"الفوز بالكراتين".. شبان كُرد يسبقون حكومة إقليم كردستان باستثمار النفايات

رشيد صوفي

21 تشرين الثاني 2022

حوّل بلند خالد صلاح الدين النفايات إلى مشروع تجاري أمّن العمل لعشرات الشبّان، وصار له زبائن في خارج البلاد، لكن خططاً حكومية قد تطيح بكلّ ما بناه على مدار.. حكاية سباق بين عمّال وسلطات بلدية للوصول إلى "الكارتون"..

داخل مصنع صغير لجمع وكبس العلب الكارتونية المستعملة في دهوك، يوجه بلند خالد صلاح الدين (35 عاما) مجموعة من العمال لوضع الكمية الصحيحة من العلب داخل آلة الكبس، قبل أن يتلقى مكالمة هاتفية من أحد المزودين للاتفاق على موعد لجلب كمية من العلب الكارتونية منه.

إنه منهمك في عمل يدر عليه عائدا مرضيا.

لم يكن حال بلند كما هو عليه اليوم قبل سبع سنوات، فقد كان يعمل منفردا في مهنته هذه بمشقة أكبر ومردود أقل، غير أنه استطاع أن يشق طريقه نحو وضع أفضل.

يظن بلند أن عمله يساهم في تنظيف مدينته أيضا ولا يقتصر على جني الأرباح الخاصة فقط، لكن المسؤولين البلديين يتبنون رأيا آخر.

أطنان مربحة

تقدر كمية النفايات في عموم محافظة دهوك –إحدى محافظات إقليم كردستان شمالي العراق- بأكثر من 1300 طن يوميا، الجزء الأكبر منها تشكله بقايا المأكولات والمشروبات، إلا أن العلب الكارتونية الفارغة المستعملة تشكل نسبة لا بأس بها.

يحصل بلند على بضعة أطنان يومياَ من النفايات الكارتونية.

كان بلند قبل سبع سنوات يجمع بيديه العلب الكارتونية من الأسواق والأماكن العامة ويبيعها إلى تجار أتراك، وكان يعمل أكثر من 8 ساعات يومياً.

“بمرور الزمن تمكنت من تحسين المستوى المعيشي لي ولعائلتي واشتريت منزلا وسيارة” قال لنا.

يدير بلند حاليا مصنعه الصغير ويشغّل 7 سيارات حمل صغيرة من نوع “كيا” مملوكة له ونحو 20 عاملاً، كما أنه صار يشتري النفايات الكارتونية من العمال الآخرين بـ120 ألف دينار للطن الواحد.

يبيع 100 طن شهرياً للتجار الأتراك بـ200 ألف دينار للطن الواحد.

تنافس محتدم

يعمل بلند في بيئة تعج بالمنافسين، إذ تنتشر في عموم مناطق كردستان مئات من معامل جمع وكبس العلب الكارتونية المستعملة، وتشغّل آلاف العمال، غير أن الزبائن الأتراك كثيرون أيضاً على ما يبدو، وهم ينقلون الكراتين إلى تركيا من أجل إعادة تدويرها هناك.

العاملون في جمع الكراتين يربحون أيضاً، لكن ليس بمقدار أرباح أصحاب المصانع.

يقضي كاوة عادل (28 عاما)، 8 ساعات يوميا متجولا بعربة صغيرة بين المحال التجارية وأكداس النفايات من أجل جمع 150-400 كغم من الكراتين، ويبيع كل 100 كغم بـ12 ألف دينار، وهو سعيد بما يجني.

يتعاطف أصحاب المحال التجارية مع كاوة ويبلغونه عند توفر كراتين لديهم، فهو يواجه صعوبة في العثور عليها في الأماكن العامة والمقالع لكثرة من يبحثون عنها بهدف بيعها.

“أشعر بالفرح عندما أعثر على كراتين فارغة” قال كاوة.

بلديات دهوك لا تعد هذه الأعمال من العوامل المساعدة في التخلص من النفايات، وإنما تنظر إليها على أنها ممارسات عابثة.

وقال مسؤول دائرة البيئة في بلديات دهوك ديار صادق إن “هذه الأعمال عشوائية وتتسبب ببعثرة النفايات. يجب تنظيم هذه الأعمال”.

مليارات ووظائف

الأرقام المعلنة من قبل سلطات الإقليم بشأن ملف النفايات تظهر أن ملايين الدنانير تُنفق فيه وآلاف الشبان يكسبون رزقهم منه.

يعمل في دهوك أكثر من ألف عامل تنظيف، وتوجد فيها أربع محطات لمعالجة النفايات، وتبلغ تكاليف رفع نفايات الفرد الواحد نحو ألفي دينار شهرياَ في المحافظة التي يتجاوز عدد سكانها مليونا و250 ألف نسمة.

أعلنت وزارة البلديات في حكومة كردستان قبل بضعة أشهر توقيع 32 عقدا مع شركات متخصصة بجمع ومعالجة النفايات بقيمة أكثر من 9 مليارات و666 مليون دينار عراقي.

قبل ذلك، أبرمت الوزارة 28 عقداً وبتكلفة شهرية تبلغ 11 ملياراً و887 مليوناً و650 ألفا و454 ديناراً.

لكن في الكابينة الحكومية الحالية، وعلى الرغم من إضافة أربعة عقود أخرى، تم تخفيض المبلغ، ما وفر أكثر من ملياري دينار شهرياً لخزينة الحكومة.

تم إنشاء مصانع عدة في كردستان لمعالجة النفايات، مقسمة بحسب الموقع الجغرافي، منها مشروع معالجة النفايات في تانجارو بمحافظة السليمانية، وآخر في كواشي بمحافظة دهوك، فضلا عن مشروع في عقرة بدهوك أيضاً.

هناك عدد من المشاريع قيد التنفيذ، مثل مشروع معالجة النفايات في تكييه ضمن بلدية جمجمال في السليمانية، ومشروع معالجة النفايات في قادش في العمادية بدهوك، بحسب الوزارة.

خصصت حكومة الإقليم مؤخراً مبلغ مليار و400 مليون دينار بهدف إقامة محطة خاصة بفرز النفايات ومعالجتها، إذ يتم تنفيذ برنامج في منطقة سيميل غرب مركز دهوك يتم من خلاله وضع حاويات خاصة بأنواع النفايات البلاستيكية والكارتونية والألبسة والمعادن وبقايا الطعام والمواد الأخرى، في أماكن عدة من تلك المنطقة لتسهل عملية فرز النفايات.

المشروع ينفذ بمشاركة المواطنين، ومن المقرر تنفيذ مشاريع مماثلة في مناطق أخرى لاحقاً.

“من دون مشاركة المواطن في الحفاظ على البيئة والنظافة والتعاون في عملية جمع ورفع النفايات، لن يتحقق النجاح المستدام” قال صادق.

المصادر البلدية تقدر أن حجم النفايات في كردستان تتجاوز 8 آلاف طن يوميا.

مع كل الأموال المنفقة والمشاريع المخطط لها، لا توجد عملية تدوير نفايات في الإقليم على غرار تركيا.

عمل منظم

على ما يبدو، نجح العاملون في هذا المجال في تنظيم أنفسهم وافتتاح مشاريع لاستثمار النفايات بشكل نافع، بينما الجهات الحكومية لم تصل مرحلة الاستفادة من النفايات بعد.

قال الخبير البيئي نجم الدين نيروي إن “الإقليم خال من أي مشاريع لتدوير النفايات والاستفادة منها. كل ما تفعله السلطات هنا هو إخراج النفايات من المدن وطمرها خارجها”.

الجهات البلدية لا تقر بأن قطاع العمال متفوق عليها.

قال مسؤول إعلام مديرية بلديات محافظة دهوك أمير أتروشي إن “4 شركات تعمل في المحافظة في مجال رفع النفايات، ويعمل في كل شركة أكثر من 300 عامل، فضلا عن وجود معمل حكومي لفرز النفايات يعمل فيه أكثر من 200 عامل”.

يجري العمل حاليا على بناء معملين لفرز النفايات، أحدهما في قضاء العمادية والآخر في عقرة بمحافظة دهوك، وسيوفران فرص عمل كثيرة مستقبلا، بحسب أتروشي.

“كان من المقرر إنشاء معامل فرز ومعالجة النفايات قبل أعوام، إلا أن الحرب ضد تنظيم داعش والأزمة المالية في الإقليم تسببتا بتأخرها” أضاف المتحدث البلدي.

قد تتسبب مشاريع الفرز والمعالجة بحرمان العاملين في جمع الكراتين من هذه المادة ورميهم في مجاهل البطالة، لكن أتروشي يفيد بأن من الممكن تشغيلهم في المشاريع الجديدة.

بلند لا تساوره هذه المخاوف، ولم يضع في حساباته خطة مستقبلية بديلة، تاركا الحديث للحادث، بينما كاوة يفكر بالعودة إلى مهنته السابقة كعامل بناء إذا اختفت الكراتين.

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

داخل مصنع صغير لجمع وكبس العلب الكارتونية المستعملة في دهوك، يوجه بلند خالد صلاح الدين (35 عاما) مجموعة من العمال لوضع الكمية الصحيحة من العلب داخل آلة الكبس، قبل أن يتلقى مكالمة هاتفية من أحد المزودين للاتفاق على موعد لجلب كمية من العلب الكارتونية منه.

إنه منهمك في عمل يدر عليه عائدا مرضيا.

لم يكن حال بلند كما هو عليه اليوم قبل سبع سنوات، فقد كان يعمل منفردا في مهنته هذه بمشقة أكبر ومردود أقل، غير أنه استطاع أن يشق طريقه نحو وضع أفضل.

يظن بلند أن عمله يساهم في تنظيف مدينته أيضا ولا يقتصر على جني الأرباح الخاصة فقط، لكن المسؤولين البلديين يتبنون رأيا آخر.

أطنان مربحة

تقدر كمية النفايات في عموم محافظة دهوك –إحدى محافظات إقليم كردستان شمالي العراق- بأكثر من 1300 طن يوميا، الجزء الأكبر منها تشكله بقايا المأكولات والمشروبات، إلا أن العلب الكارتونية الفارغة المستعملة تشكل نسبة لا بأس بها.

يحصل بلند على بضعة أطنان يومياَ من النفايات الكارتونية.

كان بلند قبل سبع سنوات يجمع بيديه العلب الكارتونية من الأسواق والأماكن العامة ويبيعها إلى تجار أتراك، وكان يعمل أكثر من 8 ساعات يومياً.

“بمرور الزمن تمكنت من تحسين المستوى المعيشي لي ولعائلتي واشتريت منزلا وسيارة” قال لنا.

يدير بلند حاليا مصنعه الصغير ويشغّل 7 سيارات حمل صغيرة من نوع “كيا” مملوكة له ونحو 20 عاملاً، كما أنه صار يشتري النفايات الكارتونية من العمال الآخرين بـ120 ألف دينار للطن الواحد.

يبيع 100 طن شهرياً للتجار الأتراك بـ200 ألف دينار للطن الواحد.

تنافس محتدم

يعمل بلند في بيئة تعج بالمنافسين، إذ تنتشر في عموم مناطق كردستان مئات من معامل جمع وكبس العلب الكارتونية المستعملة، وتشغّل آلاف العمال، غير أن الزبائن الأتراك كثيرون أيضاً على ما يبدو، وهم ينقلون الكراتين إلى تركيا من أجل إعادة تدويرها هناك.

العاملون في جمع الكراتين يربحون أيضاً، لكن ليس بمقدار أرباح أصحاب المصانع.

يقضي كاوة عادل (28 عاما)، 8 ساعات يوميا متجولا بعربة صغيرة بين المحال التجارية وأكداس النفايات من أجل جمع 150-400 كغم من الكراتين، ويبيع كل 100 كغم بـ12 ألف دينار، وهو سعيد بما يجني.

يتعاطف أصحاب المحال التجارية مع كاوة ويبلغونه عند توفر كراتين لديهم، فهو يواجه صعوبة في العثور عليها في الأماكن العامة والمقالع لكثرة من يبحثون عنها بهدف بيعها.

“أشعر بالفرح عندما أعثر على كراتين فارغة” قال كاوة.

بلديات دهوك لا تعد هذه الأعمال من العوامل المساعدة في التخلص من النفايات، وإنما تنظر إليها على أنها ممارسات عابثة.

وقال مسؤول دائرة البيئة في بلديات دهوك ديار صادق إن “هذه الأعمال عشوائية وتتسبب ببعثرة النفايات. يجب تنظيم هذه الأعمال”.

مليارات ووظائف

الأرقام المعلنة من قبل سلطات الإقليم بشأن ملف النفايات تظهر أن ملايين الدنانير تُنفق فيه وآلاف الشبان يكسبون رزقهم منه.

يعمل في دهوك أكثر من ألف عامل تنظيف، وتوجد فيها أربع محطات لمعالجة النفايات، وتبلغ تكاليف رفع نفايات الفرد الواحد نحو ألفي دينار شهرياَ في المحافظة التي يتجاوز عدد سكانها مليونا و250 ألف نسمة.

أعلنت وزارة البلديات في حكومة كردستان قبل بضعة أشهر توقيع 32 عقدا مع شركات متخصصة بجمع ومعالجة النفايات بقيمة أكثر من 9 مليارات و666 مليون دينار عراقي.

قبل ذلك، أبرمت الوزارة 28 عقداً وبتكلفة شهرية تبلغ 11 ملياراً و887 مليوناً و650 ألفا و454 ديناراً.

لكن في الكابينة الحكومية الحالية، وعلى الرغم من إضافة أربعة عقود أخرى، تم تخفيض المبلغ، ما وفر أكثر من ملياري دينار شهرياً لخزينة الحكومة.

تم إنشاء مصانع عدة في كردستان لمعالجة النفايات، مقسمة بحسب الموقع الجغرافي، منها مشروع معالجة النفايات في تانجارو بمحافظة السليمانية، وآخر في كواشي بمحافظة دهوك، فضلا عن مشروع في عقرة بدهوك أيضاً.

هناك عدد من المشاريع قيد التنفيذ، مثل مشروع معالجة النفايات في تكييه ضمن بلدية جمجمال في السليمانية، ومشروع معالجة النفايات في قادش في العمادية بدهوك، بحسب الوزارة.

خصصت حكومة الإقليم مؤخراً مبلغ مليار و400 مليون دينار بهدف إقامة محطة خاصة بفرز النفايات ومعالجتها، إذ يتم تنفيذ برنامج في منطقة سيميل غرب مركز دهوك يتم من خلاله وضع حاويات خاصة بأنواع النفايات البلاستيكية والكارتونية والألبسة والمعادن وبقايا الطعام والمواد الأخرى، في أماكن عدة من تلك المنطقة لتسهل عملية فرز النفايات.

المشروع ينفذ بمشاركة المواطنين، ومن المقرر تنفيذ مشاريع مماثلة في مناطق أخرى لاحقاً.

“من دون مشاركة المواطن في الحفاظ على البيئة والنظافة والتعاون في عملية جمع ورفع النفايات، لن يتحقق النجاح المستدام” قال صادق.

المصادر البلدية تقدر أن حجم النفايات في كردستان تتجاوز 8 آلاف طن يوميا.

مع كل الأموال المنفقة والمشاريع المخطط لها، لا توجد عملية تدوير نفايات في الإقليم على غرار تركيا.

عمل منظم

على ما يبدو، نجح العاملون في هذا المجال في تنظيم أنفسهم وافتتاح مشاريع لاستثمار النفايات بشكل نافع، بينما الجهات الحكومية لم تصل مرحلة الاستفادة من النفايات بعد.

قال الخبير البيئي نجم الدين نيروي إن “الإقليم خال من أي مشاريع لتدوير النفايات والاستفادة منها. كل ما تفعله السلطات هنا هو إخراج النفايات من المدن وطمرها خارجها”.

الجهات البلدية لا تقر بأن قطاع العمال متفوق عليها.

قال مسؤول إعلام مديرية بلديات محافظة دهوك أمير أتروشي إن “4 شركات تعمل في المحافظة في مجال رفع النفايات، ويعمل في كل شركة أكثر من 300 عامل، فضلا عن وجود معمل حكومي لفرز النفايات يعمل فيه أكثر من 200 عامل”.

يجري العمل حاليا على بناء معملين لفرز النفايات، أحدهما في قضاء العمادية والآخر في عقرة بمحافظة دهوك، وسيوفران فرص عمل كثيرة مستقبلا، بحسب أتروشي.

“كان من المقرر إنشاء معامل فرز ومعالجة النفايات قبل أعوام، إلا أن الحرب ضد تنظيم داعش والأزمة المالية في الإقليم تسببتا بتأخرها” أضاف المتحدث البلدي.

قد تتسبب مشاريع الفرز والمعالجة بحرمان العاملين في جمع الكراتين من هذه المادة ورميهم في مجاهل البطالة، لكن أتروشي يفيد بأن من الممكن تشغيلهم في المشاريع الجديدة.

بلند لا تساوره هذه المخاوف، ولم يضع في حساباته خطة مستقبلية بديلة، تاركا الحديث للحادث، بينما كاوة يفكر بالعودة إلى مهنته السابقة كعامل بناء إذا اختفت الكراتين.