التعليم المفترس: كيف أسس "داعش" نظاماً تعليمياً عنيفاً في العراق وسوريا؟

أحمد سيف

10 حزيران 2025

كيف استطاع تنظيم داعش إنشاء نظام تعليمي مستقل، يتدرّج من رياض الأطفال ثم ينتهي بالدراسة الجامعية؟ ما هي المناهج التي اعتمدها؟ وما هي العلوم التي ألغاها؟ ومن هو الذي أسس هذا النظام من قادة التنظيم بعد "الخليفة"؟ مادة تتبع بدايات ونهايات هذا النظام التعليمي العنيف.

بعد شهر من اجتياح مدينة الموصل (10 حزيران 2014) أنشأ تنظيم “داعش” منظومة تعليمية شاملة في المدن والأقاليم التي سيطر عليها، منظومة تبدأ بروضة الأطفال وتنتهي بالجامعة.

مباشرة بعد خطبته الشهيرة في الجامع الكبير بالموصل، نُشر على الإنترنت وفي أنحاء المساجد والأسواق وأعمدة الكهرباء في الأراضي التي سيطر عليها تنظيم الدولة بياناً من قبل “الخليفة”، يأمر بإنشاء وزارة خاصة للتعليم سميت “ديوان التعليم”.

كانت هذه من أولى الوزارات التي أنشأها تنظيم داعش، وقد ذكر البغدادي أن الهدف من إنشاء هذه الوزارة هو محاربة المناهج الفاسدة ونشر العلوم الدينية والعلمية النافعة بين مسلمي الدولة الإسلامية.

بعد سنة واحدة، نجح التنظيم في إنشاء وإدارة نظام تعليمي شامل ومنظم للغاية يتماشى تماماً مع متطلبات سياق الحرب والأزمات التي عاشها التنظيم.

في الواقع، يعد النظام التعليمي الذي صممه تنظيم الدولة حالة فريدة في تاريخ الجماعات الجهادية، ويُشكل وثيقة ذات أهمية بالغة لفهم التنظيم بشكل أفضل، إذ أنتج ما يزيد على 50 كتاباً مدرسياً.

ورغم أن آخر مدينة طبقت المنظومة التعليمية لتنظيم “داعش” واستخدمت كتبه المدرسية كانت مدينة هجين جنوب دير الزور، لكن ما زالت بعض المناطق البعيدة الخاضعة للتنظيم تحاول تطبيق هذا النظام التعليمي.

كيف أسس تنظيم الدولة مناهجه الدراسية؟

في خريف 2014، عيَّن البغدادي شخصية بارزة عُرفت بلقب “ذو القرنين” وزيراً للتعليم، وهو الاسم الحركي لرضا صيام، مواطن ألماني من أصل مصري، بذل صيام جهوداً كبيرة في تأسيس وإدارة نظام تعليمي جديد، وقام بجولات في مختلف مناطق “الخلافة” للإشراف على تنفيذه

قُتل رضا صيام في كانون الأول 2017، إلى جانب رئيس جامعة الموصل، في غارة لطائرة مسيّرة تابعة لقوات التحالف.

من أجل وضع الأسس لكل ما يخص نظام التعليم الجديد، شكل “ذو القرنين” في أيلول 2014، لجنة ضخمة مكونة من المديرين التنفيذيين، والمعلمين بمختلف تخصصاتهم، ومجموعة من المحررين والباحثين ومفتشي المراجعة، وأمناء المكتبات، ومصورين ورسامين جرافيك، ومتخصصين في الكمبيوتر وغيرهم.

كانت هذه اللجنة تقدم تقاريرها إلى صيام وتعمل تحت إشرافه المباشر، وقد كرّست نفسها بالكامل لمهمة إعداد المناهج الدراسية، وحددت سنة واحدة للانتهاء من هذا المشروع، وكان اسمها الرسمي “لجنة تطوير المناهج والكتب المدرسية”.

 في البداية، تألفت اللجنة من عشرات الأعضاء موزعين حسب المواد، ولكن اضطر إلى إضافة أعضاء جدد، وفي نهاية مقابلته مع وسائل الإعلام أعلن صيام أنّهم قطعواً شوطاً كبيراً، “الحمد لله لدينا أكثر من 400 أخ يعملون على إعداد مناهج خاصة بالدولة الإسلامية”.  

عملت هذه اللجنة في المكتبة المركزية لجامعة الموصل، وأُمر موظفو المكتبة بالمغادرة ومنعوا من العودة إلى أماكن عملهم حتى تنتهي هذه اللجنة من مهمتها. وفي فيديو نشره تنظيم داعش تكريماً للذكرى الأولى لسيطرته على الموصل، احتفى فيه بالتقدم الذي أحرزه في تطوير المناهج الدراسية الجديدة.

في هذا الفيديو، تم تصوير المكتبة المركزية لجامعة الموصل، ويمكن رؤية أبواب قاعات القراءة تحمل لافتات، “لجنة إعداد مناهج الرياضيات”، ولجنة “إعداد مناهج الفيزياء”، و”لجنة إعداد مناهج التربية الجهادية”.

المكتبة المركزية لجامعة الموصل بعد إحراقها – المصدر: العربي الجديد

وخلال عمل هذه اللجنة وقبل التحوّل إلى المنظومة التعليمية الجديدة، أصدر “ذو القرنين” سلسلة من القرارات حملت توقيعه، وقد أطلق عليها قرارات “الفترة الانتقالية”، وشملت اعتماد التقويم الهجري في المنظومة التعليمية القديمة، وحظر الاختلاط بين الجنسين في كافة المراحل التعليمية. وإلغاء بعض المواد من مدارس الأنظمة التعليمية العراقية والسورية، كالموسيقى والفن والنحت والتربية المدنية، والدراسات الاجتماعية والتاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس، وحظر نظرية التطور لتشارلز داروين رغم أنها لم تكن تُدرَّس من قبل في المدارس العراقية.

وفي محاولة لإعادة الأمور إلى الاستقرار، فتح ديوان التعليم في 2014 جامعة الموصل، لكنه أطلق عليها اسم الجامعة الإسلامية، وفي سوريا، فتح جامعة الفرات في دير الزور والرقة، لكن ألغى “ذوالقرنين” العديد من الكليات والأقسام الجامعية، بما في ذلك كليات الحقوق، والآثار والمسرح والفنون الجميلة، وأقسام الفلسفة، والسياحة.

مع ذلك سرعان ما قام تنظيم الدولة بإغلاق كافة المؤسسات التعليمة وإيقاف جميع المعلمين، وفي مقطع فيديو بعنوان “التعليم في ظل الخلافة”، أوضح “ذو القرنين” أنهم حاولوا شراء الوقت وترك المدارس التي اعتمدت على نظام التعليم السوري والعراقي مفتوحة إلى أن تنتهي لجنة إعداد المناهج من مهمتها، لكن العديد من المعلمين رفضوا توجيهات التنظيم واستمروا في تدريس “المواد الكافرة” على حد تعبيره.

أمام هذا الوضع، قام ذو القرنين بإصدار قرار بإغلاق المدارس بتاريخ 21 كانون الأول 2014 بعد شهرين فقط من بدء العام الدراسي الجديد، بجانب إيقاف جميع الأساتذة (رجالاً ونساء) عن العمل حتى اكتمال “إجراءات الاستتابة”، وتم وضع قائمة بأسماء أماكن مراكز الاستتابة، معظمها مساجد، واستغرقت الترتيبات لإجراءات الاستتابة ما يزيد عن الشهرين.

كما نشرت “هيئة البحوث والإفتاء” في التنظيم رسالة شرحت فيها بالتفصيل الحكم الشرعي لموظفي التعليم الذين عملوا في النظام التعليمي السوري والعراقي، وقد صنفتهم في عدة حالات، وكان يفترض أن يختلف الحكم اعتماداً على منصب الشخص، لكن جميع الفئات نالت حكم واحداً برر على النحو التالي، “الجميع كفار لأنهم روجوا للقومية والاشتراكية وحزب البعث وتعزيز الثقافة الديمقراطية”.

التنظيم وسّع في قراره من دائرة المطالبين بالاستتابة لتشمل كل من عمل في منظومة التعليم، بمن فيهم الحراس والمتقاعدين والنساء، بجانب أن جلسات الاستتابة التي عقدت في جميع المدن التي سيطر عليها التنظيم، كانت علنية وعقدت مباشرة بعد صلاة الجمعة، وتتألف من اعتراف علني بـ “ردة” المعلم، وقراءة نص بصوت عالٍ أمام أعضاء لجنة الاستتابة، وكان نص التوبة، “أنا الموقع أدناه أتوب إلى الله تعالى مما وقعت فيه من الردة وأعلن براءتي من ائتماني إلى المنظومة التعليمية وبكل ما تورطت فيه من مناطات كفرية وخصوصاً الفكر البعثي وموالاة الطواغيت… وإن غيرت أو بدلت، فيجري علي حكم الله”.

بعد إعلان التوبة في المسجد، كان على المعلم الحضور إلى أقرب محكمة لتوقيع “وثيقة استتابة”، وفي أعلى هذه الوثيقة صورته، إلى جانب اسمه الأول والأخير، وتاريخ ومكان ميلاده، واسم الضامن، وهو شخص يرافق المعلم التائب كشاهد على إخلاصه، وليس ذلك فحسب، بل يجب أن يخضع المعلم لدورات إعادة تأهيل.

وأعلن ذي القرنين، “بمجرد أن تكتمل عملية الاستتابة للمعلمين السابقين، سنفتح الأبواب لتوظيف أي شخص يرغب في العمل في مدارس الدولة الإسلامية”. وبالفعل تم تجهيز معهد لإعداد معلمين جدد للعام الدراسي القادم، لكن “المعلمين التائبين” لم يتم إعادتهم إلى وظائفهم قبل التأكد بشكل واضح من التزامهم بالسياسات التعليمية الجديدة.

وثيقة استتابة صادرة عن تنظيم “داعش”.

في وقت قياسي أقل من عام، وتحت ضغط مستمر من الوزير، تم الانتهاء من مناهج التعليم الجديدة في كانون الأول 2015، وعملت هذه اللجنة على تنفيذ توجيهات ذي القرنين بتبسيط المناهج والكتب المدرسية قدر الإمكان، بجانب أسلمة كافة المواد التعليمية، واختراع أمثلة وتمارين جديدة متوافقة مع سياسات الخلافة. ويذكر أحد بيانات “لجنة تطوير المناهج والكتب المدرسية”:

“فتح الله تعالى للمجاهدين في سبيله، وصارت للمسلمين خلافة إسلامية على منهاج النبوة بسطت سلطانها على مساحات واسعة في العراق والشام واليمن وجزيرة العرب وسيناء وليبيا وغرب إفريقيا وباكستان وأفغانستان وخراسان وغيرها من أرض الله، والتمدد مستمر بإذن الله، وكان من أهم وأول ما بدأت به الدولة الفتية والقوية بإذن الله تعالى أن فتحت المدارس، وهب أبناءها لعمل مناهج علمية وعملية خاصة بدولة الخلافة تكسب أبناءها الطلبة العقيدة الإسلامية الصحيحة في التعامل مع العلوم الدنيوية”

ثم جاءت الخطوة الثانية في تقنين أوضاع المعلمين والطلاب في المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم، وتخصيص أماكن جديدة للدراسة، وتغيير أسماء المدارس القديمة إلى أسماء شخصيات تاريخية ومقاتلين جهاديين، وفرض المصروفات وتوفير الكتب الدراسية في كل منطقة.

وعندما بدأت الدراسة في أيلول 2015، أنشأ التنظيم مطبعة رسمية مكلفة بطباعة الكتب المدرسية، وكانت معظم الكتب الدراسية تحتوي على نسختين، واحدة للطلاب، وأخرى للمعلمين.

 نموذج من منشورات “داعش”.

كان الإصدار المخصص للمعلمين يحمل عنوان “دليل المعلم” ويحتوي على تعليمات محددة حول كيفية تقديم الدروس وأهم المواضيع التي يجب التركيز عليها، والأنشطة التي يجب تنفيذها في الفصل، إضافة إلى المراجع التي يجب الرجوع إليها.

أواخر 2015 بدأت المدارس في استخدام الكتب المدرسية التي أنتجتها تنظيم الدولة، ثم في عام 2016 كانت جميع المدارس تقريباً تستخدم المناهج والكتب المدرسية الجديدة.

من مادة “القراءة” المقررة على الصف الأول الابتدائي

سياسة التعليم وتنظيمها

وضع تنظيم “داعش” نفسه في مواجهة التعليم الذي أنشأته الدول العربية، واعتبر أن المنظومة التعليمية في البلاد العربية هي أداة لإفساد الأجيال وغرس قيم المرتدين والكفار في أذهان الطلاب، لذا حاول تحدي المفاهيم الغربية والعلمانية و”استئصال الكفر من الجذور واستعادة التعليم الإسلامي”.

ويرى التنظيم أن التعليم النظامي يشكل جزءاً مهماً من دعم جهود الجهاد، وتنص السياسة التعليمية الرسمية في “دولة الخلافة” على أن التعليم الذي يقدم يستند إلى رؤية محددة، “بفضل الله تعالى وحسن توفيقه، تدخل الدولة الإسلامية اليوم عهداً جديداً، وذلك من خلال وضعها اللبنة الأولى في صرح التعليم الإسلامي القائم على منهج الكتاب، وعلى هدي النبوة وبفهم السلف الصالح والرعيل الأول لها، وبرؤية صافية لا شرقية ولا غربية، ولكن قرآنية نبوية بعيداً عن الأهواء والأباطيل وأضاليل دعاة الاشتراكية الشرقية، أو الرأسمالية الغربية، أو سماسرة الأحزاب والمناهج المنحرفة في شتى أصقاع الأرض… ولقد كانت كتابة هذه المناهج خطوة على الطريق ولبنة من لبنات بناء صرح الخلافة”. (مقدمة من أحد كتب تنظيم الدولة المدرسية).

لكن مع النقد اللاذع الذي وجهه التنظيم للمنظومات التعليمية العربية، فقد استخدم وبشكل أكثر شمولية أدوات وطريقة المنظومة التي انتقدها، ومثل الأنظمة الأخرى، نفذ نهجاً صارماً من أعلى إلى أسفل.

 جولة لعناصر تنظيم داعش داخل مدرسة في منطقة الحجر بدمشق – سوريا.

فيما يتعلق بالمعلمين في مؤسسات التعليم بالعراق وسوريا بعد إنشاء تنظيم الدولة للمناهج الجديدة، فإنه لم يتخل تماماً عنهم، مع العلم أنه من المستحيل أن يقوم بتجنيد وتدريب معلمين وكوادر جدد يملؤون الفراغ، ولذا إضافة إلى تجنيد معلمين جدد، حاول التنظيم استيعاب المديرين ومعلمي المدارس والجامعات الذين عاشوا في المدن التي سيطر عليها.

ولكن بعد إعلانهم “الاستتابة” وحضور تدريب ودورات إعادة تأهيل لتصحيح معتقداتهم، واستمر هذا التدريب لمدة شهرين وكان إلزامياً لأي معلم يرغب في مواصلة العمل في المدارس التي باتت تحت سيطرة تنظيم الدولة.

أما الهيكل التعليمي الجديد للتنظيم، فليس ثورياً تماماً بالمقارنة مع هيكل التعليم السابق، يتكون نظام التعليم الذي أنشأه تنظيم الدولة من خمس مراحل، وهي، رياض الأطفال والابتدائية والمتوسطة والإعدادية والجامعة.

ينقسم العام الدراسي إلى فصلين دراسيين، والسنة الدراسية حوالى 38 أسبوعاً، مع امتحانات نهائية لمدة أسبوعين في نهاية كل فصل دراسي، وتشكل الامتحانات الشهرية 60 بالمئة من الدرجة النهائية، ويشكل الامتحان النهائي في نهاية الفصل الدراسي 40 بالمئة (للنجاح، يجب على الطلاب الحصول على درجة النصف على الأقل في الفصلين الدراسيين).

ويحق للطالب الذي رسب في ثلاث مواد أو أقل التقدم لامتحان تعويضي خلال الإجازة الصيفية. أما الطالب الذي رسب في أكثر من ثلاث مواد فلا يمنح فرصة أخرى لإعادة الاختبار في الإجازة الصيفية.

فتية نبلاء 

تتكون رياض الأطفال من سنة واحدة وهي ليست إجبارية، والمستوى الابتدائي من خمس سنوات حتى الصف الخامس، والمرحلة المتوسطة والإعدادية كل منها مدته عامين، وفي المرحلة الإعدادية يتاح للطالب الاختيار بين مسارين، علمي وشرعي، ومن خلال أحد هذان المساران يذهب بعد ذلك إلى الكلية أو المعهد حسب رغبته وحسب المجموع الذي حصل عليه.

يبدأ الطلاب دراستهم في سن الخامسة أو السادسة، وقد فرض تنظيم الدولة مبدأ التعليم الإلزامي من المرحلة الابتدائية حتى نهاية المرحلة الإعدادية أو حتى سن 15 عام.

تبدو مراحل التعليم التي صممها تنظيم الدولة مشابهة جداً للنظام القديم، لكنه اختصر الدراسة في عدد سنوات أقل، ألغى عام واحد من كل مرحلة، وقلل من أيام وشهور الإجازات.

إذ منح الطلاب إجازة لمدة شهرين فقط خلال فصل الصيف، وأدخل أيضاً عطلات جديدة كالأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان، بجانب العطل الرسمية أيام الجمعة وعيدي الفطر والأضحى.

 جولات عناصر التنظيم داخل المدارس.

وتبدأ الدروس في تمام الساعة الثامنة، ويمتد الأسبوع الدراسي من السبت إلى الخميس، والأدوار الجنسانية في المدارس والكتب، محددة منذ سن مبكرة، إذ هناك مناهج وفصول دراسية خاصة للفتيات، وفي بعض المناطق، سُمح للفتيات بحضور المدرسة في أوقات مختلفة عن الذكور. لاحقاً، في عام 2016، خصص تنظيم الدولة مبانٍ منفصلة لكل جنس.

وباليوم خمس حصص دراسية، الحصة مدتها 45 دقيقة، وهناك استراحة لمدة خمس دقائق بين الحصص، وفترة راحة لمدة 15 دقيقة بعد الحصة الثالثة. ويجب أن تتوقف الدروس عند سماع الأذان، ويُطلب من الطلاب الصلاة في المدرسة تحت إشراف المعلم، وتستأنف الدروس بعد ذلك (تستغرق الصلاة حوالي نصف ساعة، بما في ذلك الوضوء).

درس من مادة “الإسلام ديننا” المقررة في مرحلة رياض الأطفال.

كذلك أوجد تنظيم الدولة زياً مدرسياً موحداً بالنسبة للذكور يسمى “شلوار”، لونه أسود أو بني أو كحلي أو رمادي، عبارة عن قطعتين، سترة طويلة مشدودة فوق بنطلون فضفاض، وهو زي تقليدي يرتديه سكان باكستان وأفغانستان، وأصبح إلزامياً على بعض المدارس. أما الفتيات من سن 10 سنوات، فكان عليهن ارتداء الحجاب في المدارس الابتدائية والدراسة على يد معلمات.

 أطفال في صفوف المدارس التي أدارها “داعش”.

ومن الواضح أن تنظيم الدولة وجد صعوبة بالغة في جمع أشتات الجنسيات في مكان واحد، لذا قسم طلبة المدارس إلى أقسام عدة، السكان المحليين، الأجانب الناطقين بالعربية، الأجانب غير الناطقين بالعربية، وهؤلاء أيضاً تم تقسيمهم إلى فئات عدة، ثم أشبال الخير، وهم الأطفال الذين مات والدهم في القتال.

خصص التنظيم لكل من هؤلاء الطلاب مدارس ورعاية مختلفة، وفي الواقع، لوحظ أن أطفال الأجانب حظوا بمعاملة واهتمام مختلف، خاصة القادمين من دول وسط آسيا. وبالنسبة لغير الناطقين بالعربية، فلابد من اجتياز مرحلة تمهيدية لتعلم اللغة العربية أولاً قبل الالتحاق بالمنظومة التعليمية. والحقيقة أن تنظيم الدولة أهتم كثيراً بتعليم اللغة العربية للأجانب، وأنشأ لهم مسابقات وتطبيقات موجهة من أجل تشجيعهم على تعلم العربية.

أشبال الخلافة  

أما بالنسبة للجامعات، فقد بدأ تنظيم الدولة في إنشاء معاهد الشريعة، بما في ذلك للنساء، وقام بتغيير هيكل كليات الطب، ونقلها من اختصاص ديوان التعليم إلى ديوان الصحة، لكن تم تقليص مدة الدراسة في كليات الطب من 6 سنوات إلى ثلاث سنوات، ومن عامين إلى عام واحد للتمريض.

في كلية الطب في الرقة، كان الطلاب الذكور والإناث يحصلون على شهادة طبية بعد ثلاث سنوات فقط من الدراسة، ويسمح لهم بممارسة الطب في المراكز الصحية والمستشفيات في جميع أنحاء أراضي التنظيم.

 بوستر ترويجي لأعمال تنظيم “داعش”.

ما هي المواد التعليمية التي درسها تنظيم الدولة؟

بشكل أساسي، قسم تنظيم الدولة المناهج الدراسية إلى شرعية وعلمية ولغوية، الأولى تشمل، القرآن والعقيدة والسيرة وعلوم الشريعة والتربية الإسلامية والبدنية. والثانية تشمل، الخط وعلوم اللغة العربية والأدب.

والثالثة تشمل، الرياضيات والفيزياء والكيمياء والتاريخ والجغرافيا وعلوم الكمبيوتر واللغة الإنجليزية. وهذه المواد تم توفيرها في إصدارات رقمية وورقية، ويعتبر حفظ القرآن أساسي وقد تضمنت مادة القران نفسها تفسير ميسر وأحكام التجويد.

تبدأ مرحلة رياض الأطفال من سن الخامسة مدتها سنة واحدة، وهذه المرحلة لا تدخل ضمن فترة الإلزام، يدرس الأطفال خمس مواد أساسية، تعتبر مقدمات تبسيطية للرياضيات والعلوم والعقيدة واللغة العربية والصلاة والوضوء ومراعاة الآداب العامة بجانب الأناشيد وسرد قصص الأنبياء.

المواد الدراسية لمرحلة رياض الأطفال.

أما المرحلة الابتدائية ومدتها 5 سنوات، فتقبل الأطفال في سن السادسة، ويدرس الطلاب 14 مادة مختلفة (القرآن – العقيدة – الحديث – السيرة – الخط العربي – الرياضيات – العلوم – القراءة العربية – الإملاء – التاريخ – الجغرافيا – الآداب الشرعية – قواعد اللغة العربية – اللغة الإنجليزية – الإعداد البدني).

وبعض تلك المواد تتطلب إقامة معسكرات لتدريب الطلبة على استخدام الأسلحة النارية الصغيرة والقنابل اليدوية. وتدرس معظم تلك المواد بشكل تدريجي من الصف الأول. وفي الصفين الرابع والخامس، أضاف تنظيم الدولة مواد التاريخ والجغرافيا وقواعد اللغة العربية ومادة اللغة الإنجليزية.

مواد الصف الأول والثاني والثالث والرابع إبتدائي.

أما المرحلة الثالثة، فهي المرحلة المتوسطة ومدتها سنتان، وفيها يدرس الطلاب 16 مادة مختلفة (القرآن – العقيدة – الأدب العربي – النحو – الصرف – الفقه – التاريخ – الجغرافيا – الآداب الشرعية – اللغة الإنجليزية – البرمجة – الإعداد البدني – الرياضيات – الأحياء – الفيزياء – الكيمياء).

مواد الصف الأول والثاني متوسط.

والمرحلة الرابعة هي المرحلة الإعدادية ومدتها سنتان أيضاً، يدرس الطلاب 20 مادة مختلفة (السياسة الشرعية – أصول الفقه – القرآن – التفسير – العقيدة – الحديث – الأدب العربي – معاني النحو – القراءة العربية – الفقه – التاريخ – الجغرافيا – الآداب الشرعية – اللغة العربية العامة – اللغة الإنجليزية – الإعداد البدني – الرياضيات – الأحياء – الفيزياء – الكيمياء). وفي السنة الأولى من المرحلة الإعدادية يختار الطالب تخصص شرعي أو علمي.

التلقين المنهجي: تحليل الكتب الدراسية لتنظيم الدولة 

بشكل رئيسي استخدم تنظيم الدولة التعليم كأداة استراتيجية لتبرير مشروعيته واستمرار وجوده، ولذا من اللافت أن معظم المواد الدراسية تتعلق أكثر بعناصر التلقين العسكري وبناء “شخصية حربية” مخلصة، أكثر من كونها تركز على المعرفة أو تطوير المهارات، مثلما يتضح من المقتطف التالي في مادة البرمجة بالصف الثاني المتوسط، “في يومنا هذا تتعرض دولتنا الإسلامية للاعتداء بكل أنواع الأسلحة الحديثة من التحالف العسكري الصليبي الطاغوتي.. فالدولة الإسلامية تحتاج مبرمجين مبدعين يجيدون تطوير وتحديث منظومتنا التسليحية”.

لقد اعتمد تنظيم الدولة في المصادر الرئيسية المستخدمة في نظامه التعليمي على جزءاً من إرث السلفية، ولكنه اتسم بالجمع ما بين العسكرة والتصلب الإيديولوجي، لذا خرج بالنهاية بعقيدة شديدة العسكرة.

الركائز الأربعة لهذه المناهج الدراسية قامت على (التوحيد، الجهاد، الولاء والبراء، والحاكمية). صحيح أن العديد من الأفكار الموجودة بهذه المناهج الدراسية تستند إلى مدارس إسلامية راسخة، لكن تنظيم الدولة تعامل معها بطريقة عقائدية وحرفية، ورفض المفاهيم الفقهية التي تحدثت عن المقاصد وضرورة أن تكون الأحكام والفقه عن تجربة وتعطي ضرورات معينة للتعامل مع الواقع.

لقد استعان تنظيم الدولة بمصادر إسلامية من العصور الوسطى، خاصة تلك المصادر التي تناولت الخلافة، رغم أن العديد من هذه الآراء هي لعلماء تتعارض آرائهم مع المدرسة السلفية، مثل الجويني مؤلف كتاب “الورقات” والماوردي الذي ظهر بكثرة في كتب تنظيم الدولة المدرسية حول مواضيع الحكم الإسلامي وطاعة الحكام.

على سبيل المثال في كتاب “السياسة الشرعية” الذي حمل صورة أبو بكر البغدادي وصورة المسلحين وهم يرفعون أسلحتهم ليبايعوه، تناول المقرر الدراسي موضوعات مثل الحرب، والحسبة، ومسؤوليات الخليفة، وتضمن أقولاً واستشهادات لعلماء تتعارض آرائهم العقدية والفقهية مع “نقاء سلفية” تنظيم الدولة.

أسئلة مادة العقيدة للصف الأول متوسط.

أما مادة العقيدة كما فسرها وطبقها العالم الشهير محمد بن عبد الوهاب وخلفاؤه، فتحتل مكانة بارزة من حيث عدد المرات التي تم تدريسها في مختلف المراحل الدراسية، وتعد كتب ابن عبد الوهاب أحد أهم أسس تعليم العقيدة في المراحل الابتدائية والمتوسطة والاعدادية.

ولابد من الإشارة إلى أن التنظيم لم يتعمد على شروحات محمد بن عبد الوهاب الكثيرة والمعترف بها، لقد قام أحد شيوخ التنظيم بتقديم شروحات جديدة، وتركز هذه الشروحات على ثنائية “الإيمان بالله والكفر بالطاغوت”.

من زاوية أخرى عمل تنظيم الدولة بشكل منهجي على عسكرة النظام التعليمي والتركيز بشكل طاغي على معاني القوة، وفي كل المراحل التعليمية، يقوم التنظيم بدمج المبادئ العسكرية والأسلحة والاستراتيجيات الحربية في كل مادة دراسية، وربط التعلم بفائدتها في سياقات الواقع، حتى اختيار المفردات في مواد اللغة الإنجليزية التي تم تدريسها، كان العديد منها كلمات حربية.

في مادة اللغة العربية كانت أيضاً العديد من الأمثلة مرتبطة بواقع تنظيم الدولة ورؤيته للصراع، كما تضمنت العديد من دروس الرياضيات حساب المسافات لشن الهجمات، وحساب عدد الأشخاص الذين قتلهم” كوماندوز” تنظيم الدولة من إجمالي عدد الكفار. وكذلك تشمل دروس العلوم ميكانيكا الأسلحة وكيمياء المتفجرات، أما مادة التربية البدنية فتشمل وضعية الجسم التي يجب اتخاذها عند إطلاق الأسلحة المختلفة.

وكذلك كانت مواد التاريخ تدرس بطريقة عسكرية محضة، فالتاريخ الذي قدمه تنظيم الدولة كله حروب وصراعات. وهناك موضوع يستخدم بكثرة في الكتب المدرسية الخاصة بالتاريخ وهو الحياة اليومية في الخلافة باعتبارها من أشرف الغايات وأجلها، ومقارنتها بحياة الصحابة، مع الربط المستمر للآيات والأحاديث والروايات مع ما يقوم به التنظيم، ونتيجة لهذه الممارسة المنهجية، من الممكن أن يساوي الطلاب بين تنظيم الدولة والصحابة.

في الواقع، معظم كتب السيرة والتاريخ استخدمت كمبرر للتأكيد على رواية تنظيم الدولة وأن نظرته للعالم صحيحة وكل شيء آخر زائف، وتركز كتب السيرة بشكل أساسي على معارك النبي محمد مع القبائل المجاورة في شبه الجزيرة العربية، وربطها مع الظروف المعاصرة للتنظيم. بجانب التركيز على الأحاديث التي بشرت بعودة الخلافة، واللافت أن قناعة التنظيم بأن نهاية العالم قريبة هي قناعة مركزية جداً في مناهج التعليم.

ولجعل مادة التاريخ تبدو أكثر واقعية وأهمية للطالب، يبدأ كتاب التاريخ المقرر في المرحلة الابتدائية والمتوسطة بتقسيم التاريخ الإسلامي إلى خمس فترات، الأولى فترة النبوة، والأخيرة هي خلافة الدولة الإسلامية التي بدأت في عام 2014.

وبالتالي أصبح كل ما يمر به تنظيم الدولة هو امتداد لنفس المراحل التي مر بها النبي محمد في الماضي. ومن خلال وصف التنظيم نفسه بأنه خلافة على منهاج النبوة، يفترض تنظيم الدولة تفويضاً لفرض فهمه للإسلام على كل مستويات المجتمع، ولذا فإن أولئك الذين يعارضون التنظيم، يعارضون بشكل غير مباشر الدين.

لكن اللافت حقيقة، أنه تم استبدال السير الذاتية للكثير من شخصيات التاريخ الإسلامي بسير ذاتية لقادة التنظيم، وتسلط هذه السير الذاتية الضوء على أن كل هؤلاء الرجال لم يهتموا بالدنيا، بل ضحوا بشغف بمواقعهم وممتلكاتهم من أجل الدولة الإسلامية.

أما في كتب الجغرافيا، فقد سعت إلى إعادة تعريف البلدان والمناطق الجغرافية وإنشاء يوتوبيا من خلال إزالة كافة أشكال الهويات الاجتماعية والانتماءات القومية، وحذف الإشارات إلى معاني الوطن القطري، واستبدالها بالأمة أو “الدولة الإسلامية”.

لكن تطبيع العنف والتعرض المستمر للصور العنيفة أمر لافت للنظر، وحتى الأنشطة الترفيهية في هذا النظام التعليمي، اعتمدت بالدرجة الأولى على الألعاب القتالية والسباحة، وبكثرة ومرونة غير عادية، استخدام تنظيم الدولة الصور العسكرية والأساليب السينمائية، خاصة صور البنادق كديكور في زوايا العديد من الصفحات وفي نهاية بعض الفصول.

في جميع الكتب المدرسية توجد صور ورسوم توضيحية لأنواع الأسلحة، إضافة إلى صور مقاتلي التنظيم، وفي أحيان كثيرة تُضاف الصور العسكرية إلى مواد لا علاقة لها بأي سياق عسكري.

إن المادة التربوية في مناهج تنظيم الدولة فقيرة جداً، لا يوجد تزكية أو شيء لتلطيف السلوك، ومحتوى هذه المناهج لا يساعد حقيقة على التحليل النقدي وتطوير التفكير، من الواضح أن تنظيم الدولة لا يحبذ استخدام المنطق والعقل خاصة في التعامل مع المصادر الدينية.

وقد فشل تنظيم الدولة في استيعاب المدارس السنية في نظامه التعليمي، ومن اللافت أن كتب الفقه الدراسية لا تذكر المذاهب الفقهية الأربعة، بل ينصح بدلاً من ذلك بالرجوع مباشرة إلى القرآن والحديث، وحتى في كتب التفسير، لا يذكر الكتاب المدرسي أياً من المفسرين والسياقات التاريخية لنزول الآيات.

كذلك تولي المنظومة التعليمية لتنظيم الدولة أهمية بالغة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومن المثير للاهتمام تشابك المواد الدينية مع المواد العلمية بشكل كبير، فالمواد مثل الكيمياء، والأحياء، واللغة الإنجليزية، والتربية البدنية، أو البرمجة، لا تخدم التلقين العسكري أو التحضير للمعركة القادمة فحسب.

بل كل شيء في هذه العلوم العلمية يُنسب إلى الله الذي صور باعتباره أصل الظواهر العلمية، ويتم دعم التفسيرات العلمية بالبركات الإلهية ووصفها بالمعجزات. فعند تدريس الفيزياء والكيمياء، تم التأكيد على أن جميع قوانين الفيزياء والكيمياء هي من أصل إلهي.

كذلك قُدمت مادة “الأدب العربي” بشكل عسكري صرف من خلال إدراج أحد رسائل “أبو مصعب الزرقاوي” كنصوص أدبية، وكذلك إدراج أشعار حربية من عصور ما قبل الإسلام، وأما في الإسلام فاختاروا أشعاراً حربية للمتنبي، وبديع الزمان الهمذاني، وابن العميد، ومن خلال المقتطف التالي الذي درسه طلاب ثاني متوسط، يتضح الغرض من تدريس هذه مادة الأدب:

“أولى الأدباء من المتقدمين شعر الحماسة والجهاد عناية خاصة، إذ ألفوا كتباً تحفظ جديد الشعر وما له قيمة وأثر، وكان لشعر الحماسة والجهاد الحظ الأوفر من هذه الكتب مثل: كتاب المفضليات، والأصمعيات وحماسة أبي تمام الكبرى والصغرى، وحماسة البحتري ونحن اليوم بأمس الحاجة إلى شعر الحماسة والجهاد، وذلك لشد همم الرجال المقاتلين في صفوف دولة الخلافة، وبث مفهوم الجهاد، لأنه فرض على الأمة كالصلاة والصيام وغيرها من الفروض والعمل على إخافة العدو وإرهابه بكل ما أوتيت الدولة من القوة والحزم، وقد كان لأشعار وخطب القادة من أمراء الدولة الإسلامية الأثر الأكبر في بث روح الجهاد في نفوس المقاتلين كأمثال الشيخ أسامة بن لادن والشيخ أبي مصعب الزرقاوي والشيخ أبي عمر البغدادي – رحمهم الله – وغيرهم”.

في الواقع، لا يستند النظام التعليمي لتنظيم الدولة على ثنائية الخير والشر فقط، بل لا يسمح بأي تفكير أو اجتهاد، ولذا من الممكن القول إن الغرض من هذه المنظومة التعليمية ليس حتى إثراء الطلاب بمعرفة النصوص والشروحات الإسلامية التراثية، إنما تطوير المهارات القائمة على القتال وإعداد الطالب ببساطة لأقصى قدر من القوة النفسية البدنية. ولذا عندما سأل أحد إعلامي تنظيم الدولة أحد طلبة هذه المدارس، ماذا تريد أن تكون في المستقبل؟ أجاب الطفل بحماسة وبتلقائية شديدة، “سأكون ذباحاً للكفار.”

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

بعد شهر من اجتياح مدينة الموصل (10 حزيران 2014) أنشأ تنظيم “داعش” منظومة تعليمية شاملة في المدن والأقاليم التي سيطر عليها، منظومة تبدأ بروضة الأطفال وتنتهي بالجامعة.

مباشرة بعد خطبته الشهيرة في الجامع الكبير بالموصل، نُشر على الإنترنت وفي أنحاء المساجد والأسواق وأعمدة الكهرباء في الأراضي التي سيطر عليها تنظيم الدولة بياناً من قبل “الخليفة”، يأمر بإنشاء وزارة خاصة للتعليم سميت “ديوان التعليم”.

كانت هذه من أولى الوزارات التي أنشأها تنظيم داعش، وقد ذكر البغدادي أن الهدف من إنشاء هذه الوزارة هو محاربة المناهج الفاسدة ونشر العلوم الدينية والعلمية النافعة بين مسلمي الدولة الإسلامية.

بعد سنة واحدة، نجح التنظيم في إنشاء وإدارة نظام تعليمي شامل ومنظم للغاية يتماشى تماماً مع متطلبات سياق الحرب والأزمات التي عاشها التنظيم.

في الواقع، يعد النظام التعليمي الذي صممه تنظيم الدولة حالة فريدة في تاريخ الجماعات الجهادية، ويُشكل وثيقة ذات أهمية بالغة لفهم التنظيم بشكل أفضل، إذ أنتج ما يزيد على 50 كتاباً مدرسياً.

ورغم أن آخر مدينة طبقت المنظومة التعليمية لتنظيم “داعش” واستخدمت كتبه المدرسية كانت مدينة هجين جنوب دير الزور، لكن ما زالت بعض المناطق البعيدة الخاضعة للتنظيم تحاول تطبيق هذا النظام التعليمي.

كيف أسس تنظيم الدولة مناهجه الدراسية؟

في خريف 2014، عيَّن البغدادي شخصية بارزة عُرفت بلقب “ذو القرنين” وزيراً للتعليم، وهو الاسم الحركي لرضا صيام، مواطن ألماني من أصل مصري، بذل صيام جهوداً كبيرة في تأسيس وإدارة نظام تعليمي جديد، وقام بجولات في مختلف مناطق “الخلافة” للإشراف على تنفيذه

قُتل رضا صيام في كانون الأول 2017، إلى جانب رئيس جامعة الموصل، في غارة لطائرة مسيّرة تابعة لقوات التحالف.

من أجل وضع الأسس لكل ما يخص نظام التعليم الجديد، شكل “ذو القرنين” في أيلول 2014، لجنة ضخمة مكونة من المديرين التنفيذيين، والمعلمين بمختلف تخصصاتهم، ومجموعة من المحررين والباحثين ومفتشي المراجعة، وأمناء المكتبات، ومصورين ورسامين جرافيك، ومتخصصين في الكمبيوتر وغيرهم.

كانت هذه اللجنة تقدم تقاريرها إلى صيام وتعمل تحت إشرافه المباشر، وقد كرّست نفسها بالكامل لمهمة إعداد المناهج الدراسية، وحددت سنة واحدة للانتهاء من هذا المشروع، وكان اسمها الرسمي “لجنة تطوير المناهج والكتب المدرسية”.

 في البداية، تألفت اللجنة من عشرات الأعضاء موزعين حسب المواد، ولكن اضطر إلى إضافة أعضاء جدد، وفي نهاية مقابلته مع وسائل الإعلام أعلن صيام أنّهم قطعواً شوطاً كبيراً، “الحمد لله لدينا أكثر من 400 أخ يعملون على إعداد مناهج خاصة بالدولة الإسلامية”.  

عملت هذه اللجنة في المكتبة المركزية لجامعة الموصل، وأُمر موظفو المكتبة بالمغادرة ومنعوا من العودة إلى أماكن عملهم حتى تنتهي هذه اللجنة من مهمتها. وفي فيديو نشره تنظيم داعش تكريماً للذكرى الأولى لسيطرته على الموصل، احتفى فيه بالتقدم الذي أحرزه في تطوير المناهج الدراسية الجديدة.

في هذا الفيديو، تم تصوير المكتبة المركزية لجامعة الموصل، ويمكن رؤية أبواب قاعات القراءة تحمل لافتات، “لجنة إعداد مناهج الرياضيات”، ولجنة “إعداد مناهج الفيزياء”، و”لجنة إعداد مناهج التربية الجهادية”.

المكتبة المركزية لجامعة الموصل بعد إحراقها – المصدر: العربي الجديد

وخلال عمل هذه اللجنة وقبل التحوّل إلى المنظومة التعليمية الجديدة، أصدر “ذو القرنين” سلسلة من القرارات حملت توقيعه، وقد أطلق عليها قرارات “الفترة الانتقالية”، وشملت اعتماد التقويم الهجري في المنظومة التعليمية القديمة، وحظر الاختلاط بين الجنسين في كافة المراحل التعليمية. وإلغاء بعض المواد من مدارس الأنظمة التعليمية العراقية والسورية، كالموسيقى والفن والنحت والتربية المدنية، والدراسات الاجتماعية والتاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس، وحظر نظرية التطور لتشارلز داروين رغم أنها لم تكن تُدرَّس من قبل في المدارس العراقية.

وفي محاولة لإعادة الأمور إلى الاستقرار، فتح ديوان التعليم في 2014 جامعة الموصل، لكنه أطلق عليها اسم الجامعة الإسلامية، وفي سوريا، فتح جامعة الفرات في دير الزور والرقة، لكن ألغى “ذوالقرنين” العديد من الكليات والأقسام الجامعية، بما في ذلك كليات الحقوق، والآثار والمسرح والفنون الجميلة، وأقسام الفلسفة، والسياحة.

مع ذلك سرعان ما قام تنظيم الدولة بإغلاق كافة المؤسسات التعليمة وإيقاف جميع المعلمين، وفي مقطع فيديو بعنوان “التعليم في ظل الخلافة”، أوضح “ذو القرنين” أنهم حاولوا شراء الوقت وترك المدارس التي اعتمدت على نظام التعليم السوري والعراقي مفتوحة إلى أن تنتهي لجنة إعداد المناهج من مهمتها، لكن العديد من المعلمين رفضوا توجيهات التنظيم واستمروا في تدريس “المواد الكافرة” على حد تعبيره.

أمام هذا الوضع، قام ذو القرنين بإصدار قرار بإغلاق المدارس بتاريخ 21 كانون الأول 2014 بعد شهرين فقط من بدء العام الدراسي الجديد، بجانب إيقاف جميع الأساتذة (رجالاً ونساء) عن العمل حتى اكتمال “إجراءات الاستتابة”، وتم وضع قائمة بأسماء أماكن مراكز الاستتابة، معظمها مساجد، واستغرقت الترتيبات لإجراءات الاستتابة ما يزيد عن الشهرين.

كما نشرت “هيئة البحوث والإفتاء” في التنظيم رسالة شرحت فيها بالتفصيل الحكم الشرعي لموظفي التعليم الذين عملوا في النظام التعليمي السوري والعراقي، وقد صنفتهم في عدة حالات، وكان يفترض أن يختلف الحكم اعتماداً على منصب الشخص، لكن جميع الفئات نالت حكم واحداً برر على النحو التالي، “الجميع كفار لأنهم روجوا للقومية والاشتراكية وحزب البعث وتعزيز الثقافة الديمقراطية”.

التنظيم وسّع في قراره من دائرة المطالبين بالاستتابة لتشمل كل من عمل في منظومة التعليم، بمن فيهم الحراس والمتقاعدين والنساء، بجانب أن جلسات الاستتابة التي عقدت في جميع المدن التي سيطر عليها التنظيم، كانت علنية وعقدت مباشرة بعد صلاة الجمعة، وتتألف من اعتراف علني بـ “ردة” المعلم، وقراءة نص بصوت عالٍ أمام أعضاء لجنة الاستتابة، وكان نص التوبة، “أنا الموقع أدناه أتوب إلى الله تعالى مما وقعت فيه من الردة وأعلن براءتي من ائتماني إلى المنظومة التعليمية وبكل ما تورطت فيه من مناطات كفرية وخصوصاً الفكر البعثي وموالاة الطواغيت… وإن غيرت أو بدلت، فيجري علي حكم الله”.

بعد إعلان التوبة في المسجد، كان على المعلم الحضور إلى أقرب محكمة لتوقيع “وثيقة استتابة”، وفي أعلى هذه الوثيقة صورته، إلى جانب اسمه الأول والأخير، وتاريخ ومكان ميلاده، واسم الضامن، وهو شخص يرافق المعلم التائب كشاهد على إخلاصه، وليس ذلك فحسب، بل يجب أن يخضع المعلم لدورات إعادة تأهيل.

وأعلن ذي القرنين، “بمجرد أن تكتمل عملية الاستتابة للمعلمين السابقين، سنفتح الأبواب لتوظيف أي شخص يرغب في العمل في مدارس الدولة الإسلامية”. وبالفعل تم تجهيز معهد لإعداد معلمين جدد للعام الدراسي القادم، لكن “المعلمين التائبين” لم يتم إعادتهم إلى وظائفهم قبل التأكد بشكل واضح من التزامهم بالسياسات التعليمية الجديدة.

وثيقة استتابة صادرة عن تنظيم “داعش”.

في وقت قياسي أقل من عام، وتحت ضغط مستمر من الوزير، تم الانتهاء من مناهج التعليم الجديدة في كانون الأول 2015، وعملت هذه اللجنة على تنفيذ توجيهات ذي القرنين بتبسيط المناهج والكتب المدرسية قدر الإمكان، بجانب أسلمة كافة المواد التعليمية، واختراع أمثلة وتمارين جديدة متوافقة مع سياسات الخلافة. ويذكر أحد بيانات “لجنة تطوير المناهج والكتب المدرسية”:

“فتح الله تعالى للمجاهدين في سبيله، وصارت للمسلمين خلافة إسلامية على منهاج النبوة بسطت سلطانها على مساحات واسعة في العراق والشام واليمن وجزيرة العرب وسيناء وليبيا وغرب إفريقيا وباكستان وأفغانستان وخراسان وغيرها من أرض الله، والتمدد مستمر بإذن الله، وكان من أهم وأول ما بدأت به الدولة الفتية والقوية بإذن الله تعالى أن فتحت المدارس، وهب أبناءها لعمل مناهج علمية وعملية خاصة بدولة الخلافة تكسب أبناءها الطلبة العقيدة الإسلامية الصحيحة في التعامل مع العلوم الدنيوية”

ثم جاءت الخطوة الثانية في تقنين أوضاع المعلمين والطلاب في المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم، وتخصيص أماكن جديدة للدراسة، وتغيير أسماء المدارس القديمة إلى أسماء شخصيات تاريخية ومقاتلين جهاديين، وفرض المصروفات وتوفير الكتب الدراسية في كل منطقة.

وعندما بدأت الدراسة في أيلول 2015، أنشأ التنظيم مطبعة رسمية مكلفة بطباعة الكتب المدرسية، وكانت معظم الكتب الدراسية تحتوي على نسختين، واحدة للطلاب، وأخرى للمعلمين.

 نموذج من منشورات “داعش”.

كان الإصدار المخصص للمعلمين يحمل عنوان “دليل المعلم” ويحتوي على تعليمات محددة حول كيفية تقديم الدروس وأهم المواضيع التي يجب التركيز عليها، والأنشطة التي يجب تنفيذها في الفصل، إضافة إلى المراجع التي يجب الرجوع إليها.

أواخر 2015 بدأت المدارس في استخدام الكتب المدرسية التي أنتجتها تنظيم الدولة، ثم في عام 2016 كانت جميع المدارس تقريباً تستخدم المناهج والكتب المدرسية الجديدة.

من مادة “القراءة” المقررة على الصف الأول الابتدائي

سياسة التعليم وتنظيمها

وضع تنظيم “داعش” نفسه في مواجهة التعليم الذي أنشأته الدول العربية، واعتبر أن المنظومة التعليمية في البلاد العربية هي أداة لإفساد الأجيال وغرس قيم المرتدين والكفار في أذهان الطلاب، لذا حاول تحدي المفاهيم الغربية والعلمانية و”استئصال الكفر من الجذور واستعادة التعليم الإسلامي”.

ويرى التنظيم أن التعليم النظامي يشكل جزءاً مهماً من دعم جهود الجهاد، وتنص السياسة التعليمية الرسمية في “دولة الخلافة” على أن التعليم الذي يقدم يستند إلى رؤية محددة، “بفضل الله تعالى وحسن توفيقه، تدخل الدولة الإسلامية اليوم عهداً جديداً، وذلك من خلال وضعها اللبنة الأولى في صرح التعليم الإسلامي القائم على منهج الكتاب، وعلى هدي النبوة وبفهم السلف الصالح والرعيل الأول لها، وبرؤية صافية لا شرقية ولا غربية، ولكن قرآنية نبوية بعيداً عن الأهواء والأباطيل وأضاليل دعاة الاشتراكية الشرقية، أو الرأسمالية الغربية، أو سماسرة الأحزاب والمناهج المنحرفة في شتى أصقاع الأرض… ولقد كانت كتابة هذه المناهج خطوة على الطريق ولبنة من لبنات بناء صرح الخلافة”. (مقدمة من أحد كتب تنظيم الدولة المدرسية).

لكن مع النقد اللاذع الذي وجهه التنظيم للمنظومات التعليمية العربية، فقد استخدم وبشكل أكثر شمولية أدوات وطريقة المنظومة التي انتقدها، ومثل الأنظمة الأخرى، نفذ نهجاً صارماً من أعلى إلى أسفل.

 جولة لعناصر تنظيم داعش داخل مدرسة في منطقة الحجر بدمشق – سوريا.

فيما يتعلق بالمعلمين في مؤسسات التعليم بالعراق وسوريا بعد إنشاء تنظيم الدولة للمناهج الجديدة، فإنه لم يتخل تماماً عنهم، مع العلم أنه من المستحيل أن يقوم بتجنيد وتدريب معلمين وكوادر جدد يملؤون الفراغ، ولذا إضافة إلى تجنيد معلمين جدد، حاول التنظيم استيعاب المديرين ومعلمي المدارس والجامعات الذين عاشوا في المدن التي سيطر عليها.

ولكن بعد إعلانهم “الاستتابة” وحضور تدريب ودورات إعادة تأهيل لتصحيح معتقداتهم، واستمر هذا التدريب لمدة شهرين وكان إلزامياً لأي معلم يرغب في مواصلة العمل في المدارس التي باتت تحت سيطرة تنظيم الدولة.

أما الهيكل التعليمي الجديد للتنظيم، فليس ثورياً تماماً بالمقارنة مع هيكل التعليم السابق، يتكون نظام التعليم الذي أنشأه تنظيم الدولة من خمس مراحل، وهي، رياض الأطفال والابتدائية والمتوسطة والإعدادية والجامعة.

ينقسم العام الدراسي إلى فصلين دراسيين، والسنة الدراسية حوالى 38 أسبوعاً، مع امتحانات نهائية لمدة أسبوعين في نهاية كل فصل دراسي، وتشكل الامتحانات الشهرية 60 بالمئة من الدرجة النهائية، ويشكل الامتحان النهائي في نهاية الفصل الدراسي 40 بالمئة (للنجاح، يجب على الطلاب الحصول على درجة النصف على الأقل في الفصلين الدراسيين).

ويحق للطالب الذي رسب في ثلاث مواد أو أقل التقدم لامتحان تعويضي خلال الإجازة الصيفية. أما الطالب الذي رسب في أكثر من ثلاث مواد فلا يمنح فرصة أخرى لإعادة الاختبار في الإجازة الصيفية.

فتية نبلاء 

تتكون رياض الأطفال من سنة واحدة وهي ليست إجبارية، والمستوى الابتدائي من خمس سنوات حتى الصف الخامس، والمرحلة المتوسطة والإعدادية كل منها مدته عامين، وفي المرحلة الإعدادية يتاح للطالب الاختيار بين مسارين، علمي وشرعي، ومن خلال أحد هذان المساران يذهب بعد ذلك إلى الكلية أو المعهد حسب رغبته وحسب المجموع الذي حصل عليه.

يبدأ الطلاب دراستهم في سن الخامسة أو السادسة، وقد فرض تنظيم الدولة مبدأ التعليم الإلزامي من المرحلة الابتدائية حتى نهاية المرحلة الإعدادية أو حتى سن 15 عام.

تبدو مراحل التعليم التي صممها تنظيم الدولة مشابهة جداً للنظام القديم، لكنه اختصر الدراسة في عدد سنوات أقل، ألغى عام واحد من كل مرحلة، وقلل من أيام وشهور الإجازات.

إذ منح الطلاب إجازة لمدة شهرين فقط خلال فصل الصيف، وأدخل أيضاً عطلات جديدة كالأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان، بجانب العطل الرسمية أيام الجمعة وعيدي الفطر والأضحى.

 جولات عناصر التنظيم داخل المدارس.

وتبدأ الدروس في تمام الساعة الثامنة، ويمتد الأسبوع الدراسي من السبت إلى الخميس، والأدوار الجنسانية في المدارس والكتب، محددة منذ سن مبكرة، إذ هناك مناهج وفصول دراسية خاصة للفتيات، وفي بعض المناطق، سُمح للفتيات بحضور المدرسة في أوقات مختلفة عن الذكور. لاحقاً، في عام 2016، خصص تنظيم الدولة مبانٍ منفصلة لكل جنس.

وباليوم خمس حصص دراسية، الحصة مدتها 45 دقيقة، وهناك استراحة لمدة خمس دقائق بين الحصص، وفترة راحة لمدة 15 دقيقة بعد الحصة الثالثة. ويجب أن تتوقف الدروس عند سماع الأذان، ويُطلب من الطلاب الصلاة في المدرسة تحت إشراف المعلم، وتستأنف الدروس بعد ذلك (تستغرق الصلاة حوالي نصف ساعة، بما في ذلك الوضوء).

درس من مادة “الإسلام ديننا” المقررة في مرحلة رياض الأطفال.

كذلك أوجد تنظيم الدولة زياً مدرسياً موحداً بالنسبة للذكور يسمى “شلوار”، لونه أسود أو بني أو كحلي أو رمادي، عبارة عن قطعتين، سترة طويلة مشدودة فوق بنطلون فضفاض، وهو زي تقليدي يرتديه سكان باكستان وأفغانستان، وأصبح إلزامياً على بعض المدارس. أما الفتيات من سن 10 سنوات، فكان عليهن ارتداء الحجاب في المدارس الابتدائية والدراسة على يد معلمات.

 أطفال في صفوف المدارس التي أدارها “داعش”.

ومن الواضح أن تنظيم الدولة وجد صعوبة بالغة في جمع أشتات الجنسيات في مكان واحد، لذا قسم طلبة المدارس إلى أقسام عدة، السكان المحليين، الأجانب الناطقين بالعربية، الأجانب غير الناطقين بالعربية، وهؤلاء أيضاً تم تقسيمهم إلى فئات عدة، ثم أشبال الخير، وهم الأطفال الذين مات والدهم في القتال.

خصص التنظيم لكل من هؤلاء الطلاب مدارس ورعاية مختلفة، وفي الواقع، لوحظ أن أطفال الأجانب حظوا بمعاملة واهتمام مختلف، خاصة القادمين من دول وسط آسيا. وبالنسبة لغير الناطقين بالعربية، فلابد من اجتياز مرحلة تمهيدية لتعلم اللغة العربية أولاً قبل الالتحاق بالمنظومة التعليمية. والحقيقة أن تنظيم الدولة أهتم كثيراً بتعليم اللغة العربية للأجانب، وأنشأ لهم مسابقات وتطبيقات موجهة من أجل تشجيعهم على تعلم العربية.

أشبال الخلافة  

أما بالنسبة للجامعات، فقد بدأ تنظيم الدولة في إنشاء معاهد الشريعة، بما في ذلك للنساء، وقام بتغيير هيكل كليات الطب، ونقلها من اختصاص ديوان التعليم إلى ديوان الصحة، لكن تم تقليص مدة الدراسة في كليات الطب من 6 سنوات إلى ثلاث سنوات، ومن عامين إلى عام واحد للتمريض.

في كلية الطب في الرقة، كان الطلاب الذكور والإناث يحصلون على شهادة طبية بعد ثلاث سنوات فقط من الدراسة، ويسمح لهم بممارسة الطب في المراكز الصحية والمستشفيات في جميع أنحاء أراضي التنظيم.

 بوستر ترويجي لأعمال تنظيم “داعش”.

ما هي المواد التعليمية التي درسها تنظيم الدولة؟

بشكل أساسي، قسم تنظيم الدولة المناهج الدراسية إلى شرعية وعلمية ولغوية، الأولى تشمل، القرآن والعقيدة والسيرة وعلوم الشريعة والتربية الإسلامية والبدنية. والثانية تشمل، الخط وعلوم اللغة العربية والأدب.

والثالثة تشمل، الرياضيات والفيزياء والكيمياء والتاريخ والجغرافيا وعلوم الكمبيوتر واللغة الإنجليزية. وهذه المواد تم توفيرها في إصدارات رقمية وورقية، ويعتبر حفظ القرآن أساسي وقد تضمنت مادة القران نفسها تفسير ميسر وأحكام التجويد.

تبدأ مرحلة رياض الأطفال من سن الخامسة مدتها سنة واحدة، وهذه المرحلة لا تدخل ضمن فترة الإلزام، يدرس الأطفال خمس مواد أساسية، تعتبر مقدمات تبسيطية للرياضيات والعلوم والعقيدة واللغة العربية والصلاة والوضوء ومراعاة الآداب العامة بجانب الأناشيد وسرد قصص الأنبياء.

المواد الدراسية لمرحلة رياض الأطفال.

أما المرحلة الابتدائية ومدتها 5 سنوات، فتقبل الأطفال في سن السادسة، ويدرس الطلاب 14 مادة مختلفة (القرآن – العقيدة – الحديث – السيرة – الخط العربي – الرياضيات – العلوم – القراءة العربية – الإملاء – التاريخ – الجغرافيا – الآداب الشرعية – قواعد اللغة العربية – اللغة الإنجليزية – الإعداد البدني).

وبعض تلك المواد تتطلب إقامة معسكرات لتدريب الطلبة على استخدام الأسلحة النارية الصغيرة والقنابل اليدوية. وتدرس معظم تلك المواد بشكل تدريجي من الصف الأول. وفي الصفين الرابع والخامس، أضاف تنظيم الدولة مواد التاريخ والجغرافيا وقواعد اللغة العربية ومادة اللغة الإنجليزية.

مواد الصف الأول والثاني والثالث والرابع إبتدائي.

أما المرحلة الثالثة، فهي المرحلة المتوسطة ومدتها سنتان، وفيها يدرس الطلاب 16 مادة مختلفة (القرآن – العقيدة – الأدب العربي – النحو – الصرف – الفقه – التاريخ – الجغرافيا – الآداب الشرعية – اللغة الإنجليزية – البرمجة – الإعداد البدني – الرياضيات – الأحياء – الفيزياء – الكيمياء).

مواد الصف الأول والثاني متوسط.

والمرحلة الرابعة هي المرحلة الإعدادية ومدتها سنتان أيضاً، يدرس الطلاب 20 مادة مختلفة (السياسة الشرعية – أصول الفقه – القرآن – التفسير – العقيدة – الحديث – الأدب العربي – معاني النحو – القراءة العربية – الفقه – التاريخ – الجغرافيا – الآداب الشرعية – اللغة العربية العامة – اللغة الإنجليزية – الإعداد البدني – الرياضيات – الأحياء – الفيزياء – الكيمياء). وفي السنة الأولى من المرحلة الإعدادية يختار الطالب تخصص شرعي أو علمي.

التلقين المنهجي: تحليل الكتب الدراسية لتنظيم الدولة 

بشكل رئيسي استخدم تنظيم الدولة التعليم كأداة استراتيجية لتبرير مشروعيته واستمرار وجوده، ولذا من اللافت أن معظم المواد الدراسية تتعلق أكثر بعناصر التلقين العسكري وبناء “شخصية حربية” مخلصة، أكثر من كونها تركز على المعرفة أو تطوير المهارات، مثلما يتضح من المقتطف التالي في مادة البرمجة بالصف الثاني المتوسط، “في يومنا هذا تتعرض دولتنا الإسلامية للاعتداء بكل أنواع الأسلحة الحديثة من التحالف العسكري الصليبي الطاغوتي.. فالدولة الإسلامية تحتاج مبرمجين مبدعين يجيدون تطوير وتحديث منظومتنا التسليحية”.

لقد اعتمد تنظيم الدولة في المصادر الرئيسية المستخدمة في نظامه التعليمي على جزءاً من إرث السلفية، ولكنه اتسم بالجمع ما بين العسكرة والتصلب الإيديولوجي، لذا خرج بالنهاية بعقيدة شديدة العسكرة.

الركائز الأربعة لهذه المناهج الدراسية قامت على (التوحيد، الجهاد، الولاء والبراء، والحاكمية). صحيح أن العديد من الأفكار الموجودة بهذه المناهج الدراسية تستند إلى مدارس إسلامية راسخة، لكن تنظيم الدولة تعامل معها بطريقة عقائدية وحرفية، ورفض المفاهيم الفقهية التي تحدثت عن المقاصد وضرورة أن تكون الأحكام والفقه عن تجربة وتعطي ضرورات معينة للتعامل مع الواقع.

لقد استعان تنظيم الدولة بمصادر إسلامية من العصور الوسطى، خاصة تلك المصادر التي تناولت الخلافة، رغم أن العديد من هذه الآراء هي لعلماء تتعارض آرائهم مع المدرسة السلفية، مثل الجويني مؤلف كتاب “الورقات” والماوردي الذي ظهر بكثرة في كتب تنظيم الدولة المدرسية حول مواضيع الحكم الإسلامي وطاعة الحكام.

على سبيل المثال في كتاب “السياسة الشرعية” الذي حمل صورة أبو بكر البغدادي وصورة المسلحين وهم يرفعون أسلحتهم ليبايعوه، تناول المقرر الدراسي موضوعات مثل الحرب، والحسبة، ومسؤوليات الخليفة، وتضمن أقولاً واستشهادات لعلماء تتعارض آرائهم العقدية والفقهية مع “نقاء سلفية” تنظيم الدولة.

أسئلة مادة العقيدة للصف الأول متوسط.

أما مادة العقيدة كما فسرها وطبقها العالم الشهير محمد بن عبد الوهاب وخلفاؤه، فتحتل مكانة بارزة من حيث عدد المرات التي تم تدريسها في مختلف المراحل الدراسية، وتعد كتب ابن عبد الوهاب أحد أهم أسس تعليم العقيدة في المراحل الابتدائية والمتوسطة والاعدادية.

ولابد من الإشارة إلى أن التنظيم لم يتعمد على شروحات محمد بن عبد الوهاب الكثيرة والمعترف بها، لقد قام أحد شيوخ التنظيم بتقديم شروحات جديدة، وتركز هذه الشروحات على ثنائية “الإيمان بالله والكفر بالطاغوت”.

من زاوية أخرى عمل تنظيم الدولة بشكل منهجي على عسكرة النظام التعليمي والتركيز بشكل طاغي على معاني القوة، وفي كل المراحل التعليمية، يقوم التنظيم بدمج المبادئ العسكرية والأسلحة والاستراتيجيات الحربية في كل مادة دراسية، وربط التعلم بفائدتها في سياقات الواقع، حتى اختيار المفردات في مواد اللغة الإنجليزية التي تم تدريسها، كان العديد منها كلمات حربية.

في مادة اللغة العربية كانت أيضاً العديد من الأمثلة مرتبطة بواقع تنظيم الدولة ورؤيته للصراع، كما تضمنت العديد من دروس الرياضيات حساب المسافات لشن الهجمات، وحساب عدد الأشخاص الذين قتلهم” كوماندوز” تنظيم الدولة من إجمالي عدد الكفار. وكذلك تشمل دروس العلوم ميكانيكا الأسلحة وكيمياء المتفجرات، أما مادة التربية البدنية فتشمل وضعية الجسم التي يجب اتخاذها عند إطلاق الأسلحة المختلفة.

وكذلك كانت مواد التاريخ تدرس بطريقة عسكرية محضة، فالتاريخ الذي قدمه تنظيم الدولة كله حروب وصراعات. وهناك موضوع يستخدم بكثرة في الكتب المدرسية الخاصة بالتاريخ وهو الحياة اليومية في الخلافة باعتبارها من أشرف الغايات وأجلها، ومقارنتها بحياة الصحابة، مع الربط المستمر للآيات والأحاديث والروايات مع ما يقوم به التنظيم، ونتيجة لهذه الممارسة المنهجية، من الممكن أن يساوي الطلاب بين تنظيم الدولة والصحابة.

في الواقع، معظم كتب السيرة والتاريخ استخدمت كمبرر للتأكيد على رواية تنظيم الدولة وأن نظرته للعالم صحيحة وكل شيء آخر زائف، وتركز كتب السيرة بشكل أساسي على معارك النبي محمد مع القبائل المجاورة في شبه الجزيرة العربية، وربطها مع الظروف المعاصرة للتنظيم. بجانب التركيز على الأحاديث التي بشرت بعودة الخلافة، واللافت أن قناعة التنظيم بأن نهاية العالم قريبة هي قناعة مركزية جداً في مناهج التعليم.

ولجعل مادة التاريخ تبدو أكثر واقعية وأهمية للطالب، يبدأ كتاب التاريخ المقرر في المرحلة الابتدائية والمتوسطة بتقسيم التاريخ الإسلامي إلى خمس فترات، الأولى فترة النبوة، والأخيرة هي خلافة الدولة الإسلامية التي بدأت في عام 2014.

وبالتالي أصبح كل ما يمر به تنظيم الدولة هو امتداد لنفس المراحل التي مر بها النبي محمد في الماضي. ومن خلال وصف التنظيم نفسه بأنه خلافة على منهاج النبوة، يفترض تنظيم الدولة تفويضاً لفرض فهمه للإسلام على كل مستويات المجتمع، ولذا فإن أولئك الذين يعارضون التنظيم، يعارضون بشكل غير مباشر الدين.

لكن اللافت حقيقة، أنه تم استبدال السير الذاتية للكثير من شخصيات التاريخ الإسلامي بسير ذاتية لقادة التنظيم، وتسلط هذه السير الذاتية الضوء على أن كل هؤلاء الرجال لم يهتموا بالدنيا، بل ضحوا بشغف بمواقعهم وممتلكاتهم من أجل الدولة الإسلامية.

أما في كتب الجغرافيا، فقد سعت إلى إعادة تعريف البلدان والمناطق الجغرافية وإنشاء يوتوبيا من خلال إزالة كافة أشكال الهويات الاجتماعية والانتماءات القومية، وحذف الإشارات إلى معاني الوطن القطري، واستبدالها بالأمة أو “الدولة الإسلامية”.

لكن تطبيع العنف والتعرض المستمر للصور العنيفة أمر لافت للنظر، وحتى الأنشطة الترفيهية في هذا النظام التعليمي، اعتمدت بالدرجة الأولى على الألعاب القتالية والسباحة، وبكثرة ومرونة غير عادية، استخدام تنظيم الدولة الصور العسكرية والأساليب السينمائية، خاصة صور البنادق كديكور في زوايا العديد من الصفحات وفي نهاية بعض الفصول.

في جميع الكتب المدرسية توجد صور ورسوم توضيحية لأنواع الأسلحة، إضافة إلى صور مقاتلي التنظيم، وفي أحيان كثيرة تُضاف الصور العسكرية إلى مواد لا علاقة لها بأي سياق عسكري.

إن المادة التربوية في مناهج تنظيم الدولة فقيرة جداً، لا يوجد تزكية أو شيء لتلطيف السلوك، ومحتوى هذه المناهج لا يساعد حقيقة على التحليل النقدي وتطوير التفكير، من الواضح أن تنظيم الدولة لا يحبذ استخدام المنطق والعقل خاصة في التعامل مع المصادر الدينية.

وقد فشل تنظيم الدولة في استيعاب المدارس السنية في نظامه التعليمي، ومن اللافت أن كتب الفقه الدراسية لا تذكر المذاهب الفقهية الأربعة، بل ينصح بدلاً من ذلك بالرجوع مباشرة إلى القرآن والحديث، وحتى في كتب التفسير، لا يذكر الكتاب المدرسي أياً من المفسرين والسياقات التاريخية لنزول الآيات.

كذلك تولي المنظومة التعليمية لتنظيم الدولة أهمية بالغة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومن المثير للاهتمام تشابك المواد الدينية مع المواد العلمية بشكل كبير، فالمواد مثل الكيمياء، والأحياء، واللغة الإنجليزية، والتربية البدنية، أو البرمجة، لا تخدم التلقين العسكري أو التحضير للمعركة القادمة فحسب.

بل كل شيء في هذه العلوم العلمية يُنسب إلى الله الذي صور باعتباره أصل الظواهر العلمية، ويتم دعم التفسيرات العلمية بالبركات الإلهية ووصفها بالمعجزات. فعند تدريس الفيزياء والكيمياء، تم التأكيد على أن جميع قوانين الفيزياء والكيمياء هي من أصل إلهي.

كذلك قُدمت مادة “الأدب العربي” بشكل عسكري صرف من خلال إدراج أحد رسائل “أبو مصعب الزرقاوي” كنصوص أدبية، وكذلك إدراج أشعار حربية من عصور ما قبل الإسلام، وأما في الإسلام فاختاروا أشعاراً حربية للمتنبي، وبديع الزمان الهمذاني، وابن العميد، ومن خلال المقتطف التالي الذي درسه طلاب ثاني متوسط، يتضح الغرض من تدريس هذه مادة الأدب:

“أولى الأدباء من المتقدمين شعر الحماسة والجهاد عناية خاصة، إذ ألفوا كتباً تحفظ جديد الشعر وما له قيمة وأثر، وكان لشعر الحماسة والجهاد الحظ الأوفر من هذه الكتب مثل: كتاب المفضليات، والأصمعيات وحماسة أبي تمام الكبرى والصغرى، وحماسة البحتري ونحن اليوم بأمس الحاجة إلى شعر الحماسة والجهاد، وذلك لشد همم الرجال المقاتلين في صفوف دولة الخلافة، وبث مفهوم الجهاد، لأنه فرض على الأمة كالصلاة والصيام وغيرها من الفروض والعمل على إخافة العدو وإرهابه بكل ما أوتيت الدولة من القوة والحزم، وقد كان لأشعار وخطب القادة من أمراء الدولة الإسلامية الأثر الأكبر في بث روح الجهاد في نفوس المقاتلين كأمثال الشيخ أسامة بن لادن والشيخ أبي مصعب الزرقاوي والشيخ أبي عمر البغدادي – رحمهم الله – وغيرهم”.

في الواقع، لا يستند النظام التعليمي لتنظيم الدولة على ثنائية الخير والشر فقط، بل لا يسمح بأي تفكير أو اجتهاد، ولذا من الممكن القول إن الغرض من هذه المنظومة التعليمية ليس حتى إثراء الطلاب بمعرفة النصوص والشروحات الإسلامية التراثية، إنما تطوير المهارات القائمة على القتال وإعداد الطالب ببساطة لأقصى قدر من القوة النفسية البدنية. ولذا عندما سأل أحد إعلامي تنظيم الدولة أحد طلبة هذه المدارس، ماذا تريد أن تكون في المستقبل؟ أجاب الطفل بحماسة وبتلقائية شديدة، “سأكون ذباحاً للكفار.”