رزق يُصحِّر الغابات: سردار يقطع أشجار كركوك وخورشيد يحوّلها إلى فحم! 

علي مال الله

09 تشرين الأول 2022

يعتمد رزق سردار غريب وعبد الله زيدان خورشيد على مهنة قطع أشجار الغابات التي تسبّب التصحر وتدمر البيئة. وبالرغم من أنهما قد يواجهان عقوبة السجن، لكنهما لا يرتدعان عن مهنتهما.

يوظِّب سردار غريب (30 عاماً) معداته ويضعها في شاحنة كبيرة وينطلق صباح كل يوم مع زملائه إلى غابات تقع على أطراف محافظة كركوك، وعندما يخرجون منها يتغيّر كل شيء. 

غريب ورفاقه قاطعو أشجار يبيعون الخشب إلى معامل صناعة الفحم، ونشاطهم غير قانوني.

يستخدم غريب وزملاؤه مناشير كهربائية فائقة السرعة. يضعون رأسها المسنن على جذع الشجرة ويضغطون على المكبس لتسقط الشجرة ما إن يخرج رأس المنشار من الطرف الثاني للجذع.

ولتسهيل النقل، تقطّع الجذوع إلى أجزاء صغيرة وتحمّل في سيارات يتسع حوض الواحدة إلى طنين.

قطع سردار وفريقه المكوّن من 14 شخصاً منذ اختاروا هذا العمل قبل نحو 4 سنوات، قرابة 3 آلاف شجرة من غابات تقوم على ضفاف نهر الزاب أحد روافد دجلة، والذي يقسم ناحية ألتون كوبري في كركوك إلى نصفين ويمتد وصولاً إلى صلاح الدين المجاورة.

غير بعيد عن مواقع الغابات، ينتظر عبد الله زيدان خورشيد (28 عاماً) ما يحمله إليه سردار غريب والعاملين معه من أخشاب كل يوم، ويشتري الطن الواحد منهم بنحو 100 دولار أمريكي.

يملك عبد الله أفراناً لصناعة الفحم ورثها عن أجداده، وهي عبارة عن حفر تحت الأرض عليها غطاء حديدي بمقبض. يرمي هو وعماله الخشب في الداخل ويشعلون النار ثم يغلقون الفوهة، ويعودون بعد يومين لفتحها وينتظرون خروج الدخان قبل أن يسحبوا الفحم بواسطة سيارة ليضعوه بجانب الحفرة.

تحرق هذه الأفران كميات من الخشب يومياً تتراوح بين طن إلى 3 أطنان، ويعاني بعض المشتغلين فيها من أمراض تنفسية سببها طبيعة عملهم.

ويبيع عبد الله منتجه الأسود إلى مطاعم في كركوك ويصدّر كميات كبيرة إلى بغداد معبأة في أكياس النايلون، ويستخدمها المشترون للشواء.

فحم ذو جودة “يفاقم التصحر”

بحسب عضو الجمعيات الفلاحية في كركوك سعدون ياسر، فإن جودة ورائحة الأشجار المزروعة في غابات كركوك وأعدادها الكثيفة مغرية للفحّامة وتجار الأخشاب.

ويقول لـ”جمار”، إن فحم هذه الأشجار أفضل من أنواع الفحم التركي والروسي والأوكراني “التي يستورد العراق أكثر من 250 ألف طن منها سنوياً”.

تصل مساحة الغابات في كركوك إلى 25 ألف دونم، وفق الأرقام الرسمية، وهي تنتظم في الشريط الحدودي بين كركوك وأربيل، وتبدأ تحديداً من ناحية ألتون كوبري (40 كم شمال كركوك) وتمر بقضاء الدبس وناحية الزاب في الحويجة.

لكن المساحة تقلصت بفعل الحرائق المتتالية، وآخرها اندلع في حزيران الماضي في ألتون كوبري وقضى على 25 دونماً، بحسب مديرية الزراعة.

يتابع زكي كريم، مسؤول الموارد المائية وفريدون زنكنة مدير البلدية في كركوك العمل الذي يقوم به سردار غريب وعبد الله خورشيد، ويقولان إن هذه الأنشطة أضرت بالبيئة وزادت من التصحر الذي بلغ مستويات عالية خلال الفترة القليلة الماضية بعد النقص الكبير في المياه وتناقص الأشجار بفعل الجفاف أو القطع.

خسر العراق مؤخراً نصف وارداته من المياه جراء بناء دول المنبع تركيا وإيران السدود على مجاري الأنهر وحبسهما لمياه داخل أراضيهما، ونتيجة لذلك قلّص العراق مساحاته المزروعة إلى النصف. 

كان الفلاحون يزرعون مليون و250 ألف دونم في كركوك بمختلف أنواع المحاصيل، لكن السلطات أجبرتهم على تخفيض المساحة إلى 500 دونم فقط بسبب شح المياه.

عرض هلو غازي، رئيس منظمة الدبس المحلية في كركوك لحماية البيئة، علينا صوراً تظهر محاولة رجال الإطفاء المعززين بمفارز من مراكز من مناطق أخرى إخماد نيران مندلعة في غابات ألتون كوبري قبل شهرين.

تندلع بعض الحرائق في غابات منحتها البلدية لمستثمرين من أجل بناء مشاتل عليها، ولا أحد يعرف حتى الآن مصدر تلك النيران بيد أن غازي يشك بأنهم “الفحّامة وتجار الأخشاب”.

بالنسبة له، فإن زحف هؤلاء باتجاه الغابات يمثل “كارثة بيئية (..)، فهذه الغابات محميات طبيعية تصدّ العواصف الترابية وتقلل من حدة التصحر”، ويتفق معه المسؤولان الحكوميان زكي كريم وفريدون زنكنة.

في الأشهر الأخيرة تكررت هبوب العواصف الترابية وبلغ معدلها عاصفة واحدة أسبوعياً تغطي معظم المدن العراقية وترسل الآلاف إلى المستشفيات كما قتلت شخصين اختناقاً، على الأقل، وفق ما أعلنته وزارة الصحة وقتها.

ويتوقع مسؤولون هبوب 300 عاصفة ترابية في السنة الواحدة مستقبلاً، بينما تتخذ بغداد خطوات لمكافحة التصحر عبر التشجير لكنها تصطدم بعقبات عدة أبرزها قلة المياه.

“قاطعو الأشجار مجرمون”

يقول مدير البلدية في كركوك فريدون زنكنة إن دائرته خصصت أموالاً لزيادة المساحات الخضراء وأطلقت حملة للتشجير، في حين وضعت إدارة كركوك شرطاً لقبول الطلبة في الجامعات وتخرجهم منها، وهو غرس شجرة، وتعمل دائرة الزراعة على زيادة المساحات المزروعة وفق مديرها زهير علي.

يصف مدير البلدية زنكنة قاطعو الأشجار من الغابات بـ”المجرمين”، أما الشرطة فتنصب لهم الكمائن وتعتقلهم وتصادر ما بحوزتهم من خشب وسيارات ومناشير وتزجهم في السجون وتدفعهم إلى المحاكم.

يروي مساعد قائد شرطة كركوك اللواء علي مطشر العبيدي تفاصيل واحدة من هذه ملاحقات: “تلقينا معلومات عن حالة قطع للأشجار وبعدها بأيام وردتنا معلومات عن تحركات مجموعة من قاطعي الأشجار فنصبنا كميناً محكم لهم وأوقعنا بخمسة أشخاص وجدنا نحو 17 طناً من الأخشاب عندهم”.

تستند الشرطة في ملاحقة من يقطعون الأخشاب إلى قانون شرّعه البرلمان في 2009 ينص على تغريم من يقطع شجرة من غابات الدولة والقطاع العام أو المشاجر الاصطناعية 50 ألف دينار مع مصادرة أدواته، وتغريمه 25 ألف دينار إذا كانت الغابات خاصة.

يتحدث مساعد قائد شرطة كركوك عن صدور تعليمات مشددة باعتقال من يقطع أو ينقل أشجار مقطوعة من الغابات في أطراف المحافظة، ويؤكد على الحاجة لـ”قوانين جديدة تمكّن الشرطة من حماية البيئة”لم يندم سردار غريب على قطعه ومجموعته آلاف الأشجار: “هذا مصدر رزقي وأطفالي الاثنين كما هو رزق عشرات العاطلين عن العمل”، يقول وهو يفكر بمسح غابة جديدة سُيعمل فيها منشاره.

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

يوظِّب سردار غريب (30 عاماً) معداته ويضعها في شاحنة كبيرة وينطلق صباح كل يوم مع زملائه إلى غابات تقع على أطراف محافظة كركوك، وعندما يخرجون منها يتغيّر كل شيء. 

غريب ورفاقه قاطعو أشجار يبيعون الخشب إلى معامل صناعة الفحم، ونشاطهم غير قانوني.

يستخدم غريب وزملاؤه مناشير كهربائية فائقة السرعة. يضعون رأسها المسنن على جذع الشجرة ويضغطون على المكبس لتسقط الشجرة ما إن يخرج رأس المنشار من الطرف الثاني للجذع.

ولتسهيل النقل، تقطّع الجذوع إلى أجزاء صغيرة وتحمّل في سيارات يتسع حوض الواحدة إلى طنين.

قطع سردار وفريقه المكوّن من 14 شخصاً منذ اختاروا هذا العمل قبل نحو 4 سنوات، قرابة 3 آلاف شجرة من غابات تقوم على ضفاف نهر الزاب أحد روافد دجلة، والذي يقسم ناحية ألتون كوبري في كركوك إلى نصفين ويمتد وصولاً إلى صلاح الدين المجاورة.

غير بعيد عن مواقع الغابات، ينتظر عبد الله زيدان خورشيد (28 عاماً) ما يحمله إليه سردار غريب والعاملين معه من أخشاب كل يوم، ويشتري الطن الواحد منهم بنحو 100 دولار أمريكي.

يملك عبد الله أفراناً لصناعة الفحم ورثها عن أجداده، وهي عبارة عن حفر تحت الأرض عليها غطاء حديدي بمقبض. يرمي هو وعماله الخشب في الداخل ويشعلون النار ثم يغلقون الفوهة، ويعودون بعد يومين لفتحها وينتظرون خروج الدخان قبل أن يسحبوا الفحم بواسطة سيارة ليضعوه بجانب الحفرة.

تحرق هذه الأفران كميات من الخشب يومياً تتراوح بين طن إلى 3 أطنان، ويعاني بعض المشتغلين فيها من أمراض تنفسية سببها طبيعة عملهم.

ويبيع عبد الله منتجه الأسود إلى مطاعم في كركوك ويصدّر كميات كبيرة إلى بغداد معبأة في أكياس النايلون، ويستخدمها المشترون للشواء.

فحم ذو جودة “يفاقم التصحر”

بحسب عضو الجمعيات الفلاحية في كركوك سعدون ياسر، فإن جودة ورائحة الأشجار المزروعة في غابات كركوك وأعدادها الكثيفة مغرية للفحّامة وتجار الأخشاب.

ويقول لـ”جمار”، إن فحم هذه الأشجار أفضل من أنواع الفحم التركي والروسي والأوكراني “التي يستورد العراق أكثر من 250 ألف طن منها سنوياً”.

تصل مساحة الغابات في كركوك إلى 25 ألف دونم، وفق الأرقام الرسمية، وهي تنتظم في الشريط الحدودي بين كركوك وأربيل، وتبدأ تحديداً من ناحية ألتون كوبري (40 كم شمال كركوك) وتمر بقضاء الدبس وناحية الزاب في الحويجة.

لكن المساحة تقلصت بفعل الحرائق المتتالية، وآخرها اندلع في حزيران الماضي في ألتون كوبري وقضى على 25 دونماً، بحسب مديرية الزراعة.

يتابع زكي كريم، مسؤول الموارد المائية وفريدون زنكنة مدير البلدية في كركوك العمل الذي يقوم به سردار غريب وعبد الله خورشيد، ويقولان إن هذه الأنشطة أضرت بالبيئة وزادت من التصحر الذي بلغ مستويات عالية خلال الفترة القليلة الماضية بعد النقص الكبير في المياه وتناقص الأشجار بفعل الجفاف أو القطع.

خسر العراق مؤخراً نصف وارداته من المياه جراء بناء دول المنبع تركيا وإيران السدود على مجاري الأنهر وحبسهما لمياه داخل أراضيهما، ونتيجة لذلك قلّص العراق مساحاته المزروعة إلى النصف. 

كان الفلاحون يزرعون مليون و250 ألف دونم في كركوك بمختلف أنواع المحاصيل، لكن السلطات أجبرتهم على تخفيض المساحة إلى 500 دونم فقط بسبب شح المياه.

عرض هلو غازي، رئيس منظمة الدبس المحلية في كركوك لحماية البيئة، علينا صوراً تظهر محاولة رجال الإطفاء المعززين بمفارز من مراكز من مناطق أخرى إخماد نيران مندلعة في غابات ألتون كوبري قبل شهرين.

تندلع بعض الحرائق في غابات منحتها البلدية لمستثمرين من أجل بناء مشاتل عليها، ولا أحد يعرف حتى الآن مصدر تلك النيران بيد أن غازي يشك بأنهم “الفحّامة وتجار الأخشاب”.

بالنسبة له، فإن زحف هؤلاء باتجاه الغابات يمثل “كارثة بيئية (..)، فهذه الغابات محميات طبيعية تصدّ العواصف الترابية وتقلل من حدة التصحر”، ويتفق معه المسؤولان الحكوميان زكي كريم وفريدون زنكنة.

في الأشهر الأخيرة تكررت هبوب العواصف الترابية وبلغ معدلها عاصفة واحدة أسبوعياً تغطي معظم المدن العراقية وترسل الآلاف إلى المستشفيات كما قتلت شخصين اختناقاً، على الأقل، وفق ما أعلنته وزارة الصحة وقتها.

ويتوقع مسؤولون هبوب 300 عاصفة ترابية في السنة الواحدة مستقبلاً، بينما تتخذ بغداد خطوات لمكافحة التصحر عبر التشجير لكنها تصطدم بعقبات عدة أبرزها قلة المياه.

“قاطعو الأشجار مجرمون”

يقول مدير البلدية في كركوك فريدون زنكنة إن دائرته خصصت أموالاً لزيادة المساحات الخضراء وأطلقت حملة للتشجير، في حين وضعت إدارة كركوك شرطاً لقبول الطلبة في الجامعات وتخرجهم منها، وهو غرس شجرة، وتعمل دائرة الزراعة على زيادة المساحات المزروعة وفق مديرها زهير علي.

يصف مدير البلدية زنكنة قاطعو الأشجار من الغابات بـ”المجرمين”، أما الشرطة فتنصب لهم الكمائن وتعتقلهم وتصادر ما بحوزتهم من خشب وسيارات ومناشير وتزجهم في السجون وتدفعهم إلى المحاكم.

يروي مساعد قائد شرطة كركوك اللواء علي مطشر العبيدي تفاصيل واحدة من هذه ملاحقات: “تلقينا معلومات عن حالة قطع للأشجار وبعدها بأيام وردتنا معلومات عن تحركات مجموعة من قاطعي الأشجار فنصبنا كميناً محكم لهم وأوقعنا بخمسة أشخاص وجدنا نحو 17 طناً من الأخشاب عندهم”.

تستند الشرطة في ملاحقة من يقطعون الأخشاب إلى قانون شرّعه البرلمان في 2009 ينص على تغريم من يقطع شجرة من غابات الدولة والقطاع العام أو المشاجر الاصطناعية 50 ألف دينار مع مصادرة أدواته، وتغريمه 25 ألف دينار إذا كانت الغابات خاصة.

يتحدث مساعد قائد شرطة كركوك عن صدور تعليمات مشددة باعتقال من يقطع أو ينقل أشجار مقطوعة من الغابات في أطراف المحافظة، ويؤكد على الحاجة لـ”قوانين جديدة تمكّن الشرطة من حماية البيئة”لم يندم سردار غريب على قطعه ومجموعته آلاف الأشجار: “هذا مصدر رزقي وأطفالي الاثنين كما هو رزق عشرات العاطلين عن العمل”، يقول وهو يفكر بمسح غابة جديدة سُيعمل فيها منشاره.