النباتيون في العراق.. العيش مع "التنمر" الاجتماعي و"المنيو الفقير"

جعفر الغيث

06 شباط 2023

تواجه بسمة ونور تنمراً وصعوبة في إيجاد الطعام في المطاعم لأنهما نباتيتان، إلا أنهما تنصحان بإعادة النظر في مواصلة تناول المنتجات الحيوانية ومحاولة خوض التجربة النباتية، حفاظاً على الصحة والبيئة والتنوع الأحيائي، كما تعبّران..

على أريكة إسفنجية مريحة ملاصقة لنافذة تطل على شارع 62 ضمن منطقة الكرادة وسط بغداد، جلست بسمة المشاط (17 عاماً) برفقة أسرتها تطالع قائمة الطعام (المنيو) داخل أحد المطاعم الفاخرة التي يتميز بها ذلك الشارع.

كانت بسمة تظن أنها ستجد بسهولة وجبة تلائم نمطها الغذائي على اعتبار أنها جالسة في مطعم يقدم خيارات واسعة لزبائنه، لكن ظنها لم يكن في محله، فاضطرت في النهاية إلى الاكتفاء بطبق سلطة وبعض المقبلات الخالية من المنتجات الحيوانية.

عزفت بسمة قبل خمس سنوات عن تناول اللحوم الحمراء والبيضاء، فقد كان مذاقها ورائحتها يزعجان فمها وأنفها، وكانت تفضّل الطعام المعدّ من الخضروات والبقوليات والحبوب.

حاولت مراراً تقبل وجود اللحوم في طعامها، لكنها شعرت في النهاية بأنها غير مرغمة على تناول طعام لا تحبه، فقررت عدم تناول اللحوم مرة أخرى على الإطلاق.

ومع أنها حسمت أمرها، إلا أنها لم تتوقف عن محاولة معرفة سر عدم تقبلها اللحوم، إلى أن اكتشفت وجود أسباب علمية وراء هذه الحالة، وأن هناك كثيرين غيرها يشاركونها النمط الغذائي ذاته.

بسمة واحدة من الأشخاص النباتيين في العراق، الذين لا يجدون طعامهم متوفراً ومتنوعاً في الأماكن العامة، ولا ينفكون يواجهون التهكم والتنمر يومياً.

في المطعم، سألت بسمة النادل ما إذا كانوا يقدمون أطباقاً نباتية، فرمقها بنظرة استغراب وتساؤل قبل أن يجيبها بتردد “لا للأسف”، وفي نبرته ما يوحي بأنه لم يألف هذا النوع من الطلبات.

وقبل مغادرتها المطعم بعد إكمال الوليمة الأسرية، توجهت الفتاة إلى المدير لتسأله عن سبب غياب الأطباق النباتية عن قائمة الطعام.

أخبرها مدير المطعم أن انخفاض الطلب على هذه الأطباق هو السبب وراء عدم توسع المطاعم في توفيرها، إذ أنها لا تحقق الأرباح التي تحققها الأطباق التقليدية والوجبات السريعة المكونة غالباً من اللحوم أو المنتجات الحيوانية.

كما أبلغها بأن المطعم يقدم أطباقاً خالية من اللحوم مثل الفلافل ولزانيا الخضار وبيتزا الخضار.

لكن هكذا أطباق قد لا تفي بغرض بعض النباتيين.

خمسة أصناف

يُصنف النباتيون إلى خمسة أصناف، يشمل الصنف الأول الأشخاص الذين لا يتناولون اللحوم والدواجن والأسماك وكل المنتجات الحيوانية بما فيها البيض ومشتقات الحليب والجيلاتين، ويسمى النباتي من هذا الصنف بالنباتي الصرف.

أما الصنف الثاني فيشمل الذين لا يتناولون اللحوم والدواجن والأسماك ولكنهم يتناولون البيض ومشتقات الحليب، وهؤلاء تطلق عليهم تسمية نباتيي الألبان والبيض.

والصنف الثالث يشمل من لا يتناولون اللحوم والدواجن والأسماك والبيض ولكنهم يتناولون الحليب ومشتقاته، ويسمى صنف نباتيي الألبان.

فيما يشمل الصنف الرابع الذين لا يتناولون اللحوم والدواجن والأسماك والحليب ومشتقاته، إلا أنهم يتناولون البيض، وهؤلاء هم نباتيو البيض.

ويشمل الصنف الخامس من يتناولون الأسماك والدواجن والبيض والحليب ومشتقاته ولكنهم لا يتناولون اللحوم الحمراء، ويسمى صنف المتمثلين بالنباتيين.

تنتمي بسمة للصنف الأول.

لذا لم تطلب اللزانيا أو البيتزا لأن الأجبان تدخل في إعدادها، ولم تطلب الفلافل لأنها أكثرت من تناولها مؤخراً ولم تكن راغبة فيها.

“أكلت زلاطة (سلطة) وحمّص بطحينة. هاي الأشياء مكوناتها معروفة ما بيها شغلات حيوانية” قالت لـ”جمّار”.

“من أجل صحتي”

تقود دوافع عدة الناس إلى اختيار النظام الغذائي النباتي، بينها صحية وإنسانية ودينية واقتصادية، فضلاً عن الدوافع المتعلقة بتقبل الطعام.

يرى البعض أن الغذاء النباتي مفيد للصحة، بينما يرى آخرون أن قتل الحيوانات وأكلها سلوك غير إنساني، فيما يضطر البعض إلى الإحجام عن شراء اللحوم والدواجن والأسماك لأنهم لا يملكون المال الكافي لتسديد ثمنها المرتفع مقارنة بالأغذية النباتية.

وتحرّم بعض الديانات حول العالم تناول أصناف من اللحوم، لكن معتنقيها نادرو أو عديمو الوجود في العراق.

تنتمي نور (16 عاماً) إلى فئة النباتيين الذين يتبعون هذا النظام بحثاً عن فوائده الصحية.

تواجه نور ما تواجهه بسمة من صعوبة في إيجاد الطعام النباتي الصرف لدى المطاعم، لذا تكتفي عند ارتيادها مطعماً بطلب أطباق خفيفة متيقنة من أنها مكونة من عناصر نباتية.

ويؤكد عمر البدراني، أحد مسؤولي جمعية طهاة العراق، أن البلاد خالية حتى اليوم من مطعم متخصص بتقديم الأطباق النباتية، باستثناء عدد محدود منها في إقليم كردستان.

وتشكو نور من تعرضها للتنمر باستمرار، إذ تُتهم دائماً بأنها تتصنع الرقي والنمط المخملي كلما أخبرت أحداً بأنها نباتية، ما أشعل جذوة الشعور بالعزلة في داخلها.

“أما أهلي فإنهم يبدون خوفاً مبالغاً فيه إزاء صحتي الجسدية لعدم تناولي اللحوم وسائر المنتجات الحيوانية” قالت لنا.

لكن شموس غانم، الناشطة في مجال التوعية الصحية والغذاء النباتي، تدلي بإحاطة من شأنها تبديد مخاوف ذوي نور إزاء صحتها.

أجرت غانم متابعات حثيثة، أيام اشتداد جائحة كورونا، لتقارير منظمات صحية عالمية، فوجدتها تفيد بأن النباتيين يتمتعون بمناعة متفوقة على من سواهم جعلتهم أقل عرضة للإصابة بالفيروس ومضاعفاته.

وتقول إن الإقبال على الغذاء النباتي ارتفع بعد عام 2020 لزيادة حرص الناس على صحتهم خشية تفشي أوبئة أخرى.

كما تطرقت إلى تقارير ودراسات صادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى تفيد بأن التوجه إلى الغذاء النباتي والاعتماد عليه كمصدر أساسي في التغذية مفيد جداً للبيئة ومقاومة التغيرات المناخية.

وتتفق فرح عبد السلام، الطبيبة المتخصصة بالتغذية، على أن الطعام النباتي مفيد للصحة.

تشير عبد السلام إلى أن ما يميز الأطعمة النباتية هو أنها قليلة الدهون المشبعة والكوليسترول وغنية بالألياف والفيتامينات والدهون غير المشبعة، وهذه كلها لها فوائد كبيرة وصحية للإنسان.

“بينما الطعام الحيواني مليء بالدهون المشبعة والكوليسترول، ما يسبب أضراراً صحية” قالت لـ”جمّار”.

وتضيف الطبيبة أن الشخص النباتي أقل عرضة للإصابة بداء السكري وضغط الدم وأمراض القولون والجهاز الهضمي وألم المفاصل وأمراض الكلى، علاوة على الأمراض السرطانية.

أما بشأن المخاوف من عدم توفر جميع العناصر الضرورية للجسم في النباتات، توضح فرح أن الشخص النباتي يحتاج إلى وجبات خاصة ومتكاملة عن طريق مزجها مع بعض للوصول إلى حد الاغتناء الغذائي المتكامل.

تذكر الفلافل مثالاً على ذلك.

“الفلافل تعد وجبة غنية متكاملة تعوض عن اللحوم” قالت الطبيبة، لافتة إلى أن بعض أنواع البقوليات تحتوي على كميات كبيرة من البروتين، وبالإمكان مزجها بأطعمة أخرى لتنتج غذاء عالي البروتين يغني عن اللحوم.

وفي ما يتعلق بفيتامين “بي تويلف” واليود والكالسيوم والحديد والزنك وفيتامين “دي”، تبين فرح أن هذه العناصر موجودة بنسب منخفضة في النباتات أو مخلوطة بمعادن أخرى، ما يجعل تحليلها صعباً على الجسم، الأمر الذي يستدعي تناول مكملات غذائية أو أقراص فيتامينات لتعويض نقصها.

طلب منخفض

مع أن توافد الزبائن النباتيين على المطاعم لم يعد نادراً، إلا أنها لم تعدّ العدة حتى الآن لتلبية طلباتهم.

ربما ما زالت أعدادهم غير مشجعة لتخصيص قوائم لهم.

بحسب صاحب أحد المطاعم الراقية في بغداد، يأتي إلى المطعم يومياً 10 إلى 15 زبوناً نباتياً.

“أعمارهم تتراوح غالباً بين 20 و30 سنة، تضاف لهم شريحة صغيرة من كبار السن ممن يعانون أمراضاً تمنعهم من تناول اللحوم” قال لـ”جمّار”.

وتبدو محال ومراكز تسوق المواد الغذائية غير مهتمة هي الأخرى كثيراً بالمنتجات النباتية.

يواجه الزبون العراقي صعوبة في الحصول على برغر نباتي أو أجبان نباتية في المحال والـ”ماركتات”، خلافاً لما هو شائع في دول أخرى قريبة أو بعيدة.

ويعزو حسين سلوان، صاحب أحد المراكز التجارية في بغداد، ذلك إلى انخفاض الطلب على هكذا منتجات.

ويقول لـ”جمّار” إن الرائج حالياً منتجات الـ”دايت” لوجود إقبال على شرائها، أما المنتجات النباتية فلم ترتق بعد إلى مستوى العرض لتلبية الطلب.

وبينما يسود ظن بأن قلة التوجه إلى النظام النباتي نابع من أن هذا النظام مكلف وملائم فقط لذوي الدخول المرتفعة، يذهب البدراني إلى أن الأطباق النباتية أرخص في العادة من أطباق اللحوم والدواجن والأسماك.

ويؤيده في هذا الرأي بشير الساعدي المهتم بالشأن الاقتصادي.

حدد الساعدي من خلال متابعاته الشخصية نطاق تمركز النباتيين في الأحياء الراقية داخل بغداد، لكنه لا يربط ذلك بالقدرة الشرائية.

“هؤلاء الناس لا يهتمون بأسعار المواد بقدر اهتمامهم بصحتهم وبالثقافات الجديدة. إنهم يرون أن النظام النباتي مفيد للصحة لذلك يتبعونه” قال الساعدي لـ”جمّار”.

وعلى الرغم من الصعوبات التي تواجهها بسمة ونور لأنهما نباتيتان، إلا أنهما تنصحان بإعادة النظر في مواصلة تناول المنتجات الحيوانية ومحاولة خوض التجربة النباتية، حفاظاً على الصحة والبيئة والتنوع الأحيائي، كما تعبّران.

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

على أريكة إسفنجية مريحة ملاصقة لنافذة تطل على شارع 62 ضمن منطقة الكرادة وسط بغداد، جلست بسمة المشاط (17 عاماً) برفقة أسرتها تطالع قائمة الطعام (المنيو) داخل أحد المطاعم الفاخرة التي يتميز بها ذلك الشارع.

كانت بسمة تظن أنها ستجد بسهولة وجبة تلائم نمطها الغذائي على اعتبار أنها جالسة في مطعم يقدم خيارات واسعة لزبائنه، لكن ظنها لم يكن في محله، فاضطرت في النهاية إلى الاكتفاء بطبق سلطة وبعض المقبلات الخالية من المنتجات الحيوانية.

عزفت بسمة قبل خمس سنوات عن تناول اللحوم الحمراء والبيضاء، فقد كان مذاقها ورائحتها يزعجان فمها وأنفها، وكانت تفضّل الطعام المعدّ من الخضروات والبقوليات والحبوب.

حاولت مراراً تقبل وجود اللحوم في طعامها، لكنها شعرت في النهاية بأنها غير مرغمة على تناول طعام لا تحبه، فقررت عدم تناول اللحوم مرة أخرى على الإطلاق.

ومع أنها حسمت أمرها، إلا أنها لم تتوقف عن محاولة معرفة سر عدم تقبلها اللحوم، إلى أن اكتشفت وجود أسباب علمية وراء هذه الحالة، وأن هناك كثيرين غيرها يشاركونها النمط الغذائي ذاته.

بسمة واحدة من الأشخاص النباتيين في العراق، الذين لا يجدون طعامهم متوفراً ومتنوعاً في الأماكن العامة، ولا ينفكون يواجهون التهكم والتنمر يومياً.

في المطعم، سألت بسمة النادل ما إذا كانوا يقدمون أطباقاً نباتية، فرمقها بنظرة استغراب وتساؤل قبل أن يجيبها بتردد “لا للأسف”، وفي نبرته ما يوحي بأنه لم يألف هذا النوع من الطلبات.

وقبل مغادرتها المطعم بعد إكمال الوليمة الأسرية، توجهت الفتاة إلى المدير لتسأله عن سبب غياب الأطباق النباتية عن قائمة الطعام.

أخبرها مدير المطعم أن انخفاض الطلب على هذه الأطباق هو السبب وراء عدم توسع المطاعم في توفيرها، إذ أنها لا تحقق الأرباح التي تحققها الأطباق التقليدية والوجبات السريعة المكونة غالباً من اللحوم أو المنتجات الحيوانية.

كما أبلغها بأن المطعم يقدم أطباقاً خالية من اللحوم مثل الفلافل ولزانيا الخضار وبيتزا الخضار.

لكن هكذا أطباق قد لا تفي بغرض بعض النباتيين.

خمسة أصناف

يُصنف النباتيون إلى خمسة أصناف، يشمل الصنف الأول الأشخاص الذين لا يتناولون اللحوم والدواجن والأسماك وكل المنتجات الحيوانية بما فيها البيض ومشتقات الحليب والجيلاتين، ويسمى النباتي من هذا الصنف بالنباتي الصرف.

أما الصنف الثاني فيشمل الذين لا يتناولون اللحوم والدواجن والأسماك ولكنهم يتناولون البيض ومشتقات الحليب، وهؤلاء تطلق عليهم تسمية نباتيي الألبان والبيض.

والصنف الثالث يشمل من لا يتناولون اللحوم والدواجن والأسماك والبيض ولكنهم يتناولون الحليب ومشتقاته، ويسمى صنف نباتيي الألبان.

فيما يشمل الصنف الرابع الذين لا يتناولون اللحوم والدواجن والأسماك والحليب ومشتقاته، إلا أنهم يتناولون البيض، وهؤلاء هم نباتيو البيض.

ويشمل الصنف الخامس من يتناولون الأسماك والدواجن والبيض والحليب ومشتقاته ولكنهم لا يتناولون اللحوم الحمراء، ويسمى صنف المتمثلين بالنباتيين.

تنتمي بسمة للصنف الأول.

لذا لم تطلب اللزانيا أو البيتزا لأن الأجبان تدخل في إعدادها، ولم تطلب الفلافل لأنها أكثرت من تناولها مؤخراً ولم تكن راغبة فيها.

“أكلت زلاطة (سلطة) وحمّص بطحينة. هاي الأشياء مكوناتها معروفة ما بيها شغلات حيوانية” قالت لـ”جمّار”.

“من أجل صحتي”

تقود دوافع عدة الناس إلى اختيار النظام الغذائي النباتي، بينها صحية وإنسانية ودينية واقتصادية، فضلاً عن الدوافع المتعلقة بتقبل الطعام.

يرى البعض أن الغذاء النباتي مفيد للصحة، بينما يرى آخرون أن قتل الحيوانات وأكلها سلوك غير إنساني، فيما يضطر البعض إلى الإحجام عن شراء اللحوم والدواجن والأسماك لأنهم لا يملكون المال الكافي لتسديد ثمنها المرتفع مقارنة بالأغذية النباتية.

وتحرّم بعض الديانات حول العالم تناول أصناف من اللحوم، لكن معتنقيها نادرو أو عديمو الوجود في العراق.

تنتمي نور (16 عاماً) إلى فئة النباتيين الذين يتبعون هذا النظام بحثاً عن فوائده الصحية.

تواجه نور ما تواجهه بسمة من صعوبة في إيجاد الطعام النباتي الصرف لدى المطاعم، لذا تكتفي عند ارتيادها مطعماً بطلب أطباق خفيفة متيقنة من أنها مكونة من عناصر نباتية.

ويؤكد عمر البدراني، أحد مسؤولي جمعية طهاة العراق، أن البلاد خالية حتى اليوم من مطعم متخصص بتقديم الأطباق النباتية، باستثناء عدد محدود منها في إقليم كردستان.

وتشكو نور من تعرضها للتنمر باستمرار، إذ تُتهم دائماً بأنها تتصنع الرقي والنمط المخملي كلما أخبرت أحداً بأنها نباتية، ما أشعل جذوة الشعور بالعزلة في داخلها.

“أما أهلي فإنهم يبدون خوفاً مبالغاً فيه إزاء صحتي الجسدية لعدم تناولي اللحوم وسائر المنتجات الحيوانية” قالت لنا.

لكن شموس غانم، الناشطة في مجال التوعية الصحية والغذاء النباتي، تدلي بإحاطة من شأنها تبديد مخاوف ذوي نور إزاء صحتها.

أجرت غانم متابعات حثيثة، أيام اشتداد جائحة كورونا، لتقارير منظمات صحية عالمية، فوجدتها تفيد بأن النباتيين يتمتعون بمناعة متفوقة على من سواهم جعلتهم أقل عرضة للإصابة بالفيروس ومضاعفاته.

وتقول إن الإقبال على الغذاء النباتي ارتفع بعد عام 2020 لزيادة حرص الناس على صحتهم خشية تفشي أوبئة أخرى.

كما تطرقت إلى تقارير ودراسات صادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى تفيد بأن التوجه إلى الغذاء النباتي والاعتماد عليه كمصدر أساسي في التغذية مفيد جداً للبيئة ومقاومة التغيرات المناخية.

وتتفق فرح عبد السلام، الطبيبة المتخصصة بالتغذية، على أن الطعام النباتي مفيد للصحة.

تشير عبد السلام إلى أن ما يميز الأطعمة النباتية هو أنها قليلة الدهون المشبعة والكوليسترول وغنية بالألياف والفيتامينات والدهون غير المشبعة، وهذه كلها لها فوائد كبيرة وصحية للإنسان.

“بينما الطعام الحيواني مليء بالدهون المشبعة والكوليسترول، ما يسبب أضراراً صحية” قالت لـ”جمّار”.

وتضيف الطبيبة أن الشخص النباتي أقل عرضة للإصابة بداء السكري وضغط الدم وأمراض القولون والجهاز الهضمي وألم المفاصل وأمراض الكلى، علاوة على الأمراض السرطانية.

أما بشأن المخاوف من عدم توفر جميع العناصر الضرورية للجسم في النباتات، توضح فرح أن الشخص النباتي يحتاج إلى وجبات خاصة ومتكاملة عن طريق مزجها مع بعض للوصول إلى حد الاغتناء الغذائي المتكامل.

تذكر الفلافل مثالاً على ذلك.

“الفلافل تعد وجبة غنية متكاملة تعوض عن اللحوم” قالت الطبيبة، لافتة إلى أن بعض أنواع البقوليات تحتوي على كميات كبيرة من البروتين، وبالإمكان مزجها بأطعمة أخرى لتنتج غذاء عالي البروتين يغني عن اللحوم.

وفي ما يتعلق بفيتامين “بي تويلف” واليود والكالسيوم والحديد والزنك وفيتامين “دي”، تبين فرح أن هذه العناصر موجودة بنسب منخفضة في النباتات أو مخلوطة بمعادن أخرى، ما يجعل تحليلها صعباً على الجسم، الأمر الذي يستدعي تناول مكملات غذائية أو أقراص فيتامينات لتعويض نقصها.

طلب منخفض

مع أن توافد الزبائن النباتيين على المطاعم لم يعد نادراً، إلا أنها لم تعدّ العدة حتى الآن لتلبية طلباتهم.

ربما ما زالت أعدادهم غير مشجعة لتخصيص قوائم لهم.

بحسب صاحب أحد المطاعم الراقية في بغداد، يأتي إلى المطعم يومياً 10 إلى 15 زبوناً نباتياً.

“أعمارهم تتراوح غالباً بين 20 و30 سنة، تضاف لهم شريحة صغيرة من كبار السن ممن يعانون أمراضاً تمنعهم من تناول اللحوم” قال لـ”جمّار”.

وتبدو محال ومراكز تسوق المواد الغذائية غير مهتمة هي الأخرى كثيراً بالمنتجات النباتية.

يواجه الزبون العراقي صعوبة في الحصول على برغر نباتي أو أجبان نباتية في المحال والـ”ماركتات”، خلافاً لما هو شائع في دول أخرى قريبة أو بعيدة.

ويعزو حسين سلوان، صاحب أحد المراكز التجارية في بغداد، ذلك إلى انخفاض الطلب على هكذا منتجات.

ويقول لـ”جمّار” إن الرائج حالياً منتجات الـ”دايت” لوجود إقبال على شرائها، أما المنتجات النباتية فلم ترتق بعد إلى مستوى العرض لتلبية الطلب.

وبينما يسود ظن بأن قلة التوجه إلى النظام النباتي نابع من أن هذا النظام مكلف وملائم فقط لذوي الدخول المرتفعة، يذهب البدراني إلى أن الأطباق النباتية أرخص في العادة من أطباق اللحوم والدواجن والأسماك.

ويؤيده في هذا الرأي بشير الساعدي المهتم بالشأن الاقتصادي.

حدد الساعدي من خلال متابعاته الشخصية نطاق تمركز النباتيين في الأحياء الراقية داخل بغداد، لكنه لا يربط ذلك بالقدرة الشرائية.

“هؤلاء الناس لا يهتمون بأسعار المواد بقدر اهتمامهم بصحتهم وبالثقافات الجديدة. إنهم يرون أن النظام النباتي مفيد للصحة لذلك يتبعونه” قال الساعدي لـ”جمّار”.

وعلى الرغم من الصعوبات التي تواجهها بسمة ونور لأنهما نباتيتان، إلا أنهما تنصحان بإعادة النظر في مواصلة تناول المنتجات الحيوانية ومحاولة خوض التجربة النباتية، حفاظاً على الصحة والبيئة والتنوع الأحيائي، كما تعبّران.