"وقحات" أو "مفجوعات".. مشارط تمزق أنوثتنا لنكن ملائمات!

أماني الحسن

13 تشرين الأول 2022

لي ذكريات كثيرة تخص الحزن وما يُرافقه، وتنميط المرأة عند حلوله، وما يجب أن تكون عليه عند هبوطه فجأة. كانت نساء عائلتنا وكأنهن يُمسكنَ شفرات حادة لتشويه أنوثتهن وتقطيعها، ذلك ليتمكّنَّ من التواجد قرب أحد أفراد عائلاتهن في لحظات المصائب.

مُنعت هدى[1] من زيارة والدها الذي كان راقداً على فراش الموت في طوارئ مستشفى الزهراء في محافظة واسط، لأنها، وبحسب ما أخبرها “الكبار” في عائلتها، يصبح وجهها مُشعّاً وهي حزينة، كما أن ملابسها لا تتلاءم مع الأحزان التي تضرب العائلة والعشيرة. كان المنع قائماً على شكلها الخارجي الذي لا يتماشى وتصور العائلة عن المرأة المنكوبة.

لي الكثير من الذكريات التي تخص الحزن وما يُرافقه، وتنميط المرأة عند حلوله، وما يجب أن تكون عليه عند هبوطه فجأة. كانت نساء عائلتنا وكأنهن يُمسكنَ شفرات حادة لتشويه أنوثتهن وتقطيعها، ذلك ليتمكّنَّ من التواجد قرب أحد أفراد عائلاتهن في لحظات المصائب. عشرات المشاهد والقصص هجمت عَلَيَّ عندما أخبرتني هدى بمنعها من رؤية والدها المُسجّى. لفظ الأب أنفاسه الأخيرة، وجمال ابنته صار حائلاً دون لقائهما الأخير!

نساء “غير مسؤولات”

مرّت العاطفة لدى المرأة من مرحلة “تصنيف” حتى وصولها إلى “وصمة”. إذ يُردّد وعلى نطاق واسع –حتّى بين النساء أنفسهن- أن “المرأة كائن عاطفي”، وأن النساء معبّرات عمّا بداخلهن أكثر من اللزوم، ولا يستطعن إخفاء مشاعرهن؛ ما يعني أنه تم “تصنيف” النساء بأنهن بجوهرهن عاطفيات. في المقابل شاع “تصنيف” آخر يعتبر الرجال على أنهم “كتومون” لا يعبّرون عن مشاعرهم وآلامهم وأحزانهم. 

بالتالي، فإن النساء والرجال يقفون على طرفيّ نقيض من المشاعر. عليه، إذا ظهرت المرأة أو تصرفت أو عبّرت عن نفسها بطريقة مغايرة لما يُتوقع منها عاطفياً، فإنها توصم بـ”اللامسؤولية”، بل ولا تؤخذ على محمل الجد.. حدّ أن كون امرأة ما قوية يجعل منها “مُسترجلة”!

من هنا فقد أخذت “المسؤولية” لدى النساء وسط المجتمع العراقي، ولاسيما في محافظات الجنوب، تتمحور حول مدى اهتمام المرأة بشكلها من عدمه. إذا أخرجت المرأة شفرتها وشطبت بها على أنوثتها ومظهرها فهذا معناه، بالنسبة للذكور ولعدد كبير من النساء، أنها على قدر من المسؤولية لتحمل “المواقف الصعبة” مثل لحظات المصائب. أما إذا كانت المرأة مهتمة بشكلها ولا تظهر على ما يريده المجتمع.. مهترئة روحاً وشكلاً، فهي إنسانة غير مسؤولة.

الحقوق للحزينات!

“لقد منعوني من رؤية والدتي ولكنهم لم يمنعوا أختي رغم تقارب العمر بيننا، وكان السبب طريقة ارتدائها للملابس”، تروي تقى[2]، وهي غاضبة من إخوتها الذين يرونها إنسانة تهتم بذاتها ولا تهتم بما يحصل مع الآخرين، وعلى هذا الأساس فهي لا تستحق حتّى أن تزور والدتها المريضة. 

اعتبرت هدى “وكحة” لأنها لم تبدُ منكسرة بمظهرها.. أي أنه طالما هي على هذه الشاكلة، فإنها لا تمتلك أيّة مشاعر تجاه والدتها. كانت تقى مسؤولة عن والدتها لسنوات. جدولت مواعيد أدويتها، وحرصت على حصولها على حمّامها، واستنشاق الهواء كل يوم، ومنحها ما يخفف من ألمها.

“كانوا يريدون مني الذهاب للمستشفى بأسوأ ملابسي ليراني الأقرباء بأنني إنسانة حزينة على والدتي. لم أفعل، لكن هذا ما فعلته أُختي.. وعلى الرغم من عودة أمي للبيت وتماثلها للشفاء، إلا أن الموقف ما زال عالقاً في رأسي.. إنهم يكرهون الحياة والجمال.. هكذا أراهم”.

في الجنوب العراقي، تتعرض المرأة لشتى أنواع القمع وخاصة حقّها في التعبير عن وجودها، سواء كان جسدياً، والذي غالباً ما يكون مقيداً بممنوعات كثيرة، أم معنوياً على صعيد قدرتها على اتخاذ قراراتها الشخصية. بيد أن هناك عنفاً آخر تتعرض له الإناث ولا يتم إظهاره إلا في مناسبة معينة وهو التعبير عن الحزن. لقد طوّر الرجال بمرور الزمن قواعد ينبغي على “المرأة الحزينة” إتباعها، وإذا ما خالفنها، فإنهن يُمنعن من زيارة المرضى في المستشفيات أو في البيوت، ويمتد الأمر كذلك إلى العزاءات، التي باتت مطارح من التعبيرات الهائجة والمفرطة عن العواطف.

للحزينات مستويات

في طفولتي، وخلال عيشي في قلب الجنوب، كنت أشهد مظاهر الحزن والموت بصورة دائمة. يقود صوت “الملاية” العزاء وهي تنشد قصائد تهرس نياط القلب بعد أن تقطّعها. عبر مشاهدتي لعزاءات (فواتح) كثيرة، بت ألحظ المقارنات التي يتم عقدها من النسوة الأخريات على صاحبات العزاء: كلما أكثرت المرأة باللطم والبكاء والصراخ، كلما زادت الإشادة بمدى حبها للميت، ما جعلني أرجح بأن النساء يُقسمن إلى ثلاثة مستويات في هذه المطارح: المفجوعة والحزينة و”الوقحة” (الوكحة) أو صاحبة العين الوقحة.

من مظاهر المرأة المفجوعة أنها تشق ثيابها وتخمش وجهها وهي تعلو بالصراخ حتى الإغماء. تقوم المفجوعة بهذه الأفعال بغض النظر عن حبها أو كرهها للميت، وحتى من الممكن ألا تكون تجمعها قرابة به. وللمفجوعة حظوة، إذ تتجمهر النسوة حولها أو يقابلنها لحثها على إظهار انفعالاتها. فنرى الداخلات إلى العزاء يذهبن إلى المفجوعة مباشرة ويقابلنها ويطلقن الأنين الذي يكون غالباً غير مفهوم.

أما المرأة الحزينة فهي تلك التي تنقصها الخبرة في إظهار الحزن وتكون معروفة بهذا، فيكون بكاؤها خافتاً، وتفشل محاولاتها، على الدوام، في التجانس مع حزن باقي النسوة. تهمس المفجوعات، بخصوص الحزينة، بالقول “معذورة غير واعية”.. ما يدلل على أن الحزن بات سلطة يخلق علاقة ترابية بين النساء.

وعلى العكس من المفجوعة والحزينة، لا تظهر “الوقحة” -أو “الوكحة” بالعامية- حزنها على مقاس الأخريات، ولذلك تسمّيها النسوة بـ”العين الوقحة”، ما يعني أن عينها “لم تكسر” لوفاة قريب لها. واصطلح إطلاق “الوقحة” على كل من لا تتعرض “للانكسار” من حيث المظهر في الجنوب، ما يعني أن الانكسار والضعف شرطان أساسيان لتكون المرأة الجنوبية “جيدة”. فإذا كانت امرأة ما قوية وقادرة على الاعتناء بذاتها وبالآخرين، فتظهر غير منكسرة وغير صارخة في العزاءات، فتصبح عرضة لجميع الوصمات؛ واقول جميعها لأن الوقحة مصطلح يحمل في طياته الكثير من القدرة على ارتكاب الفواحش، بالتالي فهي غير “مضمونة أخلاقياً” لديهم. 

وتساهم النساء أنفسهن في إدامة هذه التوصيفات، كون الرجال ليسوا دائماً في مساحة تواصل مع النساء، وكل ما يصلهم عن النساء يكون من نساء العائلة. وفي هذه الدائرة تصدر الأحكام، التي تمتد إلى المساحات المشتركة بين الجنسين فتكرر التصنيفات والوصمات وتُتداول دون نقد أو وعي.

لكن ماذا عن النسوة اللواتي يُمسكن الحزن من يديه ويتعلقن بأذيال ثوبه الطويل؟ هل هن حزينات بالفعل؟ لقد أخذت النسوة طوق المرأة الجنوبية المثالية واختنقن فيه. جزء كبير من هذا الطوق وضعه الرجال حول أعناق النسوة وجزء آخر ساهمت النساء بلبسه تبرعاً. جزئية الصراخ الهائج هي تعبير عن اختناق لا ينتهي وحزن ملتصق بهن. إنهن يصرخن من الألم ومن عدم قدرتهن على التنفس إلا في فضاء العزاءات، وهنّ اللواتي يكاد ينعدم وجودهن خارج المنزل وخارج مساحات الحزن. النساء ذاتهن، اللواتي يخنقن الأخريات بالفضائل والصور النمطية، يرزحن تحت وطأة ما يُقلن، هذا واقع يكاد يكون الأسوأ في حياة النسوة.

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

مُنعت هدى[1] من زيارة والدها الذي كان راقداً على فراش الموت في طوارئ مستشفى الزهراء في محافظة واسط، لأنها، وبحسب ما أخبرها “الكبار” في عائلتها، يصبح وجهها مُشعّاً وهي حزينة، كما أن ملابسها لا تتلاءم مع الأحزان التي تضرب العائلة والعشيرة. كان المنع قائماً على شكلها الخارجي الذي لا يتماشى وتصور العائلة عن المرأة المنكوبة.

لي الكثير من الذكريات التي تخص الحزن وما يُرافقه، وتنميط المرأة عند حلوله، وما يجب أن تكون عليه عند هبوطه فجأة. كانت نساء عائلتنا وكأنهن يُمسكنَ شفرات حادة لتشويه أنوثتهن وتقطيعها، ذلك ليتمكّنَّ من التواجد قرب أحد أفراد عائلاتهن في لحظات المصائب. عشرات المشاهد والقصص هجمت عَلَيَّ عندما أخبرتني هدى بمنعها من رؤية والدها المُسجّى. لفظ الأب أنفاسه الأخيرة، وجمال ابنته صار حائلاً دون لقائهما الأخير!

نساء “غير مسؤولات”

مرّت العاطفة لدى المرأة من مرحلة “تصنيف” حتى وصولها إلى “وصمة”. إذ يُردّد وعلى نطاق واسع –حتّى بين النساء أنفسهن- أن “المرأة كائن عاطفي”، وأن النساء معبّرات عمّا بداخلهن أكثر من اللزوم، ولا يستطعن إخفاء مشاعرهن؛ ما يعني أنه تم “تصنيف” النساء بأنهن بجوهرهن عاطفيات. في المقابل شاع “تصنيف” آخر يعتبر الرجال على أنهم “كتومون” لا يعبّرون عن مشاعرهم وآلامهم وأحزانهم. 

بالتالي، فإن النساء والرجال يقفون على طرفيّ نقيض من المشاعر. عليه، إذا ظهرت المرأة أو تصرفت أو عبّرت عن نفسها بطريقة مغايرة لما يُتوقع منها عاطفياً، فإنها توصم بـ”اللامسؤولية”، بل ولا تؤخذ على محمل الجد.. حدّ أن كون امرأة ما قوية يجعل منها “مُسترجلة”!

من هنا فقد أخذت “المسؤولية” لدى النساء وسط المجتمع العراقي، ولاسيما في محافظات الجنوب، تتمحور حول مدى اهتمام المرأة بشكلها من عدمه. إذا أخرجت المرأة شفرتها وشطبت بها على أنوثتها ومظهرها فهذا معناه، بالنسبة للذكور ولعدد كبير من النساء، أنها على قدر من المسؤولية لتحمل “المواقف الصعبة” مثل لحظات المصائب. أما إذا كانت المرأة مهتمة بشكلها ولا تظهر على ما يريده المجتمع.. مهترئة روحاً وشكلاً، فهي إنسانة غير مسؤولة.

الحقوق للحزينات!

“لقد منعوني من رؤية والدتي ولكنهم لم يمنعوا أختي رغم تقارب العمر بيننا، وكان السبب طريقة ارتدائها للملابس”، تروي تقى[2]، وهي غاضبة من إخوتها الذين يرونها إنسانة تهتم بذاتها ولا تهتم بما يحصل مع الآخرين، وعلى هذا الأساس فهي لا تستحق حتّى أن تزور والدتها المريضة. 

اعتبرت هدى “وكحة” لأنها لم تبدُ منكسرة بمظهرها.. أي أنه طالما هي على هذه الشاكلة، فإنها لا تمتلك أيّة مشاعر تجاه والدتها. كانت تقى مسؤولة عن والدتها لسنوات. جدولت مواعيد أدويتها، وحرصت على حصولها على حمّامها، واستنشاق الهواء كل يوم، ومنحها ما يخفف من ألمها.

“كانوا يريدون مني الذهاب للمستشفى بأسوأ ملابسي ليراني الأقرباء بأنني إنسانة حزينة على والدتي. لم أفعل، لكن هذا ما فعلته أُختي.. وعلى الرغم من عودة أمي للبيت وتماثلها للشفاء، إلا أن الموقف ما زال عالقاً في رأسي.. إنهم يكرهون الحياة والجمال.. هكذا أراهم”.

في الجنوب العراقي، تتعرض المرأة لشتى أنواع القمع وخاصة حقّها في التعبير عن وجودها، سواء كان جسدياً، والذي غالباً ما يكون مقيداً بممنوعات كثيرة، أم معنوياً على صعيد قدرتها على اتخاذ قراراتها الشخصية. بيد أن هناك عنفاً آخر تتعرض له الإناث ولا يتم إظهاره إلا في مناسبة معينة وهو التعبير عن الحزن. لقد طوّر الرجال بمرور الزمن قواعد ينبغي على “المرأة الحزينة” إتباعها، وإذا ما خالفنها، فإنهن يُمنعن من زيارة المرضى في المستشفيات أو في البيوت، ويمتد الأمر كذلك إلى العزاءات، التي باتت مطارح من التعبيرات الهائجة والمفرطة عن العواطف.

للحزينات مستويات

في طفولتي، وخلال عيشي في قلب الجنوب، كنت أشهد مظاهر الحزن والموت بصورة دائمة. يقود صوت “الملاية” العزاء وهي تنشد قصائد تهرس نياط القلب بعد أن تقطّعها. عبر مشاهدتي لعزاءات (فواتح) كثيرة، بت ألحظ المقارنات التي يتم عقدها من النسوة الأخريات على صاحبات العزاء: كلما أكثرت المرأة باللطم والبكاء والصراخ، كلما زادت الإشادة بمدى حبها للميت، ما جعلني أرجح بأن النساء يُقسمن إلى ثلاثة مستويات في هذه المطارح: المفجوعة والحزينة و”الوقحة” (الوكحة) أو صاحبة العين الوقحة.

من مظاهر المرأة المفجوعة أنها تشق ثيابها وتخمش وجهها وهي تعلو بالصراخ حتى الإغماء. تقوم المفجوعة بهذه الأفعال بغض النظر عن حبها أو كرهها للميت، وحتى من الممكن ألا تكون تجمعها قرابة به. وللمفجوعة حظوة، إذ تتجمهر النسوة حولها أو يقابلنها لحثها على إظهار انفعالاتها. فنرى الداخلات إلى العزاء يذهبن إلى المفجوعة مباشرة ويقابلنها ويطلقن الأنين الذي يكون غالباً غير مفهوم.

أما المرأة الحزينة فهي تلك التي تنقصها الخبرة في إظهار الحزن وتكون معروفة بهذا، فيكون بكاؤها خافتاً، وتفشل محاولاتها، على الدوام، في التجانس مع حزن باقي النسوة. تهمس المفجوعات، بخصوص الحزينة، بالقول “معذورة غير واعية”.. ما يدلل على أن الحزن بات سلطة يخلق علاقة ترابية بين النساء.

وعلى العكس من المفجوعة والحزينة، لا تظهر “الوقحة” -أو “الوكحة” بالعامية- حزنها على مقاس الأخريات، ولذلك تسمّيها النسوة بـ”العين الوقحة”، ما يعني أن عينها “لم تكسر” لوفاة قريب لها. واصطلح إطلاق “الوقحة” على كل من لا تتعرض “للانكسار” من حيث المظهر في الجنوب، ما يعني أن الانكسار والضعف شرطان أساسيان لتكون المرأة الجنوبية “جيدة”. فإذا كانت امرأة ما قوية وقادرة على الاعتناء بذاتها وبالآخرين، فتظهر غير منكسرة وغير صارخة في العزاءات، فتصبح عرضة لجميع الوصمات؛ واقول جميعها لأن الوقحة مصطلح يحمل في طياته الكثير من القدرة على ارتكاب الفواحش، بالتالي فهي غير “مضمونة أخلاقياً” لديهم. 

وتساهم النساء أنفسهن في إدامة هذه التوصيفات، كون الرجال ليسوا دائماً في مساحة تواصل مع النساء، وكل ما يصلهم عن النساء يكون من نساء العائلة. وفي هذه الدائرة تصدر الأحكام، التي تمتد إلى المساحات المشتركة بين الجنسين فتكرر التصنيفات والوصمات وتُتداول دون نقد أو وعي.

لكن ماذا عن النسوة اللواتي يُمسكن الحزن من يديه ويتعلقن بأذيال ثوبه الطويل؟ هل هن حزينات بالفعل؟ لقد أخذت النسوة طوق المرأة الجنوبية المثالية واختنقن فيه. جزء كبير من هذا الطوق وضعه الرجال حول أعناق النسوة وجزء آخر ساهمت النساء بلبسه تبرعاً. جزئية الصراخ الهائج هي تعبير عن اختناق لا ينتهي وحزن ملتصق بهن. إنهن يصرخن من الألم ومن عدم قدرتهن على التنفس إلا في فضاء العزاءات، وهنّ اللواتي يكاد ينعدم وجودهن خارج المنزل وخارج مساحات الحزن. النساء ذاتهن، اللواتي يخنقن الأخريات بالفضائل والصور النمطية، يرزحن تحت وطأة ما يُقلن، هذا واقع يكاد يكون الأسوأ في حياة النسوة.