قوالب الطوب أو الطابوق. 

وفق وزارة البيئة، تحتوي النهروان على أكثر من 360 معملاً لإنتاج الطوب. 

وتتاخم هذه المعامل مناطق مكتظة بالسكان، وتتقاطع مع أراض زراعية يعتاش منها عدد من المزارعين؛ ما يسبب أزمة بيئية متفاقمة. 

وتنعكس آثار التلوث على النساء العاملات داخل المصانع، فأحلام الجاسم أجرت ثلاث عمليات لم تجد نفعاً في تخليصها من الفشل الكلوي الناتج عن استنشاق الدخان والغبار بشكل مستمر في المعامل. 

ولم تكتف الجاسم بالعمل في المصانع الملوثة فحسب، بل سكنت برفقة زوجها وأطفالها الثلاثة في غرفة متواضعة داخل أحد المعامل. 

وتقول المرأة المجبرة على العمل في المصنع بسبب الظروف المادية الصعبة “لا يوجد بديل آخر. نحن نعمل لنعيش”. 

عمل الجاسم وعتيوي في معامل الطابوق يخالف المادة 85 من قانون العمل رقم 37 لسنة 2015 التي تحظر تشغيل المرأة في الأعمال المرهقة أو المضرة بالصحة. 

وتعمل النساء في مصانع الطابوق نحو 12 ساعة يومياً، تبدأ منذ شروق الشمس حتى مغيبها، تحت حرارة شمس تصل إلى نصف درجة الغليان، يزيد من تفاقمها عمليات حرق الوقود، وما يخلفه من تلوث يصيب رئات العاملات. 

تصف أحرار الزلزلي، الصحفية المتخصصة في شؤون المرأة، ما تعانيه العاملات في مجمع النهروان بـ”الموت البطيء”؛ فبجانب استنشاقهن السموم، لا تتوفر أي مستلزمات صحية لهن. 

جزيئات عالقة 

تعتمد معامل الطابوق على الوقود الأحفوري المتمثل في النفط الأسود؛ لانخفاض ثمنه مقارنة بغيره من الوقود الأقل إضراراً بالبيئة. 

احتراق الوقود التقليدي، والنفط الأسود، في المصانع ومعامل الطابوق والإسفلت، ينتج غازات دفيئة؛ متمثلة في أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون، ويزيد من معدل الجزيئات العالقة في الهواء مثل ثاني أكسيد الكبريت وأكسيد النيتروجين والأوزون، وفق مجلة “بيئتنا العربية” المتخصصة بالشؤون البيئية.  

يزيد محمد أحمد نجم الدين، باحث بيئي، على ما ورد في المجلة بأن رداءة النفط الأسود وما يطلقه في الهواء من أكاسيد الكبريت والنيتروجين والجسيمات العالقة تؤثر -بصورة مباشرة- على العاملات والعاملين، وتسبب لهن ولهم مختلف الأمراض، فضلاً عن تفاقم الأثر البيئي، إذا ما جاورت المعامل مناطق سكنية. 

وتعزو دراسة أجراها نجم الدين في جامعة المثنى، الأمراض التي تغزو مدينة النهروان إلى حرق معامل الطابوق للنفط الأسود، وما يسببه ذلك من تلوث هوائي. 

تجاوز الحد الأقصى 

يقع مجمع معامل النهروان شمال شرقي العاصمة بغداد، وعلى الرغم من وجوده على الأطراف، إلا أنه يجاور منطقة سكنية، يدفع الفقر أبناءها إلى العمل في مجمع المصانع. 

لم تفلت مليحة عواد من عدّاد ضحايا هذا المجمع، فالمرأة الأربعينية انضمت سابقاً لطابور العاملات في أحد المعامل، وظلت تعمل هناك حتى أقعدها المرض الذي استشرى في أطرافها، مهدداً ببتر جزء من القدمين. 

لا يرعى مليحة عواد إلا أخوها الذي يعمل هو الآخر في أحد معامل الطابوق، ويخشى أن يواجه المصير ذاته، في ظل تعرضه لشتى أنواع الملوثات يومياً. 

وطالت أمراض أيضاً الصبية والفتيات في مقتبل العمر، ففاطمة عدنان ذات الـ16 عاماً، تعاني من أمراض تنفسية منعتها من الاستمتاع بطفولتها، وتتفاقم تدريجياً لتهدّد شبابها. 

يقول عدنان كامل -والد فاطمة- إنهم سكنوا غرفة بسيطة في المنطقة منذ 20 عاماً، ولم يعلم يومها أن الدخان الذي يغلف أجواء المنطقة، سيحيل حياتهم كابوساً. 

ويشير إلى أن حالة الأسرة الصحية تتردى مع الوقت؛ ولا يملك إلا اللجوء إلى ممرض في المنطقة ليكتب له أدوية تعينه على الأمراض الصدرية التي يتعرض لها هو وأسرته. 

وللتثبت بأنفسنا من نسب التلوث في هواء النهروان، رافقنا د. حسين جبار، خبير الهندسة البيئية في جامعة بغداد، في رحلته إلى المجمع؛ لتحديد ست نقاط على خريطة المنطقة من أجل قياس نسب التلوث الناتج عن استخدام مخلفات الوقود والنفط الأسود، مع مراعاة ساعات العمل، وما يتخللها من عمليات الإحراق داخل المصانع. 

أظهرت نتائج أجهزة قياس جودة الهواء، ارتفاعاً في عدد الأجسام العالقة في الهواء، بما يتجاوز الحد الأقصى المسموح به محلياً وعالمياً. 

ويؤكد قتيبة جواد كاظم، عضو منظمة تواصل ومدير مشروع المنصة البيئية لرصد الانتهاكات البيئية، أن المنصة تلقت شكاوى عديدة إزاء استخدام النفط الأسود ومخلفات الوقود في معامل طابوق النهروان، وما يحمله هذا من تأثيرات صحية على أبناء المنطقة. 

وعن مصير هذه الشكاوى، يقول كاظم إنه تمت إحالتها إلى وزارة البيئة للنظر فيها. 

وتواصلنا مع أمير الحسون، المتحدث باسم وزارة البيئة، لنعرف مدى تفاعلهم مع هذه الشكاوى، فما كان منه إلا أن أطلعنا على أن الوزارة وجهت إنذارات لأصحاب المصانع؛ لكونهم يستخدمون طرق إنتاج بدائية، ولا يطوقون المصانع بحزام أخضر، ما أدى إلى زيادة نسب الانبعاثات الغازية عن الحد المسموح به. 

النهروان خارج المعاهدات 

انضم العراق عام 2021 إلى اتفاقية باريس للمناخ، ليلتزم بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، الناتجة -في المقام الأول- عن استخدام الوقود الأحفوري. 

ووضعت وثيقة الإسهامات المحددة المعدة في إطار الاتفاقية الإطارية للمناخ واتفاقية باريس، هدفاً لخفض مجمل انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة تتراوح بين 1 و2 في المئة حتى العام 2030، اعتماداً على الجهود الذاتية، ورهنت الحكومة العراقية تحقيق انخفاض بنسبة 15 في المئة بتوفر الدعم الدولي. 

وفي ما يخص الجانب الصناعي، تبنى العراق استراتيجية لخفض الانبعاثات، تقوم على إدخال عمليات تطوير الصناعات القائمة وتأهيلها. 

وهذا ما لم يتوفر في مجمع النهروان لإنتاج الطابوق الذي ما زال يعتمد على النفط الأسود، لأسعاره المنخفضة مقارنة بأنواع الوقود الأخرى، إذ يبلغ سعر اللتر منه عشرة دنانير (أقل من سنت). 

ويحتج أصحاب المعامل بغياب الوقود البديل ذي السعر المناسب، ليستخدم في المصانع، إذ ألقى صفاء صحة، الناطق باسم أصحاب المصانع في منطقة النهروان، باللوم على الحكومة التي لا توفر الدعم لتطوير المعامل وتوفير الوقود البديل بسعر مناسب. 

تقاذف المسؤولية 

ينتقد محمد حميد عبد المجيد، المعاون الفني للمدير العام في دائرة التنمية الصناعية التابعة لوزارة الصناعة، وزارة البيئة؛ لتخليها عن دورها في تنفيذ خطط التوافق البيئي لمجمع معامل النهروان، فضلاً عن تقاعس وزارة النفط عن توفير وقود بديل صديق للبيئة لهذه المعامل. 

هذا النقد ترد عليه الدكتورة رغد أسد العبيدي، مسؤولة في وزارة البيئة، بأن دور الوزارة رقابي، فيما ينبغي على دائرة التنمية الصناعية أن تزود المعامل بآليات حرق حديثة، تحتوي على فلاتر لخفض الانبعاثات. 

وتضيف أن الوزارة تواصلت مع وزارة الزراعة، مطالبة إياها بتغطية الأراضي الزراعية المجاورة للمعامل نظراً لتأثرها بغبارها، ما جعلها غير صالحة للزراعة. 

وفي ما يخص توفير وقود بديل مناسب للبيئة، تقر العبيدي بأن الوزارة طلبت من وزارة النفط توفير وقود لأصحاب المصانع، يحتوي على نسب منخفضة من الكبريت؛ لتخفيض الانبعاثات، ولكن لم يرد لها جواب من وزارة النفط. 

تتعدد الجهات المسؤولة، وفيما تتقاذف المسؤولية بينها، تبقى فوهات معامل طابوق النهروان -حتى يومنا هذا- تطلق سمومها على من أجبرتهم قسوة الظروف على السكن والعمل في بيئة محفوفة بالمخاطر. 

* تم إنتاج هذا التقرير ضمن إطار مشروع أصواتنا المنفذ من قبل منظمة انترنيوز.