"كيف تعيش الأسماك بلا ماء؟" الثروة السمكية بمواجهة "البلطي" و"الردم"

ورود صالح

23 أكتوبر 2022

بُحيرات تربية الأسماك تُردم، والسمك الدخيل يلتهم الأنواع العراقية الأصيلة ودول المنبع وملوّثات المؤسسات العراقية تقضي على الأنهار والمسطحات المائية

فجأة وجد وائل الشمري (28 عاماً)، مربّي الأسماك في محافظة بابل، نفسه مع مئات غيره، ضحية معركة تخوضها سلطات الزراعة والمياه العراقية مع الطبيعة.

في 2008، أنشأ الشاب بحيرة صناعية لتربية الأسماك في قرية “أبو جاسم” في قضاء المسيب، شمالي بابل. والبحيرة الصناعية عبارة عن قفص حديدي مستطيل وعائم تلقى فيه أصبعيات الأسماك لتكبر وتنمو ثم تباع لتجار المفرد.  

بعد ملء البحيرة بالمياه، يلقي وائل كميات من الأسماك الصغيرة التي لا يتجاوز حجمها الأصبع البشري ويغذيها بالأعلاف، وينتظر ستة أشهر على الأقل، تكبر خلالها أسماكه ليبيعها إلى التجار ويحصل على ربح وفير يصل إلى 15 مليون دينار للوجبة الواحدة (نحو 10266 دولاراً)، ما يؤمن لعائلته عيشة جيدة. 

بيد أن شح مياه الناجم عن السدود التي بنتها تركيا وإيران -دول المنبع لنهري دجلة والفرات المارين في العراق- دفع السلطات المحلية إلى إجبار مربي الأسماك على ردم بحيراتهم. 

وعندما يجادل هؤلاء بعدم تأثير عملهم على المياه الشحيحة المتوفرة في البلد، لاعتمادهم على آبار يستخرجون منها المياه الجوفية بواسطة الموتورات، لا يجدون من يسمعهم.

وبفعل الغرامات المالية الباهظة، والخشية من الاعتقال والمحاكمة، انصاعوا لقرار ردم بحيراتهم. 

“لا تعويضات”

يقول رئيس الجمعية العراقية لمنتجي الأسماك إياد الطالبي إن العراق يخوض الآن معركة مع الطبيعة، فمستوى الجفاف بلغ حداً قياسياً.   

تأسست الجمعية التي يديرها الطالبي في 2005 في محافظة بابل وأنشأت فروعاً في أغلب المدن العراقية وهي تضم كلّ من له صلة بقطاع إنتاج وتربية الأسماك ودوائر البيطرة، إضافة إلى هيئة استشارية علمية في عضويتها مختصون بدرجة بروفيسور.

ومثل الزراعة، تلقّى قطاع تربية وإنتاج الأسماك ضربة قوية هوت به فتعرض لخسائر كبيرة في 2018. إذ قبل ذلك العام، كانت بحيرات الأسماك (المجازة وغير المجازة) تنتج من 700 إلى 800 ألف طن سنوياً، وانخفض سعر الكيلوغرام الواحد منها في الأسواق المحلية إلى 3 آلاف دينار فقط (دولاران و5سنتات).  

لكن مرض “الكوي هربس” الفيروسي ذا الإبادة الشاملة ظهر في ذلك العام بلا مقدمات ليقتل ملايين الأطنان من الأسماك.

لم تعوض الحكومة مالكي البحيرات شيئاً من خسائرهم الفادحة أو تساعدهم على مواصلة الإنتاج، فترك أكثر من 75 بالمئة منهم هذه المهنة، وفق الجمعية العراقية لمنتجي الأسماك.  

ويبلغ الإنتاج السنوي من الأسماك في البحيرات المجازة 45 طناً فقط وفق وزارة الزراعة، ويباع سعر الكيلوغرام الواحد من سمك “الكارب” الرائج في الأسواق العراقية بـ7 آلاف دينار.  

ويُقدِّر المدير العام لدائرة الثروة الحيوانية، عباس سالم حسين، أن “أغلب” إنتاج العراق من الأسماك يأتي عن طريق البحيرات غير المجازة والصيد النهري والبحري وصيد الأهوار التي يتجاوز عددها 30 مكاناً، وتشمل مسطحات مائية تأخذ شكل الهور.  

أحصت وزارة الزراعة 1080 بحيرة أسماك على هيئة أقفاص عائمة، بناءً على ما منحته من إجازات لمالكيها، لكن الجمعية العراقية تقول إن العدد الفعلي أكبر لوجود بحيرات غير مجازة ولم تدخل في الإحصائيات الرسمية.

أسماك “دخيلة ومدخلة”  

لا يجد ماجد مكي، مدير وحدة الاستزراع المائي في كلية الزراعة في جامعة البصرة، غير مفردة “كارثة” ليصف ما حل بقطاع الأسماك في العراق.  

بالنسبة له، بدأت المشكلة منذ 40 عاماً لثلاثة أسباب رئيسية، عدا تفاقم الجفاف وظهور “الكوي هربس”. 

أول الأسباب هو قلة مناسيب المياه وازدياد تلوثه بفعل طرح المخلفات الصناعية في الأنهر.   

أما السبب الثاني، فهو الصيد الجائر للأسماك المحلية والبحرية واستعمال الصيادين أساليب محرمة مثل الكهرباء والسموم.  

لكن السبب الثالث هو الأخطر برأي الأستاذ مكي. ولكي يشرح رأيه بطريقة مبسّطة، يقول إن الأسماك على نوعين: دخيلة، ومُدخلة.

الأسماك المدخلة هي التي لم تكن موجودة في البيئة العراقية ثم أدخلت بعلم السلطات، مثل سمكة “أبو الحكم” و”دودة الزعيم” وسمكة “الجمهورية”، وهناك أسماك صغيرة تقلل البعوض ومرض الملاريا فضلاً عن سمك الكارب، ولا ضرر فيها.  

بيد أن “الكارثة جاءت مع النوع الثاني، وهي الأسماك الدخيلة، وأبرزها السمك البلطي بأنواعه الثلاثة”، يقول.  

بحسب مكي، هذه السمكة شرسة وتتكاثر كل 10 أشهر، وهي أصبعية تفترس بقية الأسماك وتلغي وجودها وتقلل أعدادها.   

لا يعرف الأستاذ في جامعة البصرة، إذا ما كانت هذه الأسماك قد أدخلت بعلم الحكومة أم لا.  

ويتفق الأستاذ في جامعة دهوك، وخبير الاستراتيجيات والسياسات المائية، رمضان حمزة مع وصف مكي، لما حل بقطاع الأسماك في العراق.  

“كارثة لا يحمد عقباها، والأسماك العراقية في وضع حرج”، يقول حمزة.  

لا يمكن إنتاج وتربية الأسماك دون مياه، والعراق بلد مصبّ ما يعني أن “مصيره المائي بيد دول المنبع، تركيا وإيران اللتين قللتا المياه المطلقة نحو الأراضي العراقية”. 

عندما تقل المياه، ترتفع نسبة التلوث في المتبقي منها داخل الأنهر وكذلك البحيرات الصناعية لتربية الأسماك، وبالتالي تؤثر بشكل مباشر على كمية الأسماك المنتجة ونوعها وحجمها.  

ويرى الأستاذ في جامعة دهوك “ضرورة” في إزالة الأحواض التي تُربّى فيها الأسماك “لأنها تستنزف كميات مياه أكبر مما لو كان السمك في مسطحات مائية طبيعية”. ومع ذلك يعود للقول إن رفع هذه الأحواض سيؤثر على كمية الأسماك المعروضة.  

 ما الحل؟ 

طرح كل من تحدثنا إليهم من أجل هذا التقرير بعض الحلول.  

 فالأستاذ في جامعة دهوك، حمزة رمضان، يقترح منع المصانع والمستشفيات والمعامل من تلويث المياه بمخلفاتها “التي تشكل دورة تلوث كاملة تبدأ من التربة ثم الحيوان وتصل بعد ذلك للإنسان”.  

وتحدث عن ضرورة تفعيل قوانين وتعديل أخرى، بما يسمح باستمرار عمل عدد معين من مربي الأسماك، وتطبيق تجارب دول أخرى مثل الصين بالاستفادة من المياه المخصصة لزراعة الأرز في تربية الأسماك. يقول “هكذا سنحصل على فائدة مشتركة، وهي زراعة الرز وتربية الأسماك بالمياه ذاتها مع القضاء على الكثير من الأمراض وتوفير سماد للتربة”. 

بينما يرى المسؤول في كلية الزراعة في جامعة البصرة، الدكتور ماجد مكي، أن تنظيف المياه من المخلفات والتوعية البيئية ومنع الصيد الجائر في فترات التكاثر وإنتاج إصبعيات الأسماك المرغوبة في المفاقس وإطلاقها في المياه الطبيعية وإنشاء محميات، يجب أن تكون جزءاً من الحل.  

ويركز إياد الطالبي، رئيس “الجمعية العراقية لمنتجي الأسماك” على مشكلة شح المياه، ويعتقد أن تربية الأسماك ممكنة بالاعتماد على مياه المبازل أو أن توافق السلطات مؤقتاً على حفر آبار وكذلك التفاوض مع تركيا لإطلاق المياه باتجاه الأنهر العراقية.   

“يمكن تطبيق النظام المغلق (تربية الأسماك في أحواض مربوطة بمضخات تسحب المياه وتعيد إطلاقها للحوض) لمدة 6 أشهر، بانتظار هطول الأمطار وهو لا يحتاج إلى المياه أو استخدام الآبار”، يقول الطالبي.  

ويضيف إن “هذه معركة لا تقل عن المعركة مع “داعش”. إنها معركة مع الطبيعة للحصول على الغذاء، وحتى لو كان هناك جفاف فإن الحلول موجودة. لدينا مياه مالحة ومياه مبازل إضافة للآبار”. 

ويعطي مثال مشاريع لتربية الأسماك في النجف، التي تصل مساحتها إلى 50 ألف دونم، وتعتمد على مياه بحر النجف المالحة وكذلك النظام المغلق غير المحتاج للماء. 

ويعمل أعضاء “الجمعية العراقية لمنتجي الأسماك” الأكاديميون مع الوزارة على صياغة قوانين جديدة خاصة بتربية وإنتاج الأسماك. 

وائل ينتظر

تجاهل وائل في البداية أمر سلطات الزراعة بردم بحيرته عام 2016، واستمر يربي الأسماك ويجني الربح، بيد أن الغرامات اضطرته لتنفيذ أمر الردم.

تبلغ مساحة بحيرته، كما يقول ألفي دونم، كان يجلب المياه لها من بئر بجانبها لاستخراج المياه الجوفية. 

“لم أهجر مهنتي حتى عندما تناقصت أعداد الأسماك بداية العام الجاري. لكن أجبرت على ردم بحيرتي وترك العمل هذا العام”، يقول وهو يأمل أن يتغير الحال ويعود لأسماكه.

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويب؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

فجأة وجد وائل الشمري (28 عاماً)، مربّي الأسماك في محافظة بابل، نفسه مع مئات غيره، ضحية معركة تخوضها سلطات الزراعة والمياه العراقية مع الطبيعة.

في 2008، أنشأ الشاب بحيرة صناعية لتربية الأسماك في قرية “أبو جاسم” في قضاء المسيب، شمالي بابل. والبحيرة الصناعية عبارة عن قفص حديدي مستطيل وعائم تلقى فيه أصبعيات الأسماك لتكبر وتنمو ثم تباع لتجار المفرد.  

بعد ملء البحيرة بالمياه، يلقي وائل كميات من الأسماك الصغيرة التي لا يتجاوز حجمها الأصبع البشري ويغذيها بالأعلاف، وينتظر ستة أشهر على الأقل، تكبر خلالها أسماكه ليبيعها إلى التجار ويحصل على ربح وفير يصل إلى 15 مليون دينار للوجبة الواحدة (نحو 10266 دولاراً)، ما يؤمن لعائلته عيشة جيدة. 

بيد أن شح مياه الناجم عن السدود التي بنتها تركيا وإيران -دول المنبع لنهري دجلة والفرات المارين في العراق- دفع السلطات المحلية إلى إجبار مربي الأسماك على ردم بحيراتهم. 

وعندما يجادل هؤلاء بعدم تأثير عملهم على المياه الشحيحة المتوفرة في البلد، لاعتمادهم على آبار يستخرجون منها المياه الجوفية بواسطة الموتورات، لا يجدون من يسمعهم.

وبفعل الغرامات المالية الباهظة، والخشية من الاعتقال والمحاكمة، انصاعوا لقرار ردم بحيراتهم. 

“لا تعويضات”

يقول رئيس الجمعية العراقية لمنتجي الأسماك إياد الطالبي إن العراق يخوض الآن معركة مع الطبيعة، فمستوى الجفاف بلغ حداً قياسياً.   

تأسست الجمعية التي يديرها الطالبي في 2005 في محافظة بابل وأنشأت فروعاً في أغلب المدن العراقية وهي تضم كلّ من له صلة بقطاع إنتاج وتربية الأسماك ودوائر البيطرة، إضافة إلى هيئة استشارية علمية في عضويتها مختصون بدرجة بروفيسور.

ومثل الزراعة، تلقّى قطاع تربية وإنتاج الأسماك ضربة قوية هوت به فتعرض لخسائر كبيرة في 2018. إذ قبل ذلك العام، كانت بحيرات الأسماك (المجازة وغير المجازة) تنتج من 700 إلى 800 ألف طن سنوياً، وانخفض سعر الكيلوغرام الواحد منها في الأسواق المحلية إلى 3 آلاف دينار فقط (دولاران و5سنتات).  

لكن مرض “الكوي هربس” الفيروسي ذا الإبادة الشاملة ظهر في ذلك العام بلا مقدمات ليقتل ملايين الأطنان من الأسماك.

لم تعوض الحكومة مالكي البحيرات شيئاً من خسائرهم الفادحة أو تساعدهم على مواصلة الإنتاج، فترك أكثر من 75 بالمئة منهم هذه المهنة، وفق الجمعية العراقية لمنتجي الأسماك.  

ويبلغ الإنتاج السنوي من الأسماك في البحيرات المجازة 45 طناً فقط وفق وزارة الزراعة، ويباع سعر الكيلوغرام الواحد من سمك “الكارب” الرائج في الأسواق العراقية بـ7 آلاف دينار.  

ويُقدِّر المدير العام لدائرة الثروة الحيوانية، عباس سالم حسين، أن “أغلب” إنتاج العراق من الأسماك يأتي عن طريق البحيرات غير المجازة والصيد النهري والبحري وصيد الأهوار التي يتجاوز عددها 30 مكاناً، وتشمل مسطحات مائية تأخذ شكل الهور.  

أحصت وزارة الزراعة 1080 بحيرة أسماك على هيئة أقفاص عائمة، بناءً على ما منحته من إجازات لمالكيها، لكن الجمعية العراقية تقول إن العدد الفعلي أكبر لوجود بحيرات غير مجازة ولم تدخل في الإحصائيات الرسمية.

أسماك “دخيلة ومدخلة”  

لا يجد ماجد مكي، مدير وحدة الاستزراع المائي في كلية الزراعة في جامعة البصرة، غير مفردة “كارثة” ليصف ما حل بقطاع الأسماك في العراق.  

بالنسبة له، بدأت المشكلة منذ 40 عاماً لثلاثة أسباب رئيسية، عدا تفاقم الجفاف وظهور “الكوي هربس”. 

أول الأسباب هو قلة مناسيب المياه وازدياد تلوثه بفعل طرح المخلفات الصناعية في الأنهر.   

أما السبب الثاني، فهو الصيد الجائر للأسماك المحلية والبحرية واستعمال الصيادين أساليب محرمة مثل الكهرباء والسموم.  

لكن السبب الثالث هو الأخطر برأي الأستاذ مكي. ولكي يشرح رأيه بطريقة مبسّطة، يقول إن الأسماك على نوعين: دخيلة، ومُدخلة.

الأسماك المدخلة هي التي لم تكن موجودة في البيئة العراقية ثم أدخلت بعلم السلطات، مثل سمكة “أبو الحكم” و”دودة الزعيم” وسمكة “الجمهورية”، وهناك أسماك صغيرة تقلل البعوض ومرض الملاريا فضلاً عن سمك الكارب، ولا ضرر فيها.  

بيد أن “الكارثة جاءت مع النوع الثاني، وهي الأسماك الدخيلة، وأبرزها السمك البلطي بأنواعه الثلاثة”، يقول.  

بحسب مكي، هذه السمكة شرسة وتتكاثر كل 10 أشهر، وهي أصبعية تفترس بقية الأسماك وتلغي وجودها وتقلل أعدادها.   

لا يعرف الأستاذ في جامعة البصرة، إذا ما كانت هذه الأسماك قد أدخلت بعلم الحكومة أم لا.  

ويتفق الأستاذ في جامعة دهوك، وخبير الاستراتيجيات والسياسات المائية، رمضان حمزة مع وصف مكي، لما حل بقطاع الأسماك في العراق.  

“كارثة لا يحمد عقباها، والأسماك العراقية في وضع حرج”، يقول حمزة.  

لا يمكن إنتاج وتربية الأسماك دون مياه، والعراق بلد مصبّ ما يعني أن “مصيره المائي بيد دول المنبع، تركيا وإيران اللتين قللتا المياه المطلقة نحو الأراضي العراقية”. 

عندما تقل المياه، ترتفع نسبة التلوث في المتبقي منها داخل الأنهر وكذلك البحيرات الصناعية لتربية الأسماك، وبالتالي تؤثر بشكل مباشر على كمية الأسماك المنتجة ونوعها وحجمها.  

ويرى الأستاذ في جامعة دهوك “ضرورة” في إزالة الأحواض التي تُربّى فيها الأسماك “لأنها تستنزف كميات مياه أكبر مما لو كان السمك في مسطحات مائية طبيعية”. ومع ذلك يعود للقول إن رفع هذه الأحواض سيؤثر على كمية الأسماك المعروضة.  

 ما الحل؟ 

طرح كل من تحدثنا إليهم من أجل هذا التقرير بعض الحلول.  

 فالأستاذ في جامعة دهوك، حمزة رمضان، يقترح منع المصانع والمستشفيات والمعامل من تلويث المياه بمخلفاتها “التي تشكل دورة تلوث كاملة تبدأ من التربة ثم الحيوان وتصل بعد ذلك للإنسان”.  

وتحدث عن ضرورة تفعيل قوانين وتعديل أخرى، بما يسمح باستمرار عمل عدد معين من مربي الأسماك، وتطبيق تجارب دول أخرى مثل الصين بالاستفادة من المياه المخصصة لزراعة الأرز في تربية الأسماك. يقول “هكذا سنحصل على فائدة مشتركة، وهي زراعة الرز وتربية الأسماك بالمياه ذاتها مع القضاء على الكثير من الأمراض وتوفير سماد للتربة”. 

بينما يرى المسؤول في كلية الزراعة في جامعة البصرة، الدكتور ماجد مكي، أن تنظيف المياه من المخلفات والتوعية البيئية ومنع الصيد الجائر في فترات التكاثر وإنتاج إصبعيات الأسماك المرغوبة في المفاقس وإطلاقها في المياه الطبيعية وإنشاء محميات، يجب أن تكون جزءاً من الحل.  

ويركز إياد الطالبي، رئيس “الجمعية العراقية لمنتجي الأسماك” على مشكلة شح المياه، ويعتقد أن تربية الأسماك ممكنة بالاعتماد على مياه المبازل أو أن توافق السلطات مؤقتاً على حفر آبار وكذلك التفاوض مع تركيا لإطلاق المياه باتجاه الأنهر العراقية.   

“يمكن تطبيق النظام المغلق (تربية الأسماك في أحواض مربوطة بمضخات تسحب المياه وتعيد إطلاقها للحوض) لمدة 6 أشهر، بانتظار هطول الأمطار وهو لا يحتاج إلى المياه أو استخدام الآبار”، يقول الطالبي.  

ويضيف إن “هذه معركة لا تقل عن المعركة مع “داعش”. إنها معركة مع الطبيعة للحصول على الغذاء، وحتى لو كان هناك جفاف فإن الحلول موجودة. لدينا مياه مالحة ومياه مبازل إضافة للآبار”. 

ويعطي مثال مشاريع لتربية الأسماك في النجف، التي تصل مساحتها إلى 50 ألف دونم، وتعتمد على مياه بحر النجف المالحة وكذلك النظام المغلق غير المحتاج للماء. 

ويعمل أعضاء “الجمعية العراقية لمنتجي الأسماك” الأكاديميون مع الوزارة على صياغة قوانين جديدة خاصة بتربية وإنتاج الأسماك. 

وائل ينتظر

تجاهل وائل في البداية أمر سلطات الزراعة بردم بحيرته عام 2016، واستمر يربي الأسماك ويجني الربح، بيد أن الغرامات اضطرته لتنفيذ أمر الردم.

تبلغ مساحة بحيرته، كما يقول ألفي دونم، كان يجلب المياه لها من بئر بجانبها لاستخراج المياه الجوفية. 

“لم أهجر مهنتي حتى عندما تناقصت أعداد الأسماك بداية العام الجاري. لكن أجبرت على ردم بحيرتي وترك العمل هذا العام”، يقول وهو يأمل أن يتغير الحال ويعود لأسماكه.