الانتخابات كـ"عطلة": كيف نعيد الثقة بعملية الاقتراع؟
08 حزيران 2025
الانتخابات لم تعد موعداً للتغيير بل فرصة للهروب للسياسة ومن الخيبات.. مقال يروي كيف تحوّلت صناديق الاقتراع إلى ما يشبه الطقوس الفارغة، وكيف بات الناخب يفضّل سفرة عائلية على ورقة تصويت، ويسأل: هل يمكن استعادة الثقة بالديمقراطية؟
على الرغم من المؤشر الايجابي الذي أعلنه مكتب مفوضية الانتخابات في نينوى، خلال شهر أيار2025، بشأن الإقبال على تحديث سجل الناخبين، ولاسيما بين الشباب، استعداداً للانتخابات البرلمانية التي ستجري في تشرين الثاني المقبل، إلّا أن شريحة واسعة من المجتمع في مدينة الموصل (مركز محافظة نينوى) التي يقطنها زهاء مليونَيْ نسمة من أصل أربعة ملايين وسبعمئة الف نسمة، هم مجمل سكان نينوى، مازالت تقاطع الانتخابات بشقيها المحلي والبرلماني، ومازالت مبرراتها القديمة مطروحة، وهي عدم جدوى الانتخابات في إحداث التغيير وفقدان الثقة بالمرشحين والفساد المستشري في المؤسسة الحكومية، وهي قناعات غير قابلة للنقاش أو التعديل بالنسبة للكثيرين هناك. لكنّ هذه الحقيقة كادت أن تتزعزع عندي حين أخبرني صديقي الموصلّي القديم، الذي يعمل في المجال الأكاديمي، بأنه يترقّب الانتخابات بشغف كبير وأنه يستعد لها من الآن.
بدا صديقي أنه تخلّى عن رفضه القديم بالمشاركة في العملية الانتخابية، وأن تغييراً قد طرأ بالفعل على المزاج الشعبي ولاسيما في المناطق التي عاشت تدهوراً أمنياً لسنوات طويلة كما هو الحال بالنسبة لمدينة الموصل التي تم تحريرها من سيطرة داعش صيف 2017 ومازالت تعاني من الدمار الذي لحق البنية التحتية ونقصٍ في مختلف أنواع الخدمات، على رأسها الصحية.
استسلم صديقي لنوبة ضحك عندما أثنيتُ على موقفه الجديد، ثم قال بصعوبة وهو يحاول تمالك نفسه: “أنا استعد للانتخابات من اجل اغتنام فرصة العطلة التي توفرها والذهاب بعائلتي في سفرة إلى اقليم كردستان للترفيه عن أنفسنا”.
أخبرته بعد لحظات صمت، أن الأسلوب هذا ينتهجه هو مع آخرين كثر غيره في الموصل لن يفضي إلى شيء إيجابي قطعاً، بل هي خدمة مقدمة للفاسدين لكي يتشبثوا بكراسيهم، فرد علي بنبرة جادة:” ماذا يعني صوتي الانتخابي؟ ماذا بوسعه أن يغير؟ لا شيء طبعاً”، وأضاف بحسرة:”قبل 2014، صوتنا لأناس ظننا بأنهم سيخلصوننا من واقعنا المأساوي، لكن ماحدث أنهم تسبّبوا بدخول داعش وتدمير مدينتنا وتشريدنا لسنوات”.

الاجابة الأخيرة هي الأكثر شيوعاً في الحوارات المتعلقة بالانتخابات لدى نسبة يمكن القول بأنها كبيرة من الموصليين، وهي بلا أدنى شك، ردة فعل إزاء سنوات من انعدام الأمن بدأت منذ سقوط النظام العراقي السابق في نيسان 2003 بحرب شوارع يومية بين جماعات مسلحة والقوات الامريكية ثم العراقية، دفع المواطنون ضريبتها الأكبر بسقوطهم ضحايا في تفجيرات السيارات المفخخة والعبوات الناسفة والرصاص الذي لم يكن يفرق بين صغير أو كبير، وتعرضهم للخطف والابتزاز والتهديد، لحين انسحبت فجأة وبالكامل قوات الامن من جيش وشرطة في العاشر من حزيران 2014 تاركة المدينة مع أهلها غنيمة لتنظيم داعش الذي فرض قوانينه المميتة لنحو ثلاث سنوات ولم يخرج منها إلّا بحرب سقط فيها آلاف من المدنيين ودمرت خلالها البنية التحتية بنحو شبه تام.
كل ذلك رسّخ اليأس في المواطن الموصلّي، من قدرة صناديق الاقتراع على إحداث التغيير أو تجنب ما حدث من تدهور أمني، وهو السر وراء وجود ممثلَيْن اثنَين فقط عن مدينة الموصل في مجلس محافظة نينوى البالغة أعدادهم 29 عضواً، مع أن المدينة تشكّل ثقل المحافظة، وتضم أكثر من ثلث سكانها، في حين أن الـ27 الآخرين هم ممثلون عن الوحدات الإدارية الأخرى التابعة لنينوى.
ولطالما كان الأمر بهذا النحو، فالإقبال على صناديق الاقتراع، يكون بالعادة في الأقضية والنواحي المحيطة بالموصل، وغالبية سكانها من أبناء العشائر والأقليات. وحتى في مدينة الموصل ذاتها، أصبحت الأغلبية السكانية تميل كفتها لأبناء العشائر، بسبب النزوح الكبير من الريف خلال العقود الأربعة المنصرمة، بسبب الجفاف والتصحر وزحف الرمال في مناطق غربي وجنوبي نينوى، فنشأت أحياء عديدة في الجانب الايمن للموصل جل سكانها من أبناء الريف النازحين، وتكون خياراتهم في العادة منصبة على مرشحين من العشائر.
في مقابل، تفضل عشرات الآلاف من العائلات التي هاجرت أو نزحت عن المدينة قبل أو في سنة 2014 عدم العودة إليها، والاستقرار في المناطق التي نزحوا اليها وتكيفوا مع بيئتها، كأربيل ودهوك في أقليم كردستان حيث امتلأت احياء فيها بمواطنين من الموصل، أو التي هاجروا اليها كتركيا أو الاردن أو ابعد من ذلك في اوربا وأمريكا واستراليا.

لم يعد الاحباط حكراً على المهمشين فقط، بل تسلل أيضاً إلى النخبة في المجتمع، ليتردد السؤال المتفق عليه بين الاغلبية: “ماذا جنينا من هذه الديمقراطية المشوهة، التي تحولت إلى فوضى خلاقة تخدم القلة على حساب الوطن؟”.
ووصل الأمر إلى طروحات بتنا نسمعها اليوم من شخصيات مرموقة تطالب بـ”ديكتاتور عادل”، دون أن يدركوا بأن الديمقراطية الحقيقية حين تفعّل أدواتها، قد تكون أكثر صرامة من أي ديكتاتورية، لأنها تحكم بالحق والقانون لا بالهوى والبطش. وتمنع انحراف الزعماء عن المسارات المحددة، فالمؤسسات المعنية تتابع، والسلطة الرابعة تراقب وتكشف وتستقصي، والقضاء بالمرصاد، وفي النهاية الشعب يقرر.
والكثير من الساسة العراقيين فطنون ويدركون جيداً بأن تفعيل الديمقراطية الحقيقية، ستشكّل تهديداً مباشراً لمصالحهم الضيقة ونفوذهم غير المشروع، لذا يخشونها ويتجنبون تمكينها، ويهمهم كثيراً الحفاظ على ظاهرة المحاصصة القائمة وما ينجم عنها من تداعيات مدمرة.
نقف الآن أمام السؤال الكبير، كيف يمكننا أن نعيد الثقة العامة بالعملية الانتخابية في البلاد؟ ربما علينا في البدء الإقرار بأن الجهل السياسي، خصوصاً في مفاهيم الديمقراطية الحقيقية، يمثل عقبة رئيسية أمام تطبيقها. فكيف يُنتظر من مواطن لم يتذوّق طعم الحرية إلّا بعد عقود من الدكتاتورية، وعاش فترات لم يكن يأمن فيها على نفسه أو عمله أو أملاكه، أن يمارس حقه الانتخابي بوعي ومسؤولية؟ كيف له أن يدرك أن صوته لا يُقدَّر بثمن، ولا تُعوضه بطاقة هاتف أو بطانية أو وجبة عشاء انتخابية التي يوزعها المرشحون بسخاء قبيل كل انتخابات، عن ضياع حقوقه وسرقة بلده لأربع سنوات مقبلة؟
من هنا تتضح الحاجة الملحّة لحملات توعية شاملة تصل إلى جميع فئات الشعب، باستخدام كل الوسائل المتاحة، من الإعلام التقليدي إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر شخصيات مؤثرة ومنظمات فاعلة، بهدف الوصول إلى كل فرد.
ومن ثم مواجهة الآفات الخطيرة (الطائفية والقومية والعشائرية) بواسطة أحزاب عابرة للطوائف والمناطق، وتطرح برامج وطنية تتعامل مع العراقيين كمواطنين لا كأتباع. مع تفعيل القوانين لمكافحة الخطاب الطائفي، وتشجيع حوار وطني دائم يعزز الثقة والانتماء المشترك وتجريم الخطاب الطائفي الذي يرتفع صوته بين الحين والآخر بداعي “حقوق المكون”.

وأيضاً محاربة الفساد، هذا الوحش الذي يلتهم مؤسسات الدولة ويقوض ثقة الناس، بتفعيل سلطة القضاء وتمكينها من الوصول الى المحصنين “الفاسدين”، فالآفة هذه تتطلب مكافحتها تأمين آليات واضحة وآمنة للمواطنين للإبلاغ عن التجاوزات دون خوف، واظهار نتائج حرصهم ومتابعتهم عبر قرارات قضائية تضع الفاسدين خلف القضبان.
ولو طبق كل ذلك، وتم تقديم ممثلين يعملون بجد وإخلاص من أجل مدنهم وبلادهم، وليس من أجل أحزابهم وتوجهاتهم القومية والطائفية أو مصالحهم المادية والمعنوية الضيقة، عندها فقط، سيكف صديقي الأكاديمي عن استغلال عطلة الانتخابات بسفرة ترفيهية، ويقوم بدلاً من ذلك، باختيار ممثله في السلطة التشريعية والحكومة، بدقة وعناية، من أجل مستقبله وأبنائه وبلاده.
ومنكم/ن نستفيد ونتعلم
هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media
اقرأ ايضاً
على الرغم من المؤشر الايجابي الذي أعلنه مكتب مفوضية الانتخابات في نينوى، خلال شهر أيار2025، بشأن الإقبال على تحديث سجل الناخبين، ولاسيما بين الشباب، استعداداً للانتخابات البرلمانية التي ستجري في تشرين الثاني المقبل، إلّا أن شريحة واسعة من المجتمع في مدينة الموصل (مركز محافظة نينوى) التي يقطنها زهاء مليونَيْ نسمة من أصل أربعة ملايين وسبعمئة الف نسمة، هم مجمل سكان نينوى، مازالت تقاطع الانتخابات بشقيها المحلي والبرلماني، ومازالت مبرراتها القديمة مطروحة، وهي عدم جدوى الانتخابات في إحداث التغيير وفقدان الثقة بالمرشحين والفساد المستشري في المؤسسة الحكومية، وهي قناعات غير قابلة للنقاش أو التعديل بالنسبة للكثيرين هناك. لكنّ هذه الحقيقة كادت أن تتزعزع عندي حين أخبرني صديقي الموصلّي القديم، الذي يعمل في المجال الأكاديمي، بأنه يترقّب الانتخابات بشغف كبير وأنه يستعد لها من الآن.
بدا صديقي أنه تخلّى عن رفضه القديم بالمشاركة في العملية الانتخابية، وأن تغييراً قد طرأ بالفعل على المزاج الشعبي ولاسيما في المناطق التي عاشت تدهوراً أمنياً لسنوات طويلة كما هو الحال بالنسبة لمدينة الموصل التي تم تحريرها من سيطرة داعش صيف 2017 ومازالت تعاني من الدمار الذي لحق البنية التحتية ونقصٍ في مختلف أنواع الخدمات، على رأسها الصحية.
استسلم صديقي لنوبة ضحك عندما أثنيتُ على موقفه الجديد، ثم قال بصعوبة وهو يحاول تمالك نفسه: “أنا استعد للانتخابات من اجل اغتنام فرصة العطلة التي توفرها والذهاب بعائلتي في سفرة إلى اقليم كردستان للترفيه عن أنفسنا”.
أخبرته بعد لحظات صمت، أن الأسلوب هذا ينتهجه هو مع آخرين كثر غيره في الموصل لن يفضي إلى شيء إيجابي قطعاً، بل هي خدمة مقدمة للفاسدين لكي يتشبثوا بكراسيهم، فرد علي بنبرة جادة:” ماذا يعني صوتي الانتخابي؟ ماذا بوسعه أن يغير؟ لا شيء طبعاً”، وأضاف بحسرة:”قبل 2014، صوتنا لأناس ظننا بأنهم سيخلصوننا من واقعنا المأساوي، لكن ماحدث أنهم تسبّبوا بدخول داعش وتدمير مدينتنا وتشريدنا لسنوات”.

الاجابة الأخيرة هي الأكثر شيوعاً في الحوارات المتعلقة بالانتخابات لدى نسبة يمكن القول بأنها كبيرة من الموصليين، وهي بلا أدنى شك، ردة فعل إزاء سنوات من انعدام الأمن بدأت منذ سقوط النظام العراقي السابق في نيسان 2003 بحرب شوارع يومية بين جماعات مسلحة والقوات الامريكية ثم العراقية، دفع المواطنون ضريبتها الأكبر بسقوطهم ضحايا في تفجيرات السيارات المفخخة والعبوات الناسفة والرصاص الذي لم يكن يفرق بين صغير أو كبير، وتعرضهم للخطف والابتزاز والتهديد، لحين انسحبت فجأة وبالكامل قوات الامن من جيش وشرطة في العاشر من حزيران 2014 تاركة المدينة مع أهلها غنيمة لتنظيم داعش الذي فرض قوانينه المميتة لنحو ثلاث سنوات ولم يخرج منها إلّا بحرب سقط فيها آلاف من المدنيين ودمرت خلالها البنية التحتية بنحو شبه تام.
كل ذلك رسّخ اليأس في المواطن الموصلّي، من قدرة صناديق الاقتراع على إحداث التغيير أو تجنب ما حدث من تدهور أمني، وهو السر وراء وجود ممثلَيْن اثنَين فقط عن مدينة الموصل في مجلس محافظة نينوى البالغة أعدادهم 29 عضواً، مع أن المدينة تشكّل ثقل المحافظة، وتضم أكثر من ثلث سكانها، في حين أن الـ27 الآخرين هم ممثلون عن الوحدات الإدارية الأخرى التابعة لنينوى.
ولطالما كان الأمر بهذا النحو، فالإقبال على صناديق الاقتراع، يكون بالعادة في الأقضية والنواحي المحيطة بالموصل، وغالبية سكانها من أبناء العشائر والأقليات. وحتى في مدينة الموصل ذاتها، أصبحت الأغلبية السكانية تميل كفتها لأبناء العشائر، بسبب النزوح الكبير من الريف خلال العقود الأربعة المنصرمة، بسبب الجفاف والتصحر وزحف الرمال في مناطق غربي وجنوبي نينوى، فنشأت أحياء عديدة في الجانب الايمن للموصل جل سكانها من أبناء الريف النازحين، وتكون خياراتهم في العادة منصبة على مرشحين من العشائر.
في مقابل، تفضل عشرات الآلاف من العائلات التي هاجرت أو نزحت عن المدينة قبل أو في سنة 2014 عدم العودة إليها، والاستقرار في المناطق التي نزحوا اليها وتكيفوا مع بيئتها، كأربيل ودهوك في أقليم كردستان حيث امتلأت احياء فيها بمواطنين من الموصل، أو التي هاجروا اليها كتركيا أو الاردن أو ابعد من ذلك في اوربا وأمريكا واستراليا.

لم يعد الاحباط حكراً على المهمشين فقط، بل تسلل أيضاً إلى النخبة في المجتمع، ليتردد السؤال المتفق عليه بين الاغلبية: “ماذا جنينا من هذه الديمقراطية المشوهة، التي تحولت إلى فوضى خلاقة تخدم القلة على حساب الوطن؟”.
ووصل الأمر إلى طروحات بتنا نسمعها اليوم من شخصيات مرموقة تطالب بـ”ديكتاتور عادل”، دون أن يدركوا بأن الديمقراطية الحقيقية حين تفعّل أدواتها، قد تكون أكثر صرامة من أي ديكتاتورية، لأنها تحكم بالحق والقانون لا بالهوى والبطش. وتمنع انحراف الزعماء عن المسارات المحددة، فالمؤسسات المعنية تتابع، والسلطة الرابعة تراقب وتكشف وتستقصي، والقضاء بالمرصاد، وفي النهاية الشعب يقرر.
والكثير من الساسة العراقيين فطنون ويدركون جيداً بأن تفعيل الديمقراطية الحقيقية، ستشكّل تهديداً مباشراً لمصالحهم الضيقة ونفوذهم غير المشروع، لذا يخشونها ويتجنبون تمكينها، ويهمهم كثيراً الحفاظ على ظاهرة المحاصصة القائمة وما ينجم عنها من تداعيات مدمرة.
نقف الآن أمام السؤال الكبير، كيف يمكننا أن نعيد الثقة العامة بالعملية الانتخابية في البلاد؟ ربما علينا في البدء الإقرار بأن الجهل السياسي، خصوصاً في مفاهيم الديمقراطية الحقيقية، يمثل عقبة رئيسية أمام تطبيقها. فكيف يُنتظر من مواطن لم يتذوّق طعم الحرية إلّا بعد عقود من الدكتاتورية، وعاش فترات لم يكن يأمن فيها على نفسه أو عمله أو أملاكه، أن يمارس حقه الانتخابي بوعي ومسؤولية؟ كيف له أن يدرك أن صوته لا يُقدَّر بثمن، ولا تُعوضه بطاقة هاتف أو بطانية أو وجبة عشاء انتخابية التي يوزعها المرشحون بسخاء قبيل كل انتخابات، عن ضياع حقوقه وسرقة بلده لأربع سنوات مقبلة؟
من هنا تتضح الحاجة الملحّة لحملات توعية شاملة تصل إلى جميع فئات الشعب، باستخدام كل الوسائل المتاحة، من الإعلام التقليدي إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر شخصيات مؤثرة ومنظمات فاعلة، بهدف الوصول إلى كل فرد.
ومن ثم مواجهة الآفات الخطيرة (الطائفية والقومية والعشائرية) بواسطة أحزاب عابرة للطوائف والمناطق، وتطرح برامج وطنية تتعامل مع العراقيين كمواطنين لا كأتباع. مع تفعيل القوانين لمكافحة الخطاب الطائفي، وتشجيع حوار وطني دائم يعزز الثقة والانتماء المشترك وتجريم الخطاب الطائفي الذي يرتفع صوته بين الحين والآخر بداعي “حقوق المكون”.

وأيضاً محاربة الفساد، هذا الوحش الذي يلتهم مؤسسات الدولة ويقوض ثقة الناس، بتفعيل سلطة القضاء وتمكينها من الوصول الى المحصنين “الفاسدين”، فالآفة هذه تتطلب مكافحتها تأمين آليات واضحة وآمنة للمواطنين للإبلاغ عن التجاوزات دون خوف، واظهار نتائج حرصهم ومتابعتهم عبر قرارات قضائية تضع الفاسدين خلف القضبان.
ولو طبق كل ذلك، وتم تقديم ممثلين يعملون بجد وإخلاص من أجل مدنهم وبلادهم، وليس من أجل أحزابهم وتوجهاتهم القومية والطائفية أو مصالحهم المادية والمعنوية الضيقة، عندها فقط، سيكف صديقي الأكاديمي عن استغلال عطلة الانتخابات بسفرة ترفيهية، ويقوم بدلاً من ذلك، باختيار ممثله في السلطة التشريعية والحكومة، بدقة وعناية، من أجل مستقبله وأبنائه وبلاده.