جرافات "العصائب" تنهش دجلة الموصل

رحمن إبراهيم

22 كانون الأول 2022

نحو 50 مقلعاً تنتشر وسط وعلى ضفاف نهر دجلة في مدينة الموصل. الآلات العملاقة تهدّد النهر بالجفاف، وتجعل الأحياء المائية مُعرّضة للانقراض.. لكن الأموال، والهيمنة، والتوق للعودة والإعمار.. كل هذه مفاتيح تجعل مكائن وجرافات كبيرة مستمرة بنهش دجلة وتهديد مستقبله..

تنهش عشرات الحفارات والجرّافات ضفتي نهر دجلة على امتداد مساره داخل مدينة الموصل.

تستخرج هذه الآلات الحجر والرمل من جوانب وأعماق النهر الذي يواجه تهديداً حقيقياً بالجفاف.

كل يوم، وبعد أن تُفرِغ المقالع محتويات جانبي دجلة لتستخدَم بعد ذلك في إنتاج مواد إنشائية للبناء، يمتد لسان ترابي يبدو واضحاً للعيان، ويمكن مشاهدته جلياً وسط مجرى النهر.

تجري عمليّة تشويه دجلة وسحب روحه منه على مرأى من المواطنين وحتى المسؤولين، لكنّ قلّة من يمكنهم الإشهار بالرفض.

ذلك أن ثمة لاعبين يقلبان المُعادلة: “الذهب” والفصائل”.

وأينما وُجد الذهب، وُجدت الفصائل. وبوجود هذين اللاعبين، لا بدّ وأن يحضر الخوف وينتشر بين البشر كالعدوى.  

بداية الحكاية  

في تموز 2017، اندحر تنظيم “داعش” من مدينة الموصل، مخلّفاً خراباً ما زال يستوطن فيها حتى اللحظة.  

كانت كلفة تخليص الموصل من التنظيم الجهادي عالية جدّاً. بعض أجزاء المدينة تدمّرت عن بكرة أبيها، وبعضها الآخر تضرّر إلى حدّ كبير. والناس، بدورها، فقط أرادت العودة بعد سنوات من نزوح مضنٍ ترك أثراً عميقاً في أرواحهم وأجسادهم.

ازدادت أعداد العائدين، ومعها ازدادت حركة الإعمار والطلب على المواد الإنشائية، أدى إلى ارتفاع أسعارها “بنسبة 59 بالمئة”، كما أخبرنا سليمان حميد، وهو مقاول من الموصل.  

في مقابل هذا الارتفاع بالطلب، كان العرض قليلا.

تنبّه فصيل عصائب أهل الحقّ لهذا النقص، فأخذ بإنشاء مقالع  للحصى والرمل على ضفاف نهر دجلة، وهكذا بدأت التجارة.

كانت العصائب إحدى الفصائل التي قاتلت في الموصل لتحريرها من قبضة “داعش”، وتحوّلت بعد ذلك إلى لاعب أساسي في إدارة المدينة أمنياً وسياسياً واقتصادياً.

صورة للجزر التي بدأت تظهر وسط دجلة، وفي العمق تظهر جرافة تعود لإحدى المقالع. التقطت الصورة في تشرين الأول الماضي.

بين 2017 و2019، أدارت عصائب أهل الحق عمليّة انتشار المقالع في الموصل بشكل كامل.  

“حفّارات المقالع تخرج ذهباً”، قال موظف بدرجة إدارية في دائرة الموارد المائية في الموصل، في إجابة على سؤال أرباح هذه المقالع.

لا يملك فصيل عصائب أهل الحق هذه المقالع، وإنما هو من يديرها ويوفّر الحماية لها، مقابل أن يحصل على نسبة شهرية من أرباح كل مقلع، أو أن يُحدّد مبلغ مقطوع من من ملاكّه.

تقع مهّمة إدارة الشؤون الاقتصادية للعصائب على لجنة مشكّلة في المدينة تحت اسم “المكتب الاقتصادي”. الأسماء الوحيدة، تقريباً، المعروفة من هذه اللجنة هم: عمر رياض عبدالله، محمد صلاح حسن، ربيع رياض عبدالله، عبدالعزيز عبدالستار راشد.

كان الناس يأتون إلى أعضاء اللجنة في الموصل، ليخبروهم عن مكان نصب المقلع، ومن ثم يتحدّد المبلغ الشهري الذي سيمنح للعصائب، وهكذا تنتهي الصفقة وينتصب مقلعاً جديداً في دجلة.

في يوم محدد في نهاية الشهر، تأتي سيّارة تابعة للعصائب وتدور بين المقالع وتأخذ حصّتها.

لم يتحدّث أحد من الشهود عن المبالغ الشهرية التي جمعت من المقالع.

وصلت حفارات المقالع إلى الجزرات التي صارت تنمو فوق نهر دجلة بسبب انخفاض مناسيب النهر.

في عام 2020 أخذت مديرية الموارد المائية في نينوى تُدير عمليّة تنظيم هذه المقالع، لكنها لم تتخذ طريقاً مغايراً يحافظ على نهر دجلة.

ظلّت المديرية والعصائب تقتسمان العمل، الأولى تنظّم العمل القانوني، بينما تدير الثانية العمل الميداني.

الأرباح

لم تعتبر مديرية الموارد المائية ظهور جزرات وسط نهلة دجلة مؤشراً خطيراً على مستقبل النهر، فقد عدته باباً للكسب المادي وصارت تؤجر هذه الجزرات للمقالع.

أقلّ جزيرة باعتها المديرية كان سعرها 25 مليون دينار، وفقاً لمصادر في المديرية.

لكن هناك رِشا تُدفع للمديرية، وإتاوات تُدفع للعصائب.

حاولنا الحصول على معلومات من أصحاب المقالع بشأن طبيعة عملهم، وكيفية حصولهم على الرخص، وكيفية منحهم إتاوة شهرية للعصائب، إلا أن أغلبهم رفضوا الحديث.

أحد الذين تحدثوا، لكن بغير تفصيل، نصب مقلعه على الضفة الغربية من دجلة.

“الكل يدفع، ومن يمتنع يُزال معمله”.

ولم يجب صاحب المعمل عن سؤال بخصوص الجهة التي يدفع لها إلا بالقول “للفصائل طبعاً” وغادر.

لقد استطعنا عدّ 50 مقلعاً منتصباً على امتداد نهر دجلة ضمن حدود الموصل. وثمة مقالع أخرى تنتشر على ضفاف النهر وصولاً إلى ناحية القيارة.

أحد المقالع بالقرب من دجلة في مدينة الموصل

“يدفع صاحب كل مقلع أكثر من 3 آلاف دولار شهرياً للمتنفذين”، قال باحث ميداني يعمل على مراقبة عمل هذه المقالع.

وماذا عن المقالع، وما هي تكلفة إنشائها، وماذا تربح، وكم كميّة الأحجار التي تستخرجها من أكتاف النهر كل يوم؟ سألنا أصحاب المقالع.

أخبرنا هؤلاء إن تكلفة إنشاء المقلع الواحد تبلغ بمعدّل 300 ألف دولار، إذ أن الحفّارات والمُعدّات والجرافات أسعارها غاليّة، وكذلك مّد هذه المكائن بالطاقة.

يُنتج كل مقلع ما معدّله نحو 150 متراً مكعباً من أنواع متُعددة تصلح لتكون مواد إنشائية في عمليّة البناء.

الآثار على دجلة

لم يعد مرأى دجلة في الموصل كما عهده السكان، فقد تراجع مستوى المياه وظهرت جزرات في وسطه، ثم بدأت هذه الجزرات بالاختفاء، إلى جانب تآكل الضفتين.

كما أن كدرة الماء التي تسببها حركة المقالع وعملها، أثرت وبشكل كبير على مشاريع ضخ المياه لأحياء الموصل وعلى جودة مياه نهر دجلة.

يصل الماء بني اللون إلى بيوت عديدة.

قال حازم محمد، مدير ماء نينوى، إن “عمل المقالع المستمر فاقم تأثير انخفاض مستوى المياه، إذ يختلط الماء بالمواد المستخرجة ويصل عكراً إلى محطات السحب الواطئ، ما جعل موسم الصيف صعباً”.

“هناك تعليمات يجب مراعاتها عند منح الإجازات لتلك المقالع، بينها عدم إنشائها بين جسرين أو قرب الأنابيب الساحبة لمياه الشرب”، وفقاً للمهندس عمار حميد.

نحو 50 مقلعاً تنتشر وسط وعلى ضفاف نهر دجلة في مدينة الموصل. الآلات العملاقة تهدّد النهر بالجفاف، وتجعل الأحياء المائية مُعرّضة للانقراض.. لكن الأموال، والهيمنة، والتوق للعودة والإعمار.. كل هذه مفاتيح تجعل مكائن وجرافات كبيرة مستمرة بنهش دجلة وتهديد مستقبله..
منظر عام لنهر دجلة والجفاف بادٍ على وسطه وضفتيه.

بالإضافة إلى التشويه الذي تسببت به هذه المقالع لحافتي النهر، حذر متخصصون بالبيئة من تبعات أخرى تتعلق بالحياة داخل دجلة.

قال نشوان شاكر، الموظف في دائرة بيئة نينوى، إن “الإكثار من المقالع يتسبب بعدد من التغيّرات البيئية في النهر، كسرعة الجريان، كما يؤثر على الأحياء المائية بسبب زيادة كمية الطحالب التي تقلل نسبة الأوكسجين المذاب، وبالتالي تؤثر على الثروة السمكية”.

ويتفق النائب عن نينوى لقمان الرشيدي بشأن تأثير المقالع على حياة النهر.

“المقالع تعمل قريبا من الجسور وبينها، وهذا يشكل خطرا على الركائز الساندة لتلك الجسور” قال الرشيدي.

وبحسب النائب، تعمل أغلب هذه المقالع بصفة غير رسمية.

“هناك ضغوط لمواصلة هذا العمل. نقلتُ خطورة عمل هذه المقالع إلى رئيس الوزراء وطالبته بالتدخل شخصيا لإيقافها” أضاف.

لا أحدَ راضٍ

“رُخص المقالع تُمنح في كثير من الأحيان من وزارة الموارد المائية مباشرة من دون الرجوع إلى حكومة نينوى المحلية. يجب استشارة الحكومة المحلية قبل منح الرخص لأصحاب المقالع” قال رعد العباسي، المتحدث باسم حكومة نينوى.

الحكومة المحلية في نينوى غير راضية عن انفراد مديرية الموارد المائية المرتبطة إدارياً بوزارة الموارد المائية الاتحادية، ببيع الرخص.

“العديد من المقالع تسيطر عليها اقتصادات الأحزاب السياسية. الحكومة المحلية لم تتحرك إلا بعدما رأت ظهور التشوهات على النهر، لكنها لم تتمكن من فعل شيء”، قال محمد العبد ربه، النائب في البرلمان عن محافظة نينوى.

إن “ملاحظات عديدة سجلت على تلك المقالع لأنها شوهت نهر دجلة وهي تابعة لفصائل مسلحة”، أضاف العبد ربه.

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

تنهش عشرات الحفارات والجرّافات ضفتي نهر دجلة على امتداد مساره داخل مدينة الموصل.

تستخرج هذه الآلات الحجر والرمل من جوانب وأعماق النهر الذي يواجه تهديداً حقيقياً بالجفاف.

كل يوم، وبعد أن تُفرِغ المقالع محتويات جانبي دجلة لتستخدَم بعد ذلك في إنتاج مواد إنشائية للبناء، يمتد لسان ترابي يبدو واضحاً للعيان، ويمكن مشاهدته جلياً وسط مجرى النهر.

تجري عمليّة تشويه دجلة وسحب روحه منه على مرأى من المواطنين وحتى المسؤولين، لكنّ قلّة من يمكنهم الإشهار بالرفض.

ذلك أن ثمة لاعبين يقلبان المُعادلة: “الذهب” والفصائل”.

وأينما وُجد الذهب، وُجدت الفصائل. وبوجود هذين اللاعبين، لا بدّ وأن يحضر الخوف وينتشر بين البشر كالعدوى.  

بداية الحكاية  

في تموز 2017، اندحر تنظيم “داعش” من مدينة الموصل، مخلّفاً خراباً ما زال يستوطن فيها حتى اللحظة.  

كانت كلفة تخليص الموصل من التنظيم الجهادي عالية جدّاً. بعض أجزاء المدينة تدمّرت عن بكرة أبيها، وبعضها الآخر تضرّر إلى حدّ كبير. والناس، بدورها، فقط أرادت العودة بعد سنوات من نزوح مضنٍ ترك أثراً عميقاً في أرواحهم وأجسادهم.

ازدادت أعداد العائدين، ومعها ازدادت حركة الإعمار والطلب على المواد الإنشائية، أدى إلى ارتفاع أسعارها “بنسبة 59 بالمئة”، كما أخبرنا سليمان حميد، وهو مقاول من الموصل.  

في مقابل هذا الارتفاع بالطلب، كان العرض قليلا.

تنبّه فصيل عصائب أهل الحقّ لهذا النقص، فأخذ بإنشاء مقالع  للحصى والرمل على ضفاف نهر دجلة، وهكذا بدأت التجارة.

كانت العصائب إحدى الفصائل التي قاتلت في الموصل لتحريرها من قبضة “داعش”، وتحوّلت بعد ذلك إلى لاعب أساسي في إدارة المدينة أمنياً وسياسياً واقتصادياً.

صورة للجزر التي بدأت تظهر وسط دجلة، وفي العمق تظهر جرافة تعود لإحدى المقالع. التقطت الصورة في تشرين الأول الماضي.

بين 2017 و2019، أدارت عصائب أهل الحق عمليّة انتشار المقالع في الموصل بشكل كامل.  

“حفّارات المقالع تخرج ذهباً”، قال موظف بدرجة إدارية في دائرة الموارد المائية في الموصل، في إجابة على سؤال أرباح هذه المقالع.

لا يملك فصيل عصائب أهل الحق هذه المقالع، وإنما هو من يديرها ويوفّر الحماية لها، مقابل أن يحصل على نسبة شهرية من أرباح كل مقلع، أو أن يُحدّد مبلغ مقطوع من من ملاكّه.

تقع مهّمة إدارة الشؤون الاقتصادية للعصائب على لجنة مشكّلة في المدينة تحت اسم “المكتب الاقتصادي”. الأسماء الوحيدة، تقريباً، المعروفة من هذه اللجنة هم: عمر رياض عبدالله، محمد صلاح حسن، ربيع رياض عبدالله، عبدالعزيز عبدالستار راشد.

كان الناس يأتون إلى أعضاء اللجنة في الموصل، ليخبروهم عن مكان نصب المقلع، ومن ثم يتحدّد المبلغ الشهري الذي سيمنح للعصائب، وهكذا تنتهي الصفقة وينتصب مقلعاً جديداً في دجلة.

في يوم محدد في نهاية الشهر، تأتي سيّارة تابعة للعصائب وتدور بين المقالع وتأخذ حصّتها.

لم يتحدّث أحد من الشهود عن المبالغ الشهرية التي جمعت من المقالع.

وصلت حفارات المقالع إلى الجزرات التي صارت تنمو فوق نهر دجلة بسبب انخفاض مناسيب النهر.

في عام 2020 أخذت مديرية الموارد المائية في نينوى تُدير عمليّة تنظيم هذه المقالع، لكنها لم تتخذ طريقاً مغايراً يحافظ على نهر دجلة.

ظلّت المديرية والعصائب تقتسمان العمل، الأولى تنظّم العمل القانوني، بينما تدير الثانية العمل الميداني.

الأرباح

لم تعتبر مديرية الموارد المائية ظهور جزرات وسط نهلة دجلة مؤشراً خطيراً على مستقبل النهر، فقد عدته باباً للكسب المادي وصارت تؤجر هذه الجزرات للمقالع.

أقلّ جزيرة باعتها المديرية كان سعرها 25 مليون دينار، وفقاً لمصادر في المديرية.

لكن هناك رِشا تُدفع للمديرية، وإتاوات تُدفع للعصائب.

حاولنا الحصول على معلومات من أصحاب المقالع بشأن طبيعة عملهم، وكيفية حصولهم على الرخص، وكيفية منحهم إتاوة شهرية للعصائب، إلا أن أغلبهم رفضوا الحديث.

أحد الذين تحدثوا، لكن بغير تفصيل، نصب مقلعه على الضفة الغربية من دجلة.

“الكل يدفع، ومن يمتنع يُزال معمله”.

ولم يجب صاحب المعمل عن سؤال بخصوص الجهة التي يدفع لها إلا بالقول “للفصائل طبعاً” وغادر.

لقد استطعنا عدّ 50 مقلعاً منتصباً على امتداد نهر دجلة ضمن حدود الموصل. وثمة مقالع أخرى تنتشر على ضفاف النهر وصولاً إلى ناحية القيارة.

أحد المقالع بالقرب من دجلة في مدينة الموصل

“يدفع صاحب كل مقلع أكثر من 3 آلاف دولار شهرياً للمتنفذين”، قال باحث ميداني يعمل على مراقبة عمل هذه المقالع.

وماذا عن المقالع، وما هي تكلفة إنشائها، وماذا تربح، وكم كميّة الأحجار التي تستخرجها من أكتاف النهر كل يوم؟ سألنا أصحاب المقالع.

أخبرنا هؤلاء إن تكلفة إنشاء المقلع الواحد تبلغ بمعدّل 300 ألف دولار، إذ أن الحفّارات والمُعدّات والجرافات أسعارها غاليّة، وكذلك مّد هذه المكائن بالطاقة.

يُنتج كل مقلع ما معدّله نحو 150 متراً مكعباً من أنواع متُعددة تصلح لتكون مواد إنشائية في عمليّة البناء.

الآثار على دجلة

لم يعد مرأى دجلة في الموصل كما عهده السكان، فقد تراجع مستوى المياه وظهرت جزرات في وسطه، ثم بدأت هذه الجزرات بالاختفاء، إلى جانب تآكل الضفتين.

كما أن كدرة الماء التي تسببها حركة المقالع وعملها، أثرت وبشكل كبير على مشاريع ضخ المياه لأحياء الموصل وعلى جودة مياه نهر دجلة.

يصل الماء بني اللون إلى بيوت عديدة.

قال حازم محمد، مدير ماء نينوى، إن “عمل المقالع المستمر فاقم تأثير انخفاض مستوى المياه، إذ يختلط الماء بالمواد المستخرجة ويصل عكراً إلى محطات السحب الواطئ، ما جعل موسم الصيف صعباً”.

“هناك تعليمات يجب مراعاتها عند منح الإجازات لتلك المقالع، بينها عدم إنشائها بين جسرين أو قرب الأنابيب الساحبة لمياه الشرب”، وفقاً للمهندس عمار حميد.

نحو 50 مقلعاً تنتشر وسط وعلى ضفاف نهر دجلة في مدينة الموصل. الآلات العملاقة تهدّد النهر بالجفاف، وتجعل الأحياء المائية مُعرّضة للانقراض.. لكن الأموال، والهيمنة، والتوق للعودة والإعمار.. كل هذه مفاتيح تجعل مكائن وجرافات كبيرة مستمرة بنهش دجلة وتهديد مستقبله..
منظر عام لنهر دجلة والجفاف بادٍ على وسطه وضفتيه.

بالإضافة إلى التشويه الذي تسببت به هذه المقالع لحافتي النهر، حذر متخصصون بالبيئة من تبعات أخرى تتعلق بالحياة داخل دجلة.

قال نشوان شاكر، الموظف في دائرة بيئة نينوى، إن “الإكثار من المقالع يتسبب بعدد من التغيّرات البيئية في النهر، كسرعة الجريان، كما يؤثر على الأحياء المائية بسبب زيادة كمية الطحالب التي تقلل نسبة الأوكسجين المذاب، وبالتالي تؤثر على الثروة السمكية”.

ويتفق النائب عن نينوى لقمان الرشيدي بشأن تأثير المقالع على حياة النهر.

“المقالع تعمل قريبا من الجسور وبينها، وهذا يشكل خطرا على الركائز الساندة لتلك الجسور” قال الرشيدي.

وبحسب النائب، تعمل أغلب هذه المقالع بصفة غير رسمية.

“هناك ضغوط لمواصلة هذا العمل. نقلتُ خطورة عمل هذه المقالع إلى رئيس الوزراء وطالبته بالتدخل شخصيا لإيقافها” أضاف.

لا أحدَ راضٍ

“رُخص المقالع تُمنح في كثير من الأحيان من وزارة الموارد المائية مباشرة من دون الرجوع إلى حكومة نينوى المحلية. يجب استشارة الحكومة المحلية قبل منح الرخص لأصحاب المقالع” قال رعد العباسي، المتحدث باسم حكومة نينوى.

الحكومة المحلية في نينوى غير راضية عن انفراد مديرية الموارد المائية المرتبطة إدارياً بوزارة الموارد المائية الاتحادية، ببيع الرخص.

“العديد من المقالع تسيطر عليها اقتصادات الأحزاب السياسية. الحكومة المحلية لم تتحرك إلا بعدما رأت ظهور التشوهات على النهر، لكنها لم تتمكن من فعل شيء”، قال محمد العبد ربه، النائب في البرلمان عن محافظة نينوى.

إن “ملاحظات عديدة سجلت على تلك المقالع لأنها شوهت نهر دجلة وهي تابعة لفصائل مسلحة”، أضاف العبد ربه.