بعد عام 2003: المياه والنفط ومستقبل المناخ في العراق

زينب شكر

29 آذار 2023

منذ عام 2003 يواجه العراق مختلف الأزمات، لكن كثيراً ما أهملت الظروف البيئية لصالح وضع الدولة الاقتصادي والسياسي. وبعد مضي عشرين عاماً نجد العراق في وضع أكثر هشاشة في ما يخصّ البيئة، بل ربّما أكثر من أيّ وقت مضى.. عن التغيّرات المناخية والنفط وسياسات الدولة..

بدأ الدمار البيئي في العراق قبل الغزو عام 2003 بسنوات.

تأرجح العراق ما بين أزمة وأخرى، طوال أربعين عاماً، فيما حطّمت الحروب والنزاعات الداخليّة بنية الدولة التحتية ومؤسساتها. أعقبت حرب إيران والعراق 13 سنة من العقوبات الاقتصادية القاسية، التي كانت قد فُرضت في تسعينيات القرن الماضي. وكان الغزو الأنجلو أمريكي للعراق قد خلّف البلاد في حالة من الفوضى السياسية والاقتصاديّة.

أثّرت هذه الصدمات على البيئة، فغيّرت مواقع مصادر المياه وفتّتت البنية التحتية القادرة على تقليص الضرر البيئي وسمحت باستخراج غير منظم للنفط، وحوّلت العراق -الذي لطالما عانى من مواسم قحط وحرّ شديدين- إلى أكثر الدول عرضةً للتغيّر المناخي في الشرق الأوسط.

ابتداءً بالجفاف والعواصف الرمليّة ومروراً بالأمراض المزمنة المرتبطة بالتلوّث السامّ المنبعث من حقول النفط في الجنوب، من الواضح أنّ الظروف المناخيّة في العراق قد تفاقمت في السنوات الأخيرة. وتصبح هذه النزعة مدمِّرة بشكل خاص عندما تقترن بالتدهور العام في قدرات الدولة وإمكاناتها المؤسّساتيّة عقب 2003.

وقد أدّت الاضطرابات السياسية والاجتماعيّة التي تجعل الأزمة المناخيّة ملحّة للغاية إلى إهمال البحث المناخي لصالح ما يعدّ على أنه تهديدات أكبر، وذلك على الرغم من ترابط هذه المصاعب كلها. وفعلاً، فإنّ حالة حكومة العراق ومآزقها الاقتصادية والجيوسياسيّة ليستا مسألتين منفصلتين، بل هما ما يحرّك هشاشة المناخ في العراق اليوم، الأمر الذي ينعكس في أهمّ مصادر البلاد: المياه والنفط.

 صعود الأهوار وترديها في العراق

شهد العراق أكثر مواسمه جفافاً منذ عقود في السنتين الماضيتين، فقد تجاوزت درجات الحرارة 120 درجة فاهرنهايت (حوالي 50 درجة مئوية). وفيما تستمرّ درجات الحرارة بالارتفاع، فإن مخزون المياه ما فتئ ينخفض، ما تسبّب بأسوأ أنواع الجفاف منذ أربعين عاماً. يقدّر المسؤولون العراقيّون أنّ مستوى مخزون المياه قد انخفض إلى النصف هذا العام، ويعود ذلك جزئيّاً إلى التغيّرات في أنماط الطقس، لكن كذلك إلى أفعال الدول المجاورة، مثل تركيّا، حيث تحدّ مختلف مشاريع السدود من مستوى تدفّق نهري دجلة والفرات. على سبيل المثال، يُقدَّر أنّ تفعيل سدّ “إيليسو” في تركيّا، وهو مشروع بناء عملاق يمتد على طول أكثر من 1.5 كيلو متر مربع على نهر دجلة، قد قلّص حصّة العراق في مياه النهر بـنحو 60 بالمئة. ونتيجة لانخفاض مستوى تدفّق المياه، جفّ قسم كبير من المناطق الرطبة في العراق هذا العام، مخلّفاًنفوق الكثير من حيوان الجاموس ومشرِّدًا المجتمعات المحلية.

وقد استهدف صدّام حسين الأهوار ذاتها الآخذة في الاختفاء الآن، في أعقاب الحرب الايرانيّة العراقيّة والانتفاضة الشعبانية ضدّ الحكومة عام ١٩٩١. اتّهم صدّام حسين عرب الأهوار بمساعدة المتمرّدين في الهروب من الجيش العراقي. بالإضافة إلى قصف المنطقة في أثناء الحرب، حاولت الحكومة تجفيف الأهوار. وكان السبب المزعوم هو تحويل هذه المناطق إلى أراض زراعية مرويّة، وذلك عبر بناء السدود والحواجز المائية. لكن قلّصت قنوات مثل “نهر الازدهار” وقناة “أم المعارك” وقناة “الولاء للقائد” مخزونات المياه لهذه المجتمعات العريقة، فجفّفت الأهوار وهجّرت السكّان المحلّيين الذين سكنوا هذه الأرض لأجيال.

وبعد عام 2003، تعافت الأهوار بعض الشيء بفضل جهود ترميم ضخمة ساهمت فيها مجموعات دوليّة مثل “برنامج الأمم المتحدة للبيئة” وجهات شريكة محلّيّة. لكن نتيجة لدرجات الحرارة القصوى وموجات الجفاف القاسية ومشاريع السدود التي تنشئها الحكومات المجاورة في منبع النهرين، قد يجفّ مصدرا المياه العذبة الأساسيّان تماماً بحلول عام 2040 إن لم تُتّخذ أيّ إجراءات لمنع ذلك. وعلى العموم، إن لم تُعالَج التحدّيات هذه فمن المتوقّع أن تكبر الفجوة بين مخزون المياه والطلب عليها من حوالي 5 إلى 11 بليون متر مكعّب بحلول عام 2035.[1]

نتيجة لارتفاع درجات الحرارة وموجات الجفاف الحادّة، شهدت السنوات الماضية كذلك ارتفاعاً في وتيرة وحدّة العواصف الرمليّة والغباريّة. وفق وزارة البيئة العراقيّة، والتي تأسّست ما بعد عام 2003، ارتفع عدد أيّام العواصف الغبارية من 243 إلى 272 يوماً في السنة مقارنة بالعقد الماضي. وعاش العراق عشر عواصف رمليّة في قرابة الشهرين في 2022، بالمقارنة مع ما كان معدّله عاصفة إلى عاصفتين في السنة في العقود الماضية.[2]

وفيما تسوء الظروف المناخيّة مع الوقت، سيتضرر اقتصاد العراق، وخاصةً في القطاع الزراعي. يعتمد الإنتاج الغذائي في العراق على زراعة أصحاب المزارع الصغيرة. ويعتمد المزارعون على أساليب ريّ قديمة الطراز ترتكز على أساليب الزراعة البعليّة، ما يجعل الكثير من الفلاحين بمواجهة الجفاف، فيما تتراجع مستويات هطول الأمطار. 

إضافةً إلى ذلك، لقد أدّت الظروف المناخية المتردّية مصحوبة بإهمال البنية التحتية إلى ارتفاع نسبة التصحّر، ما يؤثّر حاليًا في حوالي 39 بالمئة من مساحة العراق. نتيجة لذلك، تخسر الدولة حوالي 100 كيلومتر مربّع من الأراضي الزراعية سنوياً.

يجبر التصحّر المزارعين على التخلّي عن أراضيهم والهجرة إلى مراكز حضرية مكتظة، حيث تكون فرص العمل محدودة في قطاع عام متضخّم، ما يدفع كُثراً إلى الانخراط في الاقتصاد غير القانوني وغير الرسمي.

لقد زاد الارتفاع في وتيرة العواصف الرملية والغبارية وحدّتها كذلك من أمراض الجهاز التنفسي طويلة الأمد لدى السكّان. في عام 2022، ووفق وزارة الصحّة، أُدخل عشرة آلاف شخص إلى المستشفى نتيجة للعواصف الرمليّة. ومن المرجح أن تكون الأرقام هذه أعلى في أرض الواقع، وألّا يكون حجم الأزمة الحقيقي قد سُجّل، بسبب نقص في الإحصائيات والأبحاث الرسمية.

اعتماد العراق على النفط وقابليّته للتأثّر بالمناخ

لا تدور هشاشة العراق المناخيّة حول شحّ المياه فحسب إنما كذلك حول وفرة النفط. لقد ساهمت صناعة النفط، بصفتها مصدر الدخل والثروة الرئيسي للنخبة السياسية في العراق، في إهمال أولويّة القضايا المناخيّة على العموم والبنية التحتية المائيّة تحديداً.

يعتمد اقتصاد العراق على النفط. في العقد الماضي، مثّل قطاع النفط أكثر من 99 بالمئة من صادرات العراق و42 بالمئة من الناتج المحلّي الإجمالي. يزيد اعتماد العراق على النفط من هشاشة المناخ في البلاد، ويعود ذلك في جزء كبير منه إلى حرق الغاز – حرق الغازات الطبيعية المرتبطة باستخراج النفط، فينبعث منه خليط شديد التلويث مُركّب من ثاني أكسيد الكربون والميثان والسخام الأسود إلى البيئة المحيطة.

يلتقط القطاع قرابة النصف فقط من الثلاثة ملايين الأقدام المكعّبة من الغاز المنتَج يومياً من استخراج النفط ويعالجها، ما يجعل العراق ثاني أكبر دولة حارقة للغاز ما بعد روسيا. يبعث العراق حوالي 30 مليون طنّ من ثاني أكسيد الكربون في السنة، ما يمثّل 10 بالمئة من الغازات الدفينة المنبعثة في العالم بسبب الحرق.[3]

مع فشله في تطوير بنية تحتية قادرة على احتجاز الغاز، لا يساهم العراق في انبعاثات الكربون العالميّة فحسب، إنما يساهم كذلك – مع ما ينبعث من كيماويّات سامّة عن الغاز المحروق، مثل البنزين – في زيادة تشكّل الغيوم السامة والأمطار الحمضيّة. وتتغلغل هذه في الأرض وتذيب العناصر الغذائية الأساسيّة مثل المغنيزيوم والكالسيوم، والتي تُعدّ ضروريّة للتطوّر الزراعي والحفاظ على الأراضي الزراعيّة. والأمطار الحمضيّة مسؤولة عن خلط التربة بالألومنيوم، فتحدّ من نموّ النباتات الصحية. كما تتسرّب المياه الملطّخة بالنفط والمواد السامة الأخرى مباشرةً إلى مصادر المياه الطبيعية، فتلوّثها هي الأخرى في العمليّة هذه. وتعدّ مدن وبلدات العراق الجنوبيّة – مثل نهران عمر في محافظة البصرة – حيث نجد معظم حقول النفط في العراق، عرضة بشكل خاصّ للكوارث البيئية هذه.

وفي نهران عمر، توفّي أو عانى ما يعادل نسبة 6 بالمئة تقريباً من السكّان البالغ عددهم 1500 نسمة من السرطان أو من تعقيدات صحية مرتبطة بذلك؛ ولم يكن سن معظم الذين عانوا من التعقيدات الصحية أكثر من 25 عاماً.[4] وبالتالي، فعلاوة على الخطر البيئي، يرتبط كلّ من إنتاج النفط وحرق الغاز والمصانع البتروكيماوية ورواسب الأورانيوم من الأسلحة التالفة بزيادة مخاطر الإصابة بالأمراض، مثل الربو وارتفاع ضغط الدم وبعض أنواع السرطان، وتحديداً سكّان المناطق القريبة من حقول النفط. 

وفي ما عدا ذلك، وعندما تُنشأ الآبار، توظّف الشركات عادةً عددا قليلا من السكان المحلّيين للعمل في الحقول، فتترك السكّان ليعانوا من التبعات البيئيّة والصحية من دون الاستفادة من أيّ منافع اقتصادية. وفق التقارير الميدانيّة التي تعدّها صحيفة “طريق الشعب”، تميل شركات النفط إلى توظيف العمّال الأجانب. ويعمل حوالي 100 ألف عامل أجنبي في صناعة النفط، وغالباً ما يتلقّون بدلًا أكبر ممّا يتلقّاه العامل العراقي.[5]

غالباً ما يقلّل المسؤولون العراقيّون عدد الكتل المرضيّة المرتبطة بالتلوّث في أنحاء الدولة في أحاديثهم، ويحدّون من قدرة الوصول إلى الأرقام والبيانات الدقيقة.[6] وذلك بسبب افتقار الدولة للقدرة على تطوير الأدوات التي تجمع البيانات، وكذلك محدودية شفافيّة المعلومات في كلّ ما يخصّ قطاع الطاقة والمخاوف البيئية.

على الرغم من التأثير المؤذي للتبعيّة النفطيّة، لم تكن الدولة على استعداد للتعاطي مع المشكلة. وكثيرا ما تساهم أهمّية النفط -بصفته المصدر الأساسي لإيرادات الدولة- في الحفاظ على النظام السياسي الراهن واللاعبين المؤثرين فيه. تسيطر الدولة على الإيرادات من صادرات النفط، فيما تسعى الجهات الفاعلة السياسية التي تستفيد من المصادر، التي تنهبها عبر الفساد والصادرات النفطية، إلى الحفاظ على الجهاز السياسي والاقتصادي الذي يصبّ في مصلحتها أكثر من مصلحة غيرها.

تقترن الإرادة السياسية المحدودة بعقود من تآكل البنية التحتيّة وتراجع القدرة المؤسساتية فتمنعان التقدّم الجادّ. على سبيل المثال، إن تمكّن العراق من الاستثمار في البنية التحتية لاحتجاز الغاز المحروق واستخدامه، سيتمكّن من تقليص التأثير المناخي وكذلك من التمتّع بإمكانيّة إمداد ثلاثة ملايين منزل بالكهرباء، ما سيخفّف من النقص المزمن بالكهرباء. كما سيعني الاستثمار في البنية التحتية الغازيّة تخلُّص العراق من تبعيّته للغاز الإيراني لتوليد الكهرباء، وخاصّةً أثناء شهور الصيف الطويلة. منذ عام 2018، يحصل العراق على إعفاءات من العقوبات الأمريكيّة في ما يخصّ استيراد الغاز الايراني. وتعتبر هذه التبعية حبل نجاة للاقتصاد الإيراني الذي يعاني من الصعوبات. وبالتالي، لا تهتمّ إيران ولا وكلاؤها في العراق من جهة تطوير بنية تحتيّة أفضل له.

وحتّى عندما بذلت المساعي للتقليص من التأثير السلبي للإنتاج النفطي وحرق الغاز، منعت البنى التحتية البالية ومحدودية قدرات الدولة التقدّم الحقيقي. على سبيل المثال، وثّقت وزارة البيئة العراقية – والتي دُمجت مع وزارة الصحة قبل خمسة أعوام – الأذى الذي تتسبب به التبعية النفطية وحرق الغاز على الظروف البيئيّة ورفاهية السكّان. حاولت الوزارة فرض الغرامات على “شركة نفط البصرة” بسبب انتهاكاتها الكثيرة لحرق الغاز بمعدل يتجاوز الحدود المنصوص عليها في القانون. لكنّ الدولة تفتقر إلى الإمكانات لتطبيق القواعد هذه ولتوفير الآليات والموارد الضروريّة لتحديث انتاج النفط. وبالفعل، أقرّ كبير المهندسين في “شركة نفط البصرة” أنّ دفع الغرامة سيكون أقلّ كلفة من الاستثمار في بنية تحتيّة قادرة على معالجة الغاز المحروق.

و”شركة نفط البصرة” ليست الوحيدة في ذلك. لقد استفادت شركات نفط دوليّة، مثل شركة “البترول البريطاني” (BP) على مدى عقود من الثغرات الموجودة في قواعد إعداد التقارير عن الانبعاثات – في سبيل توفير الملايين من الدولارات– في الوقت الذي تبعث هي الغازات السامّة إلى الغلاف الجوّي. مثلًا، منذ عام 2009، كانت شركة “البترول البريطاني” هي المتعاقد الأساسي في “حقل الرميلة” – وهو أحد أكبر حقول النفط في العالم ومسؤول عن حوالي ثلثي إنتاج النفط في العراق. وفق تقرير لمنظّمة «غرين پيس» في عام 2021، حرق حقل “الرميلة” حوالي 3,39 بليون متر مكعّب من الغاز، فبعث 9,5 مليون طنّ من ثاني أكسيد الكربون. على الرغم من جني شركة “البترول البريطاني” ما يقارب 358 مليون دولار من الربح ما بعد الضريبة من هذا الحقل، لا تذكر الشركة الانبعاثات الصادرة عن حقل الرميلة في تقريرها السنوي عن الانبعاثات لأنّها تصنّف الحقل بصفته “منشأة غير مشغَّلة” – ما يعني أنّ المنشآت يفعّلها أي شخص آخر عدا الكيانات التابعة للشركة نفسها.

لكنّ المفعّل الرسمي للحقل كان شركة “البترول البريطاني” لغاية حزيران 2022، أي إلى أن أسّست شركة “بترول بريطانيا” و”پترو الصين” و”شركة البصرة للطاقة” لاستلام تشغيل الحقل، فيما تبقى الشركة نقطة التواصل الأساسيّة. لو شملت الشركة حقل الرميلة في تقاريرها لكانت انبعاثاتها السنوية لعام 2021 ستتضاعف.

في عام 2021، وقّع البنك الدولي و”شركة غاز الجنوب” العراقيّة الحكوميّة وشركة “شيل” وشركة “ميتسوبيشي” على صفقة بقيمة 360 مليون دولار لمساعدة العراق في السيطرة على أزمة الحرق في حقول نفطه الجنوبيّة، لكنها لم تحقق كثيراً من التقدّم منذئذٍ. وبالمثل، في أيلول 2021، أقرّ العراق صفقة بقيمة 27 مليون دولار مع الشركة الفرنسيّة “توتال إينيرجيز”. من المفترض بالصفقة إتاحة استثمار فرنسا في حقل نفط البصرة لمدّة 25 سنة وتطوير مختلف مشاريع البنية التحتية التي تهدف إلى انتاج طاقة أنظف وسيطرة أكبر على حرق الغاز. لكنّ العقبات البيروقراطيّة والأزمات السياسية – مثل الطريق المسدود الذي وصلته انتخابات عام 2021 قد أعاقت استكمال الصفقة.

الخطوات المقبلة

منذ عام 2003 يواجه العراق مختلف الأزمات، لكن كثيراً ما أهملت الظروف البيئية لصالح وضع الدولة الاقتصادي والسياسي. وبعد مضي عشرين عاماً نجد العراق في وضع أكثر هشاشة في ما يخصّ البيئة – وربّما أكثر من أيّ وقت مضى.

تتجسّد أزمة العراق المناخيّة في مياه الشرب والأراضي الزراعية وصحّة سكّان العراق. لكنها أزمة إقليميّة كذلك كما هي عالميّة. على أيّ استجابة فعّالة إذاً أن تشمل تشابُك القضايا المناخيّة بمؤسسات اجتماعية أخرى ودور المجتمعات المدنية والمحلية والحاجة إلى الدبلوماسيّة المناخيّة الجيوسياسيّة. لكي تتمكّن الدولة من تقليص تأثير الصلة ما بين الهشاشة البنيوية والتغيّر المناخي وعدم الاستقرار، سيكون على العراق تنويع اقتصاده وإبعاده عن التبعيّة النفطيّة، بالإضافة إلى الاستثمار في المساعي لإزالة الكربون وفي بنية تحتيّة للطاقة أنظف وفي تناول التأثيرات المادية والسياسية لهذا التحوّل. وتكمن خطوة هامّة أخرى في وضع مصلحة أكثر المجتمعات المحلية تضرّرًا من التغيّر المناخي ومعرفتها في صميم صنع القرارات.

 ترجم “جمار” المادة من الإنجليزية إلى العربية، وتنشر بالشراكة مع مجلة “ميريب


1 World Bank Report: “Iraq Country Climate and Development Report,” (2022), p. xi.

2 Muhammad Baqir Muhyedeen, “Iraq’s sandstorms are threatening life in the Fertile Crescent. It’s time the Iraqi government takes a stance,” The Atlantic Council, June 23, 2022.

[1] Alissa J. Rubin and Clifford Krauss, “Southern Iraq’s Toxic Twilight: Burning Gas and Poisoning the Air,” The New York Times, July 16, 2020.

4 المصدر السابق.

[1] عبدالله لطيف، “100 ألف أجنبي يعملون في حقول النفط خارج الضوابط“، طريق الشعب، 24 كانون الثاني 2021.

6 هذه المعلومات مستقاة من مقابلات أجرتها كاتبة المقال.


ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

بدأ الدمار البيئي في العراق قبل الغزو عام 2003 بسنوات.

تأرجح العراق ما بين أزمة وأخرى، طوال أربعين عاماً، فيما حطّمت الحروب والنزاعات الداخليّة بنية الدولة التحتية ومؤسساتها. أعقبت حرب إيران والعراق 13 سنة من العقوبات الاقتصادية القاسية، التي كانت قد فُرضت في تسعينيات القرن الماضي. وكان الغزو الأنجلو أمريكي للعراق قد خلّف البلاد في حالة من الفوضى السياسية والاقتصاديّة.

أثّرت هذه الصدمات على البيئة، فغيّرت مواقع مصادر المياه وفتّتت البنية التحتية القادرة على تقليص الضرر البيئي وسمحت باستخراج غير منظم للنفط، وحوّلت العراق -الذي لطالما عانى من مواسم قحط وحرّ شديدين- إلى أكثر الدول عرضةً للتغيّر المناخي في الشرق الأوسط.

ابتداءً بالجفاف والعواصف الرمليّة ومروراً بالأمراض المزمنة المرتبطة بالتلوّث السامّ المنبعث من حقول النفط في الجنوب، من الواضح أنّ الظروف المناخيّة في العراق قد تفاقمت في السنوات الأخيرة. وتصبح هذه النزعة مدمِّرة بشكل خاص عندما تقترن بالتدهور العام في قدرات الدولة وإمكاناتها المؤسّساتيّة عقب 2003.

وقد أدّت الاضطرابات السياسية والاجتماعيّة التي تجعل الأزمة المناخيّة ملحّة للغاية إلى إهمال البحث المناخي لصالح ما يعدّ على أنه تهديدات أكبر، وذلك على الرغم من ترابط هذه المصاعب كلها. وفعلاً، فإنّ حالة حكومة العراق ومآزقها الاقتصادية والجيوسياسيّة ليستا مسألتين منفصلتين، بل هما ما يحرّك هشاشة المناخ في العراق اليوم، الأمر الذي ينعكس في أهمّ مصادر البلاد: المياه والنفط.

 صعود الأهوار وترديها في العراق

شهد العراق أكثر مواسمه جفافاً منذ عقود في السنتين الماضيتين، فقد تجاوزت درجات الحرارة 120 درجة فاهرنهايت (حوالي 50 درجة مئوية). وفيما تستمرّ درجات الحرارة بالارتفاع، فإن مخزون المياه ما فتئ ينخفض، ما تسبّب بأسوأ أنواع الجفاف منذ أربعين عاماً. يقدّر المسؤولون العراقيّون أنّ مستوى مخزون المياه قد انخفض إلى النصف هذا العام، ويعود ذلك جزئيّاً إلى التغيّرات في أنماط الطقس، لكن كذلك إلى أفعال الدول المجاورة، مثل تركيّا، حيث تحدّ مختلف مشاريع السدود من مستوى تدفّق نهري دجلة والفرات. على سبيل المثال، يُقدَّر أنّ تفعيل سدّ “إيليسو” في تركيّا، وهو مشروع بناء عملاق يمتد على طول أكثر من 1.5 كيلو متر مربع على نهر دجلة، قد قلّص حصّة العراق في مياه النهر بـنحو 60 بالمئة. ونتيجة لانخفاض مستوى تدفّق المياه، جفّ قسم كبير من المناطق الرطبة في العراق هذا العام، مخلّفاًنفوق الكثير من حيوان الجاموس ومشرِّدًا المجتمعات المحلية.

وقد استهدف صدّام حسين الأهوار ذاتها الآخذة في الاختفاء الآن، في أعقاب الحرب الايرانيّة العراقيّة والانتفاضة الشعبانية ضدّ الحكومة عام ١٩٩١. اتّهم صدّام حسين عرب الأهوار بمساعدة المتمرّدين في الهروب من الجيش العراقي. بالإضافة إلى قصف المنطقة في أثناء الحرب، حاولت الحكومة تجفيف الأهوار. وكان السبب المزعوم هو تحويل هذه المناطق إلى أراض زراعية مرويّة، وذلك عبر بناء السدود والحواجز المائية. لكن قلّصت قنوات مثل “نهر الازدهار” وقناة “أم المعارك” وقناة “الولاء للقائد” مخزونات المياه لهذه المجتمعات العريقة، فجفّفت الأهوار وهجّرت السكّان المحلّيين الذين سكنوا هذه الأرض لأجيال.

وبعد عام 2003، تعافت الأهوار بعض الشيء بفضل جهود ترميم ضخمة ساهمت فيها مجموعات دوليّة مثل “برنامج الأمم المتحدة للبيئة” وجهات شريكة محلّيّة. لكن نتيجة لدرجات الحرارة القصوى وموجات الجفاف القاسية ومشاريع السدود التي تنشئها الحكومات المجاورة في منبع النهرين، قد يجفّ مصدرا المياه العذبة الأساسيّان تماماً بحلول عام 2040 إن لم تُتّخذ أيّ إجراءات لمنع ذلك. وعلى العموم، إن لم تُعالَج التحدّيات هذه فمن المتوقّع أن تكبر الفجوة بين مخزون المياه والطلب عليها من حوالي 5 إلى 11 بليون متر مكعّب بحلول عام 2035.[1]

نتيجة لارتفاع درجات الحرارة وموجات الجفاف الحادّة، شهدت السنوات الماضية كذلك ارتفاعاً في وتيرة وحدّة العواصف الرمليّة والغباريّة. وفق وزارة البيئة العراقيّة، والتي تأسّست ما بعد عام 2003، ارتفع عدد أيّام العواصف الغبارية من 243 إلى 272 يوماً في السنة مقارنة بالعقد الماضي. وعاش العراق عشر عواصف رمليّة في قرابة الشهرين في 2022، بالمقارنة مع ما كان معدّله عاصفة إلى عاصفتين في السنة في العقود الماضية.[2]

وفيما تسوء الظروف المناخيّة مع الوقت، سيتضرر اقتصاد العراق، وخاصةً في القطاع الزراعي. يعتمد الإنتاج الغذائي في العراق على زراعة أصحاب المزارع الصغيرة. ويعتمد المزارعون على أساليب ريّ قديمة الطراز ترتكز على أساليب الزراعة البعليّة، ما يجعل الكثير من الفلاحين بمواجهة الجفاف، فيما تتراجع مستويات هطول الأمطار. 

إضافةً إلى ذلك، لقد أدّت الظروف المناخية المتردّية مصحوبة بإهمال البنية التحتية إلى ارتفاع نسبة التصحّر، ما يؤثّر حاليًا في حوالي 39 بالمئة من مساحة العراق. نتيجة لذلك، تخسر الدولة حوالي 100 كيلومتر مربّع من الأراضي الزراعية سنوياً.

يجبر التصحّر المزارعين على التخلّي عن أراضيهم والهجرة إلى مراكز حضرية مكتظة، حيث تكون فرص العمل محدودة في قطاع عام متضخّم، ما يدفع كُثراً إلى الانخراط في الاقتصاد غير القانوني وغير الرسمي.

لقد زاد الارتفاع في وتيرة العواصف الرملية والغبارية وحدّتها كذلك من أمراض الجهاز التنفسي طويلة الأمد لدى السكّان. في عام 2022، ووفق وزارة الصحّة، أُدخل عشرة آلاف شخص إلى المستشفى نتيجة للعواصف الرمليّة. ومن المرجح أن تكون الأرقام هذه أعلى في أرض الواقع، وألّا يكون حجم الأزمة الحقيقي قد سُجّل، بسبب نقص في الإحصائيات والأبحاث الرسمية.

اعتماد العراق على النفط وقابليّته للتأثّر بالمناخ

لا تدور هشاشة العراق المناخيّة حول شحّ المياه فحسب إنما كذلك حول وفرة النفط. لقد ساهمت صناعة النفط، بصفتها مصدر الدخل والثروة الرئيسي للنخبة السياسية في العراق، في إهمال أولويّة القضايا المناخيّة على العموم والبنية التحتية المائيّة تحديداً.

يعتمد اقتصاد العراق على النفط. في العقد الماضي، مثّل قطاع النفط أكثر من 99 بالمئة من صادرات العراق و42 بالمئة من الناتج المحلّي الإجمالي. يزيد اعتماد العراق على النفط من هشاشة المناخ في البلاد، ويعود ذلك في جزء كبير منه إلى حرق الغاز – حرق الغازات الطبيعية المرتبطة باستخراج النفط، فينبعث منه خليط شديد التلويث مُركّب من ثاني أكسيد الكربون والميثان والسخام الأسود إلى البيئة المحيطة.

يلتقط القطاع قرابة النصف فقط من الثلاثة ملايين الأقدام المكعّبة من الغاز المنتَج يومياً من استخراج النفط ويعالجها، ما يجعل العراق ثاني أكبر دولة حارقة للغاز ما بعد روسيا. يبعث العراق حوالي 30 مليون طنّ من ثاني أكسيد الكربون في السنة، ما يمثّل 10 بالمئة من الغازات الدفينة المنبعثة في العالم بسبب الحرق.[3]

مع فشله في تطوير بنية تحتية قادرة على احتجاز الغاز، لا يساهم العراق في انبعاثات الكربون العالميّة فحسب، إنما يساهم كذلك – مع ما ينبعث من كيماويّات سامّة عن الغاز المحروق، مثل البنزين – في زيادة تشكّل الغيوم السامة والأمطار الحمضيّة. وتتغلغل هذه في الأرض وتذيب العناصر الغذائية الأساسيّة مثل المغنيزيوم والكالسيوم، والتي تُعدّ ضروريّة للتطوّر الزراعي والحفاظ على الأراضي الزراعيّة. والأمطار الحمضيّة مسؤولة عن خلط التربة بالألومنيوم، فتحدّ من نموّ النباتات الصحية. كما تتسرّب المياه الملطّخة بالنفط والمواد السامة الأخرى مباشرةً إلى مصادر المياه الطبيعية، فتلوّثها هي الأخرى في العمليّة هذه. وتعدّ مدن وبلدات العراق الجنوبيّة – مثل نهران عمر في محافظة البصرة – حيث نجد معظم حقول النفط في العراق، عرضة بشكل خاصّ للكوارث البيئية هذه.

وفي نهران عمر، توفّي أو عانى ما يعادل نسبة 6 بالمئة تقريباً من السكّان البالغ عددهم 1500 نسمة من السرطان أو من تعقيدات صحية مرتبطة بذلك؛ ولم يكن سن معظم الذين عانوا من التعقيدات الصحية أكثر من 25 عاماً.[4] وبالتالي، فعلاوة على الخطر البيئي، يرتبط كلّ من إنتاج النفط وحرق الغاز والمصانع البتروكيماوية ورواسب الأورانيوم من الأسلحة التالفة بزيادة مخاطر الإصابة بالأمراض، مثل الربو وارتفاع ضغط الدم وبعض أنواع السرطان، وتحديداً سكّان المناطق القريبة من حقول النفط. 

وفي ما عدا ذلك، وعندما تُنشأ الآبار، توظّف الشركات عادةً عددا قليلا من السكان المحلّيين للعمل في الحقول، فتترك السكّان ليعانوا من التبعات البيئيّة والصحية من دون الاستفادة من أيّ منافع اقتصادية. وفق التقارير الميدانيّة التي تعدّها صحيفة “طريق الشعب”، تميل شركات النفط إلى توظيف العمّال الأجانب. ويعمل حوالي 100 ألف عامل أجنبي في صناعة النفط، وغالباً ما يتلقّون بدلًا أكبر ممّا يتلقّاه العامل العراقي.[5]

غالباً ما يقلّل المسؤولون العراقيّون عدد الكتل المرضيّة المرتبطة بالتلوّث في أنحاء الدولة في أحاديثهم، ويحدّون من قدرة الوصول إلى الأرقام والبيانات الدقيقة.[6] وذلك بسبب افتقار الدولة للقدرة على تطوير الأدوات التي تجمع البيانات، وكذلك محدودية شفافيّة المعلومات في كلّ ما يخصّ قطاع الطاقة والمخاوف البيئية.

على الرغم من التأثير المؤذي للتبعيّة النفطيّة، لم تكن الدولة على استعداد للتعاطي مع المشكلة. وكثيرا ما تساهم أهمّية النفط -بصفته المصدر الأساسي لإيرادات الدولة- في الحفاظ على النظام السياسي الراهن واللاعبين المؤثرين فيه. تسيطر الدولة على الإيرادات من صادرات النفط، فيما تسعى الجهات الفاعلة السياسية التي تستفيد من المصادر، التي تنهبها عبر الفساد والصادرات النفطية، إلى الحفاظ على الجهاز السياسي والاقتصادي الذي يصبّ في مصلحتها أكثر من مصلحة غيرها.

تقترن الإرادة السياسية المحدودة بعقود من تآكل البنية التحتيّة وتراجع القدرة المؤسساتية فتمنعان التقدّم الجادّ. على سبيل المثال، إن تمكّن العراق من الاستثمار في البنية التحتية لاحتجاز الغاز المحروق واستخدامه، سيتمكّن من تقليص التأثير المناخي وكذلك من التمتّع بإمكانيّة إمداد ثلاثة ملايين منزل بالكهرباء، ما سيخفّف من النقص المزمن بالكهرباء. كما سيعني الاستثمار في البنية التحتية الغازيّة تخلُّص العراق من تبعيّته للغاز الإيراني لتوليد الكهرباء، وخاصّةً أثناء شهور الصيف الطويلة. منذ عام 2018، يحصل العراق على إعفاءات من العقوبات الأمريكيّة في ما يخصّ استيراد الغاز الايراني. وتعتبر هذه التبعية حبل نجاة للاقتصاد الإيراني الذي يعاني من الصعوبات. وبالتالي، لا تهتمّ إيران ولا وكلاؤها في العراق من جهة تطوير بنية تحتيّة أفضل له.

وحتّى عندما بذلت المساعي للتقليص من التأثير السلبي للإنتاج النفطي وحرق الغاز، منعت البنى التحتية البالية ومحدودية قدرات الدولة التقدّم الحقيقي. على سبيل المثال، وثّقت وزارة البيئة العراقية – والتي دُمجت مع وزارة الصحة قبل خمسة أعوام – الأذى الذي تتسبب به التبعية النفطية وحرق الغاز على الظروف البيئيّة ورفاهية السكّان. حاولت الوزارة فرض الغرامات على “شركة نفط البصرة” بسبب انتهاكاتها الكثيرة لحرق الغاز بمعدل يتجاوز الحدود المنصوص عليها في القانون. لكنّ الدولة تفتقر إلى الإمكانات لتطبيق القواعد هذه ولتوفير الآليات والموارد الضروريّة لتحديث انتاج النفط. وبالفعل، أقرّ كبير المهندسين في “شركة نفط البصرة” أنّ دفع الغرامة سيكون أقلّ كلفة من الاستثمار في بنية تحتيّة قادرة على معالجة الغاز المحروق.

و”شركة نفط البصرة” ليست الوحيدة في ذلك. لقد استفادت شركات نفط دوليّة، مثل شركة “البترول البريطاني” (BP) على مدى عقود من الثغرات الموجودة في قواعد إعداد التقارير عن الانبعاثات – في سبيل توفير الملايين من الدولارات– في الوقت الذي تبعث هي الغازات السامّة إلى الغلاف الجوّي. مثلًا، منذ عام 2009، كانت شركة “البترول البريطاني” هي المتعاقد الأساسي في “حقل الرميلة” – وهو أحد أكبر حقول النفط في العالم ومسؤول عن حوالي ثلثي إنتاج النفط في العراق. وفق تقرير لمنظّمة «غرين پيس» في عام 2021، حرق حقل “الرميلة” حوالي 3,39 بليون متر مكعّب من الغاز، فبعث 9,5 مليون طنّ من ثاني أكسيد الكربون. على الرغم من جني شركة “البترول البريطاني” ما يقارب 358 مليون دولار من الربح ما بعد الضريبة من هذا الحقل، لا تذكر الشركة الانبعاثات الصادرة عن حقل الرميلة في تقريرها السنوي عن الانبعاثات لأنّها تصنّف الحقل بصفته “منشأة غير مشغَّلة” – ما يعني أنّ المنشآت يفعّلها أي شخص آخر عدا الكيانات التابعة للشركة نفسها.

لكنّ المفعّل الرسمي للحقل كان شركة “البترول البريطاني” لغاية حزيران 2022، أي إلى أن أسّست شركة “بترول بريطانيا” و”پترو الصين” و”شركة البصرة للطاقة” لاستلام تشغيل الحقل، فيما تبقى الشركة نقطة التواصل الأساسيّة. لو شملت الشركة حقل الرميلة في تقاريرها لكانت انبعاثاتها السنوية لعام 2021 ستتضاعف.

في عام 2021، وقّع البنك الدولي و”شركة غاز الجنوب” العراقيّة الحكوميّة وشركة “شيل” وشركة “ميتسوبيشي” على صفقة بقيمة 360 مليون دولار لمساعدة العراق في السيطرة على أزمة الحرق في حقول نفطه الجنوبيّة، لكنها لم تحقق كثيراً من التقدّم منذئذٍ. وبالمثل، في أيلول 2021، أقرّ العراق صفقة بقيمة 27 مليون دولار مع الشركة الفرنسيّة “توتال إينيرجيز”. من المفترض بالصفقة إتاحة استثمار فرنسا في حقل نفط البصرة لمدّة 25 سنة وتطوير مختلف مشاريع البنية التحتية التي تهدف إلى انتاج طاقة أنظف وسيطرة أكبر على حرق الغاز. لكنّ العقبات البيروقراطيّة والأزمات السياسية – مثل الطريق المسدود الذي وصلته انتخابات عام 2021 قد أعاقت استكمال الصفقة.

الخطوات المقبلة

منذ عام 2003 يواجه العراق مختلف الأزمات، لكن كثيراً ما أهملت الظروف البيئية لصالح وضع الدولة الاقتصادي والسياسي. وبعد مضي عشرين عاماً نجد العراق في وضع أكثر هشاشة في ما يخصّ البيئة – وربّما أكثر من أيّ وقت مضى.

تتجسّد أزمة العراق المناخيّة في مياه الشرب والأراضي الزراعية وصحّة سكّان العراق. لكنها أزمة إقليميّة كذلك كما هي عالميّة. على أيّ استجابة فعّالة إذاً أن تشمل تشابُك القضايا المناخيّة بمؤسسات اجتماعية أخرى ودور المجتمعات المدنية والمحلية والحاجة إلى الدبلوماسيّة المناخيّة الجيوسياسيّة. لكي تتمكّن الدولة من تقليص تأثير الصلة ما بين الهشاشة البنيوية والتغيّر المناخي وعدم الاستقرار، سيكون على العراق تنويع اقتصاده وإبعاده عن التبعيّة النفطيّة، بالإضافة إلى الاستثمار في المساعي لإزالة الكربون وفي بنية تحتيّة للطاقة أنظف وفي تناول التأثيرات المادية والسياسية لهذا التحوّل. وتكمن خطوة هامّة أخرى في وضع مصلحة أكثر المجتمعات المحلية تضرّرًا من التغيّر المناخي ومعرفتها في صميم صنع القرارات.

 ترجم “جمار” المادة من الإنجليزية إلى العربية، وتنشر بالشراكة مع مجلة “ميريب


1 World Bank Report: “Iraq Country Climate and Development Report,” (2022), p. xi.

2 Muhammad Baqir Muhyedeen, “Iraq’s sandstorms are threatening life in the Fertile Crescent. It’s time the Iraqi government takes a stance,” The Atlantic Council, June 23, 2022.

[1] Alissa J. Rubin and Clifford Krauss, “Southern Iraq’s Toxic Twilight: Burning Gas and Poisoning the Air,” The New York Times, July 16, 2020.

4 المصدر السابق.

[1] عبدالله لطيف، “100 ألف أجنبي يعملون في حقول النفط خارج الضوابط“، طريق الشعب، 24 كانون الثاني 2021.

6 هذه المعلومات مستقاة من مقابلات أجرتها كاتبة المقال.