أزمة النزوح: "مخيمات عشوائية" وتعويضات مُتأخرة وبكاء على منازل مدمرة

شهد موسى

01 تشرين الثاني 2022

لا تزال نحو 37 ألف أسرة تعيش في 26 مخيم في إقليم كردستان، ومخيمين في نينوى وآخر في بابل، وعودة هؤلاء غير مُحددة، بينما يعيش آخرون في "مخيمات عشوائية" بعد قرار الحكومة إغلاق المخيمات

بين حين وآخر، يقود أركان محمد (46 عاماً) سيارته من بغداد قاصداً منطقة الحبانية في الأنبار.

وعندما يصل إلى البقعة التي يريدها لا يجد سوى أعمدة خرسانية متهالكة سقط عليها السقف.

كان هذا منزله الذي عاش فيه مع عائلته قبل مغادرتهم إياه في 2014.

في ذلك العام سيطر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على مساحات واسعة من شمال وغرب العراق، منها الحبانية.

سجلت المنظمة الدولية للهجرة نزوح 3.2 شخص، في الفترة ما بين كانون الثاني 2014 وآب 2015 فقط، أي ما يعادل 530 ألف أسرة تقريباً، باتجاه مدن أخرى لم يصلها التنظيم. تضاعف هذا العدد في السنتين القادمتين، ليقدر بستة ملايين في 2017. 

توزع غالبية النازحين على مخيمات أنشئت بعجالة، أغلبها في إقليم كردستان شمال العراق. كما اختار الآلاف منهم العيش عند أقاربهم في مناطق بعيدة أو تأجير منازل مستقلة.

فضّل أركان بغداد وهو يعيش فيها منذ تسع سنوات مع أطفاله السبعة، ويدفع إيجار منزل مساحته 50 متراً من خلال عمله في سيارة أجرة.

دمّرت المعارك بين القوات العراقية المشتركة مدعومة بالتحالف الدولي، وبين تنظيم “داعش” عدداً من المنازل لا يمكن إحصاؤه بدقة، وفخخ التنظيم بعضها بقصد قتل الجنود العراقيين عندما يمشطون المنطقة لاحقاً.

لا تزال نحو 37 ألف أسرة تعيش في 26 مخيم في إقليم كردستان، ومخيمين في نينوى وآخر في بابل، بحسب وكيل وزارة الهجرة والمهجرين، كريم النوري. 

ويفسر النوري بإن ثمة ثلاث عوائق تحول دون عودة هذه الأسر لمناطقها. الأولى انتماء أشخاص من بعض تلك العوائل لـ”داعش” وبالتالي يخشون الثأر حال عودتهم.

أما النازحون من قضاء سنجار في نينوى، وهم “غالبية ساكني المخيمات حالياً”، فليس بإمكانهم العودة بسبب خلافات سياسية ذات بعد إقليمي حول منطقتهم.

ويعود السبب الثالث إلى المنازل المهدّمة، لعدم قدرة الكثير من النازحين العودة إلى بيوتهم، سواء هؤلاء الموجودين في المخيمات، أو خارجها كحال منزل أركان في الحبانية.

تعويضات لا تكفي

منذ أعلنت الحكومة المركزية الانتصار على التنظيم في 2017، زاد توق أركان للعودة إلى منزله لكنه لا يملك المال الكافي لإعادة بنائه.

وليس أمامه سوى انتظار التعويضات التي وعدت السلطات بها النازحين لإعمار ممتلكاتهم المدمّرة، كجزء من خطة لفرض الاستقرار في المناطق المُحررة من “داعش”، والتي تتضمن أيضاً غلق المخيمات.

وقد عاد معظم النازحين إلى مناطقهم. 

بعضهم استلم التعويض بالفعل من “صندوق إعادة إعمار المناطق المحررة“، والذي تأسس وفقاً للمادة 28 من قانون الموازنة الاتحادية لسنة 2015، “ليكون جهازا ينسق بين المنظمات الدولية والوزارات العراقية في عمليات اعادة الاعمار السريعة وينفذ عمليات اعادة الاعمار متوسطة وطويلة الاجل في المناطق التي يتم تحريرها من سيطرة (داعش)”. 

وما يزال نازحون آخرون ينتظرون تلقيهم التعويضات. 

لا يبدو على أركان أي أمل بوفاء السلطات بصرف التعويضات له قريباً، وهو يشعر أن الحكومة تتجاهل معاناته ومن بمثل حالته.

“هذا الملف بصورة عامة مجحف. مقدار التعويضات قليل جداً مقارنة بالأضرار التي لحقت بالمنازل”، يقول مستشار محافظ الأنبار، مازن أبو ريشة.

يتوجب على المتضررين تقديم طلبات إلى فروع صندوق إعادة الإعمار في مدنهم، لتتفقد بعدها لجنة ميدانية المنازل وتقدّر المال المطلوب لإعادة البناء.

غير أن الأموال المقدرة لا تصرف لهم كاملة، “لأن قانون 20 الخاص بالتعويضات ينص على خصم نصف المبلغ”، كما يوضح أبو ريشة، والمقصود به قانون تعويض المتضررين جراء العمليات الحربية والاخطاء العسكرية والعمليات الارهابية لعام 2009.

تنفي السلطات سواءً المركزية أو المحلية بشدة إجبار النازحين على العودة، لكنها عندما تتحدث عن غلق مخيم ما، فهي تتحدث بفخر واضح.

مخيم العامرية في الأنبار هو آخر المخيمات في محافظة الأنبار التي أغلقتها السلطات. بيد أنه ما يزال هناك 250 عائلة تعيش في مخيمات عشوائية في المنطقة التي يقع فيها المخيم المغلق.

 ويشكو مستشار المحافظ قلة الدعم والأموال ويطالب بزيادتها سريعاً.

على الحدود الفاصلة بين محافظته وبابل المجاورة، يقع مخيم “بزيبز” وتعيش فيه أكثر من 4 آلاف عائلة نازحة.

ويصف أبو ريشة ظروفهم بـ”المعاناة”.

“نطلب من الحكومة المركزية الاستعجال بدفع التعويضات للنازحين ليعيدوا بناء منازلهم وطي هذه الصفحة المؤلمة”.

ومثل أركان، يوجد “عدد كبير جداً استوطنوا في غير مناطقهم وهم أكثر ممن يسكنون الآن في المخيمات”، يقول كريم النوري، وكيل وزارة الهجرة والمهجرين، في حديث لـ”جمار”.

نينوى: أكثر من مشكلة

من بين المناطق المستعادة من “داعش”، تعد نينوى الأكثر تضرراً جراء المعارك. 

ولا تزال بعض الجثث عالقة تحت الركام، إذ انتشلت فرق الدفاع المدني سبعة هياكل عظمية مجهولة في 31 آب الماضي.

حتى الآن، تسلّمت إدارة المحافظة 168 مليار دينار كدفعة أولى من تعويضات النازحين المدمّرة منازلهم، وفقاً لقائمقام مدينة الموصل، أمين الفنش، الذي أردف بأن أكثر من 70 ألف معاملة تعويض نظمت لغاية الآن.

“تطمح إدارة المحافظة لأن ترتفع الأموال المرسلة إليها من الحكومة الاتحادية حدّ 200 مليار دينار قبل نهاية العام”، يقول الفنش، قبل أن يؤكد بأن المشكلة لا تُحل بالمال وحده. 

“هناك عوائق سياسية وهي خارجة عن إرادتنا. فالتداخل الأمني والسياسي يحول دون عودة سكان مناطق سنجار وبعض قرى زمار وربيعة والخازر ومناطق أخرى في مركز المحافظة وغيرها”، مشيراً إلى النزاع مع إقليم كردستان حول عائدية بعض هذه المناطق، إضافة إلى حرب تركيا على حزب العمال الكردستاني والفصائل الحليفة له المنتشرة هناك.

وأيضاً، هناك “داعش” الذي لم ينتهِ وجوده في نينوى تماماً.

أقامت القوات العراقية منذ إعلان نصرها في هذه المناطق ساتراً أمنياً، يطلق عليه “خط الصد”، وهو يقع غرب منطقة البعاج وجنوب غرب قضاء الحضر.

خلف الحاجز تقع مناطق سكنية لا تتواجد فيها قوات عسكرية حكومية، وبالتالي لا يمكن لسكانها العودة.

من دون القوات الأمنية، فإن “داعش” يمكن أن يتعرّض لهذه المناطق.

“طرقنا أبواب رئاسات الجمهورية والوزراء والبرلمان والوزراء المختصين والوكالات الأمنية والاستخبارية لأجل عودة النازحين واستقرار هذه المناطق”، يقول الفنش.

“مؤتمر الكويت غير مجد”

في 2018، أمِلَ العراق الحصول على 88 مليار دولار يحتاجه لإعادة الإعمار، من خلال مؤتمر استضافته الكويت.

تعهدت دول عدة بينها السعودية وبريطانيا وألمانيا والصين، بالمساعدة وتوفير منح وقروض واستثمارات، لكن ما وصل منها لبغداد قليل.

“لم نستلم شيئاً من مؤتمر الكويت سوى 500 مليون يورو كقرض من ألمانيا”، يقول مسؤول المتابعة الهندسية في “صندوق إعادة إعمار المناطق المحررة”، حسين العزي.

وبحسبه، فقد صرف الصندوق منحة ألمانية بلغت 42 مليون دولار على مستشفيات تعالج المصابين بفيروس كورونا في البصرة والسليمانية وبغداد ونينوى والأنبار. “كما خصصت الصين 9 ملايين دولار منحة للآليات الثقيلة”.

ويقول العزي إن منحة كويتية قيمتها 100 مليون دولار “أكملنا بواسطتها أجزاء كبيرة من المستشفيات والمراكز الصحية في المحافظات المحررة”.

منذ 2017، أدرج الصندوق 1500 مشروع خاص بهذه المحافظات، “أنجزنا منها قرابة ألف مشروع لخدمة عودة النازحين”، قال.

ويصف مدير فرع الصندوق في نينوى، سالم يحيى مخرجات مؤتمر الكويت بأنها “ليست بمستوى الطموح. لم نحصل على شيء ذا قيمة منه، ولم تكن التعويضات بمستوى الأضرار”.

أما شيروان الدوبرداني، عضو مجلس النواب عن نينوى، فيجد تلكؤاً في مشاريع الإعمار ملقياً باللوم على “عدم وفاء وصدق” الدول المشاركة في مؤتمر الكويت.

قبل الانتخابات النيابية التي أجريت في تشرين الأول 2021، وجّه نواب وسياسيون من مدن مختلفة اتهامات لـ”صندوق إعادة إعمار المدن المحررة”.

قالوا إنه يخدم أجندة حزبية توجه الإعمار لمناطق محددة لأغراض انتخابية، وتحدثوا عن فساد مالي أيضاً.

قضية النازحين وسكنهم في مخيمات تفتقر لما يحتاجون إليه من وسائل العيش وموت بعضهم برداً أو احتراقاً، تقع على رأس البرامج الانتخابية للأحزاب في مناطقهم الأصلية.

يسيطر اليأس والغضب على أركان محمد.

“الحكومة تريد منا العودة إلى منازلنا التي فُجرّت كي تقول إنها تمكنت من غلق ملف النزوح في العراق. لا يهمها وضعنا وكيف سنعيش في منازل مهدمة. أي حكومة ومسخرة هذه..

 لا يمكن لإنسان أن يحتمل العيش داخل خيمة لأسبوع واحد، لكننا مجبرين على التحمل منذ تسعة أعوام. لم يعد لنا منزلاً نعود إليه. ولم يعوضوا شيئاً مما خسرناه. كله مجرد كلام..

 فقط عندما تقترب الانتخابات تظهر مشاعرهم الجياشة خاصة إذا اتجهت عدسة الكاميرا لمن يوزعون علينا الأغطية في فصل الصيف، وبعد الانتخابات تصبح الميزانية عاجزة أو أن غالبية النازحين من عائلات (ينتمي أفرادها أو أحدهم) لداعش. هذه وصمة عار على جبين السياسيين. التاريخ سيخلدها”.

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

بين حين وآخر، يقود أركان محمد (46 عاماً) سيارته من بغداد قاصداً منطقة الحبانية في الأنبار.

وعندما يصل إلى البقعة التي يريدها لا يجد سوى أعمدة خرسانية متهالكة سقط عليها السقف.

كان هذا منزله الذي عاش فيه مع عائلته قبل مغادرتهم إياه في 2014.

في ذلك العام سيطر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على مساحات واسعة من شمال وغرب العراق، منها الحبانية.

سجلت المنظمة الدولية للهجرة نزوح 3.2 شخص، في الفترة ما بين كانون الثاني 2014 وآب 2015 فقط، أي ما يعادل 530 ألف أسرة تقريباً، باتجاه مدن أخرى لم يصلها التنظيم. تضاعف هذا العدد في السنتين القادمتين، ليقدر بستة ملايين في 2017. 

توزع غالبية النازحين على مخيمات أنشئت بعجالة، أغلبها في إقليم كردستان شمال العراق. كما اختار الآلاف منهم العيش عند أقاربهم في مناطق بعيدة أو تأجير منازل مستقلة.

فضّل أركان بغداد وهو يعيش فيها منذ تسع سنوات مع أطفاله السبعة، ويدفع إيجار منزل مساحته 50 متراً من خلال عمله في سيارة أجرة.

دمّرت المعارك بين القوات العراقية المشتركة مدعومة بالتحالف الدولي، وبين تنظيم “داعش” عدداً من المنازل لا يمكن إحصاؤه بدقة، وفخخ التنظيم بعضها بقصد قتل الجنود العراقيين عندما يمشطون المنطقة لاحقاً.

لا تزال نحو 37 ألف أسرة تعيش في 26 مخيم في إقليم كردستان، ومخيمين في نينوى وآخر في بابل، بحسب وكيل وزارة الهجرة والمهجرين، كريم النوري. 

ويفسر النوري بإن ثمة ثلاث عوائق تحول دون عودة هذه الأسر لمناطقها. الأولى انتماء أشخاص من بعض تلك العوائل لـ”داعش” وبالتالي يخشون الثأر حال عودتهم.

أما النازحون من قضاء سنجار في نينوى، وهم “غالبية ساكني المخيمات حالياً”، فليس بإمكانهم العودة بسبب خلافات سياسية ذات بعد إقليمي حول منطقتهم.

ويعود السبب الثالث إلى المنازل المهدّمة، لعدم قدرة الكثير من النازحين العودة إلى بيوتهم، سواء هؤلاء الموجودين في المخيمات، أو خارجها كحال منزل أركان في الحبانية.

تعويضات لا تكفي

منذ أعلنت الحكومة المركزية الانتصار على التنظيم في 2017، زاد توق أركان للعودة إلى منزله لكنه لا يملك المال الكافي لإعادة بنائه.

وليس أمامه سوى انتظار التعويضات التي وعدت السلطات بها النازحين لإعمار ممتلكاتهم المدمّرة، كجزء من خطة لفرض الاستقرار في المناطق المُحررة من “داعش”، والتي تتضمن أيضاً غلق المخيمات.

وقد عاد معظم النازحين إلى مناطقهم. 

بعضهم استلم التعويض بالفعل من “صندوق إعادة إعمار المناطق المحررة“، والذي تأسس وفقاً للمادة 28 من قانون الموازنة الاتحادية لسنة 2015، “ليكون جهازا ينسق بين المنظمات الدولية والوزارات العراقية في عمليات اعادة الاعمار السريعة وينفذ عمليات اعادة الاعمار متوسطة وطويلة الاجل في المناطق التي يتم تحريرها من سيطرة (داعش)”. 

وما يزال نازحون آخرون ينتظرون تلقيهم التعويضات. 

لا يبدو على أركان أي أمل بوفاء السلطات بصرف التعويضات له قريباً، وهو يشعر أن الحكومة تتجاهل معاناته ومن بمثل حالته.

“هذا الملف بصورة عامة مجحف. مقدار التعويضات قليل جداً مقارنة بالأضرار التي لحقت بالمنازل”، يقول مستشار محافظ الأنبار، مازن أبو ريشة.

يتوجب على المتضررين تقديم طلبات إلى فروع صندوق إعادة الإعمار في مدنهم، لتتفقد بعدها لجنة ميدانية المنازل وتقدّر المال المطلوب لإعادة البناء.

غير أن الأموال المقدرة لا تصرف لهم كاملة، “لأن قانون 20 الخاص بالتعويضات ينص على خصم نصف المبلغ”، كما يوضح أبو ريشة، والمقصود به قانون تعويض المتضررين جراء العمليات الحربية والاخطاء العسكرية والعمليات الارهابية لعام 2009.

تنفي السلطات سواءً المركزية أو المحلية بشدة إجبار النازحين على العودة، لكنها عندما تتحدث عن غلق مخيم ما، فهي تتحدث بفخر واضح.

مخيم العامرية في الأنبار هو آخر المخيمات في محافظة الأنبار التي أغلقتها السلطات. بيد أنه ما يزال هناك 250 عائلة تعيش في مخيمات عشوائية في المنطقة التي يقع فيها المخيم المغلق.

 ويشكو مستشار المحافظ قلة الدعم والأموال ويطالب بزيادتها سريعاً.

على الحدود الفاصلة بين محافظته وبابل المجاورة، يقع مخيم “بزيبز” وتعيش فيه أكثر من 4 آلاف عائلة نازحة.

ويصف أبو ريشة ظروفهم بـ”المعاناة”.

“نطلب من الحكومة المركزية الاستعجال بدفع التعويضات للنازحين ليعيدوا بناء منازلهم وطي هذه الصفحة المؤلمة”.

ومثل أركان، يوجد “عدد كبير جداً استوطنوا في غير مناطقهم وهم أكثر ممن يسكنون الآن في المخيمات”، يقول كريم النوري، وكيل وزارة الهجرة والمهجرين، في حديث لـ”جمار”.

نينوى: أكثر من مشكلة

من بين المناطق المستعادة من “داعش”، تعد نينوى الأكثر تضرراً جراء المعارك. 

ولا تزال بعض الجثث عالقة تحت الركام، إذ انتشلت فرق الدفاع المدني سبعة هياكل عظمية مجهولة في 31 آب الماضي.

حتى الآن، تسلّمت إدارة المحافظة 168 مليار دينار كدفعة أولى من تعويضات النازحين المدمّرة منازلهم، وفقاً لقائمقام مدينة الموصل، أمين الفنش، الذي أردف بأن أكثر من 70 ألف معاملة تعويض نظمت لغاية الآن.

“تطمح إدارة المحافظة لأن ترتفع الأموال المرسلة إليها من الحكومة الاتحادية حدّ 200 مليار دينار قبل نهاية العام”، يقول الفنش، قبل أن يؤكد بأن المشكلة لا تُحل بالمال وحده. 

“هناك عوائق سياسية وهي خارجة عن إرادتنا. فالتداخل الأمني والسياسي يحول دون عودة سكان مناطق سنجار وبعض قرى زمار وربيعة والخازر ومناطق أخرى في مركز المحافظة وغيرها”، مشيراً إلى النزاع مع إقليم كردستان حول عائدية بعض هذه المناطق، إضافة إلى حرب تركيا على حزب العمال الكردستاني والفصائل الحليفة له المنتشرة هناك.

وأيضاً، هناك “داعش” الذي لم ينتهِ وجوده في نينوى تماماً.

أقامت القوات العراقية منذ إعلان نصرها في هذه المناطق ساتراً أمنياً، يطلق عليه “خط الصد”، وهو يقع غرب منطقة البعاج وجنوب غرب قضاء الحضر.

خلف الحاجز تقع مناطق سكنية لا تتواجد فيها قوات عسكرية حكومية، وبالتالي لا يمكن لسكانها العودة.

من دون القوات الأمنية، فإن “داعش” يمكن أن يتعرّض لهذه المناطق.

“طرقنا أبواب رئاسات الجمهورية والوزراء والبرلمان والوزراء المختصين والوكالات الأمنية والاستخبارية لأجل عودة النازحين واستقرار هذه المناطق”، يقول الفنش.

“مؤتمر الكويت غير مجد”

في 2018، أمِلَ العراق الحصول على 88 مليار دولار يحتاجه لإعادة الإعمار، من خلال مؤتمر استضافته الكويت.

تعهدت دول عدة بينها السعودية وبريطانيا وألمانيا والصين، بالمساعدة وتوفير منح وقروض واستثمارات، لكن ما وصل منها لبغداد قليل.

“لم نستلم شيئاً من مؤتمر الكويت سوى 500 مليون يورو كقرض من ألمانيا”، يقول مسؤول المتابعة الهندسية في “صندوق إعادة إعمار المناطق المحررة”، حسين العزي.

وبحسبه، فقد صرف الصندوق منحة ألمانية بلغت 42 مليون دولار على مستشفيات تعالج المصابين بفيروس كورونا في البصرة والسليمانية وبغداد ونينوى والأنبار. “كما خصصت الصين 9 ملايين دولار منحة للآليات الثقيلة”.

ويقول العزي إن منحة كويتية قيمتها 100 مليون دولار “أكملنا بواسطتها أجزاء كبيرة من المستشفيات والمراكز الصحية في المحافظات المحررة”.

منذ 2017، أدرج الصندوق 1500 مشروع خاص بهذه المحافظات، “أنجزنا منها قرابة ألف مشروع لخدمة عودة النازحين”، قال.

ويصف مدير فرع الصندوق في نينوى، سالم يحيى مخرجات مؤتمر الكويت بأنها “ليست بمستوى الطموح. لم نحصل على شيء ذا قيمة منه، ولم تكن التعويضات بمستوى الأضرار”.

أما شيروان الدوبرداني، عضو مجلس النواب عن نينوى، فيجد تلكؤاً في مشاريع الإعمار ملقياً باللوم على “عدم وفاء وصدق” الدول المشاركة في مؤتمر الكويت.

قبل الانتخابات النيابية التي أجريت في تشرين الأول 2021، وجّه نواب وسياسيون من مدن مختلفة اتهامات لـ”صندوق إعادة إعمار المدن المحررة”.

قالوا إنه يخدم أجندة حزبية توجه الإعمار لمناطق محددة لأغراض انتخابية، وتحدثوا عن فساد مالي أيضاً.

قضية النازحين وسكنهم في مخيمات تفتقر لما يحتاجون إليه من وسائل العيش وموت بعضهم برداً أو احتراقاً، تقع على رأس البرامج الانتخابية للأحزاب في مناطقهم الأصلية.

يسيطر اليأس والغضب على أركان محمد.

“الحكومة تريد منا العودة إلى منازلنا التي فُجرّت كي تقول إنها تمكنت من غلق ملف النزوح في العراق. لا يهمها وضعنا وكيف سنعيش في منازل مهدمة. أي حكومة ومسخرة هذه..

 لا يمكن لإنسان أن يحتمل العيش داخل خيمة لأسبوع واحد، لكننا مجبرين على التحمل منذ تسعة أعوام. لم يعد لنا منزلاً نعود إليه. ولم يعوضوا شيئاً مما خسرناه. كله مجرد كلام..

 فقط عندما تقترب الانتخابات تظهر مشاعرهم الجياشة خاصة إذا اتجهت عدسة الكاميرا لمن يوزعون علينا الأغطية في فصل الصيف، وبعد الانتخابات تصبح الميزانية عاجزة أو أن غالبية النازحين من عائلات (ينتمي أفرادها أو أحدهم) لداعش. هذه وصمة عار على جبين السياسيين. التاريخ سيخلدها”.