"أخطاؤها قاتلة".. مراكز تجميل غير مرخصة يملكها مشاهير و"يحميها" مسؤولون

زينب المشاط

18 تشرين الأول 2022

400 مركز تجميل تُجري عمليات قد تكون قاتلة، وتكاد تكون محاسبتها أمراً مستحيلاً نظراً لكون ملكيتها تعود لمشاهير يمتلكون علاقات واسعة بمسؤولين وأصحاب قرار في الدولة.

في مركز تجميل في بغداد، قابلتُ سعاد (اسم مستعار) في حال يرثى لها.

أجرت هذه المرأة 10 عمليات تجميل مختلفة بين عامي 2021 و2022، أغلبها كانت فاشلة وكادت تسبب لها أمراضاً خطيرة، علاوة على التشوّهات التي لحقت بجسدها. كان وجهها -عندما التقينا- مشدوداً من الجانبين بحدة، وجفناها بالكاد يرمشان وشكل شفتيها غير طبيعي كما كان عند بداية شعرها رتقٌ جانبيّ.

“أجريت عملية نحت لجسدي مطلع 2021، وبعد مدة ليست بالطويلة اكتشفت أن جانبي الجسد غير متساويين وبدا الاختلاف واضحاً بينهما”، تقول سعاد. في العام التالي، أجرت عملية أخرى لتصغير الثدي وهذه المرة وضعوا لها شريحة سيليكون تبيّن لاحقاً أنها مستعملة ما أدى لالتهاب ثدييها.

لم تكتفِ سعاد بذلك. هوسها بالحصول على “المزيد من مقاييس الجمال المثالية” كما تقول، دفعها إلى إجراء عملية ثالثة لشدّ الأجفان. حَلق طبيب التجميل جزءاً قليلاً من شعرها ثم رتق جانب الرأس لكن سرعان ما انفتح الرتق فتهدلت أجفانها وتشوه رأسها ووجهها.

تُجرى أغلب عمليات التجميل في مراكز تجميل خاصة، كما فتحت مستشفيات حكومية بينها مدينة الطب في بغداد، أقسام مماثلة، ويبلغ متوسط أسعارها بين 600 إلى 4000 دولار حسب نوع العملية.

لكن في أحيان كثير تكون مراكز التجميل صالونات حلاقة لا أكثر، ومن يقوم بالعمليات الجراحية أشخاص لا يحملون رُخصاً طبيّة لإجراء عمليات التجميل.

يشير الأطباء المتخصصون إلى أن المشكلة تكمن بالإقبال على عمليات التجميل دون أن يكون للشخص حاجة إليها، مثلما أفاد الدكتور غيث السعدي، وهو أخصائي جراحة تجميلية وتقويمية.

بحسب السعدي، فأن واحداً من بين كل خمسة عشر شخصاً يزورون عيادته يومياً لا يكون حقاً بحاجة لعملية تجميل.

يتبع السعدي مختلف الطرق لإقناع من لا يحتاج لعملية تجميل بمغادرة العيادة دون إجرائها “لكنهم لا يقتنعون”. ومما يلحظه فإن “الفلاتر في سناب شات والبلوجرات ونجوم مواقع التواصل الذين يروجون بكثرة لعمليات التجميل شكلوا حافزاً آخر لدى الشباب لإجراء هذه العمليات والإقبال عليها”.

وتعزو أخصائية علم النفس، الدكتورة فرح عبد السلام، اندفاع الناس وخاصة الشباب بكثافة على مراكز التجميل إلى “اضطراب التشوّه الجسدي، وهو حالة نفسية تجعل الإنسان لا يرى في ذاته سوى العيوب ما يجعل الكثيرين مهووسين بإجراء عمليات التجميل”. وتتفق عبد السلام مع طبيب التجميل غيث السعدي بأن “أغلب” زبائن مراكز التجميل يحاولون الحصول على صورة مثالية كما تظهرها الفلاتر في “سناب شات” أو الاقتراب من المظهر الخارجي للمشاهير “لذلك نجد الأغلبية صاروا يشبهون بعضهم وكأنهم مُستَنسَخون”. تنطبق هذه الحالة على الذكور والإناث على حدٍّ سواء، وفق تأكيد السعدي.

“أخطاء لا تغتفر”

الحصول على هذا “المظهر المثالي” بات سوقاً رائجة، حدّ أنه وكأية سوق، بات العرض والطلب فيها يتنوع ويتزايد على الرغم من أن الحديث عن حياة وصحة وسلامة بشر وليست بضائع، تحديداً في المراكز غير المجازة. تقول طبيبة التجميل زينب الشكرجي، وهي مديرة مركز التجميل المجاز الذي تزوره سعاد لإصلاح جسدها، أن أخطاء كبيرة “لا يمكن غفرانها” وقعت أثناء العمليات التي خضعت لها زبونتها الجديدة وأدت بها إلى هذه الحال المزرية.

“قبل إجراء عملية النحت أو تصغير الثدي كان يجب على طبيب التجميل أن يخطط الجسد ثم يجري العملية بنفسه لتأتي النتيجة مثلما تريدها سعاد، لكن عندما يخطط العملية ويترك إجراءها لشخص غيره فإن الخطأ سيقع حتماً”، تقول الشكرجي التي تجزم أن سوء التخطيط قبل العملية أو عدم إجرائها من قبل الطبيب المخطِط ذاته، كان السبب في حالة سعاد.

تتعدد الأخطاء التي تعتمدها مراكز التجميل غير المجازة لانعدام التخصص الطبي أو لتخفيض تكلفة العمليات على حساب صحة وسلامة الأفراد. هكذا نرى بين حين وآخر، أشخاصا ينعون على مواقع التواصل الاجتماعي معارف لهم، أغلبهم نساء، توفين بعد إجراء عمليات إنقاص وزن لاسيما عبر “شفط الدهون”. 

يحتاج هذا النوع من العمليات إلى تخدير الشخص بشكل عام قبل إجراء العملية، لكن هناك من يستخدم التخدير الموضعي وهو خطأ “كبير” بحسب الطبيبة زينب الشكرجي. 

تقول الشكرجي أيضاً إن استخدام مواد رخيصة يعد أحد أبرز أسباب الأخطاء التي تقع في عمليات التجميل، وتعطي مثالا بشأن حقنة “الفلر” الأساسية والشائعة في عالم التجميل: “تتراوح أسعار الحقنة المرخصة من قبل منظمة الصحة العالمية والمتكونة من حمض الهيدرونيك الصافي الذي يذوب داخل الشفاه بمرور الوقت ولا يترك أعراضا جانبية بين 100 إلى 170 دولاراً، غير أن مراكز غير مرخصة تستخدم شحوماً ذاتية رخيصة يقل سعرها عن 50 دولاراً، وهي ليست آمنة”.

أما عملية قص الأجفان، التي أجرتها سعاد وتشوّه وجهها، فتجرى في مثل تلك المراكز والصالونات بسعر 200 ألف دينار عراقي (137 دولاراً)، لكنها في المراكز الاحترافية المرخصة وبإشراف الأطباء المختصين تكلّف بين 340 إلى 500 دولار، بحسب الشكرجي.

ما حدث مع سعاد هو أن الشخص الذي أجرى لها العملية قصّ ضعف المساحة اللازمة من أجفانها. ومع ذلك فهي محظوظة لأنها نجت من خطر أكبر. فوفقاً للشكرجي “أغلب الأطباء لا يجرون فحوصات للزبائن قبل إجراء عمليات التجميل ما يؤدي لإصابتهم أحياناً بأمراض وبائية نتيجة العمليات مثل التهاب الكبد الفيروسي نوع C الذي ينتقل عبر الدم”.

اطلّعت الشكرجي على وفيات عديدة سُجلت في العراق خلال العامين الماضيين بسبب مثل هذه العمليات، وتقول “للأسف لو أجرى الأطباء الفحوصات اللازمة لأجساد الضحايا قبل إجراء العمليات لنجوا، لكنهم يكتفون، كإجراء عالمي، بتوقيع زبائنهم على تعهدات مكتوبة يتحملون بموجبها كامل المسؤولية ولذلك يهملون إجراء الفحوصات المسبقة للضحية (لأنهم ضمنوا عدم محاسبتهم لاحقاً)”.

مشاهير ومسؤولون يمنعون غلق مراكز “مخفية”

في آذار 2022، تحدث نقيب الأطباء في العراق جاسم العزاوي عن الأمور ذاتها كأسباب لزيادة الوفيات. وقال إن هناك 400 مركز تجميل غير مرخص يرتبط بعضها بشخصيات سياسية، مشيراً إلى غلق 190 مركزاً مخالفاً في الربع الثاني من 2021. 

ذكر العزاوي أن المراكز غير المرخصة موزعة غالبيتها في بغداد، ويضم جانب الكرخ عدداً أكبر من المراكز غير المرخصة منه في جانب الرصافة.

“بعض هذه المراكز لا تتعدى كونها صالونات داخل بيوت وأزقة”، ولذلك، بحسب نقيب الأطباء، هناك صعوبة في الوصول إليها، “لن نتمكن من تشخصيها ما لم يصلنا إبلاغ من قبل سكّان المناطق”.

بيد أنه حتّى مع الوصول إلى هذه المراكز والصالونات، فإن إمكانية إغلاقها ومحاسبة القائمين عليها تبقى غير مؤكدة. 

يرتبط بعض هذه المراكز والصالونات بشخصيات سياسية ومشاهير لهم نفوذ يُنجيهم ومراكزهم من الإغلاق والمُحاسبة.

في أيلول الماضي، انتشر مقطع فيديو لهمسة ماجد، وهي شخصّية جدليّة تنشر فيديوهات على السوشيال ميديا، لكنها أيضاً تمتلك مشاريع تجارية من بينها “مركز تجميل”.

كانت ماجد تجلس في مطعم وتتحدث عن وجود أكثر من 5 آلاف طبيب تجميل لا يحملون ترخيصاً لإجراء هكذا عمليات، وكانت ماجد تشير أيضاً إلى مخالفات مركزها. 

اتهمت ماجد إحدى العاملات لديها بتسريب الفيديو، وأخضعتها للمساءلة على يد خمس ضبّاط في القوات الأمنية. 

أظهر الفيديو، بشكل جلي، علاقة وطيدة تربط مشهورين برجال أمن يقدمون الحماية لمراكز لا تملك تراخيص، ولا يعمل فيها متخصصون.

في مراكز -كالذي تملكه ماجد- يقوم أشخاص بعضهم ممرضين أو ينتحلون صفة طبيب بعمليات تجميل بأسعار أقلّ، لكن أخطاءها قد تكون قاتلة أحياناً. سعاد كانت واحدة من ضحايا هؤلاء، وثمة حالات مماثلة موّثقة لدى نقابة الأطباء، المسؤولة عن منح الرخص لمراكز التجميل، والتي أفاد نقيبها الدكتور جاسم العزاوي بأنه لا توجد أرقام رسمية بعدد الوفيات الناجمة عن أخطاء عمليات التجميل.

وقف نقيب الأطباء جاسم العزاوي بنفسه أمام هذا التحدي؛ ففي 14 حزيران العام الجاري عُزل من منصبه لأسباب غير واضحة، بيد أنه أكد لـ”جمار” ان جزءاً من أسباب عزله يعود إلى تطرقه لموضوع مشكلات مراكز التجميل غير المرخصة.

في أيار الماضي، أعلنت نقابة الأطباء في بيان تلقيها شكاوى متزايدة حول تضرر مواطنين ومواطنات جراء عمليات تجميل تجريها مراكز غير قانونية وأشخاص ليسوا مختصين “ما يعرض حياة المواطنين للخطر”. 

وقد تختار بعض عائلات ضحايا الأخطاء في عمليات التجميل السكوت، وقد يلجأ غيرهم إلى تقديم شكوى رسمية ضدّ مديري المركز ومن أجرى العملية، لكن هناك من يذهب إلى الثأر بواسطة العشيرة. 

غير أنه حتى لو تلقت النقابة مثل هذه البلاغات، فلا يُتوقع أن تكون الخطوة التالية سهلة. “بعض مراكز التجميل غير المرخصة تابعة لمشاهير كبلوغرز أو فنانين وهم على اتصال بأشخاص نافذين في الدولة، وقد حاولنا غلقها بالتعاون مع وزارة الصحة لكننا لم ننجح”، يقول نقيب الأطباء العزاوي الذي عاد إلى منصب النقيب.

قبل مغادرتي مركز التجميل العائد للدكتورة زينب الشكرجي، ألقيت نظرة على سعاد. كان فمها ملطخاً بمرهم مخدر وتستعد الطبيبة لحقنها بـ”الفلر” لنفخ شفتيها برسم جديد غير الشكل المشوّه.

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

في مركز تجميل في بغداد، قابلتُ سعاد (اسم مستعار) في حال يرثى لها.

أجرت هذه المرأة 10 عمليات تجميل مختلفة بين عامي 2021 و2022، أغلبها كانت فاشلة وكادت تسبب لها أمراضاً خطيرة، علاوة على التشوّهات التي لحقت بجسدها. كان وجهها -عندما التقينا- مشدوداً من الجانبين بحدة، وجفناها بالكاد يرمشان وشكل شفتيها غير طبيعي كما كان عند بداية شعرها رتقٌ جانبيّ.

“أجريت عملية نحت لجسدي مطلع 2021، وبعد مدة ليست بالطويلة اكتشفت أن جانبي الجسد غير متساويين وبدا الاختلاف واضحاً بينهما”، تقول سعاد. في العام التالي، أجرت عملية أخرى لتصغير الثدي وهذه المرة وضعوا لها شريحة سيليكون تبيّن لاحقاً أنها مستعملة ما أدى لالتهاب ثدييها.

لم تكتفِ سعاد بذلك. هوسها بالحصول على “المزيد من مقاييس الجمال المثالية” كما تقول، دفعها إلى إجراء عملية ثالثة لشدّ الأجفان. حَلق طبيب التجميل جزءاً قليلاً من شعرها ثم رتق جانب الرأس لكن سرعان ما انفتح الرتق فتهدلت أجفانها وتشوه رأسها ووجهها.

تُجرى أغلب عمليات التجميل في مراكز تجميل خاصة، كما فتحت مستشفيات حكومية بينها مدينة الطب في بغداد، أقسام مماثلة، ويبلغ متوسط أسعارها بين 600 إلى 4000 دولار حسب نوع العملية.

لكن في أحيان كثير تكون مراكز التجميل صالونات حلاقة لا أكثر، ومن يقوم بالعمليات الجراحية أشخاص لا يحملون رُخصاً طبيّة لإجراء عمليات التجميل.

يشير الأطباء المتخصصون إلى أن المشكلة تكمن بالإقبال على عمليات التجميل دون أن يكون للشخص حاجة إليها، مثلما أفاد الدكتور غيث السعدي، وهو أخصائي جراحة تجميلية وتقويمية.

بحسب السعدي، فأن واحداً من بين كل خمسة عشر شخصاً يزورون عيادته يومياً لا يكون حقاً بحاجة لعملية تجميل.

يتبع السعدي مختلف الطرق لإقناع من لا يحتاج لعملية تجميل بمغادرة العيادة دون إجرائها “لكنهم لا يقتنعون”. ومما يلحظه فإن “الفلاتر في سناب شات والبلوجرات ونجوم مواقع التواصل الذين يروجون بكثرة لعمليات التجميل شكلوا حافزاً آخر لدى الشباب لإجراء هذه العمليات والإقبال عليها”.

وتعزو أخصائية علم النفس، الدكتورة فرح عبد السلام، اندفاع الناس وخاصة الشباب بكثافة على مراكز التجميل إلى “اضطراب التشوّه الجسدي، وهو حالة نفسية تجعل الإنسان لا يرى في ذاته سوى العيوب ما يجعل الكثيرين مهووسين بإجراء عمليات التجميل”. وتتفق عبد السلام مع طبيب التجميل غيث السعدي بأن “أغلب” زبائن مراكز التجميل يحاولون الحصول على صورة مثالية كما تظهرها الفلاتر في “سناب شات” أو الاقتراب من المظهر الخارجي للمشاهير “لذلك نجد الأغلبية صاروا يشبهون بعضهم وكأنهم مُستَنسَخون”. تنطبق هذه الحالة على الذكور والإناث على حدٍّ سواء، وفق تأكيد السعدي.

“أخطاء لا تغتفر”

الحصول على هذا “المظهر المثالي” بات سوقاً رائجة، حدّ أنه وكأية سوق، بات العرض والطلب فيها يتنوع ويتزايد على الرغم من أن الحديث عن حياة وصحة وسلامة بشر وليست بضائع، تحديداً في المراكز غير المجازة. تقول طبيبة التجميل زينب الشكرجي، وهي مديرة مركز التجميل المجاز الذي تزوره سعاد لإصلاح جسدها، أن أخطاء كبيرة “لا يمكن غفرانها” وقعت أثناء العمليات التي خضعت لها زبونتها الجديدة وأدت بها إلى هذه الحال المزرية.

“قبل إجراء عملية النحت أو تصغير الثدي كان يجب على طبيب التجميل أن يخطط الجسد ثم يجري العملية بنفسه لتأتي النتيجة مثلما تريدها سعاد، لكن عندما يخطط العملية ويترك إجراءها لشخص غيره فإن الخطأ سيقع حتماً”، تقول الشكرجي التي تجزم أن سوء التخطيط قبل العملية أو عدم إجرائها من قبل الطبيب المخطِط ذاته، كان السبب في حالة سعاد.

تتعدد الأخطاء التي تعتمدها مراكز التجميل غير المجازة لانعدام التخصص الطبي أو لتخفيض تكلفة العمليات على حساب صحة وسلامة الأفراد. هكذا نرى بين حين وآخر، أشخاصا ينعون على مواقع التواصل الاجتماعي معارف لهم، أغلبهم نساء، توفين بعد إجراء عمليات إنقاص وزن لاسيما عبر “شفط الدهون”. 

يحتاج هذا النوع من العمليات إلى تخدير الشخص بشكل عام قبل إجراء العملية، لكن هناك من يستخدم التخدير الموضعي وهو خطأ “كبير” بحسب الطبيبة زينب الشكرجي. 

تقول الشكرجي أيضاً إن استخدام مواد رخيصة يعد أحد أبرز أسباب الأخطاء التي تقع في عمليات التجميل، وتعطي مثالا بشأن حقنة “الفلر” الأساسية والشائعة في عالم التجميل: “تتراوح أسعار الحقنة المرخصة من قبل منظمة الصحة العالمية والمتكونة من حمض الهيدرونيك الصافي الذي يذوب داخل الشفاه بمرور الوقت ولا يترك أعراضا جانبية بين 100 إلى 170 دولاراً، غير أن مراكز غير مرخصة تستخدم شحوماً ذاتية رخيصة يقل سعرها عن 50 دولاراً، وهي ليست آمنة”.

أما عملية قص الأجفان، التي أجرتها سعاد وتشوّه وجهها، فتجرى في مثل تلك المراكز والصالونات بسعر 200 ألف دينار عراقي (137 دولاراً)، لكنها في المراكز الاحترافية المرخصة وبإشراف الأطباء المختصين تكلّف بين 340 إلى 500 دولار، بحسب الشكرجي.

ما حدث مع سعاد هو أن الشخص الذي أجرى لها العملية قصّ ضعف المساحة اللازمة من أجفانها. ومع ذلك فهي محظوظة لأنها نجت من خطر أكبر. فوفقاً للشكرجي “أغلب الأطباء لا يجرون فحوصات للزبائن قبل إجراء عمليات التجميل ما يؤدي لإصابتهم أحياناً بأمراض وبائية نتيجة العمليات مثل التهاب الكبد الفيروسي نوع C الذي ينتقل عبر الدم”.

اطلّعت الشكرجي على وفيات عديدة سُجلت في العراق خلال العامين الماضيين بسبب مثل هذه العمليات، وتقول “للأسف لو أجرى الأطباء الفحوصات اللازمة لأجساد الضحايا قبل إجراء العمليات لنجوا، لكنهم يكتفون، كإجراء عالمي، بتوقيع زبائنهم على تعهدات مكتوبة يتحملون بموجبها كامل المسؤولية ولذلك يهملون إجراء الفحوصات المسبقة للضحية (لأنهم ضمنوا عدم محاسبتهم لاحقاً)”.

مشاهير ومسؤولون يمنعون غلق مراكز “مخفية”

في آذار 2022، تحدث نقيب الأطباء في العراق جاسم العزاوي عن الأمور ذاتها كأسباب لزيادة الوفيات. وقال إن هناك 400 مركز تجميل غير مرخص يرتبط بعضها بشخصيات سياسية، مشيراً إلى غلق 190 مركزاً مخالفاً في الربع الثاني من 2021. 

ذكر العزاوي أن المراكز غير المرخصة موزعة غالبيتها في بغداد، ويضم جانب الكرخ عدداً أكبر من المراكز غير المرخصة منه في جانب الرصافة.

“بعض هذه المراكز لا تتعدى كونها صالونات داخل بيوت وأزقة”، ولذلك، بحسب نقيب الأطباء، هناك صعوبة في الوصول إليها، “لن نتمكن من تشخصيها ما لم يصلنا إبلاغ من قبل سكّان المناطق”.

بيد أنه حتّى مع الوصول إلى هذه المراكز والصالونات، فإن إمكانية إغلاقها ومحاسبة القائمين عليها تبقى غير مؤكدة. 

يرتبط بعض هذه المراكز والصالونات بشخصيات سياسية ومشاهير لهم نفوذ يُنجيهم ومراكزهم من الإغلاق والمُحاسبة.

في أيلول الماضي، انتشر مقطع فيديو لهمسة ماجد، وهي شخصّية جدليّة تنشر فيديوهات على السوشيال ميديا، لكنها أيضاً تمتلك مشاريع تجارية من بينها “مركز تجميل”.

كانت ماجد تجلس في مطعم وتتحدث عن وجود أكثر من 5 آلاف طبيب تجميل لا يحملون ترخيصاً لإجراء هكذا عمليات، وكانت ماجد تشير أيضاً إلى مخالفات مركزها. 

اتهمت ماجد إحدى العاملات لديها بتسريب الفيديو، وأخضعتها للمساءلة على يد خمس ضبّاط في القوات الأمنية. 

أظهر الفيديو، بشكل جلي، علاقة وطيدة تربط مشهورين برجال أمن يقدمون الحماية لمراكز لا تملك تراخيص، ولا يعمل فيها متخصصون.

في مراكز -كالذي تملكه ماجد- يقوم أشخاص بعضهم ممرضين أو ينتحلون صفة طبيب بعمليات تجميل بأسعار أقلّ، لكن أخطاءها قد تكون قاتلة أحياناً. سعاد كانت واحدة من ضحايا هؤلاء، وثمة حالات مماثلة موّثقة لدى نقابة الأطباء، المسؤولة عن منح الرخص لمراكز التجميل، والتي أفاد نقيبها الدكتور جاسم العزاوي بأنه لا توجد أرقام رسمية بعدد الوفيات الناجمة عن أخطاء عمليات التجميل.

وقف نقيب الأطباء جاسم العزاوي بنفسه أمام هذا التحدي؛ ففي 14 حزيران العام الجاري عُزل من منصبه لأسباب غير واضحة، بيد أنه أكد لـ”جمار” ان جزءاً من أسباب عزله يعود إلى تطرقه لموضوع مشكلات مراكز التجميل غير المرخصة.

في أيار الماضي، أعلنت نقابة الأطباء في بيان تلقيها شكاوى متزايدة حول تضرر مواطنين ومواطنات جراء عمليات تجميل تجريها مراكز غير قانونية وأشخاص ليسوا مختصين “ما يعرض حياة المواطنين للخطر”. 

وقد تختار بعض عائلات ضحايا الأخطاء في عمليات التجميل السكوت، وقد يلجأ غيرهم إلى تقديم شكوى رسمية ضدّ مديري المركز ومن أجرى العملية، لكن هناك من يذهب إلى الثأر بواسطة العشيرة. 

غير أنه حتى لو تلقت النقابة مثل هذه البلاغات، فلا يُتوقع أن تكون الخطوة التالية سهلة. “بعض مراكز التجميل غير المرخصة تابعة لمشاهير كبلوغرز أو فنانين وهم على اتصال بأشخاص نافذين في الدولة، وقد حاولنا غلقها بالتعاون مع وزارة الصحة لكننا لم ننجح”، يقول نقيب الأطباء العزاوي الذي عاد إلى منصب النقيب.

قبل مغادرتي مركز التجميل العائد للدكتورة زينب الشكرجي، ألقيت نظرة على سعاد. كان فمها ملطخاً بمرهم مخدر وتستعد الطبيبة لحقنها بـ”الفلر” لنفخ شفتيها برسم جديد غير الشكل المشوّه.