المثليات العراقيات.. النجاة بهويات مستعارة وحيوات مستترة

حنان سالم

19 كانون الثاني 2023

"بلغت الثلاثين من العمر وكثيراً ما أتعرض للتأنيب حين أرفض الزواج بمن يتقدمون لخطبتي. أفكر كثيراً بالهجرة، فالحلّ الوحيد في هذه الحالة هو الهرب. ما أن يعلم أحد أفراد أسرتي بميولي حتى يتم قتلي من دون أن يرف جفن أحدهم"، رحلة قاسيّة لمثليات يردن "حرية العيش" فقط...

تلجأ روان[1] (22 عاماً) إلى مواقع التواصل الاجتماعي لتعلن عن ميولها الجنسية المثلية عن طريق منشوراتها وتجد أترابها فتخلق مجتمعاً افتراضياً تنتمي إليه. 

في بلد كالعراق، حيث التشدّد الديني والعشائري أصبح نمطاً اجتماعياً سائداً، لا تستطيع روان البوح بهويتها الجنسية الحقيقية.

قد يكلفها ذلك حياتها.

ما يزيد الأمر صعوبة هو أنها تسكن محافظة كربلاء، المعروفة بأنها رقعة دينية مقدسة، ولا سيما لدى الشيعة، وتنتمي لعائلة يغلب عليها الطابع الديني المتشدد.

أردت أن أعرف ما الذي تعانيه النساء المثليات بسبب ميولهن، إلى جانب كل التهميش والتمييز والعنف الأسري ضد المرأة وافتقادها للحماية من قبل المجتمع والدولة.

كان هذا التساؤل نقطة انطلاقي لإنجاز هذا التقرير، حيث لجأتُ إلى مواقع التواصل الاجتماعي للوصول إلى نساء مثليات. أعلنت على صفحتي وعبر التواصل مع آخرين، أني أبحث عن نساء مثليات مستعدات للحديث عن تجاربهنّ من أجل مقالة صحفية. 

لم أكن أتوقع أن أصل الى هذا الكم من المعلومات والتفاصيل حول حياتهن وكيف يتعاطين كل يوم مع المجتمع الذي ينبذهن ويحث على قتلهن.

وكانت روان أول المستجيبات إلى إعلاني المنشور على مواقع التواصل الاجتماعي.

“من واني صغيرة احس اكو شي…”

في 2016 انجذبت صفا (20 عاماً) إلى إحدى زميلاتها في مدرسة من مدارس البصرة حيث تسكن، لكنها لم تكن تعي ما تشعر به، وبعد بحث وقراءات عدة أدركت ميولها، واختارت عدداً من صديقاتها لتخبرهن بأمرها.

“كثيراً ما يهددنا أبي بالسلاح في أبسط المشاكل، فكيف به إذا علم أن ابنته على علاقة بفتاة أخرى؟ أما شقيقي فلا مانع لديه من أن يضربني حتى يكسر أحد عظامي إذا علم بأمري، وأمي بالتأكيد ستحبسني أو تجبرني على الزواج بأول رجل يطرق بابنا”.

“المجتمع بأسره يرانا بلا أخلاق وأسرتي جزء من هذا المجتمع”، قالت صفا.

لا تتخذ صفا عدم الإعلان عن ميولها كخيار شخصيّ، وإنما تحث جميع مثيلاتها على إخفاء ميولهن لئلا يتعرضن لخطر قد يبلغ حد القتل.

لذلك أيضاً تحرص صفا على إخفاء هويتها الجنسية في محيطها المُتديّن.

إذ أن وجود مؤمنين بأن قتل المثليين يمثل تنفيذاً لأحكام الشريعة الإسلامية، رفع مستوى الخطر على حياتهم في الأوساط المتدينة. وكانت هيومن رايتس ووتش قد أظهرت “أن أعمال القتل – التي ترتكب دون دلیل أو محاكمة، على أساس التحیز والأھواء – تنتھك معاییر الشرعیة، والإثبات، والخصوصیة في الشریعة الإسلامیة، ومع ذلك فالعدید من الجماعات المسلحة في العراق تزعم أنھا تنفذ تفسیرھا للشریعة الإسلامیة”. 

أما قمر (18 عاماً) التي ترعرعت وسط عائلة بغدادية محافظة، فقد بدأت تعي شعورها بالانجذاب للفتيات في سن السابعة. حينها كانت تتخيل أنها ستتزوج زميلتها في المدرسة عندما تكبر، وعلى الرغم من أنها لم تشهد زواجاً بين امرأتين، إلا أنها كانت تتعامل مع مشاعرها على أنها طبيعية كما تتذكر، لكنها تأكدت من وجود من يُشبهها في المجتمع، عندما رأت اثنتين من زميلاتها في المدرسة المتوسطة منزويات في المخزن.

“يجب الاعتراف بنا كأشخاص طبيعيين وتشريع قوانين تحمينا وتنظم أوضاعنا”، قالت لنا.

ذكرت عدد من النساء اللواتي قابلتهن التجربة نفسها.. إذ كان شعورهن بمثليتهن جزءاً طبيعياً من طفولتهن، ولم يعرفن أنهن مثليات أو يعرّفن كـ”مثليات” إلا عندما كبرن وانكشفن على تجارب أخريات أو عبر الانترنت.  

ليس الرفض فقط.. وإنما محاولات “التصحيح”

لكن المجتمع ليس فقط يرفض اعتبار شعور النساء المثليات على أنه طبيعي، وينبذه بوصمه “شاذاً”، بل يحاول أن “يصححه” باعتبار أنه فعل خاطئ. “كثيراً ما يُعرض عليّ ما يسمى بالاغتصاب التصحيحي” من قبل الرجال الذين يتابعونها على مواقع التواصل الاجتماعي، قالت لنا روان.

تعرّف لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “إسكوا” الاغتصاب التصحيحي بأنه شكل من أشكال اغتصاب شخص ما على أساس ميوله الجنسية أو هوية النوع الاجتماعي، والغرض منه إجبار الضحية على التوافق مع الجنس الآخر أو هوية النوع الاجتماعي المعيارية.

بتعبير آخر، هو إرغام المرأة المثلية على ممارسة الجنس مع رجل، ظناً بأن ذلك سيؤدي إلى تحويل رغباتها الجسدية نحو الرجال بدلاً من النساء.

“يحاولون استغلالي بهذه الحجة”، قالت روان.

في 1 كانون الأول 2022 دعا مقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي وزعيم التيار الصدري، إلى مليونية تواقيع على عريضة دعا بها “لمناهضة (الشذوذ الجنسي) أو (المجتمع الميمي) بالطرق الأخلاقية والسلمية والدينية”. والتي ادعت بالروح التصحيحية ذاتها، أن هدف الموقعين “توعية وهداية” مجتمع الميم “وعدم انجرارهم للشهوات المحرمة والحرية الشهوية والفوضوية”. 

تعهّد الصدر في العريضة بمناهضة “بلاء” المثلية، بـ”الطرق الأخلاقية والسلمية والدينية وعدم استعمال العنف بشتى أنواعه ضدهم”. ولكن مثل هذه الدعوات مرشحة للتسبب بخروج الأمور عن السيطرة والركون إلى العنف الجسدي والنفسي ضد المثليين والمثليات، إذ أنها تعطي شرعية للمجتمع بأن يحدد ما هو الطبيعي وغير الطبيعي، ولأيٍّ كان أن يهدي ويقوّم ويصحح ويعدل ويصوب بأي طريقة “مناسبة”، سواء كان في البيت، في المدرسة، في الشارع في مراكز الشرطة وحتى في المشافي. 

ولم تكن هذه المرة هي الأولى التي يقوم الصدر فيها بمثل هذه التصريحات. ففي 28 آذار 2020، عندما بدأت جائحة كورونا تنتشر في العالم، وبضمنه العراق، كتب الصدر تدوينة على تويتر قال فيها إن تقنين زواج المثليين من أسباب انتشار الوباء. 

هذا التحريض المستمر أدى لأن يكون العراق واحداً من أخطر الدول على أفراد مجتمع الميم. وفق تقريرها الصادر في آذار 2022أوردت هيومن رايتس ووتش، والتي وثقت فيه كيف أن الجماعات المسلحة في العراق، إلى جانب أفراد، يختطفون ويغتصبون ويُعذّبون ويقتلون أفراد مجتمع الميم، كما يتعرض هؤلاء للمضايقات والعنف من طرف الشرطة وقوات الأمن. وإن كان العنف والخطف وانعدام الأمن يطال العراقيين عامة، ففي “حالة مجتمع المیم، ینبع العنف ویتفاقم بسبب تعبیرھم الجندري”، أكد التقرير. 

ومع أن تركيز مثل هذه التقارير يكون على المثليين الذكور، تواجه المثليات تهديدات مشابهة، من عائلاتهن على أقل تقدير.

عنف أسري ضد المثليات

ولا يقتصر العنف والوعظ والهداية على المجتمع الأوسع، بل يمتدّ إلى المنزل. إذ أن تقرير هيومن رايتس ووتش أكد أن ملاحظة تنامي العنف الأسري ضد أفراد مجتمع الميم في السنوات الأخيرة، لكون “العائلات قد أصبحت على درایة بالخطاب المناھض لمجتمع المیم برعایة الدولة ویواصلون العنف ضد أبنائھم بسبب تعبیرھم الجندري”. 

شاءت الصدف أن تعلم شقيقة قمر الكبرى بميولها.

كانت قمر تتصفح هاتفها ذات يوم، فشاهدت شقيقتها فيه ما يرمز للمثلية، وعندما سألتها صارحتها بميولها تحت وطأة ضغط نفسي هائل.

“اختارت شقيقتي تجاهل الموضوع وكأنها لا تريد أن تصدق الفكرة، ولكن منذ ذلك الحين اقتصرت علاقتها بي على المجاملات فقط”، قالت قمر.

“حين أخبرتها مرة بأنني تعرضت لإساءة جسدية من قبل إحدى الفتيات لم تسألني سوى عن عذريتي، وأصبحت بعدها تتجنبني وكأنني مريضة”.

هذا المستوى من الخطورة دفع صفا (20 عاماً) إلى الإفصاح عن ميولها أمام خمسة أشخاص فقط، منهم شقيقتها التي باتت تتعامل معها على أنها “عديمة أخلاق” وكثيراً ما تعظها لتعود إلى “الطريق الصحيح”. تظاهرت صفا أمام شقيقتها بعد جلسات وعظ عديدة، بأنها تراجعت عن ميولها وابتعدت عن مواقع التواصل الاجتماعي لئلا تبوح بسرها أمام والدها.

تقول لنا “أتمنى من الكل ان يتقبل فكرة الاختلاف.. الانسان ما إنولد حتى يكون نسخة من عائلته او أي احد ثاني.. خلوا عائلتكم ابناءكم وبنتاكم يتنفسون ويجربون ويفكرون بنفسهم ويتخذون قرارتهم بحياتهم بنفسهم وتقبلوهم حبوهم مثل ما هم مو مثل ما تردون”.

أما ميم، التي حققت طموحها بأن تعمل في مجال الإعلام وأكملت دراستها في كلية الإعلام منذ ثماني سنوات، تعاني من محاولات أهلها لتزويجها وتضييق خناق حريتها كلما تقدم بها العمر.

“بلغت الثلاثين من العمر وكثيراً ما أتعرض للتأنيب حين أرفض الزواج بمن يتقدمون لخطبتي. أفكر كثيراً بالهجرة، فالحل الوحيد في هذه الحالة هو الهرب. ما أن يعلم أحد أفراد أسرتي بميولي حتى يتم قتلي من دون أن يرف جفن أحدهم”.

تعيش ميم في محافظة بابل، ولا تعدّ ميولها التي بدأت بالظهور في سن 12 عاماً، عائقاً أمامها ما دامت سراً في داخلها، لكنها تتمنى أن يتقبل المجتمع حقيقة ميولها وأن يتم احتواء مثيلاتها من قبل أسرهن.

الحال نفسها في كردستان

لا يختلف الوضع في كردستان، فمنذ طفولتها تشعر ياسة (17 عاماً)، التي تسكن في أربيل، بأنها تختلف عن قريناتها. كانت تعرضت للاعتداء الجنسي من قبل شقيقها منذ كانت في السادسة من العمر ولمدة ثماني سنوات.

لم تكن تجرؤ على إخبار والديها، لكنها هددته في النهاية بأن تفضح أمره. “أكره الرجال بسبب أخي وأبي، فالأول شوه طفولتي والثاني يسلبني حريتي وأبسط حقوقي”، قالت ياسة.

قبل عامين فقط اكتشفت أن هناك من تماثلها من النساء، وأن ميولها المثلية “هو شي طبيعي ومو غلط وحق لكل شخص يعيش مثل ما يريد”، قالت لنا.

لا يعلم بأمرها سوى بعض من رفيقاتها في المدرسة اللواتي يعلمن بما تعرضت له، وتحرص على أن لا يُكشف أمرها أمام أهلها، فقد تواجه عواقب وخيمة قد تصل إلى التزويج قسراً بسبب تزمت عائلتها وضيق مساحة الحرية للفتيات فيها.

“ما أن تُذكر فتاة مثلية الجنس أمام أحدهم في كردستان حتى يبدأ بالسب والشتم وكيل أبشع التهم، مهما كانت ذات سمعة جيدة”.

تبدي ياسة خوفها من فكرة قبول ذويها بأي شخص قد يقدم على خطبتها وتفضل الموت على أن تتزوج برجل، بحسب ما تقول.

طب متواطئ

حتى سبعينيات القرن الماضي كان التعامل في الأوساط العلمية مع المثلية الجنسية على أنها اضطراب نفسي.

في عام 1973 ألغت الجمعية الأميركية للأطباء النفسيين تصنيف المثلية الجنسية كاضطراب نفسي واعتبرتها شكلا من أشكال التوجه الجنسي عند البشر. تلتها في ذلك جمعية علم النفس الأميركية عام 1975 ومنظمة الصحة العالمية عام 1990.

بعد سنوات من التعنيف الذي يعد أسلوب تربية في عائلتها، قررت بيڤين (19 عاماً) أن تلجأ إلى إحدى المنظمات المعنية بشؤون المثليين في أربيل، فخرجت ذات يوم من مدرستها متجهة إلى هناك..

لم تتمكّن بيڤين من الوصول إلى منظمة قد تستطيع مساعدتها، وبدلاً عن ذلك صارت في غرفة الاستجواب لدى الشرطة. 

احتجزتها الشرطة في إحدى نقاط التفتيش، واتصلت بأهلها بسبب صغر سنها.

تروي تفاصيل هروبها قائلة “لم أخطط للأمر بشكل جيد، حين استجوبني رجال الشرطة قلت لهم إنني أتعرض للتعنيف ولم أذكر أمر ميولي، فقد علمت أنهم سيعيدونني إلى أهلي. إن علم أبي بميولي فلن يتردد في تعذيبي حتى الموت”.

تعهّد والداها أمام الشرطة بعدم تعنيفها مرة أخرى، وظلت في حالة انهيار عصبي أياماً عدة.

“لم يعنفونني بعدها خوفاً من أن أكرر الهروب وينفضح أمر هروبي في منطقتنا، فنحن ننتمي إلى قومية الشبك المعروفة بتزمتها وتشددها خصوصاً في ما يخص النساء”، قالت بيڤين.

اصطحبتها والدتها إلى طبيب نفسي لاعتقادها بأن مثليّة ابنتها مرض يمكن علاجه. بيڤين، بدورها، أخبرت الطبيب بميولها منذ الجلسة العلاجية الأولى.

بعد جلسات عدة، جاء تشخيص الطبيب بأنها مصابة بمرض الانفصام الذهني الحاد، وأخبرها بأن المثلية الجنسية جزء من مرضها وأنها ستزول بانتظامها في تعاطي أدويتها.

اضطرت بعدها إلى ترك المدرسة والاتجاه إلى الدراسة الخارجية بسبب كثرة الأدوية التي سببت لها نوبات نوم طويلة. 

بعد ثلاث سنوات من العلاج اكتشفت بيڤين أن أدويتها لم تكن سوى مثبطات للنشاط الجنسي تعمل على تقليل رغبتها الجنسية.

تضيف “بحثت بالصدفة عن الأدوية التي أتناولها على شبكة الإنترنيت، فقد سببت لي شللا في حياتي وتركت دراستي بسببها. صُدمت حين قرأت أعراض تلك الأدوية. لقد وثقت بالطبيب وأخبرته بما أشعر، ولا أستبعد أنه أخبر أمي لأنها على تواصل دائم معه”.

لم تسهم شبكة الانترنيت في معرفتها بطبيعة الأدوية التي تتناولها فقط، بل كانت طريقها نحو التعرف على هوية ميولها، تقول “كنت ومنذ طفولتي اشعر بانجذاب نحو الفتيات لكنني لم أعرف أن هذا الامر طبيعي حتى تعرفت على مصطلح lesbian والمثلية عام 2018. قبل ذلك لم اسمع بهذه المصطلحات ولم أعلم بوجود شبيهاتي”.

تستدرك حديثها وتقول “لست مريضة. المثلية ليست مرضا ولا قلة تربية. لم تغيّر الأدوية شيئا. أنا إنسانة ولي كياني. لا أريد أن أجبر نفسي على التغيّر من أجل إرضائهم”.

الاخصائي النفسي وسام الذنون يؤكد أن المثلية الجنسية في العراق مازالت تُعامل معاملة الاضطرابات النفسية، وأنه يتم تدريب الأطباء على علاجها من خلال جلسات العلاج النفسي، بشكل نظري في الغالب لندرة حضور المثليين والمثليات الى العيادات الاستشارية الحكومية التي يتم تدريب الأطباء فيها، إذ يفضلون زيارة العيادات الخاصة. 

لا حماية قانونية

يواجه مجتمع الميم تحدياتٍ قانونية عدة وتهميشاً لا يواجهه غيرهم من شرائح المجتمع العراقي، وتقاعساً من الحكومة العراقية في توفير الحماية لهم.

في عام 2012 شكلت مفوضية حقوق الإنسان لجنة متخصصة بشؤون العابرين جنسياً، “ولكن لا توجد لجنة تخص شؤون المثليين”، أفاد أنس العزاوي عضو مفوضية حقوق الإنسان سابقاً.

تؤكد الحقوقية والمدافعة عن حقوق المرأة نورس حسين عدم وجود أي مادة قانونية في الدستور العراقي تحفظ للمثليين حقوقهم أو تحميهم من الانتهاكات التي يتعرضون لها.

“على العكس، فزواج المثليين يندرج تحت المادة 376 من قانون العقوبات 111 لعام 1969 النافذ لغاية الآن، والتي تنص على أن يُعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس، كل من توصل إلى عقد زواج له مع علمه ببطلانه لأي سبب من أسباب البطلان شرعا أو قانونا وكل من تولى إجراء هذا العقد مع علمه بسبب بطلان الزواج”، قالت حسين.

علاوة على ذلك تنص المادة 401 من القانون ذاته على المعاقبة “بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين ديناراً أو بإحدى هاتين العقوبتين من أتى علانية عملاً مخلاً بالحياء”، والذي قد يُطبق لتجريم العلاقات المثلية (بالتراضي)؛ علماً بأن القانون لا يدرج المثلية ضمن “الأعمال المخلة بالحياء”. 

كما تتزايد التحركات على الصعيد التشريعي لتجريم المثلية بشكل علني، فقد أعلنت اللجنة القانونية البرلمانية في تموز 2022 عن وجود “تحرك نيابي لتشريع قانون يحظر المثلية في العراق”. وفي أيلول 2022، قدم أعضاء في حكومة إقليم كردستان العراق إلى البرلمان مشروع قانون لحظر الدعوة إلى المثلية، والذي بموجبه يُعاقب، بالسجن وبدفع غرامة، أي فرد أو مجموعة تدافع عن حقوق أفراد مجتمع الميم، كما يُعلّق تراخيص شركات الإعلام ومنظمات المجتمع المدني التي “تدعو إلى المثلية الجنسية”.

وفي إطار حقوق مجتمع الميم في إقليم كردستان بعثت منظمة هيومن رايتس وتش برسالة الى حكومة الإقليم حول التدابير الخاصة التي اتخذتها حكومة منطقة الحكم الذاتي للحد من الهجمات على أفراد مجتمع المیم بالإضافة إلى النشطاء الذين يعملون على مواضيع حول الجندرة والجنسانية. 

فردت حكومة الإقليم بعدم تلقيها بلاغات بشأن حوادث على المثليين، فيما أكدت أن الدفاع عن المثلیة الجنسیة یظل عملاً غیر قانوني ضمن الحدود التشریعیة.

بينما تسعى الكتل السياسية العراقية المختلفة لتشريع قوانين تحظر المثلية الجنسية، تقول ياسة، لسان حال مثليات أخريات، “أقصى ما أطمح إليه أن أعيش حياتي من دون تصنّع وخوف، من دون أن أضطر إلى إخفاء حقيقتي. كل ما أريده هو عيش حياتي بهدوء”. 

وفي سؤالنا لقمر عمّا ممكن أن يغير نظرة المجتمع للمثليات والمثليين، قالت “ما أعتقد أكو شي حيغير رأيهم (الناس).. بس اذا الحكومات سوت قوانين تحمي هذه الفئات حينجبرون يتقبلون الاختلاف ويصير طبيعي”. 


[1]  جميع الأسماء في المقالة هي مستعارة لحماية المتحدثات. 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

تلجأ روان[1] (22 عاماً) إلى مواقع التواصل الاجتماعي لتعلن عن ميولها الجنسية المثلية عن طريق منشوراتها وتجد أترابها فتخلق مجتمعاً افتراضياً تنتمي إليه. 

في بلد كالعراق، حيث التشدّد الديني والعشائري أصبح نمطاً اجتماعياً سائداً، لا تستطيع روان البوح بهويتها الجنسية الحقيقية.

قد يكلفها ذلك حياتها.

ما يزيد الأمر صعوبة هو أنها تسكن محافظة كربلاء، المعروفة بأنها رقعة دينية مقدسة، ولا سيما لدى الشيعة، وتنتمي لعائلة يغلب عليها الطابع الديني المتشدد.

أردت أن أعرف ما الذي تعانيه النساء المثليات بسبب ميولهن، إلى جانب كل التهميش والتمييز والعنف الأسري ضد المرأة وافتقادها للحماية من قبل المجتمع والدولة.

كان هذا التساؤل نقطة انطلاقي لإنجاز هذا التقرير، حيث لجأتُ إلى مواقع التواصل الاجتماعي للوصول إلى نساء مثليات. أعلنت على صفحتي وعبر التواصل مع آخرين، أني أبحث عن نساء مثليات مستعدات للحديث عن تجاربهنّ من أجل مقالة صحفية. 

لم أكن أتوقع أن أصل الى هذا الكم من المعلومات والتفاصيل حول حياتهن وكيف يتعاطين كل يوم مع المجتمع الذي ينبذهن ويحث على قتلهن.

وكانت روان أول المستجيبات إلى إعلاني المنشور على مواقع التواصل الاجتماعي.

“من واني صغيرة احس اكو شي…”

في 2016 انجذبت صفا (20 عاماً) إلى إحدى زميلاتها في مدرسة من مدارس البصرة حيث تسكن، لكنها لم تكن تعي ما تشعر به، وبعد بحث وقراءات عدة أدركت ميولها، واختارت عدداً من صديقاتها لتخبرهن بأمرها.

“كثيراً ما يهددنا أبي بالسلاح في أبسط المشاكل، فكيف به إذا علم أن ابنته على علاقة بفتاة أخرى؟ أما شقيقي فلا مانع لديه من أن يضربني حتى يكسر أحد عظامي إذا علم بأمري، وأمي بالتأكيد ستحبسني أو تجبرني على الزواج بأول رجل يطرق بابنا”.

“المجتمع بأسره يرانا بلا أخلاق وأسرتي جزء من هذا المجتمع”، قالت صفا.

لا تتخذ صفا عدم الإعلان عن ميولها كخيار شخصيّ، وإنما تحث جميع مثيلاتها على إخفاء ميولهن لئلا يتعرضن لخطر قد يبلغ حد القتل.

لذلك أيضاً تحرص صفا على إخفاء هويتها الجنسية في محيطها المُتديّن.

إذ أن وجود مؤمنين بأن قتل المثليين يمثل تنفيذاً لأحكام الشريعة الإسلامية، رفع مستوى الخطر على حياتهم في الأوساط المتدينة. وكانت هيومن رايتس ووتش قد أظهرت “أن أعمال القتل – التي ترتكب دون دلیل أو محاكمة، على أساس التحیز والأھواء – تنتھك معاییر الشرعیة، والإثبات، والخصوصیة في الشریعة الإسلامیة، ومع ذلك فالعدید من الجماعات المسلحة في العراق تزعم أنھا تنفذ تفسیرھا للشریعة الإسلامیة”. 

أما قمر (18 عاماً) التي ترعرعت وسط عائلة بغدادية محافظة، فقد بدأت تعي شعورها بالانجذاب للفتيات في سن السابعة. حينها كانت تتخيل أنها ستتزوج زميلتها في المدرسة عندما تكبر، وعلى الرغم من أنها لم تشهد زواجاً بين امرأتين، إلا أنها كانت تتعامل مع مشاعرها على أنها طبيعية كما تتذكر، لكنها تأكدت من وجود من يُشبهها في المجتمع، عندما رأت اثنتين من زميلاتها في المدرسة المتوسطة منزويات في المخزن.

“يجب الاعتراف بنا كأشخاص طبيعيين وتشريع قوانين تحمينا وتنظم أوضاعنا”، قالت لنا.

ذكرت عدد من النساء اللواتي قابلتهن التجربة نفسها.. إذ كان شعورهن بمثليتهن جزءاً طبيعياً من طفولتهن، ولم يعرفن أنهن مثليات أو يعرّفن كـ”مثليات” إلا عندما كبرن وانكشفن على تجارب أخريات أو عبر الانترنت.  

ليس الرفض فقط.. وإنما محاولات “التصحيح”

لكن المجتمع ليس فقط يرفض اعتبار شعور النساء المثليات على أنه طبيعي، وينبذه بوصمه “شاذاً”، بل يحاول أن “يصححه” باعتبار أنه فعل خاطئ. “كثيراً ما يُعرض عليّ ما يسمى بالاغتصاب التصحيحي” من قبل الرجال الذين يتابعونها على مواقع التواصل الاجتماعي، قالت لنا روان.

تعرّف لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “إسكوا” الاغتصاب التصحيحي بأنه شكل من أشكال اغتصاب شخص ما على أساس ميوله الجنسية أو هوية النوع الاجتماعي، والغرض منه إجبار الضحية على التوافق مع الجنس الآخر أو هوية النوع الاجتماعي المعيارية.

بتعبير آخر، هو إرغام المرأة المثلية على ممارسة الجنس مع رجل، ظناً بأن ذلك سيؤدي إلى تحويل رغباتها الجسدية نحو الرجال بدلاً من النساء.

“يحاولون استغلالي بهذه الحجة”، قالت روان.

في 1 كانون الأول 2022 دعا مقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي وزعيم التيار الصدري، إلى مليونية تواقيع على عريضة دعا بها “لمناهضة (الشذوذ الجنسي) أو (المجتمع الميمي) بالطرق الأخلاقية والسلمية والدينية”. والتي ادعت بالروح التصحيحية ذاتها، أن هدف الموقعين “توعية وهداية” مجتمع الميم “وعدم انجرارهم للشهوات المحرمة والحرية الشهوية والفوضوية”. 

تعهّد الصدر في العريضة بمناهضة “بلاء” المثلية، بـ”الطرق الأخلاقية والسلمية والدينية وعدم استعمال العنف بشتى أنواعه ضدهم”. ولكن مثل هذه الدعوات مرشحة للتسبب بخروج الأمور عن السيطرة والركون إلى العنف الجسدي والنفسي ضد المثليين والمثليات، إذ أنها تعطي شرعية للمجتمع بأن يحدد ما هو الطبيعي وغير الطبيعي، ولأيٍّ كان أن يهدي ويقوّم ويصحح ويعدل ويصوب بأي طريقة “مناسبة”، سواء كان في البيت، في المدرسة، في الشارع في مراكز الشرطة وحتى في المشافي. 

ولم تكن هذه المرة هي الأولى التي يقوم الصدر فيها بمثل هذه التصريحات. ففي 28 آذار 2020، عندما بدأت جائحة كورونا تنتشر في العالم، وبضمنه العراق، كتب الصدر تدوينة على تويتر قال فيها إن تقنين زواج المثليين من أسباب انتشار الوباء. 

هذا التحريض المستمر أدى لأن يكون العراق واحداً من أخطر الدول على أفراد مجتمع الميم. وفق تقريرها الصادر في آذار 2022أوردت هيومن رايتس ووتش، والتي وثقت فيه كيف أن الجماعات المسلحة في العراق، إلى جانب أفراد، يختطفون ويغتصبون ويُعذّبون ويقتلون أفراد مجتمع الميم، كما يتعرض هؤلاء للمضايقات والعنف من طرف الشرطة وقوات الأمن. وإن كان العنف والخطف وانعدام الأمن يطال العراقيين عامة، ففي “حالة مجتمع المیم، ینبع العنف ویتفاقم بسبب تعبیرھم الجندري”، أكد التقرير. 

ومع أن تركيز مثل هذه التقارير يكون على المثليين الذكور، تواجه المثليات تهديدات مشابهة، من عائلاتهن على أقل تقدير.

عنف أسري ضد المثليات

ولا يقتصر العنف والوعظ والهداية على المجتمع الأوسع، بل يمتدّ إلى المنزل. إذ أن تقرير هيومن رايتس ووتش أكد أن ملاحظة تنامي العنف الأسري ضد أفراد مجتمع الميم في السنوات الأخيرة، لكون “العائلات قد أصبحت على درایة بالخطاب المناھض لمجتمع المیم برعایة الدولة ویواصلون العنف ضد أبنائھم بسبب تعبیرھم الجندري”. 

شاءت الصدف أن تعلم شقيقة قمر الكبرى بميولها.

كانت قمر تتصفح هاتفها ذات يوم، فشاهدت شقيقتها فيه ما يرمز للمثلية، وعندما سألتها صارحتها بميولها تحت وطأة ضغط نفسي هائل.

“اختارت شقيقتي تجاهل الموضوع وكأنها لا تريد أن تصدق الفكرة، ولكن منذ ذلك الحين اقتصرت علاقتها بي على المجاملات فقط”، قالت قمر.

“حين أخبرتها مرة بأنني تعرضت لإساءة جسدية من قبل إحدى الفتيات لم تسألني سوى عن عذريتي، وأصبحت بعدها تتجنبني وكأنني مريضة”.

هذا المستوى من الخطورة دفع صفا (20 عاماً) إلى الإفصاح عن ميولها أمام خمسة أشخاص فقط، منهم شقيقتها التي باتت تتعامل معها على أنها “عديمة أخلاق” وكثيراً ما تعظها لتعود إلى “الطريق الصحيح”. تظاهرت صفا أمام شقيقتها بعد جلسات وعظ عديدة، بأنها تراجعت عن ميولها وابتعدت عن مواقع التواصل الاجتماعي لئلا تبوح بسرها أمام والدها.

تقول لنا “أتمنى من الكل ان يتقبل فكرة الاختلاف.. الانسان ما إنولد حتى يكون نسخة من عائلته او أي احد ثاني.. خلوا عائلتكم ابناءكم وبنتاكم يتنفسون ويجربون ويفكرون بنفسهم ويتخذون قرارتهم بحياتهم بنفسهم وتقبلوهم حبوهم مثل ما هم مو مثل ما تردون”.

أما ميم، التي حققت طموحها بأن تعمل في مجال الإعلام وأكملت دراستها في كلية الإعلام منذ ثماني سنوات، تعاني من محاولات أهلها لتزويجها وتضييق خناق حريتها كلما تقدم بها العمر.

“بلغت الثلاثين من العمر وكثيراً ما أتعرض للتأنيب حين أرفض الزواج بمن يتقدمون لخطبتي. أفكر كثيراً بالهجرة، فالحل الوحيد في هذه الحالة هو الهرب. ما أن يعلم أحد أفراد أسرتي بميولي حتى يتم قتلي من دون أن يرف جفن أحدهم”.

تعيش ميم في محافظة بابل، ولا تعدّ ميولها التي بدأت بالظهور في سن 12 عاماً، عائقاً أمامها ما دامت سراً في داخلها، لكنها تتمنى أن يتقبل المجتمع حقيقة ميولها وأن يتم احتواء مثيلاتها من قبل أسرهن.

الحال نفسها في كردستان

لا يختلف الوضع في كردستان، فمنذ طفولتها تشعر ياسة (17 عاماً)، التي تسكن في أربيل، بأنها تختلف عن قريناتها. كانت تعرضت للاعتداء الجنسي من قبل شقيقها منذ كانت في السادسة من العمر ولمدة ثماني سنوات.

لم تكن تجرؤ على إخبار والديها، لكنها هددته في النهاية بأن تفضح أمره. “أكره الرجال بسبب أخي وأبي، فالأول شوه طفولتي والثاني يسلبني حريتي وأبسط حقوقي”، قالت ياسة.

قبل عامين فقط اكتشفت أن هناك من تماثلها من النساء، وأن ميولها المثلية “هو شي طبيعي ومو غلط وحق لكل شخص يعيش مثل ما يريد”، قالت لنا.

لا يعلم بأمرها سوى بعض من رفيقاتها في المدرسة اللواتي يعلمن بما تعرضت له، وتحرص على أن لا يُكشف أمرها أمام أهلها، فقد تواجه عواقب وخيمة قد تصل إلى التزويج قسراً بسبب تزمت عائلتها وضيق مساحة الحرية للفتيات فيها.

“ما أن تُذكر فتاة مثلية الجنس أمام أحدهم في كردستان حتى يبدأ بالسب والشتم وكيل أبشع التهم، مهما كانت ذات سمعة جيدة”.

تبدي ياسة خوفها من فكرة قبول ذويها بأي شخص قد يقدم على خطبتها وتفضل الموت على أن تتزوج برجل، بحسب ما تقول.

طب متواطئ

حتى سبعينيات القرن الماضي كان التعامل في الأوساط العلمية مع المثلية الجنسية على أنها اضطراب نفسي.

في عام 1973 ألغت الجمعية الأميركية للأطباء النفسيين تصنيف المثلية الجنسية كاضطراب نفسي واعتبرتها شكلا من أشكال التوجه الجنسي عند البشر. تلتها في ذلك جمعية علم النفس الأميركية عام 1975 ومنظمة الصحة العالمية عام 1990.

بعد سنوات من التعنيف الذي يعد أسلوب تربية في عائلتها، قررت بيڤين (19 عاماً) أن تلجأ إلى إحدى المنظمات المعنية بشؤون المثليين في أربيل، فخرجت ذات يوم من مدرستها متجهة إلى هناك..

لم تتمكّن بيڤين من الوصول إلى منظمة قد تستطيع مساعدتها، وبدلاً عن ذلك صارت في غرفة الاستجواب لدى الشرطة. 

احتجزتها الشرطة في إحدى نقاط التفتيش، واتصلت بأهلها بسبب صغر سنها.

تروي تفاصيل هروبها قائلة “لم أخطط للأمر بشكل جيد، حين استجوبني رجال الشرطة قلت لهم إنني أتعرض للتعنيف ولم أذكر أمر ميولي، فقد علمت أنهم سيعيدونني إلى أهلي. إن علم أبي بميولي فلن يتردد في تعذيبي حتى الموت”.

تعهّد والداها أمام الشرطة بعدم تعنيفها مرة أخرى، وظلت في حالة انهيار عصبي أياماً عدة.

“لم يعنفونني بعدها خوفاً من أن أكرر الهروب وينفضح أمر هروبي في منطقتنا، فنحن ننتمي إلى قومية الشبك المعروفة بتزمتها وتشددها خصوصاً في ما يخص النساء”، قالت بيڤين.

اصطحبتها والدتها إلى طبيب نفسي لاعتقادها بأن مثليّة ابنتها مرض يمكن علاجه. بيڤين، بدورها، أخبرت الطبيب بميولها منذ الجلسة العلاجية الأولى.

بعد جلسات عدة، جاء تشخيص الطبيب بأنها مصابة بمرض الانفصام الذهني الحاد، وأخبرها بأن المثلية الجنسية جزء من مرضها وأنها ستزول بانتظامها في تعاطي أدويتها.

اضطرت بعدها إلى ترك المدرسة والاتجاه إلى الدراسة الخارجية بسبب كثرة الأدوية التي سببت لها نوبات نوم طويلة. 

بعد ثلاث سنوات من العلاج اكتشفت بيڤين أن أدويتها لم تكن سوى مثبطات للنشاط الجنسي تعمل على تقليل رغبتها الجنسية.

تضيف “بحثت بالصدفة عن الأدوية التي أتناولها على شبكة الإنترنيت، فقد سببت لي شللا في حياتي وتركت دراستي بسببها. صُدمت حين قرأت أعراض تلك الأدوية. لقد وثقت بالطبيب وأخبرته بما أشعر، ولا أستبعد أنه أخبر أمي لأنها على تواصل دائم معه”.

لم تسهم شبكة الانترنيت في معرفتها بطبيعة الأدوية التي تتناولها فقط، بل كانت طريقها نحو التعرف على هوية ميولها، تقول “كنت ومنذ طفولتي اشعر بانجذاب نحو الفتيات لكنني لم أعرف أن هذا الامر طبيعي حتى تعرفت على مصطلح lesbian والمثلية عام 2018. قبل ذلك لم اسمع بهذه المصطلحات ولم أعلم بوجود شبيهاتي”.

تستدرك حديثها وتقول “لست مريضة. المثلية ليست مرضا ولا قلة تربية. لم تغيّر الأدوية شيئا. أنا إنسانة ولي كياني. لا أريد أن أجبر نفسي على التغيّر من أجل إرضائهم”.

الاخصائي النفسي وسام الذنون يؤكد أن المثلية الجنسية في العراق مازالت تُعامل معاملة الاضطرابات النفسية، وأنه يتم تدريب الأطباء على علاجها من خلال جلسات العلاج النفسي، بشكل نظري في الغالب لندرة حضور المثليين والمثليات الى العيادات الاستشارية الحكومية التي يتم تدريب الأطباء فيها، إذ يفضلون زيارة العيادات الخاصة. 

لا حماية قانونية

يواجه مجتمع الميم تحدياتٍ قانونية عدة وتهميشاً لا يواجهه غيرهم من شرائح المجتمع العراقي، وتقاعساً من الحكومة العراقية في توفير الحماية لهم.

في عام 2012 شكلت مفوضية حقوق الإنسان لجنة متخصصة بشؤون العابرين جنسياً، “ولكن لا توجد لجنة تخص شؤون المثليين”، أفاد أنس العزاوي عضو مفوضية حقوق الإنسان سابقاً.

تؤكد الحقوقية والمدافعة عن حقوق المرأة نورس حسين عدم وجود أي مادة قانونية في الدستور العراقي تحفظ للمثليين حقوقهم أو تحميهم من الانتهاكات التي يتعرضون لها.

“على العكس، فزواج المثليين يندرج تحت المادة 376 من قانون العقوبات 111 لعام 1969 النافذ لغاية الآن، والتي تنص على أن يُعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس، كل من توصل إلى عقد زواج له مع علمه ببطلانه لأي سبب من أسباب البطلان شرعا أو قانونا وكل من تولى إجراء هذا العقد مع علمه بسبب بطلان الزواج”، قالت حسين.

علاوة على ذلك تنص المادة 401 من القانون ذاته على المعاقبة “بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين ديناراً أو بإحدى هاتين العقوبتين من أتى علانية عملاً مخلاً بالحياء”، والذي قد يُطبق لتجريم العلاقات المثلية (بالتراضي)؛ علماً بأن القانون لا يدرج المثلية ضمن “الأعمال المخلة بالحياء”. 

كما تتزايد التحركات على الصعيد التشريعي لتجريم المثلية بشكل علني، فقد أعلنت اللجنة القانونية البرلمانية في تموز 2022 عن وجود “تحرك نيابي لتشريع قانون يحظر المثلية في العراق”. وفي أيلول 2022، قدم أعضاء في حكومة إقليم كردستان العراق إلى البرلمان مشروع قانون لحظر الدعوة إلى المثلية، والذي بموجبه يُعاقب، بالسجن وبدفع غرامة، أي فرد أو مجموعة تدافع عن حقوق أفراد مجتمع الميم، كما يُعلّق تراخيص شركات الإعلام ومنظمات المجتمع المدني التي “تدعو إلى المثلية الجنسية”.

وفي إطار حقوق مجتمع الميم في إقليم كردستان بعثت منظمة هيومن رايتس وتش برسالة الى حكومة الإقليم حول التدابير الخاصة التي اتخذتها حكومة منطقة الحكم الذاتي للحد من الهجمات على أفراد مجتمع المیم بالإضافة إلى النشطاء الذين يعملون على مواضيع حول الجندرة والجنسانية. 

فردت حكومة الإقليم بعدم تلقيها بلاغات بشأن حوادث على المثليين، فيما أكدت أن الدفاع عن المثلیة الجنسیة یظل عملاً غیر قانوني ضمن الحدود التشریعیة.

بينما تسعى الكتل السياسية العراقية المختلفة لتشريع قوانين تحظر المثلية الجنسية، تقول ياسة، لسان حال مثليات أخريات، “أقصى ما أطمح إليه أن أعيش حياتي من دون تصنّع وخوف، من دون أن أضطر إلى إخفاء حقيقتي. كل ما أريده هو عيش حياتي بهدوء”. 

وفي سؤالنا لقمر عمّا ممكن أن يغير نظرة المجتمع للمثليات والمثليين، قالت “ما أعتقد أكو شي حيغير رأيهم (الناس).. بس اذا الحكومات سوت قوانين تحمي هذه الفئات حينجبرون يتقبلون الاختلاف ويصير طبيعي”. 


[1]  جميع الأسماء في المقالة هي مستعارة لحماية المتحدثات.