"آثار المقتلة مستمرة".. اليأس يتسلل إلى "المنقذ" وأهالي المفقودين الايزيديين 

ميادة داود

29 تشرين الأول 2022

يُطبق اليأس على الايزيديين ومنقذهم من الوصول إلى المختَطفين، فيما يروي مُعالج نفسي الأهوال التي تعرضوا لها أثناء اختطافهم وتعذيبهم من "داعش".. آثار مقتلة الايزيديين مستمرة..

مرت ثماني سنوات على اختفاء ولدها الوحيد مع زوجته، ومع ذلك ما تزال هاجر تبحث عنهما بمساعدة أحفادها. 

اختفى الأبن وزوجته عندما سيطر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على قضاء سنجار في 3 آب 2014، وكانا وقتها يعملان في حقل بإحدى القرى هناك. 

ورغم المقتلة الكبيرة التي أرتكبها التنظيم، ترفض هاجر فكرة أن يكونا ضمن القتلى. 

وهي تأمل في العثور عليهما أحياء. 

تقول إن التراجع عن هذه الفكرة سيؤدي بها إلى “الموت قهراً وترك أحفادي يعانون لوحدهم في مخيمات النزوح”. 

ومثلها كمال حاجي. 

نجا الرجل مما صنّفته الأمم المتحدة بـ”إبادة الإيزيديين”، لكن أبناءه الثلاثة وقعوا في قبضة المقاتلين المتشددين ولم يعرف لهم أثر منذ ذلك الوقت. 

يدرك حاجي أن “داعش” قتل “جميع البالغين”، لذا فهو يذهب إلى مكان أي مقبرة جماعية تفتحها السلطات على أمل العثور على رفات أولاده ودفنهم بشكل لائق. 

وعندما يعرف أن أسيراً إيزيدياً عاد، يذهب إليه حاملاً صورهم لعله يتعرف عليهم ويملك معلومة تفيده. 

هاجر وكمال حاجي هما من بين مئات الإيزيديين الذين يعيشون رحلة بحث طويلة، بدأت منذ ذلك اليوم المشؤوم عندما اجتاح “داعش” مدينتهم وشرّد أكثر من 250 ألف إيزيدي واختطف أكثر من 6 آلاف لم يتمكنوا من الهرب.

عدّهم التنظيم الأشد تطرّفاً “كفاراً” ونسف 68 مزاراً دينياً لهم. 

قتل “داعش” نحو 1293 إيزيدياً أغلبهم من الرجال ودفنهم في أكثر من 80 مقبرة جماعية على أطراف البلدات والقرى التي تعرضت منازلها للنهب أو الحرق والتفجير. 

كما سبى 3548 امرأة تتفاوت أعمارهن وحالاتهن الاجتماعية وكذلك 2869 ذكراً، وفق مسؤول مكتب شؤون المختطفين الإيزيديين حسين كورو. 

وعرض التنظيم الكثير من النساء والأطفال في أسواق للنخاسة في مناطق سورية كان يسيطر عليها. 

يسهب كورو في وصف ذلك اليوم. 

فصل “داعش” البالغين عن الصغار وقتلهم بطرق متعددة بينها الحرق، أما الأطفال فقد أدخلهم في معاهد دينية خاصة لغسل الأدمغة وتحضيرهم ليكونوا مقاتلين ضمن صفوفه وفجّر الكثير منهم على القوات المناوئة له. 

وبث التنظيم مشاهد مما ارتكبه بحق الإيزيديين في إصدارات على منصات تابعة له أو متعاطفة معه. 

أظهرت المقاطع المصورة مسلحين يرتدون الزي الأفغاني، وهم يقصفون بلدات إيزيدية بأسلحة متوسطة وثقيلة ويطلقون النار على رجال عزل أياديهم مقيدة إلى الخلف. 

وفي مقال بعنوان “إحياء العبودية قبل أوان الساعة” نشرته مجلة “دابق” العائدة له، وكتيب آخر عنوانه “حكم الخلّاق في السبي والاسترقاق”، شرح داعش منطلقاته فيما أنزله بالإيزيديين ووصف ما أخذه منهم بـ”غنائم حرب”.

باع عناصره نساء وأطفال الإيزيديين وقدموا للمشترين وصولات تصدّقها “المحكمة الشرعية”، كما قايضوا بعض السبايا بسلع. 

وعندما أطلقت القوات العراقية المشتركة مدعومة بالتحالف الدولي حملات لاستعادة الموصل في تشرين الأول 2016، وانحسرت سيطرة التنظيم على مناطق عديدة في العراق، تمكن مئات الإيزيديين المختطفين من الفرار. 

هكذا نشأت تجارة جديدة اشترك فيها نخاسون من “داعش” وسلاسل من المهربين والمُبلغين، فيما استعاد المنقذون الإيزيديون بعض المختطفين وأعادوهم إلى عائلاتهم. 

الإنقاذ بالفدية والرشوى 

قضى زيد رشو (اسم مستعار) 6 سنوات في مهام الإنقاذ واستطاع خلالها تخليص 52 إيزيدياً أغلبهم نساء وأطفال. 

كما أنقذ 200 إيزيدي بطرق غير مباشرة عبر التفاوض ودفع الأموال لشرائهم أو إعادة خطفهم من العراق وسوريا والعودة بهم إلى أهليهم. 

وبعض عمليات الإنقاذ كانت تتم في مناطق نفوذ التنظيم أو سيطرته. 

يقول رشو إنه دفع أكثر من مليون دولار خلال السنوات الست لإعادة هؤلاء. 

لقد حصل على الأموال من ثلاثة مصادر، إما من عائلات المختطفين وبعضها اضطر لبيع ممتلكاته أو الاستدانة، أو من منح تقدمها حكومة إقليم كردستان أو من أثرياء متعاطفين.

ولا يقول أي منهم إنه دفع المال تجنباً لاتهامه بتمويل “داعش”، وهم يدركون أن لا سبيل لاستعادة المختطفين بغير المال. 

سلك المنقذ رشو طريقتين غير قانونيتين في عمله، الأولى دفع الأموال إلى المهربين والثانية التنقل بالخفاء عبر الحدود.

وللبحث عن الإيزيديين، كان يدخل أيضاً إلى مخيم “الهول” في مدينة الحسكة السورية بالقرب من العراق، وتعيش فيه عائلات ينتمي أفرادها لـ”داعش”. 

وتعاون أيضاً مع قوات “سوريا الديمقراطية” التي تدير المخيم للإيقاع بعناصر “داعش”، بعد إغرائهم بالمال كفدية مقابل إطلاق سراح ما بحوزتهم. 

لم يتبع رشو طريقة واحدة في الإنقاذ “فلكل حالة خصوصية يحددها المكان وزمان تحرير المختطف”. 

أسهل العمليات تمت عن طريق “نخّاسين من داعش يمتهنون بيع وشراء البشر”، ممن يرميهم التنظيم بالكفر. 

تختلف طريقة دفع المال حسب الحالة، وكذلك السعر. 

فالأسعار تكون أعلى عندما يكون المختطف طفلاً أو شابة. 

في بعض الحالات، اتصل به أعضاء في “داعش” وعرضوا عليه شراء طفل أو امرأة بحوزتهم وطلبوا سعراً محدداً “يمكن أن يصل إلى 30 ألف دولار”. 

يبدأ رشو عملية تفاوض مع المتصل تستمر أحياناً لأيام وربما أشهر، ويمكن أن تكون بلا نتيجة فيغلق عنصر “داعش” الخط ويضيع معه الخيط الذي يمكن الوصول إلى المختطف بواسطته. 

وفي حالات أخرى، كانت تتصل به عائلة مختطف ما وتبلغه تمكنها من تحديد مكانه. 

“بهذه الحالة استعين بشبكة من المخبرين والمهربين يعملون معنا مقابل المال وهم نساء ورجال فنعطيهم عنوان الطفل ليبحثوا عنه”. 

يتنكر هؤلاء المهربون بهيئة باعة جوالين أو نساء يبعن الملابس لحريم عناصر “داعش” أو عاملات نظافة. 

هذه الفئات يمكنها الدخول إلى البيوت والتعرف على من فيها، خاصة من كان يعمل في المنطقة لفترة طويلة. 

انحسرت سيطرة “داعش” على المدن في سوريا والعراق ولم يعد يحكم منطقة واحدة مثلما كان، لكن خارطة تواجد الإيزيديين توسّعت. 

يتوقع المنقذ رشو وجود نحو 500 امرأة وطفل إيزيديين في مخيم الهول. 

ويقول إن “كثيراً” من المنتمين للتنظيم اصطحبوا أسراهم معهم إلى تركيا ويعيش كلاهما هناك. 

“قبل ثلاثة أشهر فقط، حررنا حالة بعد عامين من عيشها في الأراضي التركية، كما عثرنا على حالات داخل مستشفيات وكان عناصر داعش على وشك بيع أعضائهم”. 

“لدينا أيضاً حالات في ليبيا وتمكنا من تحديد موقع فتاة إيزيدية في فلسطين، وربما هناك حالات في أوروبا وصلت في موجات الهجرة التي استغلها أعضاء داعش للهروب من جرائمهم”. 

العودة شاقة.. أو مرفوضة

لكن ليس جميع المُختَطَفين راغبين بالعودة، يقول زيد رشو. 

“صغار السن من الأولاد والبنات بشكل خاص تعرضوا إلى غسيل أدمغة أو كانوا صغاراً جداً عندما اختطفوا وهم لا يتذكرون عائلاتهم، والبعض الآخر انخرطوا في أجواء القتال بعد زجهم في مدارس تقدم أفكار داعش وتدربوا على السلاح وأصبحوا جزءاً من التنظيم”. 

يتذكر رشو حالة كانت من أصعب ما مرّ عليه. 

“طفل لم يكن عمره يتجاوز عشر سنوات عندما اختطفه داعش مع أخيه الأكبر سناً ونقلهما إلى سوريا، فجند الصغير وضمه لصفوفه كمقاتل، ومن شدة إيمان هذا الطفل كان يرتدي حزاماً ناسفاً عندما يتنقل من منطقة لأخرى”. 

تواصل رشو مع الأخ الأكبر فاستجاب له واتفقا على استدراج شقيقه إلى منطقة محددة. 

“أمسكناه وأحكمنا السيطرة على حركته وتم تفكيك حزامه الناسف وأعدناه إلى العراق”. 

ويقول إن الطريق أمام هذا الطفل ما يزال طويلاً للعودة إلى الحياة الطبيعية، وهو يخضع حالياً لإعادة التأهيل لدى منظمات إنسانية تعمل على دمجه في المجتمع ونبذ العنف والتطرف. 

لقد تراجعت وتيرة عمليات الإنقاذ الآن. 

وما تبقى من الإيزيديين المفقودين “أغلبهم لن يعود إلى العراق، فقد تعرض الكثير من الرجال للقتل بينما الأطفال الذكور تم تجنيدهم وتحويلهم إلى قنابل موقوتة”. 

“أما الفتيات، فتتوزع مصائرهن بين طفلة لا تعرف غالباً أنها إيزيدية مختطفة أو غسلوا دماغها وأصبحت جزءاً منهم أو لا تؤمن بهم.. لكنها اغتصبت وأنجبت أطفالاً وهي مضطرة للبقاء معهم بحكم إحساس الأمومة الطاغي حتى لو كان إنجابها للطفل بالإكراه”. 

علاج مضنٍ وأمل يتلاشى 

يتفق المعالج النفسي حميد شنكالي مع المنقذ “رشو” في أن الكثير من الإيزيديين المفقودين “لن يتم العثور عليهم أبداً”.

عالج شنكالي نحو 500 حالة ممن عادوا. 

“أغلبهم كانوا يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة واكتئاب حاد”. 

وتتعقد الحالة النفسية لدى الايزيدي المحرر عندما يكتشف بعد عودته أن قسماً من عائلته مفقودين، أو أن لا تجد المرأة التي كانت متزوجة قبل اختطافها زوجها وأطفالها، فتعاني من ضغوط اجتماعية ومالية إضافة إلى النفسية، قال شنكالي. 

وبالنسبة للأطفال، فأكثر الحالات صعوبة هم من أدخلهم “داعش” في دورات في معسكرات وشهدوا عمليات ذبح. 

“هؤلاء بحاجة لتعامل خاص لأن سلوكهم عدواني ويهاجمون أي شخص يقترب منهم. بعضهم لا تتجاوز أعمارهم عشر سنوات ويجب أن لا يتركوا في حالة من الفراغ وهذا ما تعتمد عليه برامج التأهيل”. 

في 1 آذار 2021، أقرّ البرلمان العراقي قانون “الناجيات الإيزيديات”، وما تزال عائلات المفقودين تأمل بأن تفُعّل منه المواد المتعلّقة بالبحث عن أحبائهم داخل وخارج العراق. 

قضوا عام ونصف العام وهم ينتظرون تفعيله وآمالهم بدأت بالتلاشي.. كما هو طيف أحبتهم.

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

مرت ثماني سنوات على اختفاء ولدها الوحيد مع زوجته، ومع ذلك ما تزال هاجر تبحث عنهما بمساعدة أحفادها. 

اختفى الأبن وزوجته عندما سيطر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على قضاء سنجار في 3 آب 2014، وكانا وقتها يعملان في حقل بإحدى القرى هناك. 

ورغم المقتلة الكبيرة التي أرتكبها التنظيم، ترفض هاجر فكرة أن يكونا ضمن القتلى. 

وهي تأمل في العثور عليهما أحياء. 

تقول إن التراجع عن هذه الفكرة سيؤدي بها إلى “الموت قهراً وترك أحفادي يعانون لوحدهم في مخيمات النزوح”. 

ومثلها كمال حاجي. 

نجا الرجل مما صنّفته الأمم المتحدة بـ”إبادة الإيزيديين”، لكن أبناءه الثلاثة وقعوا في قبضة المقاتلين المتشددين ولم يعرف لهم أثر منذ ذلك الوقت. 

يدرك حاجي أن “داعش” قتل “جميع البالغين”، لذا فهو يذهب إلى مكان أي مقبرة جماعية تفتحها السلطات على أمل العثور على رفات أولاده ودفنهم بشكل لائق. 

وعندما يعرف أن أسيراً إيزيدياً عاد، يذهب إليه حاملاً صورهم لعله يتعرف عليهم ويملك معلومة تفيده. 

هاجر وكمال حاجي هما من بين مئات الإيزيديين الذين يعيشون رحلة بحث طويلة، بدأت منذ ذلك اليوم المشؤوم عندما اجتاح “داعش” مدينتهم وشرّد أكثر من 250 ألف إيزيدي واختطف أكثر من 6 آلاف لم يتمكنوا من الهرب.

عدّهم التنظيم الأشد تطرّفاً “كفاراً” ونسف 68 مزاراً دينياً لهم. 

قتل “داعش” نحو 1293 إيزيدياً أغلبهم من الرجال ودفنهم في أكثر من 80 مقبرة جماعية على أطراف البلدات والقرى التي تعرضت منازلها للنهب أو الحرق والتفجير. 

كما سبى 3548 امرأة تتفاوت أعمارهن وحالاتهن الاجتماعية وكذلك 2869 ذكراً، وفق مسؤول مكتب شؤون المختطفين الإيزيديين حسين كورو. 

وعرض التنظيم الكثير من النساء والأطفال في أسواق للنخاسة في مناطق سورية كان يسيطر عليها. 

يسهب كورو في وصف ذلك اليوم. 

فصل “داعش” البالغين عن الصغار وقتلهم بطرق متعددة بينها الحرق، أما الأطفال فقد أدخلهم في معاهد دينية خاصة لغسل الأدمغة وتحضيرهم ليكونوا مقاتلين ضمن صفوفه وفجّر الكثير منهم على القوات المناوئة له. 

وبث التنظيم مشاهد مما ارتكبه بحق الإيزيديين في إصدارات على منصات تابعة له أو متعاطفة معه. 

أظهرت المقاطع المصورة مسلحين يرتدون الزي الأفغاني، وهم يقصفون بلدات إيزيدية بأسلحة متوسطة وثقيلة ويطلقون النار على رجال عزل أياديهم مقيدة إلى الخلف. 

وفي مقال بعنوان “إحياء العبودية قبل أوان الساعة” نشرته مجلة “دابق” العائدة له، وكتيب آخر عنوانه “حكم الخلّاق في السبي والاسترقاق”، شرح داعش منطلقاته فيما أنزله بالإيزيديين ووصف ما أخذه منهم بـ”غنائم حرب”.

باع عناصره نساء وأطفال الإيزيديين وقدموا للمشترين وصولات تصدّقها “المحكمة الشرعية”، كما قايضوا بعض السبايا بسلع. 

وعندما أطلقت القوات العراقية المشتركة مدعومة بالتحالف الدولي حملات لاستعادة الموصل في تشرين الأول 2016، وانحسرت سيطرة التنظيم على مناطق عديدة في العراق، تمكن مئات الإيزيديين المختطفين من الفرار. 

هكذا نشأت تجارة جديدة اشترك فيها نخاسون من “داعش” وسلاسل من المهربين والمُبلغين، فيما استعاد المنقذون الإيزيديون بعض المختطفين وأعادوهم إلى عائلاتهم. 

الإنقاذ بالفدية والرشوى 

قضى زيد رشو (اسم مستعار) 6 سنوات في مهام الإنقاذ واستطاع خلالها تخليص 52 إيزيدياً أغلبهم نساء وأطفال. 

كما أنقذ 200 إيزيدي بطرق غير مباشرة عبر التفاوض ودفع الأموال لشرائهم أو إعادة خطفهم من العراق وسوريا والعودة بهم إلى أهليهم. 

وبعض عمليات الإنقاذ كانت تتم في مناطق نفوذ التنظيم أو سيطرته. 

يقول رشو إنه دفع أكثر من مليون دولار خلال السنوات الست لإعادة هؤلاء. 

لقد حصل على الأموال من ثلاثة مصادر، إما من عائلات المختطفين وبعضها اضطر لبيع ممتلكاته أو الاستدانة، أو من منح تقدمها حكومة إقليم كردستان أو من أثرياء متعاطفين.

ولا يقول أي منهم إنه دفع المال تجنباً لاتهامه بتمويل “داعش”، وهم يدركون أن لا سبيل لاستعادة المختطفين بغير المال. 

سلك المنقذ رشو طريقتين غير قانونيتين في عمله، الأولى دفع الأموال إلى المهربين والثانية التنقل بالخفاء عبر الحدود.

وللبحث عن الإيزيديين، كان يدخل أيضاً إلى مخيم “الهول” في مدينة الحسكة السورية بالقرب من العراق، وتعيش فيه عائلات ينتمي أفرادها لـ”داعش”. 

وتعاون أيضاً مع قوات “سوريا الديمقراطية” التي تدير المخيم للإيقاع بعناصر “داعش”، بعد إغرائهم بالمال كفدية مقابل إطلاق سراح ما بحوزتهم. 

لم يتبع رشو طريقة واحدة في الإنقاذ “فلكل حالة خصوصية يحددها المكان وزمان تحرير المختطف”. 

أسهل العمليات تمت عن طريق “نخّاسين من داعش يمتهنون بيع وشراء البشر”، ممن يرميهم التنظيم بالكفر. 

تختلف طريقة دفع المال حسب الحالة، وكذلك السعر. 

فالأسعار تكون أعلى عندما يكون المختطف طفلاً أو شابة. 

في بعض الحالات، اتصل به أعضاء في “داعش” وعرضوا عليه شراء طفل أو امرأة بحوزتهم وطلبوا سعراً محدداً “يمكن أن يصل إلى 30 ألف دولار”. 

يبدأ رشو عملية تفاوض مع المتصل تستمر أحياناً لأيام وربما أشهر، ويمكن أن تكون بلا نتيجة فيغلق عنصر “داعش” الخط ويضيع معه الخيط الذي يمكن الوصول إلى المختطف بواسطته. 

وفي حالات أخرى، كانت تتصل به عائلة مختطف ما وتبلغه تمكنها من تحديد مكانه. 

“بهذه الحالة استعين بشبكة من المخبرين والمهربين يعملون معنا مقابل المال وهم نساء ورجال فنعطيهم عنوان الطفل ليبحثوا عنه”. 

يتنكر هؤلاء المهربون بهيئة باعة جوالين أو نساء يبعن الملابس لحريم عناصر “داعش” أو عاملات نظافة. 

هذه الفئات يمكنها الدخول إلى البيوت والتعرف على من فيها، خاصة من كان يعمل في المنطقة لفترة طويلة. 

انحسرت سيطرة “داعش” على المدن في سوريا والعراق ولم يعد يحكم منطقة واحدة مثلما كان، لكن خارطة تواجد الإيزيديين توسّعت. 

يتوقع المنقذ رشو وجود نحو 500 امرأة وطفل إيزيديين في مخيم الهول. 

ويقول إن “كثيراً” من المنتمين للتنظيم اصطحبوا أسراهم معهم إلى تركيا ويعيش كلاهما هناك. 

“قبل ثلاثة أشهر فقط، حررنا حالة بعد عامين من عيشها في الأراضي التركية، كما عثرنا على حالات داخل مستشفيات وكان عناصر داعش على وشك بيع أعضائهم”. 

“لدينا أيضاً حالات في ليبيا وتمكنا من تحديد موقع فتاة إيزيدية في فلسطين، وربما هناك حالات في أوروبا وصلت في موجات الهجرة التي استغلها أعضاء داعش للهروب من جرائمهم”. 

العودة شاقة.. أو مرفوضة

لكن ليس جميع المُختَطَفين راغبين بالعودة، يقول زيد رشو. 

“صغار السن من الأولاد والبنات بشكل خاص تعرضوا إلى غسيل أدمغة أو كانوا صغاراً جداً عندما اختطفوا وهم لا يتذكرون عائلاتهم، والبعض الآخر انخرطوا في أجواء القتال بعد زجهم في مدارس تقدم أفكار داعش وتدربوا على السلاح وأصبحوا جزءاً من التنظيم”. 

يتذكر رشو حالة كانت من أصعب ما مرّ عليه. 

“طفل لم يكن عمره يتجاوز عشر سنوات عندما اختطفه داعش مع أخيه الأكبر سناً ونقلهما إلى سوريا، فجند الصغير وضمه لصفوفه كمقاتل، ومن شدة إيمان هذا الطفل كان يرتدي حزاماً ناسفاً عندما يتنقل من منطقة لأخرى”. 

تواصل رشو مع الأخ الأكبر فاستجاب له واتفقا على استدراج شقيقه إلى منطقة محددة. 

“أمسكناه وأحكمنا السيطرة على حركته وتم تفكيك حزامه الناسف وأعدناه إلى العراق”. 

ويقول إن الطريق أمام هذا الطفل ما يزال طويلاً للعودة إلى الحياة الطبيعية، وهو يخضع حالياً لإعادة التأهيل لدى منظمات إنسانية تعمل على دمجه في المجتمع ونبذ العنف والتطرف. 

لقد تراجعت وتيرة عمليات الإنقاذ الآن. 

وما تبقى من الإيزيديين المفقودين “أغلبهم لن يعود إلى العراق، فقد تعرض الكثير من الرجال للقتل بينما الأطفال الذكور تم تجنيدهم وتحويلهم إلى قنابل موقوتة”. 

“أما الفتيات، فتتوزع مصائرهن بين طفلة لا تعرف غالباً أنها إيزيدية مختطفة أو غسلوا دماغها وأصبحت جزءاً منهم أو لا تؤمن بهم.. لكنها اغتصبت وأنجبت أطفالاً وهي مضطرة للبقاء معهم بحكم إحساس الأمومة الطاغي حتى لو كان إنجابها للطفل بالإكراه”. 

علاج مضنٍ وأمل يتلاشى 

يتفق المعالج النفسي حميد شنكالي مع المنقذ “رشو” في أن الكثير من الإيزيديين المفقودين “لن يتم العثور عليهم أبداً”.

عالج شنكالي نحو 500 حالة ممن عادوا. 

“أغلبهم كانوا يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة واكتئاب حاد”. 

وتتعقد الحالة النفسية لدى الايزيدي المحرر عندما يكتشف بعد عودته أن قسماً من عائلته مفقودين، أو أن لا تجد المرأة التي كانت متزوجة قبل اختطافها زوجها وأطفالها، فتعاني من ضغوط اجتماعية ومالية إضافة إلى النفسية، قال شنكالي. 

وبالنسبة للأطفال، فأكثر الحالات صعوبة هم من أدخلهم “داعش” في دورات في معسكرات وشهدوا عمليات ذبح. 

“هؤلاء بحاجة لتعامل خاص لأن سلوكهم عدواني ويهاجمون أي شخص يقترب منهم. بعضهم لا تتجاوز أعمارهم عشر سنوات ويجب أن لا يتركوا في حالة من الفراغ وهذا ما تعتمد عليه برامج التأهيل”. 

في 1 آذار 2021، أقرّ البرلمان العراقي قانون “الناجيات الإيزيديات”، وما تزال عائلات المفقودين تأمل بأن تفُعّل منه المواد المتعلّقة بالبحث عن أحبائهم داخل وخارج العراق. 

قضوا عام ونصف العام وهم ينتظرون تفعيله وآمالهم بدأت بالتلاشي.. كما هو طيف أحبتهم.