كلب بشدر.. أقدم صديق للعراقي 

رشيد صوفي

12 حزيران 2025

لم يتبق منها غير 2000 كلب، وتعد واحدة من أندر وأقدم سلالات الكلاب التي دجّنها الإنسان، النصوص التاريخية تعود به إلى 5000 آلاف عام، كان صديقاً وفياً لشعب ميزوبوتاميا، يحميهم من الأسود، ويحرس أغنامهم ويرعاها. إنّه كلب بشدر، أو "خانق الذئاب"، كما يسميه شعب كردستان.

يعمل آرام عبد الله (40 عاماً) في تجارة وتربية كلاب البشدر،  ويعتبر آرام هذه التجارة مصدر دخل إضافي له، إضافة إلى عمله في مجال تبليط أرضيات المباني بالكاشي. 

كذلك يشارك آرام، بكلابه البشدر، في حلبات مصارعة الكلاب، غير المجازة، التي تقام في عدة مناطق باقليم كردستان، بدءاً من شهر تشرين الثاني، وحتى نهاية فصل الربيع من كل عام.   

يملك  آرام حالياً 13 كلباً من نوع البشدر، يعتني كثيراً بها، وبمأكلها، حفاظاً على صحتها وحيويتها، بهدف بيعها بأسعار تدرُّ له الربح، تصل في بعض الأحيان 25 ألف دولار، أو زجّها في حلبات مصارعة الكلاب، وهذه تدرّ الربح كذلك. 

آرام مع كلبه البشدر. تصوير: الكاتب. 

“الكلب الجيّد يظهر في فصل الخريف خلال موسم مصارعة الكلاب”، يقول آرام لجمّار، ويضيف أنَّ الكلب الفائز في الصراع سيحظى بقيمة أكبر في السوق.  

موطن كلب بشدر 

تعد منطقة بشدر، الواقعة شرقي محافظة السليمانية، بإقليم كردستان العراق، الموطن الأصلي لكلاب البشدر،  ويعود تواجد هذا النوع النادر من الكلاب في هذه المنطقة لأكثر من 5 آلاف سنة، بحسب آريان محمد، مؤلف كتاب “الكلب الكردي البشدري.. أسد ميزوبوتاميا”. 

كلب بشدر يسمّى كذلك، “كانغال” في تركيا، ويوجد في إيران أيضاً، ويسمّى “هاوشار”، لكن بالنسبة للشعب الكردي فإنّ بشدر هو كلب كردي (عراقي) أصيل، سواء اعتمدنا التاريخ، أو المختبر العلمي. 

جامعة السليمانية أعدت دراسة عن الكلب البشدري بهدف تحديد صفاته ومميزاته وموطنه الأصلي، يقول الدكتور بهجت طيفور لجمّار، وطيفور مشرف على الدراسة، “أجرينا في 2018 بحث علمي موسع لمعرفة الصفة الجينية لكلاب بشدر، وبعد تحليل DNA لها، تبيّن أنّ أصول هذا الكلب يعود إلى منطقة بشدر وقلعة دزة الكردية، الواقعة شرقي محافظة السليمانية في إقليم كردستان العراق”.  

بحسب طيفور فإنّ كلب البشدر يتواجد في هذه المنطقة منذ آلاف السنين، لافتاً في الوقت نفسه إلى أنُّه يوجد في المناطق الكردية التركية والإيرانية  أيضاً، كلاب شبيهة بكلب بشدر، وعليه يستنتج بأنّ الموطن الأصلي لهذا الكلب هو كردستان.   

يبلغ وزن كلب البشدر 90 كغم، أو أكثر، ويتراوح ارتفاعه بين 75 ــ 88 سنتمتراً، وعرض صدره نحو 22 سنتمتراً، وله رقبة غليظة، وله خمسة ألوان، يعد الأزرق أبرزها، فضلاً عن اللون الأبيض والأصفر والبني والأسود.   

كلب بشدر. المصدر:  السوشيال ميديا. 

الدكتور يوسف برزنجي، أحد أعضاء الفريق الذين قاموا بالبحث، يقول لجمّار، إن نتائج الدراسة التي أُجريت “اعتماداً على 20 جينة وراثية لهذا الكلب في ثمانية مناطق مختلفة بمحافظة السليمانية”، تبيّن أن منطقة قلعة دزة، وبشدر، هما “الجذر الرئيسي لنشوء هذا الكلب”، ومن ثمَّ انتشاره إلى المناطق الأخرى. 

ويضيف برزنجي لجمّار أنّ كلب بشدر يعيش لأكثر من 18 سنة، قوي، يقاوم الظروف القاسية، كما لديه قدرة ممتازة على التعلّم، وبالأمكان استخدامه بديلاً عن راعي الأغنام، لذلك يسمونه “راعي الغنم”. 

ولهذا الكلب خمسة أصابع في اليد تساعده في الركض، والتسلق في الجبال، كما أنه قوي الفك، وصوته عال وقوي، يسميه الكرد “كورك خنكین” أي خانق الذئاب. 

أمّا أنثى كلب بشدر، فتلد في الحمل الأول ما بين 3 – 4 جراء، وبعدها  يرتفع العدد في الحمل الواحد إلى 7 – 8 جراء. 

التربية والتدريب 

في قضاء قلعة دزة، شرقي السليمانية، يسكن آرام، ويمتلك “حظيرة  لتربية الكلاب”، يقضي فيها يومياً نحو ستة ساعات مع كلابه، يوفر لها الغذاء الذي يجمعه من فضلات طعام المطاعم، وبقايا العظام، من محلات بيع اللحوم، ويقول آرام  إنَّ أغلب هذه الكلاب تتغذى على بقايا طعام المطاعم والبيوت وعظام القصابين، فضلاً عن علاجها، حيث يقول إنّ كلفة علاج الكلب الواحد تراوح بين 50 – 100 دولار شهرياً. 

التدريب هو أيضاً واحداً من طقوس آرام مع كلابه، يجهزها للمشاركة في المنازلات التي تقام اسبوعياً، في فصلي الخريف والشتاء، ويتشارك هذه النزالات أغلب الكلاب بالمنطقة، خصوصاً في ليالي الشتاء الطويلة والباردة، التي تشهد فيها مناقشات حامية حول أوضاع وأحوال الكلاب.  

تربى كلاب البشدر بشكل فردي، وهناك مربون يملكون حظائر خاصة بتربيتها، مثل آرام، وهي حضائر غير منظمة. 

يُقدّر عدد الكلاب في منطقتي قلعة دزة وبشدر بحوالي 2000 كلب، والأشخاص الذين يرغبون بامتلاك هذا النوع، يتوجهون إلى هناك لشرائها، كون هذه المنطقة تعتبر مصدراً رئيسياً لتربية ووجود هذا الكلب منذ القدم.   

في حلبة المصارعة 

لدى آرام خبرة في مهنة مصارعة الكلاب، يقول لجمّار إنَّ الكلاب الذكور هي التي تشارك في النزالات حصراً، كما يجب أن يكون الكلب بصحة ومزاج جيد، وتلقّى تدريباً كافياً على المعركة قبل خوضها في الحلبة. 

تشهد أغلب أيام الجمع، في فصلي الخريف والشتاء، صراع الكلاب في عدد من مدن وبلدات إقليم كردستان، يشارك فيها مربون وتجار، وأصحاب الكلاب من مخلتف المناطق.  

الحلبة، عبارة عن قطعة أرض متساوية يتجتمع حولها أصحاب الكلاب المتصارعة والجمهور، وغالباً ما تقام المصارعة في منطقة مفتوحة خارج المدن، ومشاهدة الجماهير للمصارعة مجانية، كما أنه لا شروط مسبقة لدخول الكلاب في الصراع.  

المصارعة قاسية على الكلاب التي تشارك فيها، فهي لا تنتهي إلا بنهش الكلاب لبعضها، حتى يُهزم أحدهما، والكلب الفائز في الصراع ترتفع مكانته وقيمته المالية لدى تجار الكلاب.  

وقت المصارعة لا يتجاوز 25 دقيقة، بين الكلبين المتصارعين، وتوجد لجنة مشرفة على النزال، تتألف من أربعة أشخاص، ثلاثة منهم  يقفون في محيط الحلبة، والآخر يقف قريباً من الكلبين المتصارعين، ليعرف الكلب الفائز أو الخاسر. 

عندما يتفق مربو كلاب البشدر على وقت ومكان المصارعة، ينشرون تفاصيل “الايفينت” على مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بمربي الكلاب، وفي مرات عديدة يأتي أصحاب الكلاب من إيران والمحافظات الأخرى لإشراك كلابهم في المصارعة. 

 كلب بشدر. المصدر: السوشيال ميديا.   

في ساحة كبيرة شرقي مدينة قلعة دزة، ووسط حشد من الجمهور المتابعين لمصارعة الكلاب، كان آرام ينتظر دوره لزج أحد كلابه إلى حلبة المنازلة، ليصارع كلبا آخر، “في حال فوزنا سأحقق أرباحاً جيدة، وترتفع قيمة كلبي”. 

يشير آرام الى الإقبال الجيّد على شراء هذا النوع من الكلاب، في ايران وسوريا، فضلاً عن السوق المحلية. 

يؤكد آرام لجمّار أن كلب البشدر حساس جداً، ويقرأ الوجوه بدقة، وله إدراك عميق بالحالة المزاجية للإنسان، عندما يقترب منه، سواء كان ذلك الشخص يعيش حالة خوف أو سعادة،  كما أن حالة صاحبه المزاجية تنعكس عليه أيضاً، “عندما أغيب عن كلابي ليومين أو ثلاث، وأثناء عودتي إلى حظيرتهم يجتمعون حولي بشوق كبير ويسعون لاحتضاني، يلحسون يدي ورجلي، تعبيراً عن وفائهم”. 

يمكن أن يكون صديقاً وفياً 

على عكس آرام عبدالله، يعارض هيرش محمد (22 عاماً)، وهو مربي لكلاب البشدر، عمليات المتاجرة بالكلاب، أو زجهم في حلبات المصارعة، “الكلب البشدري واعي ومتيقض ودقيق الملاحظة وهاديء، يتحرك تلقائياً وبسرعة في حال شعوره بأي خطر أو حركة غريبة في محيطه، وإذا عض شيئاً من الصعب الافلات من فكه القوي”. 

 هيرش من هواة تربية كلاب بشدر منذ سنوات، ويملك حالياً كلباً بشدرياً يسميه “ميدان”، اشتراه بخمسة آلاف دولار، رفض العديد من العروض لشراء كلبه، معتبراً إياه صديقاً وفياً، ويشعر بافتقاده حينما يغيب عنه. 

  يقول هيرش لجمّار، إنّه ترك مؤخراً زج كلابه في حلبات المصارعة، “يجب أن نعرف قيمة هذا الكلب الأصيل والافتخار به”، بالنسبة لهيرش، فإن زج كلاب البشدر في المصارعة والنزلات من أجل الاستفادة المادية لا يليق بهذا الكلب النادر. 

سليمان تمر، رئيس منظمة كردستان لحماية حقوق الحيوان، يندد بما يتعرض له كلب البشدر من عنف في ساحات المصارعة، “نحن ضد هذه الممارسات لأنها مخالفة للمباديء الدينية والأخلاقية والثقافية والاجتماعية، كما هي ضد مبادىء منظمات الدفاع عن حقوق الحيوان والمنظمات الانسانية والبيئة والمؤسسات الدولية”، وبحسب تمر فإنّ القانون في الإقليم لا يسمح بأي شكل من أشكال زجّ الحيوانات في حلبات المراهنة والصراع، ويفرض غرامات مالية وعقوبات بالحبس على المخالفين. 

عام 2022، أصدر برلمان إقليم كردستان، قانون “تنظيم التعامل مع الحيوانات الأليفة والسائبة”، الذي يحظر ارتكاب أي تصرف عمدي يؤدي إلى تعذيب الحيوان والحاق الضرر به، ويمنع إجراء الاقتتال بين حيوان وآخر، بحيث يؤدي إلى الإضرار أو قتل أحدهما، كما يمنع القانون نشر صور ومقاطع فيديو في وسائل الإعلام، والشبكات الاجتماعية لتلك الافعال.  

يعاقب القانون بغرامة مالية تتراوح مابين 250 ألف دينار عراقي إلى مليون دينار، لكل من يرتكب تلك الأفعال، كما يعاقب القانون بغرامة مالية تتراوح بين 250 ألف دينار عراقي إلي مليون دينار، كل من يقوم ببيع وشراء الحيوانات في الأماكن غير المحددة في القانون، أو بيع الحيوانات بشكل مجموعات في معارض عرض الحيوانات. 

 كلب بشدر. المصدر: السوشيال ميديا. 

لكنّ سليمان تمر، رئيس منظمة حماية حقوق الحيوان في كردستان، يرى وجود تقصير ملحوظ في الجانب العلمي والبحثي بشأن كلاب بشدر، إذ هناك شحة في الدراسات الأكاديمية عن هذا الكلب النادر والمميز، داعياً إلى الاهتمام بالجانب العلمي في معرفة هذا الكلب، الذي يعود تواجده في منطقتنا إلى حضارات وادي الرافدين القديمة، واستخدم الكرد هذا الكلب للحراسة والرعي منذ آلاف السنين. 

ويضيف في حديث مع جمّار، “أن الأتراك يعملون على تسجل الكلب البشدري باسمهم في المؤسسات العالمية المعنیة بالحيوانات، وأجرت تركيا خلال الفترة الماضية العشرات من الدراسات حول الكلب البشدري”.

تمر يشعد بالأسف لأنّ الجهات المعنية في إقليم كردستان غير مهتمة بموضوع رعاية وحماية الكلاب والاستثمار فيها، والاستفادة منها في المجالات الأمنية والاقتصادية والثقافية، باعتبارها جزءاً مهماً من إرثنا الحضاري. 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

يعمل آرام عبد الله (40 عاماً) في تجارة وتربية كلاب البشدر،  ويعتبر آرام هذه التجارة مصدر دخل إضافي له، إضافة إلى عمله في مجال تبليط أرضيات المباني بالكاشي. 

كذلك يشارك آرام، بكلابه البشدر، في حلبات مصارعة الكلاب، غير المجازة، التي تقام في عدة مناطق باقليم كردستان، بدءاً من شهر تشرين الثاني، وحتى نهاية فصل الربيع من كل عام.   

يملك  آرام حالياً 13 كلباً من نوع البشدر، يعتني كثيراً بها، وبمأكلها، حفاظاً على صحتها وحيويتها، بهدف بيعها بأسعار تدرُّ له الربح، تصل في بعض الأحيان 25 ألف دولار، أو زجّها في حلبات مصارعة الكلاب، وهذه تدرّ الربح كذلك. 

آرام مع كلبه البشدر. تصوير: الكاتب. 

“الكلب الجيّد يظهر في فصل الخريف خلال موسم مصارعة الكلاب”، يقول آرام لجمّار، ويضيف أنَّ الكلب الفائز في الصراع سيحظى بقيمة أكبر في السوق.  

موطن كلب بشدر 

تعد منطقة بشدر، الواقعة شرقي محافظة السليمانية، بإقليم كردستان العراق، الموطن الأصلي لكلاب البشدر،  ويعود تواجد هذا النوع النادر من الكلاب في هذه المنطقة لأكثر من 5 آلاف سنة، بحسب آريان محمد، مؤلف كتاب “الكلب الكردي البشدري.. أسد ميزوبوتاميا”. 

كلب بشدر يسمّى كذلك، “كانغال” في تركيا، ويوجد في إيران أيضاً، ويسمّى “هاوشار”، لكن بالنسبة للشعب الكردي فإنّ بشدر هو كلب كردي (عراقي) أصيل، سواء اعتمدنا التاريخ، أو المختبر العلمي. 

جامعة السليمانية أعدت دراسة عن الكلب البشدري بهدف تحديد صفاته ومميزاته وموطنه الأصلي، يقول الدكتور بهجت طيفور لجمّار، وطيفور مشرف على الدراسة، “أجرينا في 2018 بحث علمي موسع لمعرفة الصفة الجينية لكلاب بشدر، وبعد تحليل DNA لها، تبيّن أنّ أصول هذا الكلب يعود إلى منطقة بشدر وقلعة دزة الكردية، الواقعة شرقي محافظة السليمانية في إقليم كردستان العراق”.  

بحسب طيفور فإنّ كلب البشدر يتواجد في هذه المنطقة منذ آلاف السنين، لافتاً في الوقت نفسه إلى أنُّه يوجد في المناطق الكردية التركية والإيرانية  أيضاً، كلاب شبيهة بكلب بشدر، وعليه يستنتج بأنّ الموطن الأصلي لهذا الكلب هو كردستان.   

يبلغ وزن كلب البشدر 90 كغم، أو أكثر، ويتراوح ارتفاعه بين 75 ــ 88 سنتمتراً، وعرض صدره نحو 22 سنتمتراً، وله رقبة غليظة، وله خمسة ألوان، يعد الأزرق أبرزها، فضلاً عن اللون الأبيض والأصفر والبني والأسود.   

كلب بشدر. المصدر:  السوشيال ميديا. 

الدكتور يوسف برزنجي، أحد أعضاء الفريق الذين قاموا بالبحث، يقول لجمّار، إن نتائج الدراسة التي أُجريت “اعتماداً على 20 جينة وراثية لهذا الكلب في ثمانية مناطق مختلفة بمحافظة السليمانية”، تبيّن أن منطقة قلعة دزة، وبشدر، هما “الجذر الرئيسي لنشوء هذا الكلب”، ومن ثمَّ انتشاره إلى المناطق الأخرى. 

ويضيف برزنجي لجمّار أنّ كلب بشدر يعيش لأكثر من 18 سنة، قوي، يقاوم الظروف القاسية، كما لديه قدرة ممتازة على التعلّم، وبالأمكان استخدامه بديلاً عن راعي الأغنام، لذلك يسمونه “راعي الغنم”. 

ولهذا الكلب خمسة أصابع في اليد تساعده في الركض، والتسلق في الجبال، كما أنه قوي الفك، وصوته عال وقوي، يسميه الكرد “كورك خنكین” أي خانق الذئاب. 

أمّا أنثى كلب بشدر، فتلد في الحمل الأول ما بين 3 – 4 جراء، وبعدها  يرتفع العدد في الحمل الواحد إلى 7 – 8 جراء. 

التربية والتدريب 

في قضاء قلعة دزة، شرقي السليمانية، يسكن آرام، ويمتلك “حظيرة  لتربية الكلاب”، يقضي فيها يومياً نحو ستة ساعات مع كلابه، يوفر لها الغذاء الذي يجمعه من فضلات طعام المطاعم، وبقايا العظام، من محلات بيع اللحوم، ويقول آرام  إنَّ أغلب هذه الكلاب تتغذى على بقايا طعام المطاعم والبيوت وعظام القصابين، فضلاً عن علاجها، حيث يقول إنّ كلفة علاج الكلب الواحد تراوح بين 50 – 100 دولار شهرياً. 

التدريب هو أيضاً واحداً من طقوس آرام مع كلابه، يجهزها للمشاركة في المنازلات التي تقام اسبوعياً، في فصلي الخريف والشتاء، ويتشارك هذه النزالات أغلب الكلاب بالمنطقة، خصوصاً في ليالي الشتاء الطويلة والباردة، التي تشهد فيها مناقشات حامية حول أوضاع وأحوال الكلاب.  

تربى كلاب البشدر بشكل فردي، وهناك مربون يملكون حظائر خاصة بتربيتها، مثل آرام، وهي حضائر غير منظمة. 

يُقدّر عدد الكلاب في منطقتي قلعة دزة وبشدر بحوالي 2000 كلب، والأشخاص الذين يرغبون بامتلاك هذا النوع، يتوجهون إلى هناك لشرائها، كون هذه المنطقة تعتبر مصدراً رئيسياً لتربية ووجود هذا الكلب منذ القدم.   

في حلبة المصارعة 

لدى آرام خبرة في مهنة مصارعة الكلاب، يقول لجمّار إنَّ الكلاب الذكور هي التي تشارك في النزالات حصراً، كما يجب أن يكون الكلب بصحة ومزاج جيد، وتلقّى تدريباً كافياً على المعركة قبل خوضها في الحلبة. 

تشهد أغلب أيام الجمع، في فصلي الخريف والشتاء، صراع الكلاب في عدد من مدن وبلدات إقليم كردستان، يشارك فيها مربون وتجار، وأصحاب الكلاب من مخلتف المناطق.  

الحلبة، عبارة عن قطعة أرض متساوية يتجتمع حولها أصحاب الكلاب المتصارعة والجمهور، وغالباً ما تقام المصارعة في منطقة مفتوحة خارج المدن، ومشاهدة الجماهير للمصارعة مجانية، كما أنه لا شروط مسبقة لدخول الكلاب في الصراع.  

المصارعة قاسية على الكلاب التي تشارك فيها، فهي لا تنتهي إلا بنهش الكلاب لبعضها، حتى يُهزم أحدهما، والكلب الفائز في الصراع ترتفع مكانته وقيمته المالية لدى تجار الكلاب.  

وقت المصارعة لا يتجاوز 25 دقيقة، بين الكلبين المتصارعين، وتوجد لجنة مشرفة على النزال، تتألف من أربعة أشخاص، ثلاثة منهم  يقفون في محيط الحلبة، والآخر يقف قريباً من الكلبين المتصارعين، ليعرف الكلب الفائز أو الخاسر. 

عندما يتفق مربو كلاب البشدر على وقت ومكان المصارعة، ينشرون تفاصيل “الايفينت” على مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بمربي الكلاب، وفي مرات عديدة يأتي أصحاب الكلاب من إيران والمحافظات الأخرى لإشراك كلابهم في المصارعة. 

 كلب بشدر. المصدر: السوشيال ميديا.   

في ساحة كبيرة شرقي مدينة قلعة دزة، ووسط حشد من الجمهور المتابعين لمصارعة الكلاب، كان آرام ينتظر دوره لزج أحد كلابه إلى حلبة المنازلة، ليصارع كلبا آخر، “في حال فوزنا سأحقق أرباحاً جيدة، وترتفع قيمة كلبي”. 

يشير آرام الى الإقبال الجيّد على شراء هذا النوع من الكلاب، في ايران وسوريا، فضلاً عن السوق المحلية. 

يؤكد آرام لجمّار أن كلب البشدر حساس جداً، ويقرأ الوجوه بدقة، وله إدراك عميق بالحالة المزاجية للإنسان، عندما يقترب منه، سواء كان ذلك الشخص يعيش حالة خوف أو سعادة،  كما أن حالة صاحبه المزاجية تنعكس عليه أيضاً، “عندما أغيب عن كلابي ليومين أو ثلاث، وأثناء عودتي إلى حظيرتهم يجتمعون حولي بشوق كبير ويسعون لاحتضاني، يلحسون يدي ورجلي، تعبيراً عن وفائهم”. 

يمكن أن يكون صديقاً وفياً 

على عكس آرام عبدالله، يعارض هيرش محمد (22 عاماً)، وهو مربي لكلاب البشدر، عمليات المتاجرة بالكلاب، أو زجهم في حلبات المصارعة، “الكلب البشدري واعي ومتيقض ودقيق الملاحظة وهاديء، يتحرك تلقائياً وبسرعة في حال شعوره بأي خطر أو حركة غريبة في محيطه، وإذا عض شيئاً من الصعب الافلات من فكه القوي”. 

 هيرش من هواة تربية كلاب بشدر منذ سنوات، ويملك حالياً كلباً بشدرياً يسميه “ميدان”، اشتراه بخمسة آلاف دولار، رفض العديد من العروض لشراء كلبه، معتبراً إياه صديقاً وفياً، ويشعر بافتقاده حينما يغيب عنه. 

  يقول هيرش لجمّار، إنّه ترك مؤخراً زج كلابه في حلبات المصارعة، “يجب أن نعرف قيمة هذا الكلب الأصيل والافتخار به”، بالنسبة لهيرش، فإن زج كلاب البشدر في المصارعة والنزلات من أجل الاستفادة المادية لا يليق بهذا الكلب النادر. 

سليمان تمر، رئيس منظمة كردستان لحماية حقوق الحيوان، يندد بما يتعرض له كلب البشدر من عنف في ساحات المصارعة، “نحن ضد هذه الممارسات لأنها مخالفة للمباديء الدينية والأخلاقية والثقافية والاجتماعية، كما هي ضد مبادىء منظمات الدفاع عن حقوق الحيوان والمنظمات الانسانية والبيئة والمؤسسات الدولية”، وبحسب تمر فإنّ القانون في الإقليم لا يسمح بأي شكل من أشكال زجّ الحيوانات في حلبات المراهنة والصراع، ويفرض غرامات مالية وعقوبات بالحبس على المخالفين. 

عام 2022، أصدر برلمان إقليم كردستان، قانون “تنظيم التعامل مع الحيوانات الأليفة والسائبة”، الذي يحظر ارتكاب أي تصرف عمدي يؤدي إلى تعذيب الحيوان والحاق الضرر به، ويمنع إجراء الاقتتال بين حيوان وآخر، بحيث يؤدي إلى الإضرار أو قتل أحدهما، كما يمنع القانون نشر صور ومقاطع فيديو في وسائل الإعلام، والشبكات الاجتماعية لتلك الافعال.  

يعاقب القانون بغرامة مالية تتراوح مابين 250 ألف دينار عراقي إلى مليون دينار، لكل من يرتكب تلك الأفعال، كما يعاقب القانون بغرامة مالية تتراوح بين 250 ألف دينار عراقي إلي مليون دينار، كل من يقوم ببيع وشراء الحيوانات في الأماكن غير المحددة في القانون، أو بيع الحيوانات بشكل مجموعات في معارض عرض الحيوانات. 

 كلب بشدر. المصدر: السوشيال ميديا. 

لكنّ سليمان تمر، رئيس منظمة حماية حقوق الحيوان في كردستان، يرى وجود تقصير ملحوظ في الجانب العلمي والبحثي بشأن كلاب بشدر، إذ هناك شحة في الدراسات الأكاديمية عن هذا الكلب النادر والمميز، داعياً إلى الاهتمام بالجانب العلمي في معرفة هذا الكلب، الذي يعود تواجده في منطقتنا إلى حضارات وادي الرافدين القديمة، واستخدم الكرد هذا الكلب للحراسة والرعي منذ آلاف السنين. 

ويضيف في حديث مع جمّار، “أن الأتراك يعملون على تسجل الكلب البشدري باسمهم في المؤسسات العالمية المعنیة بالحيوانات، وأجرت تركيا خلال الفترة الماضية العشرات من الدراسات حول الكلب البشدري”.

تمر يشعد بالأسف لأنّ الجهات المعنية في إقليم كردستان غير مهتمة بموضوع رعاية وحماية الكلاب والاستثمار فيها، والاستفادة منها في المجالات الأمنية والاقتصادية والثقافية، باعتبارها جزءاً مهماً من إرثنا الحضاري.