الخرائط والوثائق: كيف وصلنا إلى اتفاقية خور عبد الله؟ 

عبدالله أحمد

01 حزيران 2025

في 1963، منح العراق للكويت جزراً دون أن يُجبره أحد. وبعد الغزو، اكتشفت لجنة أممية أن مصالح الكويت في خور عبد الله شبه معدومة، بعكس العراق. ورغم انسحاب صدام من لجنة الترسيم، ضَمنت الأمم المتحدة حرية الملاحة للجميع. فكيف وُقّعت لاحقاً اتفاقية تُقيد ما كان مفتوحاً؟

مذ ظهرت القضية إلى السطح في العراق، لم ينطفئ جمر الجدل حول اتفاقية خور عبد الله مع الكويت، على الرغم من خفوته في حالات مثل الانشغال بالقمة العربية التي استضافتها بغداد، والتي لم تكن على قدر أمنيات حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وجاءت بتمثيل دبلوماسي متدنٍ لأسباب من بينها قضية الاتفاقية ذاتها، إذ دار حديث عن أنّ الامتعاض الكويتي من قرار المحكمة الاتحادية العراقية العليا التي نقضت الاتفاقية، امتدّ إلى زعماء وأمراء الخليج. 

في أوج الصراعات الكلامية عن الاتفاقية، جاء حديث نوري المالكي رئيس الوزراء إبان إبرام اتفاقية خور عبد الله في 29 نيسان 2012، بوصفه المسؤول الأول والذي عقدها بناءً على محادثات مع الجانب الكويتي، شارك فيها أيضاً وزير النقل آنذاك هادي العامري ومسؤولون آخرون. 

يقول المالكي، إنّ حكومته نجحت في هذه الاتفاقية بـ “إعادة الخور إلى العراق”، بعد أنّ ضاع وفق الترسيم الذي نفذته الأمم المتحدة وأقره قرار مجلس الأمن 833، ويروي بفخر كيف وقف في وجه “مسؤول بريطاني” كان يريد أنّ يُخضِع العراق للقرار الدولي، ثم ذهب إلى الكويت وانتزع حق الملاحة في الخور، أي حق المرور للجانبين. 

يضعنا هذا الحديث أمام أحد احتمالين-أو كلاهما معاً-، الأول أنّ المالكي يمارس تضليلاً فاضحاً، والآخر أنّ رئيس الوزراء الأسبق ووزيره العامري فاوضا الكويتيين دون معرفة بنصوص وثائق الأمم المتحدة ونص القرار الخاص بالترسيم، وهو ما يرجحه عامر عبد الجبار وزير النقل (2008 – 2010)، إذ تثبت نصوص الوثائق الأصلية المرتبطة بقرار مجلس الأمن رقم 833، ومخرجات لجنة ترسيم الحدود (مُدرجة في هذا المقال)، أنّ العراق لم يكن مضطراً إلى عقد اتفاقية خور عبد الله لاستمرار حركة الملاحة إلى موانئه عبر خور عبد الله. 

خور عبد الله.. الحقائق 

خور عبد الله هو ممرٌ مائيٌ يقع شماليّ الخليج العربي بين جزيرتي بوبيان ووربة وشبه جزيرة الفاو العراقية. يمتد الخور داخل الأراضي العراقية، مشكّلاً خور الزبير الذي يقع فيه ميناء أم قصر العراقي، وهو الممر الملاحي الوحيد المؤدي إلى الموانئ العراقية. 

يتّسع الجدل إلى أصل تسمية الخور، في وقت تغيب مصادر أصلية دقيقة يمكن الاعتماد عليها بما يتعلق بالاسم، لكنّه مرتبط بالتراث الجغرافي المحلي. تعني “خور” الممر المائي الضيق، و”عبد الله” قد يكون اسماً تقليدياً مرتبطاً بالمنطقة أو أحد الشخصيات التاريخية المحلية. 

نزاع سبق الدولة 

كانت هذه المنطقة ذات الأهمية البالغة استراتيجياً واقتصادياً، محلّ نزاع بين العراق والكويت على مدى عقود، ولم تعالجها بشكل حاسم الاتفاقياتُ التي أُبرِمت في أوائل القرن الماضي، ومنها المعاهدة الأنجلو-عثمانية عام 1913، واتفاقية العقير عام 1922، التي حددت الحدود بين العراق والكويت وشملت خور عبد الله ضمن المناطق المتنازع عليها. 

اتفاقية 1963 

كما أنّ هذا النزاع امتدّ إلى المناطق المحيطة بخور عبد الله: وربة وبوبيان ومسكان، قبل أن يعترف بها العراق مناطق كويتية في “المحضر المتفق عليه بشأن استعادة العلاقات الودية والاعتراف والمسائل ذات الصلة” الموقع في بغداد بتاريخ 4 تشرين الأول 1963، والذي مثّلَ لاحقاً حجر الزاوية لإجراءات ترسيم الحدود بموجب الفقرة 3 من قرار مجلس الأمن 687 عام 1991، الذي صدر في أعقاب حرب الخليج الثانية، دون اعتبار لتراجع العراق عن المحضر في 1973. 

مخرجات لجنة ترسيم الحدود بين العراق والكويت  

مخرجات لجنة ترسيم الحدود بين العراق والكويت.  

الترسيم بعد النكبة  

على هذا الأساس، كانت إجراءات لجنة الترسيم فنية بحتة لتحديد الإحداثيات الدقيقة للحدود المتفق عليها عام 1963 لأول مرة، ووفق تعريف الحدود لعام 1932، والذي نص على أنّ الحدود تمتد من نقطة جنوب صفوان “شرقاً مروراً بجنوب آبار صفوان وجبل سنام وأم قصر حتى ملتقى خور الزبير مع خور عبد الله”. 

فيما يتعلق بالجزء الأخير من هذا الجزء من الحدود، أي من نقطة جنوب أم قصر إلى ملتقى الخورين، تقول لجنة الأمم المتحدة إنّها لاحظت أن التعريف لا يحدد المسار الدقيق للحدود، فقررت أنّ الإشارة إلى “جنوب أم قصر” تعني أنّ الحدود يجب أن تتبع الشاطئ الجنوبي لخور شيطانة وخور الزبير. 

رسمت اللجنة هذا الجزء من الحدود، بناءً على ذلك، عند خط أدنى جزر على الجانب الكويتي من خور شيطانة وخور الزبير، وحدد هذا الخط بناءً على المسح الهيدروغرافي الذي تم إجراؤه حينها وفق خطوات نصت عليها وثائق الأمم المتحدة.  

ذات الأمر ينطبق على الجزء البحري من الحدود في خور عبد الله، من ملتقى خور الزبير وخور شيطانة شرقاً، أي أنّ تعريف عام 1932 لا يقدم أي توجيه محدد سوى تخصيص الجزر، لتقرر اللجنة أن الحدود في خور عبد الله يجب أن تتبع خط الوسط، أي الخط الذي تكون كل نقطة فيه متساوية البعد عن أقرب نقطة على خطوط الأساس لكلا الدولتين، ثم حددت خطوط الأساس على أنها خط أدنى جزر على طول الساحل. 

وهنا مثار اعتراض العراق، إذ أدى اعتبار جزيرتي وربة وبوبيان، القريبتَيْن من الساحل العراقي، خطاً حدودياً كويتياً، وعدم اعتماد مبدأ خط التالوك إلى تقليل مساحة المياه الإقليمية العراقية في خور عبد الله، وحرمانه من امتلاك ممر ملاحي عميق وبالتالي فقدان فرصة منافسة موانئ دول الخليج. 

خريطة تُظهر المنطقة التي تشمل جزيرة وربة وشريطاً ساحلياً كويتياً بعرض أربع كيلومترات، والذي رغبت العراق في تأمينه بعقد إيجار طويل الأمد عام 1955. المصدر: خريطة مرفقة ضمن تقرير السير مايكل رايت بتاريخ 24 ايار 1955 من السفارة البريطانية في بغداد إلى وزارة الخارجية. 

خريطة تُظهر المنطقة التي تشمل جزيرة وربة وشريطاً ساحلياً كويتياً بعرض أربع كيلومترات، والذي رغبت العراق في تأمينه بعقد إيجار طويل الأمد عام 1955. المصدر: خريطة مرفقة ضمن تقرير السير مايكل رايت بتاريخ 24 ايار 1955 من السفارة البريطانية في بغداد إلى وزارة الخارجية. 

حق الملاحة وفق القرار 833 

لكنّ توصياتِ لجنة الترسيم تشير إلى أنّها أخذت في الاعتبار مسألة الوصول الملاحي إلى ميناء أم قصر العراقي، ونصت في التقرير النهائي بشأن ترسيم الحدود الدولية بين جمهورية العراق ودولة الكويت المؤرخ 20 أيار 1993 (S/25811)، على أنّ يتمتع العراق والكويت بحقّ المرور في القناة الملاحية الرئيسية لخور عبد الله، كما أكّدت أنّ ترسيم الحدود لا يؤثر على حقوق الملاحة التي يتمتع بها كلا البلدين بموجب القانون الدولي. 

وأفردت اللجنة الفقرتين 96 و97 من توصياتها في وثيقة مستقلة تنص على أنّ “المنفذ الملاحي للدولتين إلى مختلف أنحاء إقليم كل منهما المتاخم للحدود المخططة، هو من الأهمية بمكان لضمان توفير طابع عادل ولتعزيز الاستقرار والسلم والأمن على طول الحدود”، وثبتت أنّ هذا المنفذ الملاحي ممكن للدولتين عن طريق خور الزبير، وخور شتانه وخور عبد الله إلى جميع مياه وأقاليم كل منهما المتاخمة لحدودهما، ومنها”. 

وثبتت اللجنة الحق في الملاحة والوصول بموجب قواعد القانون الدولي المثبتة في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 التي صدق عليها العراق والكويت على حد سواء، وأقرت بنص صريح وواضح أنّ “حق الوصول يعني ضمناً تمتع الدولتين بحق الملاحة غير قابل للتعليق”. 

ويمكن تلخيص ما تقدّم بأنّ تقرير لجنة الترسيم (S/25811) ثبّت الحدود في خور عبد الله ضمن القسم التاسع (ج) كما يلي: 

1. تبدأ الحدود البحرية في خور عبد الله من “ملتقى خور الزبير مع خور عبد الله”، وهذه النقطة تمثل نهاية الجزء الحدودي الذي يتبع خط أدنى جَزر على الجانب الكويتي من خور شيطانة وخور الزبير، والذي يبدأ من نقطة جنوب أم قصر (النقطة 125 في قائمة الإحداثيات بالتقرير). 

 2. تعريف الحدود لعام 1932، الذي اعتمده محضر 1963، لم يقدم توجيهاً محدداً لمسار الحدود شرق ملتقى الخورين، باستثناء تخصيص الجُزر (وربة وبوبيان للكويت)، لذلك، لجأت اللجنة إلى مبادئ القانون الدولي والممارسات الدولية المتعلقة بترسيم الحدود البحرية بين الدول المتجاورة أو المتقابلة. 

 3. قررت اللجنة أن الحدود في خور عبد الله يجب أن تتبع “خط الوسط Median Line”، وهو الخط الذي تكون كل نقطة عليه متساوية البعد عن أقرب نقطة على خطوط الأساس لكلا الدولتين. 

 4. تحديد خطوط الأساس المستخدمة لحساب خط الوسط بأنها “خط أدنى جزر” على طول سواحل الدولتين، بما في ذلك سواحل الجزر العراقية والكويتية الواقعة في الخور أو بالقرب منه (مثل جزيرتي وربة وبوبيان). 

 5. لعدم كفاية الخرائط المتاحة، أجرت اللجنة مسحاً هيدروغرافياً مفصلاً للمنطقة “خور الزبير، خور شيطانة، خور عبد الله” باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي التفاضلي (DGPS) والسونار متعدد الحزم. مكّن هذا المسح من تحديد خطوط أدنى جزر بدقة وإنتاج خرائط بحرية جديدة استخدمت في حساب خط الوسط. 

 6. بناءً على خطوط الأساس المشتقة من المسح الهيدروغرافي والخرائط، رسم خط الوسط رياضياً من نقطة ملتقى الخورين “النقطة 125” شرقاً حتى نهاية منطقة الخور التي تم مسحها، ثم رسم مسار خط الوسط هذا بواسطة 27 نقطة إحداثيات إضافية “من النقطة 126 إلى النقطة 152″، وأدرجت إحداثياتها الجغرافية الدقيقة (خطوط الطول والعرض) في القائمة النهائية المرفقة بالتقرير. 

7. أكدت اللجنة ومجلس الأمن على أهمية ضمان حق الوصول الملاحي لكلا البلدين، وأوضح تقرير اللجنة أن ترسيم الحدود وفقاً لخط الوسط يضمن استمرار الوصول الملاحي، وأن كلا البلدين يتمتعان بحق المرور في القناة الملاحية الرئيسية لخور عبد الله وفقاً للقانون الدولي، وأن قرارات الترسيم لا تؤثر على هذه الحقوق. 

خريطة وتقرير لجنة ترسيم الحدود بين العراق والكويت. 

لا شرط ولا قيد 

تكشف هذه الوثائق أنّ اللجنة لم تفرض على العراق أي شروط أو قيود على الملاحة في خور عبد الله، على الرغم من مقاطعة النظام السابق لأعمالها، كما لم تفرض على العراق أيّ بنود توجب التوصل إلى اتفاق أو تسوية مع الكويت بما يتعلق بالخور أو الحدود المائية بشكل عام. 

أي أنّ العراق لم يكن مضطراً إلى توقيع اتفاقية مع الكويت بشأن الملاحة في خور عبد الله، ويوضح أيضاً أنّ قرار مجلس الأمن 833 لم يمنح الكويت سلطة التحكم بحركة الملاحة، ولا يتضمن أي نص يُوجِب تنازل العراق أو إقرار التزامات لاحقة حول المياه الإقليمية للخروج من البند السابع. 

 
تقرير مجلس الأمن بشأن ترسيم الحدود بين العراق والكويت. 

عن ماذا تنازل العراق؟ 

بالعودة إلى حديث المالكي، يتّضح أن حكومته لم تدرس هذه الوثائق قبل محادثاتها مع الكويت خلال ولايته الثانية، وانطلقت من أنّ العراق لا يمتلك حق الملاحة في المجرى العميق في خور عبد الله، ثم وافقت على بنود قيدت حركة السفن إلى العراق ومنحت الكويت حقوقاً إضافية، وهو ما يسوقه رئيس الوزراء الأسبق انتصاراً تاريخياً. 

تتضمن الاتفاقية 16 مادة، وتهدف بحسب ديباجتها إلى “التعاون في تنظيم الملاحة البحرية والمحافظة على البيئة البحرية في الممر الملاحي في خور عبد الله بما يحقق مصلحة كلا الطرفين”، ولغرض “تعزيز العلاقة الثنائية بين البلدين واحتراماً لحق المرور الملاحي المقر في المواثيق والاتفاقيات الدولية”. 

اقرأ أيضاً

العراق والكويت.. تاريخ النزاعات وحاضر الفرص 

وحددت الاتفاقية الممر الملاحي بالمسار الموجود من نقطة التقاء القناة الملاحية في خور عبد الله بالحدود الدولية ما بين النقطتين الحدوديتين البحريتين رقم (156) ورقم (157) باتجاه الجنوب إلى النقطة (162)، ومن ثم إلى بداية مدخل القناة الملاحية عند مدخل خور عبد الله، وفرضت في أبرز بنودها: 

– عند ممارستها لحق المرور الملاحي، فإنّ السفن التي تحمل جنسية أحد الطرفين عند مرورها في البحر الإقليمي للطرف الآخر فإنها لا ترفع أي علم آخر سوى علم جنسيتها، أما السفن الأجنبية فعند مرورها بالممر الملاحي فإنها ترفع علم جنسيتها فقط. 

– يمارس كل طرف سيادته على الجزء من الممر الملاحي الذي يقع ضمن بحره الإقليمي بما لا يتعارض مع حق المرور البريء المنصوص عليه في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982. 

– يعمل كل طرف على منع الصيادين من التواجد في الجزء من الممر الملاحي الواقع في البحر الإقليمي التابع له. 

– ينشئ الطرفان لجنة إدارة مشتركة تتولى تنظيم وتنسيق الملاحة في الممر الملاحي في خور عبد الله. 

– لا تستوفى الرسوم إلا مقابل الخدمات التي تؤدى إلى السفن، أما الإيرادات الناشئة عن إرشاد السفن أو أية خدمات أخرى وكذلك الخدمات التي يؤديها أي من الطرفين، تُستَوفَى من قبل الطرف الذي يكون قد قام بإرشاد السفن أو قدم الخدمات المذكورة في أعلاه. 

– تؤمن خدمات الإرشاد للسفن من قبل الطرف الذي تتوجه تلك السفن إلى أو من أحد موانئه من أو إلى البحر. 

كما توجب في حال نشب خلاف بين الطرفين حول تفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية على تسويته ودياً، وفي حال تعذر إحالته إلى المحكمة الدولية لقانون البحار، وتنص على أنّها “سارية المفعول لمدة غير محددة، ويجوز لكل طرف إنهاؤها بإشعار كتابي إلى الطرف الآخر أمدُه ستة أشهر وعلى أن يتم الإنهاء بموافقة الطرفين”، مع جواز “تعديلها باتفاق الطرفين”. 

وبغض النظر عن قضية الرسوم ورفع العلم، يرى المعترضون في الاتفاقية اعترافاً مذلاً بشكل الحدود المائية مع الكويت، وخسارة هائلة كلّفت العراق سيادته وبوابته إلى العالم، فضلاً عن التزامات أخرى ترتبت من خلال اللجان المعنية بتنفيذ الاتفاقية، ويستندون في ذلك إلى ما خلصت إليه لجنة تحقيق شكلها البرلمان سابقاً بخصوصها. 

وفي 2017، أوصت لجنة شكّلها البرلمان العراقي لمراجعة اتفاقية تنظيم الملاحة مع الكويت، بإيقاف العمل بها باعتبارها تتضمن “تجاوزاً على السيادة العراقية في ساحله البحري الوحيد، ومخالفة للقرار الدولي 833، وتفرض الرقابة على سفن العراق الحربية، وتوجب اطلاع الكويت على كل التحركات الأمنية لخفر السواحل العراقي”، مشيرة إلى أنّ الاتفاقية أُبرِمت بهدف تنظيم الملاحة، أي ما يتطلب وجود حركة سفن لدى الطرفين، وبعدم وجود نشاط ملاحي للكويت “يتوجب إيقاف العمل فيها في الوقت الحاضر”. 

تقرير مجلس النواب العراقي بشأن اتفاقية خور عبدالله. 

أما قرار المحكمة الاتحادية الذي أبطل الاتفاقية، والذي يواجه طعناً من قبل رئيس الحكومة محمد شياع السوداني ورئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، فيستند إلى أنّ “التصويت غير دستوري”، باعتباره لم يحصل على أغلبية الثلثين من أعضاء مجلس النواب كما تنص المادة 61 من الدستور. 

ومن المقرر أنّ تنظر المحكمة الاتحادية العليا، بالطعن الحكومي والرئاسي في قرارها منتصف حزيران، إذ أرجأت الملف بالتزامن مع موعد القمة العربية التي عقدت في بغداد. 

ميناء الفاو قطع الطريق؟ 

أمام كلّ هذا تبرز حقيقة أخرى تتمثل في إنشاء ميناء الفاو الكبير على شواطئ الخليج مباشرة، في مشروع ضخم واعد يمثل إطلالة مباشرة للعراق على البحر ويفك القيود المرتبطة بالحدود ضمن خور عبد الله. 

يقع الميناء عند رأس البيشة في أقصى جنوب الفاو، على مساحة شاسعة تبلغ 54 كيلومتراً، بعيداً عن المناطق المتنازع عليها مع الكويت، مما يضمن وصولاً مباشراً إلى المياه الدولية، مع أرصفة أعمق تسمح باستقبال سفن وبواخر أضخم، ويرتبط بميناء أم قصر عبر النفق المغمور. 

وتقول الحكومة إنّ الميناء سيعمل بطاقة 3.5 مليون حاوية سنوياً، و22 مليون طن من البضائع السائبة، في المرحلة الأولى، ثم 7 مليون حاوية سنوياً و33 مليون طن من البضائع السائبة، ثم 25 مليون حاوية و55 مليون طن من البضائع السائبة، وهدفه الأساس “تحويل العراق إلى مركز تجاري رئيسي ومؤثر في المنطقة بأكملها”، دون أي تبعات مرتبطة بالمناطق المتنازع عليها مع الكويت. 

ماذا يعني نقض الاتفاقية؟ 

بالمقابل، تروج الحكومة وأطراف سياسية لها صلة مباشرة بالاتفاقية، بما فيهم المالكي، مخاوف من تداعيات خطرة جراء نقض اتفاقية “تنظيم الملاحة” في خور عبد الله مع الكويت، لكن هذا الحديث لا يستند إلى أي أساس حقيقي، إذ لم يفرض القرار 833 على العراق أي تبعات أو شروط لتنظيم الملاحة، ولم ينص على أي عقوبات مرتبطة بالخلافات حول المياه الإقليمية مع الكويت. 

* تنشر هذه المادة بالشراكة مع الشبكة العراقية للصحافة الاستقصائية ”نيريج“.  

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

مذ ظهرت القضية إلى السطح في العراق، لم ينطفئ جمر الجدل حول اتفاقية خور عبد الله مع الكويت، على الرغم من خفوته في حالات مثل الانشغال بالقمة العربية التي استضافتها بغداد، والتي لم تكن على قدر أمنيات حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وجاءت بتمثيل دبلوماسي متدنٍ لأسباب من بينها قضية الاتفاقية ذاتها، إذ دار حديث عن أنّ الامتعاض الكويتي من قرار المحكمة الاتحادية العراقية العليا التي نقضت الاتفاقية، امتدّ إلى زعماء وأمراء الخليج. 

في أوج الصراعات الكلامية عن الاتفاقية، جاء حديث نوري المالكي رئيس الوزراء إبان إبرام اتفاقية خور عبد الله في 29 نيسان 2012، بوصفه المسؤول الأول والذي عقدها بناءً على محادثات مع الجانب الكويتي، شارك فيها أيضاً وزير النقل آنذاك هادي العامري ومسؤولون آخرون. 

يقول المالكي، إنّ حكومته نجحت في هذه الاتفاقية بـ “إعادة الخور إلى العراق”، بعد أنّ ضاع وفق الترسيم الذي نفذته الأمم المتحدة وأقره قرار مجلس الأمن 833، ويروي بفخر كيف وقف في وجه “مسؤول بريطاني” كان يريد أنّ يُخضِع العراق للقرار الدولي، ثم ذهب إلى الكويت وانتزع حق الملاحة في الخور، أي حق المرور للجانبين. 

يضعنا هذا الحديث أمام أحد احتمالين-أو كلاهما معاً-، الأول أنّ المالكي يمارس تضليلاً فاضحاً، والآخر أنّ رئيس الوزراء الأسبق ووزيره العامري فاوضا الكويتيين دون معرفة بنصوص وثائق الأمم المتحدة ونص القرار الخاص بالترسيم، وهو ما يرجحه عامر عبد الجبار وزير النقل (2008 – 2010)، إذ تثبت نصوص الوثائق الأصلية المرتبطة بقرار مجلس الأمن رقم 833، ومخرجات لجنة ترسيم الحدود (مُدرجة في هذا المقال)، أنّ العراق لم يكن مضطراً إلى عقد اتفاقية خور عبد الله لاستمرار حركة الملاحة إلى موانئه عبر خور عبد الله. 

خور عبد الله.. الحقائق 

خور عبد الله هو ممرٌ مائيٌ يقع شماليّ الخليج العربي بين جزيرتي بوبيان ووربة وشبه جزيرة الفاو العراقية. يمتد الخور داخل الأراضي العراقية، مشكّلاً خور الزبير الذي يقع فيه ميناء أم قصر العراقي، وهو الممر الملاحي الوحيد المؤدي إلى الموانئ العراقية. 

يتّسع الجدل إلى أصل تسمية الخور، في وقت تغيب مصادر أصلية دقيقة يمكن الاعتماد عليها بما يتعلق بالاسم، لكنّه مرتبط بالتراث الجغرافي المحلي. تعني “خور” الممر المائي الضيق، و”عبد الله” قد يكون اسماً تقليدياً مرتبطاً بالمنطقة أو أحد الشخصيات التاريخية المحلية. 

نزاع سبق الدولة 

كانت هذه المنطقة ذات الأهمية البالغة استراتيجياً واقتصادياً، محلّ نزاع بين العراق والكويت على مدى عقود، ولم تعالجها بشكل حاسم الاتفاقياتُ التي أُبرِمت في أوائل القرن الماضي، ومنها المعاهدة الأنجلو-عثمانية عام 1913، واتفاقية العقير عام 1922، التي حددت الحدود بين العراق والكويت وشملت خور عبد الله ضمن المناطق المتنازع عليها. 

اتفاقية 1963 

كما أنّ هذا النزاع امتدّ إلى المناطق المحيطة بخور عبد الله: وربة وبوبيان ومسكان، قبل أن يعترف بها العراق مناطق كويتية في “المحضر المتفق عليه بشأن استعادة العلاقات الودية والاعتراف والمسائل ذات الصلة” الموقع في بغداد بتاريخ 4 تشرين الأول 1963، والذي مثّلَ لاحقاً حجر الزاوية لإجراءات ترسيم الحدود بموجب الفقرة 3 من قرار مجلس الأمن 687 عام 1991، الذي صدر في أعقاب حرب الخليج الثانية، دون اعتبار لتراجع العراق عن المحضر في 1973. 

مخرجات لجنة ترسيم الحدود بين العراق والكويت  

مخرجات لجنة ترسيم الحدود بين العراق والكويت.  

الترسيم بعد النكبة  

على هذا الأساس، كانت إجراءات لجنة الترسيم فنية بحتة لتحديد الإحداثيات الدقيقة للحدود المتفق عليها عام 1963 لأول مرة، ووفق تعريف الحدود لعام 1932، والذي نص على أنّ الحدود تمتد من نقطة جنوب صفوان “شرقاً مروراً بجنوب آبار صفوان وجبل سنام وأم قصر حتى ملتقى خور الزبير مع خور عبد الله”. 

فيما يتعلق بالجزء الأخير من هذا الجزء من الحدود، أي من نقطة جنوب أم قصر إلى ملتقى الخورين، تقول لجنة الأمم المتحدة إنّها لاحظت أن التعريف لا يحدد المسار الدقيق للحدود، فقررت أنّ الإشارة إلى “جنوب أم قصر” تعني أنّ الحدود يجب أن تتبع الشاطئ الجنوبي لخور شيطانة وخور الزبير. 

رسمت اللجنة هذا الجزء من الحدود، بناءً على ذلك، عند خط أدنى جزر على الجانب الكويتي من خور شيطانة وخور الزبير، وحدد هذا الخط بناءً على المسح الهيدروغرافي الذي تم إجراؤه حينها وفق خطوات نصت عليها وثائق الأمم المتحدة.  

ذات الأمر ينطبق على الجزء البحري من الحدود في خور عبد الله، من ملتقى خور الزبير وخور شيطانة شرقاً، أي أنّ تعريف عام 1932 لا يقدم أي توجيه محدد سوى تخصيص الجزر، لتقرر اللجنة أن الحدود في خور عبد الله يجب أن تتبع خط الوسط، أي الخط الذي تكون كل نقطة فيه متساوية البعد عن أقرب نقطة على خطوط الأساس لكلا الدولتين، ثم حددت خطوط الأساس على أنها خط أدنى جزر على طول الساحل. 

وهنا مثار اعتراض العراق، إذ أدى اعتبار جزيرتي وربة وبوبيان، القريبتَيْن من الساحل العراقي، خطاً حدودياً كويتياً، وعدم اعتماد مبدأ خط التالوك إلى تقليل مساحة المياه الإقليمية العراقية في خور عبد الله، وحرمانه من امتلاك ممر ملاحي عميق وبالتالي فقدان فرصة منافسة موانئ دول الخليج. 

خريطة تُظهر المنطقة التي تشمل جزيرة وربة وشريطاً ساحلياً كويتياً بعرض أربع كيلومترات، والذي رغبت العراق في تأمينه بعقد إيجار طويل الأمد عام 1955. المصدر: خريطة مرفقة ضمن تقرير السير مايكل رايت بتاريخ 24 ايار 1955 من السفارة البريطانية في بغداد إلى وزارة الخارجية. 

خريطة تُظهر المنطقة التي تشمل جزيرة وربة وشريطاً ساحلياً كويتياً بعرض أربع كيلومترات، والذي رغبت العراق في تأمينه بعقد إيجار طويل الأمد عام 1955. المصدر: خريطة مرفقة ضمن تقرير السير مايكل رايت بتاريخ 24 ايار 1955 من السفارة البريطانية في بغداد إلى وزارة الخارجية. 

حق الملاحة وفق القرار 833 

لكنّ توصياتِ لجنة الترسيم تشير إلى أنّها أخذت في الاعتبار مسألة الوصول الملاحي إلى ميناء أم قصر العراقي، ونصت في التقرير النهائي بشأن ترسيم الحدود الدولية بين جمهورية العراق ودولة الكويت المؤرخ 20 أيار 1993 (S/25811)، على أنّ يتمتع العراق والكويت بحقّ المرور في القناة الملاحية الرئيسية لخور عبد الله، كما أكّدت أنّ ترسيم الحدود لا يؤثر على حقوق الملاحة التي يتمتع بها كلا البلدين بموجب القانون الدولي. 

وأفردت اللجنة الفقرتين 96 و97 من توصياتها في وثيقة مستقلة تنص على أنّ “المنفذ الملاحي للدولتين إلى مختلف أنحاء إقليم كل منهما المتاخم للحدود المخططة، هو من الأهمية بمكان لضمان توفير طابع عادل ولتعزيز الاستقرار والسلم والأمن على طول الحدود”، وثبتت أنّ هذا المنفذ الملاحي ممكن للدولتين عن طريق خور الزبير، وخور شتانه وخور عبد الله إلى جميع مياه وأقاليم كل منهما المتاخمة لحدودهما، ومنها”. 

وثبتت اللجنة الحق في الملاحة والوصول بموجب قواعد القانون الدولي المثبتة في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 التي صدق عليها العراق والكويت على حد سواء، وأقرت بنص صريح وواضح أنّ “حق الوصول يعني ضمناً تمتع الدولتين بحق الملاحة غير قابل للتعليق”. 

ويمكن تلخيص ما تقدّم بأنّ تقرير لجنة الترسيم (S/25811) ثبّت الحدود في خور عبد الله ضمن القسم التاسع (ج) كما يلي: 

1. تبدأ الحدود البحرية في خور عبد الله من “ملتقى خور الزبير مع خور عبد الله”، وهذه النقطة تمثل نهاية الجزء الحدودي الذي يتبع خط أدنى جَزر على الجانب الكويتي من خور شيطانة وخور الزبير، والذي يبدأ من نقطة جنوب أم قصر (النقطة 125 في قائمة الإحداثيات بالتقرير). 

 2. تعريف الحدود لعام 1932، الذي اعتمده محضر 1963، لم يقدم توجيهاً محدداً لمسار الحدود شرق ملتقى الخورين، باستثناء تخصيص الجُزر (وربة وبوبيان للكويت)، لذلك، لجأت اللجنة إلى مبادئ القانون الدولي والممارسات الدولية المتعلقة بترسيم الحدود البحرية بين الدول المتجاورة أو المتقابلة. 

 3. قررت اللجنة أن الحدود في خور عبد الله يجب أن تتبع “خط الوسط Median Line”، وهو الخط الذي تكون كل نقطة عليه متساوية البعد عن أقرب نقطة على خطوط الأساس لكلا الدولتين. 

 4. تحديد خطوط الأساس المستخدمة لحساب خط الوسط بأنها “خط أدنى جزر” على طول سواحل الدولتين، بما في ذلك سواحل الجزر العراقية والكويتية الواقعة في الخور أو بالقرب منه (مثل جزيرتي وربة وبوبيان). 

 5. لعدم كفاية الخرائط المتاحة، أجرت اللجنة مسحاً هيدروغرافياً مفصلاً للمنطقة “خور الزبير، خور شيطانة، خور عبد الله” باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي التفاضلي (DGPS) والسونار متعدد الحزم. مكّن هذا المسح من تحديد خطوط أدنى جزر بدقة وإنتاج خرائط بحرية جديدة استخدمت في حساب خط الوسط. 

 6. بناءً على خطوط الأساس المشتقة من المسح الهيدروغرافي والخرائط، رسم خط الوسط رياضياً من نقطة ملتقى الخورين “النقطة 125” شرقاً حتى نهاية منطقة الخور التي تم مسحها، ثم رسم مسار خط الوسط هذا بواسطة 27 نقطة إحداثيات إضافية “من النقطة 126 إلى النقطة 152″، وأدرجت إحداثياتها الجغرافية الدقيقة (خطوط الطول والعرض) في القائمة النهائية المرفقة بالتقرير. 

7. أكدت اللجنة ومجلس الأمن على أهمية ضمان حق الوصول الملاحي لكلا البلدين، وأوضح تقرير اللجنة أن ترسيم الحدود وفقاً لخط الوسط يضمن استمرار الوصول الملاحي، وأن كلا البلدين يتمتعان بحق المرور في القناة الملاحية الرئيسية لخور عبد الله وفقاً للقانون الدولي، وأن قرارات الترسيم لا تؤثر على هذه الحقوق. 

خريطة وتقرير لجنة ترسيم الحدود بين العراق والكويت. 

لا شرط ولا قيد 

تكشف هذه الوثائق أنّ اللجنة لم تفرض على العراق أي شروط أو قيود على الملاحة في خور عبد الله، على الرغم من مقاطعة النظام السابق لأعمالها، كما لم تفرض على العراق أيّ بنود توجب التوصل إلى اتفاق أو تسوية مع الكويت بما يتعلق بالخور أو الحدود المائية بشكل عام. 

أي أنّ العراق لم يكن مضطراً إلى توقيع اتفاقية مع الكويت بشأن الملاحة في خور عبد الله، ويوضح أيضاً أنّ قرار مجلس الأمن 833 لم يمنح الكويت سلطة التحكم بحركة الملاحة، ولا يتضمن أي نص يُوجِب تنازل العراق أو إقرار التزامات لاحقة حول المياه الإقليمية للخروج من البند السابع. 

 
تقرير مجلس الأمن بشأن ترسيم الحدود بين العراق والكويت. 

عن ماذا تنازل العراق؟ 

بالعودة إلى حديث المالكي، يتّضح أن حكومته لم تدرس هذه الوثائق قبل محادثاتها مع الكويت خلال ولايته الثانية، وانطلقت من أنّ العراق لا يمتلك حق الملاحة في المجرى العميق في خور عبد الله، ثم وافقت على بنود قيدت حركة السفن إلى العراق ومنحت الكويت حقوقاً إضافية، وهو ما يسوقه رئيس الوزراء الأسبق انتصاراً تاريخياً. 

تتضمن الاتفاقية 16 مادة، وتهدف بحسب ديباجتها إلى “التعاون في تنظيم الملاحة البحرية والمحافظة على البيئة البحرية في الممر الملاحي في خور عبد الله بما يحقق مصلحة كلا الطرفين”، ولغرض “تعزيز العلاقة الثنائية بين البلدين واحتراماً لحق المرور الملاحي المقر في المواثيق والاتفاقيات الدولية”. 

اقرأ أيضاً

العراق والكويت.. تاريخ النزاعات وحاضر الفرص 

وحددت الاتفاقية الممر الملاحي بالمسار الموجود من نقطة التقاء القناة الملاحية في خور عبد الله بالحدود الدولية ما بين النقطتين الحدوديتين البحريتين رقم (156) ورقم (157) باتجاه الجنوب إلى النقطة (162)، ومن ثم إلى بداية مدخل القناة الملاحية عند مدخل خور عبد الله، وفرضت في أبرز بنودها: 

– عند ممارستها لحق المرور الملاحي، فإنّ السفن التي تحمل جنسية أحد الطرفين عند مرورها في البحر الإقليمي للطرف الآخر فإنها لا ترفع أي علم آخر سوى علم جنسيتها، أما السفن الأجنبية فعند مرورها بالممر الملاحي فإنها ترفع علم جنسيتها فقط. 

– يمارس كل طرف سيادته على الجزء من الممر الملاحي الذي يقع ضمن بحره الإقليمي بما لا يتعارض مع حق المرور البريء المنصوص عليه في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982. 

– يعمل كل طرف على منع الصيادين من التواجد في الجزء من الممر الملاحي الواقع في البحر الإقليمي التابع له. 

– ينشئ الطرفان لجنة إدارة مشتركة تتولى تنظيم وتنسيق الملاحة في الممر الملاحي في خور عبد الله. 

– لا تستوفى الرسوم إلا مقابل الخدمات التي تؤدى إلى السفن، أما الإيرادات الناشئة عن إرشاد السفن أو أية خدمات أخرى وكذلك الخدمات التي يؤديها أي من الطرفين، تُستَوفَى من قبل الطرف الذي يكون قد قام بإرشاد السفن أو قدم الخدمات المذكورة في أعلاه. 

– تؤمن خدمات الإرشاد للسفن من قبل الطرف الذي تتوجه تلك السفن إلى أو من أحد موانئه من أو إلى البحر. 

كما توجب في حال نشب خلاف بين الطرفين حول تفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية على تسويته ودياً، وفي حال تعذر إحالته إلى المحكمة الدولية لقانون البحار، وتنص على أنّها “سارية المفعول لمدة غير محددة، ويجوز لكل طرف إنهاؤها بإشعار كتابي إلى الطرف الآخر أمدُه ستة أشهر وعلى أن يتم الإنهاء بموافقة الطرفين”، مع جواز “تعديلها باتفاق الطرفين”. 

وبغض النظر عن قضية الرسوم ورفع العلم، يرى المعترضون في الاتفاقية اعترافاً مذلاً بشكل الحدود المائية مع الكويت، وخسارة هائلة كلّفت العراق سيادته وبوابته إلى العالم، فضلاً عن التزامات أخرى ترتبت من خلال اللجان المعنية بتنفيذ الاتفاقية، ويستندون في ذلك إلى ما خلصت إليه لجنة تحقيق شكلها البرلمان سابقاً بخصوصها. 

وفي 2017، أوصت لجنة شكّلها البرلمان العراقي لمراجعة اتفاقية تنظيم الملاحة مع الكويت، بإيقاف العمل بها باعتبارها تتضمن “تجاوزاً على السيادة العراقية في ساحله البحري الوحيد، ومخالفة للقرار الدولي 833، وتفرض الرقابة على سفن العراق الحربية، وتوجب اطلاع الكويت على كل التحركات الأمنية لخفر السواحل العراقي”، مشيرة إلى أنّ الاتفاقية أُبرِمت بهدف تنظيم الملاحة، أي ما يتطلب وجود حركة سفن لدى الطرفين، وبعدم وجود نشاط ملاحي للكويت “يتوجب إيقاف العمل فيها في الوقت الحاضر”. 

تقرير مجلس النواب العراقي بشأن اتفاقية خور عبدالله. 

أما قرار المحكمة الاتحادية الذي أبطل الاتفاقية، والذي يواجه طعناً من قبل رئيس الحكومة محمد شياع السوداني ورئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، فيستند إلى أنّ “التصويت غير دستوري”، باعتباره لم يحصل على أغلبية الثلثين من أعضاء مجلس النواب كما تنص المادة 61 من الدستور. 

ومن المقرر أنّ تنظر المحكمة الاتحادية العليا، بالطعن الحكومي والرئاسي في قرارها منتصف حزيران، إذ أرجأت الملف بالتزامن مع موعد القمة العربية التي عقدت في بغداد. 

ميناء الفاو قطع الطريق؟ 

أمام كلّ هذا تبرز حقيقة أخرى تتمثل في إنشاء ميناء الفاو الكبير على شواطئ الخليج مباشرة، في مشروع ضخم واعد يمثل إطلالة مباشرة للعراق على البحر ويفك القيود المرتبطة بالحدود ضمن خور عبد الله. 

يقع الميناء عند رأس البيشة في أقصى جنوب الفاو، على مساحة شاسعة تبلغ 54 كيلومتراً، بعيداً عن المناطق المتنازع عليها مع الكويت، مما يضمن وصولاً مباشراً إلى المياه الدولية، مع أرصفة أعمق تسمح باستقبال سفن وبواخر أضخم، ويرتبط بميناء أم قصر عبر النفق المغمور. 

وتقول الحكومة إنّ الميناء سيعمل بطاقة 3.5 مليون حاوية سنوياً، و22 مليون طن من البضائع السائبة، في المرحلة الأولى، ثم 7 مليون حاوية سنوياً و33 مليون طن من البضائع السائبة، ثم 25 مليون حاوية و55 مليون طن من البضائع السائبة، وهدفه الأساس “تحويل العراق إلى مركز تجاري رئيسي ومؤثر في المنطقة بأكملها”، دون أي تبعات مرتبطة بالمناطق المتنازع عليها مع الكويت. 

ماذا يعني نقض الاتفاقية؟ 

بالمقابل، تروج الحكومة وأطراف سياسية لها صلة مباشرة بالاتفاقية، بما فيهم المالكي، مخاوف من تداعيات خطرة جراء نقض اتفاقية “تنظيم الملاحة” في خور عبد الله مع الكويت، لكن هذا الحديث لا يستند إلى أي أساس حقيقي، إذ لم يفرض القرار 833 على العراق أي تبعات أو شروط لتنظيم الملاحة، ولم ينص على أي عقوبات مرتبطة بالخلافات حول المياه الإقليمية مع الكويت. 

* تنشر هذه المادة بالشراكة مع الشبكة العراقية للصحافة الاستقصائية ”نيريج“.