نهبٌ قديم وأسئلة جديدة: هل تعود آثار العراق من المتاحف الفرنسية؟
11 تشرين الأول 2025
تفتح فرنسا باباً جديداً لإعادة ما نهبته من آثار الشعوب خلال الحقبة الاستعمارية، لكن هذا الباب يخفي شروطاً معقدة وأسئلة صعبة أمام دول مثل العراق، فهل تتحول المبادرة إلى فرصة حقيقية لاستعادة ذاكرة الرافدين، أم تبقى مجرد وعد مؤجل؟
أعلنت الحكومة الفرنسية، مؤخراً، عن نيتها تشريع قانون جديد يهدف إلى البتّ في إجراءات إعادة الممتلكات الثقافية المنقولة خلال الحقبة الاستعمارية (الكولونيالية) إلى دول منشئها، بطريقة تتجاوز البيروقراطية المحكومة بالتشريعات الصارمة القديمة. وتشمل هذه الممتلكات كل عنصر مادي ذي قيمة تاريخية أو فنية أو علمية، يُعد جزءاً من التراث الإنساني المشترك، وتلتزم الدول بحمايته ومنع الاتجار غير المشروع به وفق الاتفاقيات الدولية. وبهذا تفتح باريس الباب أمام منح استثناء مؤقت من التشريعات النافذة حالياً في المتاحف الفرنسية، التي تقوم على قاعدة “عدم التصرّف بالممتلكات العامة” (Inaliénabilité des collections publiques).
هذه النية تثير سؤالاً محورياً: هل يمثل هذا القانون بداية حقيقية لإنصاف الدول التي وُضعت اليد على ممتلكاتها الثقافية خلال الفترة الاستعمارية، أم أنه خطوة رمزية ضمن لعبة سياسية أكثر تعقيداً؟ هذا المقال يقدّم في قسمه الأول قراءة تحليلية لمشروع القانون الفرنسي، مستعرضاً أبعاده التاريخية والقانونية والسياسية، وفي قسمه الثاني يتناول مسألة تتعلق بالآثار العراقية في مجموعات فرنسا المتحفية، وذلك لحسم نوع من جدال حاصل حالياً في الأوساط الثقافية في العراق، يتلخص بإمكانية شمول الممتلكات الثقافية التي تُنسب تاريخياً إلى العراق وهي حالياً في فرنسا، وفي الختام، سأحاول رسم “خارطة طريق” من باريس إلى بغداد، لبحث إذا ما كان هذا القانون يحمل فرصاً واقعية، أم أنه مجرد أمل زائف يحرّك النقاش الثقافي أكثر مما يغيّر الواقع.
أولاً: مشروع القانون والإطار التاريخي لآليات الاسترداد
تدخل مقتنيات المتاحف الوطنية الفرنسية ضمن مفهوم “الملك العام”، أي أنها ملك جماعي غير قابل للبيع أو الرهن أو التصرّف. هذا المبدأ يعود بالأصل إلى المرسوم الملكي الصادر سنة 1566 (Édit de Moulins)، في عهد الملك شارل التاسع (حكم 1560 – 1574 للميلاد)، أرسى النص قاعدة تنص على أن ممتلكات التاج حينها -ومن ثم الدولة لاحقاً- لا يمكن بيعها أو التصرف بها.
- مع قيام الجمهورية الفرنسية، وفي القرن العشرين، تم توسيع المبدأ ليشمل محفوظات (مقتنيات) المتاحف الوطنية، وصار جزءاً من “قانون التراث الفرنسي” (Code du patrimoine). كان الهدف هو حماية المجموعات العامة، مثل متحف اللوڤر، أورسي.. إلخ، من التصرف بتلك المجاميع من خلال الإعادة، أو التبرع، أو البيع، وضمان بقائها “ملكاً جماعياً للشعب الفرنسي” لا يجوز إخضاعه للمضاربات التجارية أو التنازلات ضمن صفقات سياسية. بالتالي، فأي قطعة تدخل “المجموعات الوطنية” تخضع لقاعدة عدم التصرف بشكل دائم، إلا إذا صدر قانون خاص من البرلمان الفرنسي يجيز استثناءها، على أن يصادق عليه مجلس الدولة Conseil d’État، كما حدث في حالات إعادة إلى دول إفريقية، ويبدو من خلال العرض الأولي للقانون، أنه موجّه أساساً للدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية.
عرض للمقترح التشريعي قيد النقاش
لا يُلغي المقترح الحالي مبدأ “عدم التصرف”، بل يفتح نافذة استثناء بقانون له مساران، إداري وعلمي، ما يتيح إعادة بعض القطع دون الحاجة إلى قانون خاص في كل مرة. زمنياً، يغطّي التشريع مدة طويلة نسبياً، تمتد ما بين 1815 و1972 –يمكن تشبيهها بالمنطقة الرمادية إذ لم يتوفر حينها إطار دولي واضح يُنظّم حيازة الممتلكات الثقافية خلال تلك الفترة- فنقطة البداية الزمنية لهذا التشريع (من جهة التملك غير المشروع للموروث الثقافي المرتبط باستعمار البلدان، والتنقيب غير القانوني في باطن أرضها، ونهب ممتلكاتها الثقافية من آثار وقطع فنية)، اعتمد التاريخ ما بين العامين 1814-1815، وهو التاريخ الذي عقد خلاله مؤتمر فيينا، إثر انتهاء الحروب النابليونية، وقد قامت فرنسا بإعادة أجزاء من غنائم حروبها من لوحات وتماثيل إلى إيطاليا والنمسا وغيرهما. أما تاريخ انتهاء التشريع فهو العام 1972، الذي يؤرخ دخول اتفاقية اليونسكو في عام 1970 حيّز التنفيذ، التي وضعت لأول مرة قواعد دولية صارمة ضد تملك الممتلك الثقافي واستيراده وتصديره بشكل غير قانوني.
برزت سوابق عملية في السنوات الأخيرة، مثل إعادة سيف الحاج عمر تال إلى السنغال عام 2019، وإعادة الطبل الطقسي إلى ساحل العاج عام 2021، وكذلك 26 قطعة ملكية إلى بِنين في العام نفسه. وقد شكّلت هذه الأمثلة نماذج قانونية وسياسية أسهمت في بلورة النقاش الفرنسي حول الاسترداد.
وفق الآلية المقترحة، يتعيّن على الدولة المطالِبة تقديم طلب رسمي، يلي ذلك تقييم علمي للتوثيق التاريخي، ثم مراجعة إدارية داخل فرنسا تنتهي بمرسوم تنفيذي، على أن تُثبت الدولة المعنية قدرتها على الحفظ والعرض. ومع أن القانون يمثل منعطفاً مهماً بفتحه الباب أمام الاسترداد، فإنه يظل مقيّداً بشروط دقيقة، مثل تعريف “النقل غير المشروع”، وهل يشمل القطع التي خرجت بتراخيص رسمية أو اتفاقيات تنقيب فرنسية؟ أم يقتصر على السرقات والتهريب الصريح؟ والضمانات الفنية المتعلقة بالحفظ والعرض والصيانة، والأهم خضوع القرار في النهاية لاعتبارات سياسية فرنسية ومفهوم “المصلحة العليا”، التي تتطلب قراراً سياسياً يوازن بين الاعتبارات الثقافية والضغوط الدبلوماسية.
ثانياً: استرداد الممتلكات الثقافية العراقية في ضوء التشريع الفرنسي
تفتح قضية استرداد الآثار العراقية المحفوظة في المتاحف الأوروبية -وفي مقدمتها الفرنسية- أفقاً يتجاوز المسائل القانونية البحتة، ليمس صميم العلاقة بين الهوية الوطنية والتاريخ والدبلوماسية الثقافية. فهي ليست نزاعاً حول ملكية جامدة لقطع أثرية، بل هي اختبار حقيقي لقدرة العراق على استعادة ذاكرة حضارية نُزعت في ظروف تاريخية معقدة، ولقدرة فرنسا على التوفيق بين التزاماتها الأخلاقية وضغوطها السياسية. فالقرار يستند أساساً إلى مبدأ “العدالة التاريخية”، أي الاعتراف بالنهب بوصفه جزءاً من الظلم الاستعماري، وهو مبدأ أخلاقي أكثر مما هو قانوني. طرح كهذا سيطرح تساؤلات كبيرة: هل يشمل فقط ما أُخذ بالقوة العسكرية؟ أم يمتد ليشمل التنقيبات المرخّصة رسمياً آنذاك، وفق ما كان سائداً في القرن التاسع عشر من “إجازات التنقيب وتقاسم المكتشفات” (Excavation Permits & partage system)، التي منحت بعثات أوروبية حق اقتسام ما تعثر عليه من آثار؟
- هذه الإشكالية تجعل المشروع أقل وضوحاً عند النظر إلى مناطق مثل العراق، حيث كان دخول البعثات الأجنبية خاضعاً غالباً لاتفاقيات رسمية مع السلطات العثمانية، أو مع الدولة العراقية لاحقاً، وليست كل القطع قد نُقلت قسراً. الأمر الذي منحها حينذاك غطاءً قانونياً شكلياً. وهكذا خرج كثير من اللقى من العراق باتجاه متحف اللوڤر وغيره منذ أربعينيات القرن التاسع عشر، في سياق منافسة حادة بين فرنسا وبريطانيا على آثار بلاد الرافدين، فقد افتتح القنصل الفرنسي، بول إميل بوتا (قنصل فرنسا في ولاية الموصل)، أعمال التنقيب في خورسباد عام 1842، مكتشفاً قصر سرجون الثاني، وسرعان ما تبعه البريطاني أوستن هنري لايارد في نينوى. غير أنّ فرنسا سبقت في استثمار النتائج حين دشنت، عام 1847، أول “قاعة آشورية” في اللوڤر. ثم جاء فكتور بلاس (قنصل فرنسا في الموصل) ليواصل عمل بوتا 1851-1855، وتلاه أرنست دو سارزك (قنصل فرنسا في ولاية البصرة) في أواخر القرن التاسع عشر. ومع استقلال العراق بدأت موجة جديدة من البعثات، أبرزها أعمال أندريه بارو في لارسا في ثلاثينيات القرن الماضي، ثم جان كلود مارغرون. وقد تُوّج التعاون بإنشاء جمعية أثرية عراقية-فرنسية في السبعينيات، قبل أن تنقطع كل صلة بفعل الحروب والعقوبات، منذ 1990 وحتى بدايات القرن الحادي والعشرين، ثم استؤنف التعاون في مجال التنقيبات والترميم لاحقاً. تشكلت مجاميع العرض الأثري المتعلقة ببلاد الرافدين في متاحف فرنسا، وأولها اللوڤر، من اللقى الأثرية القادمة من تنقيبات القناصل الفرنسيين في القرن التاسع عشر، فضلاً عن بعثات التنقيب الفرنسية العاملة في العراق في القرن العشرين، بالإضافة بالطبع، إلى الاقتناء المباشر بالشراء، أو عن طريق الهبات والتبرعات. ولقد أعددنا جدولين لكلا النوعين من بعض المقتنيات التي في حوزة المتاحف الفرنسية.
أبرز القطع الأثرية–المتحفية المعروضة في متحف اللوڤر، والمنقبين الفرنسيين الرئيسِين (المصدر: متحف اللوڤر)
| جدول 1 | ||||||
| الرقم | اسم المستكشف | الفترة | الموقع | أبرز القطع المكتشفة | أرقام بعض القطع المتحفية المهمة | ملاحظات |
| 1 | پول أميل بوتا قنصل فرنسا في الموصل | 1845-1842 | دور شروكين (خورسباد) | تماثيل وجداريات قصر سرجون الثاني | AO-19857/19861/19862/19869/19873 19876/19877/19878/19882/19883/19866/19881 | أول حفريات فرنسية كبيرة، افتتح بها قاعة الآثار الآشورية في اللوڤر عام 1847 |
| 2 | ڤكتور پلاس قنصل فرنسا في الموصل | 1855-1847 | دور شروكين (خورسباد) | تماثيل وجداريات ولقى مهمة من قصر سرجون الثاني | AO-19859/19885/19863/ | عام 1855 تعرضت نحو 123 شحنة للغرق في حادثة القرنة |
| 3 | إرنست دو سارزك قنصل فرنسا في البصرة | 1901-1878 | تلو (ﮔـرسو) | مسلة العقبان، لوح أور نانشي النذري تماثيل وأسطوانات ﮔـوديا، جرة أينمتينا الفضية | AO-23(46 to 48)/ 2495 /2465 AO-1/2/3/4/5/6/7/8/22126/ 29155/ 20164 /3293 /4108/227/ 29729/388 AO-2674 | |
| 5 | پاسيفيك هنري ديلاپورتي قنصل فرنسا في بغداد | 1864- 1861 | نمرود(كالخُ) و بابل | جداريات قصر أشور ناصر پال الثاني | AO-(19845/19846/19855/19854/19852 AO-20127/20129 | |
| 6 | جاك دي مورﮔن | 1897 | سوسة (إيران) | مسلتا حمورابي ونرام-سين، مسلتا سرجون الأكدي مسلة ريموش تمثال ومسلة مانشتوسو، | AS-6064 AS-6065 AS-6053/ 6078/ 1319 AO-2678 AS-13833/ 6063 | هذه القطع نهبت من بلاد بابل عام 1185 ق.م، على يد الملك العيلامي شوتروك ناخونتي، ونقلت إلى سوسة، عاصمة بلاد عيلام حيث عثر عليها ضمن حدود إيران الحديثة |
| 7 | أندريه پارو | 1933 1970-1969 | تلو (ﮔـرسو) – لارسا (السنكرة) | ألواح تيراكوتا ورُقم طينية | AO-15062/ 15111 | |
القطع الأثرية لبلاد الرافدين (العراق)، التي دخلت متاحف فرنسا بالشراء أو بالهبة(التبرّع) من مقتنين(أفراد/مجموعات). المصدر: قاعدة متاحف فرنسا
| المتحف | وصف مختصر للقطعة | رقم الجرد (AO/…) | مكان الاكتشاف/ تصنيف جغرافي | طريقة الاقتناء | سنة الاقتناء (حسب السجلات) | مصدر الس+A1:G13جل / ملاحظات |
| اللوڤر | «المتعبد» تمثال نحاسي من لارسا / بابلي قديم | AO 140480 | لارسا (تل السنكرة) | شراء | سجل المتحف 1931 | سجل المتحف يذكر Mode d’acquisition: achat. Louvre Collections |
| اللوڤر | تمثال مصنّف آشوري | AO 169733 | بلاد الرافدين | شراء | لجنة: 22/05/1924؛ قرار: 15/07/1924 | سابقاً مبيْع/بائع: Géjou, Elias Ibrahim (تاجر آثار). Louvre CollectionsSOAS |
| اللوڤر | ختم أسطواني — من مجموعة دو كليرك | AO … (سجل Glyptique) | بلاد الرافدين / العصر الأكدي (Glyptic) | هبة | 1967 (تبرّع مجموعة De Clercq) | سجل المجموعة يظهر Donation/Don، مع مرجع كتالوج Collection de Clercq (1888). Louvre Collectionspublications.asia.si.edu |
| اللوڤر | تمثال صغير — مادة برونز/نحاس مؤرّخ/مقارب لبلاد الرافدين | AO 120489 | بلاد الرافدين | شراء | 1872 (سجل المتحف) | صفحة اللوفر: Mode d’acquisition: achat؛ مراجع عرضية أكاديمية. Louvre Collections |
| اللوڤر | مجموعة برونز/قطع من Collection De Clercq | متفرّقات ( مجموعة دو كليرك) | بلاد الرافدين | هبة / تبرع | 1967 (تاريخ الهبة) | كتالوج Collection de Clercq؛ هِبات إلى اللوفر وBnF. Louvre Collectionspublications.asia.si.edu |
| اللوڤر | تمثال/تميمة (من تلّو/جرسو) | (AO 121566 مثال) | تلو (ﮔـرسو) | سجل متحف — متنوّع | سجلات متفرّقة | سجل المتحف يقدّم تاريخاً مرجعياً ونشرات أكاديمية (Iraq journal). Louvre Collections |
| اللوڤر | لوح مسماري (نماذج إداريّة واقتصادية) — شراؤها عبر وسطاء | (AO 6770 مثال) | بلاد الرافدين | شراء | 1914 (سجل المتحف) | القطعة تظهر Mode d’acquisition: achat في قاعدة اللوفر. Louvre Collections+1 |
| اللوڤر | مجموعات من الوسيط العراقي إلياس إبراهيم ججو (ألواح/أختام) | متفرّقات (سجلات متعددة) | العراق / بلاد الرافدين | شراء | أعوام 1898–1935 تقريباً (حسب القطعة) | Gejou تاجر آثار بارز؛ سجّلته موثقة في الأدبيات (SOAS, Hypotheses، إلخ). SOASAcademia |
| ديوان الميداليات (المكتبة الوطنية الفرنسية) | مقتنيات Glyptic (أختام أسطوانية) ضمن مجموعة دو كليرك | ديوان الميداليات، مجموعات المكتبة الوطنية الفرنسية | بلاد الرافدين/الشرق الأدنى | تبرّع | 1967 (تجميع/هبة من مجموعة De Clercq) | سجل BnF يذكر Donation «Collection de Clercq»؛ قطع انتقلت للـ Cabinet des Médailles. Comité d’histoirepublications.asia.si.edu |
| متحف الفنون الجميلة | مجموعة ألواح مسمارية سومرية (نماذج إدارية/نقوش) | أرشيف متحف ليون (مستندات) | بلاد الرافدين | شراء من مزاد/سوق | أواخر القرن الـ 19 (مثال: 1885 في مزاد باريس) | مستندات متحف Lyon تذكر شراء قطع سومرية عبر مزاد باريس (1885). publications.asia.si.eduLouvre Collections |
| متحف سان جيرمان | قطع صغيرة (تمائم/خرز/تيراكوتا) | سجلات متحفية محلية | بلاد الرافدين | شراء | أواخر القرن 19 – منتصف 20 | معظمها دخل عبر سوق الفن أو هبات مقتنين محليين؛ السجلات متوفرة على Joconde وقاعدة متاحف فرنسا. Louvre Collections+1 |
| اللوڤر | Situle أو برونز (من مجموعة دو كليرك | AO 005151 | مجموعة دو كليرك | تبرّع | محفوظ في سجلات اللوفر |
هذه الحفريات لم تكن عشوائية، بل كانت مسنودة بفرمانات عثمانية رسمية، محفوظة في سجلات، مثل (İrade Dahiliye وSadâret Mektûb Kalemi). وهي وثائق تحدد شروط التنقيب، وإجراءات الحماية، وحتى تفاصيل مثل بناء مساكن للبعثات، كما حدث مع بوتا في الموصل. كما أن الدولة العثمانية سنت أول قانون لحماية الآثار عام 1869، باسم (Asar-ı Atika Nizamnâmesi)، تضمّن نظاماً لتقاسم اللقى بين المكتشفين والدولة والمالكين، وحظر تصديرها إلا بإذن خاص من السلطان، قبل أن تعزز هذه التشريعات في الأعوام 1874 و1884.
ملحق 3: الأشكال والصور





ثالثاً: من باريس إلى بغداد، خارطة طريق
لا يقتصر ملف الاسترداد اليوم على كونه نزاعاً قانونياً، بل هو مساحة تتقاطع فيها السياسة مع السرديات التاريخية. مشروع القانون الفرنسي الأخير، الذي يتيح استثناءات محدودة من قاعدة “عدم التصرف” في المجموعات المتحفية، يمنح العراق نافذة قانونية جديدة، لكنه في الوقت نفسه يضعه أمام تحديات ثقيلة. ففرنسا لم تُقر هذا القانون إنصافاً للآخرين فقط، بل لتعيد صياغة صورتها الدولية كقوة ثقافية تدير “المصالحة التاريخية” بشروطها الخاصة.
يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً: كيف يثبت العراق أن بعض القطع نُقلت “بصورة غير مشروعة”؟ فخلال الحقبة العثمانية، كانت الولايات الثلاث، الموصل، وبغداد، والبصرة، جزءاً من الدولة العثمانية المعترف بها، وكانت الاتفاقات مع البعثات الأوروبية ممهورة بفرمانات رسمية. صحيح أن هذه الاتفاقات تعكس اختلال ميزان القوى الاستعماري، لكنها في الوقت نفسه تمثل وثائق قانونية يصعب تجاوزها بمعايير اليوم.
إلى جانب ذلك، تفرض الشروط التي يلزم بها القانون الفرنسي، مثل ضمان العرض والصيانة داخل العراق، تساؤلات عملية: هل يملك العراق اليوم بنية تحتية متحفية قادرة على حفظ قطع لا تقدّر بثمن مثل مسلة نرام-سين أو شريعة حمورابي؟ وهل يمكن أن يطمئن المتحف الفرنسي إلى قدرة العراق على توفير معايير الحفظ العالمية وسط أوضاع سياسية وأمنية معقدة؟
وتزداد المسألة تشابكاً حين يتعلق الأمر بالحدود الحديثة، فبعض آثار بلاد الرافدين عُثر عليها في مواقع تقع اليوم في إيران (سوسة)، أو تركيا (حرّان)، أو سوريا (ماري)، وأي مطالبة بها ستدفع العراق إلى منطقة رمادية بين سيادته الوطنية والجغرافيا التاريخية، ما يتطلب خطاباً يستند إلى “وحدة التراث الرافديني” دون الاصطدام بجيرانه.
من الواضح أن المواجهة لا يمكن أن تُحسم بأدوات القانون وحدها، فالمطلوب هو بناء “تحالف معرفي” يضم مؤرخين وعلماء آثار وخبراء في القانون الدولي، لإنتاج سردية قادرة على إقناع الرأي العام الغربي، وخلق ضغط أخلاقي يوازي الضغط القانوني، كما يمكن للعراق أن ينتهج سياسات أكثر مرونة، مثل تفعيل مبدأ الإعارة المتبادلة أو نسخ القطع الأصلية، وهي آلية مطبقة في تجارب ناجحة: من إعارة متحف اللوڤر-باريس إلى اللوڤر-أبو ظبي تمثال الأمير السومري ﮔـوديا، إلى إعارة الأردن لمتحف اللوڤر تمثال من تماثيل عين غزال لمدة طويلة تتجدد كل 30 سنة.


إن الرحلة من باريس إلى بغداد لن تكون قصيرة ولا سهلة، لكنها تبدأ بخطوة أساسية، وهي الاعتراف بأن جزءاً كبيراً من هذا التراث خرج في ظروف تاريخية غير عادلة، حتى لو كانت “قانونية” في ظاهرها، ولكنْ هناك بُعد ربما من طيف اللاعدالة، الذي دفع فرنسا إلى التفكير بتشريع هكذا قانون أساساً، ومن ثم، فإن أي تحرك عراقي يجب أن يجمع بين مسارين: الواقعية القانونية من جهة، واستثمار المناخ الأخلاقي الدولي الجديد من جهة أخرى. وبين هذين المسارين، يمكن أن تتشكل استراتيجية أكثر نضجاً من مجرد انتظار أن يعيد الآخرون ما أخذوه.
تنشر هذه المادة بالشراكة مع الشبكة العراقية للصحافة الاستقصائية ”نيريج”.
ومنكم/ن نستفيد ونتعلم
هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media
اقرأ ايضاً
الحياة مع أفعى.. وصايا السيد دخيل للنجاة من الموت
13 نوفمبر 2025
صوتٌ بلا إرادة: كيف تتحكم العائلة والعشيرة بخيارات النساء الانتخابية؟
08 نوفمبر 2025
قواعد اللعبة القديمة ليست كافية: خريطة بالتحالفات الانتخابية قبل الاقتراع
07 نوفمبر 2025
من بريمر إلى السوداني.. "خلطة الفياض" السحرية للبقاء في المنصب
06 نوفمبر 2025
أعلنت الحكومة الفرنسية، مؤخراً، عن نيتها تشريع قانون جديد يهدف إلى البتّ في إجراءات إعادة الممتلكات الثقافية المنقولة خلال الحقبة الاستعمارية (الكولونيالية) إلى دول منشئها، بطريقة تتجاوز البيروقراطية المحكومة بالتشريعات الصارمة القديمة. وتشمل هذه الممتلكات كل عنصر مادي ذي قيمة تاريخية أو فنية أو علمية، يُعد جزءاً من التراث الإنساني المشترك، وتلتزم الدول بحمايته ومنع الاتجار غير المشروع به وفق الاتفاقيات الدولية. وبهذا تفتح باريس الباب أمام منح استثناء مؤقت من التشريعات النافذة حالياً في المتاحف الفرنسية، التي تقوم على قاعدة “عدم التصرّف بالممتلكات العامة” (Inaliénabilité des collections publiques).
هذه النية تثير سؤالاً محورياً: هل يمثل هذا القانون بداية حقيقية لإنصاف الدول التي وُضعت اليد على ممتلكاتها الثقافية خلال الفترة الاستعمارية، أم أنه خطوة رمزية ضمن لعبة سياسية أكثر تعقيداً؟ هذا المقال يقدّم في قسمه الأول قراءة تحليلية لمشروع القانون الفرنسي، مستعرضاً أبعاده التاريخية والقانونية والسياسية، وفي قسمه الثاني يتناول مسألة تتعلق بالآثار العراقية في مجموعات فرنسا المتحفية، وذلك لحسم نوع من جدال حاصل حالياً في الأوساط الثقافية في العراق، يتلخص بإمكانية شمول الممتلكات الثقافية التي تُنسب تاريخياً إلى العراق وهي حالياً في فرنسا، وفي الختام، سأحاول رسم “خارطة طريق” من باريس إلى بغداد، لبحث إذا ما كان هذا القانون يحمل فرصاً واقعية، أم أنه مجرد أمل زائف يحرّك النقاش الثقافي أكثر مما يغيّر الواقع.
أولاً: مشروع القانون والإطار التاريخي لآليات الاسترداد
تدخل مقتنيات المتاحف الوطنية الفرنسية ضمن مفهوم “الملك العام”، أي أنها ملك جماعي غير قابل للبيع أو الرهن أو التصرّف. هذا المبدأ يعود بالأصل إلى المرسوم الملكي الصادر سنة 1566 (Édit de Moulins)، في عهد الملك شارل التاسع (حكم 1560 – 1574 للميلاد)، أرسى النص قاعدة تنص على أن ممتلكات التاج حينها -ومن ثم الدولة لاحقاً- لا يمكن بيعها أو التصرف بها.
- مع قيام الجمهورية الفرنسية، وفي القرن العشرين، تم توسيع المبدأ ليشمل محفوظات (مقتنيات) المتاحف الوطنية، وصار جزءاً من “قانون التراث الفرنسي” (Code du patrimoine). كان الهدف هو حماية المجموعات العامة، مثل متحف اللوڤر، أورسي.. إلخ، من التصرف بتلك المجاميع من خلال الإعادة، أو التبرع، أو البيع، وضمان بقائها “ملكاً جماعياً للشعب الفرنسي” لا يجوز إخضاعه للمضاربات التجارية أو التنازلات ضمن صفقات سياسية. بالتالي، فأي قطعة تدخل “المجموعات الوطنية” تخضع لقاعدة عدم التصرف بشكل دائم، إلا إذا صدر قانون خاص من البرلمان الفرنسي يجيز استثناءها، على أن يصادق عليه مجلس الدولة Conseil d’État، كما حدث في حالات إعادة إلى دول إفريقية، ويبدو من خلال العرض الأولي للقانون، أنه موجّه أساساً للدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية.
عرض للمقترح التشريعي قيد النقاش
لا يُلغي المقترح الحالي مبدأ “عدم التصرف”، بل يفتح نافذة استثناء بقانون له مساران، إداري وعلمي، ما يتيح إعادة بعض القطع دون الحاجة إلى قانون خاص في كل مرة. زمنياً، يغطّي التشريع مدة طويلة نسبياً، تمتد ما بين 1815 و1972 –يمكن تشبيهها بالمنطقة الرمادية إذ لم يتوفر حينها إطار دولي واضح يُنظّم حيازة الممتلكات الثقافية خلال تلك الفترة- فنقطة البداية الزمنية لهذا التشريع (من جهة التملك غير المشروع للموروث الثقافي المرتبط باستعمار البلدان، والتنقيب غير القانوني في باطن أرضها، ونهب ممتلكاتها الثقافية من آثار وقطع فنية)، اعتمد التاريخ ما بين العامين 1814-1815، وهو التاريخ الذي عقد خلاله مؤتمر فيينا، إثر انتهاء الحروب النابليونية، وقد قامت فرنسا بإعادة أجزاء من غنائم حروبها من لوحات وتماثيل إلى إيطاليا والنمسا وغيرهما. أما تاريخ انتهاء التشريع فهو العام 1972، الذي يؤرخ دخول اتفاقية اليونسكو في عام 1970 حيّز التنفيذ، التي وضعت لأول مرة قواعد دولية صارمة ضد تملك الممتلك الثقافي واستيراده وتصديره بشكل غير قانوني.
برزت سوابق عملية في السنوات الأخيرة، مثل إعادة سيف الحاج عمر تال إلى السنغال عام 2019، وإعادة الطبل الطقسي إلى ساحل العاج عام 2021، وكذلك 26 قطعة ملكية إلى بِنين في العام نفسه. وقد شكّلت هذه الأمثلة نماذج قانونية وسياسية أسهمت في بلورة النقاش الفرنسي حول الاسترداد.
وفق الآلية المقترحة، يتعيّن على الدولة المطالِبة تقديم طلب رسمي، يلي ذلك تقييم علمي للتوثيق التاريخي، ثم مراجعة إدارية داخل فرنسا تنتهي بمرسوم تنفيذي، على أن تُثبت الدولة المعنية قدرتها على الحفظ والعرض. ومع أن القانون يمثل منعطفاً مهماً بفتحه الباب أمام الاسترداد، فإنه يظل مقيّداً بشروط دقيقة، مثل تعريف “النقل غير المشروع”، وهل يشمل القطع التي خرجت بتراخيص رسمية أو اتفاقيات تنقيب فرنسية؟ أم يقتصر على السرقات والتهريب الصريح؟ والضمانات الفنية المتعلقة بالحفظ والعرض والصيانة، والأهم خضوع القرار في النهاية لاعتبارات سياسية فرنسية ومفهوم “المصلحة العليا”، التي تتطلب قراراً سياسياً يوازن بين الاعتبارات الثقافية والضغوط الدبلوماسية.
ثانياً: استرداد الممتلكات الثقافية العراقية في ضوء التشريع الفرنسي
تفتح قضية استرداد الآثار العراقية المحفوظة في المتاحف الأوروبية -وفي مقدمتها الفرنسية- أفقاً يتجاوز المسائل القانونية البحتة، ليمس صميم العلاقة بين الهوية الوطنية والتاريخ والدبلوماسية الثقافية. فهي ليست نزاعاً حول ملكية جامدة لقطع أثرية، بل هي اختبار حقيقي لقدرة العراق على استعادة ذاكرة حضارية نُزعت في ظروف تاريخية معقدة، ولقدرة فرنسا على التوفيق بين التزاماتها الأخلاقية وضغوطها السياسية. فالقرار يستند أساساً إلى مبدأ “العدالة التاريخية”، أي الاعتراف بالنهب بوصفه جزءاً من الظلم الاستعماري، وهو مبدأ أخلاقي أكثر مما هو قانوني. طرح كهذا سيطرح تساؤلات كبيرة: هل يشمل فقط ما أُخذ بالقوة العسكرية؟ أم يمتد ليشمل التنقيبات المرخّصة رسمياً آنذاك، وفق ما كان سائداً في القرن التاسع عشر من “إجازات التنقيب وتقاسم المكتشفات” (Excavation Permits & partage system)، التي منحت بعثات أوروبية حق اقتسام ما تعثر عليه من آثار؟
- هذه الإشكالية تجعل المشروع أقل وضوحاً عند النظر إلى مناطق مثل العراق، حيث كان دخول البعثات الأجنبية خاضعاً غالباً لاتفاقيات رسمية مع السلطات العثمانية، أو مع الدولة العراقية لاحقاً، وليست كل القطع قد نُقلت قسراً. الأمر الذي منحها حينذاك غطاءً قانونياً شكلياً. وهكذا خرج كثير من اللقى من العراق باتجاه متحف اللوڤر وغيره منذ أربعينيات القرن التاسع عشر، في سياق منافسة حادة بين فرنسا وبريطانيا على آثار بلاد الرافدين، فقد افتتح القنصل الفرنسي، بول إميل بوتا (قنصل فرنسا في ولاية الموصل)، أعمال التنقيب في خورسباد عام 1842، مكتشفاً قصر سرجون الثاني، وسرعان ما تبعه البريطاني أوستن هنري لايارد في نينوى. غير أنّ فرنسا سبقت في استثمار النتائج حين دشنت، عام 1847، أول “قاعة آشورية” في اللوڤر. ثم جاء فكتور بلاس (قنصل فرنسا في الموصل) ليواصل عمل بوتا 1851-1855، وتلاه أرنست دو سارزك (قنصل فرنسا في ولاية البصرة) في أواخر القرن التاسع عشر. ومع استقلال العراق بدأت موجة جديدة من البعثات، أبرزها أعمال أندريه بارو في لارسا في ثلاثينيات القرن الماضي، ثم جان كلود مارغرون. وقد تُوّج التعاون بإنشاء جمعية أثرية عراقية-فرنسية في السبعينيات، قبل أن تنقطع كل صلة بفعل الحروب والعقوبات، منذ 1990 وحتى بدايات القرن الحادي والعشرين، ثم استؤنف التعاون في مجال التنقيبات والترميم لاحقاً. تشكلت مجاميع العرض الأثري المتعلقة ببلاد الرافدين في متاحف فرنسا، وأولها اللوڤر، من اللقى الأثرية القادمة من تنقيبات القناصل الفرنسيين في القرن التاسع عشر، فضلاً عن بعثات التنقيب الفرنسية العاملة في العراق في القرن العشرين، بالإضافة بالطبع، إلى الاقتناء المباشر بالشراء، أو عن طريق الهبات والتبرعات. ولقد أعددنا جدولين لكلا النوعين من بعض المقتنيات التي في حوزة المتاحف الفرنسية.
أبرز القطع الأثرية–المتحفية المعروضة في متحف اللوڤر، والمنقبين الفرنسيين الرئيسِين (المصدر: متحف اللوڤر)
| جدول 1 | ||||||
| الرقم | اسم المستكشف | الفترة | الموقع | أبرز القطع المكتشفة | أرقام بعض القطع المتحفية المهمة | ملاحظات |
| 1 | پول أميل بوتا قنصل فرنسا في الموصل | 1845-1842 | دور شروكين (خورسباد) | تماثيل وجداريات قصر سرجون الثاني | AO-19857/19861/19862/19869/19873 19876/19877/19878/19882/19883/19866/19881 | أول حفريات فرنسية كبيرة، افتتح بها قاعة الآثار الآشورية في اللوڤر عام 1847 |
| 2 | ڤكتور پلاس قنصل فرنسا في الموصل | 1855-1847 | دور شروكين (خورسباد) | تماثيل وجداريات ولقى مهمة من قصر سرجون الثاني | AO-19859/19885/19863/ | عام 1855 تعرضت نحو 123 شحنة للغرق في حادثة القرنة |
| 3 | إرنست دو سارزك قنصل فرنسا في البصرة | 1901-1878 | تلو (ﮔـرسو) | مسلة العقبان، لوح أور نانشي النذري تماثيل وأسطوانات ﮔـوديا، جرة أينمتينا الفضية | AO-23(46 to 48)/ 2495 /2465 AO-1/2/3/4/5/6/7/8/22126/ 29155/ 20164 /3293 /4108/227/ 29729/388 AO-2674 | |
| 5 | پاسيفيك هنري ديلاپورتي قنصل فرنسا في بغداد | 1864- 1861 | نمرود(كالخُ) و بابل | جداريات قصر أشور ناصر پال الثاني | AO-(19845/19846/19855/19854/19852 AO-20127/20129 | |
| 6 | جاك دي مورﮔن | 1897 | سوسة (إيران) | مسلتا حمورابي ونرام-سين، مسلتا سرجون الأكدي مسلة ريموش تمثال ومسلة مانشتوسو، | AS-6064 AS-6065 AS-6053/ 6078/ 1319 AO-2678 AS-13833/ 6063 | هذه القطع نهبت من بلاد بابل عام 1185 ق.م، على يد الملك العيلامي شوتروك ناخونتي، ونقلت إلى سوسة، عاصمة بلاد عيلام حيث عثر عليها ضمن حدود إيران الحديثة |
| 7 | أندريه پارو | 1933 1970-1969 | تلو (ﮔـرسو) – لارسا (السنكرة) | ألواح تيراكوتا ورُقم طينية | AO-15062/ 15111 | |
القطع الأثرية لبلاد الرافدين (العراق)، التي دخلت متاحف فرنسا بالشراء أو بالهبة(التبرّع) من مقتنين(أفراد/مجموعات). المصدر: قاعدة متاحف فرنسا
| المتحف | وصف مختصر للقطعة | رقم الجرد (AO/…) | مكان الاكتشاف/ تصنيف جغرافي | طريقة الاقتناء | سنة الاقتناء (حسب السجلات) | مصدر الس+A1:G13جل / ملاحظات |
| اللوڤر | «المتعبد» تمثال نحاسي من لارسا / بابلي قديم | AO 140480 | لارسا (تل السنكرة) | شراء | سجل المتحف 1931 | سجل المتحف يذكر Mode d’acquisition: achat. Louvre Collections |
| اللوڤر | تمثال مصنّف آشوري | AO 169733 | بلاد الرافدين | شراء | لجنة: 22/05/1924؛ قرار: 15/07/1924 | سابقاً مبيْع/بائع: Géjou, Elias Ibrahim (تاجر آثار). Louvre CollectionsSOAS |
| اللوڤر | ختم أسطواني — من مجموعة دو كليرك | AO … (سجل Glyptique) | بلاد الرافدين / العصر الأكدي (Glyptic) | هبة | 1967 (تبرّع مجموعة De Clercq) | سجل المجموعة يظهر Donation/Don، مع مرجع كتالوج Collection de Clercq (1888). Louvre Collectionspublications.asia.si.edu |
| اللوڤر | تمثال صغير — مادة برونز/نحاس مؤرّخ/مقارب لبلاد الرافدين | AO 120489 | بلاد الرافدين | شراء | 1872 (سجل المتحف) | صفحة اللوفر: Mode d’acquisition: achat؛ مراجع عرضية أكاديمية. Louvre Collections |
| اللوڤر | مجموعة برونز/قطع من Collection De Clercq | متفرّقات ( مجموعة دو كليرك) | بلاد الرافدين | هبة / تبرع | 1967 (تاريخ الهبة) | كتالوج Collection de Clercq؛ هِبات إلى اللوفر وBnF. Louvre Collectionspublications.asia.si.edu |
| اللوڤر | تمثال/تميمة (من تلّو/جرسو) | (AO 121566 مثال) | تلو (ﮔـرسو) | سجل متحف — متنوّع | سجلات متفرّقة | سجل المتحف يقدّم تاريخاً مرجعياً ونشرات أكاديمية (Iraq journal). Louvre Collections |
| اللوڤر | لوح مسماري (نماذج إداريّة واقتصادية) — شراؤها عبر وسطاء | (AO 6770 مثال) | بلاد الرافدين | شراء | 1914 (سجل المتحف) | القطعة تظهر Mode d’acquisition: achat في قاعدة اللوفر. Louvre Collections+1 |
| اللوڤر | مجموعات من الوسيط العراقي إلياس إبراهيم ججو (ألواح/أختام) | متفرّقات (سجلات متعددة) | العراق / بلاد الرافدين | شراء | أعوام 1898–1935 تقريباً (حسب القطعة) | Gejou تاجر آثار بارز؛ سجّلته موثقة في الأدبيات (SOAS, Hypotheses، إلخ). SOASAcademia |
| ديوان الميداليات (المكتبة الوطنية الفرنسية) | مقتنيات Glyptic (أختام أسطوانية) ضمن مجموعة دو كليرك | ديوان الميداليات، مجموعات المكتبة الوطنية الفرنسية | بلاد الرافدين/الشرق الأدنى | تبرّع | 1967 (تجميع/هبة من مجموعة De Clercq) | سجل BnF يذكر Donation «Collection de Clercq»؛ قطع انتقلت للـ Cabinet des Médailles. Comité d’histoirepublications.asia.si.edu |
| متحف الفنون الجميلة | مجموعة ألواح مسمارية سومرية (نماذج إدارية/نقوش) | أرشيف متحف ليون (مستندات) | بلاد الرافدين | شراء من مزاد/سوق | أواخر القرن الـ 19 (مثال: 1885 في مزاد باريس) | مستندات متحف Lyon تذكر شراء قطع سومرية عبر مزاد باريس (1885). publications.asia.si.eduLouvre Collections |
| متحف سان جيرمان | قطع صغيرة (تمائم/خرز/تيراكوتا) | سجلات متحفية محلية | بلاد الرافدين | شراء | أواخر القرن 19 – منتصف 20 | معظمها دخل عبر سوق الفن أو هبات مقتنين محليين؛ السجلات متوفرة على Joconde وقاعدة متاحف فرنسا. Louvre Collections+1 |
| اللوڤر | Situle أو برونز (من مجموعة دو كليرك | AO 005151 | مجموعة دو كليرك | تبرّع | محفوظ في سجلات اللوفر |
هذه الحفريات لم تكن عشوائية، بل كانت مسنودة بفرمانات عثمانية رسمية، محفوظة في سجلات، مثل (İrade Dahiliye وSadâret Mektûb Kalemi). وهي وثائق تحدد شروط التنقيب، وإجراءات الحماية، وحتى تفاصيل مثل بناء مساكن للبعثات، كما حدث مع بوتا في الموصل. كما أن الدولة العثمانية سنت أول قانون لحماية الآثار عام 1869، باسم (Asar-ı Atika Nizamnâmesi)، تضمّن نظاماً لتقاسم اللقى بين المكتشفين والدولة والمالكين، وحظر تصديرها إلا بإذن خاص من السلطان، قبل أن تعزز هذه التشريعات في الأعوام 1874 و1884.
ملحق 3: الأشكال والصور





ثالثاً: من باريس إلى بغداد، خارطة طريق
لا يقتصر ملف الاسترداد اليوم على كونه نزاعاً قانونياً، بل هو مساحة تتقاطع فيها السياسة مع السرديات التاريخية. مشروع القانون الفرنسي الأخير، الذي يتيح استثناءات محدودة من قاعدة “عدم التصرف” في المجموعات المتحفية، يمنح العراق نافذة قانونية جديدة، لكنه في الوقت نفسه يضعه أمام تحديات ثقيلة. ففرنسا لم تُقر هذا القانون إنصافاً للآخرين فقط، بل لتعيد صياغة صورتها الدولية كقوة ثقافية تدير “المصالحة التاريخية” بشروطها الخاصة.
يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً: كيف يثبت العراق أن بعض القطع نُقلت “بصورة غير مشروعة”؟ فخلال الحقبة العثمانية، كانت الولايات الثلاث، الموصل، وبغداد، والبصرة، جزءاً من الدولة العثمانية المعترف بها، وكانت الاتفاقات مع البعثات الأوروبية ممهورة بفرمانات رسمية. صحيح أن هذه الاتفاقات تعكس اختلال ميزان القوى الاستعماري، لكنها في الوقت نفسه تمثل وثائق قانونية يصعب تجاوزها بمعايير اليوم.
إلى جانب ذلك، تفرض الشروط التي يلزم بها القانون الفرنسي، مثل ضمان العرض والصيانة داخل العراق، تساؤلات عملية: هل يملك العراق اليوم بنية تحتية متحفية قادرة على حفظ قطع لا تقدّر بثمن مثل مسلة نرام-سين أو شريعة حمورابي؟ وهل يمكن أن يطمئن المتحف الفرنسي إلى قدرة العراق على توفير معايير الحفظ العالمية وسط أوضاع سياسية وأمنية معقدة؟
وتزداد المسألة تشابكاً حين يتعلق الأمر بالحدود الحديثة، فبعض آثار بلاد الرافدين عُثر عليها في مواقع تقع اليوم في إيران (سوسة)، أو تركيا (حرّان)، أو سوريا (ماري)، وأي مطالبة بها ستدفع العراق إلى منطقة رمادية بين سيادته الوطنية والجغرافيا التاريخية، ما يتطلب خطاباً يستند إلى “وحدة التراث الرافديني” دون الاصطدام بجيرانه.
من الواضح أن المواجهة لا يمكن أن تُحسم بأدوات القانون وحدها، فالمطلوب هو بناء “تحالف معرفي” يضم مؤرخين وعلماء آثار وخبراء في القانون الدولي، لإنتاج سردية قادرة على إقناع الرأي العام الغربي، وخلق ضغط أخلاقي يوازي الضغط القانوني، كما يمكن للعراق أن ينتهج سياسات أكثر مرونة، مثل تفعيل مبدأ الإعارة المتبادلة أو نسخ القطع الأصلية، وهي آلية مطبقة في تجارب ناجحة: من إعارة متحف اللوڤر-باريس إلى اللوڤر-أبو ظبي تمثال الأمير السومري ﮔـوديا، إلى إعارة الأردن لمتحف اللوڤر تمثال من تماثيل عين غزال لمدة طويلة تتجدد كل 30 سنة.


إن الرحلة من باريس إلى بغداد لن تكون قصيرة ولا سهلة، لكنها تبدأ بخطوة أساسية، وهي الاعتراف بأن جزءاً كبيراً من هذا التراث خرج في ظروف تاريخية غير عادلة، حتى لو كانت “قانونية” في ظاهرها، ولكنْ هناك بُعد ربما من طيف اللاعدالة، الذي دفع فرنسا إلى التفكير بتشريع هكذا قانون أساساً، ومن ثم، فإن أي تحرك عراقي يجب أن يجمع بين مسارين: الواقعية القانونية من جهة، واستثمار المناخ الأخلاقي الدولي الجديد من جهة أخرى. وبين هذين المسارين، يمكن أن تتشكل استراتيجية أكثر نضجاً من مجرد انتظار أن يعيد الآخرون ما أخذوه.
تنشر هذه المادة بالشراكة مع الشبكة العراقية للصحافة الاستقصائية ”نيريج”.