مقتدى الصدر.. تنفيس "الفشل السياسي" بالتحريض على المثليين

مُبين خشاني

20 تشرين الأول 2022

الخطير في بيانات مقتدى الصدر ضد المثليين هو أنها تتحول مباشرة من قبل أتباعه إلى أعمال عنف واعتداءات ضد من يُشتبه بمثليتهم في العراق.. لكن لماذا يهاجم الصدر المثليين بالأساس؟!

في خضمّ أزمة تشكيل الحكومة، فاجأ مقتدى الصدر العراقيين يوم 16 تشرين الأوّل 2022، الذي خسر توّاً نزالاً سياسياً مع خصمه الإطار التنسيقي الشيعي، ببيان جديد خلط فيه كل “الترندات” التي شغلت وتشغل العالم. 

خلص بيان الصدر، الذي تجاهل فيه كل ما يحصل في العراق، إلى أن تقنين زواج المثليين في بعض الدول الغربية هو المتسبّب بـ”جدري القرود، الحروب الروسية الأوكرانية، الجفاف، التلوث البيئي، نقص الوقود، الحرائق، الزلازل والتشدد”.  

هذا البيان ليس الأول من نوعه للصدر، فقد سبقته بيانات بالمضامين نفسها تقريباً، وجاء أغلبها بعد أحداث احتاج فيها الصدر إلى شحذ جمهوره الأصولي ومغازلة قناعاته. والخطير في الموضوع، وما بات معروفاً أيضاً، أن هذه البيانات تتحول مباشرة من قبل أتباع الصدر إلى أعمال عنف واعتداءات ضد من يُشتبه بمثليتهم في العراق. 

ويُعد الصدر أحد أكبر المتربصين بالمثليين في العراق.

فالزعيم الديني والسياسي الذي يقود منذ 2003 جماعات مسلحة شرسة، تقتل من يشاء بلا حساب، ويكفي لقصاصة أو “كصوكصة” كما يحب أن يسميّها استصغاراً بضحاياها صادرة عن “محكمة شرعية”، أن ترسل من كُتب عليها اسمه إلى العالم الآخر و”يعلّي” منفّذ ما فيها درجته في “الجنة” لأنه “مؤمن عامل طبّق حكم الله”، كما يصفون في أدبياتهم.

غير أن نظرة استقصائية تكشف أن الصدر ليس عبثياً في اختيار متى يجب “إنزال أمر الله بأعدائه”، ولا علاقة للأمر بالضرورات “الشرعية” ونحوها، بل بوضعه السياسي ومنعطفات علاقته بالمجتمع الديني – الحوزوي الذي ينتمي إليه ويسعى دوماً لتصدره. 

يربط مقتدى كل كارثة تضرب العالم بمجتمع “الميم عين” فيدعو للخلاص منهم. يقول إن “الله غاضب” وبالتالي على المؤمنين إرضاؤه، ليس برفع الظلم الاجتماعي في العراق أو تحسين ظروف الناس الذين صار صغارهم وكبارهم ونساؤهم ينتحرون يومياً للفكاك من الفقر والأمراض والمشكلات في مجتمعهم المتأزم، بل بافتراس “المثليين”.

يستند الصدر في استباحة دماء هذه الفئة من المجتمع، إلى ترسانة من الفتاوى والآراء الدينية التي تلتزمها الجماعات الدينية المتشدّدة بشقيها، الشيعي والسني، وهذه النقطة الوحيدة التي يتفقون عليها رغم قتالهم وضرب بعضهم البعض بأنواع الأسلحة والصواريخ في أوقات متعددة. 

خالف.. تُقتل! 

قتل رجال الصدر بتحريض مباشر منه عشرات المثليين وآخرين ممّن يُنظر إليهم كمغايرين عن الصور النمطية التي يرتئيها هؤلاء، لمجرد قصة الشعر أو شكل الملابس وطريقة الكلام.

ليس المثلي في نظر الصدر ورجاله هو من يميل لجنسه فقط، بل يشمل هذا التوصيف من يطيل شعره أو يضع قرطاً في أذنه أو حتى من يسمع أغاني غريبة مثل الراب أو يستخدم مزيل الشعر لساقيه ويرتدي شورتات قصيرة في الصيف اللاهب، فضلاً عن الفتيات اللاتي يظهرن بمظهر مختلف عن السائد. 

فالتربص بالمثليين والرغبة الشرهة بإنهاء وجودهم كبيرة، ومن لم ينجح منهم في إخفاء هويته وميوله، يسقط في فم الموت غير الرحيم.  

عبد الله، شاب كان دون العشرين من العمر عندما شنّ “جيش المهدي” حملة في 2009 وما تلاها لـ”تطهير المجتمع من المثليين”. 

كان الشاب يسكن في منطقة تقع جنوبي غربي بغداد، وتعد معقلاً لهذا “الجيش” الذي تلاشى وانشق بعض أبرز قادته ليشكلوا “جيوشاً” خاصّة بهم تدعمها إيران. لم يكن عبد الله مثلياً بل ينتمي لعائلة موالية للصدر، وعمه مسؤول في “مكتب السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر”، والد مقتدى. 

ومع ذلك أرعبه مقطع مصور يظهر جثة “سيف العروسة”، الشاب الوسيم ذي الشعر المنسدل، في حي الشعب شرقي بغداد الذي قُتل بواسطة كتلة إسمنتية هُشم بها رأسه. 

سارع عبد الله إلى حلق شعره الذي كان أطول بقليل من المستوى العادي، لئلا يشتبه به “زملاء” عمه فيقتلوه، أو يضعوا الصمغ في فتحته الشرجية مثلما فُعل بغيره وقتها. 

أما في مدينة الصدر، المعقل الأكبر لـ”جيش المهدي” في بغداد والعراق ككل، كان الخوف أكبر بين الشبان وعائلاتهم. وهذه المناطق المكتظة بملايين البشر مستهدفة بالمقام الأول في حملات ملاحقة “المثليين”.  

تأجيج خطاب الكراهية.. ضد مجتمع (الميم عين) 

في 2016، دعا الصدر -المتحالف تواً وقتها مع التيار المدني الذي علا صوته ذلك الحين- إلى وقف العنف ضد “المثليين”، فسارعت “هيومن رايتس ووتش” المنظمة الدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى تلقف هذه الدعوة بـ”صينية ورد” وأشادت بها. 

لا يمكن القول إن هذا الموقف وكذلك إشادة “هيومين رايتس ووتش” الشهيرة به، لم يكونا ذا أثر في إزالة بعض الدموية عن الصورة التي ظهر بها الصدر منذ بداياته. 

على الأقل، لم تعد النظرة إليه مثلاً كالنظرة لقيس الخزعلي، قائد ميليشيا “عصائب أهل الحق”، رغم أن الأخير أسّس هذه الميليشيا بفضل سيرته الذاتية كقائد للمجاميع “الخاصة” المرعبة في “جيش المهدي” قبل انشقاقه عام 2006. 

ومستفيداً من “الصورة الجديدة”، فازت كتلة مقتدى الصدر في انتخابات 2018 التي خاضها متحالفاً مع الحزب الشيوعي، وحل بالمرتبة الأولى. حصل هذا رغم أن “هيومن رايتس ووتش”، ذاتها وثقت في 2009 شهادات ناجين من حملة إبادة المثليين، تحدثوا فيها بالتفصيل عمّا لاقوه وأقرانهم على يد “جيش المهدي” ومساعدتهم: الشرطة العراقية. وعززت الشهادات بأدلة قالت المنظمة إنها اطلعت عليها! 

لكن، هذا الادعاء بالمدنية كان انتهازياً لأغراض سياسية، كمثل الكثير من “تريندات” الصدر وتأرجحاته السياسية.

بمراجعة “تويتر”، هناك أكثر من 16 تدوينة لمقتدى الصدر (بعضها محذوف)، عدا ما كتبه “وزير القائد – صالح محمد العراقي”، تناهض المثليين بأساليب ونبرات مختلفة تخضع لميزان الشد والجذب السياسي والمجتمعي وظروف القاعدة الشعبية وطبيعة علاقته بالحوزة. 

وليضرب احتجاجات تشرين 2019 بعدما فشِل في قيادتها بنفسه ورأى أنصاره يذوبون أمام مشهد الجموع الهائلة، اتهم الصدر المحتجين بـ”نشر المفاسد” وممارسة الأفعال “الشاذة”، حتى نجح بتوجيه ضربات قاصمة لهم وأحرق خيامهم وكان أحد أسباب تفرقهم، وذلك بعد أن قُتل منهم أكثر من 800 مع 25ألف جريح على يد جهات مختلفة. 

قبل انتخابات تشرين الأول 2021 التي فاز فيها الصدر بأكثرية المقاعد المخصصة للشيعة، شبّه الصدر مطلع 2020 المثليين بـ”داعش”، وتوعد بعدم السكوت أو تقييد أتباعه عنهم. 

وفي آذار الماضي، عادت “هيومن رايتس ووتش” لتوثق في تقرير جديد “حالات اختطاف، وقتل خارج نطاق القضاء، وعنف جنسي، واستهداف على الإنترنت لأفراد مجتمع الميم على يد الشرطة والجماعات المسلحة” في العراق.

وخلُصت إلى أن الحكومة العراقية، (برئاسة مصطفى الكاظمي الذي وصف مقتدى الصدر بسيد المقاومة)، مسؤولة عن حماية حقوق مجتمع الميم في الحياة والأمن، لكنها تقاعست عن محاسبة المسؤولين عن العنف. 

بالنسبة للمثليين، فإن بيان الصدر الأخير يخفي هجمة جديدة عليهم، أو على كل من يظهر ويرتدي ملابس عصرية، وهو ما قد يؤدي إلى حملة يكون ضحيّتها شباناً لا ذنب لهم سوى أن الصدر يريد التأكيد، مجدداً، على أصوليته التي تهبط وتعلو حسب مصالحه السياسية. 

أخذ الإعلام يُردد مقولات عن هزيمة الصدر سياسياً بعد ان استقال نوابه من البرلمان، وفشل اعتصامه في المنطقة الخضراء في الضغط على خصومه السياسيين. وكلما فشل الصدر في السياسة، عاد إلى المجتمع لـ”تأديبه” أو “جرّ أذنه” بحسب ما يعبّر كلّ مرّة عندما يستعمل رجاله العنف. لكن “جرّة الأذن” هذه لطالما خلّفت قتلى وخوفا في صفوف الشبّان والشابات، ولا سيما المثليين منهم.

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

في خضمّ أزمة تشكيل الحكومة، فاجأ مقتدى الصدر العراقيين يوم 16 تشرين الأوّل 2022، الذي خسر توّاً نزالاً سياسياً مع خصمه الإطار التنسيقي الشيعي، ببيان جديد خلط فيه كل “الترندات” التي شغلت وتشغل العالم. 

خلص بيان الصدر، الذي تجاهل فيه كل ما يحصل في العراق، إلى أن تقنين زواج المثليين في بعض الدول الغربية هو المتسبّب بـ”جدري القرود، الحروب الروسية الأوكرانية، الجفاف، التلوث البيئي، نقص الوقود، الحرائق، الزلازل والتشدد”.  

هذا البيان ليس الأول من نوعه للصدر، فقد سبقته بيانات بالمضامين نفسها تقريباً، وجاء أغلبها بعد أحداث احتاج فيها الصدر إلى شحذ جمهوره الأصولي ومغازلة قناعاته. والخطير في الموضوع، وما بات معروفاً أيضاً، أن هذه البيانات تتحول مباشرة من قبل أتباع الصدر إلى أعمال عنف واعتداءات ضد من يُشتبه بمثليتهم في العراق. 

ويُعد الصدر أحد أكبر المتربصين بالمثليين في العراق.

فالزعيم الديني والسياسي الذي يقود منذ 2003 جماعات مسلحة شرسة، تقتل من يشاء بلا حساب، ويكفي لقصاصة أو “كصوكصة” كما يحب أن يسميّها استصغاراً بضحاياها صادرة عن “محكمة شرعية”، أن ترسل من كُتب عليها اسمه إلى العالم الآخر و”يعلّي” منفّذ ما فيها درجته في “الجنة” لأنه “مؤمن عامل طبّق حكم الله”، كما يصفون في أدبياتهم.

غير أن نظرة استقصائية تكشف أن الصدر ليس عبثياً في اختيار متى يجب “إنزال أمر الله بأعدائه”، ولا علاقة للأمر بالضرورات “الشرعية” ونحوها، بل بوضعه السياسي ومنعطفات علاقته بالمجتمع الديني – الحوزوي الذي ينتمي إليه ويسعى دوماً لتصدره. 

يربط مقتدى كل كارثة تضرب العالم بمجتمع “الميم عين” فيدعو للخلاص منهم. يقول إن “الله غاضب” وبالتالي على المؤمنين إرضاؤه، ليس برفع الظلم الاجتماعي في العراق أو تحسين ظروف الناس الذين صار صغارهم وكبارهم ونساؤهم ينتحرون يومياً للفكاك من الفقر والأمراض والمشكلات في مجتمعهم المتأزم، بل بافتراس “المثليين”.

يستند الصدر في استباحة دماء هذه الفئة من المجتمع، إلى ترسانة من الفتاوى والآراء الدينية التي تلتزمها الجماعات الدينية المتشدّدة بشقيها، الشيعي والسني، وهذه النقطة الوحيدة التي يتفقون عليها رغم قتالهم وضرب بعضهم البعض بأنواع الأسلحة والصواريخ في أوقات متعددة. 

خالف.. تُقتل! 

قتل رجال الصدر بتحريض مباشر منه عشرات المثليين وآخرين ممّن يُنظر إليهم كمغايرين عن الصور النمطية التي يرتئيها هؤلاء، لمجرد قصة الشعر أو شكل الملابس وطريقة الكلام.

ليس المثلي في نظر الصدر ورجاله هو من يميل لجنسه فقط، بل يشمل هذا التوصيف من يطيل شعره أو يضع قرطاً في أذنه أو حتى من يسمع أغاني غريبة مثل الراب أو يستخدم مزيل الشعر لساقيه ويرتدي شورتات قصيرة في الصيف اللاهب، فضلاً عن الفتيات اللاتي يظهرن بمظهر مختلف عن السائد. 

فالتربص بالمثليين والرغبة الشرهة بإنهاء وجودهم كبيرة، ومن لم ينجح منهم في إخفاء هويته وميوله، يسقط في فم الموت غير الرحيم.  

عبد الله، شاب كان دون العشرين من العمر عندما شنّ “جيش المهدي” حملة في 2009 وما تلاها لـ”تطهير المجتمع من المثليين”. 

كان الشاب يسكن في منطقة تقع جنوبي غربي بغداد، وتعد معقلاً لهذا “الجيش” الذي تلاشى وانشق بعض أبرز قادته ليشكلوا “جيوشاً” خاصّة بهم تدعمها إيران. لم يكن عبد الله مثلياً بل ينتمي لعائلة موالية للصدر، وعمه مسؤول في “مكتب السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر”، والد مقتدى. 

ومع ذلك أرعبه مقطع مصور يظهر جثة “سيف العروسة”، الشاب الوسيم ذي الشعر المنسدل، في حي الشعب شرقي بغداد الذي قُتل بواسطة كتلة إسمنتية هُشم بها رأسه. 

سارع عبد الله إلى حلق شعره الذي كان أطول بقليل من المستوى العادي، لئلا يشتبه به “زملاء” عمه فيقتلوه، أو يضعوا الصمغ في فتحته الشرجية مثلما فُعل بغيره وقتها. 

أما في مدينة الصدر، المعقل الأكبر لـ”جيش المهدي” في بغداد والعراق ككل، كان الخوف أكبر بين الشبان وعائلاتهم. وهذه المناطق المكتظة بملايين البشر مستهدفة بالمقام الأول في حملات ملاحقة “المثليين”.  

تأجيج خطاب الكراهية.. ضد مجتمع (الميم عين) 

في 2016، دعا الصدر -المتحالف تواً وقتها مع التيار المدني الذي علا صوته ذلك الحين- إلى وقف العنف ضد “المثليين”، فسارعت “هيومن رايتس ووتش” المنظمة الدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى تلقف هذه الدعوة بـ”صينية ورد” وأشادت بها. 

لا يمكن القول إن هذا الموقف وكذلك إشادة “هيومين رايتس ووتش” الشهيرة به، لم يكونا ذا أثر في إزالة بعض الدموية عن الصورة التي ظهر بها الصدر منذ بداياته. 

على الأقل، لم تعد النظرة إليه مثلاً كالنظرة لقيس الخزعلي، قائد ميليشيا “عصائب أهل الحق”، رغم أن الأخير أسّس هذه الميليشيا بفضل سيرته الذاتية كقائد للمجاميع “الخاصة” المرعبة في “جيش المهدي” قبل انشقاقه عام 2006. 

ومستفيداً من “الصورة الجديدة”، فازت كتلة مقتدى الصدر في انتخابات 2018 التي خاضها متحالفاً مع الحزب الشيوعي، وحل بالمرتبة الأولى. حصل هذا رغم أن “هيومن رايتس ووتش”، ذاتها وثقت في 2009 شهادات ناجين من حملة إبادة المثليين، تحدثوا فيها بالتفصيل عمّا لاقوه وأقرانهم على يد “جيش المهدي” ومساعدتهم: الشرطة العراقية. وعززت الشهادات بأدلة قالت المنظمة إنها اطلعت عليها! 

لكن، هذا الادعاء بالمدنية كان انتهازياً لأغراض سياسية، كمثل الكثير من “تريندات” الصدر وتأرجحاته السياسية.

بمراجعة “تويتر”، هناك أكثر من 16 تدوينة لمقتدى الصدر (بعضها محذوف)، عدا ما كتبه “وزير القائد – صالح محمد العراقي”، تناهض المثليين بأساليب ونبرات مختلفة تخضع لميزان الشد والجذب السياسي والمجتمعي وظروف القاعدة الشعبية وطبيعة علاقته بالحوزة. 

وليضرب احتجاجات تشرين 2019 بعدما فشِل في قيادتها بنفسه ورأى أنصاره يذوبون أمام مشهد الجموع الهائلة، اتهم الصدر المحتجين بـ”نشر المفاسد” وممارسة الأفعال “الشاذة”، حتى نجح بتوجيه ضربات قاصمة لهم وأحرق خيامهم وكان أحد أسباب تفرقهم، وذلك بعد أن قُتل منهم أكثر من 800 مع 25ألف جريح على يد جهات مختلفة. 

قبل انتخابات تشرين الأول 2021 التي فاز فيها الصدر بأكثرية المقاعد المخصصة للشيعة، شبّه الصدر مطلع 2020 المثليين بـ”داعش”، وتوعد بعدم السكوت أو تقييد أتباعه عنهم. 

وفي آذار الماضي، عادت “هيومن رايتس ووتش” لتوثق في تقرير جديد “حالات اختطاف، وقتل خارج نطاق القضاء، وعنف جنسي، واستهداف على الإنترنت لأفراد مجتمع الميم على يد الشرطة والجماعات المسلحة” في العراق.

وخلُصت إلى أن الحكومة العراقية، (برئاسة مصطفى الكاظمي الذي وصف مقتدى الصدر بسيد المقاومة)، مسؤولة عن حماية حقوق مجتمع الميم في الحياة والأمن، لكنها تقاعست عن محاسبة المسؤولين عن العنف. 

بالنسبة للمثليين، فإن بيان الصدر الأخير يخفي هجمة جديدة عليهم، أو على كل من يظهر ويرتدي ملابس عصرية، وهو ما قد يؤدي إلى حملة يكون ضحيّتها شباناً لا ذنب لهم سوى أن الصدر يريد التأكيد، مجدداً، على أصوليته التي تهبط وتعلو حسب مصالحه السياسية. 

أخذ الإعلام يُردد مقولات عن هزيمة الصدر سياسياً بعد ان استقال نوابه من البرلمان، وفشل اعتصامه في المنطقة الخضراء في الضغط على خصومه السياسيين. وكلما فشل الصدر في السياسة، عاد إلى المجتمع لـ”تأديبه” أو “جرّ أذنه” بحسب ما يعبّر كلّ مرّة عندما يستعمل رجاله العنف. لكن “جرّة الأذن” هذه لطالما خلّفت قتلى وخوفا في صفوف الشبّان والشابات، ولا سيما المثليين منهم.