من يُعيد ترميم صورة مقتدى الصدر
 التي انكسرت مرتين؟

زين حسين

15 تشرين الثاني 2022

في الماضي، عندما كانت صورة الصدر تنكسر يُعاد ترميمها بسرعة، لكن كسرين عميقين تعرضت لهما صورته في العامين الأخيرين جرحاه وجرداه من قوّته.. فماذا يفعل اليوم ليعود إلى الواجهة مجدداً؟

 يتفوّق مقتدى الصدر على غالبية زعماء الشيعة السياسيين والدينيين بصوره.. صوره المهيبة التي توشح الشوارع والمؤسسات في المدن ذات الغالبية الشيعية، والتي يغلب عليها التوجه الديني.

صورٌ مُختارة بعنايةٍ ودقةٍ، فيها وقار وهيبة، وإشارات غاضبة بالأصابع، ونظرات ثاقبة. يظهر الرجل الذي يتشح بالسواد عاقد الحاجبين.

تخيف نظراته الطير في السماء، والبشر على الأرض.

تزين هذه الصور بعبارات مكثفة عن الظلم والإصلاح أطلقها الصدر في مناسبات مختلفة عبر خطبه وتغريداته على موقع “تويتر”.  

في مدينة الصدر مثلاً، يكاد لا يخلو شارع من صورة لمقتدى الصدر أو صورة تجمعه بوالدهِ، الذي سُميَّت المدينة باسمه بعد غزو العراق في نيسان عام 2003.

أحياناً يُجمع في صورة واحدة مع والده وكل إخوته الذين اغتالهم صدام حسين، في إشارة إلى إنه يسير على دربهم وقد ينال الشهادة مثلهم. والشهادة لا ينالها إلا ذو حظ عظيم ومنزلة عند رب العالمين، فهناك صور له وهو يرتدي الكفن، دلالة إنه نذر نفسه للدين والمذهب، وهذه الصور تنتشر في الشوارع والمؤسسات والبيوت والجوامع.. في كل مكان.  

أحيانا تُوضع صورة مقتدى الصدر في الأماكن التي تكثر فيها النفايات داخل الأحياء لكي يمنعوا الأهالي من رميها مجدداً فيها، مستخدمين السطوة الرمزية الدينية لصاحب الصورة في ردع الناس عن أفعالهم.

في شارع تجاري في مدينة الصدر، انكسرت مرّة صورة لمقتدى كانت معلقة على جدار. كان إلى جانب هذا الجامع بناية محاذية تُجرى عليها عمليات تصليح شاملة.  

في اليوم نفسه، أُصلحت الصورة، وأعيد تعليقها في مكانها، وبعد مرور سنة كاملة على الحادثة، انكسرت صورة مقتدى الصدر مجدداً، لكن هذه المرة بسبب عمليات صيانة وتجديد الجامع نفسه.  

هذه الحادثة يمكن مقاربتها مع انكسار صورة مقتدى الرمزية سياسياً ودينياً، مرتين أيضاً: مرة على يد انتفاضة تشرين عام 2019، والأخرى على يد منافسيه في “الإطار التنسيقي” الذي يضم القوى الشيعية.  

الصدر وتشرين

لم يكن مقتدى الصدر داعماً لتظاهرات تشرين التي خرجت على حكومة عادل عبد المهدي الذي لم يأتِ إلى الحكم بطريقة دستورية، وإنما باتفاق بين الصدر والعامري.

كان اتفاق الرجلين قد تجاوز على الدستور، إذ أنه لم يتضمن تحديد الكتلة الأكبر داخل البرلمان.

انقلب الصدر على الاتفاق وعلى عبد المهدي، وبدأ انخراطه في التظاهرات ونزل بنفسه إلى الساحة في النجف بتاريخ 29 تشرين الأول عام 2019، وطالب وقتها باستقالة الحكومة التي كان طرفاً في تكوينها. حينها، أحرج عادل عبد المهدي مقتدى الصدر، وقال “مثل ما اتفقتوا وخليتوني، اتفقوا وطلعوني”.  

في النهاية، استقال عادل عبد المهدي بعد خطاب المرجعية في النجف التي طالبته بذلك، وتنازل الصدر عن ترشيح اسم لشغل منصب رئيس الوزراء لصالح الشعب كما كان يزعم، وكان خطابه منسجماً تماماً مع المتظاهرين ومطالبهم. طالب مثلهم بقانون انتخابات جديد، ومفوضية مستقلة، وانتخابات مبكرة، هذا كله قبل مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني ورفيقه العراقي أبو مهدي المهندس في كانون الثاني عام 2020 بغارة أمريكية بالقرب من مطار بغداد.

بعد مقتل سليماني، أدان الصدر انتهاك سيادة العراق، ودعا من طهران إلى تشكيل مقاومة دولية تجتمع فيها كل الفصائل المسلحة التي كان قد وصف بعضها بـ”الميليشيات الوقحة”. والتقى، بالفعل، بقادة هذه الفصائل في طهران، ودعا بعد لقائه بهم إلى تظاهرة ضد أمريكا.

مقابل ذلك، رفض متظاهرو العراق زج بلدهم في صراع المحاور، وقاطعوا التظاهرة التي دعا إليها الصدر، لا سيما وأنها تزامنت مع المهلة التي حدّدتها مدينة الناصرية؛ وسميت بـ”مهلة الناصرية” التي دعت مجلس النواب ورئاسة الجمهورية من أجل الاستجابة لمطالبهم، حيث أمهلهم المتظاهرون أسبوعاً واحداً، وفي حال عدم تنفيذ المطالب ستكون هناك خطوات تصعيدية، تتمثل بقطع الطرق الرئيسية الرابطة بين محافظات الوسط والجنوب لعرقلة نقل المنتجات النفطية ووصول البضائع من ميناء البصرة إلى وسط وشمال البلاد، وتبنت هذه الخطوة باقي المحافظات.

ونتيجة لعدم انجرار كل المتظاهرين خلفه، سحب الصدر أتباعه من ساحات التظاهر، ظناً منه أنه المهيمن وبانسحابه سيختل توازن الاحتجاجات، لكنه تفاجأ باستمرار التظاهرات، وتعرّض لجرح نرجسي.

كانت هذه المرة الأولى التي انكسرت فيها صورة الصدر شعبياً، إذ لم يعد هو المحرك الوحيد للشارع، فتظاهرات تشرين خلقت ضداً نوعياً وكمياً له في الساحات. ليس هذا فحسب، إذ صار الصدر مادة للسخرية والتندر لأول مرة، وهذه الجرأة ساهمت بكسر صورته المكسية بالأبهة والقداسة.

لكن، وعندما يخسر الصدر في الشارع، يعود إلى استخدام العنف والسلاح والتهديد. هكذا عاد الصدر إلى ساحات التظاهر لتمرير رئيس وزراء.

نزل أتباعه الى ساحة التحرير، وسيطروا على المطعم التركي، ومنصة إلقاء البيانات. وبالمعادلة السابقة نفسها، وباتفاق بين العامري والصدر، كُلِّف محمد توفيق علاوي برئاسة الوزراء، لكن المتظاهرين رفضوا علاوي، وبحجة تنظيف الساحة من المندسين، تعرّض اتباع الصدر لكل مسيرة رافضة لرئيس الوزراء المكلف ومن ضمنهما المسيرات الطلابية.

فالصدر بعد مقتل سليماني، اصطف بفظاظة إلى جانب السلطة بعد أن كان مع المجتمع، ولو ظاهرياً.  

التيار والإطار

قبيل انتخابات تشرين الأول 2021 انسحب الصدر من الانتخابات، وكان رد قادة القوى السياسية أن طفقوا في مغازلته لحثّه على العودة. يعتقد هؤلاء إن انسحاب الصدر يعني سقوط أحد أعمدة هذا النظام، وسبب مغازلتهم له هو خوفهم على هذا النظام من الانهيار.  

فإذا وقف الصدر موقف معارض صريح للنظام، سيكون هذا النظام أمام قوة التيار الصدري الذي يملك قاعدة جماهيرية كبيرة وجناحاً عسكرياً. بيد أن الإطار التنسيقي سرعان ما كسر هذه الصورة، خاصة بعد اقتحام أنصار الصدر المنطقة الخضراء واعتصامهم فيها في آب الماضي، ومن ثم اشتباكهم عسكرياً مع فصائل أخرى.

استنفد الصدر جميع أدواته شعبياً وعسكرياً وسياسياً.

الحال هذه، لم ينجح الصدر في مبتغاه، فقد عُزل، وهذه كانت الصفعة الثانية التي هشمت صورته.

صورة مقتدى الصدر، بعد هزيمته سياسياً، لم تعد تلك الصورة المهيبة المرعبة التي يخافها الجميع، خاصة بعد أن تحول من فائز مهيمن على القرار السياسي إلى خاسر لا يملك ورقة يفاوض بها. جُرد من كل شيء، وصار معزولاً.

كما فقد الثقّة في الأوساط الاجتماعية من غير مناصريه. جرّبه الناس مرّتين، الأولى عام 2016 والثانية عام 2019، وفي كلتاهما قابلهم الخذلان.

وبدا جليّاً أن كثيرين صمّوا آذانهم تجاه الصدر، ذلك عندما ناداهم بنصرته لأكثر من مرّة قبل وأثناء اقتحام الخضراء والبرلمان في آب الماضي، لكن كثيرين لم يلبّوا. خافوا الصدر، وخافوا من غدراته.

وبين مناصريه، أدى تذبذب الصدر وتحيّره في قراراته إلى التململ منه. وهو الذي يغيّر رأيه في الأسبوع مرات عدّة، ولا يعرف أحداً الخطوة الجديدة التي سيخطوها.

العودة إلى الله

ما بين تشرين التي هشمت صورة مقتدى شعبياً، وبين “الإطار التنسيقي” الذي كسر صورة مقتدى سياسياً، زاد المرجع الشيعي كاظم الحائري من تهشيم صورة الصدر.

حاول الحائري، باعتزال العمل الديني وإغلاق جميع مكاتبه ودعوة مقلديه بالرجوع إلى المرجع المرشد الإيراني علي خامنئي، إضعاف مقتدى الصدر أكثر.

ترك تحرّك الحائري انطباعاً أن الصدر غير مؤهل، وقاصر دينياً.

لكن الدين والله، هما ما بقيا للصدر اليوم. وها هو، منذ نحو شهرين، يحاول التمسّك بهما للحفاظ على صورته.

فلا يمرّ أسبوع لا يصدر فيه الصدر بيانات ذات محتوى وعظي ديني، لكنها لا تخلو من إشارات سياسية إلى خصومه وأنصاره. لقد تفرغ الصدر للإرشادات الدينية في المناسبات ونشر الأدعية والدفاع عن المؤسسة الدينية ورجال الدين، والحديث عن مفاهيم دينية يسميها “بحوثا”، وعاد إلى خطبة الجمعة التي توقّف عنها لفترة طويلة.  

لكن الصدّر لا يظهر قويّاً وواثقاً كما كان، وإنما يبدو كإنسان يلجأ إلى الله عندما تحل عليه الكوارث والمصائب.

وما يفعله الصدر اليوم ليس أكثر من ذلك.

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

 يتفوّق مقتدى الصدر على غالبية زعماء الشيعة السياسيين والدينيين بصوره.. صوره المهيبة التي توشح الشوارع والمؤسسات في المدن ذات الغالبية الشيعية، والتي يغلب عليها التوجه الديني.

صورٌ مُختارة بعنايةٍ ودقةٍ، فيها وقار وهيبة، وإشارات غاضبة بالأصابع، ونظرات ثاقبة. يظهر الرجل الذي يتشح بالسواد عاقد الحاجبين.

تخيف نظراته الطير في السماء، والبشر على الأرض.

تزين هذه الصور بعبارات مكثفة عن الظلم والإصلاح أطلقها الصدر في مناسبات مختلفة عبر خطبه وتغريداته على موقع “تويتر”.  

في مدينة الصدر مثلاً، يكاد لا يخلو شارع من صورة لمقتدى الصدر أو صورة تجمعه بوالدهِ، الذي سُميَّت المدينة باسمه بعد غزو العراق في نيسان عام 2003.

أحياناً يُجمع في صورة واحدة مع والده وكل إخوته الذين اغتالهم صدام حسين، في إشارة إلى إنه يسير على دربهم وقد ينال الشهادة مثلهم. والشهادة لا ينالها إلا ذو حظ عظيم ومنزلة عند رب العالمين، فهناك صور له وهو يرتدي الكفن، دلالة إنه نذر نفسه للدين والمذهب، وهذه الصور تنتشر في الشوارع والمؤسسات والبيوت والجوامع.. في كل مكان.  

أحيانا تُوضع صورة مقتدى الصدر في الأماكن التي تكثر فيها النفايات داخل الأحياء لكي يمنعوا الأهالي من رميها مجدداً فيها، مستخدمين السطوة الرمزية الدينية لصاحب الصورة في ردع الناس عن أفعالهم.

في شارع تجاري في مدينة الصدر، انكسرت مرّة صورة لمقتدى كانت معلقة على جدار. كان إلى جانب هذا الجامع بناية محاذية تُجرى عليها عمليات تصليح شاملة.  

في اليوم نفسه، أُصلحت الصورة، وأعيد تعليقها في مكانها، وبعد مرور سنة كاملة على الحادثة، انكسرت صورة مقتدى الصدر مجدداً، لكن هذه المرة بسبب عمليات صيانة وتجديد الجامع نفسه.  

هذه الحادثة يمكن مقاربتها مع انكسار صورة مقتدى الرمزية سياسياً ودينياً، مرتين أيضاً: مرة على يد انتفاضة تشرين عام 2019، والأخرى على يد منافسيه في “الإطار التنسيقي” الذي يضم القوى الشيعية.  

الصدر وتشرين

لم يكن مقتدى الصدر داعماً لتظاهرات تشرين التي خرجت على حكومة عادل عبد المهدي الذي لم يأتِ إلى الحكم بطريقة دستورية، وإنما باتفاق بين الصدر والعامري.

كان اتفاق الرجلين قد تجاوز على الدستور، إذ أنه لم يتضمن تحديد الكتلة الأكبر داخل البرلمان.

انقلب الصدر على الاتفاق وعلى عبد المهدي، وبدأ انخراطه في التظاهرات ونزل بنفسه إلى الساحة في النجف بتاريخ 29 تشرين الأول عام 2019، وطالب وقتها باستقالة الحكومة التي كان طرفاً في تكوينها. حينها، أحرج عادل عبد المهدي مقتدى الصدر، وقال “مثل ما اتفقتوا وخليتوني، اتفقوا وطلعوني”.  

في النهاية، استقال عادل عبد المهدي بعد خطاب المرجعية في النجف التي طالبته بذلك، وتنازل الصدر عن ترشيح اسم لشغل منصب رئيس الوزراء لصالح الشعب كما كان يزعم، وكان خطابه منسجماً تماماً مع المتظاهرين ومطالبهم. طالب مثلهم بقانون انتخابات جديد، ومفوضية مستقلة، وانتخابات مبكرة، هذا كله قبل مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني ورفيقه العراقي أبو مهدي المهندس في كانون الثاني عام 2020 بغارة أمريكية بالقرب من مطار بغداد.

بعد مقتل سليماني، أدان الصدر انتهاك سيادة العراق، ودعا من طهران إلى تشكيل مقاومة دولية تجتمع فيها كل الفصائل المسلحة التي كان قد وصف بعضها بـ”الميليشيات الوقحة”. والتقى، بالفعل، بقادة هذه الفصائل في طهران، ودعا بعد لقائه بهم إلى تظاهرة ضد أمريكا.

مقابل ذلك، رفض متظاهرو العراق زج بلدهم في صراع المحاور، وقاطعوا التظاهرة التي دعا إليها الصدر، لا سيما وأنها تزامنت مع المهلة التي حدّدتها مدينة الناصرية؛ وسميت بـ”مهلة الناصرية” التي دعت مجلس النواب ورئاسة الجمهورية من أجل الاستجابة لمطالبهم، حيث أمهلهم المتظاهرون أسبوعاً واحداً، وفي حال عدم تنفيذ المطالب ستكون هناك خطوات تصعيدية، تتمثل بقطع الطرق الرئيسية الرابطة بين محافظات الوسط والجنوب لعرقلة نقل المنتجات النفطية ووصول البضائع من ميناء البصرة إلى وسط وشمال البلاد، وتبنت هذه الخطوة باقي المحافظات.

ونتيجة لعدم انجرار كل المتظاهرين خلفه، سحب الصدر أتباعه من ساحات التظاهر، ظناً منه أنه المهيمن وبانسحابه سيختل توازن الاحتجاجات، لكنه تفاجأ باستمرار التظاهرات، وتعرّض لجرح نرجسي.

كانت هذه المرة الأولى التي انكسرت فيها صورة الصدر شعبياً، إذ لم يعد هو المحرك الوحيد للشارع، فتظاهرات تشرين خلقت ضداً نوعياً وكمياً له في الساحات. ليس هذا فحسب، إذ صار الصدر مادة للسخرية والتندر لأول مرة، وهذه الجرأة ساهمت بكسر صورته المكسية بالأبهة والقداسة.

لكن، وعندما يخسر الصدر في الشارع، يعود إلى استخدام العنف والسلاح والتهديد. هكذا عاد الصدر إلى ساحات التظاهر لتمرير رئيس وزراء.

نزل أتباعه الى ساحة التحرير، وسيطروا على المطعم التركي، ومنصة إلقاء البيانات. وبالمعادلة السابقة نفسها، وباتفاق بين العامري والصدر، كُلِّف محمد توفيق علاوي برئاسة الوزراء، لكن المتظاهرين رفضوا علاوي، وبحجة تنظيف الساحة من المندسين، تعرّض اتباع الصدر لكل مسيرة رافضة لرئيس الوزراء المكلف ومن ضمنهما المسيرات الطلابية.

فالصدر بعد مقتل سليماني، اصطف بفظاظة إلى جانب السلطة بعد أن كان مع المجتمع، ولو ظاهرياً.  

التيار والإطار

قبيل انتخابات تشرين الأول 2021 انسحب الصدر من الانتخابات، وكان رد قادة القوى السياسية أن طفقوا في مغازلته لحثّه على العودة. يعتقد هؤلاء إن انسحاب الصدر يعني سقوط أحد أعمدة هذا النظام، وسبب مغازلتهم له هو خوفهم على هذا النظام من الانهيار.  

فإذا وقف الصدر موقف معارض صريح للنظام، سيكون هذا النظام أمام قوة التيار الصدري الذي يملك قاعدة جماهيرية كبيرة وجناحاً عسكرياً. بيد أن الإطار التنسيقي سرعان ما كسر هذه الصورة، خاصة بعد اقتحام أنصار الصدر المنطقة الخضراء واعتصامهم فيها في آب الماضي، ومن ثم اشتباكهم عسكرياً مع فصائل أخرى.

استنفد الصدر جميع أدواته شعبياً وعسكرياً وسياسياً.

الحال هذه، لم ينجح الصدر في مبتغاه، فقد عُزل، وهذه كانت الصفعة الثانية التي هشمت صورته.

صورة مقتدى الصدر، بعد هزيمته سياسياً، لم تعد تلك الصورة المهيبة المرعبة التي يخافها الجميع، خاصة بعد أن تحول من فائز مهيمن على القرار السياسي إلى خاسر لا يملك ورقة يفاوض بها. جُرد من كل شيء، وصار معزولاً.

كما فقد الثقّة في الأوساط الاجتماعية من غير مناصريه. جرّبه الناس مرّتين، الأولى عام 2016 والثانية عام 2019، وفي كلتاهما قابلهم الخذلان.

وبدا جليّاً أن كثيرين صمّوا آذانهم تجاه الصدر، ذلك عندما ناداهم بنصرته لأكثر من مرّة قبل وأثناء اقتحام الخضراء والبرلمان في آب الماضي، لكن كثيرين لم يلبّوا. خافوا الصدر، وخافوا من غدراته.

وبين مناصريه، أدى تذبذب الصدر وتحيّره في قراراته إلى التململ منه. وهو الذي يغيّر رأيه في الأسبوع مرات عدّة، ولا يعرف أحداً الخطوة الجديدة التي سيخطوها.

العودة إلى الله

ما بين تشرين التي هشمت صورة مقتدى شعبياً، وبين “الإطار التنسيقي” الذي كسر صورة مقتدى سياسياً، زاد المرجع الشيعي كاظم الحائري من تهشيم صورة الصدر.

حاول الحائري، باعتزال العمل الديني وإغلاق جميع مكاتبه ودعوة مقلديه بالرجوع إلى المرجع المرشد الإيراني علي خامنئي، إضعاف مقتدى الصدر أكثر.

ترك تحرّك الحائري انطباعاً أن الصدر غير مؤهل، وقاصر دينياً.

لكن الدين والله، هما ما بقيا للصدر اليوم. وها هو، منذ نحو شهرين، يحاول التمسّك بهما للحفاظ على صورته.

فلا يمرّ أسبوع لا يصدر فيه الصدر بيانات ذات محتوى وعظي ديني، لكنها لا تخلو من إشارات سياسية إلى خصومه وأنصاره. لقد تفرغ الصدر للإرشادات الدينية في المناسبات ونشر الأدعية والدفاع عن المؤسسة الدينية ورجال الدين، والحديث عن مفاهيم دينية يسميها “بحوثا”، وعاد إلى خطبة الجمعة التي توقّف عنها لفترة طويلة.  

لكن الصدّر لا يظهر قويّاً وواثقاً كما كان، وإنما يبدو كإنسان يلجأ إلى الله عندما تحل عليه الكوارث والمصائب.

وما يفعله الصدر اليوم ليس أكثر من ذلك.