"ثلاثة يومياً".. تشرينيون يعالجون إدمان المخدرات بـ"الكتمان"

مرتضى الحدود

22 كانون الثاني 2023

"ثلاث جهات سياسية عرضت عليّ تمويل أنشطة المجموعة لكننا رفضنا العروض" قال أمجد حسين أحد أعضاء مجموعة تطوعية تعالج مدمنين في مدينة تنهشها المخدرات ويصول فيها التجار بلا رادع أو خوف.. قصة شبان طموحين من التظاهر إلى علاج المدمنين..

نشوة غير مألوفة شعر بها منير[1] وهو يستنشق لأول مرة في حياته دخاناً أبيض كان يتجمع داخل زجاجة مصباح كهربائي قبل أن يسحبه إلى رئتيه.

كانت تلك أول جرعة مخدرات يتعاطاها الشاب البالغ من العمر 22 عاماً، وكم تمنى لاحقاً لو أنه لم يخض التجربة لأنه أخفق في جعلها الأخيرة.

يعمل منير سائق ستوتة (دراجة نارية بثلاث عجلات وصندوق خلفي كبير) في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار، وهو يواجه ظروفاً شخصية صعبة للغاية يزيدها شظف العيش قسوة واكتئاباً.

ويقضي منير وقت فراغه مع أصدقاء كان يعلم أن عدداً منهم يتعاطى المخدرات، غير أنه لم يضع في حساباته أن يجره أحد يوماً ما إلى هذه الطريق، لكن حساباته كانت خاطئة.

تحت وطأة إرهاق نفسي وجسدي شديد قبل نحو سنة من الآن، تلقى نصيحة من أحد أصدقائه المدمنين بأن يجرّب “الكريستال”، المادة المخدرة الشهيرة، وقد أقنعه بأن تدخينها يشبه تدخين السجائر، لكن مفعولها أقوى بقليل.

وجد منير نفسه منساقاً وراء الرغبة والترغيب، فوافق على الانضمام إلى جلسة تعاط في منزل أحد الأصدقاء، حصل خلالها على رأس مصباح كهربائي مفرغ وضعت بداخله مادة بيضاء على هيأة فصوص، وثُبتت في نهايته أنبوبة بلاستيكية لاستنشاق الدخان الذي سينتج عن إشعال قداحة تحت زجاج المصباح.

كانت هذه الجرعة مجانية.

بعد الشعور الرائع الذي راوده عقب تعاطيه الجرعة الأولى، راح منير يطلب المزيد، ولكنه بات ملزماً الآن بدفع أموال مقابل الحصول على مبتغاه.

“كانت المرة الأولى للاستدراج” قال لـ”جمّار”.

بوابة مركز الحياة للتعافي في ذي قار – تصوير مرتضى الحدود

تمنحه المادة المخدرة شعوراً بالجرأة والشجاعة وخفة الجسد إضافة إلى الانتشاء، ولكن عندما يزول مفعولها بعد خمس إلى ست ساعات، يتحول إلى إنسان سوداوي لا يطيق الحياة.

يشتري منير الغرام الواحد من “الكريستال” بـ20 ألف دينار، وبذلك كان ينفق كل ما يكسبه من عمله بالستوتة على شراء هذه المادة التي يجلبها صديق له يتزود من موزعين معدودين.

وبمرور الأشهر بدأت علامات الإدمان تظهر عليه. أصبح كسولاً كثير النوم وحاد المزاج.

شعر ذووه بأنه ليس على ما يرام، وساورتهم الشكوك بشأن تعاطيه المخدرات، وعندما بدأوا بسؤاله حاول عدم الاعتراف، لكنه أقر أخيراً عندما أفهموه بأنهم يريدون مساعدته وليس معاقبته.

كان الشعور بالندم لا يفارقه على ما اقترف بحق نفسه، غير أنه في الوقت ذاته لم يكن قادراً على هزيمة الإدمان والتوقف عن التعاطي.

ومع ذلك لم يتمكن منه اليأس.

ظل يبحث عن طريقة تخلصه من الإدمان، إلى أن أرشدته الأسئلة ومواقع التواصل الاجتماعي إلى مجموعة شبابية تطوعية تنشط في ذي قار اسمها “حياة بلا مخدرات”.

كان أكثر ما يخشاه التعرض للمساءلة القانونية، لكن المجموعة طمأنته بأنه سيعفى منها إذا بادر إلى الخضوع للعلاج من الإدمان من تلقاء نفسه.

ساعدته المجموعة في الذهاب إلى مركز حكومي متخصص بمعالجة المدمنين، ورقد فيه ليبدأ رحلة العلاج.

تشرينيون

نظّم المجموعة عدد من الشبان الناشطين في حراك تشرين الأول عام 2019، وبدأوا العمل في كانون الثاني 2022، وقد أخذوا على عاتقهم التحرك لإنشاء مركز خاص بعلاج المدمنين في المحافظة.

أثمرت جهودهم عن موافقة وزارة الصحة على طلبهم، فتم استحداث مركز تحت مسمى “مركز معالجة مدمني المخدرات والأمراض النفسية” في أيار 2022، ثم جرى تغيير اسمه إلى “مركز الحياة للتعافي” مراعاة لنفسية متلقي العلاج.

وتتألف المجموعة من تسعة شبان استثمروا مواقع التواصل الاجتماعي في إطلاق وسم “حياة بلا مخدرات” على صفحاتهم الشخصية والصفحات العامة، كما نشروا أرقام هواتفهم ليتمكن الراغبون بالعلاج من الاتصال بهم.

ويحرص أعضاء المجموعة على ضمان السرية التامة والحماية القانونية للمدمنين الراغبين بالعلاج، بعدما درسوا قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017.

تنص الفقرة “أولاً” من المادة 40 من هذا القانون على أن “لا تقام الدعوى الجزائية على من يتقدم من متعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية من تلقاء نفسه للعلاج في المستشفى المختصة بعلاج المدمنين”.

كما تنص المادة 41 من القانون ذاته على أن “تراعى السرية حيال الأشخاص الذي يعالجون من حالة الإدمان أو المؤثرات العقلية”.

أحد المدمنين الذين يخضعون للتعافي في المركز – تصوير مرتضى الحدود

ولأن أغلب المتعاطين غير مطلعين على القوانين وتفاصيلها، أخذت المجموعة على عاتقها تعريفهم بهذا القانون وما يضمنه لهم من حماية وسرية.

وإلى جانب حثهم على تلقي العلاج، تعمل المجموعة على جمع تبرعات لتوفير مبالغ مالية تمكّن المتعافين من تأسيس مشاريع صغيرة أو شراء وسيلة نقل عامة للعمل بها وتحسين مستواهم المعيشي.

كما تنظّم للمتعافين نشاطات اجتماعية متنوعة من قبيل مباريات كرة قدم وسفرات سياحية لتساعدهم على العودة إلى الحياة الطبيعية بعدما حولتهم المخدرات إلى أشخاص منعزلين.

وتتلقى المجموعة اتصالات بشكل شبه يومي من مدمنين يرغبون بتلقي العلاج.

“نحو ألف مدمن خضع للعلاج عن طريقنا منذ بداية العام الماضي” قال عامر فاران مسؤول المجموعة الشبابية.

ثلاثة يومياً!

قبل تأسيس المركز الحكومي، تطوع طبيبان لعلاج المدمنين القادمين عن طريق المجموعة في عيادتيهما الخاصتين هما الدكتور إبراهيم الصائغ والدكتور أمير فرحان.

يدير الصائغ حالياً مركز الحياة للتعافي، وهو المركز الوحيد في ذي قار لمعالجة المدمنين، وواحد من ثلاث مؤسسات متخصصة بهذا الشأن على مستوى العراق.

استقبل المركز منذ افتتاحه في أيار 2022 حتى كانون الأول من العام ذاته أكثر من 700 مدمن، بمعدل ثلاثة مدمنين يومياً.

“أعمارهم تتراوح غالباً بين 14 و24 سنة” قال الصائغ لـ”جمّار”.

تعد مادة “الكريستال” وحبوب “الكبتاغون” الأكثر رواجاً بين المدمنين، لكن معظمهم يفضّل الأولى لأنها سريعة المفعول خلافاً للحبوب التي تستغرق وقتاً قد يصل إلى ساعة ليظهر مفعولها.

ويتضمن العلاج حرمانهم من المخدرات نهائياً ومن ثم منحهم أدوية تخفف الأعراض الانسحابية التي تظهر بعد أيام، بينها الصداع الشديد وألم المفاصل والعصبية.

حاولت جهات سياسية تمويل المجموعة التطوعية لكنها رفضت حذراً من تجييرها لأغراض دعائية، وفضلت التوجه إلى مؤسسات الدولة لشمول المدمنين المتزوجين براتب العاطلين عن العمل، وتوفير قروض لغير المتزوجين ليتمكنوا من إنشاء مشاريع صغيرة.

أسرة الرقود في المركز – تصوير مرتضى الحدود

“ثلاث جهات سياسية عرضت عليّ تمويل أنشطة المجموعة لكننا رفضنا العروض” قال أمجد حسين أحد أعضاء المجموعة التطوعية.

ينتظر المتطوعون الآن تخصيص أموال في موازنة 2023 لتنفيذ مشروع اقترحوه يتضمن إنشاء مركز متخصص بسعة 100 سرير يرتبط بوزارتي الداخلية والصحة.

ويراد من هذا المركز معالجة حتى الملقى القبض عليهم بعد قضاء مدة محكوميتهم لكي لا يعودوا للإدمان مرة أخرى.

“درسته وزارة التخطيط وبانتظار التخصيصات”، قال حسين بشأن المشروع المقترح.

للفتيات نصيب

تشير الأرقام إلى أن ذي قار بحاجة ماسّة إلى تكثيف الجهود وتوسعتها لمكافحة المخدرات، فهناك شبكات متغلغلة بين مدنها تعمل على نشر هذه المواد.

قال مصدر في شرطة ذي قار لـ”جمّار” إن عدد الذين تم اعتقالهم بتهم الترويج والتعاطي والمتاجرة بالمخدرات بلغ أكثر من 950 خلال عام 2022.

“صدرت أحكام قضائية بحق نحو 550 متهماً بقضايا مخدرات” أضاف المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه.

وفي العام ذاته، ضبطت القوات الأمنية نحو 17 كغم من الكريستال و2 كغم من الحشيشة وقرابة 50 ألف قرص مخدر من نوع “كبتي” ونحو 15 ألف قرص خاص بالمؤثرات العقلية ويستخدم كمخدر.

ويبدي فاران قلقه من أن هذه المواد بدأت تتسلل إلى الفتيات أيضاً في المدارس والجامعات، لذا حرصت مجموعته على تنظيم 17 ورشة توعية وتثقيف داخل المؤسسات الدراسية بالتنسيق مع البرنامج الدولي “تعافي”.

“نأمل توسيع الورش خلال العام الحالي” قال فاران.

وتواجه المجموعة صعوبة في طريقة توفير العلاج للفتيات، إذ أن ذهاب فتاة إلى مركز مخصص لمعالجة الإدمان ورقودها فيه أمر يبدو مستحيلاً في الأوساط المحافظة، لذا يتم إرسالهن إلى أطباء في عيادات خاصة ويقضين مدة العلاج في منازلهن.

ومع انتهاء كل دورة علاجية لأحد المدمنين وتغلبه على الإدمان، يشعر المتطوعون بأن ما يفعلونه لا يذهب سدى، وهذا ما شعروا به عندما انتصر منير في معركته ضد المخدرات.


[1] اسم مستعار

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

نشوة غير مألوفة شعر بها منير[1] وهو يستنشق لأول مرة في حياته دخاناً أبيض كان يتجمع داخل زجاجة مصباح كهربائي قبل أن يسحبه إلى رئتيه.

كانت تلك أول جرعة مخدرات يتعاطاها الشاب البالغ من العمر 22 عاماً، وكم تمنى لاحقاً لو أنه لم يخض التجربة لأنه أخفق في جعلها الأخيرة.

يعمل منير سائق ستوتة (دراجة نارية بثلاث عجلات وصندوق خلفي كبير) في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار، وهو يواجه ظروفاً شخصية صعبة للغاية يزيدها شظف العيش قسوة واكتئاباً.

ويقضي منير وقت فراغه مع أصدقاء كان يعلم أن عدداً منهم يتعاطى المخدرات، غير أنه لم يضع في حساباته أن يجره أحد يوماً ما إلى هذه الطريق، لكن حساباته كانت خاطئة.

تحت وطأة إرهاق نفسي وجسدي شديد قبل نحو سنة من الآن، تلقى نصيحة من أحد أصدقائه المدمنين بأن يجرّب “الكريستال”، المادة المخدرة الشهيرة، وقد أقنعه بأن تدخينها يشبه تدخين السجائر، لكن مفعولها أقوى بقليل.

وجد منير نفسه منساقاً وراء الرغبة والترغيب، فوافق على الانضمام إلى جلسة تعاط في منزل أحد الأصدقاء، حصل خلالها على رأس مصباح كهربائي مفرغ وضعت بداخله مادة بيضاء على هيأة فصوص، وثُبتت في نهايته أنبوبة بلاستيكية لاستنشاق الدخان الذي سينتج عن إشعال قداحة تحت زجاج المصباح.

كانت هذه الجرعة مجانية.

بعد الشعور الرائع الذي راوده عقب تعاطيه الجرعة الأولى، راح منير يطلب المزيد، ولكنه بات ملزماً الآن بدفع أموال مقابل الحصول على مبتغاه.

“كانت المرة الأولى للاستدراج” قال لـ”جمّار”.

بوابة مركز الحياة للتعافي في ذي قار – تصوير مرتضى الحدود

تمنحه المادة المخدرة شعوراً بالجرأة والشجاعة وخفة الجسد إضافة إلى الانتشاء، ولكن عندما يزول مفعولها بعد خمس إلى ست ساعات، يتحول إلى إنسان سوداوي لا يطيق الحياة.

يشتري منير الغرام الواحد من “الكريستال” بـ20 ألف دينار، وبذلك كان ينفق كل ما يكسبه من عمله بالستوتة على شراء هذه المادة التي يجلبها صديق له يتزود من موزعين معدودين.

وبمرور الأشهر بدأت علامات الإدمان تظهر عليه. أصبح كسولاً كثير النوم وحاد المزاج.

شعر ذووه بأنه ليس على ما يرام، وساورتهم الشكوك بشأن تعاطيه المخدرات، وعندما بدأوا بسؤاله حاول عدم الاعتراف، لكنه أقر أخيراً عندما أفهموه بأنهم يريدون مساعدته وليس معاقبته.

كان الشعور بالندم لا يفارقه على ما اقترف بحق نفسه، غير أنه في الوقت ذاته لم يكن قادراً على هزيمة الإدمان والتوقف عن التعاطي.

ومع ذلك لم يتمكن منه اليأس.

ظل يبحث عن طريقة تخلصه من الإدمان، إلى أن أرشدته الأسئلة ومواقع التواصل الاجتماعي إلى مجموعة شبابية تطوعية تنشط في ذي قار اسمها “حياة بلا مخدرات”.

كان أكثر ما يخشاه التعرض للمساءلة القانونية، لكن المجموعة طمأنته بأنه سيعفى منها إذا بادر إلى الخضوع للعلاج من الإدمان من تلقاء نفسه.

ساعدته المجموعة في الذهاب إلى مركز حكومي متخصص بمعالجة المدمنين، ورقد فيه ليبدأ رحلة العلاج.

تشرينيون

نظّم المجموعة عدد من الشبان الناشطين في حراك تشرين الأول عام 2019، وبدأوا العمل في كانون الثاني 2022، وقد أخذوا على عاتقهم التحرك لإنشاء مركز خاص بعلاج المدمنين في المحافظة.

أثمرت جهودهم عن موافقة وزارة الصحة على طلبهم، فتم استحداث مركز تحت مسمى “مركز معالجة مدمني المخدرات والأمراض النفسية” في أيار 2022، ثم جرى تغيير اسمه إلى “مركز الحياة للتعافي” مراعاة لنفسية متلقي العلاج.

وتتألف المجموعة من تسعة شبان استثمروا مواقع التواصل الاجتماعي في إطلاق وسم “حياة بلا مخدرات” على صفحاتهم الشخصية والصفحات العامة، كما نشروا أرقام هواتفهم ليتمكن الراغبون بالعلاج من الاتصال بهم.

ويحرص أعضاء المجموعة على ضمان السرية التامة والحماية القانونية للمدمنين الراغبين بالعلاج، بعدما درسوا قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017.

تنص الفقرة “أولاً” من المادة 40 من هذا القانون على أن “لا تقام الدعوى الجزائية على من يتقدم من متعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية من تلقاء نفسه للعلاج في المستشفى المختصة بعلاج المدمنين”.

كما تنص المادة 41 من القانون ذاته على أن “تراعى السرية حيال الأشخاص الذي يعالجون من حالة الإدمان أو المؤثرات العقلية”.

أحد المدمنين الذين يخضعون للتعافي في المركز – تصوير مرتضى الحدود

ولأن أغلب المتعاطين غير مطلعين على القوانين وتفاصيلها، أخذت المجموعة على عاتقها تعريفهم بهذا القانون وما يضمنه لهم من حماية وسرية.

وإلى جانب حثهم على تلقي العلاج، تعمل المجموعة على جمع تبرعات لتوفير مبالغ مالية تمكّن المتعافين من تأسيس مشاريع صغيرة أو شراء وسيلة نقل عامة للعمل بها وتحسين مستواهم المعيشي.

كما تنظّم للمتعافين نشاطات اجتماعية متنوعة من قبيل مباريات كرة قدم وسفرات سياحية لتساعدهم على العودة إلى الحياة الطبيعية بعدما حولتهم المخدرات إلى أشخاص منعزلين.

وتتلقى المجموعة اتصالات بشكل شبه يومي من مدمنين يرغبون بتلقي العلاج.

“نحو ألف مدمن خضع للعلاج عن طريقنا منذ بداية العام الماضي” قال عامر فاران مسؤول المجموعة الشبابية.

ثلاثة يومياً!

قبل تأسيس المركز الحكومي، تطوع طبيبان لعلاج المدمنين القادمين عن طريق المجموعة في عيادتيهما الخاصتين هما الدكتور إبراهيم الصائغ والدكتور أمير فرحان.

يدير الصائغ حالياً مركز الحياة للتعافي، وهو المركز الوحيد في ذي قار لمعالجة المدمنين، وواحد من ثلاث مؤسسات متخصصة بهذا الشأن على مستوى العراق.

استقبل المركز منذ افتتاحه في أيار 2022 حتى كانون الأول من العام ذاته أكثر من 700 مدمن، بمعدل ثلاثة مدمنين يومياً.

“أعمارهم تتراوح غالباً بين 14 و24 سنة” قال الصائغ لـ”جمّار”.

تعد مادة “الكريستال” وحبوب “الكبتاغون” الأكثر رواجاً بين المدمنين، لكن معظمهم يفضّل الأولى لأنها سريعة المفعول خلافاً للحبوب التي تستغرق وقتاً قد يصل إلى ساعة ليظهر مفعولها.

ويتضمن العلاج حرمانهم من المخدرات نهائياً ومن ثم منحهم أدوية تخفف الأعراض الانسحابية التي تظهر بعد أيام، بينها الصداع الشديد وألم المفاصل والعصبية.

حاولت جهات سياسية تمويل المجموعة التطوعية لكنها رفضت حذراً من تجييرها لأغراض دعائية، وفضلت التوجه إلى مؤسسات الدولة لشمول المدمنين المتزوجين براتب العاطلين عن العمل، وتوفير قروض لغير المتزوجين ليتمكنوا من إنشاء مشاريع صغيرة.

أسرة الرقود في المركز – تصوير مرتضى الحدود

“ثلاث جهات سياسية عرضت عليّ تمويل أنشطة المجموعة لكننا رفضنا العروض” قال أمجد حسين أحد أعضاء المجموعة التطوعية.

ينتظر المتطوعون الآن تخصيص أموال في موازنة 2023 لتنفيذ مشروع اقترحوه يتضمن إنشاء مركز متخصص بسعة 100 سرير يرتبط بوزارتي الداخلية والصحة.

ويراد من هذا المركز معالجة حتى الملقى القبض عليهم بعد قضاء مدة محكوميتهم لكي لا يعودوا للإدمان مرة أخرى.

“درسته وزارة التخطيط وبانتظار التخصيصات”، قال حسين بشأن المشروع المقترح.

للفتيات نصيب

تشير الأرقام إلى أن ذي قار بحاجة ماسّة إلى تكثيف الجهود وتوسعتها لمكافحة المخدرات، فهناك شبكات متغلغلة بين مدنها تعمل على نشر هذه المواد.

قال مصدر في شرطة ذي قار لـ”جمّار” إن عدد الذين تم اعتقالهم بتهم الترويج والتعاطي والمتاجرة بالمخدرات بلغ أكثر من 950 خلال عام 2022.

“صدرت أحكام قضائية بحق نحو 550 متهماً بقضايا مخدرات” أضاف المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه.

وفي العام ذاته، ضبطت القوات الأمنية نحو 17 كغم من الكريستال و2 كغم من الحشيشة وقرابة 50 ألف قرص مخدر من نوع “كبتي” ونحو 15 ألف قرص خاص بالمؤثرات العقلية ويستخدم كمخدر.

ويبدي فاران قلقه من أن هذه المواد بدأت تتسلل إلى الفتيات أيضاً في المدارس والجامعات، لذا حرصت مجموعته على تنظيم 17 ورشة توعية وتثقيف داخل المؤسسات الدراسية بالتنسيق مع البرنامج الدولي “تعافي”.

“نأمل توسيع الورش خلال العام الحالي” قال فاران.

وتواجه المجموعة صعوبة في طريقة توفير العلاج للفتيات، إذ أن ذهاب فتاة إلى مركز مخصص لمعالجة الإدمان ورقودها فيه أمر يبدو مستحيلاً في الأوساط المحافظة، لذا يتم إرسالهن إلى أطباء في عيادات خاصة ويقضين مدة العلاج في منازلهن.

ومع انتهاء كل دورة علاجية لأحد المدمنين وتغلبه على الإدمان، يشعر المتطوعون بأن ما يفعلونه لا يذهب سدى، وهذا ما شعروا به عندما انتصر منير في معركته ضد المخدرات.


[1] اسم مستعار